الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط
في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

بات الهروب من براثن الاحتجاز غير القانوني والتهريب والتعذيب والاغتصاب حلم كل مهاجر غير نظامي وضعته الأقدار في ليبيا، إلا أن عددا كبيرا منهم لا ينجح في مغادرة هذا السجن الضخم، خصوصا مع إعادة الكثيرين إلى ليبيا عند اعتراضهم في المياه الإقليمية من قبل خفر السواحل الليبي، وهو أمر يرفضه المهاجرون بشدة إلى درجة أن بعضهم قد يقدم على الانتحار فور وصول خفر السواحل إليهم كي لا يعود إلى الجحيم الليبي.

أما البعض الآخر من المهاجرين غير النظاميين فيكونون أكثر حظا، فإما أن يتم اعتراضهم في المياه الإقليمية التونسية واقتيادهم إلى موانئ تونسية، أو تنجح محاولات بعضهم في الفرار من ليبيا ودخول الأراضي التونسية خلسة عبر الصحراء.
ولئن ينجح آخرون، وهم قلة قليلة، في الوصول إلى أوروبا، وبشكل خاص إيطاليا ومالطا، فانّ معاناة هؤلاء المهاجرين لا تنتهي هناك. فبعد الفرار من القتل والتعذيب، يجدون أنفسهم إزاء الفقر والخصاصة وأمام مصير مجهول في انتظار إعلامهم إما بالموافقة على طلب لجوئهم في إحدى الدول، أو رفض ذلك ، الأمر الذي قد يجعل بعضهم مجبرا على الترحيل والعودة إلى ليبيا.

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط
في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

بات الهروب من براثن الاحتجاز غير القانوني والتهريب والتعذيب والاغتصاب حلم كل مهاجر غير نظامي وضعته الأقدار في ليبيا، إلا أن عددا كبيرا منهم لا ينجح في مغادرة هذا السجن الضخم، خصوصا مع إعادة الكثيرين إلى ليبيا عند اعتراضهم في المياه الإقليمية من قبل خفر السواحل الليبي، وهو أمر يرفضه المهاجرون بشدة إلى درجة أن بعضهم قد يقدم على الانتحار فور وصول خفر السواحل إليهم كي لا يعود إلى الجحيم الليبي.

أما البعض الآخر من المهاجرين غير النظاميين فيكونون أكثر حظا، فإما أن يتم اعتراضهم في المياه الإقليمية التونسية واقتيادهم إلى موانئ تونسية، أو تنجح محاولات بعضهم في الفرار من ليبيا ودخول الأراضي التونسية خلسة عبر الصحراء.
ولئن ينجح آخرون، وهم قلة قليلة، في الوصول إلى أوروبا، وبشكل خاص إيطاليا ومالطا، فانّ معاناة هؤلاء المهاجرين لا تنتهي هناك. فبعد الفرار من القتل والتعذيب، يجدون أنفسهم إزاء الفقر والخصاصة وأمام مصير مجهول في انتظار إعلامهم إما بالموافقة على طلب لجوئهم في إحدى الدول، أو رفض ذلك ، الأمر الذي قد يجعل بعضهم مجبرا على الترحيل والعودة إلى ليبيا.

تونس.. محطة عبور ولكن

تصل أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء القادمين من ليبيا إلى تونس. وعادة ما يتمّ إنقاذ المراكب التي كانت تقلّهم في عرض البحر ونقلهم إلى الموانئ التونسية حيثُ يتمّ التنسيق مع منظمّات دولية، وعلى وجه الخصوص المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وإيوائهم في مراكز تابعة للمنظمتين.
وقد تم إنقاذ كلّ من حسني وهنادي السودانيّين في المياه الإقليمية التونسية، بعد أيام قضيّاها على متن زورق صغير في عرض البحر، بعد نفاد البنزين .وقد ظلّ المهاجرون في حالة خوف وترقب دون الحصول على مساعدة تذكر رغم أن طائرات تابعة لدول الاتحاد الأوربي كانت تحلق غير بعيد عنهم.
وكان مركبهم قد اقتيد إلى ميناء صفاقس من قبل وحدات بحرية للحرس التونسي. وقد تقدّم حسني وهنادي بطلب لدى المفوضية السّامية لشؤون اللاجئين للحصول على صفة لاجئ أملا في تحقيق أحلامهما بالهجرة إلى ”الجنة الأوروبية الموعودة“ غير أنّ الردّ تأخر كثيرا.

ويقيم حسني وهنادي في صفاقس بأحد المبيتات التابعة لمفوضية شؤون اللاجئين، التي تقدّم لطالبي اللجوء مبلغا شهريا قدره 200 دينار، إلى جانب بعض المساعدات العينية التي لا تكفي لتأمين حياة كريمة للمهاجرين.

