الكاتب : وليد الماجري

مدير ومؤسس موقع ”الكَتيبَه“، صحفي استقصائي ومدرّب في تقنيات السرد الصحفي البصري وصحافة الاستقصاء.

بمساعدة سناء السبوعي

هل كانت تونس بمثابة حديقة خلفية لعمليات غسل أموال لشركات دولية ثبتَ تورّطها في الحرب الأهلية الإيفوارية عام 2010؟ وهل مَثّل اختراق هذه الشركات سيّئة السّمعة، وبعضُها ملاحق دوليا، للساحة المالية التونسية سببا مباشرا أو غير مباشر في تصنيف تونس ضمن القائمة الأوروبية للملاذات الضريبية قبل أن يتمّ سحبها من تلك القائمة سنة 2019 بعد مساع حثيثة من السلطات التونسية؟

وبالتوازي مع كلّ الأسئلة الحارقة أعلاه ألا يجدر بنا التساؤل عن سبب دخول اثنين من كبار تجّار السلاح في العالم إلى تونس وانشائهما لمجموعة شركات واجهة خلال الفترة الفاصلة بين سنتيْ 2008 و2011 التي اتّسمت بعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني في تونس، علما أنّهما يديران، الى جانب شركات السلاح، عددا من المليشيات الأمنية المسلّحة تتكوّن من مقاتلين مرتزقة من مختلف الجنسيات مهمّتها توفير الحماية للأنظمة والحكّام خلال فترات التوتّر السياسي والأمني تماما مثلما حصل مع لوران غباغبو خلال الحرب الأهلية في الكوت ديفوار سنة 2010؟

الكاتب : وليد الماجري

مدير ومؤسس موقع ”الكَتيبَه“، صحفي استقصائي ومدرّب في تقنيات السرد الصحفي البصري وصحافة الاستقصاء.

بمساعدة سناء السبوعي

هل كانت تونس بمثابة حديقة خلفية لعمليات غسل أموال لشركات دولية ثبتَ تورّطها في الحرب الأهلية الإيفوارية عام 2010؟ وهل مَثّل اختراق هذه الشركات سيّئة السّمعة، وبعضُها ملاحق دوليا، للساحة المالية التونسية سببا مباشرا أو غير مباشر في تصنيف تونس ضمن القائمة الأوروبية للملاذات الضريبية قبل أن يتمّ سحبها من تلك القائمة سنة 2019 بعد مساع حثيثة من السلطات التونسية؟

وبالتوازي مع كلّ الأسئلة الحارقة أعلاه ألا يجدر بنا التساؤل عن سبب دخول اثنين من كبار تجّار السلاح في العالم إلى تونس وانشائهما لمجموعة شركات واجهة خلال الفترة الفاصلة بين سنتيْ 2008 و2011 التي اتّسمت بعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني في تونس، علما أنّهما يديران، الى جانب شركات السلاح، عددا من المليشيات الأمنية المسلّحة تتكوّن من مقاتلين مرتزقة من مختلف الجنسيات مهمّتها توفير الحماية للأنظمة والحكّام خلال فترات التوتّر السياسي والأمني تماما مثلما حصل مع لوران غباغبو خلال الحرب الأهلية في الكوت ديفوار سنة 2010؟

عام 2010 تم إبرام اتفاقية بين شركة “سملكس أنترنشونال ليميتد”، التي يقع مقرها في أيرلندا، وبين شركة “كاميمكس”، التي تأسّست فعليا بالعاصمة التونسية وتمّ تسجيلها تحت هذا الاسم التجاري بتاريخ 24 ديسمبر 2010 على أنقاض شركة أخرى تونسية كانت تحمل اسم “أكسس”. كان العقد ينصّ على اعطاء الشركة التونسية تفويضا لشركة “سملكس” لشراء شحنات النفط الخام في تونس.

هذا العقد لم يكن سوى ذريعة لتحويل الأموال الى تونس ومنها الى وجهات أخرى على غرار الكوت ديفوار (ساحل العاج) حيث لم ترَ صفقة النفط المزعومة النّور أبدا، وفي المقابل مثّل هذا العقد ضربة البداية لنزع الغطاء عن العمليات المشبوهة التي يقوم بها كلّ من روبرت مونتويا وفريدريك لافونت وزوجتيْهما وعدد من المتعاونين معهم من تونس ومن خارج تونس والمتعلّقة أساسا بتبييض الأموال و تدويرها والاستفادة من الأرضية القانونية الهشّة في تونس آنذاك لتمويل صفقات تدخل تحت طائلة القرار 1572 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يفرض حظر الأسلحة في كوت ديفوار.

