الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

“رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حركة تحيا تونس يوسف الشاهد كان مسيطرا تقريبا على كامل قطاع الفسفاط بشكل خاص .. والأشخاص الذين تم إيقافهم في هذه القضية هم من مجموعة الشاهد .. لطفي علي كان جزءا من هذه المجموعة .. انه يتّخذ هذا المنصب لحماية نفسه وللحصول على الحصانة البرلمانية وهو على علاقة وطيدة بأصحاب القرار”.

هكذا علّق الناشط الحقوقي والنقابي بشير العبيدي على قضية استخراج الفسفاط ونقله التي تشغل الرأي العام اليوم في تونس لاسيما بعد زلزال 25 جويلية 2021 والتي يشمل التحقيق فيها وزيرا سابقا ونائبا ومسؤولين في شركة فسفاط قفصة.

سلّطت هذه القضية الضوء على بعض الأيادي الخفية التي تحركت من أجل تعطيل نشاط السكّة الحديدية في نقل الفسفاط وعودة المناولة من قبل جهات ولوبيات تنشط على المستوى الوطني وكانت متغلغلة في نظام الحكم ذاته أي على مستوى رئاسة الحكومة ومستوى القرار السياسي العام، وفق تأكيد العبيدي الذي يعتبر أنّ “الدليل على وجود تلاعب في الصفقات والعقود أنه فور فتح بحث تحقيقي في الغرض بدأت شخصيات ضالعة في هذا الموضوع تنكشف من ذلك إيقاف البعض والإبقاء على آخرين في حالة سراح على ذمة التحقيق”.

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

“رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حركة تحيا تونس يوسف الشاهد كان مسيطرا تقريبا على كامل قطاع الفسفاط بشكل خاص .. والأشخاص الذين تم إيقافهم في هذه القضية هم من مجموعة الشاهد .. لطفي علي كان جزءا من هذه المجموعة .. انه يتّخذ هذا المنصب لحماية نفسه وللحصول على الحصانة البرلمانية وهو على علاقة وطيدة بأصحاب القرار”.

هكذا علّق الناشط الحقوقي والنقابي بشير العبيدي على قضية استخراج الفسفاط ونقله التي تشغل الرأي العام اليوم في تونس لاسيما بعد زلزال 25 جويلية 2021 والتي يشمل التحقيق فيها وزيرا سابقا ونائبا ومسؤولين في شركة فسفاط قفصة.

سلّطت هذه القضية الضوء على بعض الأيادي الخفية التي تحركت من أجل تعطيل نشاط السكّة الحديدية في نقل الفسفاط وعودة المناولة من قبل جهات ولوبيات تنشط على المستوى الوطني وكانت متغلغلة في نظام الحكم ذاته أي على مستوى رئاسة الحكومة ومستوى القرار السياسي العام، وفق تأكيد العبيدي الذي يعتبر أنّ “الدليل على وجود تلاعب في الصفقات والعقود أنه فور فتح بحث تحقيقي في الغرض بدأت شخصيات ضالعة في هذا الموضوع تنكشف من ذلك إيقاف البعض والإبقاء على آخرين في حالة سراح على ذمة التحقيق”.

بعد أيام قضّاها مختبئا بأحد المنازل في منطقة “لافايات” بالعاصمة تونس، تمكّنت الوحدات الأمنية من إيقاف النائب بالبرلمان المجمّدة عضويته لطفي علي الصادرة في حقه 3 بطاقات تفتيش من أجل التدليس ومسك واستعمال مدلس وفساد مالي وإداري وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، وفق مصادر قضائية.

تتعلق هذه التهم أساسا بـ”تبييض الأموال والإثراء غير المشروع وتضارب المصالح” أو ما بات يُعرف لدى الرأي العام بقضية شبهات فساد في عقود استخراج الفسفاط ونقله، وهي تشمل، كذلك، العديد من المسؤولين سواء في شركة فسفاط قفصة وحتى في الحكومات السابقة على غرار وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة الأسبق سليم الفرياني.

