الكاتب: مالك الزغدودي

صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية.

اختار الملايين من التونسيين والتونسيّات -على وجه خاص- الإشاحة بوجوههم/هن عن الاستشارة الوطنية التي أطلقها الرئيس قيس سعيد (15 جانفي/ كانون الثاني و20 مارس/ آذار 2022) بسبب ما وصفه البعض بـ”الأسئلة السطحية” و”المخيّبة للآمال” التي بُنيَت عليها الاستشارة.

الكاتب: مالك الزغدودي

صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية.

اختار الملايين من التونسيين والتونسيّات -على وجه خاص- الإشاحة بوجوههم/هن عن الاستشارة الوطنية التي أطلقها الرئيس قيس سعيد (15 جانفي/ كانون الثاني و20 مارس/ آذار 2022) بسبب ما وصفه البعض بـ”الأسئلة السطحية” و”المخيّبة للآمال” التي بُنيَت عليها الاستشارة.

لم يتجاوز إجمالي المشاركين/ات في هذه الاستشارة عتبة الـ 535 ألفا. وقد جاءت نتائج الاستشارة مذكّرة بشكل واضح حيث استحوذ الذكور على ثلثيْ نسبة المشاركة (366 ألف مشارك) مقابل الثلث للإناث (168 ألف مشاركة).

ومن المعلوم أنّ عدد السكان في تونس قد قدّر بحسب بيانات الأمم المتحدة في سنة 2020 بحوالي 11.8 مليون نسمة يتوزعون بنسبة 49.60 بالمائة من الذكور و50.4 بالمائة من الإناث.

فهل من الموضوعية الحكم بالفشل على الاستشارة انطلاقا فقط من المعطيات الكميّة؟ وكيف كانت سيرورة إنجازها وأهم ما تضمنته من محاور قيد الاستشارة ؟ وهل فعلا تعرّضت لـ”عقبات مفتعلة” وفق توصيف الرئيس أم هي حملت منذ البداية بذور تعثرها؟ ولماذا يعتبر الرئيس قيس سعيّد أنّها ناجحة رغم ضعف نسبة الاقبال؟ وكيف يمكن قراءة هذه المحطة في مسار مشروع “التأسيس الجديد” الذي يتطلع إليه رئيس الجمهورية وتداعياتها على بقيّة الاستحقاقات التي تمّ تحديدها في خارطة الطريق التي تضمنت إجراء استفتاء شعبي يوم 25 جويلية /تموز من العام الحالي؟

الاستفتاء الالكتروني … “يوتوبيا” الديمقراطية المباشرة

فتحت شبكة الانترنت آفاقا جديدة للممارسة الديمقراطية المباشرة مثل تقديم عرائض إلكترونية أو التصويت الإلكتروني وحتى الاحتجاج من خلال وسائط التواصل الاجتماعي. تعتبر الاستشارة الإلكترونية من بين هذه الممارسات الديمقراطية الجديدة، والتي أصبح الكثير من الدول يَسنُّ لها قوانينها وأطرها التشريعية.

تم اعتماد الاستشارات الإلكترونية في عدد من دول العالم (فرنسا، أيسلندا، سريلانكا…) في محطّات تاريخية عرفتها تلك البلدان، كما الإستشارات الإلكترونية في التأسيس لكيانات سياسية واقتصادية جديدة رغبة منها في مواكبة الثورة الرقمية وتطوّر/ تعدد منصات التواصل الإجتماعي.

لا تعتبر الاستشارة الإلكترونية شاذة عن التصورات والتجارب العالمية المماثلة لممارسة الديمقراطية رقميا، لكنها في الوقت ذاته كالجسم الغريب على الساحة السياسية التونسية، وممارسة مستجدّة في ديمقراطية ناشئة عانت وتعاني أساسا من ضعف نسب مشاركة المواطنين في الانتخابات المباشرة.

رغم النوايا الطيّبة في استعمال الانترنت واعتماد الوسائل الرقمية في إحداث بوابة إلكترونية للاستشارة والترويج لها، إلا أنها تصطدم بصعوبات تقنية ولوجيستية وتأخر تونس في تعزيز البنية التحتية لخدمات الانترنت تترجمها الصعوبات الجمّة التي تعترض التونسيين في الولوج إلى الخدمات عبر شبكة الإنترنت.

تصريحات متعدّدة من الرئيس وعدد من وزرائه دعت جميعها، للمشاركة بكثافة في الاستشارة الوطنية، إضافة إلى حملات ترويجية في الأسواق الشعبية وبعض الشوارع الرئيسية للعاصمة من أنصار الرئيس سعيّد لحث المواطنين/ات على الانخراط في الاستشارة.

زيادة على كل ذلك، تم تسخير مرافق الدولة من دور شباب وثقافة في الترويج للاستشارة، فضلا عن دعوة الرئيس قيس سعيّد لرئيسة الحكومة نجلاء بودن إلى ضرورة توفير الانترنت مجانا من أجل تمكين أكبر عدد ممكن من التونسيين من المشاركة فيها، ما يعكس الأهمية الكبرى للاستشارة في مشروع وفكر قيس سعيّد السياسي.