تاجر الأسلحة الفرنسي فريدريك لافونت (بالرداء الأسود ويبتسم للكاميرا) مع فنان الراب MC Solaar ولاعب كرة القدم الفرنسي المحترف السابق باسيل بولي

شركة “كاميمكس” المقيمة في تونس، مذكورة شأنها شأن مؤسسيها فريديريك لافونت وروبرت مونتويا، في ثلاثة تقارير للأمم المتحدة (أفريل وأكتوبر 2012، أفريل 2013). وهي تقارير تمّت صياغتها بعد القرار 1572 لمجلس الأمن تثبت بالدليل القاطع تورّطهم في خرق قرار حظر الأسلحة وفق ما سنأتي على ذكره بالتفصيل في هذا التحقيق.

وفق مصدر قضائي فرنسي، سيتم فتح تحقيق قضائي بشأن التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في كوت ديفوار وغسيل أموال ضد مؤسسي شركة “كاميمكس” وأحد شركائهم في السنغال. موقع “الكتيبة” قام بالاتصال، في هذا الصدد، بمكتب المدّعي العام في باريس لمعرفة تفاصيل أكثر حول هذه الاتهامات الموجّهة للشخصيات المذكورة والتي لها امتدادات مالية في تونس، غير أنّ اجابته كانت موجزة وصارمة “القضية قيد التحقيق وهي مشمولة بالسرية”.

انتبه .. صفقة قد تخفي

أخرى غير شرعية !

في غرّة مارس 2010 وقّعت شركة “سملكس أنترنشونال ليميتد” اتفاقية مع شركة “كاميمكس” ومقرها المنزه بالعاصمة تونس. مذكّرة التفاهم المبرمة بين الطّرفين كانت تتيح لشركة “سملكس” العمل كوكيل لشركة “كاميمكس” لشراء شحنات النفط الخام في تونس.

بعد نحو سنة، وقبل يومين فقط من سقوط نظام بن علي أي بتاريخ 12 جانفي/يناير 2011، أصدرت شركة “سملكس” فاتورة لفائدة كاميمكس بمبلغ 1،620،000 دولار أمريكي بعنوان “استشارات تسويق النفط المتعلّقة بالعقد 10/2010”. كانت الفاتورة تشير إلى وجوب سداد الدفعة في حساب بنك كانتونال دي جنيف.

معلّقة اشهارية لمجموعة سملكس الرائدة في صناعة الهويّات البيومترية، والمتورّطة كذلك في تسليح الحرب الأهلية بساحل العاج.

قد تبدو تلك الأموال، من الوهلة الأولى وكأنّما تفوحُ منها شبهة التورّط في أحداث العنف التي حصلت في تونس خلال شهر جانفي/يناير في تونس. في الحقيقة فانّ هذه الفرضية لا يوجد ما يدعمها على أرض الواقع، ولكن في المقابل توجد أدلّة قويّة على أنّ صفقة النفط المزعومة وغيرها من الصفقات الأخرى التي حصلت خلال تلك الفترة في تونس تحت غطاء شركة “كاميمكس” وشبكة الشركات الواجهة المتّصلة بها في تونس، لم تكن سوى نشاطا وهميا الغرض منه غسل الأموال وتوجيهها لتمويل صفقات السلاح الموجّهة لدعم قوّات لوران غباغبو ضدّ خصمه السياسي الرئيس المتخب الحسن واتارا.

روبرت مونتويا، وكيل شركة “كاميمكس” التونسية، كان الرّجلَ الذي وفّر عبر شركته الايفوارية “دارك وُود” طائرتيْ سوخويْ 25 اللّتين قصفتا المخيّم وسهّل عمليّة فرار الطيّارين البيلّارُوسييْن بعد انتهاء العملية. عنصر المفاجأة هنا يكمن في أنّ شركة “دارك وُود” الإيفوارية مملوكة بنسبة 85 بالمائة لشركة “أطلنتس” التونسية التي يملكها روبرت مونتويا وشريكه لافونت.