يحاول هذا التحقيق إماطة اللثام عن خبايا بعض أوجه الفساد في شركة الفسفاط من خلال مجموعة من الوثائق التي تحصل عليها موقع الكتيبة حول عقود أبرمتها الشركة مع مقاول كان مغمورا ليصبح لاحقا عضوا بمجلس نواب الشعب منذ 2014. صفقات مشبوهة فاز بها النائب عن حركة تحيا تونس رجل الأعمال لطفي علي مستغلا نفوذه السياسي وشبكة علاقاته المتشعبة في شركة الفسفاط وفي منطقة الحوض المنجمي بشكل عام، ضاربا عرض الحائط بترسانة القوانين التي عجزت الدولة عن تطبيقها في ظل سنوات من تفشي الفساد السياسي والقضائي واستغلال النفوذ لتحقيق مآرب خاصة على حساب أموال الشعب التونسي.

لطفي علي.. من بناء الطرقات إلى نقل الفسفاط

نجح لطفي علي في بناء إمبراطوريته الخاصة في شحن ونقل الفسفاط عبر الشاحنات وحصَد الملايين من الأرباح من خلال عقود أبرمها مع شركة الفسفاط في وقت تقبع فيه جهة قفصة تحت وطأة الفقر وغياب التنمية وارتفاع نسب البطالة في صفوف شبابها، علاوة على بيئة تدهورت أوضاعها وشحّت ثروتها المائية إلى درجة باتت فيها المياه الصالحة للشرب مقطوعة في العديد من مناطق وأحياء الحوض المنجمي.

بدأ لطفي علي، ذو الـ56 عاما، مسيرته في مجال بناء الطرقات في ولاية قفصة، جنوب غربي البلاد، في ثمانينات القرن الفارط معتمدا بدرجة أولى على والي قفصة آنذاك محمد بن رجب الذي كان صديقا لوالده، بحسب الناشط الحقوقي والنقابي بشير العبيدي.

وفي الإطار ذاته، يروي الناشط بالمجتمع المدني بقفصة محمود ردادي أنّ “لطفي علي اتّكأ كذلك على عدد من أبناء عشيرته (اولاد سلامة) فكانوا له السند والحامي في عدة مناسبات، لعلّ أبرزها حماية شاحناته من التعرّض للحرق خلال أحداث الثورة التونسية في 2011.”

تطورت أعمال لطفي علي لاحقا في ولاية قفصة وبات من أحد أبرز رجال الأعمال في الجهة، حتى أنّ بعض أشغاله امتدت إلى خارج الولاية. كان من بين أول المناولين الذين تعاقدوا مع شركة فسفاط قبل الثورة وبعدها عندما قررت الشركة استئناف العمل بالمناولة لنقل الفسفاط عبر الشاحنات.

هذه الخطوة برزت خاصة سنة 2013 نتيجة عوامل عديدة تفوح من بعضها رائحة شبهات فساد وتعطيل متعمد لنشاط السكة الحديدية في نقل الفسفاط.

إبّان الثورة التونسية، وتحديدا في أفريل من سنة 2011، وبتدخل من الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا للعمّال في تونس)، تقرّر إيقاف العمل بالمناولة في جميع المجالات. قرار شمل كذلك شركة فسفاط قفصة التي أوقفت تعاقدها مع أصحاب الشاحنات واشترت منهم المعدات والشاحنات لفائدة الشركة التونسية لنقل المواد المنجمية المحدثة في 2011، في صفقة بلغت قيمتها 40 مليون دينار وقد أسالت حينئذ حبرا كثيرا، خاصة عندما تبيّن أن هذه المعدات والآليات لم تكن سوى “خردة”.

