الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

هي ثالث أكثر مشروب استهلاكا في العالم، القهوة التي تأتي بعد الماء والشاي، عرفت أسعارها في البورصات العالمية ارتفاعا جنونيا، تزامن مع انخفاض في معدّلات إنتاجها في السنتين الماضيتين بسبب موجة الصقيع الحادة التي ضربت البرازيل، مركز إنتاج 37 في المائة من حاجيات العالم.

في تونس، يختلف الوضع، إذ لا توجد دراسات يمكن اعتمادها لمعرفة حجم استهلاك التونسيين لمادة القهوة وترتيبها في العادات الاستهلاكية الغذائية لهم، لكن ما هو معلوم أنّ القهوة تحتل مراتب متقدّمة في قائمة المشروبات الأكثر شعبية واستهلاكا عند التونسيين، ولا يتوقف الأمر هنا، حيث اقترنت القهوة في الفترة الأخيرة رمزيا بصورة رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي لا يفوّت أية فرصة، لدى زياراته إلى شوارع العاصمة والأحياء الشعبية، إلا ويحتسي قهوة بإحدى المحلات هناك كحركة اتصالية يسعى من خلالها إلى المحافظة على طابعه الشعبي.

منذ فترة ليست بالقصيرة تعرف السوق التونسية شحّا في التزوّد بمادة القهوة، الأمر الذي أثار غضب عدد من أصحاب المقاهي وصالونات الشاي، الذين ضاقوا ذرعا من ندرة المواد الأساسية لمزاولة نشاطهم على غرار مادة السكر والحليب وآخرها القهوة.

يقول خالد صاحب مقهى في العاصمة تونس انّ الإشكال الموجود اليوم في مادة القهوة ليس متصلا بندرتها فقط إنما كذلك بجودتها، مشيرا في حواره مع موقع الكتيبة الى أنّ طعم القهوة التي يتم توزيعها في عديد المرات ذات مذاق سيّء ينفر الحرفاء.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

هي ثالث أكثر مشروب استهلاكا في العالم، القهوة التي تأتي بعد الماء والشاي، عرفت أسعارها في البورصات العالمية ارتفاعا جنونيا، تزامن مع انخفاض في معدّلات إنتاجها في السنتين الماضيتين بسبب موجة الصقيع الحادة التي ضربت البرازيل، مركز إنتاج 37 في المائة من حاجيات العالم.

في تونس، يختلف الوضع، إذ لا توجد دراسات يمكن اعتمادها لمعرفة حجم استهلاك التونسيين لمادة القهوة وترتيبها في العادات الاستهلاكية الغذائية لهم، لكن ما هو معلوم أنّ القهوة تحتل مراتب متقدّمة في قائمة المشروبات الأكثر شعبية واستهلاكا عند التونسيين، ولا يتوقف الأمر هنا، حيث اقترنت القهوة في الفترة الأخيرة رمزيا بصورة رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي لا يفوّت أية فرصة، لدى زياراته إلى شوارع العاصمة والأحياء الشعبية، إلا ويحتسي قهوة بإحدى المحلات هناك كحركة اتصالية يسعى من خلالها إلى المحافظة على طابعه الشعبي.

منذ فترة ليست بالقصيرة تعرف السوق التونسية شحّا في التزوّد بمادة القهوة، الأمر الذي أثار غضب عدد من أصحاب المقاهي وصالونات الشاي، الذين ضاقوا ذرعا من ندرة المواد الأساسية لمزاولة نشاطهم على غرار مادة السكر والحليب وآخرها القهوة.

يقول خالد صاحب مقهى في العاصمة تونس انّ الإشكال الموجود اليوم في مادة القهوة ليس متصلا بندرتها فقط إنما كذلك بجودتها، مشيرا في حواره مع موقع الكتيبة الى أنّ طعم القهوة التي يتم توزيعها في عديد المرات ذات مذاق سيّء ينفر الحرفاء.

بين ظروف إنتاجها والتجارة فيها عالميا وأزمة توريدها وتوزيعها محلّيا، تتعمق أزمة القهوة ومسحوق البن أكثر فأكثر خاصة من حيث توفرها بالأسواق وكذلك من حيث جودتها.

