الكاتب: مالك الزغدودي
صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية.
يعتبر إسم “إيبلا ” اختصارا لاسم معهد الآداب العربية (Institut des Belles Lettres Arabes). تضم المكتبة نحو 35 ألف كتاب ومخطوط نادر وما يزيد عن 600 دورية فكرية بلغات مختلفة ولهجات محلية وأجنبية.
“ايبلا” هي في حقيقة الأمر امتداد لمؤسسة بحثية أسّسها الآباء البيض، وهم مجموعة من القساوسة تمّ إرسالهم إلى شمال إفريقيا لا فقط لغاية التبشير بالمسيحية بل لدراسة عادات وتقاليد وثقافة وخاصة لهجات أهل المنطقة والبحث في خصوصياتهم الاجتماعية والأنثروبولوجية بشكل ميداني.
فشل الآباء البيض في تأسيس معهد لهم في غرداية بالجزائر المستعمرة حينها من قبل فرنسا. ليقرروا التوجّه نحو المستعمرة الأخرى تونس وبعثوا هذا المعهد بداية تحت مسمّى دار الدراسات (Maison d’ études) وكان مقرّه بضاحية المرسى. بدأت هذه المؤسسة تقديم الدروس بداية من 25 نوفمبر 1926 قبل أن يتمّ نقل المعهد إلى المدينة القديمة بتونس العاصمة ويحمل إسمه الحالي معهد الآباء البيض.
الكاتب: مالك الزغدودي
صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية.
يعتبر إسم “إيبلا ” اختصارا لاسم معهد الآداب العربية (Institut des Belles Lettres Arabes). تضم المكتبة نحو 35 ألف كتاب ومخطوط نادر وما يزيد عن 600 دورية فكرية بلغات مختلفة ولهجات محلية وأجنبية.
“ايبلا” هي في حقيقة الأمر امتداد لمؤسسة بحثية أسّسها الآباء البيض، وهم مجموعة من القساوسة تمّ إرسالهم إلى شمال إفريقيا لا فقط لغاية التبشير بالمسيحية بل لدراسة عادات وتقاليد وثقافة وخاصة لهجات أهل المنطقة والبحث في خصوصياتهم الاجتماعية والأنثروبولوجية بشكل ميداني.
فشل الآباء البيض في تأسيس معهد لهم في غرداية بالجزائر المستعمرة حينها من قبل فرنسا. ليقرروا التوجّه نحو المستعمرة الأخرى تونس وبعثوا هذا المعهد بداية تحت مسمّى دار الدراسات (Maison d’ études) وكان مقرّه بضاحية المرسى. بدأت هذه المؤسسة تقديم الدروس بداية من 25 نوفمبر 1926 قبل أن يتمّ نقل المعهد إلى المدينة القديمة بتونس العاصمة ويحمل إسمه الحالي معهد الآباء البيض.
كان المعهد من حيث ممارسته مخالفا لسبب تأسيسه حسب المؤرخة قمر بندانة حيث تأكّد أنّه كان مستقلا عن سياسة نظام الحماية وميّالا إلى خلق جسور تواصل وتفاهم مع التونسيين والتعرف على الثقافة التونسية بشكل ميداني.
الأستاذة قمر بندانة أشارت أيضا الى ما وصفته بتغيّر غاية الآباء البيض التبشيرية نتيجة معرفتهم بالثقافة المحلية التونسية وتغلغلهم فيها.
وأكّدت أنّ مجلّة “إيبلا” التي يتواصل صدورها منذ جانفي/يناير 1937 إلى الآن هي الدورية الوحيدة الصادرة في تونس ولم تنقطع أبدا رغم ظروف الحرب ونقص الورق في فترات كثيرة. معتبرة ذلك نتيجة إصرار المشرفين عليها على مواصلة طباعتها ونشرها.
وتضيف بندانة وهي رئيسة تحرير سابقة للمجلة، أنّ “إيبلا” مجلة ميدانية متخصصة في العلوم الاجتماعية والإنسانية وتُعنى خاصة بالدراسات العلمية في مجالات الأدب والتاريخ والأنثروبولوجيا وعلم الإجتماع… وأيضا القراءات النقدية للكتب والبحوث المنشورة والميدانية في علاقة بتونس والمغرب الكبير والعالم الإسلامي.
و”إيبلا” مجلة نصف سنوية، تتكون لجنة تحريرها من 10 أكاديميين تونسيين (5 نساء و5 رجال) نشرت العدد 227 في جوان 2021.
