الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

عند مرورك بصفاقس وتحديدا بطريق منزل شاكر في مستوى النقطة الكلمترية عدد 9 وفي المناطق المجاورة لها تشتم رائحة كريهة أشبه بعفن البيض. الآلاف من سكّان المنطقة يتعايشون مع تلك الرائحة طيلة سنوات خلت دون أن يكونوا على وعي ودراية بأنها رائحة لغاز سامّ.

سكّان منطقة “العويّات” من بلدية العوابد-الخزانات بولاية صفاقس تعوّدوا على استنشاق رائحة كريهة تصدر عن مصنع كائن بالمنطقة يتمثّل نشاطه في التكرير الأوّلي للنفط المجمّع. هذه الرائحة الصادرة عن غاز سامّ والتي باتت جزءا من الحياة اليومية لسكّان المنطقة يجهل الكثيرون أنها يمكن أن تصيبهم بأمراض متعدّدة، علاوة عن كونها تخفي تجاوزات خطيرة جعلت من شركة طينة للخدمات البترولية مؤسسة فوق المساءلة القانونية والمدنيّة.

 

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

عند مرورك بصفاقس وتحديدا بطريق منزل شاكر في مستوى النقطة الكلمترية عدد 9 وفي المناطق المجاورة لها تشتم رائحة كريهة أشبه بعفن البيض. الآلاف من سكّان المنطقة يتعايشون مع تلك الرائحة طيلة سنوات خلت دون أن يكونوا على وعي ودراية بأنها رائحة لغاز سامّ.

سكّان منطقة “العويّات” من بلدية العوابد-الخزانات بولاية صفاقس تعوّدوا على استنشاق رائحة كريهة تصدر عن مصنع كائن بالمنطقة يتمثّل نشاطه في التكرير الأوّلي للنفط المجمّع. هذه الرائحة الصادرة عن غاز سامّ والتي باتت جزءا من الحياة اليومية لسكّان المنطقة يجهل الكثيرون أنها يمكن أن تصيبهم بأمراض متعدّدة، علاوة عن كونها تخفي تجاوزات خطيرة جعلت من شركة طينة للخدمات البترولية مؤسسة فوق المساءلة القانونية والمدنيّة.

 

تجاوزات بيئية في غياهب القضاء

في شهر ماي من سنة 2015، توجه خبير في السلامة البيئية مرفوقا بفنيين من الوكالة الوطنية لحماية المحيط إلى مصنع “تانك باتري” التابع لشركة طينة للخدمات البترولية للقيام بمعاينة ميدانية وذلك بعد ورود إشعار من مجموعة من المواطنين.

وثيقة محضر مخالفة ضدّ مصنع تانك باتري رفع من طرف الوكالة الوطنية لحماية المحيط – ماي 2015

عاين الخبير وقتها تصاعد أدخنة من محرقتين موجودتين بهذا المصنع تصدر عنهما انبعاثات غازية كريهة الرائحة ومزعجة متكوّنة من غازات الهيدروجين الملوثة والغاز الفحمي الرباعي وأكسيد الكربون والكبريت والنيترات وغيرها من الغازات السامّة التي من شأنها أن تلحق الضرر مباشرة وبشكل آني بالبيئة وبالصحّة وبالمحيط.

تفيد وثيقة المعاينة أنّ استنشاق تلك الغازات يمكن أن يتسبب في العديد من الأمراض الصدرية للإنسان على غرار الالتهابات الرئوية والحساسيّة، إضافة إلى أضرار محتملة يمكن أن تتكوّن مع مرور الزمن عندما تتصاعد هذه الغازات إلى الطبقات العليا وتتطور لتدخل في تركيبة مياه الأمطار التي ستعود إلى الأرض في شكل تساقطات محمّلة بتركيبة سامة ما من شأنه أن يؤثّر في نوعية المواد الغذائية من زراعات ونباتات ومياه جوفية.

تقوم الشركة بحرق ما يعادل 90 مترا مكعبا أي ما يساوي قرابة 620 برميلا من الغاز الطبيعي عوض تحويله ليصبح قابلا للاستعمال، الشيء الذي يتعارض مع توصيات محكمة المحاسبات في تقريرها لسنة 2011 حيث تعتبر إهدار الطاقة المتمثل في حرق الغازات المستخرجة من باطن الأرض من قبيل سوء التصرّف الذي يرتقي إلى مستوى جريمة فساد وإهدار للطاقة الوطنية وفق ما ورد في التقرير.

