الكاتب : أمّ الزّين بن شيخة

باحثة تونسية وأستاذة تعليم عالي في الفلسفة، متحصّلة على الدكتوراه في الفلسفة الحديثة وعلى التأهيل في الفلسفة.

أصبحت مقولة الجندر منذ تسعينات القرن الماضي مشكلا فلسفيا وُلدت في ثناياه تحوّلات عميقة في مجال الجنسانية في علاقتها باللغة وبالسلطة وبسياسات الهوية. يتعلّق الأمر بولادة براديغم جديد ضمن الدراسات الجندرية هو براديغم ما بعد النسوية، بوصفه نمطا جديدا من التأويل الفلسفي للهويّات الجنسية، أبعد من براديغم الجنسانية الغيرية الذي تشتغل ضمنه الدراسات النسوية منذ سيمون دي بوفوار مرورا بلوس إيري غاراي إلى حدود نانسي فريزر. هذا هو ما تراهن عليه الفيلسوفة الأمريكية جوديث باتلر ضمن كتابها قلق الجندر بوصفه أهمّ حدث معرفي في الدراسات الجندرية اليوم بما هو بمثابة ثورة جندرية من أجل مقاربة مسألة الهويات من وجهة نظر الأقليات الجنسية.

“قلق الجندر، النسوية وتخريب الهوية” لجوديث باتلر هو كتاب فلسفي مثير جدّا فهو يراهن على زعزعة أهمّ فرضية تقوم عليها النزعات النسوية منذ سيمون دي بوفوار وهي مقولة “النساء”، وذلك بوصفها هويّة كونية تجمع كل نساء العالم في وضعية الإقصاء من طرف “الرجال” الذين نجحوا على امتداد قرون من الزمن في إرساء نظام الهيمنة الذكورية الذي سيطر على التاريخ برمّته.

يتعلّق الأمر بتفكيك لخيوط هذه الهويات التي تختزل حروب الجنس والجندر والجنسانية في نموذج الجنسانية الغيرية، وفي ثنائية المؤنث والمذكّر. إنّ ما تهدف إليه باتلر تحديدا هو البحث في إمكانية سياسات ما بعد نسوية للهويات تراهن على “إعادة التفكير الجذري في البناءات الأنطولوجية للهوية” وذلك من أجل “تحرير النظرية النسوية” من كلّ فرضياتها الأحادية التي تقوم على “ذات ثابتة للنسوية” ، وعلى نموذج الجنسانية الغيرية بوصفه نموذجا وحيدا لحروب الجنس. وهذا ما يعبّر عنه المترجم العربي في تقديم الترجمة قائلا : “هو كتاب مقاتل ومزعج وقد كُتب في نطاق أجواء حربية هي ما تُسمى حروب الجنس النسوية بين النسوية المناهضة للإباحية والنسوية الإيجابية تجاه الجنس”.

الكاتب : أمّ الزّين بن شيخة

باحثة تونسية وأستاذة تعليم عالي في الفلسفة، متحصّلة على الدكتوراه في الفلسفة الحديثة وعلى التأهيل في الفلسفة في اختصاص فلسفة الفن والجماليات.

أصبحت مقولة الجندر منذ تسعينات القرن الماضي مشكلا فلسفيا وُلدت في ثناياه تحوّلات عميقة في مجال الجنسانية في علاقتها باللغة وبالسلطة وبسياسات الهوية. يتعلّق الأمر بولادة براديغم جديد ضمن الدراسات الجندرية هو براديغم ما بعد النسوية، بوصفه نمطا جديدا من التأويل الفلسفي للهويّات الجنسية، أبعد من براديغم الجنسانية الغيرية الذي تشتغل ضمنه الدراسات النسوية منذ سيمون دي بوفوار مرورا بلوس إيري غاراي إلى حدود نانسي فريزر. هذا هو ما تراهن عليه الفيلسوفة الأمريكية جوديث باتلر ضمن كتابها قلق الجندر بوصفه أهمّ حدث معرفي في الدراسات الجندرية اليوم بما هو بمثابة ثورة جندرية من أجل مقاربة مسألة الهويات من وجهة نظر الأقليات الجنسية.

“قلق الجندر، النسوية وتخريب الهوية” لجوديث باتلر هو كتاب فلسفي مثير جدّا فهو يراهن على زعزعة أهمّ فرضية تقوم عليها النزعات النسوية منذ سيمون دي بوفوار وهي مقولة “النساء”، وذلك بوصفها هويّة كونية تجمع كل نساء العالم في وضعية الإقصاء من طرف “الرجال” الذين نجحوا على امتداد قرون من الزمن في إرساء نظام الهيمنة الذكورية الذي سيطر على التاريخ برمّته.