لفهم عمليات غسل الأموال التي حصلت على الساحة التونسية من قبل شبكة تجّار السلاح الدولية التي يتزعّمها فريديرك لافونت وروبرت مونتويا، يجب العودة إلى أصول الأزمة السياسية المتفجّرة في الكوت ديفوار. فمنذ الإطاحة بانقلاب الرئيس بِيدِي علَى يَد الجنرال غُويْ في عام 1999، كان ساحل العاج بشكل منتظم مسرحًا لمعارك سياسية أدّت إلى تفجّر نزاعات مسلحة دامية. في عام 2000، أصبح لوران غباغبو رئيسًا، تلته 3 سنوات من العنف، ما أدّى بشكل خاص إلى تفجير مخيم بواكي في عام 2004 (9 قتلى و 38 جريحًا بين الجنود الفرنسيين ومقتل أمريكي يعمل في منظمة غير حكومية).

فريديريك لافونت رفقة احدى الفرق الأمنية بمكلفة لحماية الرئيس الايفواري السابق لورون غباغبو.

”المُعدّات التي نحتاجها بشكل عاجل“

مطلع عام 2011، ومع اشتداد الصّراع في ساحل العاج، اجتمعت مجموعة صغيرة من رجال الأعمال في غرفة خاصة في نزل “مانداران” من فئة الخمس نجوم في جنيف. وقد حضر الاجتماع ممثل عن شركة “غنفر” الرائدة عالميا في تجارة النفط إلى جانب رجل اعمال فرنسي يدعى أوليفييه بازين له تاريخ إجرامي موثّق بتقارير أممية ورُوبَرت مونتويا فرنسي الأصل حامل للجنسية الايفوارية كذلك، وهو رئيس شبكة دولية لتهريب الأسلحة كانت قد زوّدت غباغبو بالأسلحة منذ الحرب الأهلية في البلاد بين 2002 و2004.

وكشفت مراسلات سرية تسنّى لنا الاطّلاع عليها، من بينها أكثر من 100 ألف رسالة إلكترونية وعقود وسجلات مصرفية مسرّبة، تمّت مشاركتها مع “مشروع التغطية الصحفية لأخبار الجريمة المنظمة والفساد الدولي” OCCRP ومجلة “ميدور” (Médor) ومقرها بلجيكا، أنّ أحد مستشاري غباغبو كان قد وجّه رسالة إلى بازين، قبل أسابيع فقط من الاجتماع، أدرج فيها قائمة بأسلحة تبلغ قيمتها 4,5 مليون أورو، أي ما يعادل 6,3 مليون دولار، يرغب في اقتنائها.

وكتب أوبرت زهور، أحد مستشاري غباغبو في ذلك الوقت، ”هذه هي المعدّات التي نحتاجها بشكل عاجل“، مشيرا إلى قائمة تضمّنت ما يقارب 7 ملايين طلقة من الذخيرة، و6000 قذيفة صاروخية و300 قنبلة دخانية.

أعاد بازين توجيه الرسالة إلى شركة ”غنفر“ مذيّلا ايّاها بالجملة التالية ”تبعا لما تمّ نقاشه، أرسل إليك قائمة المعدات التي طلبها ممثل الرئيس من الرُّوس“.

القائمة المسرّبة للأسلحة التي طلبها أوبريت زهور المستشار السابق للوران غباغبو.

بعد أيام قليلة من رسالة زهور، أرسل بازين إلى المدير التنفيذي لـسملكس، ألبرت كارازيوان، بعض البيانات التي وقع استخدامها لملء فاتورة مؤرخة في 12 جانفي/يناير 2011 بمبلغ 1,6 مليون دولار تتعلق بشركة “كاميمكس” التونسية التي يملكها مناصفة كلّ من روبرت مونتويا وفريدريك لافونت.

تم وصف “كاميمكس” كشركة تجارة نفط تونسية. غير أنّنا لم نجد لها أيّ نشاط على أرض الواقع أو أي سجلّ يفيد أنّ الشركة أو مديريها مسموح لهم بإجراء معاملات تتعلق بالنفط في البلاد. 