كانت هذه المجلة في البداية تقتصر على اللغة الفرنسية قبل أن يتمّ في فترة لاحقة إدماج اللغة العربية لتصبح هي الأخرى لغة رئيسية للنشر.
في سنة 1959 ظهر أوّل افتتاحية بتوقيع كاتب تونسي وهو الطاهر قيقة (أحد أبرز مناضلي الحركة الوطنية) في عدد خاص بتعليم الكهول. كما تحولت لجنة قراءة المقالات تدريجيا إلى عناصر تونسية لتصبح سنة 1977 مكونة في أغلبها من جامعيين ومثقفين تونسيين وفق ما ورد في الموقع الرسمي للمجلة.
احتفلت “إيبلا” في شهر ديسمبر من سنة 2007 بصدور عددها رقم 200. كما تمّت رقمنة المكتبة وحُفظت كافة كتبها ومخطوطاتها النادرة بطريقة حديثة تمكن من المحافظة عليها.
من بين المواقف التي تذكرها بندانة حول ميل الخط التحريري للمجلة لجهة التونسيين، هو ما كتب في افتتاحية “ايبلا” من طرف الأب دمير سمان (1901-1993) باللغتين العربية والفرنسية واتخذ فيها موقفا صريحا ضد عنف الاستعمار الفرنسي في قمع احتجاجات أهالي مدينة تازركة سنة 1952.
وكانت الكتابة ضد قمع المستعمر باللغة العربية في مجلة ايبلا بقلم مؤسّسها الأب دمير سمان صاحب الأبحاث حول التعليم والنخب السياسية بتونس، بمثابة موقف مساند للتونسيين في فترة واجهوا فيها وحشية الاستعمار. وهو ربما ما يفسر العلاقة الطيبة وخاصة العرفان الذي يحمله جيل كامل من المثقفين التونسيين لهذا المعهد والمجلة على حد السواء.
الأب دمير سمان كان يعدّ من الباحثين في الثقافة التونسية في كل مظاهرها وأحد أهم الأجانب الذين تشبّعوا بها واتقنوا حتى لهجاتها المختلفة. وقد عمل على التعريف بها وساعد على معاضدة الفاعلين الثقافيين التونسيين.
ووفق بندانة فانّ الأب دمير سمان كان قد أسّس دائرة صداقات مع المثقفين التونسيين حينها أمثال عبد الجليل بن علي وبشير الفورتي وغيرهم، تناولت جلساتهم عديد المواضيع الاجتماعية والثقافية وتم خلالها بناء جسور العلاقة التي سوف تتواصل إلى اليوم بين المثقفين ومكتبة ايبلا.
كما كانت المكتبة حسب شهادة بندانة ملجأ لتلاميذ المدرسة الصادقية المطرودين نتيجة نشاطهم السياسي المعارض للاستعمار الفرنسي.
وتلاميذ المدرسة الصادقية سوف يكونون في مرحلة لاحقة أحد أعمدة بناء دولة ما بعد الاستقلال في مختلف المجالات. محدّثتنا أشارت إلى تجذّر المكتبة في محيطها السّكني والاجتماعي حيث وفّرت فضاءات مراجعة ودراسة لأبناء الأحياء المجاورة في المراحل الدراسية المبكّرة وكان الطلبة رواد المكتبة هم من يقومون بتلك المهمة.
هذه الخطوة كانت قد أكسبت المكتبة نوعا من الشرعية الشعبية والتكامل مع فضائها العمراني فاتحة أسوارها لكل الفئات المجتمعية، وهو ما سوف يظهر أثره فيما بعد.
في حوار له مع الأستاذ عادل بن يوسف كان الأب جون فونتان قد أكّد بوضوح أنّ سرّ النجاح الذي عرفه معهد “ايبلا” ومجلته يكمن في سياسة الحياد الإيجابي. ويفسرّ بن يوسف “الحياد الايجابي” على أنّه الابتعاد الصّارم عن التدخل في الشؤون السياسية التونسية وكذلك الابتعاد الواضح عن كل محاولات الاحتواء سواء من جهة الأحزاب السياسية أو السلطة. كما يعتبر بن يوسف أن جزءًا كبيرا من السمعة الممتازة التي تحظى بها المجلة راجع في جزء كبير منها إلى شخصية الأب جون فونتان شخصيا حسب قوله.