يتعلّق الأمر بتفكيك لخيوط هذه الهويات التي تختزل حروب الجنس والجندر والجنسانية في نموذج الجنسانية الغيرية، وفي ثنائية المؤنث والمذكّر. إنّ ما تهدف إليه باتلر تحديدا هو البحث في إمكانية سياسات ما بعد نسوية للهويات تراهن على “إعادة التفكير الجذري في البناءات الأنطولوجية للهوية” وذلك من أجل “تحرير النظرية النسوية” من كلّ فرضياتها الأحادية التي تقوم على “ذات ثابتة للنسوية” ، وعلى نموذج الجنسانية الغيرية بوصفه نموذجا وحيدا لحروب الجنس. وهذا ما يعبّر عنه المترجم العربي في تقديم الترجمة قائلا : “هو كتاب مقاتل ومزعج وقد كُتب في نطاق أجواء حربية هي ما تُسمى حروب الجنس النسوية بين النسوية المناهضة للإباحية والنسوية الإيجابية تجاه الجنس” .

هو كتاب مقاتل ومزعج وقد كُتب في نطاق أجواء حربية هي ما تُسمى حروب الجنس النسوية بين النسوية المناهضة للإباحية والنسوية الإيجابية تجاه الجنس.

فتحي المسكيني في تقديمه للترجمة العربية لـ “قلق الجندر”

فما هي الأسئلة الجديدة للجندر؟ وكيف يتمّ بناؤه ثقافيا أي لغويا وسياسيا؟ ما علاقة الجندر بالسلطة؟ وأيّة سياسات للهويّة الجندرية بوسعها أن تجعل الحياة ممكنة بالنسبة إلى “أولئك الذين يعيشون على الهوامش الجنسية” ؟. تلك هي الإشكاليات التي سنحاول الخوض فيها في هذا البحث بهدف تقديم كتاب “قلق الجندر” للفيلسوفة الأمريكية جوديث باتلر.

في الأسئلة الجديدة للجندر؟

في تصدير الطبعة الثانية من الكتاب تقترح باتلر أسئلة جديدة لنظرية الجندر بوسعها أن تفتح أمام النظريات النسوية إمكانيات أوسع من التفكير بالجنسانية والرغبة والهويات الجندرية بوجه عامّ. وهذه الأسئلة تصوغها كما يلي : “كيف للممارسات الجنسية الخارجة عن المعايير أن توضع موضع سؤال استقرار الجندر من حيث هو مقولة تحليل؟ كيف لبعض الممارسات الجنسية أن تجبرنا على التساؤل : ما هي المرأة، ما هو الرجل؟ وإذا ما كان الجندر لم يعد مفهوما باعتباره شيئا مرسّخا وموطّدا بواسطة الجنسانية المعيارية، عندئذ هل ثمّة أزمة في الجندر خاصة بالكويير؟” .

إنّ هذا النصّ يرسم لنا نقطة النظر التي تشتغل انطلاقا منها باتلر على قلق الجندر. لكن ممّ يأتي القلق إلى الجندر؟ وفيم يتمثّل هكذا قلق ؟ إنّنا نواجه قلقا يصدر عن أزمة الهوية الجنسية إذا ما نظرنا إليها من خارج المعايير التي فرضتها الجنسانية الغيرية القائمة على الثنائي “رجل وامرأة”. بحيث يكون مكان القلق هو الذي تقع فيه تلك الممارسات الجنسية التي تعيش على هامش الجنسانية المركزية. فالفكر هَهُنا مطالب بالاشتغال على الأقليات الجنسية والتساؤل عن إمكانية أن تحيا هذه الأقليات حياة قابلة للتحمّل خارج سلطة الجندر التي تفرضها سياسات الهوية الجنسية داخل النظريات النسوية نفسها.

كيف لبعض الممارسات الجنسية أن تجبرنا على التساؤل : ما هي المرأة، ما هو الرجل؟ وإذا ما كان الجندر لم يعد مفهوما باعتباره شيئا مرسّخا وموطّدا بواسطة الجنسانية المعيارية، عندئذ هل ثمّة أزمة في الجندر خاصة بالكويير؟.

كتاب “قلق الجندر”، جوديث باتلر

وهذا يعني أنّ نشأة هذه الأسئلة التي جعلت كتاب قلق الجندر ممكنا إنّما تعود بحسب عبارة باتلر نفسها إلى “فكرة أنّ الممارسة الجنسية تمتلك القدرة على زعزعة استقرار الجندر”. ويكون المشكل حينئذ هو كينونة الجندر في علاقة بمختلف الأشكال الجديدة من الجندرة من ذلك الجندرية العابرة والجنسانية المتحوّلة والأبوة أو الأمومة المثلية.. والمرأة البوتش والسحاقيات المترجلات، أي كلّ هذه الهويات الجندرية الجديدة التي أصبحت تطالب بحقّها في الظهور في الفضاء العمومي وبالاعتراف بحقوقها في الاختلاف الجنسي والجندري، هي التي أصبحت تمثّل مشكلا فلسفيا في فهم مقولة الجندر وفي أنطولوجيّته القلِقَة.