وبدلا من ذلك، تُرجّح كلّ الوثائق البنكية والسجلّات التي بحوزتنا أنّ الشركة ليست سوى وسيلة لإيصال الدفوعات إلى أصحابها من تجار الأسلحة، وهما روبرت مونتويا وشريكه فريدريك لافونت اللّذان يتمّ حاليا التحقيق معهما بشأن جرائم ضد الإنسانية وغسيل الأموال أمام القضاء الفرنسي وفق ما أكّده المدّعي العام في باريس.

في عام 2011، تم أسْرُ غباغبو عندما رفض تسليم السلطة وأصبح الحسن واتارا رئيسًا. وفي شهر أفريل 2012، أعدّ فريق خبراء مجلس الأمن الدّولي أول تقرير يسرد الانتهاكات المحتملة لقرار حظر الأسلحة بالإضافة إلى قائمة الأشخاص والكيانات التي ينبغي فرض عقوبات ضدها. وكان فريدريك لافونت وروبرت مونتويا مالكو شركة “كاميمكس” بالإضافة إلى العديد من شركائهم والعديد من الشركات ضمن قائمة الشخصيات والكيانات التي ثبت خرقها للقرار الأممي.

يوصي الفريق بأن تحدد اللجنة عقوبات على الأفراد الآتي ذكرهم: روبرت مونتويا، فريديريك لافونت، ميخائيل كابيلو، إسمي لويز كودو وأنسيلمي سيكا يابو. وعلى الكيانات التالية: أباكس هولدينغ، أطلانتس كوربورايشن، أطلانتس (تونس)، دارك وُود لوجيستيكس، بروتيك-سا، بروتيك-سي، سيلفورد إنترناشونال، صوفيا الخطوط الجوية SA و UAZ-CI.

النقطة 239 من تقرير فريق الخبراء الصادر بتاريخ أفريل 2012.

ووفق ما ورد في التقرير المذكور وجملة التقارير اللاحقة الصادرة عن خبراء مجلس الأمن الدولي فقد عمد هؤلاء الأشخاص وشركاتهم مرارًا وتكرارًا الى انتهاك نظام العقوبات المفروض على ساحل العاج. وكانت تونس مسرحا لعمليات غسل الأموال التي تمّ بموجبها تمويل صفقات السلاح وغيرها من الأنشطة الأخرى (قطع غيار طائرات حربية الخ…) التي مثّلت انتهاكا لنظام العقوبات المفروض على كوت ديفوار.

شارك السادة لافون ومونتويا وكابيلو، وما يزالون يشاركون، بشكل مباشر أو غير مباشر ، في هيكل معقد من الشركات مقرها في تونس وساحل العاج ولاتفيا، ما سمح لها بانتهاك نظام العقوبات المفروضة على ساحل العاج باستمرار.

النقطة 38 من التقرير الصادر عن لجنة خبراء مجلس الأمن بتاريخ أفريل 2012.

 Adobe Stock ©

في تقرير ثانٍ نُشر في أكتوبر 2012، صاغ الخبراء مرة أخرى التوصيات وأكّدوا أنّ تلك التي وردت في تقرير أفريل ماتزال صالحة، لا سيما ضد كلّ من لافونت ومونتويا على اعتبار تواصل أنشطتهما غير المشروعة. أخيرًا، في تقرير ثالث صدر في أفريل 2013، استشهد الخبراء بالرجلين مرة أخرى، وأشاروا إلى أنّ المعلومات الجديدة أكدّت حدوث انتهاكات أخرى للحظر من قبل الرّجلين السابق ذكرهما.

في تقرير ثانٍ نُشر في أكتوبر 2012، صاغ الخبراء مرة أخرى التوصيات وأكّدوا أنّ تلك التي وردت في تقرير أفريل ماتزال صالحة، لا سيما ضد كلّ من لافونت ومونتويا على اعتبار تواصل أنشطتهما غير المشروعة. أخيرًا، في تقرير ثالث صدر في أفريل 2013، استشهد الخبراء بالرجلين مرة أخرى، وأشاروا إلى أنّ المعلومات الجديدة أكدّت حدوث انتهاكات أخرى للحظر من قبل الرّجلين السابق ذكرهما.