في وقت لاحق، قامت اللجنة الفنية التي عاينت جملة هذه المخالفات بإحالة محضرها العدلي إلى المحكمة الابتدائية بصفاقس 2 أين اختفت آثاره على امتداد 5 سنوات.

غاز الـ H2S (كبريتيد الهيدروحين) هو غاز عديم اللون قابل للاشتعال، رائحته كريهة تشبه رائحة عفن البيض. غاز أثقل من الهواء ولذلك تجده في الأماكن العميقة في حالة تسربه. يكون دائما مصاحبا للبترول ويتم فصله عنه بالحرارة. يوصي الخبراء بالابتعاد عن مكان تواجده لمسافة لا تقل عن كيلومترين.

يشير أحد تقارير شركة TPS إلى أنّ كميات غاز ال H2S المصاحبة للبترول المجمع بوحدة “تانك باتري” تتراوح درجات تركيزه بين الـ 6000 ppm وال25000 ppm وهو ما يتجاوز المعدلات العادية بكثير. وتبيّن دراسة أنجزتها نفس الشركة تحت عنوان “تأثير مصنع التانك باتري على المحيط” أنّ منطقة بقطر 1000 متر تحيط بالوحدة المشار إليها تتعرض لضرر مباشر من جراء الافرازات الغازية وبقية المعتمديات والعمادات المجاورة متضررة بشكل غير مباشر عبر انتقال الغازات السامّة إليها عن طريق الرياح.

صورة ليلية مصنع تانك باتري

ويعمد الساهرون على إدارة المصنع منذ سنوات في غالب الأوقات على إطلاق غاز H2S ليلا عندما تقل حركية المواطنين. بيد أنّ ذلك لا يقلّل من خطورة الأضرار الناجمة عن نشاط المصنع المضرّ بصحة الإنسان والحيوان والزراعات على حدّ سواء .

بالعودة إلى قصة المحضر المختفي من أروقة محكمة صفاقس 2، يؤكد المحامي أمير الحمامي أن المحضر الذي تم تحريره من طرف الوكالة الوطنية لحماية المحيط اختفى في أروقة محكمة صفاقس 2 لسنوات قبل أن يظهر من جديد جراء الضغط الذي مارسه.

ويتهم الحمامي الشركة بأنّ لها شبكة تعمل من أجل طمس أي تتبعات تُثار في حقها مبرزا أنه تفطن لهذه المسألة عرضيا من خلال مراسلته لوكيل الجمهورية بمحكمة صفاقس 2 للاستفسار عمّا إذا كان بحوزته نسخة من هذا المحضر، ليتلقى جوابا كتابيا بتاريخ 17 فيفري 2020 بأنّ المحضر المُشار إليه لم يُعثر عليه في الدفاتر التي تُمسك بها وكالة الجمهورية.

وثيقة ردّ وكالة الجمهورية بمحكمة صفاقس 2 على مطلب المحامي أمير الحمامي

وتتميز منطقة العويات والمعتمديات المجاورة لها في ولاية صفاقس بالأنشطة الفلاحية كزراعة أشجار اللوز والزيتون وزراعات أخرى خاصة السقوية ويعتمد فلاحوها على المياه الباطنية. أراض زراعية تعطي لتلك المناطق رونقا خاصا ومشهدا يسر الناظرين إلى أن تصطدم ببناية هذا المصنع والمحرقة التي تتقد نارا وأدخنة، فتُصاب بالدهشة لتسأل بديهيا ماذا يفعل مصنع وسط أراض فلاحية محمية وتجمعات سكنية مجاورة.

مياه بطعم البترول

لم تتوقف تجاوزات وحدة “تانك باتري” عند الإنبعاثات الغازية الملوثة فقط بل تجاوزت ذلك إلى إضرار بالمياه الجوفية لولاية صفاقس من خلال حفر بئرين عميقتين لابتلاع نفاياتها من المياه الملوثة المستخرجة من عملية فصل البترول عن الماء والغاز وذلك بإقرار من الشركة نفسها في دراستها المتعلقة بتأثيرات أنشطتها على المحيط والتي تشير إلى أنّ الوحدة تنتج يوميا 9350 برميلا أي ما يُعادل 1500 مترا مكعبا من المياه الملوثة يتم سكبها مباشرة في البئرين العميقتين.

وثيقة من دراسة شركة طينة للخدمات البترولية حول أخطار مصنع تانك باتري

في شهر أكتوبر من سنة 2017 عاينت المندوبية الجهوية للفلاحة بصفاقس جملة من المخالفات التي تمّ تصنيفها على أنها “خطيرة جدا” وذلك ضمن محضر عدلي تم رفعه بعد مهمة تفقدية قامت بها للتحقق مما نُسب للشركة من تجاوزات والتي أفضت إلى معاينة حفر بئرين عميقتين لولبيتين دون ترخيص في مخالفة لجملة من الفصول القانونية منها المتعلقة بمجلة المياه وخاصة الفصل 75 منها وبالأمر المتعلق بشروط التنقيب واستغلال المياه الجوفية.