وكان المدير المركزي للتزود والإنتاج بشركة فسفاط قفصة عبد الرؤوف عبد النبي قد صرّح، على هامش حلقة نقاش نظمتها جمعية “أنا يقظ” في قفصة يوم 5 سبتمبر 2019، أنّ شركة نقل المواد المنجمية تواجه منذ تأسيسها مشاكل جمّة من بينها وسائل النقل المهترئة في اشارة الى وضعية الشاحنات والعربات التي تم اقتناؤها من المناولين.

شركة فسفاط قفصة اشترت شاحنات ومعدات من المناولين في صفقة بلغت قيمتها 40 مليون دينار تبيّن بعد ذلك أنّها لم تكن سوى “خردة”

بشير العبيدي  

ومن بين المفارقات المسجّلة في هذا الصدد أنّ لطفي علي، على عكس بقية المقاولين، لم يقم ببيع شاحناته ومعداته إلى شركة فسفاط قفصة بل احتفظ بها. قرار تبيّن لاحقا أنه كان في محلّه عندما قرّرت شركة فسفاط قفصة إعادة التعاقد مع المناولين لنقل الفسفاط عبر الشاحنات.

ظفر لطفي علي، عبر شركته “شركة لطفي علي للأشغال العامة” التي أصبحت لاحقا “شركة الأشغال العامة بقفصة”، سنة 2013 بعقدين بقيمة جملية تناهز الـ30 مليون دينار . وفي 2017، سنتين بعد تسمية عبد الوهاب حفيظ وكيلا للشركة عوضا عن لطفي علي، فازت شركة الأشغال العامة بقفصة بعقد لنقل الفسفاط.

وبات لطفي علي يتمتع بنفوذ سياسي وحصانة برلمانية بعد ترشحه في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 عن حزب المبادرة ونيله مقعدا في مجلس نواب الشعب، قبل أن ينضم سنة 2016 إلى حركة نداء تونس. تواصلت الرحلة السياسية لرجل الأعمال عند انتقاله إلى حركة تحيا تونس سنة 2019 ومن ثم ترشحه مجددا لعضوية البرلمان في انتخابات 2019 عن حركة تحيا تونس حزب رئيس الحكومة وقتها يوسف الشاهد.

خلال انتخابات 2019، أشرف الكامل الخالدي، المدير المركزي للتزود بشركة فسفاط قفصة، على الحملة الانتخابية للطفي علي، وكذلك على الحملة الانتخابية الرئاسية بقفصة لفائدة رئيس حركة تحيا تونس يوسف الشاهد.

ناظم بوترعة رئيس مشروع منجم الجباس بالمكناسي تولّى كذلك خطة المنسق الجهوي لحزب تحيا تونس بقفصة. كما انتمى عدد آخر من الموظفين بشركة فسفاط قفصة إلى حركة تحيا تونس مثل عبد الرزاق صويلح المدير المالي للشركة.

صورة للطفي علي والكامل الخالدي خلال الحملة الانتخابية الرئاسية ليوسف الشاهد بقفصة 

وعلى الرغم من كونه من أكثر النواب تغيبا عن أشغال البرلمان ولجانه، حيث بلغت نسبة تغيّبه عن الجلسات العامة 77.9% وعن اللجان القارة 93.75% خلال الدّورة البرلمانية 2014-2019، إلاّ أنّه نجح مجددا في الحصول على مقعد نيابي يمكّنه من حصانة برلمانية تقيه إمكانية التتّبع القضائي وتخوّل له مواصلة بناء ثروته القائمة على النفوذ السياسي.

حصانة لم تدم هذه المرة طويلا بعد أن قرّر رئيس الجمهورية تجميد نشاط البرلمان ورفع الحصانة عن جميع أعضائه ليجد لطفي علي نفسه ملاحقا قضائيا في قضية تتعلق بشبهات فساد في عقود استخراج الفسفاط ونقله قبل أن يتم إيقافه عشية الحادي والعشرين من شهر أوت/أغسطس 2021.

عقود مليئة بالإخلالات

يواجه لطفي علي اليوم تهما بالتدليس ومسك واستعمال مدلس وفساد مالي وإداري وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع وتضارب المصالح على خلفية شكاية رفعها ضده مرصد رقابة في علاقة بعقود أبرمها مع شركة فسفاط قفصة وشابتها عديد الإخلالات والمخالفات.