ماهي الأسباب الحقيقة وراء أزمة فقدان البُن في تونس؟ هل أسباب الأزمة مستوردة أم أنّ أزمة المالية العمومية في تونس تلعب دورها في ذلك؟ وأي مستقبل لمشروب القهوة في تونس في ظل تحذيرات عالمية من إمكانية تقلّص مزارع زرع القهوة بسبب التغيرات المناخية؟

التغيّرات المناخية تعكر صفو مزاج العالم

في منتصف العام 2021، ضربت موجة صقيع حادة مزارع القهوة بالبرازيل والتي توفر 37% من إجمالي الإنتاج العالمي لمادة القهوة.
يقول أحد المزارعين البرازيليين في تصريح نقلته شبكة بلومبرغ انّه لم يشاهد طيلة حياته موجة الصقيع التي ضربت البرازيل مؤخرا.

” لا يمكن لي أن أنسى ذلك اليوم، كان الجوّ عاديا ودافئا في موسم فلاحي اتسم بالجفاف، بضعة ساعات كانت كفيلة بأن تهب موجة صقيع غير عادية جلّدت التربة والأشجار الشيء الذي أتلف كامل المحصول والآن أنا مظطرّ إلى حرق 80% من الأشجار وإعادة غرسها”.

مزارع برازيلي في تصريح لشبكة بلومبرغ

يبلغ الإنتاج العالمي للقهوة وفق المنظمة الدولية للقهوة ما يفوق الـ10 مليون طن، تستحوذ عشرة بلدان تتقدمهم البرازيل و الفيتنام على حوالي 90 % من هذا الإنتاج.

وتُفسر عديد الدراسات أن موجة الصقيع يمكن أن تكون مدمرة بشكل خاص إذا جاءت بعد فترة طويلة من الجفاف، مثل ما حدث في الموسم المنقضي بالبرازيل، حيث تذبل الأوراق بسبب موجات الجفاف الطويلة، مما يجعلها عرضة للموت مع انخفاض درجات الحرارة.

وقد يستغرق الأمر، في بعض الحالات، عامًا أو عامين للتعافي من موجة الصقيع، ولكن إذا ماتت أشجار البن وتعين استبدالها بمشاتل جديدة، فقد يستغرق الأمر أربع أو خمس سنوات للحصول على محصول لائق وما يصل إلى سبع سنوات لاستعادته بالكامل لأقصى مستويات الإنتاج.

واتسم المناخ في البرازيل في السنوات الخمسة الأخيرة بتغيّرات جذرية، حيث أصبحت المنطقة التي تستحوذ على ما يفوق الـ 37% من الإنتاج العالمي للقهوة، تعيش في ظلّ مناخ شبه جاف وعالي الرطوبة لكنه في ذات الوقت معرّض إلى موجات من الصقيع الحادة.

ولا تستهدف التغيرات المناخية مزارع البرازيل فقط، إذ تشير دراسات عدّة الى أنّ دول الخط الإستوائي (باعتبارها الدول الأكثر زراعة لأشجار القهوة) عانت في السنوات الماضية من الجفاف وارتفاع الحرارة ما أثر على إنتاجية أشجار القهوة التي تحتاج إلى معدّلات حرارة لا تتجاوز في أدناها الـ 13 درجة وفي أقصاها الـ30 درجة مع معدّل رطوبة عام في حدود الـ 60%.

كما لا تتوقف أزمة مزارع القهوة وإنتاجها عند هذا الحدّ، إذ أثرت أزمة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية على أسعارها في البورصات العالمية التي وصلت إلى أرقام قياسية لم تعرفها منذ عام 2015، بسبب ظروف النقل التجاري العالمي الذي ارتفعت تكاليفه مرتين مقارنة بسنة 2019.

وإن سجلت الأسعار بداية هذا العام انخفاضا مقارنة بنهاية العام 2022، إلا أنه يبقى انخفاضا حذرا ولم يبلغ بعد أسعاره الإعتيادية التي كانت تسجلها المادة في أعوام 2018 و 2019 وذلك لتواصل الأزمة المنجرّة عن الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على إرتفاع كلفة الشحن والنقل التجاريين.