”يجد المهاجرون غير النظاميين أو طالبي اللجوء أنفسهم عاطلين عن العمل وعاجزين عن
إيجاد مصادر تؤمن قوتهم اليومي بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي في تونس وعدم توفر أعمال أو وظائف شاغرة يمكن امتهانها“.

وتصطدم أحلام الكثيرين بالوصول إلى أوروبا بواقع أشد قسوة عندما يتمّ رفض طلب تسجيلهم كلاجئين. فحسني، وبعد سنة قضاها في الانتظار والمقابلات التي لا تنتهي مع مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتونس، فوجئ برسالة تم إعلامه فيها بأنه ”غير مؤهل للحصول على الحماية الدولية للاجئين“، الأمر الذي حطّم آماله في مستقبل أفضل وأكثر أمنا في بلد يحترم حقوق الإنسان، وجعله يفكر بالعودة جديا إلى ليبيا ليعمل هناك، رغم كلّ الانتهاكات التي لحقته والتعذيب الذي عاشه في الأراضي الليبية.

”بعض المهاجرين وطالبي اللجوء تتقطع بهم السبل ولا يجدون مفرا من ليبيا إلا عبر المخاطرة بحياتهم وعبور الحدود التونسية الليبية خلسة، فيقطعون الصحراء مشيا على الأقدام أملا في الوصول الى بلد سمعوا أنّه يحترم حقوق الإنسان لاسيما بعد الثورة التي حصلت فيه“

وقد غادر حسن، مهاجر غير نظامي قادم من السودان، في أحد الأيام من سنة 2019، منطقة زوارة الليبية بمعية رفاق له التقاهم هناك، وعبر الصحراء مشيا على الأقدام وصولا إلى تونس، أين تم إيواؤه في مركز تابع للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمدنين، وهو ينتظر البت في طلب اللجوء الذي تقدم به للمفوضية أملا في الهجرة يوما ما إلى بريطانيا، أين يقطن بعض أفراد عائلته وأصدقائه.

 

وفي المبيت، يشكو حسن الفقر، فهو لا يتحصل سوى على مبلغ 200 دينار شهريا، وعلى الرغم من توفر الأمن الذي كان مفقودا في ليبيا، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة تجعل الحياة شبه مستحيلة بالنسبة له في تونس، وتنعدم آماله في حياة أفضل هنا أو في أي بلد أفريقي آخر، فالهجرة إلى أوروبا بالنسبة إليه حلم سيوفر له الحياة الكريمة التي يريدها.

أما محمد، القادم من إريتريا، فبعد 6 أشهر قضاها في ليبيا صحبة زوجته، تمكّن من الفرار معها إلى تونس بعد أن اجتازا الصحراء الفاصلة بين تونس وليبيا مشيا على الأقدام، ليتم استقبالهما في المبيت التابع لمفوضية شؤون اللاجئين بمدنين، وهما، كغيرهما من طالبي اللجوء، يعيشان على المنحة الشهرية التي تقدمها المفوضية لهما، وينتظران بفارغ الصبر قبول مطلبي لجوئهما حتى تتاح لهما فرصة الوصول إلى الأراضي الأوروبية، أين يحلمان بمستقبل أفضل.

”تشكو مراكز إيواء المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس، سواء كانت تابعة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين أو للمنظمة الدولية للهجرة، من الاكتظاظ، خاصة مع التباطؤ المسجّل في تسوية وضعيات المهاجرين وطالبي اللجوء وتواصل تدفقهم إلى التراب التونسي“

ويتّسم التعامل مع المهاجرين وطالبي اللجوء في بعض المراكز بالقسوة والإهمال وعدم المبالاة وفق ما عاينه فريق ”الكتيبة“ خلال زيارة ميدانية تمّ تعزيزها بشهادات لعدد من المهاجرين وطالبي اللجوء. 

وعلى إثر انتشار فيروس كورونا المستجد خلال النصف الأوّل من سنة 2020، تمّ منع المهاجرين المتواجدين بالمبيت التابع للمنظمة الدولية للهجرة بمدنين من مغادرة المكان تماما، إلى درجة تشبه الاحتجاز مع عدم توفّر الأغذية الضرورية للمهاجرين. كما تم إبقاء مصاب بالفيروس في المركز مع بقية المهاجرين، ما جعلهم عرضة للإصابة بالفيروس. ولم يتم نقل المصاب إلا بعد تدخل مكونات المجتمع المدني بمدنين.

