الكاتب : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

“هذا العام سيكون عام الانتخابات ووحدة المؤسّسات والقطاعات والمنظمات الوطنيّة للوصول إلى الاستحقاق بدلا من العبث بمصير الليبيين بمشاريع خبيثة هدفها تقاسم السلطة في الظلام بين رئيسي مجلسي النواب والدولة”، هكذا تحدّث رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة خلال اجتماع لحكومته في العاصمة الليبية طرابلس في بداية شهر جانفي/ كانون الثاني 2023.

الدبيبة دعا في كلمته وزراء حكومته إلى مزيد من الشفافية “لقطع الطريق على أي اتّهام بالفساد”، وفق تعبيره. كلمة جاءت بعد مرور حوالي السنتين على بروز عبد الحميد الدبيبة في المشهد السياسي على إثر انتخابه المفاجئ كرئيس للوزراء للفترة الانتقالية في ليبيا، وفق خارطة طريق كانت تقضي بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية موفى عام 2021.

غير أنّ هذه الانتخابات لم تنظم بعد وتبدو ظروفها الموضوعية غير قائمة الذات في الظرف الحالي، في الوقت الذي تتنامى فيه شبهات الفساد وتضارب المصالح وتحقيق منافع شخصية وتوظيف المال العمومي خدمة لمآرب سياسوية ضيقة لا علاقة لها بالصالح العام بالنسبة الى رئيس الحكومة الحالية في طرابلس عبد الحميد الدبيّبة (64 سنة) المسنود من قبل عديد التشكيلات الأمنية والعسكرية شبه الميليشياوية التي يقودها نافذون في الجزء الغربي من التراب الليبي.

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

“هذا العام سيكون عام الانتخابات ووحدة المؤسّسات والقطاعات والمنظمات الوطنيّة للوصول إلى الاستحقاق بدلا من العبث بمصير الليبيين بمشاريع خبيثة هدفها تقاسم السلطة في الظلام بين رئيسي مجلسي النواب والدولة”، هكذا تحدّث رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة خلال اجتماع لحكومته في العاصمة الليبية طرابلس في بداية شهر جانفي/ كانون الثاني 2023.

الدبيبة دعا في كلمته وزراء حكومته إلى مزيد من الشفافية “لقطع الطريق على أي اتّهام بالفساد”، وفق تعبيره. كلمة جاءت بعد مرور حوالي السنتين على بروز عبد الحميد الدبيبة في المشهد السياسي على إثر انتخابه المفاجئ كرئيس للوزراء للفترة الانتقالية في ليبيا، وفق خارطة طريق كانت تقضي بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية موفى عام 2021.

غير أنّ هذه الانتخابات لم تنظم بعد وتبدو ظروفها الموضوعية غير قائمة الذات في الظرف الحالي، في الوقت الذي تتنامى فيه شبهات الفساد وتضارب المصالح وتحقيق منافع شخصية وتوظيف المال العمومي خدمة لمآرب سياسوية ضيقة لا علاقة لها بالصالح العام بالنسبة الى رئيس الحكومة الحالية في طرابلس عبد الحميد الدبيّبة (64 سنة) المسنود من قبل عديد التشكيلات الأمنية والعسكرية شبه الميليشياوية التي يقودها نافذون في الجزء الغربي من التراب الليبي.

بدأ قادة الدول الغربية يفقدون صبرهم مع النخبة السياسية الليبية التي فشلت في الاتفاق على أسس الانتخابات لمدة بلغت السنتين تقريبا لكنها رفعت رواتب المسؤولين السياسيين بأكثر من 40%. وقد اجتمع مبعوثو الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 13 جانفي/ كانون الثاني 2023 لمناقشة خطواتهم التالية بعد فشل مجلسي النواب والدولة في التوصل إلى اتفاق نهائي في القاهرة بشأن الأساس الدستوري للانتخابات، بحسب تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية.

كان أمل القوى الغربية كبيرا في إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية عندما تمّ تنظيم ملتقى الحوار السياسي الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة، والذي أسفر عن انتخاب حكومة مؤقتة في فيفري/ شباط 2021 لضمان إنجاز الانتخابات.

