الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

“حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية.. ليست المرأة التي يزينون بها كمسحوق كي يقولوا إنّنا نتمتّع بحقوق المرأة.. حقوق المرأة هي أيضا هذه.. حقّكن أمانة لن أتراجع عنها”، هذه شذرات من بعض العبارات التي توجّه بها رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى مجموعة من النساء الحرفيات في حي هلال (يعتبر من أحزمة الفقر في تونس الكبرى) بالعاصمة تونس خلال زيارة أداها للقرية الحرفية بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة في 13 أوت/آب 2021.

خلال هذه الزيارة، ظهر سعيّد في مظهر الرجل الذي يجلس قرب النساء الحرفيات ويستمع إليهنّ متعهدا بتحسين واقعهنّ الاجتماعي والاقتصادي الصعب، معتمدا على لهجة أبوية وخطاب فرّق فيه بين من سمّاها “المرأة التي يزينون بها كمسحوق” وبين المرأة العاملة.

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

“حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية.. ليست المرأة التي يزينون بها كمسحوق كي يقولوا إنّنا نتمتّع بحقوق المرأة.. حقوق المرأة هي أيضا هذه.. حقّكن أمانة لن أتراجع عنها”، هذه شذرات من بعض العبارات التي توجّه بها رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى مجموعة من النساء الحرفيات في حي هلال (يعتبر من أحزمة الفقر في تونس الكبرى) بالعاصمة تونس خلال زيارة أداها للقرية الحرفية بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة في 13 أوت/آب 2021.

خلال هذه الزيارة، ظهر سعيّد في مظهر الرجل الذي يجلس قرب النساء الحرفيات ويستمع إليهنّ متعهدا بتحسين واقعهنّ الاجتماعي والاقتصادي الصعب، معتمدا على لهجة أبوية وخطاب فرّق فيه بين من سمّاها “المرأة التي يزينون بها كمسحوق” وبين المرأة العاملة.

خطاب رئيس الدولة آنذاك لم يحمل أي جديد في علاقة بموقفه من قضية حقوق النساء، وقد كرّره في أكثر من مناسبة، لعلّ آخرها زيارة ثانية أداها إلى القرية الحرفية بحي هلال على هامش الاحتفال بعيد المرأة هذا العام 2022.

غير أنّ الجديد هذه المرة هو الدستور الذي وضعه قيس سعيّد نفسه، والذي فتح الباب أمام عديد المخاوف بخصوص مستقبل منظومة حقوق المرأة في تونس. الدستور الجديد كان وفيّا لرؤية رئيس الجمهورية الذي عبّر في أكثر من مرّة عن رفضه للمساواة في الإرث، فضلا عن أطروحاته المحافظة بخصوص عديد المسائل ذات العلاقة بالحريات الفردية.

نعم للتمكين الاقتصادي..لا للمساواة؟!

لم يخف رئيس الجمهورية مواقفه المحافظة إزاء قضايا حقوق الإنسان عموما وحقوق النساء وخاصّة المساواة في الميراث حتى قبل نجاحه في الوصول إلى قصر قرطاج في الانتخابات الرئاسية المبكرة لسنة 2019.

وتؤكد نتائج عملية رصد للحملات الانتخابية – قامت بها الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، ومرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف، والائتلاف المدني من أجل الحريات الفردية – أنّ قيس سعيّد كانت له عديد التحفظات حول جملة من الحقوق والحرّيات الفردية وكذلك مسألة المساواة في الميراث.

وقد كان سعيّد واضحا في موقفه من قضية المساواة في الإرث في حوار مع إذاعة شمس أف أم يوم 23 مارس/ آذار 2019 عندما أعلن صراحة رفضه للمساواة في الميراث قائلا “النص القرآني واضح وغير قابل للتأويل”.

بقي قيس سعيّد متشبثا بموقفه حتى بعد تولّيه مقاليد الحكم ليؤكد مجدّدا، أمام جمع من الوجوه الحقوقية النسوية بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة في 2021، أن “المسألة محسومة بنصّ قرآني واضح لا يقبل التأويل، وأن منظومة الإرث في الإسلام تقوم على العدل والإنصاف”.

وذهب رئيس الدولة آنذاك إلى القول إنّ “الصراع حول الإرث والميراث هو صراع خاطئ، والأجدر هو تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قبل الحديث عن فقه المواريث”.

يغيب مصطلح “المساواة التامة بين المرأة والرجل” عن خطابات رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي دائما ما يقرن المساواة بين الجنسين بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي، حتى أنه كثيرا ما يعوّض عبارة المساواة بـ”العدل الاجتماعي”.

لا تبتعد نظرة قيس سعيّد إلى قضية حقوق النساء كثيرا عن موقف حركة النهضة خلال فترة حكم الترويكا في السنوات الأولى التي تلت الثورة.

وعلاوة على المقولة الشهيرة التي صرّح بها مقرّر الدستور آنذاك الحبيب خذر “لنتفق قبل كلّ شيء على أن المرأة إنسان”، حاولت حركة النهضة، في أوت/ آب 2012، خلال مداولات صياغة دستور الجمهورية الثانية في تلك الفترة، تمرير فصل ينصّ على أن “الدولة تضمن حماية حقوق المرأة ودعم مكتسباتها باعتبارها شريكا حقيقيا للرجل و”يتكامل دورهما” داخل الأسرة، تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في تحمل مختلف المسؤوليات والقضاء على كل أشكال العنف ضدها”.

وقد جوبه هذا المقترح برفض كبير من قبل المجتمع المدني وتظاهر/ت الآلاف من التونسيين/ات يوم 13 أوت/آب 2012 احتجاجا على ما اعتبروه/اعتبرنه سعي الحكومة التي يقودها الإسلاميون لوضع مواد دستورية تنتقص من قيمة المرأة.