من حماية الاليزيه الى حماية ”مجرمي الحرب“

لافون ومونتويا، كانا يخدمان الدولة الفرنسية، الأوّل فيلق سابق والثاني شرطي في قوّات النخبة التي تحمي الاليزيه. بعد سنوات طويلة من العمل تحت الراية الفرنسية، لم تخلُ من فضائح خلال فترة الرئيس فرانسوا ميتيران غادرَا فرنسا واتّجها صوب أفريقيا لتنطلق رحلة طويلة مليئة بالثروة والسلطة والدّماء كذلك. ولكن، من هما هذان الرجلان المتورطان في تقارير الأمم المتحدة، القادران على تنفيذ صفقات أسلحة في ساحل العاج وفتح العديد من الشركات في دول مختلفة؟

فريديريك لافونت هو عضو سابق في الفيلق الفرنسي، انتقل إلى مجال الأمن الخاص في إفريقيا، واستقرّ في ساحل العاج في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ثم ترأس العديد من الشركات في البلاد، ولا سيما شركات الأمن وفي مقدّمتها شركة “المخاطر والرؤية” التي عاضدت القوّات الخاصّة لغباغبو خلال الحرب الأهلية. في عام 2011، فرّ لافونت من ساحل العاج باتّجاه فرنسا عندما سُجن غباغبو وتسلّم خصمه الحسن وتارا الحكم.

c002

روبرت مونتويا

روبرت مونتويا رجل درك سابق، وعضو سابق في خلية مكافحة الإرهاب المنحلة في الإليزيه، اختار أن يوجّه مسيرته المهنية نحو عالم الثروة والسلطة من خلال بوّابة تجارة الأسلحة. وكانت صحيفة لوموند الفرنسية قد ذكرت اسمه في مقال نشر عام 2006 في قضية الهجوم على مخيم بواكي مشيرة الى أنّ شركته المسمّاة “دارك وُود” هي التي وفّرت طائرتيْ سوخويْ اللّتين قصفتا المخيّم وتسّببتا في مقتل وجرح عشرات الفرنسيّين.

كان من المقرّر محاكمة مونتويا في فرنسا على خلفية قضيّة مخيّم بواكي في مارس 2020. غير أنّ موعد المحاكمة أُرجِئ إلى ربيع 2021 بسبب أزمة كوفيد-19 الصحية وفق ما أفادتنا به مصادر قضائية فرنسية.

اسم ثالث ما انفكّ يطفو على سطح الأحداث كلّما بحثنا في سجلّات الشركات التي يديرها الرّجلان في تونس وحتّى خارجها. ميخائيل كابيلو أحد شركاء لافونت ومونتويا. تمّ تقديمه في تقارير الأمم المتحدة على أنّه مسؤول عن العديد من مبيعات الأسلحة إلى حكومة ساحل العاج بين عامي 2008 و 2010. غير أنّ مصادرنا في تونس أكّدت أنّ الرجل لا يعدو أن يكون سوى موظّف لدى مونتويا و لافونت يتمّ استخدام اسمه خلال بعض الأنشطة والصفقات لدرء الشبهات عنهما.

c001

روبرت مونتويا

يتولى الرجلان، مونتويا و لافونت، رئاسة عدد لا يُحصى من الشركات في ساحل العاج وتونس ولاتفيا. وتلتقي جلّ هذه الشركات ضمن شبكة معقّدة من التركيب المالي بهدف الاستعانة بها لتنفيذ صفقات الأسلحة وجملة الأنشطة غير المشروعة بعيدا عن المحاسبة.

حاتم القطّي ..

الصندوق الأسود!

لم يكن لشركات لافونت ومونتويا أن ترى النور في تونس لولا الدّعم القانوني واللوجستي السخيّ الذي وفّره حاتم القطّي. هذا الخبير المحاسب التونسي هو بمثابة “الأب الرّوحي” لجملة تلك الشركات، إذ وُلدت جميعها على يديه في مكتبه الكائن بضاحية المنزه بالعاصمة التونسية. والى حدّ اليوم مازال عنوان مكتبه بمثابة “صندوق رسائل” بالنسبة الى جلّ الشركات المذكورة على اعتبار أنّها غير موجودة فعليا على أرض الواقع وليس لها نشاط حقيقي باستثناء استقبال العُمولات والتحويلات المتعلّقة بأنشطة خارجية مشبوهة.