ووفق المنظمة الدولية للقهوة (International Coffee Organization) وهي منظمة دولية تأسست في عام 1963 بلندن، وتجمع أغلب الدول المصدرة للقهوة و المستوردين الرئيسيين لها، فإنّ الطلب العالمي على القهوة يشهد ارتفاعا ملحوظا مقابل انخفاض في معدلات الإنتاج.

وأشارت تقارير المنظمة ذاتها الى أنه من المتوقع أن يزداد استهلاك القهوة في العالم بنسبة 3.3٪ لموسم 2022-2023 أي بنحو 170.3 مليون كيس ( حجم 60 كيلوغرام ) مقارنة بـ 164.9 مليون في موسم 2021-2022.
في ذات الموسم 2022-2023، يقدر الإنتاج بـ 167.2 مليون كيس مقارنة بـ 170.8 مليون كيس قهوة في موسم 2021-2022 أي بانخفاض قدّر بنحو 2.1٪ وهو ما يؤدي إلى عجز بين العرض والطلب العالميين قدره 3.1 مليون كيس أي 186 ألف طنا.

كلّ هذه الأرقام والتقلّبات التي تعرفها سوق القهوة الدولية لا تجد مكانا في خطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد ولا حتى في استراتيجيات الديوان التونسي للتجارة الذي سجل خسائر بقيمة 100 مليون دينار في قطاع القهوة بنهاية عام 2022 وفق ما قدّمته الغرفة النقابية لمحمّصي القهوة التابعة لاتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، من معيطات إلى موقع الكتيبة.

حالة إنكار حتى للظروف الطبيعية

في الحادي عشر من جانفي من هذا العام، تنقل الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى مقهى شعبي بجهة “باب منارة” في العاصمة، وهي من الزيارات التي دأب على القيام بها منذ صعوده إلى سدّة الحكم في عام 2019، وتواترت بكشل كثيف بُعيد تفعيل إجراءات 25 جويلية من عام 2021.

بعد أن حضّر بيديه فنجان قهوة إلى ضيفه رئيس الدولة قيس سعيّد، همس صاحب المقهى بصوت منخفض مغتنما فرصة وجود صاحب القرار الأول في بلاده قائلا: “سي قيس اسمعني أريد الحديث معك في أمور أزمة القهوة والسكر والحليب وكل شيء”.

لم ينته الشاب من سرد معاناته مع عدم توفر المواد الأوّلية لمزاولة نشاطه بشكل طبيعي، حتى قاطعه الرئيس سعيّد بأجوبته المعتادة.

” هم يفعلون هذا بالقصد، كلّ شيء متوفر وكلّ شيء يفعلونه لتأزيم الأوضاع، حتى يعيشوا بالأزمات… طوال حياتي لم يحصل أن فُقد السكر واليوم أصبح كلّ شيء مفقود. يعني هم يفعلون هذا عن قصد.”

قيس سعيّد

تعرف تونس منذ منتصف العام المنقضي، أزمة في عديد المواد الغذائية، ولكل مادّة أسبابها الموضوعية في فقدانها من السوق المحلّية.

وانتشرت في ذات الفترة صور طوابير الحرفاء أمام محلات بيع بن القهوة، نظرا لأنها أصبحت مادّة مفقودة في المحلات التجارية.

وقُبيل حلول شهر رمضان، أصبح فقدان القهوة هاجسا يسكن كثيرا من التونسيين.ـات الذين أضحوا يشترون القهوة أكثر من حاجياتهم/هن المعتادة بُغية تخزينها وهو ما يفسّر صور تلك الطوابير أمام محلّات بيع القهوة بعد فقدان المنتج المعلب تماما من المساحات التجارية الكبرى والمحلات الصغرى، وفقا شهادات أدلوا بها إلى موقع الكتيبة.

وتشير دراسات أجرتها عديد المنظمات من بينها المنظمة الدولية للقهوة في عام 2020، الى أنّ معدّل استهلاك الفرد التونسي للقهوة يبلغ نحو 1.6 كلغ سنويا وهو ما يضعه في المرتبة السابعة عربيا.