وكان صعود عبد الحميد الدبيبة وانتخابه رئيسا للحكومة قد مثّل مفاجأة كانت مستبعدة وقتها في مطلع سنة 2021 خاصة وأنّ فتحي باشاغا، وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، كان من الشخصيات الأوفر حظا للفوز بمنصب رئيس الوزراء آنذاك، إلاّ أن قائمة الدبيبة حصدت 39 صوتا من جملة 73.

ورغم الجدل الذي رافق صعود عبد الحميد الدبيبة وانتخابه رئيسا للوزراء، تواصل العمل، منذ توقيع الخارطة السياسية في ملتقى الحوار الليبي، على مختلف الجبهات، لضمان الاستقرار في ليبيا حتى لو كان ذلك يعني غض الطرف عن بعض القضايا بما فيها الحديث عن رشاوى دفعت خلال الملتقى للتصويت لبعض المرشحين.

اليوم، وبعد مرور حوالي السنتين على مخرجات الملتقى السياسي الليبي، لم يتمّ تنظيم الانتخابات، في الوقت الذي مازال الجدل فيه يحيط  برئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة.

على هذا الأساس، سنحاول في هذا الملمح التحقيقي الذي أنجز بالتعاون مع مشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة المنظمة العابرة للحدود (OCCRP) تسليط الضوء على مسيرة عبد الحميد الدبيبة والثروة التي استطاع جمعها على مرّ السنوات الماضية ولاسيما الشبهات القويّة التي تحوم حوله بخصوص الاستفادة بشكل غير مشروع من منصبه الحالي الذي يتمسك به أيما تمسك، مصرا على عزمه الوصول إلى رئاسة ليبيا بأي ثمن كان على الرغم من أنه يفترض ألا يترشح لخوض غمار هذا السباق التزاما بمخرجات التوافق الوطني الذي تمّ التوصل إليه عبر آلية الحوار التشاركي المدعوم غربيا وأمميّا.

“ليدكو”… ريع مشبوه لعائلة الدبيبة

ظهر اسم عبد الحميد الدبيبة (أصيل مدينة مصراتة ثالث أكبر المدن بعد العاصمة طرابلس وبنغازي) في المشهد الليبي منذ سنة 2006 عندما تمّ تعيينه على رأس الشركة الليبية للتنمية والاستثمار القابضة (ليدكو) والتي تملكها الدولة الليبية.

تفيد مصادر متطابقة لموقع الكتيبة أن تعيين عبد الحميد الدبيية رئيسا لشركة “ليدكو” جاء بوساطة من صهره علي إبراهيم الدبيبة المقرّب من القذافي والذي كان يشغل خطة رئيس جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية “أوداك” ODAC ، علما أنّ الشركة الليبية للتنمية والاستثمار كانت جزءا من نظام المقاولات الخاص بـ”أوداك”.

في أوت/ آب 2011، جمّد الاتحاد الأوروبي أصول جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية مع تقدّم المتمرّدين نحو طرابلس. وبعد رحيل القذافي في 2012 فتحت الحكومة الليبية آنذاك تحقيقا بشأن شركة تنمية وتطوير المراكز الإدارية. وخلص التحقيق إلى الاشتباه في أنّ علي إبراهيم الدبيبة، الذي أدار الشركة لأكثر من عقدين، ربما اختلس مبلغا قد يصل إلى 9 مليارات دينار ليبي (حوالي 7 مليار دولار أمريكي بأسعار عام 2011) من عقود أصدرها الجهاز تحت إمرته.

استخدم علي إبراهيم الدبيبة خلال معظم فترة توليه رئاسة جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية شبكة واسعة من الحسابات المصرفية والشركات الخارجية، المسجلة في قبرص وأماكن أخرى، لتحويل الأموال إلى خارج البلاد وفقا لتحقيق أجرته OCCRP عام 2018. وقالت السلطات الليبية إنّ الدبيبة منح مناقصات لشركات يملكها أو يسيطر عليها بشكل سرّي وقدّم دفوعات مسبقة مسبقة مقابل عقود لم تُنجز قط.

