الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص .

في الأسابيع التي تلت نشر موقع الكتيبة تحقيقا حول دعم الاتحاد الأوروبي لعمليات الاعتقال والاحتجاز الوحشية ضدّ اللاجئين في ليبيا، اندلع مجددا الجدل الذي كان محتدما بطبيعته، حول الهجرة إلى أوروبا من إفريقيا والشرق الأوسط بين السياسيين والزعماء الدينيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمشرّعين.

استشهدت مجموعة متنوعة من هذه الشخصيات العامة بالنتائج الدامغة للتحقيق لتوضيح أن الدول الأكثر ثراء مثل الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يجب أن تجد خطة أفضل للتعامل مع أعداد أكبر من الأشخاص من جميع أنحاء العالم سيضطرون إلى الفرار من أوطانهم بسبب التغيرات المناخية حيث أنّ الاكتفاء بتحويل وجهة مسؤولية إنفاذ قوانين الهجرة إلى دول مضطربة مثل المكسيك أو ليبيا ليس حلاّ إنسانيا أو فعالا.

الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص .

في الأسابيع التي تلت نشر موقع الكتيبة تحقيقا حول دعم الاتحاد الأوروبي لعمليات الاعتقال والاحتجاز الوحشية ضدّ اللاجئين في ليبيا، اندلع مجددا الجدل الذي كان محتدما بطبيعته، حول الهجرة إلى أوروبا من إفريقيا والشرق الأوسط بين السياسيين والزعماء الدينيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمشرّعين.

استشهدت مجموعة متنوعة من هذه الشخصيات العامة بالنتائج الدامغة للتحقيق لتوضيح أن الدول الأكثر ثراء مثل الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يجب أن تجد خطة أفضل للتعامل مع أعداد أكبر من الأشخاص من جميع أنحاء العالم سيضطرون إلى الفرار من أوطانهم بسبب التغيرات المناخية حيث أنّ الاكتفاء بتحويل وجهة مسؤولية إنفاذ قوانين الهجرة إلى دول مضطربة مثل المكسيك أو ليبيا ليس حلاّ إنسانيا أو فعالا.

“تحقيق يجب أن يقرأ”

في اليونان، ندّد البابا فرانسيس بسياسات “المصلحة الذاتية والقومية” التي تتبعها أوروبا، قائلا إنها أدت إلى إساءة معاملة المهاجرين الأبرياء على نطاق واسع لدرجة أنها لا تمثل شيئا أقل من “حطام سفينة الحضارة”. أما محمد البرادعي، الحائز على جائزة نوبل للسلام ونائب الرئيس المصري السابق، فقد صرّح أن التحقيق “يجب أن يُقرأ” مضيفا: “لا عجب أن معظم الخطاب الرسمي الغربي حول حقوق الإنسان لا يؤخذ على محمل الجدّ”.

“لا عجب أن معظم الخطاب الرسمي الغربي حول حقوق الإنسان لا يؤخذ على محمل الجدّ”.

محمد البرادعي

التحقيق الذي نُشر بالتعاون بين موقع الكتيبة و”ذي آوتلو أوشين بروجيكت”، قدّم تفاصيل حول الخسائر البشرية الهائلة لقرار أوروبا تمويل حملة قمع بعيدة المدى على المهاجرين نفذتها السلطات في ليبيا التي تعدّ إحدى أكثر بلدان العبور شعبية لدى الأشخاص اليائسين المتجهين نحو أوروبا، حيث يفرّ معظمهم من الفقر والعنف والآثار المدمرة لارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض.

على مدى سنوات، قام الاتحاد الأوروبي بإرسال الأموال والمعدات إلى خفر السواحل الليبي الفاسد والمتوحش للقبض على المهاجرين قبل وصولهم إلى أوروبا، بينما كان يغض الطرف عن الظروف المروعة داخل مراكز الاحتجاز الليبية. قامت مجموعة الميليشيات سيئة السمعة التي تدير هذه السجون بتعذيب المهاجرين المحتجزين وابتزازهم وقتلهم، وكان من بينهم مزارع شاب وأب لثلاثة أطفال من غينيا بيساو يُدعى أليو كاندي، والذي مثّلت وفاته محور تحقيقنا.