حاتم القطّي أكّد في لقاء جمعه بموقع “الكتيبة” أنّه لم يكن يعلم سابقا بأنّ حريفيه الأجنبيّين كانا يقومان بغسل الأموال في تونس عبر تلك الشركات التي تمّ تأسيسها على يديه في مكتبه:

كانا يملكان الكثير من المال، وعبّرا عن رغبتهما في الاستثمار في عديد المجالات، وقد رحّبت بالفكرة وشرعنا في تأسيس الشركات. لم أتفطّن الّا عندما تمّ استدعائي للتحقيق القضائي الى انّهما كانا يقومان بغسل الأموال في تونس.

”يوم 8 فيفري/فبراير 2011 استقبلتُهُما في المطار-يقول حاتم القطّي متذكّرا- وتعرّفنا على بعضنا البعض، ولم يدُر بيننا أيّ حديث حول تجارة السلاح أو غسل الأموال. كان كلّ شيء طبيعيا بالنسبة اليّ. في اليوم ذاته قمت بربط الصلة بين مونتويا وصديق لي يدير فرعا بنكيا تابعا للبنك الوطني الفلاحي في ضاحية النصر بالعاصمة بناء على طلب سابق من صديقي بأن أربط الصلة بينه وبين حرفاء لديهم الكثير من المال“.

أحضر روبرت مونتويا وفريدريك لافونت يومها حقيبة من المال تحتوي على مبلغ يناهز 1,2 مليون أورو نقدا وأخبراني أنّهما أدخلاها إلى تونس نقدا وحصلا على ترخيص من المصالح الجمركية بشكل طبيعي عند الدخول الى التراب التونسي.

حاتم القطّي -والكلام له دائما- أكّد أنّ المؤسسة البنكية لم تطلب أيّ معلومات أو وثائق حول مأتى هذا المبلغ المالي الضخم الذّي أحضره الحريفان الأجنبيان نقدا. مشيرا، في السياق ذاته، الى أنّه علِمَ لدى سؤاله حريفيْه حول الهدف من إدخال هذا المبلغ الكبير أنّ المال موجّه لخلاص ثمن محرّك طائرة مروحيّة في ساحل العاج.

وعلى الأرجح، وفق التحريّات التي قمنا بها، فانّ الأمر متعلّق بالمروحيّة آم آي-24 التي كان مونتويا قد خرق الحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة وأرسل فريقا يتكوّن من 6 تقنيين الى ساحل العاج من أجل إصلاحها وفق ما جاء في تقرير فريق خبراء مجلس الأمن. ويبدوأنّ تكاليف إصلاح الطائرة كان مبرمجا تغطيتها انطلاقا من تونس بهدف تفادي عقوبات مجلس الأمن الدولي.

حقوق التأليف: سيزاري بيووارسكي CC by-SA 4.0

الخبير المحاسب حاتم القطي كشف لنا أيضا عن أحد الأنشطة الأخرى التي كان يقوم بها مونتويا و لافونت وشركائهما في تونس. هذا النشاط يتمثّل أساسا في انتداب طيّارين من اجل ارسالهم الى ساحل العاج.

لقد التقيَا ذات يوم بقائد طائرة في مكتبي بهدف التعاقد معه وإرساله الى ساحل العاج من أجل قيادة الطائرات التابعة لهما والإشراف على تنظيم الرحلات.

بمواجهته بالهدف الحقيقي الذي يقف وراء تجنيد الطيّارين والمتمثّل في ارسالهم للمشاركة في الحرب الأهلية التي تدور رحاها في ساحل العاج، نفى حاتم القطّي علمه بخلفيات التجنيد.

القطّي أضاف في السياق ذاته أنّ زوجة روبرت مونتويا (تجمعها قرابة دموية مباشرة بالرئيس السابق غباغبو) كانت قد لعبت سنة 2011 دور الوساطة بين السلطات الجزائرية من جهة وشركة ايطالية من جهة أخرى لاقتناء أسلحة لحساب الجزائر. وقد استعملت زوجة مونتويا شركة تمّ تأسيسها في الغرض في تونس مسجّلة تحت اسم RMD International من أجل الحصول على العُمولة.