من بين أكثر هذه الصفقات إثارة للجدل، صفقة نقل الفسفاط من المكناسي. وتعود أطوار صفقة استخراج وشحن ونقل 600 ألف طن من الفسفاط المنقى من منجم الجباس بالمكناسي إلى شهر جوان من سنة 2013، عندما أصدرت شركة فسفاط قفصة طلب العروض عدد 83090 الذي ظفر به “مجمع شركة لطفي علي للأشغال العامة وشركة سوترام” في السنة ذاتها، إلا أنّ تفعيلها لم يتم إلا عام 2019 أي بعد حوالي 6 سنوات، ليتم إبرام العقد يوم 4 فيفري 2019.

تمت مراجعة أسعار صفقة المكناسي ليرتفع المبلغ التعاقدي من 10 مليون دينار إلى 13.7 مليون دينار.

وتحيط بهذه الصفقة، التي تقدّر قيمتها بحوالي 10 مليون دينار، شبهات عديدة. فقد وجّهت شركة فسفاط قفصة، وفق وثائق تحصّل عليها موقع الكتيبة، كرّاس شروط للشركات المتخصصة في نقل الفسفاط وليس استخراجه رغم معرفتها المسبقة بأنّ الجزء الأكبر من مبلغ التعهّدات سيكون للاستخراج وليس النقل، وهو ما أشار إليه مراقب الدولة عند إعادة عرض الملف على لجنة الصفقات ومجلس الإدارة بتاريخ 28 ماي 2020 لدى المصادقة على اقتراح مراجعة الأسعار ليصبح المبلغ التعاقدي حوالي 13.7 مليون دينار.

هذه الوضعية سمحت للطفي علي بالسيطرة على مفاصل العمل في منجم المكناسي لتقوم معداته وعرباته باستخراج الفسفاط وشحنه ونقله رغم أنه من المفترض أن يقوم بنقل هذه المادة المنجمية فقط، علما أنّ رخصة شركة لطفي علي لا تتعلق بالنقل بل ببناء الطرقات.

سلسلة المخالفات لم تقف عند هذا الحدّ، حيث عمد لطفي علي كذلك إلى مغالطة شركة فسفاط قفصة بعد قيامه بتغيير اسم شركته سنة 2015 حيث لم يقم بمراسلة الشّركة إلا بعد سنة من تغيير اسم مؤسسته.

ففي جلسة خارقة للعادة للشركة انعقدت يوم 21 جانفي 2015، قام لطفي علي بإحالة ثلاثة أرباع حصصه إلى 3 شركاء آخرين مع تغيير الصبغة القانونية للشركة من شركة للشخص الواحد إلى شركة ذات مسؤولية محدودة. وفي اليوم الموالي، تم تعيين عبد الوهاب حفيظ وكيلا للشركة خلفا للطفي علي.

ويوم 26 جانفي 2015، وقع تغيير اسم الشركة من “المقاولات العامة للطفي علي” إلى شركة “الأشغال العامة بقفصة. ورغم ابتعاده عن الواجهة، ظل لطفي علي شريكا في الشركة.

في شهر نوفمبر من سنة 2013، أصدرت شركة فسفاط قفصة طلب العروض (العطاءات) عدد 83003 لنقل 1.6 مليون طن من الفسفاط من الحوض المنجمي الذي انتهى بفوز مجمع “مقاولات لطفي علي وشركة نقل البضائع “سوترام” ” بالعقد عدد 823132 والذي نصّ على أن يتولى الأخير نقل 334 ألف طن من الفسفاط المرشح من الرديف وأم العرائس إلى مصانع المجمع الكيميائي التونسي بقابس أو صفاقس أو للمصنع التونسي الهندي للأسمدة “Tifert”، بقيمة جملية تتجاوز الـ7 مليون دينار، حيث تم تسعير الثمن الفردي الأساسي للطن الواحد بـ20.997 د.