صور لكاندي وعائلته (صورة كاندي/ صورة والدا كاندي/ صورة زوجة كاندي) (فيسبوك/ ريتشي شرايوك/ “ذي آوتلو أوشين بروجكت”)

في الأسبوع الذي نُشر فيه هذا التقرير، قدّم تحالف من محامي حقوق الإنسان في أوروبا بشكل رسمي شكوى خطيّة إلى المحكمة الجنائية الدولية طلب فيها فتح تحقيق في شراكة الاتحاد الأوروبي السخيفة والمميتة مع ليبيا. كما قدمت مهاجرتان شكوى قانونية منفصلة إلى الأمم المتحدة تزعمان فيها أنهما تعرضتا، بمباركة ضمنية من الاتحاد الأوروبي، للاعتقال التعسفي والتعذيب في ليبيا.

في غضون ذلك، وفي الأيام التي أعقبت نشر التحقيق، قالت وزيرة الخارجية الليبية إن بلادها سئمت من القيام بدور أوروبا في محاولات هذه الأخيرة للحدّ من الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ترتيب قالت إنه أدى إلى تصوير ليبيا على أنها أداة قبيحة وعنيفة في الأزمة الجيوسياسية. وصرّحت الوزيرة نجلاء المنقوش “رجاء لا تدفعوا بالمشكلة إلى حضننا ورجاء لا توجهوا أصابع الاتهام إلى ليبيا وتصوّروننا على أننا دولة تسيء إلى اللاجئين وتحتقرهم”. وأضافت أن لسنوات الأموال الأوروبية التي تم إرسالها لتعزيز إجراءات إنفاذ قوانين الهجرة في ليبيا قد خدمت ببساطة ما أسمته “أجندة الاتحاد الأوروبي”.

نجلاء منقوش وزيرة الخارجية الليبية

من بين المسائل التي ركّز عليها التحقيق الدور المثير للجدل لوكالة حماية الحدود الأوروبية والتي تبلغ تكلفتها عدة مليارات من الدولارات، فرونتكس، والتي أصبحت بدورها موضوع تدقيق جديد. وصرّح مسؤول فرونتكس المكلّف بحماية حقوق المهاجرين أنه يشعر بالقلق والإحباط بسبب ما وصفه بتجاهل وكالة الحدود للأدلة على الضرر الذي لحق بالمهاجرين. يدعم هذا الانتقاد مزاعم مماثلة وردت في تحقيقنا من مسؤول كبير آخر في فرونتكس قال إن تجاهل العنف ضد المهاجرين كان موجودًا في المناصب العليا بالوكالة لسنوات.

من ناحية أخرى، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التعزيز الفوري لوكالة فرونتكس معتبرا أن مستقبل أوروبا يعتمد على قدرتها على السيطرة على حدودها. وجاءت تعليقاته بعد يومين من غرق أكثر من عشرين مهاجرا خلال محاولة عبور القنال الإنقليزي.

قصّة هزّت العالم

تم نشر التحقيق على الجمهور العالمي بطريقة جديدة. ظهرت القصّة في الأصل كمقال من 10000 كلمة في “ذو نيو يوركر”، ثم أعقب القصة الأولية نصف دزينة من قصص المتابعة القصيرة، بما في ذلك نظرة أعمق على فرونتكس ومناقشة أشمل للشبح الذي يلوح في الأفق لزيادة الهجرة المناخية. وصل التقرير إلى جمهور كبير بشكل غير عادي نتيجة للطريقة الفريدة التي نُشر بها، حيث تم نشره في نهاية المطاف بـ11 لغة و26 دولة و53 وسيلة إعلام من مجلات وقنوات إذاعية وتلفزية وصحف.

تضمّن التحقيق فيلما وثائقيا مدته 27 دقيقة، تم إنتاجه بدعم من مركز بوليتزر، ووقع نشره في الأصل في “ذي غارديان” ومن ثم في 6 وسائل إعلام أخرى. وقد تم إنجاز الفيلم إثر عمل صحفي دام 5 أسابيع على متن سفينة تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود تقوم بإجراء عمليات إنقاذ للمهاجرين في البحر الأبيض المتوسط. ومن بين إنجازات الفيلم الوثائقي أنه التقط بالكاميرا، ربما لأول مرة، استخدام فرونتكس لطائرات دون طيار لتحديد مواقع قوارب المهاجرين، وقد وقع اكتشاف تسليم هذه الإحداثيات إلى خفر السواحل الليبي.

