الكاتب : معز الباي

صحفي مختصّ في الصحافة الاستقصائية، مكوّن صحفي، شغل عديد المواقع في مؤسسات إعلامية محلية وأجنبية.

بعد نشرنا للجزء الأول من التحقيق عن “الأخ الكبير”، فجّر موقع “ميديابارت” الفرنسي المختصّ في التحقيقات الاستقصائية، في الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأوّل 2022، فضيحة عن لجوء نادي “باريس سان جيرمان” لخدمات جيش رقمي تحت إدارة شركة “ديجيتال بيغ براذر” التابعة لرجل الأعمال الفرنسي-التونسي لطفي بالحاج.

الجيش الرقمي كانت مهمّته تشويه الخصوم وحتّى بعض نجوم الفريق، والحطّ من مصداقية بعض وسائل الإعلام الرياضية التي تناولت بالنقد النادي وسياساته. لكن من هو لطفي بالحاج، قائد هذا الجيش الالكتروني؟

في هذا البورتريه التحقيقي، سننكبّ على رسم الملامح الغائمة لرجل الظلّ هذا، ومسيرته غير الاعتياديّة بين أروقة القصور من جهة والمحاكم من جهة أخرى، رفقة أصحاب الياقات البيضاء، والمرتزقة ذوي البوطات العسكرية الملوّثة بالطين والدماء.

الكاتب : معز الباي

صحفي مختصّ في الصحافة الاستقصائية، مكوّن صحفي، شغل عديد المواقع في مؤسسات إعلامية محلية وأجنبية.

بعد نشرنا للجزء الأول من التحقيق عن “الأخ الكبير”، فجّر موقع “ميديابارت” الفرنسي المختصّ في التحقيقات الاستقصائية، في الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأوّل 2022، فضيحة عن لجوء نادي “باريس سان جيرمان” لخدمات جيش رقمي تحت إدارة شركة “ديجيتال بيغ براذر” التابعة لرجل الأعمال الفرنسي-التونسي لطفي بالحاج.

الجيش الرقمي كانت مهمّته تشويه الخصوم وحتّى بعض نجوم الفريق، والحطّ من مصداقية بعض وسائل الإعلام الرياضية التي تناولت بالنقد النادي وسياساته. لكن من هو لطفي بالحاج، قائد هذا الجيش الالكتروني؟

في هذا البورتريه التحقيقي، سننكبّ على رسم الملامح الغائمة لرجل الظلّ هذا، ومسيرته غير الاعتياديّة بين أروقة القصور من جهة والمحاكم من جهة أخرى، رفقة أصحاب الياقات البيضاء، والمرتزقة ذوي البوطات العسكرية الملوّثة بالطين والدماء.

رغم الضباب الذي يلفّ شخصيّة ومسيرة رجل الأعمال التونسي-الفرنسي لطفي بالحاج، الذي اختار الاشتغال في العتمة لفائدة بعض الحكومات والدول الإفريقيّة والعربية، إلاّ أننا نجحنا في رسم أهمّ المحطّات التي مرّ بها والمطبّات التي عرفها ونجح بأعجوبة في تجاوزها.

في الواقع، صادفتنا صعوبات عدّة في رسم ملمح دقيق وذي مصداقية للطفي بالحاج. فإلى جانب التناقضات والغموض الذين يتعمّد زرعهما حوله، وحذره الشديد من شبكات التواصل الاجتماعي، التي تعتبر رغم ذلك، مجال عمله واختصاصه، فإنّ العديد من المواقع والصفات التي يقدّم بها نفسه، يتبيّن عند التمعّن فيها جيّدا، أنها مجرّد قواقع فارغة وأوسمة قصديريّة بلا معنى تزيّن سترته أمام حرفائه وتلمّع صورته أمام العالم.

غير أنّ المثير في الأمر هو أنّنا، ومن خلال بحثنا، لم نقف على أيّ محاولة للتشكيك في هذه “الألقاب” أو محاولة للتدقيق فيها، كما لو أنّ حاملها أدرك أنّ مجتمع الاستهلاك السريع لن يركّز طويلا في التفاصيل وسيقبل بما سيكتبه في سيرته الذاتيّة المضخّمة اصطناعيّا.

أوسمة القصدير

ستينيّ أسمر اللون، حادّ القسمات والذكاء. يصنّف نفسه وتصنّفه الدوائر الإعلامية التي تحوم في فلكه على أنه يساريّ مقرّب من الإسلاميّين، رغم علاقاته القويّة ببعض رموز “الإسلاموفوبيا” في فرنسا، ورغم أنه نظّم زيارة زعيم اليمين المتطرف الفرنسي السابق “جون ماري لوبان” للضواحي الفرنسية على خلفية انتفاضة الضواحي التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس في خريف 2005.

