الكاتب : معز الباي

صحفي ومدرب في الصحافة الاستقصائية. عمل في عديد المؤسسات الاعلامية المحلية والدولية.

انتشرت في الآونة الأخيرة على صفحات التواصل الاجتماعي، ثمّ على عدد من المواقع الإخبارية المحلّية والدولية، صورة لنتيجة طلب عروض قدّمته رئاسة الجمهورية لاقتناء كمّيات من اللحوم الحمراء بقيمة أكثر من مليون دينار، ما أثار غضبا واستنكارا كبيرين، بالنظر إلى الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها التونسيون.ـات ودعوة رئيسة الحكومة النّاس إلى ترشيد الاستهلاك.

وبالتعمّق أكثر في الموضوع، اكتشفنا أن شراءات اللحوم الحمراء لم ترتفع قيمتها هذه السنة فقط، وإنما شهدت ارتفاعا ملحوظا منذ وصول الرئيس قيس سعيّد إلى الحكم. الارتفاع لم يكن حكرا على اللحوم الحمراء بل طال جميع الشراءات التي تدخل تحت خانة التغذية.

الكاتب : معز الباي

صحفي ومدرب في الصحافة الاستقصائية. عمل في عديد المؤسسات الاعلامية المحلية والدولية.

انتشرت في الآونة الأخيرة على صفحات التواصل الاجتماعي، ثمّ على عدد من المواقع الإخبارية المحلّية والدولية، صورة لنتيجة طلب عروض قدّمته رئاسة الجمهورية لاقتناء كمّيات من اللحوم الحمراء بقيمة أكثر من مليون دينار، ما أثار غضبا واستنكارا كبيرين، بالنظر إلى الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها التونسيون.ـات ودعوة رئيسة الحكومة النّاس إلى ترشيد الاستهلاك.

وبالتعمّق أكثر في الموضوع، اكتشفنا أن شراءات اللحوم الحمراء لم ترتفع قيمتها هذه السنة فقط، وإنما شهدت ارتفاعا ملحوظا منذ وصول الرئيس قيس سعيّد إلى الحكم. الارتفاع لم يكن حكرا على اللحوم الحمراء بل طال جميع الشراءات التي تدخل تحت خانة التغذية.

اعتمدنا في بحثنا على الموقع الرسمي للمرصد الوطني للصفقات العمومية التابع للهيئة العليا للطلب العمومي، حيث أوجب الأمر عدد 1039 لسنة 2014 الخاص بالصفقات العمومية الشفافية والنشر.

ومن خلال بحثنا وقفنا على كون رئاسة الجمهورية نشرت نتيجة 17 طلب عروض تزوّد بمواد تغذية، ثلاثة منها تخصّ المصالح المشتركة لرئاسة الجمهورية وواحد خاصّ بندوة “تيكاد” (أنجزت في أوت/أغسطس الماضي وبلغت تكلفة الإعاشة فيها نحو 950  ألف دينار) وآخر بمناسبة قمة الفرنكوفونية (لفائدة مصالح الأمن الرئاسي وقع إلغاؤه) والبقيّة (12) خاصّة بالإدارة العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية، بعضها ملغى كلّيا أو جزئيا، ويعود أقدمها إلى 27 جانفي/يناير 2017، مع غياب كلّي لطلبات عروض منجزة سنة 2018.

وقد لاحظنا، من خلال بيانات الإدارات المسؤولة عن طلبات العروض، أنّ نصيب الأسد منها ومن صفقات للتزوّد بالأغذية تخصّ بالأساس الإدارة العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية.

إرتفاع في قيمة الشراءات

في اتصال مع الكتيبة أكّد مصدر مسؤول من شركة العبيدي للحوم المعنيّة بالجدل المثار حول فاتورة التزوّد باللحوم الحمراء التي سبق وأشرنا إليها أنّ الشركة تقوم بالمشاركة في طلبات عروض القصر منذ 2008، وأنّ الصفقة المشار إليها معنية بها إدارة الأمن الرئاسي وليس القصر، مضيفا أنّ الصفقات التي يبرمها مطبخ القصر (خارج صفقات الأمن الرئاسي) عادة ما تكون ضئيلة وغير مجدية مادّيا.