على الرغم من تأكيده خلال عديد المناسبات على ضرورة تحقيق العدل الاجتماعي والمساواة الاقتصادية والاجتماعية بين الجنسين، ومرور أكثر من 3 سنوات على تولّيه مقاليد السلطة وأكثر من عام على انفراده بالحكم، لم يتخذ رئيس الدولة أية إجراءات لتحسين وضعية النساء، باستثناء إعادة تهيئة القرية الحرفية بحي هلال.

يبرز المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره “الفجوة بين الجنسين في 2022” أنّ تونس تحتلّ المرتبة 120 من جملة 146 دولة من حيث مؤشر الفجوة بين الجنسين. وفي ما يتعلّق بالمشاركة والفرص الاقتصادية، فقد جاءت تونس في المرتبة 140.

بدورها، تؤكد آخر إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء (مؤسّسة رسميّة) أن نسبة البطالة لدى الإناث تفوق تلك المسجّلة لدى الذكور، حيث سجّلت خلال الثلث الثاني من السنة الجارية 20.5% في صفوف النساء مقابل 13.1% لدى الرجال.

وترتفع هذه النسبة لدى صاحبات الشهادات العليا. ففي الثلث الثالث من سنة 2020، بلغت نسبة البطالة لدى الذكور حاملي الشهادات العليا 17.6% مقابل 40.7% لدى الإناث.

الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة للعاملات الفلاحيات، فرغم أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد كثيرا ما يتحدث عمن يصفهن بـ”النساء الكادحات” وعن معاناتهن، إلا أنّه لم يقم بإصدار أي تشريع أو مرسوم من شأنه النهوض بوضعياتهن الصعبة ومواجهتهن المستمرّة لـ”شاحنات الموت”. وقد سجّل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أكثر من 40 حالة وفاة و496 من الجريحات بين 2015 و2020 وذلك نتيجة ظروف النقل الكارثية.

كان أمام رئيس الجمهورية فرص عديدة كي يتخذ إجراءات أو يسنّ قوانين من شأنها تحسين وضعية النساء التونسيات بمختلف انتماءاتهنّ، ولكنه اختار إنهاء المسار الذي كانت قد بدأته حركة النهضة. ولئن واجهت هذه الأخيرة معارضة كبيرة جعلتها تتراجع عن مقترحاتها المحافظة، في علاقة بحقوق النساء، فإن الطريق أمام قيس سعيّد كان مفتوحا.

ويعتبر الباحث في علم الاجتماع مولدي قسومي أنّ قيس سعيّد نجح في ما فشلت فيه حركة النهضة وهو جعل المرأة مكملة للرجل وهذا يتجسّد خاصة في صورة رئيسة الحكومة نجلاء بودن التي اختارها رئيس الدولة في رسالة ذات رمزية على مستوى الشكل، لكنّها في المقابل لم تكن في مستوى الانتظارات على مستوى الممارسة والصورة المقدمة حول الدور القيادي للنساء التونسيات.

رغم معارضة طيف واسع من المجتمع المدني، قام قيس سعيّد بتمرير رؤيته في الدستور الجديد الذي نصّ على
“مقاصد الإسلام” ولم يشر في أي فصل من فصوله إلى المساواة بين المرأة والرجل، فضلا عن تغييب عبارة “مدنية الدولة”، الأمر الذي أثار مخاوف فئات واسعة من النساء التونسيات والحركات النسوية.

مخاطر الدولة الدينية

“كلّ ما يتطلّبه الأمر هو أزمة سياسية أو اقتصادية أو دينية حتى تقع إعادة النظر في حقوق النساء! في حقوقنا. طوال حياتك يجب أن تظلّي يقظة”، بهذه العبارات المصحوبة بوجه عبوس ردّت الكاتبة والمفكّرة والناشطة السياسية والنسوية الفرنسية سيمون دو بوفوار على الحماس الذي أظهرته صديقتها كلود مونتوي عقب خطاب وزيرة الصحة الفرنسية آنذاك سيمون فيل أمام البرلمان في نوفمبر 1974 تمهيدا لقانون 17 جانفي 1975 المتعلّق بتشريع الإجهاض.

اليوم، وبعد مرور حوالي الـ48 عاما على هذه المحادثة، ما تزال حقوق النساء هي الأكثر استهدافا في كلّ الأزمات وفي عديد البلدان، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية التي أدّى إلى صعود التيار الشعبوي فيها من خلال رئيسها السابق دونالد ترامب إلى حرمان عدد كبير من الأمريكيات من حقهن في الإجهاض.

وفي البلاد التونسية، تظهر اليوم مخاوف متزايدة لدى فئات واسعة من النساء التونسيات والنسويات والحركات والمنظمات النسوية من أن يقع التراجع عن المكاسب التي نالتها التونسيات والتي جعلتها في وضعية كانت تحسدها عليها النساء في المنطقة العربية والإسلامية.

“إذا كانت حماية العرض هي توفير النسل الذكوري، فإن الدولة يمكن أن تتراجع عن دعم الحق في الإجهاض المجاني للنساء. ونحن نعلم أن النساء الفقيرات والمهمشات هن اللواتي يستفدن من هذه الخدمات المجانية”، هكذا حذّرت المحامية والناشطة الحقوقية والنسوية والرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس من بعض التهديدات التي أصبحت تطال حقوق النساء في تونس بعد استفتاء 25 جويلية 2022، والذي أيّد بموجبه جلّ الناخبين/ات المشاركين/ات مشروع الدستور الجديد لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، وفق النتائج الرسميّة المصرح بها.

منذ اللحظات الأولى التي تلت نشره في غرة جويلية/تموز 2022، قبل إجراء تعديلات عليه في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة 8 جويلية/ تموز، كان الدستور الجديد محلّ جدل كبير في الأوساط السياسية والمجتمعية التونسية، وأسال الكثير من الحبر، وانكبّت مختلف الأطراف على تحليل فصوله وإبراز حسناته والكشف عن مساوئه ومخاطره وما يمثّله من تهديدات قد تطال كافة الحرّيات والحقوق العامة منها والخاصة.

