الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

في الخامس والعشرين من شهر جويلية/يوليو 2022 يتوجّه التونسيون.ـات إلى مراكز الاقتراع للتصويت بقبول أو برفض مشروع دستور جديد وُضع أمامهم للتقرير في مصيره ومصير مسار 25 جويلية ومن ورائه الرئيس قيس سعيّد.

وإن توضّح مستقبل الدولة والعملية السياسية برمتها في حال تمّ تمرير مشروع الدستور ليكون نافذا منذ يوم التصويت عليه بنعم وإقرار النتائج النهائية بشكل رسمي، إلا أنّ السيناريوهات الممكنة في حالة رفض مشروع الدستور تبدو عديدة ومتشعبة.

فأي مستقبل العملية السياسية في تونس في حال كانت الغلبة يوم الاستفتاء للمصوتين بـ”لا” على حساب أنصار الرئيس سعيّد؟ وما الذي يمكن أن يترتّب عن فرضية تسجيل نسبة عزوف ومقاطعة كبيرة ؟

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

في الخامس والعشرين من شهر جويلية/يوليو 2022 يتوجّه التونسيون.ـات إلى مراكز الاقتراع للتصويت بقبول أو برفض مشروع دستور جديد وُضع أمامهم للتقرير في مصيره ومصير مسار 25 جويلية ومن ورائه الرئيس قيس سعيّد.

وإن توضّح مستقبل الدولة والعملية السياسية برمتها في حال تمّ تمرير مشروع الدستور ليكون نافذا منذ يوم التصويت عليه بنعم وإقرار النتائج النهائية بشكل رسمي، إلا أنّ السيناريوهات الممكنة في حالة رفض مشروع الدستور تبدو عديدة ومتشعبة.

فأي مستقبل العملية السياسية في تونس في حال كانت الغلبة يوم الاستفتاء للمصوتين بـ”لا” على حساب أنصار الرئيس سعيّد؟ وما الذي يمكن أن يترتّب عن فرضية تسجيل نسبة عزوف ومقاطعة كبيرة ؟

العزوف المُهدد للمشروعية

لا تسير الحملة التفسيرية لاستفتاء 25 جويلية على ما يرام. خطوات متسارعة وأحداث متعددة. في حيز زمني ضيّق، صدرت نسخة أولى من مشروع دستور قيس سعيّد يوم 30 جوان/يونيو، تلتها نسخة ثانية مُعدّلة بعد التنقيحات التي أُدخلت عليها يوم 08 جويلية/يوليو ومواقف متقلّبة على ضوء النسختين زادها منسق الهيئة الوطنية لجمهورية جديدة الصادق بلعيد تقلّبا بعد نشره لنسخة مشروع الدستور التي كلّفه الرئيس سعيّد بصياغتها مع ثلّة من أساتذة القانون الدستوري. بلعيد كان قد أشار في مقال له على أعمدة جريدة الصباح مرفقا بنسخة مشروع دستوره إلى أنّ الرئيس أصدر دستورا جديدا يؤسس لنظام استبدادي غير مشروع الدستور الذي تقدّم به إليه صباح 23 جوان/يونيو الماضي.

في الجهة المُقابلة من طريق إرساء جمهورية الرئيس الجديدة، تُسابق الهيئة العليا المُستقلة للانتخابات الزمن للإعداد لليوم المشهود، يوم 25 جويلية/يوليو 2022 تاريخ تقرير مصير مشروع دستور سعيّد في استفتاء شعبي عليه.

وبلغ عدد المُسجلين في السجل الانتخابي بحسب الهيئة العليا المُستقلة للانتخابات 9 ملايين و272 ألف و541 ناخب بنسبة تطور في حدود الـ 22% مقارنة مع السجل المعمول به سنة 2019 بعد قرار التسجيل الآلي للمواطنين غير المضمّنين بتلك السجلات.

وتُشير تقارير سبر أراء تمّ إجراؤها في وقت سابق الى أنّ أغلب التونسيين.ـات غير معنيين بالعملية السياسية في بلادهم وهو ما يتضح أكثر في نسب المُشاركة الضعيفة في الإنتخابات التشريعية على سبيل المثال.