وتظهر البيانات المصرفية المسرّبة حديثا ضمن مشروع التحقيق الصحفي الدّولي “أسرار سويسرية” (الذّي كان موقع الكتيبة شريكا فيه) أنّ علي إبراهيم الدبيبة، ونجله إبراهيم علي الدبيبة، فتحا عددا من الحسابات في البنك السويسري “كريدي سويس”. وورد اسما كل من علي إبراهيم الدبيبة وابنه في طلب للمساعدة الدولية أرسلته ليبيا إلى إسكتلندا عام 2013 لتعقّب أموال الدولة المنهوبة. وبحسب مسح ميداني لصحيفة الغارديان البريطانية الشريكة في مشروع “أسرار سويسرية” تبلغ قيمة عقاراتهما الفارهة حوالي 25 مليون جنيه إسترليني (قرابة 36 مليون دولار أمريكي).

في سياق متّصل، أدرج المجلس الوطني الانتقالي المؤقت -الذي أدار شؤون ليبيا بعد اندلاع حرب 2011- اسم عبد الحميد الدبيبة في قائمة الأفراد الليبيين الخاضعين للعقوبات بسبب علاقتهم بنظام القذافي، بموجب القانون رقم 47 لسنة 2012 والمتعلّق بتعديل القانون رقم 36 لـ2012 المتعلّق بإدارة أموال وممتلكات بعض الأشخاص.

ونصّ هذا القانون على أن توضع أموال وممتلكات الأشخاص المذكورين إلى جانب أموال وممتلكات أزواج وأبناء الأشخاص الطبيعيين منهم تحت إدارة حارس عام. وقد ورد اسم عبد الحميد الدبيبة في الترتيب 114 في الجدول المرافق للقانون.

تمّ كذلك تجميد أصول عبد الحميد الدبيبة وأمواله في عدد من الدول من بينها تونس أين وقع تجميد 10 مليون دولار أمريكي باسم الدبيبة في بنك تونس والإمارات. وقالت مصادر مطلعة طلبت عدم الإفصاح عن هويتها إنّ هذه الأموال حوّلت إلى حساب بنكي باسم الدبيبة أياّم الثورة الليبية على إثر بيع معدات إنشاء وإعمار تابعة لشركة ليدكو بطريقة غير قانونية.

حاول الدبيبة، في ديسمبر/ كانون الأول 2012، إزالة اسمه من قائمة العقوبات. وتقدّم الدبيبة، بمعيّة شخصيات أخرى من بينها علي إبراهيم الدبيبة وإبراهيم علي الدبيبة، بقضية طعن دستوري ضدّ رئيس المجلس الوطني الانتقالي المؤقت ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل عن القانون رقم 2012/36 المعدّل بالقانون رقم 2012/47 بشأن حراسة أملاك بعض الأشخاص. وقد حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه في المضمون مع إلزام الطرف الطاعن بالمصاريف، وفق وثائق اطلع عليها موقع الكتيبة.

على الرغم من إدراج اسمه في قائمة الأفراد الخاضعين لعقوبات عقب سقوط نظام القذافي في سنة 2011، نجح رجل الأعمال الليبي عبد الحميد الدبيبة في خلق حياة جديدة له في البرتغال بين سنتي 2014 و 2017 قبل أن يعود ويتسلّم مقاليد السلطة السياسيّة في طرابلس في ظروف تشوبها شبهات رشاوى وفساد وتضارب مصالح وإثراء غير مشروع وسوء تصرّف في المال العام فضلا عن تحقيق منافع شخصيّة له ولمقربين منه دون وجه حقّ.

علاوة على ذلك، تمّ التعريف بعبد الحميد الدبيبة، في بعض منشورات العلاقات العامة في 2019، كرئيس مجلس إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار القابضة (ليدكو). كما زعم الدبيبة في السيرة الذاتية التي قدّمها في إطار ترشحه لرئاسة الحكومة، في 25 جانفي/ كانون الثاني 2021، أنه شغل منصب رئيس مجلس إدارة والمدير العام لشركة ليدكو منذ جانفي/ كانون الثاني 2006 وإلى غاية تاريخ ترشّحه.

اللافت للانتباه كذلك أن الدبيبة ادعى في سيرته الذاتية المذكورة أنه متحصّل على بكالوريوس هندسة مدنية (1989) وماجستير هندسة مدنية (1992) من جامعة تورنتو في كندا. وقدّم في الآن ذاته، إفادة بمعادلة مؤهل علمي -تحصّلنا على نسخة منها- ورد فيها أنه متحصّل على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة ريجينا بكندا.