هذه العُمولة تمّ التفطّن لها من قبل السلطات التونسية وتمّ فتح تحقيق قضائي في الغرض. وقد تمّ في سياق ذي صلة تجميد المبلغ المالي المقدّر بـ1,2 مليون أورو الذي تمّ ادخاله نقدا الى تونس وإيداعه لدى البنك الوطني الفلاحي. ولئن اعتبر القضاء التونسي أنّ تلك الأموال مجهولة المصدر تدخل تحت طائلة غسل الأموال وقامت السلطات بمصادرتها فانّ كلّا من مونتويا و لافونت وزوجتيهما وبقيّة شركائهما كانوا قد خضعوا للتحقيق بتهمة غسل الأموال وتمكّنوا من مغادرة التراب التونسي دون أيّة محاسبة وفق ما أكّده الخبير حاتم القطّي الذّي كان بدوره قد خضع للتحقيق رفقة شقيقه سامي القطّي (بصفته محامي المجموعة) واطّلع على كلّ تفاصيل القضية.

ولئن يعتزم القضاء الفرنسي الشروع في محاكمة روبرت مونتويا وشركائه في ربيع 2021 بتهم تتعلّق بجرائم حرب فانّ جملة الشركات الراجعة بالنظر لمونتويا ولافونت وشركائهم مازالت الى حدّ الساعة قائمة الذات في تونس وقد يكون بعضها نشطا ويتمّ استغلالها لتمويل أنشطة أخرى غير شرعية دون أن يكون للسلطات التونسية علم بذلك.

كلمة الكتيبة:

هذا العمل الصحفي هو تكملة لتحقيق دولي شارك في إنجازه موقع الكتيبة ورأى النور بتاريخ 20 أكتوبر 2020. وقد أشرف على إنجاز التحقيق الدولي كلّ من خديجة شريف، مارك أندرسون، سناء سبوعي (مشروع التغطية الصحفية لأخبار الجريمة المنظمة والفساد الدولي)، وماتيو أوليفييه (جون أفريك). بالتعاون مع وليد الماجري (موقع الكتيبة) وفيليب إنجلز (ميدور). بعد نشر التحقيق الدولي، ارتأى موقع الكتيبة مزيد التعمّق في المعطيات المتعلّقة بتونس ونفض الغبار عن قصص ظلّت مخفيّة على التونسيين على مدى سنوات طويلة.

كلمة الكتيبة:

هذا العمل الصحفي هو تكملة لتحقيق دولي شارك في إنجازه موقع الكتيبة ورأى النور بتاريخ 20 أكتوبر 2020. وقد أشرف على إنجاز التحقيق الدولي كلّ من خديجة شريف، مارك أندرسون، سناء سبوعي (مشروع التغطية الصحفية لأخبار الجريمة المنظمة والفساد الدولي)، وماتيو أوليفييه (جون أفريك). بالتعاون مع وليد الماجري (موقع الكتيبة) وفيليب إنجلز (ميدور). بعد نشر التحقيق الدولي، ارتأى موقع الكتيبة مزيد التعمّق في المعطيات المتعلّقة بتونس ونفض الغبار عن قصص ظلّت مخفيّة على التونسيين على مدى سنوات طويلة.

الكاتب : وليد الماجري

مدير ومؤسس موقع ”الكَتيبَه“، صحفي استقصائي ومدرّب في تقنيات السرد الصحفي البصري وصحافة الاستقصاء.

بمساعدة سناء السبوعي

تدقيق: محمد اليوسفي
بحث: مالك الزغدودي
ترجمة: رحمة الباهي
بحث: اسكندر السلّامي
رسوم: مهدي الهمامي
بودكاست: حمزة الفزاني
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: أيوب الحيدوسي
بودكاست: حمزة الفزاني
رسوم: مهدي الهمامي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: أيوب الحيدوسي
تدقيق: محمد اليوسفي
بحث: مالك الزغدودي
ترجمة: رحمة الباهي
بحث: اسكندر السلّامي

الكاتب : وليد الماجري

مدير ومؤسس موقع ”الكَتيبَه“، صحفي استقصائي ومدرّب في تقنيات السرد الصحفي البصري وصحافة الاستقصاء

بمساعدة سناء السبوعي

walidmejri