لم يخل هذا العقد بدوره من جملة من الإخلالات لعلّ أبرزها يهم مجددا ترخيص لطفي علي ضمن مجمع “سوترام” وشركة لطفي علي الذي يتعلق بتهيئة الطرقات لا النقل رغم أن الفصل 2 من كراس الشروط ينص على أن “طلب العروض يهم شركات النقل التي تمتلك ترخيصا في النشاط طبقا للقوانين المعمول بها”. علاوة على ذلك، قدم لطفي علي مجموعة من الوثائق الإدارية منتهية الصلوحية.

هذه الصفقة جاءت مشفوعة بـ8 ملاحق من بينها 3 ملاحق تتعلق بالزيادة في كمية الفسفاط المنقول والمبلغ التعاقدي لتصبح قيمة الصفقة حوالي الـ17 مليون دينار. وعلى الرغم من أنه تم إقرار تخفيض سعر نقل الفسفاط إلى 13 دينارا للطن الواحد عوضا عن 20 دينارا إلا أن هذا القرار ظل حبرا على ورق بسبب هذه الملاحق، وفق ما بيّنه لنا محمود ردادي.

لاحقا، أصدرت شركة فسفاط قفصة طلب عروض (عطاءات) عدد 87003 سنة 2017 لشحن ونقل 1.5 مليون طن من الفسفاط المرشح على 3 أقساط، تقدمت فيه شركة الأشغال العامة بقفصة (شركة لطفي علي للأشغال العامة سابقا) في إطار مجمع يضم شركات بن مبروك وسوترام وسوتراب وسوبوتراب. وظفر المجمع بالعقد عدد 827106 على أن يلتزم بشحن ونقل 42 ألف طن من الفسفاط المرشح من المغسلة عدد 3 بالمظيلة إلى مصانع المجمع الكيميائي التونسي بقابس أو صفاقس أو للمصنع التونسي الهندي للأسمدة “Tifert”، مقابل مبلغ جملي يقدّر بـ 440 ألف دينار، حيث بلغ سعر نقل الطن الواحد 10.477 دينارا.

هذا العقد تضمن أيضا بعض الإخلالات التي تتعلق أساسا -بحسب ما اطلعنا عليه من وثائق- بتلاعب بتواريخ أذون الجولان للشاحنات، وذلك بهدف التخفيض في عدد سنوات جولان الشاحنات باعتبار أنّه لا يتم قبول شاحنات يتجاوز عمرها 12 عاما، حيث عمد المناول (مجمع بن مبروك + سوترام + سوتراب + سوبوتراب) إلى مراسلة إدارة الشراءات في مناسبتين، الأولى بتاريخ 24 مارس/آذار 2017 والثانية بتاريخ 31 مارس/ آذار 2017 لإعلامها بوجود ما وصفه بـ”خطأ في الرقن” متعلق بشاحنتين. علاوة على ذلك، تظهر بطاقة رمادية لإحدى الشاحنات أنّ تاريخ أول إذن بالجولان كان يوم 02 أكتوبر 2004 في مخالفة صريحة لكراس الشروط.

“قطّاع طرق” في خدمة لطفي علي

قررت شركة فسفاط سنة 2013 استئناف التعاقد مع المقاولين لنقل الفسفاط عبر الشاحنات رغم إحداث الشركة التونسية لنقل المواد المنجمية -المنضوية تحت لواء شركة فسفاط قفصة- سنة 2011. علّلت شركة فسفاط قفصة قرارها بعجز شركة السكك الحديدية عن نقل 2 مليون طن سنويا من الفوسفاط رغم أنّها كانت قبل 2010 تنقل 8 مليون طن سنويا. علاوة على ذلك، تبيّن للشركة أنّ المعدات والعربات التي اشترتها من المناولين في صفقة كانت قيمتها تناهز الـ40 مليون دينار كانت مجرّد خردة عجزت عن تحقيق أهدافها المرجوة في مجال نقل الفسفاط.