قامت مجموعة متنوعة من القنوات التلفزية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، من بينها “سي إن إن” و”إن بي سي” و”إم إس إن بي سي” والجزيرة بنشر مقالات حول ما كشف عنه التحقيق. كما نشرت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” وموقع “كريستيان ساينس مونيتور” وموقع الجزيرة وغيرها من المواقع الإخبارية نسخا من مقال رأي حول دور التغيّرات المناخية. وبالإضافة إلى الإذاعة الوطنية العامة في الولايات المتحدة، أنتجت قنوات إذاعية في غينيا بيساو وبيلاروسيا وهولندا وألمانيا مواد صحفية خاصة بها، مستخدمة أحيانا عناصر صوتية من تحقيقنا في ليبيا.

الفن أيضا لعب دورا مهما في توزيع المادة الصحفية. حيث تم وضع التحقيق على المسرح أمام قاعات مليئة بالجمهور في الولايات المتحدة في كلّ من أوكلاند ولوس أنجلوس ونيويورك والعاصمة واشنطن، وذلك خلال عرض مسرحي من قبل شركة تدعى شركة “بوب آب ماغازين”. وقام موسيقي إلكتروني يُدعى آدم نويا بالجمع بين الموسيقى وعينات من نسخة صوتية للقصة المكتوبة. أمضى العديد من مصممي الغرافيك أسابيع في إنشاء نسخ متحركة من التحقيق لتقديم طريقة مختلفة لتجربة السرد الدرامي.

كانت هناك ثلاثة أهداف لدمج الصحافة بالفن. الهدف الأول يتمثل في استخدام المنصات الرقمية التي لا تستخدم عادة في التقارير الإخبارية مثل “سبوتيفاي” و”آبل ميوزك”. والهدف الثاني هو الوصول إلى جمهور أصغر سنا ومنتشر أكثر على المستوى العالمي. أما الهدف الثالث فيتعلق بالوصول إلى الناس بطريقة أكثر إبداعا وبصورة عميقة وعاطفية.

بقدر ما أماط التحقيق اللثام عن ألغاز معيّنة، فقد طرح تساؤلا أكبر وأكثر إرباكا: كيف يمكن للبلدان أن تتعامل مع الهجرة بطريقة أكثر إنسانية؟ مخاطر هذا السؤال سترتفع مع الأخذ في الاعتبار أن علماء الديمغرافيا يتوقعون أن أكثر من 150 مليون شخصا سوف يسعون إلى الانتقال بسبب أزمة المناخ على مدار الخمسين عاما المقبلة.

قدّم خبراء الهجرة والمدافعون عن حقوق الإنسان مجموعة متنوعة من الأفكار حول طرق تحسين التعامل مع أزمة البحر الأبيض المتوسط. ولأهداف عدة من بينها مناقشة بعض نتائج التحقيق، استضاف التحالف الليبي الأمريكي جلسة مائدة مستديرة عبر الانترنت حول ليبيا والهجرة. وخلال الجلسة، قال مدير فرع لجنة الإنقاذ الدولية بليبيا توماس غاروفالو إنه يتعيّن على الاتحاد الأوروبي وقف الشراكة مع الليبيين في ما يتعلّق بمراقبة الهجرة. وأضاف: “يجب أن تكون هناك عودة بالفعل إلى عمليات البحث والإنقاذ الأوروبية في البحر الأبيض المتوسط. من الواضح أن خفر السواحل الليبي غير قادر على حماية أرواح وكرامة هؤلاء الأشخاص الذين يحاولون العبور”.

“يتعيّن على الاتحاد الأوروبي وقف الشراكة مع الليبيين في ما يتعلّق بمراقبة الهجرة ”

توماس غاروفالو

واعتبر الباحث في منظمة التضامن لحقوق الإنسان، وهي منظمة ليبية غير حكومية، أن الأمم المتحدة يجب أن تعيد على الفور رحلات الإجلاء من طرابلس والتي كانت إلى حين إلغائها منذ أكثر من سنة، إحدى السبل الآمنة لهروب المهاجرين من ليبيا. وأضاف أن هناك أكثر من 40 ألف لاجئ عالقين في ليبيا وهؤلاء ليسوا حتى في مراكز الاحتجاز الوحشية.

وقال الخبير في شؤون ليبيا لدى المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود مارك ميكاليف إنه لن يكون من الحكمة أو من الأخلاقي سحب أموال الاتحاد الأوروبي من العديد من منظمات الإغاثة التي تقوم بأعمال منقذة للحياة مع المهاجرين في ليبيا. وأضاف أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي قد لا يكون لديهم سيطرة كبيرة على ما يحدث في سجون المهاجرين في ليبيا، لكن يمكنهم ممارسة المزيد من الضغط على الحكومة الليبية من خلال ربط المزيد من الدعم المالي لخفر السواحل الليبي بتحسينات يمكن إثباتها في هذه السجون.