رغم استمرار نشاط قطاع المقاهي الذي يوفر نحو 120 ألف موطن شغل حسب الغرفة النقابية لأصحاب المقاهي وقاعات الشاي، إلا أنّ هناك معاناة يعيشها عدد واسع من أصحاب المقاهي تتخفى وراء هذه الاستمرارية.

من بين هؤلاء خالد غراب صاحب مقاهي صغيرة أو ما يطلق عليها ” كافتيريا ” بالعاصمة تونس والذي أكّد في لقائه مع موقع الكتيبة، أنّه اتخذ قرارا بغلق واحد من محلاته بسبب ما يعرفه القطاع من هزّات وعدم استقرار منذ جائحة كوفيد-19.

يفسر صاحب المقهى أنّه في السنوات الأخيرة اجتمعت كل المعوقات في آن واحد ليتعطل معها السير العادي لنشاط المقاهي.

لم تمض بضعة أشهر على تنفسنا الصعداء بانفراج أزمة كوفيد-19 حتى بدأت أزمات فقدان المواد الأولية كالسكر والحليب وآخرها القهوة وهو ما تسبب في ارتفاع أسعارها أمام استحالة الترفيع في أسعار القهوة الموجهة للحرفاء.

خالد غراب صاحب مقهى

وفيما يهم فقدان مادة القهوة يُشير خالد غراب، إلى أنّ الوضع يختلف من مقهى إلى آخر وذلك متصل بمدى متانة علاقات صاحب المقهى بالمُزودين، مفسرا أن حالته تختلف عن باقي زملائه في القطاع، حيث أنه يسيّر ثلاث مقاهي معا وهو ما يضعه في مرتبة الحريف الممتاز لدى هؤلاء المزودين.

ويضيف صاحب المقاهي أنّه اضطر في الآونة الأخيرة نظرا لتكرار الإضطراب في التزود بالقهوة إلى تكوين مخزون استراتيجي يلجأ له في فترات الذروة مشيرا في ذات السياق الى أنّ نوعية القهوة تغيّر مذاقها مقارنة بفترات سابقة لم يفهم إلى اليوم أسباب ذلك.

في الحقيقة تذمر عديد الحرفاء من مذاق القهوة، غير أنهم سلّموا أمرهم في النهاية بعد حصول قناعة لديهم انّ المشكل يتجاوز أصحاب المقاهي ومتصل أساسا بأزمة توريد القهوة من طرف الدولة.

خالد غراب صاحب مقهى

تقوم الدولة التونسية سنويا بتوريد ما يناهز الـ 30 ألف طن من القهوة، ويعمل الديوان التونسي للتجارة في العادة على إجراء صفقات لتوريد كميات من القهوة من بلدان المنشأ وفقا لمعادلة تقوم أساسا على أنّ الكميات الموردة يجب أن تكون مقسمة بين 60% قهوة روبستا ( وهي الأرخص ثمنا ) و40 % من نوع الأرابيكا ( وهي باهظة الثمن ).

الهدف من هذا التقسيم عند توريد المادة والمعتمد من قبل الديوان التونسي للتجارة، هو تحصيل منتوج بن قهوة يمتاز بالتوازن في نسبة الكافيين والمذاق على حدّ سواء.

وتشتهر القهوة العربية بارتفاع نسبتي السكر والحموضة بها ما يكوّن مذاقا طيبا ويجعل منها القهوة الأكثر شعبية في العالم، لكن نسبة الكافيين بها لا تتعدى الـ 1.5% وهي على عكس قهوة الروبوستا التي تمتاز بارتفاع نسبة الكافيين بها تصل إلى 2.7% لكنها في ذات الوقت تمتاز بمذاق مرّ.

بفعل الأزمة التي مرت بها البرازيل أكبر منتجي القهوة العربية في منتصف العام 2021 وانخفاض إنتاجها بنحو 3%، إرتفعت أسعار القهوة العربية Arabica، في عام 2022، بنحو الضعف أسعارها المعتادة.