مخالفات طالبت على إثرها المندوبية بالتوقف الفوري عن ضخ هذه المياه في الطبقات الجوفية وذلك في قضية تم نشرها منذ أواخر سنة 2017 لم يتم البت والفصل فيها إلى يومنا هذا.

محضر مخالفة ضدّ مصنع تانك باتري رفع من طرف المندوبية الجهوية للفلاحة بصفاقس – أكتوبر 2017

تتكون المائدة المائية بولاية صفاقس من ثلاث طبقات: طبقة أولى سطحية وعمقها لا يتجاوز الـ50 مترا يبلغ حجمها حوالي 39 مليون متر مكعب تُستعمل لسقي الأراضي الفلاحية الخاصة منها والعمومية، وطبقة متوسطة بحجم 11 مليون مترا مكعبا عمقها يتراوح بين الـ70 و 200 متر وهي عبارة عن جيوب مائية متوزعة في أكثر من منطقة تم اكتشافها سنة 2005 وتستعمل لمياه الشرب فيما تبلغ الطبقة الثالثة وهي الجوفية وتغطي كامل ولاية صفاقس وتلامس ولاية المهدية نحو 25.5 مليون متر مكعب على عمق يتجاوز الـ700 متر تُستغل للشرب والاستعمال اليومي ( السياحة ) والري ( الفلاحة ) والصناعة.

يمثل حفر بئرين عميقتين على طول ما يزيد عن 1500 متر تحت سطح الأرض خطرا كبيرا أولا لإمكانية اضراره بالطبقات الأرضية ومزيد تصدّعها، وثانيا للخطر الذي يلحق المائدة الجوفية للمياه بحسب خبير مختص في المجال له دارية بالمؤسسة من الداخل حبّذ عدم كشف هويّته للعموم. غير أنّ شركة طينة للخدمات البترولية لا تعير أيّ اهتمام لذلك.

يمنع سكب المياه الصناعية المستعملة في الطبقة الجوفية بصفة مباشرة أو غير مباشرة كلية أو جزئية.

 الفصل الرابع من الترخيص المسند لتانك باتري
من قبل وزارة الصناعة سنة 2014

وضع قانوني مريب

شيّدت شركة طينة للخدمات البترولية مصنعها “تانك باتري” منذ سنوات على أرض فلاحية مصنفة أرض صيانة وهي بالتالي محمية لا يمكن بأي شكل من الأشكال تشييد المباني فوقها أو استغلالها دون ترخيص من وزارة الفلاحة.

ردّ المندوبية الجهوية للفلاحة بصفاقس على مطلب نفاد إلى المعلومة

يفسر الأستاذ أمير الحمامي أن الشركة منتصبة منذ سنوات وتقوم بأنشطتها الصناعية دون ترخيص إضافة إلى كونه راسل ولاية صفاقس للاطلاع حول ما إذا كان للشركة ترخيصا لبناء هذا المصنع لكنّه لم يتحصل على ردّ.

يظهر محضر مخالفة رفع من طرف المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية سنة 2014 أن العقار المستغل من طرف شركة طينة للخدمات البترولية لوحدتها “تانك باتري” والواقع بطريق منزل شاكر كلم 9، مصنّف حسب خارطة حماية الأراضي الفلاحية لولاية صفاقس، كأرض صيانة فلاحية محمية وأن مصالح المندوبية لم تقم بتغيير صبغتها. كما قامت المندوبية بتحرير محضر مخالفة وجه إلى المحكمة الابتدائية بصفاقس 2 نتيجة الاعتداء على الملك العمومي للمياه. إضافة إلى الضرر المتمثل في ردم مجرى وادي الشعبوني ما من شأنه أن يعطل حركة سيلان المياه عند نزول الأمطار والإضرار بالأجوار.

تنتصب وحدة تانك باتري في طريق منزل شاكر وبالتحديد في النقطة الكلمترية رقم 9 وتحيط بها أراضي فلاحية وملعبَا كرة قدم وتجمعات سكانية. هذا الوضع المريب المخالف للقانون يرى فيه المحامي أمير الحمامي معطيات توحي بوجود تلاعب في تقارير الجهات الرسمية وذلك من أجل فسح المجال لكي تتحصل الشركة على الترخيص الذي يقضي بفتح مصنع التانك باتري بشكل غير قانوني.