وبالرغم مما ينسب له من قرب وتأثير في مسلمي المهجر من خلال موقع “المسلم بوست” الذي يتحكّم فيه ويديره بواسطة ابنه يونس ويملكه عن طريق شركته “مونتاين بريس انفست”، أو شبكة علاقاته وارتباطاته بوجوه إسلاميّة مهجريّة متنوّعة إضافة لعلاقاته بحركة النهضة الإسلامية التونسية وخاصّة لطفي زيتون الذراع الأيمن لزعيمها راشد الغنوشي ومستشاره السياسي (سابقا)، فإنّ ارتباطاته الماسونيّة بالكاد يخفيها، حتّى أنه يدّعي لمن يريد أن يسمعه أنه مؤسّس أول محفل ماسوني “مسلم” في فرنسا، إدّعاءات أكّدها لنا أكثر من مصدر قريب من لطفي بالحاج.

سنعود إلى هذه الارتباطات الماسونية لاحقا صلب هذا الجزء نظرا لأهمّيتها في تفكيك شبكة العلاقات المحيطة ببطل هذا التحقيق.

يقول “جوزيف غوبلز” وزير دعاية “هتلر”: “كلما كانت الكذبة كبيرة، كان تصديقها أسهل”. هذه القاعدة على ما يبدو جسّدها وتبنّاها لطفي بالحاج وجعلها منهاجا لحياته، فقد أحاط نفسه بقواقع فارغة يستعملها كلّما احتاج إليها من نوع الجمعيات الوهميّة والمعاهد الغامضة والمنظمات النائمة. كلها أوسمة قصديريّة يستخرجها ويزيّن بها سترته كلّما احتاجها ثمّ يعيدها للدرج دون حاجة لتلميعها. إلى جانب الدور الذي تلعبه هذه الجمعيّات في توطيد العلاقات العامة بين فئة من الناس اختاروا السريّة والغموض في انتماءاتهم.

نفس هذه الآليّة، آليّة القواقع الفارغة، ستهيمن على نشاطه الاقتصادي والاتصالي كما سنرى.

يحلو للطفي بالحاج أن يقدّم نفسه في المقالات التي يكتبها وينشرها لدى من يرغب في ذلك، على أنه نائب رئيس المنظمة العالمية للخبراء والمستشارين المحكمين OMECA. المنظمة تم تأسيسها بباريس، فرنسا في 19 جانفي/ يناير1991. ويعود آخر تنقيح مسجل لها لسنة 2011، ويفترض في أهدافها الاشتغال مع الأمم المتحدة على تحقيق أهداف الأخيرة (تعرف نفسها في موقع قاعدة البيانات الكونية للمنظمات على أن هدفها مد الدول السائرة في طريق النمو، خاصة منها المتأثرة بالفوضى إثر نهاية الحرب الباردة [أوروبا الشرقية] بالخبرات اللازمة لإعادة البناء).

لكن المعلومات عن أعضائها ونشاطاتها شحيحة للغاية، علاوة على أنّ أهدافها مشبوهة، كما نلاحظ ارتباط بعض أعضائها بالمحفل الماسوني الفرنسي. وتشير مصادر متقاطعة (منها مصدران مقربان منه) إلى كون لطفي بالحاج يحظى برتبة عالية في هذا التنظيم، كما سنجد في شبكة علاقاته أشخاصا نافذين آخرين في هذا المحفل المؤثّر. المنظمة ليس لها موقع ويب مسجّل في سجل الجمعيات الوطني الفرنسي “Waldec”، كما أنّ الموقع الذي تعلنه على صفحتها في “فايسبوك” لا يعمل.

وحسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة فإنّ المنظّمة لم تسجّل أيّ نشاط مرتبط بالمجلس الذي تعتبر عضوا استشاريا فيه، سوى حضور بعض الاجتماعات خلال سنوات انضمامها. كما أنّ أغلب الأعضاء المنتمين لها ممن يملكون حسابات “لينكد إين” Linked In يخفون هوياتهم كلّيا. وتخفي صفحة المنظّمة على الفيسبوك كل المعلومات عن أعضائها ومنخرطي الصفحة.