ويُفسر خبراء الإحصاء وسبر الآراء المُشاركة القوية واللافتة للانتباه في الإنتخابات الرئاسية سنة 2019 في دورتيها والتي أفضت إلى فوز الرئيس سعيّد بأغلبية أصوات الدور الثاني، إلى سهولة العملية ووضوحها، مشيرين الى أنّه “كلما كان الأمر معقدا أمام التونسيين.ـات كلما كان العزوف أكثر عن المُشاركة في العملية الإنتخابية وعدم إيلاء الموضوع أهميته”.

وتُشير أراء متطابقة لعدد من الخبراء الى أنّ توسيع دائرة الناخبين والزيادة اللافتة لأعدادهم والمُقدّرة بنحو مليونين قد لا يخدم مشروع الرئيس سعيّد في حال شهدت عملية الإستفتاء مشاركة ضعيفة، خاصة وأنّ مسار 25 جويلية برمّته، انبنى على المقولة الشهيرة للرئيس سعيّد وأنصاره “الشعب يُريد” و “الشعب يؤسس”.

إضافة إلى ذلك تُعاني الهيئة العليا المُستقلّة للانتخابات التي عيّن الرئيس سعيّد أعضاء مجلسها، انشقاقات صلبها وصلت حدّ إحالة أحد أعضائها وهو سامي بن سلامة الى أنظار مجلس التأديب للنظر في إمكانية إعفائه من عضوية الهيئة، بعد أن طالت إنتقادات الأخير أعمال زملائه وبلغت حدّ التشكيك في مصداقيتهم ومصداقية الإجراءات التي تمّ ضبطها في تنظيم عملية الإستفتاء.

وخلال استقباله لكل من رئيس الهيئة ووزير الداخلية تباعا للتداول والتباحث حول الإعداد الجيّد ليوم الاستفتاء، تطرّق الرئيس قيس سعيّد في اللقائين إلى ما أسماه الهجوم الإلكتروني الذي يتعرّض له موقع التسجيل عن بُعد في الإستفتاء المُزمع إجراؤه، محصيا عددها بـ 1700 هجوما إلكترونيا على حدّ قوله.

أرقام ومعطيات قلل من أهميتها رئيس الهيئة العليا المُستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر في وقت لاحق قائلا إنها محاولات محدودة من قبل مجموعة من الأشخاص استغلت المعطيات الشخصية لبعض الشخصيات السياسية والوجوه المعروفة وحاولت تغيير مواقع مراكز الاقتراع المرسمين بها والقريبة من محل سكناهم الى مراكز اخرى بعيدة.

ودعا بوعسكر عموم الناخبين إلى التثبت من مراكز الاقتراع التي سيتوجهون إليها يوم 25 جويلية، بعد محاولات تغيير مكاتب اقتراع عدد من الناخبين.

ولم يمض وقت كثير على اتهام رئيس الدولة قيس سعيّد وعدد من وزرائه، أطرافا لم يسمّوها سعت إلى إفشال الإستشارة الشعبية الإلكترونية في وقت سابق، مشيرين حينها إلى أنّ الأجهزة الأمنية تمكنت من التعرّف على الجهة التي تقف وراء الهجمات الإلكترونية التي استهدفت موقع الإستشارة وأنّها ستتولّى إحالتهم إلى القضاء. بعد تلك الاتهامات والتصريحات المتتالية لم يتعرّف الرأي العام التونسي إلى اليوم على هوية تلك “الأطراف” كما لا أخبار تُذكر عن إيقاف أشخاص مورّطين في القيام بهجمات سيبرانية ضدّ الموقع الإلكتروني لتلك الإستشارة.

وكانت أغلب المكوّنات السياسية التاريخية المؤثرة في تونس قد دعت إلى مقاطعة الاستفتاء رفضا منها للمسار برمته، معتبرين أنّ الرئيس قيس سعيّد يفرض أجندته الخاصة ويسطّر لمستقبل البلاد بشكل منفرد، فضلا عن رفضهم لمشروع الدستور الذي “يؤسس إلى نظام دكتاتوري لرئيس الجمهورية فيه الهيمنة المُطلقة على باقي السلط والوظائف” وفق الحجج التي اعتمدتها تلك المكونات لتعزيز موقفها.