“بحثنا في سجلاتنا ولم نعثر على أي معطيات حول تحصّل عبد الحميد الدبيبة على شهادات من مؤسستنا”

جامعة تورنتو

مزاعم دحضتها مصادر متطابقة لموقع الكتيبة. وقد راسلنا كلا الجامعتين للتثبت من صحّة حصول عبد الحميد الدبيبة على شهادات علمية منها، فتحصّلنا على ردّ من جامعة تورنتو التي أكد متحدث باسمها في رسالة الكترونية أنهم بحثوا في سجلاتهم ولكنهم لم يعثروا على أي معطيات حول تحصّل عبد الحميد الدبيبة على شهادات منها. من جانبها لم تفدنا جامعة ريجينا بأيّ ردّ.

منافع شخصيّة

قد لا تبدو مسألة الشهائد العلمية مهمّة أمام ما سيكتشفه الرأي العام الدولي بعد شهر واحد من انتخاب عبد الحميد الدبيبة رئيسا للحكومة المؤقتة. فقد كشف فريق من خبراء الأمم المتحدة، في تقرير عُرض على مجلس الأمن في مارس/ آذار 2021، أنّ شخصين مشاركين في الحوار الليبي عرضا رشاوى تتراوح بين 150 و200 ألف دولار أمريكي على ثلاثة مشاركين على الأقل إذا التزموا بالتصويت للدبيبة كرئيس للوزراء.

وأفاد الخبراء أنّ موجة غضب أصابت أحد المشاركين في بهو فندق “فور سيزونز” في تونس عندما علم أنّ بعض المشاركين ربما حصلوا على ما يصل إلى 500 ألف دولار أمريكي مقابل تصويتهم للدبيبة، في حين أنّه لم يتلقّ سوى 200 ألف دولار.

رغم ذلك، تقرّرت مواصلة العمل بخارطة الطريق السياسية التي تمّ الاتفاق عليها أملا في إنجاز انتخابات لم تر النور إلى اليوم لعدّة عوامل.

تنصّ خارطة الطريق السياسية على منع أعضاء الحكومة المؤقتة من خوض الانتخابات المرتقبة. مع ذلك، قرّر رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة الترشح للانتخابات الرئاسية -التي كان من المزمع إجراؤها في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021- وقدّم ترشحه يوم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 عشية إغلاق باب الترشح للانتخابات، في مخالفة لتعهّده الكتابي بالالتزام التام بخارطة الطريق التي تمّ اعتمادها في تونس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

وقد تمّ تقديم طعنين في محكمة الاستئناف ضدّ ترشح الدبيبة إلاّ أنّ لجنة الطعون الاستئنافية في محكمة استئناف طرابلس قضت برفض هذين الطعنين.

تنصّ خارطة الطريق كذلك على ضرورة “مكافحة الفساد وتبديد المال العام” في ليبيا، وتتطلّب أن تضمن السلطة التنفيذية “الإدارة الجيدة للنفقات العامة والالتزام بمبادئ المسؤولية المالية والشفافية”.

على الرغم من إلزاميتها بموجب القانون وخارطة طريق الأمم المتحدة، لم يقم الدبيبة بإقرار الذمة المالية الخاص به وبأفراد أسرته إلاّ يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، في إطار استعداده للترشح للانتخابات الرئاسية الليبية، وذلك رغم دعوته أعضاء حكومته إلى إقرار ذمتهم المالية في مارس/ آذار 2021.

بعد حوالي الشهرين من قيامه بإقرار ذمته المالية، قرّرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بليبيا تشكيل لجنة لمتابعة ملف عبد الحميد الدبيبة وذلك في جانفي/ كانون الثاني 2022. وقال الممثل القانوني للهيئة في تصريح إعلامي إنّ رئيس الحكومة خالف الشروط عندما كان في رئاسة الدولة وقدّم إقرار الذمة المالية للترشح لمنصب سيادي.

عبد الحميد الدبيبة كان قد أمضى عقدا من الزمن على القائمة الوطنية للأفراد الخاضعين للعقوبات، وهو أمر يبدو أنّه لم يؤثّر عليه كثيرا رغم أنّ المحكمة العليا قد رفضت طلبه بحذف اسمه من القائمة سنة 2012. بحسب القانون، لم تكن أصول الدبيبة وممتلكاته فقط التي يجب أن يقع تجميدها، بل كذلك التي تعود ملكيتها إلى زوجته وأبنائه.