ومن خلال البحث في أرشيف هذه المؤسسة نستشف أنّ شركة طينة للخدمات البترولية تحصلت على ترخيص من وزارة الصناعة في عهد حكومة مهدي جمعة يسمح لها بفتح واستغلال مؤسسة مرتبة من الصنف الأوّل يتمثل نشاطها في معالجة وتخزين البترول الخام تانك باتري في القرار عدد 1114 والصادر بتاريخ 28 مارس 2014، والحال أنّ الوحدة تشتغل لسنوات طويلة قبل هذا التاريخ . حاولنا الاتصال بوزير الصناعة، آنذاك، كمال بالناصر لكن لم يتسنّ لنا ذلك بسبب استقراره في الولايات المتحدة الأمريكية.

وثيقة الترخيص الممنوح لفائدة شركة طينة للخدمات البترولية لفتح مصنعها تانك باتري

من المهم الاشارة في هذا السياق إلى أنّه يُشترط عند فتح أي مؤسّسة الاستظهار برأي إدارة الحماية المدنية في علاقة بدراسة ملف الأخطار، وهو ما قامت به شركة طينة للخدمات البترولية في إطار الإعداد لتقديم ملفها المتعلق بالحصول على وثيقة الترخيص لمصنعها “تانك باتري”.

وقد تسنى لنا الإطلاع على وثيقة رأي الإدارة الجهوية للحماية المدنية بصفاقس الذي جاء بالموافقة بعد استبعادها أن يُشكل هذا المصنع خطرا على الأجوار وذلك بنفي أن تكون بجانبه مستشفيات ونزل ومدارس وملاعب وطرقات وجسور وأودية وآبار.

معطيات لا تمت للواقع بصلة حيث أن بناية وحدة تانك باتري محلّ محضر مخالفة يتعلق بردمها لمجرى وادي إضافة إلى وجود طريق رئيسية وأحياء سكنية محاذية لها وأخرى على بعد 500 مترا وتجمعات سكانية ضخمة على بعد كلم وحيد هذا إضافة إلى وجود ملعبين في الجوار أحدهما ملاصق للوحدة، والذي تقدّم صاحبه في أكثر من مناسبة بشكاية إلى الجهات الرسمية جراء الانبعاثات الغازية والروائح الكريهة الصادرة عن المصنع ما تسبب في نفور حرفائه. هذه الوضعية تكشف بشكل فاضح التزوير الذي أدخل على تقرير الحماية المدنية حيث ورد منافيا للواقع.

محضر معاينة الإدارة الجهوية للحماية المدنية

من هي شركة طينة للخدمات البترولية؟

هي شركة خفية الاسم تمّ إحداثها سنة 1992 من طرف الشركة التونسية للأنشطة البترولية ETAP وشركة بريتش غاز BGTL. وتنشط في مجالات البحث والدراسات واستخراج ومعالجة ونقل المحروقات الغازية والبترولية.

يبلغ رأس مال شركة طينة للخدمات البترولية 100 ألف دينار. تملك الشركة التونسية للأنشطة البترولية 50 بالمائة منه فيما تعود الخمسون بالمائة الأخرى للشريك الأجنبي والذي تداولت عليه شركات متعددة بدءا من بريتش غاز مرورا بالشركة الألمانية PEI التي قامت ببيع أسهمها سنة 2003 للشركة النرويجية OMV والتي بدورها قامت ببيع أصولها بعد التحركات الاجتماعية التي شهدتها جزيرة قرقنة لفائدة شركة بانورو انجي سنة 2018.

يُقدر إنتاج البترول بالشركة ما بين 4000 و 5000 برميل يوميا كمعدل سنوي فيما يُشير آخر تقرير منشور سنة 2012 إلى أنّ إنتاجها للغاز مقدّر بحوالي 90 مترا مكعبا يوميا (يتم حرقه)، فضلا عن خدمات الشركة عبر أنابيبها الممتدة والتي تمر عبر عديد المناطق والمعتمديات. وتقدر عائداتها سنويا ما بين 50 و60 مليون دينار يقع تحويلها مباشرة إلى المساهمين وهما حاليا ETAP وPANORO.

من هذا المنطلق يمكن استنتاج أنّ شركة طينة للخدمات البترولية ليست سوى شركة واجهة تحمي مصالح المساهمين فيها لا غير لكي تقوم بحمايتهم من أي تتبعات قانونية.