انّ المتابع من قريب لمسار تنظيم عملية الإستفتاء في تونس، يُلاحظ أنها لا تختلف كثيرا عن حملات التنظيم والدعاية للاستشارة الوطنية الإلكترونية التي دعا إليها الرئيس قيس سعيّد في شهر فيفري/ فبراير والتي أفضت إلى مشاركة 535 ألف تونسي فقط.

وقياسا على تشابه المسارين، يرى عدد من الملاحظين.ـات أنّ نسبة المُشاركة وعلى ضوء المشاكل التي تشهدها الحملة التفسيرية من ذلك تعديلات 8 جويلية/يوليو التي طرأت على مسودة الدستور، قد تؤثر في مواقف عدد لا بأس به من المواطنين الذين كانوا يؤيدون مسار 25 جويلية وتدفع بهم نحو خيار المقاطعة.

يقول أستاذ القانون العام عبد الرزاق المختار في هذا الصدد، أنّ هيئة الإنتخابات أثبتت عدم “حياديتها” و”نزاهتها”، معتبرا أنّه كان عليها اتخاذ موقف إزاء التحويرات التي أقدم عليها رئيس الجمهورية ليلة 8 جويلية، ومنتقدا “التبريرات الواهية” للهيئة في خصوص التعديلات التي قام بها الرئيس سعيّد على نسخة مشروع دستوره الأولى وهو ما يضعها موضع تشكيك، وهو ما سيؤثر حتما على العملية ” التأسيسية ” برمتها وفق قوله.

ويضيف أستاذ القانون العام، أنّه لا توجد شروط دستورية ولا حتى قانونية في خصوص اعتماد نسبة مُشاركة محددة لقبول مشروع الدستور الجديد أو في صورة رفضه مضيفا بالقول “انّ المخاض السياسي الذي تعيشه تونس منذ أشهر والذي انطلق من حالة الاستثناء، إلى مرحلة الإنتقال فمرحلة التأسيس، جعل من السردية الرئاسية والنقاش العام يأخذ مسارا نحو التدحرج، بشكل يجعل من مرحلة التأسيس التي يرمي الرئيس سعيّد إلى تثبيتها، تنتفي عنها كل الشروط الموجبة للتأسيس نفسه من ذلك غياب النقاش العام الواسع وأسس التفاوض في بناء عقد اجتماعي جديد”.

بناء على هذا يستنج أستاذ القانون العام أنّ المسار الذي بدأ يوم 25 جويلية، أحدث تصدعا إجتماعيا عميقا جدّا، تُغذّيه الشعبوية والأحقاد والمخاوف كما يُغذية كذلك الفشل على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما ينتج حتما غياب مناخ تأسيسي.

رئيس الجمهورية الذي ينقد من يحكم الدّولة بالأزمات، في الحقيقة هو من يولّد الأزمة تلو الأزمة ويحكم من خلالها.

عبد الرزاق المختار

تمرير الدستور الجديد، بنسبة مشاركة ضعيفة، سيضع حملا كبيرا على الرئيس سعيّد الذي سيجد نفسه أمام خيارين، بحسب عبد الرزاق المختار، إمّا أن يواصل مع سياسة الإنغلاق والتفنن في توسيع دائرة أعدائه، أو أنّه سيتجّه نحو سياسة انفتاحية تقوم على السياسة الإحترافية بعد تثبيت موقعه إذا نجح في تمرير مشروعه، خاصة وأنّ الوضعين الاقتصادي والاجتماعي متأزّميْن بشكل كبير، وهو ما يستوجب فتح قنوات التواصل مع المنظمة الوطنية الأكبر في البلاد وهي الإتحاد العام التونسي للشغل وكذلك مع بقية المنظمات والأطراف السياسية وفق تقدير محدّثنا.