ويُفسّر إلياس درويش القيادي بالغرفة النقابية لمحمّصي القهوة ومسؤول كبير بمجموعة بن يدر المختصة في مجال القهوة، في لقاء جمعه بموقع الكتيبة، أنّه “من الطبيعي أن يشعر المواطن بتغير في مذاق القهوة”، مشيرا أنّ مردّ هذا هو العشوائية التي يعمل بها الديوان التونسي للتجارة في الفترة الأخيرة بصفته المورد الوحيد للمادّة والذي أصبح يشتري القهوة المتوفرة في السوق.

في الآونة الأخيرة لم يعد الديوان التونسي للتجارة وفيّا للمعادلة التي وضعها ودأب على إحترامها في توريد الشحنات (40 % قهوة عربية و60% قهوة روبوستا)، إذ أصبحت الشحنات المورّدة من طرفه إمّا أنها كليا قهوة “عربية آرابيكا” أو كلّها “روبوستا” وهو ما يحتمّ على مصانع التحميص بيعها كما هي دون خلطها الشيء الذي يؤثر أتوماتيكيا على مذاقها بحسب ما تحصلنا عليه من معلومات من كبار مصانع تحميص القهوة على غرار مجموعة بن يدر المختصة في مجال تصنيع وتحميص القهوة.

تأتينا قهوة الروبوستا فنقوم ببيع الروبوستا لا خيار أمامنا سوى ذلك ومن الطبيعي أن يتذمّر المواطن من المذاق المر للقهوة حيث في النهاية ذاك هو مذاق الربوستا، وإن شعر الحريف بمذاق خفيف وحامض ولا يستجيب إلى نسبة الكافيين المعتادة فتلك القهوة العربية. ليس بيدنا حيلة.

إلياس درويش مسؤول بمجموعة بن يدر

وأفاد ذات المصدر أنّ الديوان التونسي للتجارة تكبّد بنهاية عام 2022 خسائر تناهز الـ 100 مليون دينار في قطاع توريد القهوة لوحده فقط، مشيرا الى أنّ على كل 1 كيلوغرام من القهوة المورّدة يخسر الديوان 4 دينارات تونسية بسبب ارتفاع أسعار القهوة العربية بنحو 100%.

ونظرا للأزمات المتتالية التي يمر بها العالم -جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية- ارتفعت بشكل لافت للانتباه أسعار الشحن والتجارة البحرية والتي وصلت وفق تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. إلى أضعاف أسعاره مقارنة بعام 2019.

كلّ هذه الظروف تلقي بظلالها على وضعية الديوان التونسي للتجارة وتنضاف إلى الوضعية المالية التي تعيشها الدولة التونسية في السنتين الأخيرتين بسبب تدهور قيمة الدينار أمام الدولار وفقدان السيولة المالية.

في تصريح له في شهر ديسمبر من العام المنقضي على موجات راديو موزاييك أف أم، اعتبر إلياس بن عامر مدير عام الديوان التونسي للتجارة، أنّ كلفة النقل والاضطراب الحاصل على مستوى النقل البحري وارتفاع تكاليفه بشكل غير مسبوق، إضافة إلى انهيار الدينار أمام الدولار عوامل جعلت من الديوان يعاني صعوبات في التزوّد بالقهوة ويعمل في ظروف صعبة، مشيرا أنّ احتياطي الديوان من مادة القهوة لا يغطي بنهاية شهر ديسمبر من عام 2022 إلا بضعة أيام.

ورغم نفي إلياس بن عامر وجود أزمة سيولة لدى الديوان التونسي للتجارة في علاقة بخلاص مزوديه من القهوة، تفيد الوقائع بغير ذلك تماما.

قام المصنعون وفق ما أكّدته الغرفة النقابية لمحمصي القهوة إلى موقع الكتيبة بضخ أموال للديوان التونسي للتجارة بعنوان شراءات قبلية، أي أنهم يدفعون مقابل ما يشترونه من الديوان قبل حتى أن يتولى الأخير توريدها من الخارج. وذلك خلال مناسبتين الأولى كانت في شهر أوت/آب من العام المنقضي 2022 والثانية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من ذات العام.