هذه المنظّمة، التي نرجّح كونها واجهة لأحد المحافل الماسونية بفرنسا، ستكون مدخلا لفهم علاقة لطفي بالحاج بـ”كريستوف جيوفانيتي” العضو المكلف بالإعلام فيها وارتباطهما بعمليّات تحيّل في البورصة كما سنرى، إلى جانب العلاقة بشخصيّات مؤثّرة قضائيّا وسياسيّا، محلّيا ودوليّا سنتعرّف عليها تباعا، وهو ما سنعود إليه لاحقا في هذا الملمح التحقيقي.

يقدّم لطفي بالحاج نفسه في البيبليوغرافيا التي ينشرها كمؤسّس ورئيس للمرصد الاقتصادي للضواحي بباريس Observatoire Economique des Banlieues. لكن البحث عن هذا المرصد يحيلنا أيضا إلى طرق مغلقة ومهجورة، إذ بالكاد نجد معلومات عنه.

يعود آخر تحيين لبيانات المرصد المذكور آنفا إلى تاريخ إنشائه في 25 أوت/أغسطس 2006، كما أنّ النشاط العلمي الوحيد الموثق الذي عثرنا عليه للمرصد هو تقرير صادر سنة 2013 يتضمّن تلخيصا لملتقى شارك فيه.

ورغم إزالة صفحة المرصد من موسوعة “ويكيبيديا” بقرار من المشرفين سنة 2011، لعدم المقبولية، تمكنّا من مراجعة نسخة من الصفحة التي وقع إزالتها عبر البحث في أرشيف الويب.

وحسب الصفحة فقد تم تأسيس المرصد في 2005 من قبل لطفي بالحاج و”هيرفي أزولاي” Hervé AZOULAY و”ريشارد دلايي” Richard DELAYE (ماسوني له نشاطات هامّة في الكونغو) و”جون ماري بيريتي” Jean-Marie PERETTI.

أما الموقع المعلن للمرصد فلا يعمل.

إذ رغم موقفه المعادي ذاك، إلا أنه لجأ للطفي بالحاج الذي نظّم له زيارة مفاجئة في أفريل 2007 لضاحية أرجنتوي Argenteuil التي كانت في قلب انتفاضة الضواحي التي قام بها المهاجرون وأبناؤهم منذ خريف 2005، مسجّلا خلالها نقطة سياسيّة هامّة على خصمه وزير الداخلية آنذاك نيكولا ساركوزي.

ولئن اختفت كلّ البيانات والمعطيات عن دور هذا المرصد في الأحداث والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي الباريسيّة بعد أشهر من تأسيسه، إلاّ أنّه يمكننا التأكيد على دوره في تقريب لطفي بالحاج من زعيم اليمين المتطرّف الفرنسي في ذلك الوقت جون ماري لوبين Jean Marie Le Pen رئيس سابق ومؤسس للجبهة الوطنية، وصاحب المواقف المعادية بشدّة للهجرة والمهاجرين.

تشير العديد من المصادر إلى أنّ لطفي بالحاج قريب جدّا من الإسلاميين، وهو ما يحاول ترسيخه في الأذهان من خلال البيبليوغرافيا التي يقدّمها لنفسه، إما من خلال تأليفه لكتاب “إنجيل الحلال” La Bible du Halal والذي يناقش فيه دوغما المنتوج الحلال وأهمية المنتجات الحلال في الأسواق الاقتصادية الدولية، أو عبر موقع “المسلم بوست” الذي أنشأه ويديره بواسطة ابنه يونس وذراعه الأيمن “فريديريك غيلدهوف” الذي تعرّفنا عليه في الجزء الأول من التحقيق، أو عبر تقديمه لنفسه أنه خرّيج معهد التعليم العالي الإسلامي بباريسIESIP.

من المهم في هذا السياق الاشارة إلى أن موقع هوفينغتون بوست في نسخته الفرانكو-مغاربية المقرب من لطفي بالحاج، هو في الحقيقة بعث من قبل رجل الأعمال التونسي الطاهر البياحي (محكوم بالسجن في تونس وهو فار من العدالة حاليا) قبل أن تديره المختصة في الاتصال واللوبينغ والحملات الدعائية التونسية سامية الشريف.

يسوّق المعهد نفسه، كمؤسسة خيريّة تهدف لنشر ثقافة التسامح ونبذ التطرّف في عالم مشحون بالتوتر الديني، لكن بحثنا عن الإطار التدريسي بالمعهد اصطدم بأسماء مستعارة أو مخفية، ووجوه مغيّبة وشفافية مفقودة. الغريب في الأمر أنّ المعهد تأسّس في شكل جمعية في جوان / حزيران 2017، فمتى تخرّج منه لطفي بالحاج؟

سنكتشف في الأجزاء القادمة لماذا أصبح الانتساب لهذا المعهد مهمّا بالنسبة الى لطفي بالحاج. إذ سيغدو المعهد بوّابة يعبر من خلالها إلى مجال الشراكة مع دولة قطر وتوابعها وتفرّعاتها.