يتعلّق الأمر إذن بتشخيص أزمة عميقة داخل كينونة الجندر التي فرضتها النظريات النسوية بوضعها للمعايير الإقصائية باتّخاذها من نموذج الجنسانية الغيرية مجالا وحيدا لمشاكل الجندر. وبالتالي فإنّ مقاربة باتلر إنّما انطلقت من هذا الإقصاء لدحضه وتفكيك المغالطات والمشاكل التي انبنى عليها. لكن هل يتعلّق الأمر حينئذ بالانتصار لنموذج الأقليات الجنسية ضدّ نموذج الجنسانية الغيرية؟ هل تطالبنا باتلر بالتخلّي عن معايير الجنسانية التي تجعل منّا نساء أو رجالا؟ هل أنّ تخريب الهوية الجنسية تدمير لمقولة النساء التي تحتاجها النساء كاستراتيجية مشتركة لمقاومة العنف عليهنّ في المجتمع؟ تجيب باتلر قائلة :

أنا عارضت أنظمة الحقيقة تلك التي تنصّ على أنّ أنواعا معيّنة من التعابير المجندرة وُجدت لتكون خاطئة أو مشتقة، وأنّ أنواعا أخرى، قد وُجدت لتكون صائبة أو أصيلة..هدف هذا النصّ إنّما كان فتح إمكانية الجندر من دون أن يتمّ إملاء أيّ أنواع الإمكانيات يجب أن يتحقّق

كتاب “قلق الجندر”، جوديث باتلر

إنّ هدف باتلر إذن ليس إيديولوجيا في معنى الانحياز إلى أيّ شكل من الجندر ضدّ الجندر الآخر، إنّما يتعلّق الأمر باقتراح ضرب من الإستراتيجية الفلسفية للتفكير بالهويات الجندرية على نحو مغاير يضع في اعتباره كلّ الأشكال المجندرة. وتبعا لذلك نحن إزاء شكل من المقاومة لعنف التفكير المتضمّن داخل المعايير المألوفة عن الجنسانية القائمة على إقصاء كلّ الأشكال القلقةِ والمهمّشة والمستحيلة وفقا لسلطة الجندر المركزية التي تؤسس نفسها على الهويات الثابتة فيما يخصّ هوية النساء وهوية الرجال. وهذا يعني أنّ التفكير انطلاقا من الأقليات الجنسية وفق تصريح باتلر “لا يعني أنّ ممارسات الأقليات كلها ينبغي التغاضي عنها أو الاحتفاء بها، بل يعني أن نكون قادرين على التفكير فيها قبل الإقدام على أيّ نوع من الاستنتاجات حولها” . ذاك هو الشعار الفلسفي لباتلر أي تحرير أفكارنا حول مشاكل الجندر من المعايير التي فرضتها سلطة الجنسانية الاقصائية على تمثّلاتنا للهوية الجنسية.

لا يعني أنّ ممارسات الأقليات كلها ينبغي التغاضي عنها أو الاحتفاء بها، بل يعني أن نكون قادرين على التفكير فيها قبل الإقدام على أيّ نوع من الاستنتاجات حولها.

كتاب “قلق الجندر”، جوديث باتلر

وفي الحقيقة، فإنّ التفكير من جهة الأقليات الجنسية ينبغي تنزيله من جهة الفلاسفة الفرنسيين ضمن فلسفة الاختلاف التي رسم معالمها فوكو ودريدا ودولوز وليوتار الذين تكلّموا من جهة حقوق الهامش ومنحوه الكلمة والحق في الولوج إلى لغة الفلسفة. وهو ما تصرّح به باتلر في علاقة بِفُوكو الذي كشف عن علاقة الجنسانية بالسلطة، وعن أركيولوجيا السجن والمراقبة والمعاقبة والجنس وتاريخ الجنون.. وما أنجزه دريدا بتفكيكه لسلطة مركزية اللوغوس الغربي، وضرورة فسح المجال أمام كتابة تاريخ الهامش والغياب.

لكن كيف شخّصت باتلر مفهوم الجندر نفسه؟ وأيّ تعريف له؟ تعتبر باتلر أنّ الجندر فاعلية إنجازية، وبالتالي أنّه ثمّة علاقة معقّدة بين الجندر والنحو، وأنّ تغيير الجندر أو تحريره من عنف سلطة المعايير الجنسانية الغيرية، يقتضي معركة شرسة مع اللغة التي تشكّل في نطاقها. تكتب باتلر ما يلي : “إنّ الرأي بأنّ الجندر شيء إنجازي إنّما كان الغرض منه أن نبيّن أنّ ما نعتبره ماهية باطنية للجندر هو شيء مصنوع من خلال مجموعة مستمرة من الأفعال، تمّ طرحها عبر عمل أسلوبي مجندر على الجسد”.

ويمكننا الإشارة في هذا السياق -حول العلاقة بين الجندر والنحو- إلى تأويل يقترحه المترجم العربي لكتاب قلق الجندر قائلا : “وليست الفروق بين الجنس والجندر والجنسانية غير تدابير نحوية تخفي نزاعا هوويا معقّدا وخفيا في بناء الذات” . فالهويات الجندرية تؤسسها ضمائر النحو أوّلا. “هو” و”هي” بما هي الضمائر النحوية التي عبرها تترسّخ الهويات الجندرية في تمثلاتنا الاجتماعية وهي التي تهدف باتلر إلى تفكيكها ومساءلتها معلنة أنّ “تغيّر الجندر سيتمّ عبر الطعن في النحو الذي تشكّل في نطاقه” . وهذا ما نقرأه أيضا بقلم فتحي المسكيني المترجم العربي قائلا :” التفكير في الجندر هو معركة شرسة مع قواعد النحو..إنّ أسماء من قبيل ذكر-أنثى..تسميات وقرارات معيارية ينظّمها النظام النحوي” .