تستغل الشركة 17 بئرا (8 منها بحرية والبقية على اليابسة) موزعة بين حقول العين-قرمدة، والحاجب- قبيبة، ورحمورة وسيرسينا التي تقع بجزيرة قرقنة. وتقوم بنقل جميع منتوجها المتأتي من حقول العين وسيرسينا ورحمورة إلى مصنع التكرير “تانك باتري” أين تتم معالجته وتحويل الزيت (البترول الصافي) إلى محطة سيدي اليتيم ومنها إلى شركة النقل بالانابيب بالصحراء بالصخيرة TRAPSA.

جحيم يومي

تبدو الحركة بمنطقة العويات عادية، أناس يتجولون وآخرون معتصمون أمام مصنع تانك باتري وسوق ينتصب أسبوعيا بالقرب منه، وآخرون ينظمون مباريات لكرة القدم بالملاعب المجاورة، دون أن تكون لهم دراية بأنّ المؤسسة الكائنة بمنطقتهم تمثل خطرا على صحتهم.

يعرّف الفصل 293 من مجلّة الشغل في القسم الأوّل من بابها السادس “المؤسسات الخطرة والمخلة بالصحة والمزعجة على أنها جميع المعامل والمصانع والمخازن وحضائر الشغل وعلى الإطلاق جميع المؤسسات التي ينشأ عنها خطر أو ضرر على أمن وصحة وراحة المجاورين أو على أمن مستخدميها وصحتهم وراحتهم أو الصحة العامة أو أيضا للفلاحة الخاضعة لرقابة السلطة الإدارية”.

ويصنّف الفصل 294 من نفس المجلة هذه المؤسسات إلى ثلاثة أصناف أول صنف منها ما يتوجب إبعاده عن المدن وعن محلات السكنى وهو ما ينطبق على شركة طينة للخدمات البترولية التي لم تلتزم به.

علاوة على موقع وحدة “تانك باتري” الكائن فوق أرض فلاحية محمية وعلى مقربة من التجمعات السكانية والتجاوزات الحاصلة في علاقة بمحيطها والإضرار بالماء والهواء وإزعاج للجيران، نجد حقل العين المستغل من طرف نفس الشركة -طينة للخدمات البترولية- والموجود في قلب منطقة تمتاز بكثافة سكانية عالية وعلى بعد 500 متر فقط من قصر بلدية العين.

Google Maps © صورة توضيحية لمكان حقل العين

لم نتحصل على أي مساعدات أو تعويضات من شركة طينة باستثناء مبلغ يناهز 35 ألف دينار

خالد معلّى رئيس بلدية العين

يؤكد رئيس بلدية العين من ولاية صفاقس خالد معلّى أن الأضرار الناجمة عن استغلال هذا الحقل سبّبت مشاكل كبيرة للأجوار وللبنية التحتية للبلدية، فضلا عن تضرّر عدد كبير من مباني سكّان المنطقة جراء عمليات التنقيب عن النفط، حيث أبرز أن الشارع الرئيسي الذي يطلّ على مدخل الشركة والوحيد الذي يمكن المرور منه للوصول إلى وسط المدينة متضرّر بشكل مريع حيث تبلغ قيمة تعبيده وإصلاحه ما يناهز المليون دينار.

ويضيف معلّى أنّ اهتراء البنية التحتية بمحيط الشركة يأتي نتيجة لمرور شاحنات البترول الثقيلة إضافة إلى عمليات التنقيب التي تدمّر الطبقات السفلية تحت سطح الأرض والمياه الملوثة الصادرة عن عملية التنقيب، وهو ما استدعى مطالبتهم في أكثر من مرة الشركة المعنية بإجراء دراسة حول أخطارها على المحيط.

بمجرد القيام بزيارة إلى محيط حقل العين ستلاحظ أن جميع الأنهج والشوارع المجاورة له مهترئة وغير معبدة. كما ستندهش من وجود مؤسسة خطرة يتمثل نشاطها في استخراج البترول ملاصقة لمنازل، لتتساءل كيف سيتم التعامل مع حادث شغل أو حريق قد يندلع بالمكان أو حادث تسرب غاز؟

نادية، مواطنة تقطن منزلا مجاورا للحقل، قامت بسد بابها الذي يطل على الحقل بحائط يبلغ ارتفاعه نصف متر لمنع تسرب المياه الراكدة إلى منزلها. تقوم نادية يوميا بركن سيارتها بعيدا عن منزلها خوفا من أن يلحقها ضرر بسبب هذه المياه.