من خلال هاتين الشهادتين سواء حول الأب دميرسمان أو الأب فونتان نلاحظ مدى التحوّل العميق لدور الآباء البيض في تونس من دور تبشيري وبحثي لمساعدة الاستعمار الفرنسي إلى دور بحثي ثقافي متجذر في الثقافة التونسية يؤرخ لها ويغوص في إشكالياتها، بل أصبحت المكتبة والمجلة مكوّنا أساسيا في المشهد الثقافي التونسي.
حريق مكتبة إيبلا كارثة تطلق سيلا من العرفان
فجر يوم 5 جانفي 2010 نشب حريق هائل بمكتبة ايبلا، هذا الحدث المأساوي أودى بحياة الأب جيان باتيستا مافي عن عمر ناهز 45 عاما، وإتلاف نصف كتب ومخطوطات المكتبة بعضها نادر وذو قيمة معرفية وتاريخية كبيرة. أدّى هذا الحريق إلى غلق أبواب المكتبة أمام روادها لأكثر من أربع سنوات.
هذه المحنة، حسب بندانة، أثبت أهمية المكتبة في الفضاء الثقافي التونسي و لدى جيل كامل من المثقفين. بل انّها خلقت نوعا من التآزر الاجتماعي والتكافل بين سكّان الحي من نساء ورجال هبّوا للمساعدة بما يملكونه من مهارات يدوية في الطّلاء أو الخياطة. وقدّم جيران المكتبة الكهرباءَ وساعدوا في الترميم بجهدهم الخاص.
رواد المكتبة القدامى، الذي أصبح جزء هام منهم في مناصب سيادية من وزراء وكتاب دولة وجامعيين، هرعوا هم أيضا لنجدة مكتبتهم حيث قدّموا كافّة أنواع المساعدات سواء المالية أو الكتب وحتى من خلال المشاركة في أعمال ترميم المخطوطات والكتب التي تضرّرت من مخلفات عملية اطفاء الحريق.
بندانة التي كانت شاهدة على عملية الترميم والمساعدات، تحدّثت بإطناب على ما وصفته بالعرفان الكبير الذي نالته المكتبة من روّادها بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية وهو ما يؤكد أنّ هذه المكتبة أثّرت بشكل أو بآخر في البنية الثقافية التونسية وأضحت رمزا للتواصل بين الفضاءات المعرفية ومحيطها الاجتماعي. وتأييدا لفضيلة الاعتراف دون طلب الشهرة كان أغلب من قدّموا المساعدة طلبوا أن تبقى هوياتهم سرية.
بندانة ذكّرت بأهمية بناء قنوات التواصل مع الساحة الثقافية التونسية ومع محيط المكتبة الاجتماعي معتبرة أنّ تلك المقاربة التي بدأها الأب دمير سمان ومن بعده الأب فونتان، هي التي خلقت ذلك الشعور بالتعاطف الكبير مع المكتبة خلال محنتها.
كانت حادث احتراق المكتبة والرحيل الحزين للأب باتيست وما رافقهما من مدّ تضامني من أبناء المكتبة وجيرانها بمثابة فصل آخر من العرفان والوفاء والتقدير لدور هذه المكتبة التاريخي في مساعدة الطلبة التونسيين ونوعا من الاعتراف الرمزي بدور مجلة “ايبلا” في تأسيس نوع من الديناميكية الثقافية وخلق نقاش حول الثقافة والأدب التونسي.
فكانت عملية صيانة المكتبة وتجديد مخزونها من الكتب بمثابة انتصار لنهج الأبوين دمير سمان وفونتان الذين قطعَا مع الغاية الأولى لتأسيس الآباء البيض الحاملة لخلفيات وغايات تبشيرية استعمارية، وأسسّا لهدف حضاري تواصلي أنتج هذا الوجه المعرفي الجميل والبعد المهم الذي تحوزه “إيبلا” في وجدان عدد كبير من التونسيين.
مكتبة الآباء البيض ومن ورائها مجلة “ايبلا” كانت وما تزال إلى اليوم منارة تاريخية تقدّم الإضافة للحياة العلمية والثقافية في تونس.
الأب جون فونتان مسيرة ملهمة لرجل استثنائي
Crédit photo: Ons Kammoun
Crédit photo: Ons Kammoun
ولد الأب جون فونتان يوم 02 ديسمبر 1936 بقرية سان اندري الواقعة شمال فرنسا. حصل سنة 1953 على شهادة البكالوريا شعبة رياضيات. وبعد سنتين هاجر إلى الجزائر، ولم يُطل المكوث هناك فطلب بعد عام واحد نقله إلى تونس تحديدا في معهد الآباء البيض سان جوزيف بتيبار وهي قرية صغيرة قرب مدينة باجة تقع شمال العاصمة تونس لمواصلة دراسته في الدين المسيحي.