وأفاد الناطق الرسمي باسم الغرفة النقابية للمحمّصين أنّه بالرغم من تقديم المصانع لتسبقات مالية للديوان التونسي للتجارة إلا أنّ الأخير بقي يعاني الويلات ووصل في أوقات متواترة إلى عجز عن خلاص المعاليم الديوانية لتحرير البضاعة من الموانئ التونسية، مشيرا الى أنّ الدولة لا تعير اهتماما لمطالبهم بتحرير القطاع وتركهم يستوردون القهوة بشكل حرّ.

عند بداية الأزمة في شهر جويلية / يوليو 2022، انعقدت جلسات حوارية بين وزارة التجارة والغرفة النقابية لمحمّصي القهوة، انتهت بتمكين المصانع من توريد كميات من القهوة على حسابهم وبشكل مباشر وذلك بغية تخفيف أعباء الديوان التونسي للتجارة.

واشترطت وزارة التجارة على المصنعين الراغبيتن في استيراد القهوة أن يحترموا قاعدة 60% روبوستا و40% عربية مع المحافظة على نفس أسعار البيع المحلّية المقدّرة بـ 14.56 دينار للكيلوغرام الواحد، وهو ما رفضه المصنعون.

وزارة التجارة تريد تعميم تجربة الفشل التي كبدّت الديوان التونسي للتجارة خسائر فاقت الـ 100 مليون دينار في تجارة القهوة. نحن لا نعمل حتى نخسر.

الناطق الرسمي باسم الغرفة النقابية لمحمّصي القهوة.

منذ إحداثه في عام 1962، يحتكر الديوان التونسي للتجارة توريد وتوزيع القهوة، وذلك في إطار تصوّر شامل يهدف إلى التحكم قدر المستطاع في أسعار عدد من المواد الأساسية وتأمين وفرتها بالسوق المحلّية على غرار الزيت النباتي والسكر والشاي والقهوة والأرز وبصفة استثنائية كل المواد التي يمكن أن تشهد نقصا في السوق المحلّية على غرار البطاطا والحليب وغيرهما.

ورغم سياساته المتبعة منذ إحداثه الهادفة إلى التحكم في أسعار البيع إلى العموم لمادة القهوة، إلا أن سعر بن القهوة التي يشتريها المواطن إن كانت من المحلات المختصة في بيع بن القهوة أو المحلات التجارية هي أسعار حرّة تخضع إلى قاعدة العرض والطلب، فضلا عن أسعار مشروب القهوة التي تتولى مختلف المقاهي وقاعات الشاي ببيعه تخضع هي كذلك إلى تسعيرة حرّة تتراوح ما بين الـ 1200 ملّيم وما يتجاوز الـ 7 دنانير للفنجان الواحد.

ولا يخفي إلياس درويش أنّ الخسائر التي يتكبّدها الديوان باحتكاره لقطاع توريد وتوزيع القهوة لا تمس بأي حال من الأحوال نشاط مصانعهم، غير أنّ هاجس تفاقم ديون الديوان وأزمة السيولة التي يعاني منها، تمثل خطرا حقيقيا أمام استمرارية عمل مصانعهم و سلاسل محلات بيع القهوة التابعة لكبرى العلامات التجارية في السوق المحلّية.

ويضيف الناطق الرسمي باسم الغرفة النقابية لمحمّصي القهوة، أنّهم كغرفة نقابية يمتلكون تصوّرا كاملا لتجاوز الأزمة يكمن في رفع يد الديوان عن مجال توريد القهوة مع إمكانية تحديد سقف أسعار عدد من منتجات البن الأكثر استهلاكا لدى عموم المواطنين على غرار القهوة المخلّطة.

تنشط في تونس حوالي 250 مؤسسة مختصة في تحميص وبيع وتوزيع القهوة، تتنافس جميعها على سوق محلّية يبلغ معدّل استهلاكها سنويا ما يقارب الـ 30 ألف طنا من بن القهوة، وهي نفس الكمّية التي يتولى الديوان التونسي للتجارة توريدها من الخارج.