ولا ينص القانون الأساسي المنظم للانتخابات والاستفتاء رغم التنقيحات العديدة التي أُدخلت عليه على أيّ عتبة (نسبة الحدّ الأدنى في التصويت) يمكن اعتمادها للحسم في مشروعية الاستفتاء من عدمه، إذ يمكن تمرير مشروع الدستور مهما كانت نسبة المُشاركة في الإستفتاء وإن كانت بمُشاركة 6 آلاف مواطن فقط نصفهم قبِل المشروع.

ويبدو أنّ معارضي الرئيس سعّيد ومشروع دستوره الجديد، متأكدون من فرضية تفوّق المصوّتين بنعم على حساب الرافضين للدستور الذين جنحوا لخيار المُقاطعة عوض التصويت بـ”لا” وذلك تحسّبا لأيّ امكانية تزوير لإرادة الناخبين إمّا يوم التصويت أو ما يسبق ذلك خاصّة وأنّ الجهة المُبادرة بمشروع الدستور هو رئيس الجمهورية.

ويرمي معارضو الرئيس سعيّد الممثلون تقريبا لأغلبية القوى الحية في تونس السياسية منها والمدنية، إلى لعب ورقة المُشاركة المواطنية الضعيفة عبر الدعوة إلى مُقاطعة الاستفتاء لنزع المشروعية عن الدستور الجديد وما سينبثق عنه من سلط جديدة.

وهذا السيناريو لوحده، ينتج عديد الفرضيات والوضعيات الصعبة التي ستضع النخبة السياسية التونسية موضع تناقض. ففي حال تمّ تمرير الدستور، وإن كان بنسبة ضئيلة من الأصوات، فانّ موقف الأحزاب السياسية من الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في السابع عشر من ديسمبر المُقبل لم يتضح بعدُ، على اعتبار أنّ المؤسسة التشريعية القادمة ستكون منبثقة عن دستور غير معترف به من نفس الأحزاب المُقاطعة، وهو ما يفتح طريقا سيّارة للرئيس سعيّد في مواصلة تطبيق مشروعه في حال واصلت الأحزاب سياسة المُقاطعة.

ويرى نشطاء من المعارضة أنّ تمرير الدستور بنسبة مشاركة ضعيفة في عملية الإستفتاء، يعني أنّ الأزمة السياسية في البلاد ستشتد أكثر، خاصة إذا ما واصل الرئيس سعيّد “سياسة الانغلاق” على نفسه وهو ما قد يؤدي إلى تصلّب النظام وإمكانية دخول البلاد في نفق صدام المعارضة مع النظام وفق قولهم.

ماذا لو سقط مشروع الدستور؟

منذ يوم إعلان رئيس الجمهورية في 17 ديسمبر من 2021، خارطة الطريق المتضمّنة لمواعيد انتخابية تبدأ باستشارة شعبية إلكترونية وتنتهي بانتخاب برلمان جديد مرورا بكتابة دستور جديد لجمهورية جديدة، والنقاش العام في تونس لا يتطرق بتاتا إلى إمكانية فشل هذا المسار والذي من بين أهمّ مرتكزاته نجاح تمرير الدستور الجديد يوم 25 جويلية المُقبل.

غير أنّ المدقق في العملية السياسية في تونس وبقليل من التنسيب، يجد أنّ السيناريوهات الممكنة في صورة فشل الاستفتاء تلوح عديدة. بين من يرى أنّ في فشل تمرير مشروع الدستور يقود مُباشرة إلى وجوب استقالة الرئيس سعيّد وتعويضه برئيس البرلمان المُنحلّ راشد الغنوشي استنادا الى أحكام الدستور شبه المعلّق (دستور 2014)، وبين آخرين يرون ضرورة إجراء حوار وطني جامع يُفضي إلى رسم خارطة طريق سياسية جديدة في تونس على شاكلة الحوار الوطني في عام 2013.