في المقابل، عمل الدبيبة على إزالة هذه العقبة من طريقه بعد انتخابه رئيسا للحكومة المؤقتة، إذ أصدر مجلس الوزراء الليبي في 13 سبتمبر/ أيلول 2021، القرار عدد 366 لسنة 2021 والمتعلّق برفع الحراسة القضائية عن أموال الأشخاص الواردة أسماؤهم في الجدول الملحق بالقانون عدد 47 لسنة 2012 من التسلسل رقم 11 إلى التسلسل رقم 240. وقد أتاح هذا القرار للدبيبة التخلّص من العقوبات المفروضة عليه.

سعى عبد الحميد الدبيبة كذلك إلى استرجاع أمواله المجمّدة في تونس. وقد أكّد الدبيبة في ندوة صحفية جمعته برئيس الحكومة التونسي السابق هشام المشيشي، في ماي/ أيار 2021 في العاصمة الليبية طرابلس، أنّ ليبيا طلبت من تونس إعادة الأموال الليبية المحجوزة لديها.

لكن ليس هذا كل شيء. ففي الوقت الذي تمّ فيه إدراج عبد الحميد الدبيبة كفرد خاضع للعقوبات ضمن قائمة العقوبات الوطنية، مع احتمال أنّه بقي رئيسا لشركة مملوكة من قبل الدولة الليبية (ليدكو)، كان الدبيبة أيضا عضوا في مجلس إدارة شركة بناء برتغالية وكانت زوجته تملك أصولا هناك.

بورتو البرتغالية…حديقة الأسرار الماليّة

عقب إدراج اسمه في قائمة الأفراد الخاضعين لعقوبات وعجزه عن تغيير الحكم، لجأ عبد الحميد الدبيبة إلى البرتغال أين بدأ مع زوجته وأبنائه حياة جديدة نجح خلالها في تحقيق مكاسب هامة بالتعاون مع عدد من شركائه الذين لم ينس خدماتهم لاحقا عندما وقع انتخابه رئيسا للحكومة.

خلافا لما ينصّ عليه قانون الخدمة المدنية الليبي في المادة 77 منه، والذي يمنع الموظف العام الليبي من الجمع بين الوظيفة وأي عمل آخر إلا بإذن من الوزير المختصّ في الحالات والشروط التي تحدّدها اللائحة التنفيذية، تمّ تعيين عبد الحميد الدبيبة في سبتمبر/ أيلول 2014 عضوا في مجلس إدارة شركة “جاي اف ايتش – اس جاي بي اس” (GFH-SGPS SA) البرتغالية، وهي الشركة التي تتربّع على مجموعة فيريرا في البرتغال.

هذه التسمية جاءت بعد 5 سنوات من تأسيس شركة “اف ام ليدكو” (FMLidco)، وهو مشروع مشترك بين شركة ليدكو الليبية (التي كان يترأسها عبد الحميد الدبيبة) وشركة اف آند ام انجنيرينغ (F&M Engineering) التابعة لمجموعة فيريرا.

وقد تحصّلت “اف ام ليدكو” على عدّة عقود بناء في ليبيا من بينها تصميم وبناء مستشفى طرابلس للأمراض النفسية. والمساهمون في شركة “اف ام ليدكو” هم شركة الإنماء للإنشاءات والاستثمار (وهي إحدى الشركات التابعة للشركة الليبية للتنمية والاستثمار القابضة “ليدكو”) والشركة المساهمة القابضة وشركة اف اند ام الهندسية، وفق ما تبرزه وثائق خاصة بشركة “اف ام ليدكو”.

ويضمّ مجلس إدارة “اف ام ليدكو” كلّا من غاسبار فيريرا، وهو مؤسس مجموعة فيريرا، وتوفيق عبد الله محمد امحمد وهو رجل أعمال ليبي، إلى جانب خوسيه موريرا، وهو يعمل مع مجموعة فيريرا، كأعضاء، في حين ترأس المجلس جوا موريرا وهو عضو مجلس إدارة فيريرا القابضة “جاي اف ايتش” ومجموعة فيريرا البناء إلى جانب عدد من الشركات العقارية في البرتغال والبرازيل وبولندا.

الجدير بالذكر أنه تمّ، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، تعيين كلّ من توفيق عبد الله محمد امحمد والصديق عبد الله عون حميدة كعضوي مجلس إدارة في شركة “جاي اف ايتش” القابضة في البرتغال.