رحلة المطبّات

لا نعرف على وجه الدقّة متى بدأت رحلة لطفي بالحاج في عالم الأعمال الضبابيّة، لكن يمكننا الجزم أنّه في أواخر التسعينات تعرّف على فيليب حبابو سولومون في نيويورك. هذا اللقاء سيغيّر الكثير من الأشياء في حياة لطفي بالحاج ومسيرته.

هنا سيعرّف حبابو صديقه بالحاج على السياسي اليساري ورجل الأعمال الفرنسي “برنار تابي” Bernard Tapie الذي يعرّفهما بدوره في 2001 على “بول باريل” Paul Barril أحد مؤسسي مجموعة تدخل الجندرمة الوطنية GIGN ونائب مدير “المكتب الأسود” سابقا والذي أصبح يعمل في قطاع الأمن الخاص.

إنها بداية الألفية الثانية، حينها وقع لطفي بالحاج تحت سحر سولومون، وأعجب سولومون بذكاء وحماس بالحاج، وعليه قرّر الرجلان تأسيس شركة مختصة في الإدراج بالبورصة، في “تورنتو” بكندا.

باريل، خلال زيارة لتورنتو في 2002، طلب منهما مساعدته في جمهورية إفريقيا الوسطى حيث يشغل خطة مستشار للرئيس “باتاسي” Ange-Félix Patassé. ولهذا الغرض حملهما في رحلة على متن طائرة خاصة. لكن النتيجة كانت ظاهريا مخيبة للآمال، فقد وقع الانقلاب على باتاسي في 2003.

لا يخفي “باتاسي” أنه يستثمر في عديد القطاعات خاصة منها المنجمية، بل عرض حتّى تعويض عجز الدولة عن خلاص الأجور من مدّخراته الخاصّة. ورغم أنه أقال في 2001 محافظ بنكه المركزي المعروف بالسيد 10% نسبة إلى ما يشاع عنه من اشتغال في تبييض الأموال، فإنه كان واعيا تماما أن عليه الحصول على مبلغ 10 مليون دولار في أواخر سنة 2000 على الأقل لتفادي ثورة تسقطه. فهل لجأ إلى خدمات الرجلين؟ وكيف كان عليهما مساعدته كما طلب باريل؟

تلك أسئلة رحلت أجوبتها مع باتاسي. لكن من المهم الملاحظة أوّلا أن باتاسي قد وقع اتهامه من قبل “فرانسيس بوزيزيه” الذي استولى على كرسيّه وحكم على سلفه غيابيا بالسجن سنة 2006 من أجل الاستيلاء على 70 مليار من الفرنكات الإفريقية، كما أن فيليب حبابو سولومون لقي حظوة لدى “بوزيزيه” بلغت درجة أن منحه جواز سفر دبلوماسيا ورتبة قنصل لجمهورية إفريقيا الوسطى لدى “إسرائيل”.

من جهة أخرى فإنّ لطفي بالحاج كان قد دخل في مفاوضات مع تاجر الأسلحة المثير للجدل اليهودي الفرنسي “ستيف بوخبزة” سنة 2013 بهدف إنشاء عمل مشترك في جمهورية إفريقيا الوسطى، كما ورد في مقال بالدورية الاستخباراتية “Intelligence Online“. ستيف بوخبزة كان له دور في تسليح جمهورية إفريقيا الوسطى رغم الحظر الدولي المفروض عليها.

لا توضح الدورية طبيعة هذا العمل، لكن من المعلوم أنّ الرئيس السابق لجمهورية إفريقيا الوسطى “ميشال دجوتوديا” تزوّد بأسلحة في 15 أوت / آب 2013 من شركة “إيغل وان” Eagle One LTD التي أسسها ستيف بوخبزة كفرع لشركة Beltech في دبي، أي أربعة أشهر فقط بعد إسقاط الرئيس الأسبق فرانسوا بوزيزي.

كما حامت شكوك حول تورّط بوخبزة في محاولات انقلاب خلال تلك السنة بجزر القمر وغينيا بالتعاون مع المرتزق الفرنسي “باتريك كلاين” الملقّب بالملازم “شامبرز” (كلها مناطق نشاط للطفي بالحاج وقد حاول هذا الأخير التدخل في الانتخابات القمريّة الأخيرة).