تقول محدثتنا بنبرة تعكس عمق مأساة سكّان المنطقة:

لم تقم شركة طينة بتعويضنا ما عدى بمبلغ زهيد قدره 1000 دينار لكل عائلة مجاورة للحقل. لا تهمنا التعويضات بقدر حاجتنا إلى إنهاء معاناتنا خاصة وأن الحقل يستعد لاستئناف نشاطه.

ذاك الشارع الرئيسي تتجمّع فيه المياه الراكدة أياما وأسابيع حتّى تتدخّل البلدية للقيام بعملية شفط بطرق بدائية لجزء من المياه تحت ضغط السكّان وهو وضع بات يثير حنق المواطنين هناك.

من جهة أخرى، تمثل عمليات التنقيب واستخراج النفط من الحقل مصدر ضجيج كبير نظرا لما تستوجبه العملية من حفر مستمر، وهو ما تقرّ به الشركة على لسان مديرها العام سليم سكيك (في لقاء ترتيبي معه قبل أن يمتنع عن لقائنا مجددا أو الردّ على اتصالاتنا الهاتفية) الذي أكّد أنّ الشركة بصدد حصر قائمة المتضررين وكيفية توزيع هذه التعويضات التي بلغت حسب قوله 659 ألف دينار، نافيا نفيا كليا أن تكون الشقوق التي تعرضت لها بنايات الأجوار ناجمة عن عمليات التنقيب عن النفط بتلك المنطقة.

الشرطة البيئية لبلدية العين، تبدو غير متّفقة تماما مع ما ذهب إليه مدير الشركة، حيث نشرت على صفحتها الرسمية في موقع الفايسبوك في سنة 2018 صورا لبنايات متشققة تقول إنها بسبب عمليات الحفر التي تقوم بها شركة طينة بحقل العين. وهو ما يتطابق مع شهادات قدّمها سكّان المنزل المجاور الذين بيّنوا لنا ذلك خلال زيارتنا الميدانية لهم.

تسويف وابتزاز

ما انفكّت بلدية العين تتفاوض منذ سنوات مع شركة طينة للخدمات البترولية من أجل عديد المسائل المتعلقة بخلاص ديون متخلّدة بذمة الشركة والمتصلة بتمرير أنابيبها الناقلة للمحروقات والبالغ طولها 9500 مترا في المجال الترابي للبلدية.

قُدّرت تلك الديون بما يعادل 21 ألفا و649 دينار سنويا، فضلا عن ديون أخرى تتعلق باستخلاص 5% من قيمة الأشغال المدنية لتركيز هذه القنوات وهي أتاوات نصّ عليها الأمر الحكومي عدد 805 لسنة 2016. إضافة إلى ما جاء به القانون المتعلّق بالمسؤولية المجتمعية والذي يلزم الشركات بإنجاز مشاريع في المجالات المتصلة بالبلديات الراجعة لها بالنظر.

لدينا ملفات كبيرة تتعلق بشركة طينة للخدمات البترولية وسنقوم بمقاضاتها في صورة عدم تعهدها بالاتفاقيات.

خالد معلّى رئيس بلدية العين

في السنوات الأخيرة عُقدت عديد الجلسات بين ممثلين عن بلدية العين وبين شركة طينة للخدمات البترولية. جلسات أفضت آخرها إلى اتفاق يقضي باستخلاص المعاليم البلدية المستوجبة على تمرير قنوات نقل المحروقات تحت الأرضية للخمس السنوات الماضية من 2015 إلى سنة 2020 والخمس سنوات القادمة من 2021 إلى 2025 بمبلغ إجمالي قدّر بـ 216 ألف و495 دينار يتم تقسيطها على مراحل فضلا عن فتح باب النقاش حول تحديد قيمة المسؤولية المجتمعية للشركة في سنة 2021.

اللافت للانتباه في لقائنا مع خالد معلّى أنه لا يعير اهتماما كبيرا لوجود شركة مصنفة “خطرة جدا” في قلب حي سكني يفرض القانون إبعادها عن التجمعات السكانية، حيث يكتفي فقط بالتركيز على استخلاص المعاليم وديون الشركة تجاه البلدية والتعويضات في حين لا تحظى المسائل المتعلّقة بخطورة نشاط هذه الشركة على محيطها بنفس الاهتمام.

جملة هذه الإشكاليات دفعت بالناشط في المجتمع المدني وممثل منظمة البوصلة بالمنطقة، سليم بن حليمة، إلى التشكيك في مصداقية المفاوضات التي يتحدث عنها رئيس بلدية منطقته قائلا:

مجلس بلدية العين لا يتعاطى مع ملف حقل النفط بالشكل المطلوب، جل الاتفاقات التي يتحدث عنها رئيس البلدية لا تجد طريقا للتطبيق خاصة أنّ الشركة تنتهج سياسة التسويف والمماطلة وهو ما يتجلّى في عدم إمضائها على محاضر الجلسات والاتفاقيات.