ترسّخ التزام عبد الحميد الدبيبة تجاه البرتغال سنة 2015 عندما قامت زوجته آمنة علي الديلاوي بشراء منزل في مدينة بورتو الواقعة في شمال البرتغال بقيمة تقدّر بحوالي 1.3 مليون يورو، بحسب ما جاء في عقد البيع.

علاوة على ذلك، قام عبد الحميد الدبيبة بتأسيس شركة في البرتغال تحمل اسم “سوما ليمينوزا” (Soma Luminosa) في ماي/أيار 2016، بالشراكة مع رجل الأعمال الليبي الصديق عون حميدة والبرتغالي ريكاردو رودريغز دا سيلفا.

منذ تأسيسها في 2016 وإلى غاية اليوم، لا يوجد في السجل الوطني البرتغالي أي أثر لنشاط الشركة رغم أنها تعرّف نفسها بأنها تنشط في بيع الأحذية بالجملة، وبيع الملابس والاكسسوارات بالجملة، وبيع الأثاث المنزلي والسجاد ومواد الإضاءة بالجملة.

لا يزال من غير المعروف ما إذا كان الدبيبة قد ذكر الفيلا في مدينة بورتو وشركة سوما ليمينوزا في إقرار الذمة المالية الذي أدلى به. وقد راسلنا الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ليبيا في هذا الشأن إلا أننا لم نتلق أي ردّ إلى اليوم.

شبهات فساد تلاحق حكومة الدبيبة

لم يحُل وجود عبد الحميد الدبيبة في البرتغال دون طموحاته السياسية التي بدأت تراوده منذ 2016 بدعم من صهره علي إبراهيم الدبيبة. وقد بدأ التسويق له في الكواليس كـ”حصان أسود” في سباق التنافس حول قيادة البلاد التي مزقتها الحرب مع تنامي مظاهر الفساد السياسي.

وكانت مصادر متطابقة قد أفادت لموقع الكتيبة أنّ عبد الحميد الدبيبة كان التقى رئيسَ الجمهورية التونسية الراحل الباجي قائد السبسي في مارس/ آذار 2017 بصفة غير رسمية، إلا أنّ هذا اللقاء مثّل بالنسبة إليه أوّل لقاء سياسي هام.

بعد انتخابه رئيسا للحكومة المؤقتة في فيفري/ شباط 2021، والذي كان محفوفا بشبهات دفع رشاوى، لم ينس عبد الحميد الدبيبة رفيقي دربه توفيق عبد الله محمد امحمد والصديق عبد الله عون حميدة.

في 7 سبتمبر/ أيلول 2021، أصدر مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار -التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة بصفته رئيسا للحكومة- القرار رقم 31 لسنة 2021 المتعلّق بإعادة تشكيل مجلس إدارة شركة الاستثمارات النفطية القابضة.

وتمّ بموجب هذا القرار تعيين توفيق عبد الله محمد امحمد رئيسا لمجلس إدارة شركة الاستثمارات النفطية القابضة (أويل انفست Oil Invest) والصديق عبد الله عون حميدة عضوا في مجلس إدارة الشركة ذاتها.

لم يكن هذا القرار الوحيد المريب الذي اتخذته حكومة عبد الحميد الدبيبة. فعلاوة على اتخاذ الحكومة قرارا بحذف اسم الدبيبة من قائمة الأفراد الخاضعين لعقوبات، ظلّت شبهات الفساد تلاحق المجلس الوزاري خصوصا أنه أخلّ بالتزاماته التي نصّت عليها خارطة الطريق السياسية.

في 20 سبتمبر/ أيلول 2022، نشر ديوان المحاسبة الليبي تقريره السنوي لعام 2021، وكشف فيه عن إهدار مبالغ طائلة من قبل الحكومة المؤقتة. وبيّن التقرير أنّ مصاريف مجلس الوزراء تجاوزت السقف المحدّد وفق الاعتمادات الشهرية المؤقتة، بالإضافة إلى استغلال حساب الطوارئ في غير الأغراض المخصّصة له.

وأفاد التقرير أنّه تمّ تكليف 6 مستشارين دون إبرام عقود تحدّد مدّة ومجال أعمالهم والواجبات والمسؤوليات. وتجاوزت فاتورة ديوان رئاسة الوزراء لمحلات مجموعة عالمية للساعات 12 مليون دينار ليبي مقابل توفير ساعات كهدايا لضيوف الدبيبة. وبلغت تكلفة الإعاشة بجناح الدبيبة لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أكثر من مليون و600 ألف دينار ليبي.