و”ستيف بوخبزة” هو ممثل لشركة Beltech البيلوروسية المختصّة في بيع الأسلحة، والتي تعرّضت لعقوبات دولية بسبب خرقها حظر بيع الأسلحة على دول إفريقية. بوخبزة معروف لدى عديد الدول الإفريقيّة، وفي دوائر السلطة الفرنسيّة، إلى جانب ارتباطاته بجهاز “تساهال” (الاستخبارات العسكرية) الصهيوني، ويعتبر وسيط الظلّ ورجل المهامّ الرماديّة كلّما احتاج الأمر إلى صفقة سلاح غير مسموح بها في الدول الإفريقية وإيران وغيرها.

وفي كلّ الحالات، فإنّ الرجلين التقيا في أروقة القصر الرئاسي بكينشاسا، حيث يعمل “ستيف بوخبزة” كمستشار ظلّ في الشؤون الأمنية وجسر ربط مع “إسرائيل” لدى الرئيس Félix Tshisekedi منذ 2019، فيما يسعى لطفي بالحاج للفوز بعقد اتصالي مع الرئاسة الجديدة.

بعد النهاية الغامضة لمغامرة إفريقيا الوسطى، عاد “بول باريل” بصفقة جديدة لصديقيه الجديدين فيليب حبابو سولومون ولطفي بالحاج. قدم لهما في جينيف الطيار Jean Marie Gras، الذي كان يحاول الحصول على شركة الطيران Aerolyon التابعة لشركة Nouvelles frontières، والتي أفلست في 2001.

بلحاج وحبابو دفعا مبلغ 8.2 مليون أورو في حساب ببنك Arab Bank بفيينا، وقع ضخها للشركة الجديدة. لكن سرعان ما تعرضت الشركة لمشاكل مالية أدّت لعدم خلاص أجور العملة، لتفلس الشركة مجددا بعد أشهر.

مغامرة أخرى انتهت بسلام بالنسبة الى لطفي بالحاج، وبالسجن لرفيقه “حبابو سولومون”، وأدّت إلى برود وجليد في علاقات الرجلين، حسب ما تؤكّده مصادر مقرّبة منهما، سينكسر بعد سنوات على يد أصدقاء نافذين، ليقودهما إلى مغامرة مشبوهة جديدة مرتبطة بتونس هذه المرّة.

وقد شكّت السلطات الفرنسية في تمويلات الشركة، و فتحت تحقيقا طال شركة “سولومون” وبالحاج. وفي سنة 2007 حكمت محكمة ليون على “حبابو” في هذه القضية بالسجن 3 سنوات من أجل التزوير واستعمال وثائق مزورة أمام المحكمة والتحيل، في حين لم يقع المساس من بالحاج. لكنّ العارفين بكواليس القضيّة يقرّون أن وراء الأكمة ما وراءها.

الثروة ستمطر من تونس

في 2007، دخلت شركة بترولية فيتنامية-أمريكية تدعى ATI-Petrolium السوق الحرة للبورصة الفرنسية. وهي شركة تدّعي التنقيب عن البترول والغاز واليورانيوم في عدد من الدول وخاصة إفريقيا. وبما أنّ السّوق الحرّة لم تكن تتحرّى عن الخلفيات المالية للشركات المضاربة فيها، فإنّ الشركة المعنيّة وجدت المجال حرّا للتلاعب بالأسهم وخداع صغار حاملي السندات الذين بلغ عددهم الآلاف، قبل أن تفتضح العملية برمّتها. لكن ما الذي حصل؟ وكيف حصل؟ وما علاقة لطفي بالحاج بذلك؟

تتمثّل أطوار القضية في أنّ شركة ATI-Petrolium (التي كانت شبه مجهولة وقتها في فرنسا) طرحت أسهمها في السوق الحرّة ببورصة باريس خلال شهر جويلية / تموز من سنة 2007.

اقتنى الآلاف الأسهم مع وعود بارتفاع قيمتها بطريقة خارقة. حيث طرحت الشركة 83000 سهم للتداول بثمن بخس (0,18 أورو). وقد اشتبه المحقّقون وقتها في أنّ الأسهم وقع اقتناؤها بالجملة من قبل المحتالين أنفسهم لرفع قيمتها وبيعها بقيمة 3 إلى 4 أورو إلى صغار المشترين الذين يجهلون أنّ هذه الأسهم غير صالحة للبيع لأنها فارغة (بلغ سعر تداول الأسهم في نهاية شهر سبتمبر أكثر من 14 أورو للسهم).