ويرى الخبير في الحوكمة كريم بالحاج عيسى (مراقب مصاريف عمومية) أنّ غياب معطيات قبل 2017 ربّما يعود إلى كون قيمة الشراءات لم تتجاوز المستوى المحدّد في قانون الصفقات العمومية الذي أشرنا إليه أعلاه والمقدّر بـ100 ألف دينار بالنسبة إلى صفقات التزوّد بالموادّ. مضيفا أنّ بعض الإدارات تعمد إلى تجزئة الطلب العمومي بشكل يمكّنها من تفادي المرور بإجبارية طلب العروض والخضوع لشروط المنافسة.

هذه الممارسة يمنعها في الواقع قانون الصفقات العمومية في الأمر عدد 1039 المشار إليه أعلاه. إذ يحجّر فصله التاسع تجزئة الطلبات بصورة تحول دون إبرام صفقات كتابية أو دون إخضاعها إلى رقابة لجنة مراقبة الصفقات ذات النظر.

لكن يمكن أن يفسّر غياب المعطيات قبل 2017 بدوافع السرّية لدواعي الأمن العام والدفاع الوطني. فقد نصّ الأمر الصادر عن رئيس الحكومة باقتراح من الوزير مدير الديوان الرئاسي عدد 3767 لسنة 2013 ، والمتعلق بضبط الطريقة الخاصة بتأشير المصاريف ذات الصبغة السرية لرئاسة الجمهورية والمصادقة على الصفقات المتعلقة بها، في فصله الأوّل على أنّ:

تخضع مصاريف رئاسة الجمهورية المتعلقة باقتناء التجهيزات والتزويدات المدرجة بقائمة تضبط بقرار من رئيس الحكومة، وباقتراح من الوزير مدير الديوان الرئاسي، لطريقة مراقبة خاصة من شأنها أن تضمن سرية المصاريف المرتبطة بأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية.

أمر عدد 3767 لسنة مؤرّخ في 13 سبتمبر 2013

وكان مسؤول سام سابق بالأمن الرئاسي، اتصلت به الكتيبة وطلب عدم ذكر اسمه، أكّد أنّ المصاريف المتعلّقة بالأمن الرئاسي كانت دائما تعتبر سرّية ووجب إخفاؤها لدواع أمنيّة، حيث “تعتبر معطيات حسّاسة قد تستغلها جهات متربّصة بتونس” حسب تعبيره.

لكن إذا اعتمدنا هذا التفسير لغياب البيانات والمعطيات الخاصّة بالتزوّد بالأغذية قبل غرّة سبتمبر 2018، تاريخ دخول تنقيحات الأمر عدد 1039 الخاصّة بإجبارية النشر حيّز التنفيذ، فهذا لا يفسّر نشر طلبات عروض سنة 2017 وحتى 2018 (رغم إلغاء الأخيرة) خاصّة بالإعاشة والتزوّد بالأغذية للرئاسة وللأمن الرئاسي تحديدا. كما أنّ هذا لا يفسّر تخلّي الرئاسة عن مبدأ السرّية. فهل أنّ هذه المعطيات لم تعد فجأة ذات خطورة أمنيّة؟

خلصنا من خلال تحليلنا لبيانات طلبات العروض ونتائجها إلى كون نسق قيمة الشراءات العمومية في موادّ التغذية الخاصّة بإدارة الأمن الرئاسي ارتفع بشكل مشطّ أواخر سنة 2019 وبداية 2020، مع وصول الرّئيس قيس سعيّد إلى سدّة الحكم في قرطاج.