كانت المفاوضات بين بلدية العين وشركة طينة، بحسب ما تحصلنا عليه من وثائق، تهدف إلى استخلاص ديون تتجاوز المليون دينار، مع التأكيد على مدّ مصالح البلدية بدراسة الأخطار على المحيط ARO، إضافة إلى شروط أخرى حتى يتسنى للبلدية تجديد رخصة التنقيب التي تنتهي صلوحيتها في 31 ديسمبر 2018.

يُشير آخر محضر اتفاق بين بلدية العين وشركة طينة للخدمات البترولية إلى مصادقة هذه الأخيرة والتزامها بدفع جزء من ديونها وذلك من خلال قسط أوّل بقيمة 63 ألف دينار تم تحويله إلى حساب البلدية بتاريخ 15 ديسمبر 2020، على أن يتم دفع القسط الثاني بداية جانفي 2021. مع صرف النظر عن بقية المستحقات المقدّرة بنحو 600 ألف دينار عن سنوات الاستغلال السابقة للاتفاق التي لم يقع الإشارة إليها ولو بالتلميح إضافة إلى تبخّر المطالب المتعلقة بدراسة الأخطار المحتملة على صحة وأمن المتساكنين.

تقوم شركة طينة للخدمات البترولية بتمرير أنابيها عبر عديد الطرقات الرئيسة منها والجهوية والتي يخضع جزء منها إلى السلط المحلية على غرار بلديتي العوابد-الخزانات وطينة المجاورتين لبلدية العين. ففي حوار سابق كنا قد أجريناه مع مدير عام شركة طينة لم يستسغ هذا الأخير سؤالنا حول ما إذا طالبت البلديات المجاورة بحقوقها مثلما هو الحال لبلدية العين فكانت إجابته مثيرة للانتباه، إذ اعتبر أنّ كل من له حق سيأخذه شريطة أن يقدم ملفا قانونيا كاملا!

يبدو، من خلال اجابة المدير العام، أنّ الشركة لا تقوم بتسوية وضعيتها القانونية طوعا واستجابة لما جاءت به مختلف الفصول القانونية، بل مُكرهة حيث ما انفكّت تستثمر في حداثة بعض المسؤولين الجدد على غرار رئيسة بلدية العوابد-الخزانات سناء العبيدي التي لم يكن لها علم بأنّ لها أموال يجب استخلاصها من هذه الشركة.

سنتابع إلى أين سترسي مفاوضات بلدية العين وسننجز على منوالها في علاقة بحقوق المنطقة تجاه شركة طينة للخدمات البترولية.

سناء العبيدي رئيسة بلدية العوابد-الخزانات

اتفاقات في مهب الريح

عرفت ولاية صفاقس احتجاجات عديدة واعتصامات أمام عدّة منشآت نفطية ومنها التي تتبع شركة طينة للخدمات البترولية للمطالبة بتشغيل نسبة من الشباب العاطل عن العمل.

المنطقة لم تتحصل على أي شيء من هذه الشركة رغم وجود اتفاقات سابقة تتعلق ببناء جسر وصيانة الوادي الذي أصبح يشكل خطرا على المتساكنين ويعزلهم لأيام وبصفة متكررة مع حلول فصل الشتاء ونزول الأمطار.

إثر اعتصام سابق لشباب العويات في سنة 2011 توصلت ولاية صفاقس إلى إبرام اتفاق بين إدارة الشركة والمعتصمين يقضي بتمويل برنامج إدماج في سوق الشغل مقترح من طرفها لمنظومة “الحضائر البيئية” بخلق 13 فرصة عمل لفائدة سكّان المنطقة، كما التزمت الشركة بتشغيل 7 أشخاص بالمؤسسات العمومية عن طريق شركات الخدمات المتعاقدة معها. إضافة إلى التعهد بإصلاح وتهيئة جزأين من الطريق القاطعة لوادي الشعبوني (الوادي المحاذي لفرع الشركة تانك باتري والذي تمرر منه أنابيبها)، مع تمويل برنامج تجهيز مركز الصحة الأساسية بالمنطقة.

محضر اتفاق بين سكان العويات وشركة طينة للخدمات البترولية تحت إشراف ولاية صفاقس سنة 2011

اتفاقات ظلّت محلّ التباسات وشبهات عديدة فضلا عن أنّه لم يتحقق منها سوى القليل وذلك بتشغيل 8 أشخاص، أربعة منهم حاملون لشهادات عليا والباقي من غير حاملي الشهادات العليا.