ولضمان إقبال الضحايا على اقتناء أسهم الشركة، أعلنت هذه الأخيرة في بلاغ لها عن حيازتها لرخصتي تنقيب عن الغاز في الكونغو، وأخريين في تونس (RA8 عايشة وRA9 قصر غيلان) ليصل احتياطي الشركة من البترول، حسب بلاغها، إلى مليار برميل (بلغ احتياطي البترول لدولة العراق في تلك السنة حوالي 110 مليار برميل)، وقد اتضح لاحقا أنها لا تملك أي رخصة تنقيب في تونس.

وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 وقع إيقاف 11 شخصا بين باريس ونيس، بشبهة تنظيم عملية تحيّل واسعة النطاق راح ضحيّتها آلاف من صغار حاملي السندات وقدّرت خسائرهم بحوالي 50 مليون أورو. كان لطفي بالحاج من بين الموقوفين.

ومن الواضح أنّ من كان مكلّفا بالوساطة مع الجهات التونسية لحساب هذه الشركة هو لطفي بالحاج شخصيا بالاستعانة بأحد أقارب بن علي.

سيقول بالحاج لاحقا، لمن يريد أن يسمعه، إنّ الطرابلسية (أصهار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي) كانوا قد منعوه من النشاط في تونس وأصبح ممنوعا من دخولها ابتداء من 2007، رغم أنّ الوسيط الذي اعتمد عليه للحصول على وعد بمنح رخص التنقيب، على الأرجح، ليس سوى أكرم بوعوينة ابن حياة شقيقة الرئيس المخلوع بن علي (يحتل أكرم المرتبة 46 على قائمة من وقعت مصادرة أملاكهم بعد الثورة وحكم عليه غيابيا بسنة سجنا).

الغريب في الأمر أنّ الشركة المنقّبة، بعد إنكارها لأي علاقة مع لطفي بالحاج، عادت لتشكر هذا الأخير خصيصا، مقدّمة إياه كمستشار لها وكشريك.

ونرجّح أنّ حصّة لطفي بالحاج وشخص آخر (على الأرجح كريستوف جيوفانيتي) من هذه الصفقة كانت قد تجاوزت 5 مليون دولار من السندات، مكافأة لهما على دورهما في “إدخال” الشركة إلى تونس ودول إفريقية أخرى وذلك استنادا للتقرير المالي للشركة.

لكنّ هذه السندات لم تعد تساوي قيمة الورق الذي طبعت عليه إذ سيقع منع الشركة من المداولة في السوق المالية الحرة الفرنسية سنة 2013، وبذلك أغلق قوس هذه الفضيحة بالنسبة الى الفرنسيين نهائيّا. في حين ترى بعض المصادر أنّ المشاركين في اللعبة حصدوا أكثر من 90 مليون أورو.

أمّا عن هذه المغامرة، فمن الواضح أنّ من أقنع لطفي بالحاج بدخولها هو صديقه وقتها “فيليب سولومون حبابو” Philippe Solomon Hababo عن طريق طرف ثالث هو “كريستوف جيوفانوتي”، أحد المقربين من الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك (سيرد اسمه في قضية “المكتب الأسود” إلى جانب “بول باريل” وآخرين ضمن شبكة علاقات بالحاج)، وأحد المقرّبين المؤثّرين في شبكة علاقات “الجوكر” لطفي بالحاج.

“جيوفانيتي”، الذي يقدّم نفسه كمستشار وخبير ومكلّف بالإعلام في منظّمة OMECA التي أسسها بالحاج وآخرون، لم يكن في محاولاته الأولى لما يسمّى تسخين البورصة Chaufferie boursière، فقد ارتبط اسمه بعمليّات مشابهة للسابقة، مثل عملية ٍ”أفريكويل” وPoseidis التي تمت تصفيتها قضائيا وSmart Tech. وNew Millenium Medical (عبر شركة Matthews Morris)، وكلها عمليّات تسخين للأسهم بغرض بيعها بأسعار مضخّمة.

وقد توصّلنا إلى عمليّة مشابهة تمّ الاستيلاء فيها على اسم شركة Citco Trust Corp المعروفة من أجل مداولة اسهم شركة “زامارات مينينغ” التي أسسها لطفي بالحاج وآخرون تورّط فيها “كريستوف جيوفانيتي” ولطفي بالحاج.

وقد حذّرت لجنة الخدمات المالية بالجزر العذراء البريطانية من عملية التحيّل هذه.