وقد عبّرت عديد الجمعيات والمنظمات التونسية عن رفضها للدستور الجديد معتبرة أن “المشروع يتجه إلى تكريس التداخل بين الديني والسياسي بما أوكله للدولة من أدوار ومهام دينية ليست مطلوبة من دولة مدنية تستمد شرعيتها من تعاقد مواطناتها ومواطنيها ولا من شرعيات ما ورائية”، مضيفة أنّ “مشروع الدستور يعكس في إعداده وصياغته وطريقة عرضه توجّها أحاديا انفراديا لرئيس الجمهورية، صادر به حق التونسيات والتونسيين في الجدال حول مصيرهم ومستقبلهم، وفرض خياراته الخاصة، دون تشريك مكوّنات المجتمع المدني والسياسي والأكاديميين والمختصين”.

هذه المنظمات رأت أيضا أن الدستور الجديد ينسف رابطة المواطنة الجامعة لنساء تونس ورجالها دون تمييز أو تمايز على أساس المعتقد أو اللون أو الجنس، حيث حافظ على اشتراط أن يكون رئيس الدولة مسلما، كما جعل من الرئاسة وظيفة ذكورية حصريا، حين تراجع على التنصيص بأن “الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل ناخبة وناخب”.

تجمع مختلف القراءات المتعلّقة بالجانب الحقوقي على أن الدستور الجديد يمثّل خطرا داهما على المكتسبات التي حقّقتها تونس خلال السنوات الأخيرة، في علاقة بحقوق النساء والحرّيات الفردية بشكل خاص، ومنظومة الحقوق والحرّيات كاملة بشكل عام، خاصة أن الفصل الخامس من الدستور ينصّ على أن “تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل، في ظلّ نظام ديمقراطي، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرّية”.

علاوة على ذلك، تغيب الضمانات الضرورية لضمان عدم المساس بالحقوق والحرّيات، خاصة مع حذف عبارة “الدولة المدنية” والاعتماد على عبارات فضفاضة.

“نحن أمام دستور يشرعن للدولة الدينية”

يسرى فراوس

“هناك معطى موضوعي الآن وهو أننا أمام دستور يشرعن للدولة الدينية.. منذ تبنّي دستور 25 جويلية 2022 صرنا كدولة محكومين بـ5 من مقاصد الإسلام التي انتقاها رئيس الجمهورية وهو صاحب الدستور والمؤسس وكاتبه.. نقول إننا صرنا في دولة دينية لأنّه ألزم الدولة أن تسعى إلى تحقيق تلك المقاصد”، هذا ما أكدته يسرى فراوس في سياق حديثها مع موقع الكتيبة، مشيرة في الآن ذاته إلى أن وسائل الدولة عندما تسعى إلى تحقيق أي شيء هي تقوم بذلك أولا من خلال النصوص القانونية ثمّ الهياكل والمؤسسات فالسياسات.

وبالتالي، سيصبح الهدف من النصوص القانونية، من هنا فصاعدا، أن تنسجم وتحقّق مقاصد الإسلام، والأمر ذاته ينطبق على سياسات الدولة التي ستكون محكومة بتحقيق مقاصد الإسلام،وفق ذات المصدر.

تذكر فراوس أن الإرث الإسلامي باختلاف مدارسه يجمع على مسألة تقريبا إجماعا مطلقا وهي تبخيس حقوق النساء وإبقائهنّ في حالة دونية، باعتبار أن النساء في كلّ بلدان المنطقة المحكومة بالإسلام بعيدات كلّ البعد عن مبدأ المساواة الذي التزمت به كلّ الشرائع الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان، ويشغلنّ مرتبة دنيا خاصة في مساحة العائلة والفضاء الخاص حيث “أننا محكومات ومحكومين بالنواميس الهرمية التقليدية للعلاقات، وبعلاقات القوّة التي يُسمح فيها بارتكاب العنف ضدّ النساء وبالتمييز ضدّهن”،بحسب تعبيرها.

هذا التمييز الذي يظهر خصوصا في مؤسسة العائلة نظرا إلى أنّ رئاسة العائلة، بما تحمله من صلاحيات واسعة على الأطفال وحتى في تقرير مصير العائلة، تعود، بموجب هذه العلاقات، إلى العائل صاحب القوامة رئيس العائلة في مجلّة الأحوال الشخصية التونسية، وفق ما تؤكده محدثتنا.

وتضيف فراوس: “نعرف أن هذا التمييز هو تمييز في الموارد بمنطق أن النساء يُعطى لهنّ مهر للزواج وهو في الحقيقة مقابل العلاقة الجنسية والبناء، وهن يُحرمن من الميراث المتساوي ويُستبعدن في حالات كثيرة من الميراث”.

كما أن حقوق النساء في الحضانة هي أقلّ من حقوق الرجال بحسب مجلّة الأحوال الشخصية. وخارج هذه المجلّة توجد عديد القوانين التي مازالت تميّز ضدّ النساء من ذلك قانون الجنسية وشروط منح الجنسية للأزواج والأبناء، بحسب المتحدثة ذاتها.

“ما يثير المخاوف هو كيفية تأويل هذه القوانين وكيفية عمل المحكمة الدستورية في ظلّ دستور أزيلت منه عبارة دولة مدنية”

بشرى بلحاج حميدة

في ظلّ كلّ هذا التمييز الذي تعيش تحت طائلته التونسيات، تصف يسرى فراوس الوضع حاليا بالقول: “لقد بتنا نعيش في سجن دولة تقول إنها تسعى إلى تحقيق مقاصد الإسلام، وإذا لم تمسّ هذه المقاصد من النصّ القانوني في حرفيّته حاليّا فهي في الوضع الحالي تقف عائقا أمام تحقيق المطالب التي تسعى إليها الحركة النسوية في تونس والمتمثّلة في مطلب المساواة دون أي شكل من أشكال الاستنقاص أو التقييد أو التمييز.”