الأستاذ الجامعي عبد الرزاق المختار، يعتبر أنّ مخرج الأزمة في صورة تصويت التونسيين.ـات برفض مشروع الدستور، هو في الأصل مخرج سياسي، رغم أنّ الرئيس سعيّد من خلال كلماته التي يتوجّه بها إلى التونسيات والتونسيين وخاصة من خلال فصول الأحكام الانتقالية الواردة في مشروع الدستور وخاصة الفصل 142 الذي جاء بـ”صياغة ركيكة” على حدّ قوله، لا يعطي مكانة لفرضية رفض المشروع، بل لا تجوب الفكرة في عقل الرئيس بالمرّة.

هذا الوضع الذي لا يضع مكانة لفرضية رفض مشروع الدستور، يمكن أن نسميه بالثمل السياسي والانتشاء بالسلطة.

عبد الرزاق المختار

ويضع خيار سقوط مشروع دستور الرئيس سعيّد، تونس أمام مفترق طرق. فعلى المستوى القانوني -وبحسب عبد الرزاق المختار- فإنّ المنطق السليم يقود مباشرة إلى ضرورة إستقالة الرئيس سعيّد من منصبه، باعتبار أنّ التصويت بالرفض هو رفض للدستور ورفض في ذات الوقت لمن وضعه وفق قوله.

ويتساءل أستاذ القانون العام عبد الرزاق المختار قائلا: “في صورة سقوط مشروع الدستور، فالعودة بالضرورة تكون إلى العمل بدستور 2014، غير أنّ عودة العمل بذلك الدستور يعني عودة المؤسسات القديمة المنبثقة عنه؟ وهذه الفرضية لوحدها -وفق محدثنا- ستدخل بنا في دائرة ما أسمّيه بالإعصار السياسي ثُماثل لحظة 25 جويلية في حدّ ذاتها”.

ويُبرز المختار أنّه “في كل الأحوال لا يمكن للحلّ أن يكون سوى سياسيا، على اعتبار أنّ عودة العمل بدستور 2014 لا تعني ضرورة عودة العمل بمؤسساته القديمة، وهو أمر يحتاج إلى الرصانة والمعقولية التي لا تجد مكانا في سياسات الرئيس سعيّد القائمة على سياسة اللا سياسة القائمة على الشعبوية وتوليد الأزمات، وهو ما قد يقود إلى سيناريوهات عديدة ومفتوحة يصعب التكهّن بها” على حدّ تعبيره.

ولا يختلف المعارضون كما المناصرون حول وجوب تقديم الرئيس قيس سعيّد استقالته في حال سقط مشروع الدستور في الاستفتاء المزمع تنظيمه.

أمين عام حزب حركة الشعب زهير المغزاوي، وصف في حواره مع موقع الكتيبة، فرضية عدم مرور الدّستور في الاستفتاء بالكارثة، قائلا “لا حلّ أمامنا سوى نجاح الإستفتاء وتمرير الدستور، لأنّ 25 جويلية لم يصنعه رئيس الجمهورية إنما هو صنيعة نضالات متراكمة خاضها الشعب التونسي طيلة عشر سنوات ضدّ منظومة الإسلام السياسي. فشلُ تمرير الدستور الجديد يفتح الطريق أمام العودة إلى الوراء وأمام حتى فرضية عودة راشد الغنوشي كرئيس للبرلمان السابق الذي قد يصبح رئيسا مؤقتا للبلاد”.

في المقابل يرى زميله في مجلس نواب الشعب المُنحل والكتلة الديمقراطية سابقا، نبيل حجي عضو المكتب السياسي لحزب التيار الديمقراطي، أنّ فرضية سقوط مشروع قيس سعيّد صعبة جدّا قائلا “تمرير مشروع الدستور سينجح لكن وسط نسبة مشاركة مواطنية ضعيفة في الاستفتاء وهو ما يضع مشروع الرئيس سعيّد القائم على مقولة الشعب يُريد على المحك.”