وتمّ أيضا شراء 25 سيارة فخمة خاصة بموكب الدبيبة بقيمة تجاوزت 21 مليون دينار ليبي دون أن تُسجّل ملكيتها باسم ديوان رئاسة الوزراء، وفق ما ورد في التقرير ذاته الذي كشف أيضا أن تكلفة إقامة نائب رئيس الحكومة رمضان أبو جناح في فندق المهاري راديسون بلغت نحو 337 ألف دينار خلال ما يزيد قليلا عن 3 أشهر من عام 2021، أي بمعدّل 105 آلاف دينار ليبي شهريا.

فاتورة ديوان رئاسة الوزراء لمحلات مجموعة عالمية للساعات تجاوزت 12 مليون دينار ليبي مقابل توفير ساعات كهدايا لضيوف الدبيبة.

 

ديوان المحاسبة الليبي

في سبتمبر/ أيلول من العام 2022، توجّه مدير الإدارة العامة للرقابة على الشركات والمصارف بديوان المحاسبة رافع محمد شاوش، بخطاب إلى إدارة صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي، في بيان نشره الديوان بصفحته الرسمية في الفيسبوك، لتوجيه الشركات التابعة له من أجل “تمكين أعضاء الديوان من فحص ومراجعة” أنشطتها.

وأشار البيان إلى عدم تمكين أعضاء ديوان المحاسبة من ممارسة مهامهم في شركات الصندوق بمختلف أنواعها، على غرار شركة الإنماء للاستثمارات المالية القابضة والشركة المالية الليبية للتنمية والاستثمار القابضة “ليدكو”، وهي شركات كانت تخضع لسيطرة عبد الحميد الدبيبة.

وامتنعت هذه الشركات عن السماح لأعوان الديوان بأداء مهامها بتعلّة أنّ “أموالها خاصة ولا تخضع إلى رقابة الديوان” في حين أنّ النصوص القانونية واضحة حيث أنّ هذه الشركات تخضع لرقابة ديوان المحاسبة باعتبار أنّ صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي هو من يمتلكها وأموال الصندوق هي أموال عامة، بحسب ما ورد في نصّ البيان.

في سياق متّصل، علم موقع الكتيبة من مصادر متطابقة أنّ عبد الحميد الدبيبة كان قد ضغط على محافظ البنك المركزي الليبي كي يحوّل له 7.8 مليار دينار ليبي من خلال باب التنمية بتعلّة “تطوير المؤسسة الوطنية للنفط”. وقد وجّهت إدارة الخزانة بوزارة المالية رسالة بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2022 تحصّلنا على نسخة منها، إلى مصرف ليبيا المركزي في هذا الغرض.

في المقابل، كانت هيئة الرقابة الإدارية قد رفضت هذا القرار ودعت في بيان أصدرته يوم 29 ديسمبر/ كانون الثاني 2022، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط إلى إيقاف كافة المعاملات المالية أو إجراء أي تحويلات داخلية أو خارجية إلى حين اعتماد الميزانية العامة للدولة لسنة 2023.

رفيقا درب الدبيبة في الجنّات الضريبيّة

رغم الشراكة التي جمعتهم في البرتغال في عدد من الشركات، يبدو أنّ علاقة رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة بشريكيه توفيق عبد الله امحمد والصديق عون حميدة تعود إلى ما قبل اندلاع “الربيع العربي” والإطاحة بنظام القذافي.

شغل كلّ من الدبيبة وحميدة وامحمد منصب أعضاء مجلس إدارة في شركة “جاي اف ايتش” البرتغالية. كما أسّس الدبيبة مع الصديق عون حميدة شركة “سوما ليمينوزا” في البرتغال. وقد كافأ الدبيبة شريكيه بتعيينهما في مجلس إدارة “أويل انفست” بعد نجاحه في الوصول إلى مقاليد السلطة.