جهات فاسدة تدخلت على مستوى الصفقات التي عقدتها شركة السكك الحديدية لشراء عربات من المغرب تبيّن لاحقا أنها غير مطابقة لمواصفات السكة الحديدية التونسية.

بشير العبيدي  

انّ الحديث عن عدم وجود عربات كافية لنقل 2 مليون طن من الفسفاط سنويا يطرح أكثر من تساؤل خاصة أنّ الشركة الوطنية للسكك الحديدية كانت تنقل أضعاف هذه الكمية سابقا، الأمر الذي يدلّ على وجود تلاعب تتدخل فيه جهات فاسدة على مستوى الصفقات التي عقدتها شركة السكك الحديدية لشراء عربات من المغرب والتي تبيّن لاحقا أنها غير مطابقة لمواصفات السكة الحديدية التونسية، وفق ما أكده لنا كاتب عام الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والسجين السياسي السابق في قضية أحداث انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 بشير العبيدي.

مساعي تعطيل نشاط السكك الحديدية لنقل الفسفاط تبرز أيضا من خلال تعمد أصحاب القرار والسلطة، سواء في ولاية قفصة أو في شركة فسفاط قفصة، عدم إصلاح جزء من السكك الحديدية التي تحطمت جراء تهاطل أمطار غزيرة في الجهة، رغم أنّ إصلاحها لا يتطلب الكثير من المعدات.

بل إن أحد المقاولين الذي كان سيتولى إصلاح سكة حديدية فوجئ بسرقة معداته المتكونة من قطع حديدية وأخشاب يحتاج نقلها إلى شاحنات، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام، بحسب تأكيدات محمود ردادي الناشط بالمجتمع المدني بقفصة والذي يعمل بشركة فسفاط قفصة.

ويذهب كل من محمود ردادي وبشير العبيدي إلى اعتبار أنّ بعض التحركات التي ينفذها عدد من الشباب ويتعطل على إثرها نشاط القطارات الناقلة للفسفاط ليست بريئة وتحركها بعض الأيادي الخفية لمقاولين يريدون الحفاظ على أرباحهم، خاصة أنّ تكلفة نقل الطن الواحد من الفسفاط عبر الشاحنات تبلغ 20 دينارا في حين أن سعر نقل الطن الواحد عبر القطارات كانت سابقا في حدود الـ5 دنانير.

هذه الفرضية تعززها مجموعة من العقود التي اطلع موقع الكتيبة على أحدها والتي تم الاتفاق فيها بين المقاولين المعنيين بنقل الفسفاط عبر الشاحنات -ومن بينهم شركة لطفي علي- مع مجموعات من الشباب على أن يتقاضى هؤلاء أجورا مقابل حرصهم على أن تمر شاحنات نقل الفسفاط دون أي تعطيل.

وقد بلغت قيمة المبلغ المخصص لهؤلاء الشباب في العقد الذي اطلعنا عليه، وهو عقد مسجل في شركة فسفاط قفصة ويحمل رقم 823130، 90 ألف دينار ستوزع على 525 “عاملا”. ويُذكر، في هذا الصدد، أن هناك عقودا أخرى شملت مجموعات متفرقة بين مدن الحوض المنجمي.

تلتزم شركات النقل المعنية بخلاص 525 عاملا حسب القائمات الموافق والمتفق عليها بالمنجم كذا وحدد المبلغ بـ90 ألف و450 دينارا

أحد بنود العقد 823130 

من جهته، كان رئيس الجمهورية قيس سعيّد قد تطرّق إلى مسألة فسفاط قفصة في لقائه بالناشطة بالمجتمع المدني بالجهة زكية لطرش وتحدث عن احتجاجات مدفوعة الأجر وعن “الحصانة الموهومة” قائلا: “من يريد أن يتحصن بالحصانة الموهومة للإفلات من العقاب.. لن يفلت أبدا ولا بد من إعادة أموال الشعب للتونسيين والتونسيات”.