عمل الأب فونتان من سنة 1952 إلى سنة 1959 معلما بالجزائر ثم قام بتدريس الدين المسيحي في تونس بجهة قرطاج ومنوبة.
عاد الأب فونتان لدراسة اللغة والآداب والحضارة العربية بكلية الآداب بتونس، وانتقل بعدها لمواصلة دراسته في اللغة العربية بالمعهد البابوي للدراسات والإسلام بروما، ثم نال شهادة الأستاذية من كلية الآداب بتونس سنة 1968.
انطلقت رحلة فونتان في إدارة مكتبة الآباء البيض بتونس حيث أدار، كذلك، مجلة إيبلا لقرابة عشرين عاما (1977 – 1999). توازيا مع هذه المسؤولية المهنية لم تخفت روح فونتان البحثية وشغفه بخبايا اللغة والثقافة العربية حيث واصل دراسة المرحلة الثالثة بفرنسا وتحديدا بجامعة “إكس أون بروفانس” لينال شهادة دكتوراه دولة في اللغة والآداب العربية، التي كانت بمثابة تتويج لمسيرته العلمية المميزة.
كان الأب فونتان متفانيا في عمله بالمكتبة يحرص على تقديم كل أشكال المساعدة لروادها، وشديد الشغف بالأدب العربي والتونسي على وجه الخصوص.
الأستاذة قمر بندانة
تقول الأستاذة بندانة أنّ الأب فونتان كان شديد المتابعة لكل الاصدارات الأدبية التونسية ويحرص على مناقشتها والكتابة حولها وقام بتنظيم عديد الندوات والأمسيات الثقافية حول مجالات بحثية متعددة طيلة إدارته للمكتبة والمجلة.
وقد جمعت الأب فونتان عديدُ الصداقات بأغلب الفاعلين في الحقل الثقافي التونسي حيث عاضد الأنشطة الثقافية المختلفة وفتح المجلة لإسهامات عديدة أثرت بدورها النقاشَ المعرفي طيلة سنوات لدى أجيال من الباحثين التونسيين. واشتهر الراهب فونتان بشغف البحث والدراسات العميقة في الأدب التونسي المكتوب باللغة العربية والفرنسية والتأريخ له حتى أصبح واحدا من أهم المختصين فيه.
الأب فونتان قضّى، كذلك، أكثر من خمس سنوات من حياته في جمع أمّهات الكتب المتعلقة بالأدب العربي لتعزيز رصيد مكتبة الآباء البيض بتونس.
ووهذا الرأي تعززه شهادة الدكتور محمد شريف الفرجاني المختص في الإسلاميات والذي جمعته صداقة خاصة مع الراهب فونتان حيث يبيّن محدّثنا الجانب الإنساني العميق لهذا الأب الذي واظب على مدى سنوات طويلة على تفقّد أحوال السجناء مهما كان دينهم.
و ويعتبر الفرجاني في شهادته على مسألة العلمنة (وهي مجال اهتمامه واختصاصه البحثي الرئيسي) مجلّةَ “إيبلا” مثالا صريحا على هذه العلمنة.
الآباء البيض شجّعوا إستقلال حقول الأنشطة المدنية عن الأنشطة الدينية، وأصبحت أغلب أنشطة المعهد ذات صبغة مدنية.
يعرف عن الراهب فونتان حبه للموسيقى حيث بدأ تعلم العزف على آلة الكلارينيت سنة 2000 وترك حيزا هاما من رفوف مكتبته لأسطوانات الموسيقي.
تبدأ مسيرته البحثية من كتابه “عشرين سنة من الأدب التونسي 1956-1975″، وتنتهي بكتابه الأخير “إلى جانب السلفية في تونس التكتيك والإستراتيجية” المنشور سنة 2016.
وكان الأب فونتان قد ترك، كذلك، عددا كبيرا من الكتب والمقالات التي توضّح تطوّر مساره الفكري وتبين شدة تعلقه بالبحث ومواكبة التغيرات الثقافية والاجتماعية التي تطرأ على الواقع التونسي.
ترك جون فونتان أكثر من 25 كتابا وعددا كبيرا من الورقات والبحوث العلمية، تتناول أغلبها الأدب التونسي والعربي وبعض الظواهر الاجتماعية والمجالات المعرفية المختلفة.