إلاّ أنّ بعض الوثائق التي حصلنا عليها تفيد أنّ علاقة توفيق عبد الله امحمد والصديق عون حميدة تعود إلى عقدين من الزمن على الأقل. حتى أنّ اسمي الرجلين مرتبطان بشركات وقع ذكرها في تسريبات “بارادايز بايبرز” وهو تحقيق استقصائي أنجزه الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين بمشاركة وسائل إعلامية من مختلف أنحاء العالم كشف الطريقة التي يعتمدها أثرياء العالم لإخفاء أرباحهم وأموالهم المشبوهة في حسابات مخفية في جنات ضريبية موزّعة على مناطق مختلفة من العالم.

هذا الأمر يشير إلى أنّ القائمين على هذه الشركات يستغلّون الآليات ذاتها التي تعتمدها شركات عديدة بهدف التهرّب الضريبي وإخفاء الأرباح.

من بين هذه الشركات “ميدافيا روتايتينغ سرفيس ليميتد” التي تأسست في مالطا سنة 2003. يشغل توفيق عبد الله امحمد منصب مدير بالشركة. اللافت أيضا أنّ شركة “ام اي دي ليميتد”، ومقرّها مالطا، تمتلك أسهما في هذه الشركة.

بالتثبت في وثائق هذه الأخيرة، يتبيّن أنّ الصديق عون حميدة كان قد تحصّل على عدد من أسهم الشركة من 3 شخصيات من بينهم توفيق عبد الله امحمد وذلك في 25 فيفري 2003.

علاوة على ذلك، تظهر شركة “أويل إنفست هولندا” في تسريبات “باراديز بايبرز”. الجدير بالذكر أنّ “أويل إنفست هولندا” هي إحدى الشركات التابعة لشركة “أويل إنفست” التي تملكها الدولة الليبية.

وتكشف بعض الوثائق التي وصلنا إليها أنّ الصديق عون حميدة كان يعمل في “أويل إنفست” هولندا. وتثبت وثائق شركة “تامويل” سويسرا (وهي تابعة بدورها لأويل إنفست) أنّ حميدة مقيم في منطقة جرافينهاج بهولندا، وهو المكان الذي توجد به أويل إنفست هولندا.

يذكر أنّه قد تمّ مؤخرا، تحديدا في 21 نوفمبر 2022، تعيين الصديق عون حميدة مديرا بشركة “تامويل” سويسرا.

يبدو، بحسب المعطيات المذكورة، أنّ تنبؤات أحد مسؤولي الأمم المتحدة المتعلّقة بانتخاب عبد الحميد الدبيبة رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة قد تحققت. فقد صرّح هذا المسؤول -الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته- عقب اختيار الدبيبة على رأس الحكومة لصحيفة “ذي إيكونوميست” أنّ “عبد الحميد الدبيبة سيحاول ملأ جيوبه قدر استطاعته وعليه يجب مراقبة الفساد في الحكومة”.

كلمة الكتيبة:

أنجز هذا التحقيق بالشراكة بين موقع الكتيبة ومشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة المنظمة العابرة للحدود والمجلة الإخبارية البرتغالية "سابادو" (Sábado). وقد سعى الفريق الصحفي الذي أعدّ هذا العمل الاستقصائي إلى التواصل سواء عبر الهاتف أو عبر البريد الالكتروني مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية ورجل الأعمال الليبي عبد الحميد الدبيبة من أجل تمكينه من حقّ الردّ والتفاعل والتوضيح قبل النشر لكنّنا لم نتلق أي تفاعل مع أسئلتنا من قبل المعني رغم محاولاتنا العديدة والمتكرّرة.

كلمة الكتيبة:
أنجز هذا التحقيق بالشراكة بين موقع الكتيبة ومشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة المنظمة العابرة للحدود والمجلة الإخبارية البرتغالية "سابادو" (Sábado). وقد سعى الفريق الصحفي الذي أعدّ هذا العمل الاستقصائي إلى التواصل سواء عبر الهاتف أو عبر البريد الالكتروني مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية ورجل الأعمال الليبي عبد الحميد الدبيبة من أجل تمكينه من حقّ الردّ والتفاعل والتوضيح قبل النشر لكنّنا لم نتلق أي تفاعل مع أسئلتنا من قبل المعني رغم محاولاتنا العديدة والمتكرّرة.

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

الكاتب : سناء السبوعي

تغطية الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود OCCRP

إشراف: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
بحث: سناء السبوعي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
غرافيك: منال بن رجب
تظوير تقني: بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
تدقيق : وليد الماجري
بحث : سناء السبوعي

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

rahma