وأبرز الحجي في حواره مع موقع الكتيبة، أنّه في صورة إسقاط مشروع الدستور، فهو مع الدعوة إلى حوار تشاركي يُشارك فيه الجميع بما في ذلك الرئيس سعيّد “المُنهزم”، يفضي إلى تنقيح القانون الإنتخابي والمُضي قُدما في إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها، مشيرا في ذات الوقت إلى أنّ الحلول القانونية الصرفة المُتمثلة في إستقالة رئيس الجمهورية وعودة البرلمان المُنحل قد تكون سليمة قانونا لكنها غيرُ شعبية، والدفع نحو هذه الخيارات سوف يؤدي ربما إلى الاحتراب ولا حلّ أمام البلاد سوى الحوار الجامع للخروج من الأزمة على حدّ تعبيره.

الرئيس الذي لا يتراجع

ينص الفصل 139 من مشروع دستور قيس سعيّد على أن يتواصل العمل بالأمر عدد 117 المنظم لفترة الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس ذاتهُ في 25 من جويلية 2021، وذلك في الجانب المتعلّق منه بسلطة التشريع إلى حين انتخاب مجلس نواب شعب جديد.

ومن بين الصلاحيات التي يعطيها هذا الأمر لرئيس الجمهورية، إمكانية تنقيح قانون الإنتخابات وتنظيمه الانتخابات وهو ما يمكّنه من مواصلة فرض تصوّراته كاملة، من ذلك إصدار قانون انتخابي جديد يمكن أن يكرّس به البناء القاعدي للسلطة التشريعية القادمة ذات الغرفتين.

ووفق الأمر الرئاسي المنظّم للإجراءات الاستثنائية فانّ الوضعية الاستثنائية تظلّ قائمة حتى في صورة سقوط مشروع الدستور، إذ يمكن لرئيس الجمهورية مواصلة العمل بسلطة الأمر عدد 117 إلى حين وضع خارطة طريق جديدة للخروج بتونس من أزمتها، وهو وضعٌ لا يمكن التكهن بسيناريوهاته وفق ما أجمع عليه عدد من خبراء القانون الدّستوري الذين استشرناهم خلال إعداد هذا المقال.

ولم ينص ذات الأمر عدد 117 على أيّة استثناءات يمكن من خلالها تعطيل العمل به في صورة فشل تمرير مشروع الدستور، فضلا عن ذلك أثبت الرئيس سعيّد في أكثر من محطة خلال هذا المسار الذي بدأه في 25 جويلية من السنة الماضية، أنه لا يعترف بآليات العمل السياسي الكلاسيكية، إذ يجد ما يبرر خطواته التي تكون عادة لا قانونية بمقارنة بسيطة بما كان يحصل سابقا في عشرية الانتقال السياسي من خرق للقانون والدستور.

في قرائتها للوضع القانوني في تنظيم السلط وعلى ضوء فرضية سقوط مشروع الدستور، تقول أستاذة القانون الدستوري سلوى الحمروني انّ دستور 2014 مازال ساري المفعول، ولم يقع تعليق العمل به كليا، مشيرة الى أنّ جميع المراسيم والأوامر التي تصدر عن رئاسة الجمهورية مبنية على دستور 2014 وعلى الأمر عدد 117 الذي بدوره يستند إلى مشروعية دستور 2014، رغم الانحراف بالإجراءات والقوانين وفق قولها.

وتضيف الحمروني، أنّه في حال سقط مشروع الدستور الجديد فإنّ العمل بالأمر الرئاسي عدد 117 سيبقى ساريا إلى أن يتم إلغاؤه بأمر مماثل يوقف فترة الإجراءات الإستثنائية ويدعو إلى انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة، مستبعدة عودة البرلمان المُنحل والسلط المنبثقة عن دستور 2014 والانتخابات التشريعية لسنة 2019، واصفة ذلك بالسيناريو الصعب الذي لا يمكن أن يكون إلا بسياسة المرور بالقوّة، كما فعل الرئيس سعيّد في 25 جويلية من السنة الماضية، وهو ما لا تحتمله البلاد وفق قولها.