من هذا المنطلق يمكن أن نستنتج أنّ هذه المقاصد إن لم تؤدّ في يوم من الأيام إلى التراجع عن منع تعدّد الزوجات على سبيل المثال فإنها ستكون حائلا أمام تحقيق المساواة في الميراث، أي أنه إذا لم يقع المساس بالنصوص القانونية الحاليّة فإن النصوص لن تتطوّر كما لن تتطوّر مجلّة الأحوال الشخصية.

هذه القراءة تؤيّدها الناشطة الحقوقية ورئيسة لجنة الحرّيات الفردية والمساواة بشرى بالحاج حميدة التي أكدت أنها لا تخشى أن يقع التراجع عن المكاسب التي تحصّلت عليها النساء على مدى عشرات السنوات بل إنّ مخاوفها تتعلّق بكيفية تأويل هذه القوانين، بالإضافة إلى التعطيل الذي سيحصل على مستوى تحسين النصوص القانونية وتطويرها.

وتقول بالحاج حميدة في نفس السياق: “هناك نوع من التوافق أو الإجماع المجتمعي أنه لا مجال للتراجع عن المكتسبات التشريعية إلا أن ما يثير المخاوف هو كيفية تأويل هذه القوانين وكيفية عمل المحكمة الدستورية في ظلّ دستور أزيلت منه عبارة دولة مدنية والقيم الكونية لحقوق الإنسان.”

هذا الوضع الجديد أصبح يعطّل كذلك إمكانية فرض قوانين جديدة. وهنا تخصّ رئيسة لجنة الحرّيات الفردية والمساواة بالذكر المساواة في الميراث ورئاسة العائلة، وهو مطلب لا يجد معارضة من قبل التونسيين/ات، بل يمكن القول في هذه الحالة إن النص القانوني هو الذي تجاوزته الأحداث.

في المقابل، تعتبر الناشطة النسوية والممثلة عن حملة “نساء ضدّ الاستفتاء” أسماء فاطمة المعتمري، في حديثها مع موقع الكتيبة حول مخاوف المنظمات النسوية من إمكانية التراجع عن حقوق النساء في الفترة المقبلة، أن التراجع عن المكتسبات المحقّقة من خلال مجلّة الأحوال الشخصية وقانون مناهضة العنف ضدّ المرأة وارد مع الرئيس قيس سعيّد.

وتبرز المعتمري أن قيس سعيّد نسف البعد الكوني لمنظومة حقوق الإنسان، وبالتالي حقوق النساء بشكل خاصّ من خلال الفصل 5 المتعلّق بمقاصد الإسلام والفصل 51 حيث استبدل التزام الدولة بالقضاء على كلّ أشكال العنف ضدّ المرأة وعوّضها ببذل العناية.

وتستدرك أسماء فاطمة المعتمري بالقول “نحن لا نقبل بهذا بل نطالب بالمساواة أمام القانون”.

وقد ترك قيس سعيّد في دستوره، وفق المتحدثة ذاتها، مسألة حقوق النساء اعتباطية وقابلة للتأويل لا بحسب القانون ومصادر التشريع بل حسب الأهواء، أي أنه في حالة صعود رئيس من الطيف المحافظ أو الرجعي ستشهد هذه الحقوق تقهقرا، أما إذا فاز الطيف التقدمي ستزدهر حقوق الإنسان وتتطوّر نحو الأفضل.

مجلّة الأحوال الشخصية.. إلى الخلف در

خلصت دراسة صادرة عن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بعنوان “قراءة نسوية وحقوقية في مشروع الدستور التونسي“، من إعداد كلّ من الناشطة الحقوقية وأستاذة القانون العام بالجامعة التونسية حفيظة شقير والأستاذة الجامعية والباحثة في علم الاجتماع فتحية السعيدي، إلى أن ضمانات الحقوق والحرّيات غير متوفرة في الدستور الجديد نظرا إلى تغوّل السلطة التنفيذية على بقيّة السلط والتراجع في استقلاليتها بما أنها تحت سيطرة رئيس الجمهورية، إضافة إلى إلغاء كلّ الهيئات الدستورية المستقلّة الضامنة للحقوق والحرّيات وإضعاف السلطة القضائية.

فضلا عن ذلك، فقد فقدت المحكمة الدستورية، بموجب الدستور الجديد، استقلاليتها بتعيين أعضائها بأمر وهو ما ينعكس على ضمان الحرّيات العامة والفردية وحقوق الإنسان.

الدراسة، التي تضمّنت شرحا تفصيليا لأحكام الدستور مرفوقا بجملة من الملاحظات والمقترحات والانتقادات، أبرزت الإخلالات والنقائص التي شابت هذا الدستور، من بينها أنه لم يقرّ باعتراف الدولة أن حقوق النساء جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان.

غفل الدستور الجديد كذلك عن تحديد مفهوم التمييز مكتفيا بالتنصيص على أن “كلّ تمييز بين المواطنين على أساس أي انتماء يعدّ جريمة يعاقب عليها القانون” (الفصل 19) وأن “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون أي تمييز” (الفصل 23).

واكتفى الدستور أيضا بالإشارة إلى أن الدولة “تسعى إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة” و”تتخذ التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضدّ المرأة” (الفصل 51) ، في الوقت الذي اعتبرت فيه دراسة جمعية النساء الديمقراطيات أنه كان من الأجدى أن ينصّ الدستور على أن “تلتزم الدولة بتحقيق التناصف في المجالس والهيئات الدستورية والإدارية المنتخبة والمعيّنة”.

“النساء اللواتي يعملن مع قيس سعيّد هن ضدّ النساء”

أسماء فاطمة المعتمري

الخطر الثاني المحدق بحقوق النساء يتجاوز النصوص القانونية والنصّ في منطوقه ويتعدّى إلى تطبيق النصّ، وبالتالي مؤسسات الدولة، ولاسيما المؤسّستين الأمنية والقضائية.