إنّ الرأي بأنّ الجندر شيء إنجازي إنّما كان الغرض منه أن نبيّن أنّ ما نعتبره ماهية باطنية للجندر هو شيء مصنوع من خلال مجموعة مستمرة من الأفعال، تمّ طرحها عبر عمل أسلوبي مجندر على الجسد.

كتاب “قلق الجندر”، جوديث باتلر

هكذا يتمّ تحويل مقولة الجندر من هويّة باطنية نحملها كما لو كانت ثابتة وطبيعية إلى فاعلية أدائية تحتمل طابعا مسرحيّا وإنجازيا بحيث أنّنا ما ننجزه حول أنفسنا عبر اللغة ولسنا كينونات ثابتة. وفي هذا السياق تُزعزع باتلر مفهوم الباطنية الذي نعتقد أنّه هوية لأنفسنا وتحوّله إلى مجرّد “هلوسة ناجمة عن حركات تطبيعية” . نحن لا نوجد خارج اللغة التي تهيكلنا : هذا هو معنى الجندر كمقولة إنجازية وعليه يتمّ القول بالعالم الباطني الذي ظلّ لمدّة قرون يَسِمُ حياتنا الروحية والنفسية والجنسية..

وعليه نظفر بالنتيجة التالية : ليس العالم الباطني الذي وضعته الأديان والتحليل النفسي وكل سياسات الهوية الجنسية التقليدية غير ضرب من المفعول اللغوي الناجم عن مجموعة من الأفعال. هل يعني ذلك أنّ الحياة النفسية لنا هي استعارة مزيّفة؟ باتلر لا تجيب بتعريفات واضحة وثابتة على طريقة فلسفة الوضوح والتميّز بل هي تسأل المسكوت عنه، وتزعزع ما اعتقدنا في بداهته وفي استقراره المزعوم فهي تسأل :”ما الذي يجول تحت علامة الوضوح وماذا يمكن أن يكون الثمن عند الفشل في نشر ريبية نقدية حين يتمّ الإعلان عن وصول الأمور الواضحة والجلية؟ من يضع بروتوكولات الوضوح ومصالح من هو يخدم؟ “.

ثمّة إذن ضرب من العنف المرعب على الجندر من طرف معاييره الرسمية التي دوّنها النحو على الأجساد، عنف تمثّل في جعل الجندر هوية جنسية بديهية واضحة يتمّ حراستها من كلّ أشكال الجندر الممنوعة. لذلك فالمطلوب هو “نزع الصفة الطبيعية عن الجندر” من أجل مقاومة العنف على أشكال الجندر الممنوعة من جهة، وتفكيك الفرضيات الاقصائية الثانوية ضمن سياسات الهوية القائمة على الجنسانية الغيرية من جهة ثانية.

وهذا إنّما يتمّ بمقاربة إشكالية تزعزع ما نعتقده هويّاتنا الثابتة بجملة الإحراجات الفلسفية من قبيل :

ما الذي من شأنه أن يشكّل أو لا يشكّل حياة معقولة وكيف يتسنّى للافتراضات حول الجندر والجنسانية الموافقين للمعايير السائدة أن تعيّن مسبّقا ما سوف تؤهّله باعتباره إنسانيا وباعتباره قابلا للعيش؟.

كتاب “قلق الجندر”، جوديث باتلر

وعليه فإنّ ما يطمح إلى إنجازه كتاب “قلق الجندر” إنّما هو ضرب من “الثورة السياسية” في أفكارنا حول أنفسنا حول الممكن والواقعي وذلك عبر الفلسفة بوصفها آلة لتشغيل الأسئلة وتكثيف التوتّر الاستراتيجي حول أنفسنا وما نكون وما يمكن أن نكون، حول علاقة اللغة بتشكيل ذواتنا، حول سياسات الأجساد بوصفها عنفا على أشكال الحياة الجندرية والجنسية لنا، حول الاعتراف بالآخر بوصفه مختلفا عنّا، حول ثقافة أكثر ديمقراطية، وحياة قابلة للعيش أيضا.

مشاكل الجندر والهويّة النسوية: حول هوية النساء

 يتعلّق الأمر في هذا الكتاب بدحض أهمّ الفرضيات التي تقوم عليها النزعة النسوية ألا وهي وجود هويّة نسوية تحتاج إلى تمثيلها ضمن الحقل السياسي. وانطلاقا من هنا تعتبر باتلر أنّ مقولة النساء مقولة هووية معقّدة لا يمكن التفكير فيها إلاّ انطلاقا من علاقتها بالعرق والثقافة والطبقة والجغرافيا السياسية. والنتيجة التي نظفر بها حينئذ هو أنّه ليس ثمّة نساء في المطلق : ثمّة دوما نساء من البيض ونساء من السود ونساء آسويات ونساء عربيات ونساء أمريكيات ونساء برجوازيات ونساء فقيرات…وتبعا لذلك تكشف باتلر كيف أنّ النزعة النسوية تشتغل على مقولة هشّة وقابلة للتفكيك. وذلك انطلاقا من تفكيك ادّعاء وهم الكونية الذي تقوم عليه غطرسة اللوغوس الغربي والنزعة إلى “استعمارالثقافات غير الغربية وتملّكها بغرض تدعيم الأفكار الغربية جدّا عن القمع..” .