وهمُ الجنة الأوروبية

قد يتبادر إلى ذهن البعض أنّ المهاجرين غير النظاميين الأوفر حظا هم من وطأت أقدامهم أراض أوروبية حيث ”الجنة الموعودة“ التي ينتظر أن تفي بوعودها في تحقيق حياة أفضل ومستقبل أرحب، إلاّ أن الواقع كثيرا ما يخالف هذه الصورة الطوباوية. فالمهاجرون غير النظاميين الذي ينجحون في الوصول إلى إيطاليا أو مالطا يجدون أنفسهم ضحايا سياسات لا انسانية ومراكزَ احتجاز قد لا يختلف فيها الوضع كثيرا عن سجون أعتى الأنظمة الاستبدادية ودول العالم النامي .

مايكل (اسم مستعار رفض نشر هويته الرسمية)، ابن الـ16 ربيعا القادم من نيجيريا، وصل إلى مالطا سنة 2019، بعد رحلة طويلة دامت أياما في عرض البحر وسط زورق صغير يعجّ بالمهاجرين، إثر اعتراضهم من قبل سفينة كبيرة اتصلت بالسلطات المالطية التي أرسلت زوارق لإنقاذهم واقتيادهم إلى مركز المرسى لاحتجاز المهاجرين جنوب العاصمة فاليتا.

ظلّ مايكل قابعا في مركز المرسى 6 أشهر رفقة عدد آخر من المهاجرين، لم يتمكن خلالها من مغادرة المركز، حيث لم يكن يُسمح لهم بالخروج أو مغادرة المكان، حتى وان كان الأمر يتعلّق بضرورة تلقّي العلاج  وفق تأكيد مايكل.

”كانت المعاملة هناك سيئة للغاية، حتى الطعام الذي كان يقدّم للمهاجرين وطالبي اللجوء الموجودين هناك كان سيئا جدا لا يمكن حتى للكلب تناوله“

ومركز المرسى لاستقبال المهاجرين هو مركز مغلق يتم وضع اللاجئين أو طالبي اللجوء فيه فور وصولهم إلى التراب المالطي، وكان يُعرف سابقا باسم مركز احتجاز، حيث كان على الوافدين البقاء فيه طيلة 18 شهرا. إلا أنه حاليا يمثل مركز استقبال أولي يبقى فيه المهاجرون أو طالبو اللجوء أو اللاجئون أسبوعين فقط، على أن يتمّ إرسالهم إثر ذلك إما إلى أحد المراكز المفتوحة أو إلى مركز احتجاز.

إثر ذلك، تم نقل مايكل إلى مركز هال فار، وهو مركز أفضل من ”المرسى“ حيث يُسمح للمهاجرين بالتنقل كما يريدون، إلا أن التعامل معهم لم يتغيّر كثيرا نحو الأفضل، فالطعام الذي يقدّم لهم مازال سيئا جدا، الأمر الذي يدفع المهاجرين إلى إخفاء جزء من الأموال التي تقدم لهم شهريا لشراء طعامهم الخاص.

”عدد كبير من المالطيين عنصريون جدا تجاه الأفارقة خصوصا والأجانب عموما، وقد يصل بهم الأمر إلى إغلاق أنوفهم إذا صعد مواطن أفريقي على متن حافلة ما“

ويعدّ مركز ”هال فار“ أحد أكبر مراكز الإيواء المفتوحة في مالطا، وهو معدّ لاستقبال اللاجئين وطالبي اللجوء لا احتجازهم. ويُرسل إليه أولئك الذين تم الإفراج عنهم من مراكز الاحتجاز والأشخاص الذين حصلوا على الحماية من الدولة المالطية. إلاّ أنّ الأوضاع في مراكز الاحتجاز في مالطا، سواء كانت المفتوحة أو المغلقة، جذبت الانتباه إليها خاصة مع طول مدة الاحتجاز في المراكز المغلقة، الأمر الذي يمثل انتهاكا للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

كلمة الكتيبة:

في إطار هذا التحقيق تقدمت الزميلة رحمة الباهي بطلب للسفارة المالطية بتونس قصد الحصول على التأشيرة بهدف التنقل إلى مالطا وذلك لاستكمال عملها الاستقصائي. وعلى الرغم من أنّ ملفها لم تكن تشوبه أية شائبة إلا أنّ السفارة ما ان علمت بسبب الزيارة رفضت منحها الفيزا.

وكانت إدارة التحرير قد راسلت السلط الليبية ممثلة في حكومة الوفاق حيث اتصلت بوزير الداخلية فتحي باشاغا بغرض الحصول على توضيحات رسمية إلا أنّه اعتذر عن الإدلاء بأي تصريح أو رد مكتوب.

شارك في الانتاج:

alqatibaتأطير: محمد اليوسفي

alqatibaفيديو: حمزة فزّاني

alqatibaرسوم:مهدي الهمامي

alqatibaاشراف فني: وليد الماجري

alqatibaغرافيك:منال بن رجب

alqatibaتطوير تقني:PRODEXO