أشارت العديد من المصادر الأخرى إلى نقطة أكثر أهمية: بناء جدران أعلى وأسمك مثل الجدار غير المرئي الذي أقامه الاتحاد الأوروبي عبر البحر الأبيض المتوسط ليس هو السبيل للردّ على التدافع العالمي الذي بدأته الهجرة المناخية. الحلّ الأكثر استدامة هو توجيه الموارد والاهتمام بالسياسات نحو عوامل الدفع التي تجبر الأشخاص اليائسين على الاندفاع نحو أوروبا والولايات المتحدة.

إنكار أوروبي

ادعى مسؤولون أوروبيون لزمن طويل أنّ دورهم في ليبيا كان دورا إنسانيا بحتا. حيث قال هؤلاء المسؤولون إنّ الاتحاد الأوروبي لا يدفع تكلفة أيّ أمر متعلّق بالاحتجاز غير القانونيّ للاجئين في ليبيا وتعذيبهم. لكنّ التحقيق أثبت أنّ هذا الادعاء غير صحيح. فمن خلال استخدام قاعدة بيانات لعقود الاتحاد الأوروبي ومصادر أخرى، عثرنا على عمليات شراء تبلغ قيمتها ملايين من الدولارات وتشمل الحافلات المستخدمة لنقل المهاجرين المحتجزين من الميناء إلى السجون، وكذلك سيارات رباعية الدفع التي تم استعمالها لمطاردة اللاجئين في الصحراء وأكياس الجثث لدفن الذين لقوا حتفهم. من خلال تصفّح التسجيلات والصور على شبكات التواصل الاجتماعيّ، قمنا بتحديد كيفيّة استخدام هذه الشراءات من طرف الميليشيات ومجموعات المساعدات الإنسانية والحكومة في ليبيا.

“التحقيق نقل قسوة المقاربة المتبعة إزاء الهجرة وفسادها إلى مستويات جديدة”

علي نوراني

وكردّ فعل على هذا التحقيق، قام الرئيس السابق لتطوير وتقييم السياسات في مكتب المفوض السامي لشؤون اللاجئين لدى الأمم المتحدة جيف كريسب بنشر تدوينة يقول فيها إن التحقيق “قد يكون التقرير الأكثر تفصيلا حتى الآن حول البرنامج الذي يدعمه الاتحاد الأوروبي والذي يسمح لحرس السواحل الليبية وجماعات الميليشيا بقطع الطريق على اللاجئين في البحر”. من جهته، اعتبر المدير التنفيذي لمنتدى الهجرة الوطنية علي نوراني أن التحقيق نقل “قسوة المقاربة المتبعة إزاء الهجرة وفسادها إلى مستويات جديدة”.

في إشارة إلى التحقيق، وجّه أوثمار كاراس، وهو برلماني من النمسا، رسالة إلى المفوضية الأوروبية مطالبا إياها بالتحقيق في المرافق الشبيهة بالسجون حيث يتم اعتقال اللاجئين والمهاجرين بإيعاز من الاتحاد الأوروبي. وكتب في الرسالة ” ماهي الاجراءات التي تتخذها المفوضية لوضع حد لتردّي أوضاع حقوق الإنسان داخل المرافق الشبيهة بالسجون بالنسبة للمهاجرين واللاجئين في ليبيا؟”.

كما أرسل سيران كوفي، وهو برلماني من إيرلندا، رسالة إلى المفوضية مستشهدا ببعض عمليات الشراء المحدّدة التي قام بها الاتحاد الأوروبي، والتي كشف عنها التحقيق الذي أجريناه، نيابة عن حرس السواحل الليبي من بينها العديد من قوارب الدوريات من فئة “بي 150”. وتساءل أيضا عن الإجراءات التي يعتزم الاتحاد الأوروبي اتخاذها ليضمن عدم استخدام هذه الموجودات لدفع المهاجرين إلى العودة إلى ليبيا في مخالفة للقانون الدولي.

“أوروبا فشلت حتى اليوم في الاتفاق على اتباع سياسات للهجرة تجمع بين الفاعلية والإنسانية في آن واحد”

فابيو كاستالدو

وقال فابيو كاستالدو يوم 10 ديسمبر/كانون الأوّل 2021، وهو مشرّع إيطالي ونائب رئيس برلمان الاتحاد الأوروبي، إن أوروبا كانت قد فشلت حتى اليوم في الاتفاق على اتباع سياسات للهجرة تجمع بين الفاعلية والإنسانية في آن واحد. وأضاف أنه يجب على الجهود الجماعيّة أن تضع “كرامة” المهاجرين في مقدّمة انشغالاتهم.