فعلى سبيل المثال، بلغت كلفة التزوّد باللحوم الحمراء (الصّفقة التي أثارت الجدل) سنة 2017، حسب نتائج طلب العروض عدد AO-01-2017 1، ما يناهز 149 ألف دينار لتتطوّر سنة 2020 إلى مليون و384 ألف دينار  حسب نتائج طلب العروض عدد AO-01-2020، أي أكثر من 9 مرات. فيما تضاعفت تكلفة التزوّد باللحوم البيضاء من 155  ألف دينار سنة 2017 إلى 688  ألف دينار، أي 4.4 مرات.

وتضاعف استهلاك التوابل من حوالي 106 ألف دينار  سنة 2017 إلى 521  ألف دينار سنة 2020 أي قرابة الخمس مرّات.
ويبيّن الرسم البياني التالي تطوّر هذا النسق بالنسبة الى خمس موادّ مرجعيّة تضمّ جملة من الموادّ التي يجد عموم التونسيّين.ـات صعوبة في التزوّد بها في الآونة الأخيرة، كالزيوت واللحوم البيضاء والخضر والغلال والمياه المعدنية.

تطور تزود القصر بالمواد الغذائية

قد يُفسّر هذا الارتفاع جزئيّا بغلاء الأسعار وارتفاع نسب التضخّم، لكنّ هذا التفسير يبقى غير كاف إزاء قفز تكلفة مشتريات بعض المواد بشكل متضاعف.

بعض التفسيرات الأخرى التي انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، أرجعت ارتفاع فاتورة اللحوم الحمراء خاصّة، إلى منتدى “تيكاد” الياباني الإفريقي في تونس، والبعض الآخر عزاها إلى قمّة الفرنكوفونية التي كان من المبرمج تنظيمها في تونس هذه السنة، لكنّ كلا التفسيرين لا يستقيمان لسببين، فكلّ من الحدثين وقع إجراء طلب عروض خاصّ به ولا يمتّ بصلة لطلب العروض المثير للجدل حسب البيانات التي جمّعناها، كما أنّ طلب عروض قمّة الفرنكوفونية وقع إلغاؤه بعد أن تقرّر تأجيل القمّة، علاوة على أنّ الحدثين لا يفسّران الارتفاع السنوي المشطّ منذ 2020 إلى اليوم.

ربّما يبقى التفسير الأقرب للمنطق، بعيدا عن شعبويّة بعض الطروحات وردود الفعل، هو أنّ طلبات العروض السابقة لم تكن تمرّ بمنظومة الصفقات العمومية وطلبات العروض كما يفرضه قانون الصفقات العمومية المشار إليه أعلاه وذلك من خلال تجزئة العروض لتبلغ قيمتها مبلغا أقلّ من الحدّ القانوني المفروض، وربّما تمّ استغلال الاستثناء المضمّن بالفصل 49 من الأمر عدد 1039 لسنة 2014 المشار إليه أعلاه وخاصّة نقطة ضرورات الأمن العام والدفاع الوطني.

ويبيّن المقتطف التالي من ميزانية رئاسة الجمهورية لسنة 2016 كيف أنّ نفقات الإعاشة والتغذية غير مضمّنة في تفصيل النفقات.

لكن، وبعيدا عن التهويل، فإنّ حجم صفقات التزوّد بالأغذية للسنوات 2020 حتى 2022، يبدو منطقيّا وغير مغال أو مبالغ فيه.

فإذا اعتبرنا أن أعلى مبلغ سنوي للتزوّد بالأغذية لفائدة مصالح أمن الرئيس والشخصيات الرسمية بلغ 4760680 د سنة 2020، وإذا اعتبرنا أنّ عدد موظّفي القصر المتمتّعين بوجبة يوميّا يقدّر بحوالي 2500 موظّف باعتماد المقاربة التي سنشرحها في الفقرة الموالية، يغدو نصيب كلّ عون من أعوان الرئاسة من الغذاء حوالي 8 دنانير في اليوم، باحتساب 5 أيام عمل في الأسبوع، وفق قرار من الوزيرة مديرة الديوان الرئاسي سابقا مؤرخ في 23 مارس 2020 يتعلق بتوزيع أوقات وأيام العمل بسلك أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية.