لعبت شركة فسفاط قفصة دورا مهما في الحياة الاقتصادية للدولة التونسية وظلت طيلة عقود وإلى غاية 2010 مساهما بارزا في الناتج الوطني الخام بنسبة قد تصل أحيانا إلى 20 في المائة. إلاّ أنّ هذا الدور انحسر تدريجيا خصوصا إبان الثورة التونسية حيث تراجع الإنتاج السنوي لمادة الفسفاط إلى حوالي 2 مليون طن سنويا عوض الـ8 مليون طن التي كان يتم إنتاجها سابقا.

هذا الانخفاض في كميات الفسفاط المنتجة، إضافة إلى عوامل أخرى، كبّد شركة فسفاط قفصة خسائر جسيمة دفعتها إلى حافة الإفلاس، وقدرت قيمتها، بين 2010 و2019، بحوالي 603 مليون دينار، وفق معطيات رسمية للشركة.

في المقابل، يحقق المناولون المتعاقدون مع شركة فسفاط قفصة أرباحا هامة مستفيدين من فارق تكلفة نقل الفسفاط عبر القطارات ونقله عبر الشاحنات.

والجدير بالذكر، في هذا الصدد، أنّ قضية لطفي علي ليست سوى الشجرة التي تخفي غابة من الصفقات والعقود التي تشوبها عديد الإخلالات وتحيط بها شبهات فساد مالي وإداري تشمل شبكة معقدة من الموظفين وشركات المناولة الناشطة في مجال نقل الفسفاط.

يشار إلى أن قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي قد أصدر، يوم الثلاثاء 31 أوت 2021، بطاقة إيداع بالسجن في حق لطفي علي في علاقة بإحدى صفقات نقل الفسفاط.

كلمة الكتيبة:

هذا التحقيق جزء من مجموعة من سلسلة تحقيقات شرع موقع الكتيبة في الاشتغال عليها في علاقة بشركة فسفاط قفصة بناء على جملة من الوثائق والملفات التي تمكنا من الحصول عليها وقد قمنا بالتحري في صدقيتها. مع العلم أنّنا حاولنا على امتداد فترة إنجاز هذا العمل الحصول على ردّ رسمي من إدارة الشركة التي اعتذرت عن ذلك، متعللة بأنّ القضايا والملفات التي أشرنا إليها هي حاليا من أنظار القضاء ولا يحق لها بالتالي التعليق عليها. كما حاولنا التواصل مع محامي لطفي علي لكن لم يتسن لنا الحصول على أي توضيح يكون في صيغة حق الردّ والتوضيح.

كلمة الكتيبة:
هذا التحقيق جزء من مجموعة من سلسلة تحقيقات شرع موقع الكتيبة في الاشتغال عليها في علاقة بشركة فسفاط قفصة بناء على جملة من الوثائق والملفات التي تمكنا من الحصول عليها وقد قمنا بالتحري في صدقيتها. مع العلم أنّنا حاولنا على امتداد فترة إنجاز هذا العمل الحصول على ردّ رسمي من إدارة الشركة التي اعتذرت عن ذلك، متعللة بأنّ القضايا والملفات التي أشرنا إليها هي حاليا من أنظار القضاء ولا يحق لها بالتالي التعليق عليها. كما حاولنا التواصل مع محامي لطفي علي لكن لم يتسن لنا الحصول على أي توضيح يكون في صيغة حق الردّ والتوضيح.

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

إشراف: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
تصوير: حمزة الفزاني
مونتاج: رأفت عبدلي
غرافيك: منال بن رجب
رسوم: معاذ العيادي
تطوير تقني: أيوب الحيدوسي
مونتاج: رأفت عبدلي
غرافيك: منال بن رجب
رسوم: معاذ العيادي
تطوير تقني: أيوب الحيدوسي
اشراف : محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
تصوير: حمزة الفزاني

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

rahma