وتبيّن يسرى فراوس، في هذا السياق، أن كلّ التقارير الصادرة عن المنظمات النسوية أوضحت أن القضاء في تونس يتعامل بسياسة المكيالين مع حقوق النساء وهو محكوم بالتحيّز الجنساني لصالح الذكور.

ويتمّ تسجيل حالات خذلان عديدة للنساء في تطبيق القواعد والإجراءات الحمائية التي جاء بها القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة تحت مسمّى حماية الأسرة “وفي نهاية الأمر هو زوجك والكفيل بك فأعطيه فرصة أولى وثانية”.

وتذكّر فراوس أننا رأينا نتائج كثرة الفرص التي منحها قضاة وأمنيون لأزواج معتدين بالعنف أو لأقرباء من آباء وأشقاء وكيف أدّى مثل هذا التراخي إلى وفاة الضحية وهو ما حصل في ملف رفقة الشارني.

هؤلاء القضاة المتحيّزون عندما يجدون دستورا يوفّر لهم أرضية قانونية، فإن الفكرة النهائية أو الهدف الأسمى لديهم ليس تحقيق المساواة وليس تحقيق حماية النساء وإنما هو تحقيق مقاصد الإسلام، وأحد هذه المقاصد هو حماية النسل، إلا أنه سمّي في الدستور بحماية العرض، فسيقوم القاضي، إذا اعتبر أنه لا بدّ من حماية الأسرة لحماية هذا النسل حتى لا تُطلّق المرأة، بغض الطرف عن حمايتها في قضايا العنف مرتكزا في ذلك على الدستور الذي أصبح أعلى من القانون عدد 58، حسب تعبير يسرى فراوس.

يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك عندما يتعلّق الأمر بسياسات الدولة. فإذا كانت حماية العرض هي توفير النسل الذكوري فإن الدولة قد تتراجع عن دعم الحقّ في الإجهاض المجاني للنساء، وفق محدثتنا التي تؤكد أن النساء الفقيرات والمهمشات هن اللواتي يستفدن من هذه الخدمات المجانية خاصة وأنه تمّت معاينة نقص هذه الخدمات المقدمة لهن على مدى الـ10 سنوات الماضية.

بدورها، تشدّد بشرى بلحاج حميدة على أن الدستور الجديد يصعّب تحقيق تقدّم في مكاسب النساء خصوصا في ظلّ مواقف رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي صرّح أنه لا مجال للمساواة في الميراث، معتبرة أنه في ظلّ هكذا خطاب فإن الخوف لا يهمّ تأخر القوانين فحسب بل تأخر العقليات.

و”سيصبح من السهل الوقوف أمام قاض رجعي سيجد أنه بات من الأسهل إصدار أحكام بالاعتماد على دستور متعارض مع قوانين أخرى باعتبار أن الدستور أعلى من بقية التشريعات”، تضيف بلحاج حميدة.

في هذا الإطار، تذكّر الناشطة الحقوقية بشرى بالحاج حميدة أن دستور 2014 تضمّن بدوره عبارة مقاصد الإسلام لكنّها كانت تلك المتّسمة بالانفتاح والتسامح والمنسجمة مع القيم الكونية وحقوق الإنسان، علاوة على أن الخوف يزول عندما يتمّ استعمال عبارات “القيم الكونية” و”حقوق الإنسان”، إلا أنه تمّ حذفها في الدستور الجديد، إضافة إلى إزالة عبارة دولة مدنية، وهي التي كانت ضمانا كي لا يقول أحد إنه سيعتمد على القرآن في تأويل القوانين.

أما الناشطة أسماء فاطمة المعتمري فتؤكد أن معركة المساواة في الميراث هي في صميم المعركة النسوية من أجل تمكين النساء اقتصاديا وماليا، مبينة أن قيس سعيّد يريد أن يتحكّم في العائلات التونسية ويرفض إعطاء التونسيين/ات الحق في اختيار تطبيق قانون المساواة في الإرث من عدمه.

وتذهب المعتمري إلى اعتبار أن الدولة تخلّت عن حقوق المرأة، ولم تعد تعترف بظاهرة العنف المسلّط على النساء، قائلة في هذا السياق: “قيس سعيّد جاحد للمواطنات التونسيات وجاحد لدافعات الضرائب ويريد معاملة الشعب التونسي كأنه رعيّة”.

تطرّقت محدثتنا كذلك إلى مسألة نظام الاقتراع الذي اقترحه الرئيس قيس سعيّد، وهو نظام الاقتراع على الأفراد، وهو نظام أثبتت التجارب في العالم أجمع أنه لا يحفّز التمثيلية النسائية في مراكز صنع القرار.

وأردفت بالقول “قيس سعيّد لا يغرّنا ببعض التعيينات النسائية في الحكومة أو في ديوانه الرئاسي لمغالطة المجتمع الدولي واللواتي اختزلهن في العمل الإداري.. نعلم أن النساء اللواتي يعملن مع قيس سعيّد لا يصنعن القرار ولا يؤثرن في صنع القرار ولا يحملن قضيّة التونسيات المهضومات.. هن نساء ضدّ حقوق النساء”.

كلّ هذه العوامل جعلت النقاش المتعلّق بحقوق النساء ينحسر وخفتت الأصوات المطالبة بتطوير مجلّة الأحوال الشخصية.

“الردّة التي نعيشها تجعل ما يخيّم على النقاش العام هو الصمت والمطالبة بعدم التراجع عن المكتسبات الموجودة”

يسرى فراوس

وفي هذا الصدد، تقول الرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس إن 13 أوت/آب -العيد الوطني للمرأة وتاريخ الاحتفاء بمجلّة الأحوال الشخصية – كان خلال السنوات الماضية مناسبة للمطالبة بالمزيد وبتجاوز مجلّة الأحوال الشخصية.