أتقاضى أجرا قدره 270 دينارا أتسلمه عبر حوالة بريدية، ولا أتمتع بتغطية إجتماعية.

شهادة أحد المنتفعين من هذا الاتفاق

أنيس العزوزي، معتمد صفاقس الجنوبية، أكّد صحة هذه المعطيات معربا عن أسفه لوضع هؤلاء المواطنين مشيرا إلى أنه لا يمكنه فعل أي شيء لأنها “أمور تتجاوزه” وفق تعبيره.

وكانت جملة من محاضر جلسات أخرى بين إدارة الشركة وتمثيليات مواطنيّة بصفاقس تعود لسنة 2011 أفضت هي الأخرى إلى جملة من الاتفاقات تحت إشراف الولاية، دفعت بنا للاستفسار عن حجم الأموال التي أنفقتها الشركة لفائدة المجلس الجهوي للولاية منذ سنة 2011 إلى يومنا هذا وأوجه صرفها.

يكشف جدول تحصل عليه سليم بن حليمة (الناشط بمنظمة البوصلة) في إطار مطلب نفاذ إلى المعلومة، الأموال التي تم تحويلها إلى المجلس الجهوي من طرف الشركة سنوات 2011-2019، تفعيلا لتلك الإتفاقيات والتي تجاوزت الـ 5 مليون دينار دون أن يكون هناك تفسير واضح لأوجه صرف هذه الأموال، خاصة أنّ هذه التحويلات غير قارة وشهدت تراجعا كبيرا سنة 2019.

ردّ ولاية صفاقس على مطلب نفاذ إلى المعلومة يتعلق بالتحويلات المالية التي تحصل عليها المجلس الجهوي من طرف شركة طينة

غياب الشفافية و تعمّد خرق القانون بالنسبة لشركة طينة للخدمات البترولية يجعل منها إلى حدّ ساعة كتابة هذا التحقيق مؤسّسة أعلى من كل السلط الرسميّة للدولة التونسية بما في ذلك السلطة القضائية التي ينتظر أن تنفض الغبار قريبا عن أحد الملفات المحالة إليها بعد سنوات من الانتظار.

كلمة الكتيبة:

رغم كلّ المساعي التي بذلناها رفقة شركائنا في التحقيق من راديو ديوان أف آم من أجل لقاء مسؤولين عن شركة طينة للخدمات البترولية أو والي صفاقس أو مسؤولين عن وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة أو وكالة حماية المحيط، الّا أنّنا جُوبهنا بحالة من الصدّ والتكتّم الشديد، حتّى أنّ وزراة الصناعة رفضت تطبيق قرار صادر عن هيئة النفاذ للمعلومة يقضي بالزامها بمدّ زميلنا مهدي بن عمر (عن راديو ديوان) بنسخ من الترخيص الممنوح لشركة طينة ودراسات الأخطار والمؤثرات على المحيط ونسخ عن محاضر المعاينات الميدانية وغيرها.

كلمة الكتيبة:
رغم كلّ المساعي التي بذلناها رفقة شركائنا في التحقيق من راديو ديوان أف آم من أجل لقاء مسؤولين عن شركة طينة للخدمات البترولية أو والي صفاقس أو مسؤولين عن وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة أو وكالة حماية المحيط، الّا أنّنا جُوبهنا بحالة من الصدّ والتكتّم الشديد، حتّى أنّ وزراة الصناعة رفضت تطبيق قرار صادر عن هيئة النفاذ للمعلومة يقضي بالزامها بمدّ زميلنا مهدي بن عمر (عن راديو ديوان) بنسخ من الترخيص الممنوح لشركة طينة ودراسات الأخطار والمؤثرات على المحيط ونسخ عن محاضر المعاينات الميدانية وغيرها.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

إشراف (الكتيبة):محمد اليوسفي
إشراف (راديو ديوان اف ام):مهدي بن عمر
تدقيق: وليد الماجري
غرافيك: مهدي الهمامي
تصوير: حمزة الفزاني
مونتاج: رأفت عبدلي
تطوير تقني: أيوب الحيدوسي
تصوير: حمزة الفزاني
مونتاج: رأفت عبدلي
تطوير تقني: أيوب الحيدوسي
إشراف (الكتيبة): محمد اليوسفي
إشراف (راديو ديوان اف ام): مهدي بن عمر
تدقيق: وليد الماجري
غرافيك: مهدي الهمامي

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

wael