فحسب تقديرات 2016، يبلغ عدد أعوان الأمن الرئاسي 2545 من أصل 3021 عاملا وموظّفا بالقصر أي قرابة 85% (جملة الأعوان المرخص لهم في رئاسة الجمهورية سنة 2016 هو 3133 باحتساب موظّفي الإدارات الخاضعة للرئاسة كالموفّق الإداري ومعهد الدراسات الاستراتيجية…). فيما يبلغ عدد الأعوان المرخّص لهم برئاسة الجمهورية سنة 2022، 3095 عونا ما يسمح لنا باعتماد أرقام 2016 كنسب مرجعيّة مقبولة.

ونظرا لغياب معطيات دقيقة ومحيّنة عن عدد أفراد سلك أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية، فقد اعتمدنا على تقرير ميزانية رئاسة الجمهورية لسنة 2016 ، كمقاربة مرجعية.

من جهة أخرى، اعتبر المسؤول السامي السابق بالأمن الرئاسي الذي اتصلت به الكتيبة، هذه النفقات طبيعيّة وغير مشطّة. وأوضح أن أعوان سلك أمن الرئيس وحماية الشخصيات الرسمية يتمتّعون بوجبة مجانية في حالة التثنية، أي الاشتغال أكثر من الساعات المقرّرة للعمل وهي تتراوح سابقا بين 4 و6 ساعات في اليوم. مضيفا أنّ حالات التثنية تقع خاصّة خلال الأنشطة الكبرى وزيارات الوفود الأجنبيّ.

فهل انتقلت حالات التثنية من الوضع الاستثنائي إلى الوضع الدائم؟

ذلك ما يبدو عليه الأمر، بعد قرار مديرة الديوان بضبط حصص العمل بالنسبة الى أعوان الأمن الرئاسي بحصّتين يوميّا، خمسة أيّام في الأسبوع. وذلك كما يلي:

ويبدو ذلك متوافقا إلى حدّ ما مع تحليل البيانات الذي قمنا به. ففترة التوقيت الصيفي لا تخضع لاحتساب التثنية ولا تستوجب توفير وجبات للأعوان، حيث يخضع العمل لمبدأ الحصّة الواحدة.

لكن في غياب تفسير رسمي من الرئاسة يبقى طرحنا مجرّد فرضيات.

ريع القصر.. بضع شركات تحتكر صفقات التزويد

الحرب على الاحتكار والمحتكرين أصبحت عنوان المرحلة وشعار الرئاسة منذ فترة، وعبارات التهديد والوعيد في كلّ فرصة ومناسبة يطلقها الرئيس قيس سعيّد كلّما سنحت له الفرصة تجاه المحتكرين “المجرمين” المتربّصين بالدولة وتقف وراءهم “أطراف” يلمّح إليها دون أن يسمّيها.

لكن ماذا لو ألقى الرئيس نظرة متأمّلة على مطبخه الداخلي (حرفيّا). ماذا لو تساءل عمّن يزوّد ثلاّجة القصر ويحظى بإحدى أهمّ صفقات الإعاشة التي توفّرها الدولة سنويّا؟

في واقع الأمر، أدّى تحليلنا لبيانات نتائج طلبات العروض الخاصّة برئاسة الجمهورية إلى تداول بضعة شركات على تزويد مطبخ القصر باللّوازم والموادّ الغذائية، يكاد الأمر لا يخرج عنها.

فـ”شركة العبيدي للّحوم” تهيمن بشكل كلّي على قطاع اللحوم الحمراء وتحتكرها بنسبة 100%، وتتقاسم شركتا “المزرعة” و”شهيّة” سوق اللحوم البيضاء بنسب تكاد تكون متقاربة. أمّا الأسماك، فقد فازت “شركة العبيدي للحوم” بطلب العروض الوحيد المثمر فيها لسنة 2020 تحت عدد AO-16-2020، فيما أسفرت طلبات العروض الأخرى لهذه المادّة عن نتائج غير مثمرة. وتحتكر سوق البيض بنسبة 100% منذ 2017 إلى اليوم شركة “غلوبال ترايدينغ”. وتمتدّ هيمنة “الشركة التونسية للتجارة والتوزيع” على المصبّرات والتوابل والزيوت والمياه المعدنيّة وموادّ اللف و أواني الأكل ذات الاستعمال الواحد، فيما تحوز على حصّة الربع تقريبا من التزوّد بمادة الحليب ومشتقاته، بينما تستولي شركة “أغرو بيزنس” على ثلاثة أرباع الحصص من حاجيات القصر الرئاسي بقرطاج.

وبالنظر إلى إجمالي الحصص على امتداد السنوات 2017 إلى 2022، فإن شركتي “العبيدي للحوم” و”الشركة التونسية للتجارة والتوزيع” تهيمنان على أكثر من 51% من صفقات التزويد.

ويفسّر الخبير في الحوكمة كريم بالحاج عيسى هذه الهيمنة بكون كرّاسات الشروط تستبعد أحيانا الكثير من المزوّدين غير القادرين على الاستجابة لشروطها. مضيفا أنّ هذا الاستبعاد أحيانا يكون مقصودا لتوجيه الصفقة نحو مزوّد بعينه، وهو ما يعتبر مخالفا لقانون الصفقات العمومية الذي ينصّ في الفصل 32 منه على ما يلي:

يجب أن لا تؤدي البنود التي تضبطها كراسات الشروط إلى تمييز بين المشاركين أو تضييق مجال المنافسة أو ذكر أية علامة تجارية أو منتجين معينين.

الفصل 32 من الأمر عدد 1039 لسنة 2014

من جهة أخرى، لاحظنا من خلال تحليل البيانات مخالفة أخرى لهذا القانون، حيث اشترط الفصل 20 أنه:

يخصص المشتري العمومي سنويا للمؤسسات الصغرى نسبة في حدود 20 %من القيمة التقديرية لصفقات الأشغال والتزود بمواد وخدمات والدراسات.

الفصل 20 من الأمر عدد 1039 لسنة 2014

ويبيّن الفصل ذاته في فقرته الثانية تفصيل هذا التخصيص، حيث يخصّص بالنسبة الى الموادّ:

حجم الاستثمار الأقصى بالنسبة المؤسسات حديثة التكوين رقم المعاملات السنوي الأقصى بالنسبة الى المؤسسة الناشطة المبلغ التقديري الأقصى للصفقة باعتبار الأداءات
300 ألف دينار 600 ألف دينار 300 ألف دينار

كما يوجب الفصل المذكور أن يتمّ التنصيص ضمن نصّ الإعلان عن المنافسة وكراسات الشروط على تخصيص كل الطلبات أو قسط أو أكثر منها إلى المؤسسات الصغرى المعنية وذلك على مستوى المشاركة والإسناد.

وبمراجعة جملة طلبات العروض المقدّمة من قبل رئاسة الجمهورية، نلاحظ أنها لم تلتزم بهذا الفصل، حيث لم تخصّص أيّ نسبة للمؤسسات الصغرى كما يقتضيه القانون، ولم تنصّص صلب إعلانات المنافسة عمّا يفيد هذا التخصيص، بل شجّعت مؤسّسات بعينها دون غيرها من خلال تواتر تمكينها من الفوز بطلبات العروض المقدّمة كلّ سنة.

لكنّ ما يشدّ الانتباه أكثر، هو تعاقد رئاسة الجمهورية وتحديدا الإدارة العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية مع شركات وضعيّاتها الجبائية غير مسوّاة.

إذ بالتدقيق في بيانات الشركات المتعاقدة مع القصر، والمفضّلة لديه، يتّضح أن شركتين هما “الشركة التونسية للتجارة والتوزيع” وشركة “أغرو بيزنس” هما في حالة إغفال منذ 24 شهرا أو أكثر وغير مباشرتين، أي أنّ وضعيّتيهما الجبائيّتين غير مسوّاتين منذ سنتين أو أكثر. في حين أن الشركتين فازتا بصفقات تزويد للقصر في السنتين الماضيتين، وفق ما تبيّنه نتائج طلبات العروض أدناه.
فكيف استطاعت الشركتان المشاركة في الصفقات العمومية، وكيف تجاوزتا شرط الاستظهار بما يفيد خلاص الجباية؟

حسب الخبير في الحوكمة كريم بالحاج عيسى، فإنّ هاتين الحالتين تكشفان شبهات فساد وتواطئ واضحة، إذ لا يمكن قانونيّا للمؤسّسات المشاركةُ في الصفقات العمومية دون الاستظهار بما يفيد سلامة وضعيّاتها الجبائيّة.

صمت مطبق

ورغم محاولاتنا الحصول على توضيحات وردود من الإدارة العامة للأمن الرئاسي، إلاّ أن رفض التعليق والصمت كان نصيبنا، حيث رفض الناطق الرسمي باسم المؤسسة السيد طارق البلعزي في اتصال مع الكتيبة التعليق على الموضوع، معتبرا أن الصمت ومواصلة العمل حسب تعبيره هو خيار المؤسّسة، مضيفا أنّ مسألة التزويد والإعاشة مسؤولة عنها إدارات أخرى رفض أن يسمّيها.

لكن، تشبّث مؤسسة أمن رئيس الدولة بالسرّية حول معطيات التزويد بالإعاشة والتغذية لخطورة مثل هذه المعلومات أمنيّا، وإن بدا منطقيّا ومبرّرا، فإنّه يثير الاستغراب والحيرة من جهة أخرى، حيث أنّ إتاحة هذه المعطيات على مواقع متاحة للجميع وفي شكل بيانات مفتوحة كما بيّن بحثنا، يطرح أكثر من سؤال حول جدّية مسألة السرّية وضرورات الأمن.

وكانت وزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان قد صرّحت أمام البرلمان التونسي في جوان 2021 أنّ الرئيس تعرّض لثلاث محاولات اغتيال أولاها عبر دسّ مادّة مشبوهة في عجين الخبز والثانية تتعلّق بظرف “مسموم”، وقد حفظت كلّها لعدم كفاية الأدلّة، فيما فتح بحث في قضيّة محاولة اغتيال أعلن عنها رئيس الدولة قيس سعيّد في 15 جوان 2021، حسب الوزيرة.

يمكننا القول، في الختام، إنّ غياب توضيح رسمي من القصر ومن الجهات المعنيّة، يتيح الفرصة لشبهات الفساد والمحاباة والمحسوبيّة أن تحلّق حول صفقات تزويد المطبخ الرئاسي، فيرتع قطيع المزوّدين المبجّلين في مطبخ القصر، محتكرين صفقات التزويد فيما يعلن الرئيس صارخا حربه على أمثالهم، حرب لا تصل نيرانها إلى أسوار قصر قرطاج.

كلمة الكتيبة:

من الضروري الإشارة إلى أنّنا بذلنا كلّ ما في وسعنا من أجل التواصل مع مصالح الاتّصال في قصر الرئاسة بقرطاج من أجل الحصول على توضيحات بشأن ما تطرّقنا إليه أعلاه. وكما كلّ مرّة لا حياة لمن تنادي.

كلمة الكتيبة:
من الضروري الإشارة إلى أنّنا بذلنا كلّ ما في وسعنا من أجل التواصل مع مصالح الاتّصال في قصر الرئاسة بقرطاج من أجل الحصول على توضيحات بشأن ما تطرّقنا إليه أعلاه. وكما كلّ مرّة لا حياة لمن تنادي.

الكاتب : معز الباي

اشراف: وليد الماجري
تدقيق: محمد اليوسفي
بحث: رحمة الباهي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
اشراف : وليد الماجري
تدقيق : محمد اليوسفي
بحث : رحمة الباهي

الكاتب : معز الباي

صحفي ومدرب في الصحافة الاستقصائية. عمل في عديد المؤسسات الاعلامية المحلية والدولية.

moez