ويتّفق أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي مع هذه القراءة حيث يؤكّد أنّ الأمر 117 يبقى ساريا ويفتح خيارين أمام رئيس الدولة:

  • إمّا أن يستقيل من منصبه ويُعوَّض برئيسة الحكومة نجلاء بودن التي إما أن تقوم الدّعوة لانتخابات رئاسية جديدة أو أنّها تُشرف على حوار وطني جامع يفضي إلى إقتراح تعديلات سياسية والمرور نحو انتخابات جديد.
  • وامّا أن يتشبّث الرّئيس بمنصبه ويدعو لحوار وطني جديد، يفضي إلى صياغة دستور جديد يستجيب لمقتضيات الفصل 22 من ذات الأمر عدد 117 وفق الأستاذ خالد الدبّابي.

من جانبه يستبعد المؤرخ عبد اللطيف الحناشي، فرضية سقوط مشروع دستور سعيّد نظرا لما حفّ بالعملية التأسيسية من إجراءات وقوانين أهمّها أنّ المشروع يمكن تمريره أيا كانت نسبة المُشاركة في الاستفتاء، وذلك عائد لغياب عتبة انتخابية في قبول نتائج الإستفتاء.

فضلا عن كل ذلك لا يرى الحناشي في الطبقة السياسية التونسية وخاصة منها الأحزاب أي قوة أو امتداد شعبي يمكّنها من التعبئة الشعبية للتصدّي لما وصفه بتعنّت رئيس الدولة مردفا بالقول “الفرضية الوحيدة -رغم ضعفها- ربّما تكمن في إمكانية حصول ضغط خارجي يدفع في اتجاه أن يخطو الرئيس سعيّد خطوة إلى الوراء وفتح جسور للتواصل مع الفرقاء السياسيين”.

لا شكّ لدى جميع من تسنّى لنا الحديث معهم، أنّ مشروع دستور الرئيس سعيّد سيمرّ أيّا كانت نسبة المُشاركة في الإستفتاء، غير أنّ تمرير مشروع الدستور الجديد ودخوله حيز التطبيق لا يعني أنّ الأزمة السياسية التي تعرفها تونس منذ الـ 25 من جويلية من السنة الماضية ستنتهي أو ستعرف خواتيمها.

مشروع الدستور نفسه، يحمل في طياته تناقضات ستجعل من عملية تسيير الدولة تصطدم بعراقيل وتوترات ناتجة أساسا عن غياب التوافق الحاصل الذي حفّ بعملية “التأسيس الجديد”، خاصة وأنّ أغلب المكوّنات السياسية المدنية رافضة بشكل مُطلق لما جاء به دستور الرئيس سعيّد من تنظيم للسلط/الوظائف وآليات عملها.

كلمة الكتيبة:

حاولنا في هذا المقال الإجابة عن السيناريوهات الممكنة في حال سقط مشروع الدستور والتي تلوح عديدة بين ما هو قانوني وما يُفترض حدوثه سياسيا. ويدخل هذا المقال ضمن سلسلة مقالاتنا التفسيرية التي نسعى من خلالها الى انارة الرأي العام ومساعدته على تشكيل موقف سليم استنادا الى معلومات موثوقة ومستقلّة بعيدا عن البروباغندا والتوظيف السياسي.

كلمة الكتيبة:
حاولنا في هذا المقال الإجابة عن السيناريوهات الممكنة في حال سقط مشروع الدستور والتي تلوح عديدة بين ما هو قانوني وما يُفترض حدوثه سياسيا. ويدخل هذا المقال ضمن سلسلة مقالاتنا التفسيرية التي نسعى من خلالها الى انارة الرأي العام ومساعدته على تشكيل موقف سليم استنادا الى معلومات موثوقة ومستقلّة بعيدا عن البروباغندا والتوظيف السياسي.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

اشراف: وليد الماجري
تدقيق: محمد اليوسفي
مونتاج: حمزة الفزاني
غرافيك: أميمة بن عثمان
غرافيك: أميرة رفرافي
تطوير تقني: بلال الشارني
غرافيك: أميمة بن عثمان
غرافيك: أميرة رفرافي
تطوير تقني: بلال الشارني
اشراف : وليد الماجري
تدقيق: محمد اليوسفي
مونتاج : حمزة الفزاني

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

wael