بول باريل، رجل المهامّ القذرة

بعد مساهمته في تأسيس فرقة التدخّل الخاصة في الجندرمة الوطنية الفرنسية GIGN، وعند تقاعده، تمّت دعوته للاتحاق بما سمي بخليّة “الإيليزي” أو المكتب الأسود وهي خليّة أحاطت بالرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران هدفها القيام بعمليّات تنصّت غير مرخّص فيها (1982-1983) كان من بين ضحاياها الصحفي الفرنسي “إيدوي بلينيل” (صحفي بجريدة “لوموند” حينها ومؤسس موقع “ميديا بارت”).

لكنّ الحدث الأبرز الذي سيعرف به “باريل”، هو دوره في المذابح التي شهدتها رواندا في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، والذي طال إثنية “التوتسي”. فقد بدأ عمله لصالح الرئاسة الرواندية في بداية التسعينات بإعادة تنظيم جهاز استعلاماتهم (من خلال شركته الخاصّة “سيكريتس” Secrets). وقد اتّهم من قبل القضاء الفرنسي بالمساعدة في تدريب العناصر وتوفير السلاح لجماعة “الهوتو” مرتكبي المجازر العرقية في حقّ “التوتسي” وقتها. لينتهي المطاف بـ”بول باريل” بالتورّط أواخر 2007 في قضيّة تبييض أموال عرفت في الإعلام الفرنسي بقضية دائرة الكونكورد لألعاب الحظّ.

بعد الثورة (2011)، استقبل لطفي بالحاج صديقه المريض آنذاك “بول باريل” في منزله بتونس، وفق ما أكّده لنا مصدر داخلي مقرّب من بالحاج، وقدّمه بحفاوة لمعارفه وأصدقائه.

سبق وأشرنا إلى ارتباط لطفي بالحاج بأكرم بوعوينة ابن شقيقة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. وفي واقع الأمر فإنّ هذه العلاقة انبنت، على ما يبدو، على مصالح ضيّقة تفوح منها الشبهات من كل جانب.

ففي تسعينات القرن الماضي، كان بالحاج يبحث عن موطئ قدم بين غرف التجارة وأروقة المؤسسات الدولية.

وفي سنة 1998 التقى “بيار بونار” Pierre Bonnard في فرنسا، رجل الأعمال المختص في الطاقة الشمسية والمقيم حاليا بدبي، و”مؤسس الغرفة التجارية الفرنسية لدول الشرق الأدنى والأوسط”.

في 2007 اكتشف بونار أنه قد وقع الاستيلاء على مبلغ 1.5 مليون دولار من حساباته في بنك “شمال إفريقيا” North African Bank.

محامو بالحاج ندّدوا بالحكم باعتباره صدر غيابيّا ودون توفير فرصة للدفاع عن موكّلهم، وأعلنوا أنهم سيحاولون إبطاله.

اتهم بونار مباشرة لطفي بالحاج وأكرم بوعوينة ابن شقيقة بن علي بتواطؤ من البنك بالاستيلاء على أمواله. ورفع قضية في المحاكم التونسية خسرها سنة 2009. لكنه لم يتخلّ عن الملاحقة، وأعاد رفع القضية ليكسبها في نهاية سنة 2021، ويحكم على لطفي بالحاج بالسجن 6 سنوات حسب مجلة “جون أفريك”.

وحسب بونار، فإنّ المحكمة الفرنسية حكمت لفائدته ضدّ بالحاج من أجل الثلب. خلال هذه المحاكمة كان محامي بالحاج هو كريم عشوي الذي سيؤسس معه لاحقا “رابطة الدفاع القانوني عن المسلمين”. وسيكون أحد أصدقاء لطفي بالحاج من مشاهير الماسونيين والمقرّبين من قصر “الإليزي” “فرانسيس سبينر” Mre Francis Szspiner وأحد أعضاء “المكتب الأسود” في عهد جاك شيراك هو محامي كريم عشوي في قضيّة أخرى.

حاولنا الاتصال ببيار بونار بشتى الطرق، لكن لم تتم الاستجابة لطلباتنا أو الرد على استفساراتنا.

ورغم أنّ كريم عشوي نفى أمام المحكمة أن يكون ماسونيا، إلا أنّه أقرّ كونه محامي أحد أكبر المحافل الماسونية فهل بدأت دائرة العلاقات الماسونية تتضح؟ (سنفهم مدى قرب سبينر من بالحاج في أجزاء قادمة).