عبّر الأب موسي زيراي، وهو قسّ كاثوليكي اريتري رُشّح مرّة واحدة لنيل جائزة نوبل للسلام، عن ذلك الشعور في رسالة أُرسلت إلى رئيس البرلمان، دايفد ساسولي. وفي الرسالة، قال زيراي إن الخطوة الأولى في اتجاه ما سمّاه بـ”مراجعة جوهرية” لعمل الاتحاد الأوروبي مع ليبيا تحتاج إلى توجيه “إنذار حازم لليبيا حتى تضع حدّا للعنف وجعل المسؤولين عنه يدفعون الثمن”.

أثناء إفادته لشهادة أمام لجنة مجلس النواب الأمريكيّ في أواخر ديسمبر، قال مسؤول في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أنّ أمريكا لها مصلحة استراتجية في تحقيق الاستقرار بليبيا. واستشهد بتحقيقنا كحجّة على ضرورة توفير المعاملة الإنسانية للمهاجرين حتى يتمكّن البلد من استعادة شرعيته.

ماذا يخبّئ المستقبل؟

إلى أين تقود هذه القصّة؟ من الصعب التكهّن بذلك. ففي مطلع هذه السنة، ولأوّل مرّة على الإطلاق، وصلت قضيتان رفعها مهاجرون إلى محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي اتهموا فيهما “فرونتكس” وموظفيها بالتواطؤ في الانتكاهات المرتكبة في حقهم.

أشاد المدافعون عن المهاجرين بحكم صدر الأسبوع الماضي عن المحكمة العليا بإيطاليا يُلغي إدانة مهاجريْن كانت السلطات الإيطالية قد اتهمتهما بمعارضة جهودها في إعادتهما إلى ليبيا. وجاء في الحكم الصادر عن المحكمة العليا أنه من حق المهاجرين اللذين تمّ إنقاذهما في البحر من قبل عمال زوارق السحب أن يرفضا إرسالهما إلى بلد لا يحترم المعايير الدوليّة لمرفأ آمن.

التغيرات المناخية والهجرة ( ذي اوتلو أوشين بروجيكت )

قال محامو المهاجريْن إن الحكم القضائي يبرز أنّ “عمليات الإنقاذ التي تتمّ في البحر والتي تفضي إلى عودة الناجين إلى ليبيا تمثّل خرقا لمبدأ عدم الإعادة القسرية وتضرب حقوق الناس الذين تمّ إنقاذهم ووجب إيوائهم في مكان آمن حيث لا تتعرّض حياتهم إلى الخطر من جديد وحيث يُضمن احترام حقوقهم الأساسيّة”.

إنّه لمن غير الواضح ما سينجرّ عن الإجراءات القانونيّة الأخيرة المتخذة ضدّ الاتحاد الأوروبي أمام المحكمة الجنائية الدوليّة ومنظّمة الأمم المتحدة، لكنّ الملفات المودعة باتت جزءا من تحدّ أوسع لشرعيّة سياسات وسلوك الاتحاد الأوروبي ووكالة الحدود التابعة له “فرونتكس”.

قالت تينيك ستريك، وهي عضو هولندي في البرلمان الأوروبي، إنها تعتزم عقد جلسة استماع أمام اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بالبرلمان في شهر جانفي/كانون الثاني حتى يتمكّن الصحفيون الذين قاموا بإجراء التحقيق من تقديم شهادة علنيّة في ما يتعلّق بتورّط الاتحاد الأوروبي في ليبيا. كما وجّه مسؤولون حكوميون من دبلن وصولا إلى إسطنبول نداءات عامّة من أجل إعادة النظر بمقاربة أوروبا في إدارة أزمة الهجرة.

ولادة جديدة لأليو كاندي

يحدث أحيانا أن تكون الانتصارات الصغيرة والشخصيّة في الصحافة هي الأكثر منحا للشعور بالرضا. تضمّن تحقيقنا في ليبيا النجاح في إطلاق طائرة دون طيار لتحوم فوق سجن المهاجرين بطرابلس حيث قُتل المهاجر القادم من غينيا بيساو. كان مسعًى صحفيّا خطيرا لكنّه يستحقّ المخاطرة من أجل كشف مكان قاتم يتسم بالعنف الذي طالما كان مخفيّا عن الأنظار حتى عن أنظار الناس الذين يقطنون بالجوار.

أصبحت في النهاية اللقطات التي قامت الطائرة من دون طيار بتصويرها من الأعلى إضافة إلى مقاطع الفيديو على الهاتف المحمول والتي تمّ تسريبها من داخل السجن المعروف باسم “المباني” تمثّلا رمزيّا لحقيقة قاسية لم تتمّ إذاعتها فقط في أوروبا و الولايات المتحدة، إنما أيضا، وعلى نحو أكثر أهميّة، في وسائل الإعلام الجزائرية والليبية والمغربية والتونسية والتركية.

لقد قمنا بمجهود خاصّ حتّى نضمن نشر القصّة بكثافة باللغة العربية ولغات أخرى بالشرق الأوسط وعبر إفريقيا. فبدا هذا الأمر كإنجاز ذو قيمة عالية لأنّه من النادر أن يتمّ نشر مثل هذا التحقيق في نفس الأماكن التي تعيش فيها الشعوب الأكثر تأثرا.

فيديو قبر كاندي ( بيار قطار / ذي أوتلو أوشين بروجيكت )

بينما كنا بصدد إعداد القصّة في طرابلس، تعرّض عدد من الصحفيين العاملين على إنجاز التحقيق إلى الاعتقال بالقوّة والاختفاء في سجن سري من طرف جهاز الاستخبارات الليبيّ والمرتبط منذ أمد طويل بإحدى أكثر الميليشيات الليبية نفوذا وهي “كتيبة النواصي”. بعد وقت قصير من نشر التحقيق، سلّمت المخابرات الليبية إلى وزارة الخارجية الأمريكية ما قيمته 30 ألف دولار من المعدات والممتلكات الشخصية التي استولوا عليها من الصحفيين قبل إطلاق سراحهم بعد ستة أيام قضوها في الأسر.

إثر مقتل آليو كاندي على يد حارس بسجن المباني، قامت الشرطة بإدراجه في الوثائق من دون ذكر اسمه وهو ما زاد في حجم الأذى لعمّ كاندي الأكبر الذي قام بزيارة مركز الشرطة بطرابلس حتى يتعرّف على جثّته. كانت إحدى تطلعاتنا المتواضعة من خلال التحقيق الذي قمنا بإجرائه أن نضفي طابعا إنسانيا على قضيّة من خلال رواية قصّته للعالم حتى يتسنى للرأي العام العالمي فهمه كإنسان وليس مجرّد رقم في واقع مأساويّ. وحدهم القراء يستطيعون الحكم على نجاح العمل من عدمه في تحقيق هذا الهدف. ولكن على الأقل، فقد انتشر وسم #أليوكاندي على نطاق واسع وشوهد الرابط الأصلي للقصة في غضون أسبوع من نشره من قبل أكثر من 13 مليون شخص على تويتر فقط.

من المؤكد أن اسم أليو كاندي أصبح معروفا اليوم، وكذلك دور الاتحاد الأوربي في وفاته وسوء المعاملة التي تعرّض إليها.

كلمة الكتيبة:

يرصد هذا المقال أبرز ردود الفعل الدولية ورجع الصدى بخصوص التحقيق العابر للحدود الذي انفرد موقع الكتيبة بنشر النسخة العربية منه .وهو يمثل لبنة أولى في التعاون مع منظمة "ذي آوتلو أوشين بروجيكت" ستكون متبوعة بتجارب أخرى في العمل المشترك حول قضايا تهم البيئة والتغيرات المناخية والهجرة غير النظامية في تونس وفي منطقة شمال إفريقيا بشكل عام.

كلمة الكتيبة:

يرصد هذا المقال أبرز ردود الفعل الدولية ورجع الصدى بخصوص التحقيق العابر للحدود الذي انفرد موقع الكتيبة بنشر النسخة العربية منه .وهو يمثل لبنة أولى في التعاون مع منظمة "ذي آوتلو أوشين بروجيكت" ستكون متبوعة بتجارب أخرى في العمل المشترك حول قضايا تهم البيئة والتغيرات المناخية والهجرة غير النظامية في تونس وفي منطقة شمال إفريقيا بشكل عام.

الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص

ترجمة: رحمة الباهي
مراجعة: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
رسوم: معاذ عيادي
تدقيق: وليد الماجري
رسوم: معاذ العيادي
ترجمة: رحمة الباهي
مراجعة : محمد اليوسفي

الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص .

IYAN