يتعلّق الأمر إذن بتفكيك الهوية النسوية بوصفها هوية إقصائية تقوم على اختزال الجندر في الجنسانية الغيرية من جهة وعلى وهم كونية مقولة النساء من جهة ثانية. بحيث تدّعي الثقافات الغربية أنّ تاريخ الجندر قائم على فكرة نظام أبوي كوني يفترض إمكانية تطبيق نماذجه التفسيرية على كلّ الثقافات الأخرى المغايرة له. وهذا مبدأ استعماري أدّى إلى “بناء عالم ثالث أو حتى شرق حيث يكون قمع الجندر مفسّرا على نحو بارع باعتباره عارضا دالاّ على نزعة بربرية غير غربية متأصّلة في ماهية تلك الثقافات..” .

تعتبر باتلر أنّ مقولة النساء مقولة هووية معقّدة لا يمكن التفكير فيها إلاّ انطلاقا من علاقتها بالعرق والثقافة والطبقة والجغرافيا السياسية.

كتاب “قلق الجندر”، جوديث باتلر

هكذا تمّ بناء سياسات الهوية النسوية عبر تثبيت فرضية كونية النظام الأبوي من جهة ما هي كونية وهميّة تمّ تصميمها من أجل إخضاع النساء. لكن هل ثمّة هوية نسوية تجمع بين النساء على نحو كونيّ غير قمعهنّ؟ هل ثمّة مشترك بينهنّ قبل نظام القمع الذكوري؟ بهذه الأسئلة تضع باتلر مقولة النساء كذات سياسية تمثيلية موضع الريبة، من أجل أن تكشف عن جينيالوجيا علاقة الجندر بالسلطة وذلك على أرضية أطروحة الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو الذي يفترض أنّ السلطة التي تُخضع الذات هي نفسها التي تُنتجها. وبالتالي أنّ عمليات التذويت لنا إنّما تُنتج عبر عمليات الخضوع أو المقاومة للسلطة التي تخضعنا.

وتبعا لذلك فإنّ الذات النسوية إنّما تتكوّن داخل المنظومات القانونية للسلطة بوصفها مفعولا خطابيا وأنّ “الذات النسوية هي ذات مشكّلة في حيّز الخطاب بواسطة المنظومة السياسية التي يُفترض أنّها تسهّل انعتاقها” . ثمّة إذن وظيفة مضاعفة للسلطة هي التي تزعزع وهم الهوية النسوية الثابتة وتجعل من ادّعاء الكونية ادّعاء إشكاليا. بحيث يتمّ زحزحة مفهوم “الذات النسوية” من حقل الخطاب الهووي نحو الحقل السياسي.

إذا كان الخطاب الهووي يقوم على وهم ذات نسوية ثابتة تحيل إلى مؤنّث خالص أو طبيعي، فإنّ الجندر الإنجازي لا علاقة له بالأنثوي وذلك لأنّ “الأنثوي ليس علامة على الذات أبدا، إنّ الأنثوي لم يكن قطّ صفة لجندر ما..” . لكن أيّ فرق حينئذ بين الجندر والجنس؟ وهل “ثمّة أنثى طبيعية أو بيولوجية هي قد تحوّلت لاحقا إلى إمرأة خاضعة اجتماعيا؟”.

هل ثمّة أنثى طبيعية أو بيولوجية هي قد تحوّلت لاحقا إلى إمرأة خاضعة اجتماعيا؟

كتاب “قلق الجندر”، جوديث باتلر

وانطلاقا من هذا السؤال تكشف لنا باتلر عن العنصر الثاني الذي يزعزع مقولة النساء إلى جانب مشاكل وهم الذات الكونية. وهنا يلعب التمييز بين الجنس والجندر دورا تخريبيا للهوية. لكن ما معنى تخريب الهويّة؟ إنّ هذا المفهوم يعني تحديدا القدرة على إنتاج المشاكل التي تزعزع استقرار المعايير النحوية والاجتماعية للجندر ضمن نموذج الجنسانية الغيرية القائمة على التمييز بين المؤنّث والمذكّر واختزال الجندر في هذه الثنائية.

إنّ الخلل في هذا الافتراض النسوي يكمن بحسب باتلر في الاعتقاد في “علاقة محاكاة الجندر مع الجنس حيث أنّ الجندر مرآة للجنس أو هو مقيّد به” . وهو اعتقاد يؤدي إلى ضرورة التساؤل عن ما هو الجنس وهل يحيل بالضرورة إلى جندر معطى؟ وكيف يكون الجنس أو الجندر معطى؟ ما معنى “الطبيعي” وما الفاصل بينه وبين الثقافي..؟ هل للجنس تاريخ أو تواريخ بحسب الثقافات؟ هذه الأسئلة هي خرائب الجنس التي تشغّلها باتلر من أجل زعزعة البديهيات التي نحملها حول أنفسنا وحول ما وضعته المعايير والمؤسسات والخطابات حول أنفسنا..نحن لسنا ما نعتقد في أنّه هويّتنا بل نحن جملة من الأسئلة والغموض والفاعليّات الإنجازية التي تولد في اللغة والتي علينا هتكها دون خوف من سلطتها .. وربّما يكون الجنس نفسه كما تذهب إلى ذلك باتلر “هو أمر قد تمّ بناؤه ثقافيّا تماما مثلما بُني الجندر”..إنّ الجنس نفسه مقولة جندرية وعليه فإنّ “التمييز بين الجنس والجندر.. ليس بتمييز على الإطلاق..” .

في دحض فرضية النظام الأبوي

في الفصل الثاني من الكتاب، تشتغل باتلر على مناقشة الفرضية الثانية التي تقوم عليه النظريات النسوية وهي فرضية النظام الأبوي بوصفه ضربا من حالة الطبيعة الخيالية السابقة على تاريخ قمع النساء، وهي فكرة وفّرت “منظورا خياليا يتمّ انطلاقا منه إثباتُ أنّ تاريخ اضطهاد النساء هو أمر عرضي وطارىء” . ومن أجل زعزعة هذه الفرضية تكشف باتلر عن أربعة مشاكل أساسية :

المشكل الأول: يتمثّل في تحويل فكرة النظام الأبوي إلى فكرة كونية مضادة للنضالات النسوية نفسها ضدّ كل أشكال الاضطهاد العنصري والقائم على نزعة استعمارية. وهنا تدحض باتلر هذه الفرضية من منظور ما بعد كولونيالي أي في أفق “مقاومة الاستراتيجيا الإبستمولوجية المستعمِرة التي من شأنها إخضاع تشكّلات السيطرة المختلفة تحت عنوان “فكرة النظام الأبوي العابرة للثقافات” .

المشكل الثاني: يقوم على فكرة ماض خيالي لحالة قبل القانون لتبرير هذا القانون بوضع أصول له وقصّة كونية إنّما يمثّل في عبارات باتلر “حيلة استراتيجية داخل سردية، من جهة ما تقول تفسيرا واحدا وسلطويا حول ماض لا يمكن استرداده، هي تجعل تشكّل القانون يبدو كأنّه حتمية تاريخية” .

المشكل الثالث: فيتعلّق بالطابع النوستالجي لهذه الفرضية عن وجود أصل أنثوي قبل السلطة لتبريرها، وهو إنّما يعطّل إمكانية القول ببناء ثقافي للجندر . إنّنا إزاء فرضية مُشكلة تقوم على ممارسة إقصائية صلب النزعة النسوية. في هذا السياق تكتب باتلر ما يلي :”هذا اللجوء إلى أنوثة أصليّة أو خالصة هو مثال أعلى نوستالجي وضيّق الأفق يرفض المطالبة المعاصرة بصياغة تفسير للجندر باعتباره بناء ثقافيا مركّبا. وهذا المثل الأعلى ينزع ليس فقط إلى خدمة أهداف محافظة ثقافيا، بل إلى خلق ممارسة إقصائية في صلب النزعة النسوية..” .

المشكل الرابع: يقوم على فرضية وجود حالة طبيعة سابقة عن الثقافة وعن النظام الأبوي، ممّ يدفعنا إلى الإحراج التالي : “ما هو الشيء المؤهل لأن يوصف بأنّه طبيعة في نطاق سياق ثقافي معيّن ولأيّ غرض؟ هل الثنائية أمر ضروري بعامّة؟..”

بهذه الأسئلة تقيم باتلر نقاشا فلسفيا مطوّلا مع الأنثروبولوجيا البنيوية وعلى رأسها كلود ليفي شتراوس ومع التحليل النفسي فرويد ولاكان، ومع فوكو والنظريات النسوية الفرنسية خاصّة سيمون دي بوفوار ولوس إيريغاراي. لقد شنّت باتلار في قلق الجندر حربا نقدية وتخريبية شرسة على بديهيات الفلاسفة أنفسهم في سياساتهم للهوية الجنسية وذلك أنّهم جميعا حاولوا الاشتغال على الجندر صلب رحم نموذج الجنسانية الغيرية التي تحدّد قالبا ثابتا للجنادر المعقولة وللجنادر المستحيلة والمقصية.

نحو سياسات هوية ما بعد نسوية

قلق الجندر-النسوية وتخريب الهوية: كتاب في التخريب على مقاس عبارة شهيرة للشاعر العراقي مظفّر نوّاب “تحتاج هذه الأمّة إلى درس في التخريب”.. لكنّ التخريب ههنا لا يهدف إلى إحلال الخراب والفوضى محلّ الكينونة والمعنى. لا يتعلّق الأمر بتمارين عدمية أو طوباوية أو حتى ديستوبية. بل نحن إزاء كتاب فلسفي عنيد وشرس يقترف كلّ فضائل التجرّؤ على استعمال عقولنا لا من أجل أفكار واضحة ومتميّزة إنّما من أجل الكشف عن مواطن الخلل والعطوب الخفيّة تحت جلود هوياتنا التي صنعتها لنا الثقافات واللغات والسلط والأخلاق والديانات. وعليه فإنّ ما تراهن عليه باتلر هو بثّ الهلع في عقولنا لزعزعة أوهامنا حول أجسادنا..من نكون ؟ وكيف تمت صناعة هويّاتنا؟ ويبدو أنّ أهمّ ما نظفر به ضمن هذه الريبية الفلسفية السامية هي النتيجة التالية : لم تعد قوالب المؤنث والمذكّر التي دوّنها النحو ورسّخها بعناية فوق أجسادنا، كافية من أجل تحديد كينونتنا كأشكال من الجندرة الثقافية ..نحن لسنا جواهر ثابتة خلقتها البيولوجيا أو الآلهة أو الأقدار التاريخية، نحن فقط ما ننجزه حول أنفسنا من معايير وأفعال لغوية وممارسات كما لو أنّ كلّ منّا يستحيل إلى هو أداء مشهدي، وكلّ جسد من أجسادنا يصير إلى علامة ثقافية وليس جنسا ثابتا.

لم تعد قوالب المؤنث والمذكّر التي دوّنها النحو ورسّخها بعناية فوق أجسادنا، كافية من أجل تحديد كينونتنا كأشكال من الجندرة الثقافية.

يتعلّق الأمر لدى باتلر باقتراح سياسة مغايرة للجسد. وهذه السياسة تنطلق من أطروحة ميشال فوكو التي تربط بين الجسد والخطاب والسلطة. هذا ما نقرأه في الفصل الثالث من الكتاب حيث تنقد باتلر تصور جوليا كريستيفا التي تعوّل على تخريب القانون الأبوي بلغة شعرية مغايرة للغة الذكور، مراهنة بذلك على فكرة التعدّد الليبيدي الأصلي داخل مفردات الثقافة نفسها. وذلك انطلاقا من أنّ “اللغة الشعرية هي استرداد الجسد الأمومي داخل مفردات اللغة، هي تمتلك القدرة على زعزعة القانون الأبوي وتخريبه وإزاحته” .

غير أنّ هذه الفكرة تهدم ذاتها بذاتها في نظر باتلر لأنّها غفلت عن جملة الأسئلة التي تفترضها. إنّها أوّلا إعادة إنتاج لفرضية النظام الأبوي لتسليمه بلغة مقموعة بشكل منتظم من جهة ولفكرة الأمومة والأبوة من جهة ثانية، وبفكرة جسد أمومي سابق على الخطاب من جهة ثالثة. وإنّها بذلك تبقى ضمن نموذج الجنسانية الغيرية وتسقط في نفس المشاكل التي تسقط فيها النظرية النسوية الفرنسية. تكتب باتلر :” من الواضح أنّ كريستيفا تأخذ الجنسانية الغيرية على أنّها شيء ضروري للقرابة والثقافة..”

إنّ كلّ ما تقدّمه باتلر في هذا الكتاب من اعتراضات على سياسات الهوية داخل النظريات النسوية إنّما يقوم على فرضية العلاقة بين الجسد والسلطة. وهي فرضية أخذتها باتلر عن فوكو حيث نقرأ في الفصل الثالث من الكتاب ما يلي:

إنّ الجسد حسب فوكو، ليس مجنوسا في أيّ معنى مفيد قبل تعيينه داخل خطاب عبره هو قد أصبح مستثمرا مع فكرة عن الجنس الطبيعي الجوهري. إنّ الجسد لا يكتسب المعنى داخل الخطاب إلاّ في سياق علاقات السلطة. وإنّ الجنسانية هي تنظيم مخصوص تاريخيا للسلطة والخطاب والأجساد والعواطف.

كتاب “قلق الجندر”، جوديث باتلر

غير أنّ اعتماد باتلر تحليل فوكو للجنسانية في علاقتها بالسلطة لا يعني تبنّيها لهذه المقاربة. فهذا الكتاب يبثّ القلق في كلّ النصوص التي يمرّ بها سواء كان يعارضها أو يستلهم منها. فهي تزعزع خلط فوكو بين الجنس والجنسانية، وتساءل اعتقاد فوكو أنّ الجنس طاقة رائعة محبوسة تنتظر الانعتاق، وأنّ الجنس نزعة ماهوية محصّنة أنطولوجيا ضدّ علاقات السلطة. وتكمن نقطة اعتراض باتلر على فوكو تحديدا في أنّه اعترض على النموذج الحقوقي في المعركة النسوية التحررية. تكتب باتلر ما يلي:

لقد اتّخذ فوكو صراحة موقفا معارضا ضدّ النماذج التحررية أو التحريرية عن الجنسانية في كتاب تاريخ الجنسانية لأنّها تنضوي تحت نموذج حقوقي هو لا يعترف بالإنتاج التاريخي للجنس بوصفه مقولة أي بوصفه مفعولا يعمي على علاقات السلطة.

خاتمة

إنّ “قلق الجندر” كتاب تخريبي في معنى دقيق جدّا مفاده أنّنا إزاء كتاب فلسفي بامتياز قادر على إفساد كلّ بديهياتنا وأوهامنا حول أنفسنا. ألم تكن تهمة الفلاسفة الأولى -تلك التي دفعت بسقراط إلى الموت- هي إفساد الشباب؟ وذلك في معنى تدريبهم على مساءلة أوهامهم وبديهياتهم اليومية؟ وبالفعل لقد أنجزت باتلر مهمّة سقراط على أحسن وجه بزرعها لكلّ ألغام السؤال في أوهامنا حول أنفسنا.

في هذا الكتاب نعثر على الأسئلة الأكثر إرباكا للجميع : من أكون حينما أقول أنّي امرأة أو أنّي رجل؟ ما معنى أن أوصف بأنّي أنثى أو بأنّي ذكر؟ هل ثمّة فقط شكل واحد من الجندر المعقول؟ وهل أنّ ثنائية المؤنث والمذكّر هي النموذج الوحيد للهويات الجندرية؟ ما هو الجنس؟ وأيّ معنى للفاصل بين الطبيعي والثقافي؟ هذا الكتاب هو حقل واسع لاختراع الأسئلة حول كينونتنا الأكثر حميمية، إنّها ضرب من الجينيالوجيا حول سياسات الجنس والجندر والرغبات أي حول هذا الجسد الذي نوجد داخله أو تلك النفس التي ترقد بين ضلوعنا. لكن هل ثمّة باطنية؟ هذا أيضا أمر مشكوك فيه لدى باتلر.

إنّ خرائب الجندر أسئلة جريئة حول هوياتنا لا ترحم أحدا ..إنّها تزعزع تلك الهويّات التي اعتقدنا طويلا أنّها محصنّة أنطولوجيا عن كلّ أشكال الريبة. هذا إذن هو معنى قلق الجندر بما هو تمارين في تخريب الهويات الجاهزة .

إنّه سياسات محو لهويات رسّخها الماضي من أجل اختراع أسئلة جديدة تجعل المستقبل ممكنا. وبهذا المعنى يفتح هذا الكتاب أفقا جديدا لسياسات الهوية خارج استعمار الابستمولوجيا الغربية لعقولنا. وذلك بالكشف عن الطابع السياسي العميق لمكر فرضية النظام الأبوي وثنائية الجنسانية الغيرية وسلطة النحو داخل اللغات الامبريالية، أي داخل ما تسميه في مقدمتها للترجمة العربية “العناد أحادي اللغة” ..لذلك تعتبر باتلر أنّ “الترجمة هي شرط إمكان الجندر من حيث هو مقولة قابلة للتحليل” لأنّها تخترع حقلا يمكنه أن “يزيح النصّ الغربي وطابعه الصنمي عن مركزه” .

لكن كيف يمكن لثقافتنا التي صار بوسعها الآن استضافة هذا الكتاب في لغتها، أن تستقبل أسئلته المزعزعة لكلّ أنظمتنا: السياسية والنحوية والدينية؟ هل علينا من أجل استقبال كتاب ما في لغتنا أن “نتهيّأ له من الداخل” كما يقول المترجم العربي فتحي المسكيني؟ وأيّة مسافة تفصلنا عن مثل هذه المهمّة؟ هل علينا اللحاق بالأحداث الفكرية العالمية دون هوية أم نحن مطالبون بالعودة إلى نصوصنا القديمة من أجل تحريرها من سلطة النحو على الجندر؟

رسوم الفنان النمساوي ايغون شيل

كلمة الكتيبة:
ننشر هذا المقال الفلسفي الذّي يستند الى مقاربة بحثية صارمة للدكتورة أمّ الزّين بن شيخة في إطار سلسلة من المقالات والورقات البحثية والأكاديمية التي نسعى من خلالها إلى الانفتاح على الساحة العلمية والاكاديمية من أجل إثراء العرض الصحفي الذّي نقدّمه لجمهورنا

كلمة الكتيبة:
ننشر هذا المقال الفلسفي الذّي يستند الى مقاربة بحثية صارمة للدكتورة أمّ الزّين بن شيخة في إطار سلسلة من المقالات والورقات البحثية والأكاديمية التي نسعى من خلالها إلى الانفتاح على الساحة العلمية والاكاديمية من أجل إثراء العرض الصحفي الذّي نقدّمه لجمهورنا

تدقيق: وليد الماجري
تطوير تقني: بلال الشارني
تطوير تقني: بلال الشارني
تدقيق : وليد الماجري

الكاتب : أمّ الزّين بن شيخة

باحثة تونسية وأستاذة تعليم عالي في الفلسفة، متحصّلة على الدكتوراه في الفلسفة الحديثة وعلى التأهيل في الفلسفة في اختصاص فلسفة الفن والجماليات.

omzin