إلا أن هذه المطالب اليوم لم تعد حينية إذ فُرض عليها سياق آخر فيه ردّة أكبر، ردّة تتعلّق بالمسألة الديمقراطية ومسألة دولة القانون والمؤسسات في حدّ ذاتها.

وتوضّح فراوس: “نحن الآن في حالة استثناء بدستور مفروض بشرعية ضعيفة للغاية، ومؤسسات رقابية منعدمة، وبقرارات مصدرها رئيس الجمهورية، ونصوص قوانين – في ظلّ غياب برلمان – تأتي من شخص واحد منفرد، وبسلطة قضائية غائبة، ودون مجلس أعلى للقضاء، وبغياب ضمانات لاستقلالية القضاء، وبمحكمة إدارية منحازة”.

وتشير يسرى فراوس إلى أنّه “منذ 3 أو 4 سنوات كنا نتظاهر في الشارع بمناسبة 13 أوت/آب من أجل تقرير لجنة الحرّيات الفردية والمساواة ومن أجل قانون المساواة في الميراث، أما اليوم فبتنا نتظاهر للمطالبة بالتراجع عن الفصل الخامس من الدستور وعن مقاصد الإسلام. فهي ردّة حقيقية حتى في النقاش المجتمعي وفي الأولويات النضالية”.

“مطالبنا واضحة ونريد ممارسة إنسانيتنا والعيش بكرامتنا.. كرامتنا ليست منّة بل حقّ”، بهذه العبارات ردّت أسماء فاطمة المعتمري على سؤال حول التراجع في المطالب المطروحة إلى عدم التراجع عن المكتسبات، مضيفة “لسنا خائفات.. نعلم أن حقوقنا مهدّدة ولكننا لا نخاف.. سنفضح قيس سعيّد وممارساته ولن نعود إلى الوراء”.

الحراك النسوي في مواجهة مشروع الرئيس سعيّد

تعتبر الحركة النسوية في تونس اليوم نتيجة لتراكم تجارب حقبات عديدة. ويمكن القول إن جذورها تعود إلى بدايات القرن العشرين، من خلال ظهور قراءات تقدمية للموروث الثقافي والديني لدى العديد من المفكرين المستنيرين، أبرزهم الطاهر الحداد صاحب كتاب “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” الصادر سنة 1930، بحسب ما تبرزه الناشطة النسوية والرئيسة السابقة لجمعية النساء الديمقراطيات أحلام بلحاج في مقال بعنوان “دور النساء في المسار الثوري في تونس” نُشر ضمن كتاب يحمل عنوان “تونس: الانتقال الديمقراطي العسير”.

فضلا عن ذلك، كان للمشاركة النسائية في معركة التحرير الوطني وما حملته من وعي سياسي للمناضلات دور ساهم في تطوّر وعيهنّ بالتمييز الممارس ضدّهن.

وقد تحدّثت إلهام المرزوقي في كتابها “حركة النساء في تونس في القرن العشرين” عن تواجد التونسيات في ساحات النضال وتنظمهنّ في جمعيات خيرية وسياسية.

بعد سنوات قليلة من صدور كتاب “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”، تأسس الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي سنة 1936 برئاسة بشيرة مراد. وعلى الرغم من أن هذا الاتحاد مثّل أوّل منظمة نسائية في تونس إلا أنه ارتبط إلى درجة كبيرة بالأوساط الزيتونية.

النساء التونسيات انخرطنّ مبكرا كذلك في الحركة النقابية. وتعدّ شريفة المسعدي، التي ولدت سنة 1908، رائدة في النضال النقابي. وكانت من أوائل التونسيات اللواتي تمتعن بالترقية المهنية وتحرّرن بفضل المدرسة. وقد اضطلعت المسعدي بدور الكاتبة العامة لنقابة التعليم التقني والمهني من 1947 إلى 1968، إلى جانب كونها عضوا بمكتب الفدرالية الوطنية للتعليم.

وفي 1951، وقع انتخابها عضوا بالمكتب التنفيذي في حدث بقي فريدا لمدّة ثلاثة أرباع قرن. وانتمت إلى الهيئة الإدارية لمدة 3 سنوات عندما كان فرحات حشاد كاتبا عاما لها، وفق ما ذكرته درّة محفوظ في كتابها “النساء التونسيات في الشغل والحركة النقابية”.

إبان الاستقلال، اتخذت الدولة الحديثة بقيادة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة سنة 1956 إجراءات لصالح النساء ضمن مجلّة الأحوال الشخصية التي ألغت تعدّد الزوجات ومنحت المرأة حق الطلاق وأرست حق التبني إلخ. وقرّرت الدولة تعليم الفتيات والمراهنة على دور النساء في بناء تونس الحداثة.

وتشير أحلام بلحاج في مقالها إلى أنه رغم المحافظة على الخلفية الأبوية في صياغة القوانين وعدم المساواة في النصوص التشريعية، فإن مجمل هذه الإجراءات مكّنت من رفع نسبة التعليم لدى النساء ومن رفع نسبة اليد العاملة النسائية وضمان الحق في الصحة الإنجابية.

إقرار مجلّة الأحوال الشخصية مكّن بورقيبة من الهيمنة على النشاط النسائي واحتكاره، خصوصا مع انتشار خطاب يصف بورقيبة بـ”محرّر المرأة”، مما ألغى نضال مئات النساء التونسيات واختزل أسباب حصولهن على مكتسبات تحرّرية في هدية منحهنّ إياها رجل.

على صعيد آخر، تطوّرت حركة الانضمام النسائي للنقابات، بحسب كتاب درّة محفوظ، بداية من سبعينات القرن الماضي تحت المفعول المزدوج للتحولات الاقتصادية والاجتماعية. ونما نضال النساء خلال هذه المرحلة (من عاملات النسيج ونقابيات ومنتسبات للحركة النسائية ومثقفات من كلّ صنف) عبر الهياكل المنظمة وأطر التعبير والتعبئة كالنادي الثقافي الطاهر الحداد والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام التونسي للشغل.