وتمّ التبرع بجزء مهم من مكتبة فونتان إلى دار الكتب الوطنية التونسية، أين تم تنظيم ندوة حول الأب فونتان والتطرق الى جوانب متعدّدة من حياته وإسهاماته المختلفة.
كما وهب الراهب عاشق المعرفة مكتبته الخاصة التي تضم أكثر من 3000 كتاب بينها كل الكتب الأدبية التونسية منذ الاستقلال إلى اليوم إلى مكتبة “إيبلا”.
عُرف عن الأب فونتان، أيضا، شدة تفانيه وإتقانه لكل ما يفعله وخاصة التأليف والكتابة فقد صرح(جريدة الصحافة مارس 2010 حاوره منير الهلالي) عند سؤاله حول أحد أهم كتبه “دبرة الحمار”. أنه قرأ مائة كتاب وجمع 350 تحفة وألف صورة فوتوغرافية عن الحمار ليتمكن من كتابة ذلك الأثر. وهذه التفاصيل تجعلنا نفهم غزارة تملك الرجل لخفايا وكوامن الثقافة التونسية والعربية ونفهم مدى عمق إنتاجاته البحثية.
ترك الأب فونتان أثرا مهما لا يمكن محوه على الساحة الثقافية التونسية وأثبت من خلال تجربته الطويلة إمكانية التعايش الثقافي والتواصل بعيدا عن التعصب الديني والتطرف الفكري.
ويؤكد نادر الحمامي دكتور الحضارة العربية أن الأب فونتان، شخصية يجب دراستها من زوايا متعددة لا فقط من زاوية أنه أحد الآباء البيض، بل من زاوية الباحث الشغوف صاحب مشروع تحقيب الأدب التونسي والباحث في الثقافة التونسية وتغيراتها بعيدا عن أي تأثير سياسي حيث يفسر كيف وفرت “إيبلا” مساحة حرة للبحث خاصة زمن الاستبداد السياسي.
كما يعدد الحمامي فضائل جون فونتان الإجتماعية في علاقة بزيارات السجون وتقديم كل أنواع المساعدة للمساجين من كتب أو مساعدات أخرى.
ويربط الحمامي بين الغوص الاجتماعي للآباء البيض كأفراد من ناحية انشغالهم بقضايا محيطهم وبين تغير دورهم على أرض الواقع من مؤسسة دينية تبشيرية، إلى فضاء معرفي ساهم في دعم جيل كامل من الباحثين التونسيين ودفع الحياة الثقافية وإسناد ودعم كل الجهود البحثية، مع عمل اجتماعي من الأخوات والآباء البيض لمساعدة الأحياء المجاورة للمكتبة (السيدة والملاّسين وحي هلال ..) أو السجناء وهي أعمال أرست لتقبّل المجتمع التونسي للآباء البيض في بُعدهم الاجتماعي ودورهم المدني والثقافي.
وإيبلا تجربة متعددة الزوايا تفاعلت داخل السياق التاريخي التونسي وأثرت فيه وتأثرت به. شهدت تحولات كبرى في صيرورتها التاريخية حيث تغيّرت الغايةُ من وجودها الأول وتطورت. فهي في بداية التأسيس مؤسسة تبشيرية مسيحية تعاضد جهود الاستعمار عن طريق دراسة الخصائص الأنثروبولوجية والسوسيولوجية للتونسيين، ولكنّها تحولت فيما بعد إلى مؤسسة يغلب عليها النشاط المدني والثقافي الذي ساهم منذ انطلاقه في إثراء المشهد الثقافي التونسي وإسناده، لتصبح واحدة من أهم مكونات المجال البحثي والثقافي في تونس.
يعتبر هذا العمل مساهمة من موقع الكتيبة لتسليط الضوء على دور "مؤسسة إيبلا" في دعم وإسناد الحياة الثقافية في تونس. هذه المؤسسة التي يجهل وجودها أصلا قطاع كبير من الشباب التونسي رغم تجذّرها في التاريخ التونسي وتأثيرها في الحياة الثقافية والأكاديمية أيّما تأثير.
يعتبر هذا العمل مساهمة من موقع الكتيبة لتسليط الضوء على دور "مؤسسة إيبلا" في دعم وإسناد الحياة الثقافية في تونس. هذه المؤسسة التي يجهل وجودها أصلا قطاع كبير من الشباب التونسي رغم تجذّرها في التاريخ التونسي وتأثيرها في الحياة الثقافية والأكاديمية أيّما تأثير.
الكاتب : مالك الزغدودي
صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية..
الكاتب: مالك الزغدودي
صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية.