الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص .

الكاتب : جو غالفين

كاتب في منظمة “ذي آوتلو أوشين بروجيكت”

تم إغلاق سجن المباني الأشهر في ليبيا رسميا في 13 جانفي/ كانون الثاني 2022، في ظلّ غياب تام لأي توضيح من الحكومة أو تحركات من قبل جماعات الإغاثة أو تغطية صحفية من قبل وسائل الإعلام المحلية والأجنبية.
خلال 12 شهرا تقريبا، اعتمدت إدارة السجن سياسة لا تخضع لأي مساءلة مثل تلك التي يعتمدها نظام الاحتجاز الليبي مما جعل جرائم الاغتصاب والابتزاز والقتل داخل السجن أمرًا شائعا وموثّقا بالصوت والصورة.
يعتبر ملف سجن المباني مهما للعالم ليس فقط لأن الأمم المتحدة قد أعلنت عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية داخله وإنما أيضا لأن سبب انشاء هذا السجن والاستثمار فيه كان نتيجة لسياسات الاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى منع المهاجرين من عبور البحر الأبيض المتوسط وبلوغ الشواطئ الأوروبية.

الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص .

تم إغلاق سجن المباني الأشهر في ليبيا رسميا في 13 جانفي/ كانون الثاني 2022، في ظلّ غياب تام لأي توضيح من الحكومة أو تحركات من قبل جماعات الإغاثة أو تغطية صحفية من قبل وسائل الإعلام المحلية والأجنبية.
خلال 12 شهرا تقريبا، اعتمدت إدارة السجن سياسة لا تخضع لأي مساءلة مثل تلك التي يعتمدها نظام الاحتجاز الليبي مما جعل جرائم الاغتصاب والابتزاز والقتل داخل السجن أمرًا شائعا وموثّقا بالصوت والصورة.
يعتبر ملف سجن المباني مهما للعالم ليس فقط لأن الأمم المتحدة قد أعلنت عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية داخله وإنما أيضا لأن سبب انشاء هذا السجن والاستثمار فيه كان نتيجة لسياسات الاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى منع المهاجرين من عبور البحر الأبيض المتوسط وبلوغ الشواطئ الأوروبية.

صورة مركز احتجاز “المباني” (بيار قطار/ “ذي آوتلو أوشين بروجكت”/ 18 ماي 2021)

محسوبية ورشوة

قد يبدو إغلاق سجن المباني، من الجانب الصحفي، بمثابة الإنجاز. حيث كشف فريق من الصحفيين عن انتهاكات شنيعة ومتواصلة في السجن وكنتيجة لذلك أغلقت الحكومة المكان على الفور ولكن الرواية الكاملة لما يحدث أعمق وأدق من ذلك.

يفضح الإغلاق المفاجئ لسجن المباني الطبيعة المتغيرة لطريقة إدارة سجون الاحتجاز في ليبيا وكيف أن السياسات الاعتباطية في بناء مراكز الاحتجاز وإزالتها تجعل من حماية المحتجزين أمرا شبه مستحيل. يقع فتح وغلق وإعادة فتح مراكز احتجاز المهاجرين من أسبوع لآخر ويتم نقل المعتقلين من مكان إلى آخر دون أي إمكانية لتتبع تحركاتهم.

علي سبيل المثال، نُقل ثلاثة آلاف شخص من نفس السجن، في ظروف غامضة، إلى سحن آخر ليصل منهم فقط 2500 محتجز. وتضطر فرق الإغاثة إلى الانتظار شهورا طويلة للحصول على إذن للقيام بزيارات منتظمة إلى سجون احتجاز مثل سجن المباني فقط ليستأنفوا هذه المفاوضات مرة أخرى عندما يصل هؤلاء المحتجزون إلى سجون أخري حديثة الإنشاء. تمكنت الميليشيات، نتيجة لهذه التجاوزات، وفي حصانة تامة ضد أي عقوبات، من أن تختطف وتعذب وتحتجز اللاجئين إلى أجل غير مسمى.

فيديو لمهاجرين داخل مركز المباني (ذي آوتلو أوشين بروجيكت)

أسدلت عملية إغلاق سجن المباني الستار على كيفية إدارة السلطة والحكم فعليا في ليبيا. إن ما يحدد الطريقة التي يُعامل بها المهاجرون ومكان احتجازهم ومدة سجنهم وما إذا كان سيتم الإفراج عنهم، لا يتعلق أساسا بالقوانين الجاري بها العمل أو بالضرورات الإنسانية، بل يتعلق أكثر بالمحسوبية والرشوة.

لم يتم إغلاق سجن المباني، على الأرجح، لأن الصحفيين قد كشفوا تورط الحراس في جرائم مثل قتل المهاجر أليو كاندي وابتزاز وتعذيب العديد من المهاجرين الآخرين. على الأغلب، تم إيقاف العمل بسجن المباني بسبب صراع سياسي بين رجلين يتنافسان على إدارة جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا (DCIM)، الذي يدير تدفق المهاجرين الأسرى. يعتبر احتجاز المهاجرين في ليبيا سياسة مربحة تجاريا وبالنسبة للمحتجزين يصبح لكل شيء ثمن كالحماية والغذاء والدواء، والأغلى من ذلك كله، الحرية.

“بعض موظفينا الذين شهدوا حادث إطلاق النار على مهاجرين في سجن المباني يصفونه كبركة من الدماء غرق فيها المهاجرون المصابون”

فيديريكو سودا

عندما خسر مدير واحد، الجنرال المبروك عبد الحفيظ، كرسي القيادة في مديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا أُغلق سجن المباني الذي كان يُدار من قبل الميليشيا التابعة له. نشر سجن المباني آخر تدوينة له على منصة فايسبوك في اليوم الموالي لتنحي المبروك من رئاسة جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا. وعندما استلم محمد الخوجة مهام تسيير الجهاز، أصبح خط تدفق المهاجرين المحتجزين يصب في سجن السكة الذي كان يديره الخوجة سابقا. وأكدت متحدثة باسم الأمم المتحدة أن العديد من المحتجزين في سجن المباني قد تم بالفعل نقلهم إلى سجن السكة. وهو ما يؤكد أن الغنيمة تؤول للمنتصر.

صورة تجمع محمد الخوجة، في الوسط، بوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في شهر جانفي 2022

صورة تجمع محمد الخوجة، في الوسط، بوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في شهر جانفي 2022

علاوة على ذلك، تمثل عملية إغلاق سجن المباني جزءا من مسعى أكبر للحكومة الليبية لنقل مراكز الاحتجاز الرسمية خارج ولاية طرابلس، باعتبار أن محاولات هروب المحتجزين تصبح أكثر صعوبة عندما يتواجد السجن في مناطق نائية. كما أن احتمالات تعرضهم للمضايقة من مجموعات الإغاثة والصحفيين تصبح أقل بكثير لأن الحكومة تفرض قيودا أكثر صرامة على التنقل خارج العاصمة.

افتُتِح سجن المباني في أوائل عام 2021، وكان معروفا بالممارسات الوحشية داخله. لم يتمكن أي صحفي من الدخول إلى المنشأة مطلقا ولكن المهاجرين الفارّين وصفوا الوضع هناك ووثقوا ذلك في بعض الأحيان بلقطات فيديو من الهواتف المحمولة. بلغ مستوى العنف ذروته في سجن المباني في أكتوبر/ تشرين الأول عندما تمّ إطلاق النار بشكل كثيف على المهاجرين أثناء فرارهم، وذلك بعد مرور أيام قليلة من قيام السلطات باعتقال واحتجاز ما يقارب 5000 مهاجر من منطقة قرقارش، حي فقير يسكنه المهاجرون.

“نحن لا نمول الحرب ضد المهاجرين. نحن نحاول ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان”

روزاماريا جيلي

وفي هذا الصدد، قال فيديريكو سودا، رئيس مكتب ليبيا بالمنظمة الدولية للهجرة “بعض موظفينا الذين شهدوا هذا الحادث يصفونه كبركة من الدماء غرق فيها المهاجرون المصابون وهم ملقون على الأرض”. قُتل ستة أشخاص في هذه الواقعة وأصيب أكثر من عشرين آخرين.

في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، نشرت منظمة “ذي آوتلو أوشين بروجيكت”، بالتعاون مع مجلة نيو يوركر ”New Yorker”، تحقيقا حول سجن المباني وأنظمة الاحتجاز السجنية في ليبيا التي ساعد الاتحاد الأوروبي على إنشائها. نقل موقع الكتيبة التحقيق إلى الجمهور التونسي. وروى التقرير قصة المهاجر أليو كاندي، لاجئ المناخ من غينيا بيساو، الذي اعتقله خفر السواحل الليبي الممول من الاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط​​، وأعيد إلى سجن المباني أين قُتل في النهاية على يد الحرّاس.

من المؤكد أن هذه التحقيقات الصحفية لعبت دورا في إغلاق سجن المباني. لكن الاستنتاج الأهم من كل ما يحصل هو أن إدارة الحكم في ليبيا مبنية بالأساس على المحسوبية والمحاباة، مما فسح المجال لارتكاب جرائم ضد الإنسانية بينما يواصل الاتحاد الأوروبي في دعم هذه الانتهاكات ماليا من خلال تمويله لخفر السواحل الليبي.

من خلال التعمق بشكل كاف في تحليل وضع اللاجئين في ليبيا، يمكن ملاحظة أن النمط المستخدم لإدارة مراكز الاحتجاز واضح. تدير الميليشيات مراكز الاحتجاز لأطول فترة ممكنة، ثم يتم إغلاقها عندما يتغير سماسرة السلطة أو تُسلط وسائل الإعلام الكثير من الضوء عليهم.

وكمثال على ذلك، تم إنشاء سجن المباني فقط لإيواء معتقلين من سجن آخر سيئ الصيت يُطلق عليه اسم تاجوراء. تم تفجير هذا الأخير في عام 2019، بسبب جذبه للانتباه بصفة مقلقة. وكشف المحققون أن من بين المهاجرين القتلى بعض الذين أُجبروا على القيام بأعمال عسكرية مثل تجهيز الأسلحة. قالت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر عام 2021 إن “إغلاق المراكز الفردية أو مَرْكزة عملية احتجاز المهاجرين لا يساهم كثيرا في معالجة الانتهاكات الممنهجة للاجئين والمهاجرين، مما يبرز الحاجة إلى القضاء على نظام الاحتجاز التعسفي ككل”.

إنكار أوروبي

من جانبه، كان الاتحاد الأوروبي بطيئا في تحمّل مسؤولية ضلوعه في تمويل مراكز الاحتجاز. في جانفي/ كانون الثاني الفارط، قدمت منظمة “ذي آوتلو أوشين بروجيكت”، تفاصيل تحقيقها إلى لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي، وحددت مظاهر الدعم المكثف الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لجهاز مراقبة الهجرة الليبي. اعترض ممثلو المفوضية الأوروبية على توصيفنا للأزمة. وقالت روزاماريا جيلي، مديرة مكتب ليبيا صُلب الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية “نحن لا نمول الحرب ضد المهاجرين. نحن نحاول ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان”.

ومع ذلك، وبعد أسبوع واحد فقط، أبلغت هنريك تراوتمان، ممثلة المفوضية الأوروبية، المشرعين أن الاتحاد الأوروبي سيوفر خمس سفن أخرى لخفر السواحل الليبي لتعزيز قدرته على اعتراض المهاجرين في أقاصي البحار.

المزيد من السفن يعني المزيد من الاعتقالات. في العام الماضي، اعتقل خفر السواحل الليبي أكثر من 32000 مهاجر لتتمّ إعادتهم إلى سجون المهاجرين الليبية. مع الدعم الإضافي من الاتحاد الأوروبي، من المرجح أن يرتفع هذا الرقم في عام 2022. اعترفت تراوتمان قائلة “نحن نعلم أن السياق الليبي أبعد ما يكون عن الوضع المثالي. نعتقد أنه من الأفضل الاستمرار في دعم هذا التوجه بدلا من تركهم يستخدمون أجهزتهم الخاصة”.

كلمة الكتيبة:

يتناول هذا المقال قرار غلق سجن المباني إثر التحقيق العابر للحدود الذي انفرد موقع الكتيبة بنشر النسخة العربية منه، والمتعلّق بتفاصيل مقتل المهاجر غير النظامي أليو كاندي والتعذيب الذي يتعرّض إليه المهاجرون في السجن المذكور. ولئن لعب التحقيق دورا في تحقيق غلق سجن المباني إلا أن هذا القرار يعكس كيفية إدارة الحكم في ليبيا. ويمثل التحقيق الدولي لبنة أولى في التعاون مع منظمة "ذي آوتلو أوشين بروجيكت" ستكون متبوعة بتجارب أخرى في العمل المشترك حول قضايا تهم البيئة والتغيرات المناخية والهجرة غير النظامية في تونس وفي منطقة شمال إفريقيا بشكل عام.

كلمة الكتيبة:

يتناول هذا المقال قرار غلق سجن المباني إثر التحقيق العابر للحدود الذي انفرد موقع الكتيبة بنشر النسخة العربية منه، والمتعلّق بتفاصيل مقتل المهاجر غير النظامي أليو كاندي والتعذيب الذي يتعرّض إليه المهاجرون في السجن المذكور. ولئن لعب التحقيق دورا في تحقيق غلق سجن المباني إلا أن هذا القرار يعكس كيفية إدارة الحكم في ليبيا. ويمثل التحقيق الدولي لبنة أولى في التعاون مع منظمة "ذي آوتلو أوشين بروجيكت" ستكون متبوعة بتجارب أخرى في العمل المشترك حول قضايا تهم البيئة والتغيرات المناخية والهجرة غير النظامية في تونس وفي منطقة شمال إفريقيا بشكل عام.

الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص


الكاتب : جو غالفين

كاتب في منظمة "ذي آوتلو أوشين بروجيكت"

ترجمة:خبيب الدرعية
مراجعة: رحمة الباهي
تدقيق: وليد الماجري
رسوم: معاذ عيادي
تدقيق: وليد الماجري
رسوم: معاذ العيادي
ترجمة: خبيب الدرعية
مراجعة : رحمة الباهي

الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص .

الكاتب : جو غالفين

كاتب في منظمة “ذي آوتلو أوشين بروجيكت”

IYAN