وفي أواخر السبعينات، جاءت الحركة النسائية المستقلّة لتكسر ما سمّته خطاب “نسوية الدولة” ولتربط حقوق النساء والمساواة بين الجنسين بالحقوق السياسية من حرّيات وممارسة ديمقراطية. وفي تواصل مع نادي المرأة بالنادي الثقافي الطاهر الحداد وبلجنة دراسة قضايا المرأة بالاتحاد العام التونسي للشغل، تأسست الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات في 1989، بحسب أحلام بلحاج.

“قانون القضاء على العنف ضدّ المرأة فرضته النسويات والحركة النسوية لفائدة النساء الأكثر هشاشة والأكثر استضعافا”

بشرى بالحاج حميدة

وكان لجمعية النساء الديمقراطيات، بمعيّة جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، دور ريادي في بلورة خطاب نسوي جذري يطالب بالمساواة الكاملة والمواطنة الفعلية.

لعبت النساء كذلك دورا هاما في التراكمات التي أدّت إلى قيام الثورة التونسية. وتتطرّق أحلام بالحاج في مقالها “دور النساء في المسار الثوري في تونس” إلى التحرّكات العمالية النسائية الهامة التي شملت عديد المناطق. وشاركت النساء أيضا في جملة الإضرابات والاحتجاجات النقابية التي شهدتها تونس خلال السنوات الأخيرة من حكم زين العابدين بن علي وخاصة في 2010.

علاوة على ذلك، كان للنساء دور هام في انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 والتي مثّلت شرارة ثورة 17 ديسمبر 2010-14 جانفي 2011. وقد انطلقت الأحداث بإقدام 13 امرأة على الاعتصام على سكك الفسفاط مدة شهرين احتجاجا على بطالة أبنائهن وعدم شفافية سياسات التشغيل.

بعد الثورة، وجدت الحركة النسوية نفسها في صدارة الفاعلين السياسيين للدفاع عن حقوق النساء بعد صعود التيار المحافظ والفوز الساحق لحركة النهضة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 وانتشار واسع للتيار السلفي وما مثّله ذلك من مخاطر على حقوق النساء.

وتعدّدت الأشكال التنظيمية للحراك النسوي وبرزت العديد من الجمعيات النسائية، إضافة إلى الجمعيات الشبابية التي تدمج المساواة بين الجنسين في برامجها. ولجأ الحراك النسائي إلى تكوين ائتلافات وتنسيقيات في بعض الأحيان. وقد نجح هذا الحراك في تعبئة فئات مجتمعية متعددة لصالح هذه المطالب وبلورة هذا التصوّر المجتمعي ضمن جملة من الإجراءات والقوانين، وفق ذات المقال.

وقد تمكّنت الحركة النسوية بعد عديد المعارك من نيل عدد من المكتسبات أبرزها إقرار مبدأ التناصف في القانون الانتخابي ورفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة ودسترة الحقوق الإنسانية للنساء.

وفي أوت/آب 2017 تمّت المصادقة على قانون القضاء على العنف ضدّ المرأة والذي جاء بعد نضالات نسوية دامت لسنوات. وفي 13 أوت/ آب من السنة نفسها، تمّ إنشاء لجنة الحرّيات الفردية والمساواة – التي ترأستها بشرى بالحاج حميدة – والتي قدّمت تقريرها النهائي في جوان/ حزيران 2018.

بعد حوالي الشهر، وتحديدا 14 سبتمبر/أيلول 2017، قرّرت الحكومة التونسية آنذاك إلغاء منشور 1973 المتعلّق بمنع زواج التونسية من غير المسلم.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، صادق مجلس وزاري بإشراف رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي على مشروع القانون الأساسي المتعلّق بإتمام مجلّة الأحوال الشخصية والذي تضمّن أحكاما متعلّقة بالمساواة في الميراث بين المرأة والرجل، إلا أنه لم تقع المصادقة عليه في البرلمان.

رغم كلّ ما حقّقه الحراك النسوي في تونس من مكاسب لفائدة النساء، إلا أن البعض يرى أن هذا الحراك بقي نخبويا “في الصالونات الفاخرة” بعيدا عن واقع النساء المهمشات.

تقول بشرى بالحاج حميدة، في معرض ردّها على هذا الخطاب، إن الناشطات النسويات ينتمين إلى النخبة وهذا الأمر دارج في العالم أجمع باعتبار أن الناشطات في مجال حقوق النساء وحقوق الإنسان يكنّ دائما من النخبة، إلا أن المنتفع من خدمات الجمعيات النسوية هن النساء اللواتي ينتمين إلى الأوساط الريفية أو اللواتي يعشنّ وضعية مادية غير ميسورة.

وتذكّر بالحاج حميدة بقانون القضاء على العنف ضدّ المرأة الذي فرضته النسويات والحركة النسوية لفائدة النساء الأكثر هشاشة والأكثر استضعافا، مؤكدة أنه “لولا نخبة الحركة النسوية لما وُجد اليوم قانون القضاء على العنف ضدّ المرأة” وأنه لا يوجد بلد تكون فيه الحركة النسوية – لا المنظمات النسائية الرسمية بل الحركات النسوية التقدمية التي تناضل من أجل تحسين وضعية النساء- والناشطات النسويات من النخبة إلا أن المنتفعات هن النساء بكافة انتماءاتهن.

تلفت محدثتنا الأنظار أيضا إلى خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي قسّم فيه التونسيات إلى نساء الصالونات والنساء الكادحات، وهو ما يدلّ على عدم اعترافه بنضالات النساء ولا بالعمل الذي تقوم به النساء في البيت، في وقت أصبح فيه العالم يتحدّث عن كيفية تقدير العمل في البيت.