بعد الثورة (2011)، قرّر “الفرنسي الزائد عن الحاجة” (حسب تعبير لطفي بالحاج Français de trop) أن ينقل مجال خبراته ونشاطاته إلى بلده الأم تونس، وذلك عبر صندوق استثماري كان أنشأه بمعيّة شركائه في لوكسمبورغ (جنّة ضريبيّة)، وخاصّة منهم “إيمانويل دروجون” Emmanuel Drugen المختصّ في إدارة الاستثمارات في الجنان الضريبية مثل جزر الكايمان واللوكسمبورغ، تحت اسم “غرين روك فوند” Greenrock Fund، وكان يهدف إلى دخول السوق التونسية المضطربة والمرتبكة بعد الثورة.

تمكّنّا، بمراجعة وتحليل وثائق الشركات بقواعد بيانات المؤسسات في دوقية “لوكسمبرغ”، من تحديد المحطّات التالية لعملية “غرين روك فوند” التي قادها لطفي بالحاج في تونس.

لكنّ نشاطات هذا الأخير ستتفرّع وتنتشر في إفريقيا خاصّة ودول أخرى لتمسّ أعلى قمم السلطة فيها، من خلال خدمات بدرجات لونيّة قاتمة بين الرمادي والأسود، بين الدعاية والتجسس وإشعال الصراعات وإطفائها حسب الطلب والتأثير على الانتخابات وتوجيه الرأي العام لفائدة مرشّح بعينه مع التأليب على الآخرين وزرع الفتن.

هنا يتوقف غوصنا في رحلة المطبّات المالية للطفي بالحاج وارتباطاته المتشابكة بعدد من الفاعلين المثيرين للجدل، ارتباطات تبدو أشبه بلعبة تشابك الأيدي بين عدد محدود من الأشخاص في غرفة مظلمة، هي غرفة فرنسا-الإفريقيّة، وطقوسها الماسونية الملتفّة بالصمت.

كلمة الكتيبة:

في هذا الملمح التحقيقي، وقع التطرّق إلى جملة من العلاقات الماسونية التي تمثّل عنصر ربط بين أشخاص نافذين في المجتمع والدولة الفرنسية ومجالاتها الحيويّة مثل المستعمرات الإفريقية السابقة. ولأنّ القارئ العربي عموما تعوّد بارتباط التنظيمات الماسونية بنظرية المؤامرة، واستعمال بعض التيارات الأصولية لوصم خصومها بالانتماء للماسونية، وجب التنويه إلى أننا لا نتعامل مع المحافل الماسونية من هذا المنطلق العقدي أو من منظور الأحكام الجاهزة، بل من جهة كونها جمعيّات معترف بها في أوروبا علاوة على أنّ بعض هذه المحافل قد تحوّل إلى غرف لتبادل الخدمات وتوسيع النفوذ وحتى مكاتب خدمات للجريمة المنظّمة التي ترعاها أحيانا أجهزة المخابرات أو تنشط في خدمتها . كما أنّ المدوّنة الغربية والصحافة الأوروبية تعجّ بالشهادات والوثائق والتحقيقات وحتى المحاكمات المتعلقة بجرائم وعمليات تمّ تخطيطها صلب محافل ماسونية.

كلمة الكتيبة:
في هذا الملمح التحقيقي، وقع التطرّق إلى جملة من العلاقات الماسونية التي تمثّل عنصر ربط بين أشخاص نافذين في المجتمع والدولة الفرنسية ومجالاتها الحيويّة مثل المستعمرات الإفريقية السابقة. ولأنّ القارئ العربي عموما تعوّد بارتباط التنظيمات الماسونية بنظرية المؤامرة، واستعمال بعض التيارات الأصولية لوصم خصومها بالانتماء للماسونية، وجب التنويه إلى أننا لا نتعامل مع المحافل الماسونية من هذا المنطلق العقدي أو من منظور الأحكام الجاهزة، بل من جهة كونها جمعيّات معترف بها في أوروبا علاوة على أنّ بعض هذه المحافل قد تحوّل إلى غرف لتبادل الخدمات وتوسيع النفوذ وحتى مكاتب خدمات للجريمة المنظّمة التي ترعاها أحيانا أجهزة المخابرات أو تنشط في خدمتها . كما أنّ المدوّنة الغربية والصحافة الأوروبية تعجّ بالشهادات والوثائق والتحقيقات وحتى المحاكمات المتعلقة بجرائم وعمليات تمّ تخطيطها صلب محافل ماسونية.

الكاتب : معز الباي

اشراف: وليد الماجري
تدقيق: محمد اليوسفي
بحث: رحمة الباهي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
اشراف : وليد الماجري
تدقيق : محمد اليوسفي
بحث : رحمة الباهي

الكاتب : معز الباي

صحفي مختصّ في الصحافة الاستقصائية، مكوّن صحفي، شغل عديد المواقع في مؤسسات إعلامية محلية وأجنبية.

moez