ووفق منظمة ” ألرت” تستحوذ مجموعة بن يدر التي تمتلك علامتي بن يدر وبوندان على 50 % من المبيعات في السوق المحلّية، فيما تتوزع بقية النسبة على بقية منافسي المجموعة، وهو ما يجعل القطاع ريعيا واحتكاريا بامتياز وفق نفس المصدر.

في إطار تفاعله مع هذه النقطة أقرّ إلياس درويش المسؤول بمجموعة بن يدر استحواذهم على 50% من مبيعات السوق المحلّية مفسرا ذلك على أنّ العلامتين ( بوندان وبن يدر ) هي المؤسستين الأقدم في مجال تحميص وبيع القهوة في تونس وهي ثمرة عمل سنوات طويلة تمتد منذ نشأتها في عام 1934 إلى اليوم.

نحن عملنا حتى نصل إلى هذه الأرقام، علاماتنا هي الأكثر انتشارا في السوق المحلّية، والحديث عن احتكارنا السوق ليس سوى مجرّد كلام، لأن الديوان التونسي للتجارة هو ما يحتكر توريد القهوة بصفة حصرية، وقام في الأونة الأخيرة بحط من نسبتنا من القهوة الموردة من 50 % إلى 38% موزعة بالتساوي على كل من “بوندان” و “بن يدر”.

وتشير المعطيات المالية الخاصة بالديوان، أنّ عجزه المالي بلغ بنهاية عام 2021 حوالي الـ 120 مليون دينار كنتيجة وقتية، وفق ما نشرته وزارة المالية في تقريرها حول المنشآت العمومية لسنة 2023.

ويتوقع أن تسجل النتائج المالية الصافية للديوان عجزا غير مسبوق في سنة 2022، وذلك للارتفاع الجنوني لأسعار عدد من المواد التي يتولى توريدها من الخارج مثل مادتي السكر والقهوة فضلا عن الكلفة العالية للنقل التجاري البحري الذي لم تهدأ أسعاره منذ جائحة كوفيد-19.

ويسعى الديوان للمحافظة على أسعار عدد من المواد التي يتولى التجارة فيها كالقهوة رغم أنّ الأخيرة عرفت أسعارها مستويات قياسية بفعل الأزمات المتتالية وكذلك لانخفاض معدلات إنتاجها من بلدان المنشأ وهو ما سيزيد من خسائر الديوان في هذا القطاع.

وتعتبر التجربة التونسية ممثلة في الديوان التونسي للتجارة فريدة من نوعها باحتكاره تجارة القهوة رغم أنّ أسعار الأخيرة تخضع إلى قاعدة العرض والطلب في البورصات العالمية باعتباره قطاع محرر في جميع بلدان العالم بما في ذلك الدول الجوار على غرار الجزائر ومصر اللتين تخططان لغزو السوق الليبية عبر منتجاتها من القهوة، لما تمثله الأخيرة من سوق واعدة.

كلمة الكتيبة:

يندرج هذا المقال في إطار سلسلة مقالات تهدف إلى الوقوف على الأسباب الحقيقية وراء فقدان عدد من المواد الأساسية من السوق التونسية. ورغم محاولاتنا المتعددة للاتصال بالرئيس المدير العام للديوان التونسي للتجارة لسماع وجهة نظره وردوده حول ما تقدّم به مختلف المتدخلين في هذا المقال، إلا أنّ أبواب الوصول إليه كانت جميعها موصدة أمامنا.

كلمة الكتيبة:
يندرج هذا المقال في إطار سلسلة مقالات تهدف إلى الوقوف على الأسباب الحقيقية وراء فقدان عدد من المواد الأساسية من السوق التونسية. ورغم محاولاتنا المتعددة للاتصال بالرئيس المدير العام للديوان التونسي للتجارة لسماع وجهة نظره وردوده حول ما تقدّم به مختلف المتدخلين في هذا المقال، إلا أنّ أبواب الوصول إليه كانت جميعها موصدة أمامنا.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

إشراف: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
غرافيك: منال بن رجب
مونتاج: رأفت عبدلي
تطوير تقني: بلال الشارني
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
مونتاج: رأفت عبدلي

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

wael213