وتقول مستنكرة: “هو اختزل الكادحات في النساء اللواتي يعملن في الحقول. أما تلك التي تعمل خارج الوسط الريفي فليست كادحة.. الممرّضة التي تعمل في المستشفى ليست كادحة، والمحامية التي تنتقل بين المحاكم ليست كادحة… لا توجد امرأة كادحة باستثناء تلك التي تعمل في الحقل!”.

في ذات السياق، تبيّن يسرى فراوس أن الفكرة التي تقوم عليها الحركة النسوية هي أن مطالبها تأتي من شكلها التنظيمي الذي يجب أن يكون في تواصل دائم مع النساء وهذا موجود في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات من خلال مراكز الإصغاء واستقبال النساء ضحايا العنف.

وقد جاءت كلّ المطالب المتعلّقة بقانون القضاء على العنف ضدّ المرأة من تجربة التواصل مع النساء ضحايا العنف. وكان الارتباط بهؤلاء النساء هو الذي سمح للنسويات بالمطالبة بقانون شامل حول العنف. والاستماع إلى النساء ضحايا التمييز هو الذي جعل جمعية النساء الديمقراطيات تطالب برفع مظلمة المساواة في الميراث وبالتراجع عن الأمر المتعلّق بزواج التونسية من غير المسلم، على حدّ قول فراوس.

وتشير محدثتنا إلى أن جمعية النساء الديمقراطيات استمعت خلال 30 سنة تقريبا إلى أكثر من 3000 امرأة. وهو أمر لم تستطع الدولة التونسية تحقيقه في علاقة بعدد حالات النساء ضحايا العنف التي استمعت إليها ورافقتها.

وتقدّم الجمعيات النسوية ساعات من الاستماع لمعاناة النساء وساعات من الوقوف معهنّ في المحاكم وساعات وأيام من الوقوف معهن في مراكز الأمن. إلى جانب أن النساء غير القادرات أو اللواتي لا يرغبن في أن يكن في مواجهة سواء مع السلطة أو مع المجتمع يمنحن ثقتهن للجمعيات النسوية للدفاع عنهن.

وتردف يسرى فراوس بالقول: “ما الأشياء التي فعلها رئيس الجمهورية قيس سعيّد كي يكسر الجدار بينه وبين النساء؟ وما هي الحركات الرمزية التي قام بها أكثر من زيارته لنساء في مزارع، وفي مناسبة أخرى لنساء حرفيات في إطار مشروع مموّل من الاتحاد الأوروبي، وقدّم لهن بعض الخطب الرنانة؟”.

وردّا على خطاب الرئيس قيس سعيّد حول “نساء الصالونات” و”النساء الكادحات”، تقول الناشطة أسماء فاطمة المعتمري إن قيس سعيّد لا يعرف تونس ولا يعرف نساء تونس ولا يناصر نساء تونس ولا القضية النسوية، بل هو من ينتمي للصالونات وهو فقط يذهب لالتقاط الصور مع النساء وهنّ يعملن في الأرض، حسب تعبيرها.

وتضيف أنّ “نساء الصالونات اللواتي يتحدّث عنهن هن النساء اللواتي عيّنهن في حكومته وفي ديوانه.. نحن لم نراهن يوما في الميدان ولا في الحملات التوعوية ولا في المحاكم يدافعن عن نساء في قضايا الطلاق والعنف والنفقة إلخ”.

وتختم بالقول إن أفضل ردّ على قيس سعيّد هو موقف التونسيات اللواتي لم يشاركن في الاستفتاء حيث لم تتجاوز نسبتهنّ الـ34%.

تعيش اليوم نساء تونسيات تخوّفات مشروعة بسبب الخشية من التراجع عن المكاسب والحقوق التي تحصّلن عليها واكتسبنها بعد سنوات من النضال الميداني والمعارك التي كانت حامية الوطيس أحيانا، في ظلّ دستور تعتبر أصوات نسوية عديدة أنه يمثّل خطرا حقيقيا على حقوق النساء، لأنه يحول دون تطويرها، بل ويسمح بتوظيف فكرة المقاصد للتراجع عن الحقوق وإساءة تطبيقها من قبل مؤسسات الدولة، وبشكل خاص الأمنية والقضائية، وهي مؤسسات معروفة بتحيّزها الجنساني. علاوة على ما يفتحه هذا الدستور من أبواب تتيح تراخي السياسات العمومية في حماية حقوق النساء بما فيها تلك التي كانت في السابق مضمونة.

كلمة الكتيبة:

خلال فترة إعداد هذا المقال ، حاول فريق موقع الكتيبة التواصل مع مؤسسة رئاسة الجمهورية للحصول على توضيحات حول جملة النقاط المطروحة في هذا العمل الصحفي لكن لم نتمكن من ملاقاة أي مخاطب رسمي. علما أنّ هذا المقال التفسيري يندرج ضمن سلسلة مقالات وتحقيقات قمنا بإنجازها على امتداد أشهر عديدة وهي تهدف إلى تشريح العقل السياسي للرئيس قيس سعيد في مختلف المجالات والمسائل الإشكاليّة ذات العلاقة بالدولة والمجتمع.

كلمة الكتيبة:
خلال فترة إعداد هذا المقال ، حاول فريق موقع الكتيبة التواصل مع مؤسسة رئاسة الجمهورية للحصول على توضيحات حول جملة النقاط المطروحة في هذا العمل الصحفي لكن لم نتمكن من ملاقاة أي مخاطب رسمي. علما أنّ هذا المقال التفسيري يندرج ضمن سلسلة مقالات وتحقيقات قمنا بإنجازها على امتداد أشهر عديدة وهي تهدف إلى تشريح العقل السياسي للرئيس قيس سعيد في مختلف المجالات والمسائل الإشكاليّة ذات العلاقة بالدولة والمجتمع.

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

إشراف: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
غرافيك: منال بن رجب
بودكاست: حمزة الفزاني
تطوير تقني : بلال الشارني
بودكاست: حمزة الفزاني
تطوير تقني : بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
تدقيق : وليد الماجري
غرافيك: منال بن رجب

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

rahma