في ذات السياق، أوضح الباحث والأكاديمي بالجامعة التونسية صلاح الدين الداودي (من المساندين للرئيس قيس سعيد) في حواره مع موقع “الكتيبة”، أنّ “مشروع الاستشارة يدخل القرن الواحد والعشرين بضمانة أكبر مفكّري العالم في السياسة. التجربة الرقمية، نتحدث فيها عن استفتاء إلكتروني أو استشارة الكترونية أو تصويت إلكتروني، منتديات الكترونية أو حتى برلمان الكتروني. هناك إذا عدة فروع وعدة تخصصات كلها تحتاج إلى هذه التجربة من الديمقراطية الاستشارية والتشاورية”. محدّثنا أضاف أنّ الاستشارة الالكترونية “أصبحت آلية من آليات الديمقراطية الرقابية وأصبحت أصلا من أصول الديمقراطية التشاركية بكل أنواعها وبكل مدارسها في عدد كبير من دول العالم”.

في الواقع التونسي، نحن لسنا بمعزل عن التجارب الموجودة في العالم و لدينا مساهمات وقراءات للتجارب المقارنة التي تتعلق بهذا النمط من تعزيز الديمقراطية بوجه عام في كل مستويات الحياة، وهي ممارسة جوهرية لتمكين الشعب من المشاركة الفاعلة في تحديد مستقبله عبر وسائط حديثة.

صلاح الدين الدّاودي

موقف الداودي يعكس الفلسفة العامة الناظمة للتصوّر الذي صيغت من خلاله الاستشارة، وهو لا يغيب عن خطابات الرئيس سعيّد وتصريحاته وحتى على الصفحة الرسمية للمنصة المخصصة لإجراء الاستشارة أين دُوّن بها في التعريف بأهداف الإستشارة أنّها:

“ستتيح هذه الاستشارة للشعب التونسي، المالك الوحيد للسلطة، تحديد الإصلاحات الرئيسية التي يتطلع إليها. وستضع إطارًا ديمقراطيًا للتداول حول مختلف المقترحات التي من شأنها أن تساعد في مواجهة التحديات الحالية التي تواجه التونسيين في مختلف المجالات”.

رغم كل هذا التحشيد والدعوات المتكرّرة، إلا أن عدد التونسيين/ات المشاركين/ات في الاستشارة كان ضعيفا مقارنة بنسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفارطة على سبيل الذكر.

ألقت هذه النسب الضعيفة في المشاركة بظلالها على تصريحات وزير الشباب والرياضة كمال دقيش الذي علّق فشلها على شمّاعة أطراف تسعى منذ من 25 جويلية/ تموز إلى إفشال المسار الذي ذهبت فيه تونس.

“تبيّن بالكاشف وجود أطراف ذات انتماءات سياسية رافضة لقرارات 25 جويلية/ تموز تسعى إلى إفشال الاستشارة الوطنية الالكترونية وتسحب إلى الخلف حتى لا تتم المشاركة فيها”.

كمال دقيش

وأضاف دقيش في تصريح لإذاعة جوهرة أف أم أنّ ضعف المشاركة يعود أيضا لأسباب تقنية، وكذلك لوجود فهم خاطئ للاستشارة والخلط بينها وبين استطلاعات الرأي، على حدّ تعبيره.

في الحقيقة، عجزت الاستشارة عن جذب عدد كبير من التونسيين، خلافا لتوقعات الرئيس سعيّد ووزرائه التي كانت تنتظر مشاركة لا تقلّ عن 25% من أصل 8 مليون تونسي.

بالإضافة إلى ذلك، عبّر جزء واسع من الفاعلين السياسيين عن رفضهم التام لما ذهب إليه الرئيس سعيّد باستشارة الشعب إلكترونيا عوض الدعوة إلى حوار وطني للخروج من الأزمة التي تعرفها البلاد، فيما دعت أطراف سياسية أخرى إلى مقاطعتها.

الدعوات السياسية الرافضة للاستشارة، تتقاطع في جزء منها مع مواقف المنظمات الوطنية على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل الذي لا يرى مانعا في تنظيم استشارة إلكترونية لكنه لا يوافق في أن تحلّ محل الحوار الوطني الذي كان قد دعا إليه منذ أكثر من سنة.

يقول الأمين العام الاتحاد التونسي للشغل نورالدين الطبوبي في حواره مع جريدة الشعب في عددها الصادر في 17 فيفري/ شباط 2022 إنّ الاستشارة الإلكترونية لا يمكن أن تحلّ محلّ الحوار الوطني، مجدّدا دعوته إلى فتح حوار وطني حقيقي وتشاركي في مناقشة الدستور والقوانين الانتخابية، ومحذّرا من خطر الانزلاق نحو خيارات قد تؤدي إلى تأسيس نظام قائم على الحكم الفردي.

رغم أنّ الرئيس سعيّد لا يأبه في العادة إلى ما يطاله من انتقادات ويظهر مصرّا على المضي قدما في برنامجه وخارطة طريقه التي أطلقها يوم 13 ديسمبر/كانون الأوّل 2021، إلا أنّ كل هذه العوامل والإشكاليات سالفة الذكر تطرح بشكل صريح إشكالية حقيقية حول مشروعية خطواته الإصلاحية التي يعتزم إجراءها عقب صدور نتائج الاستشارة.

بل يذهب المولدي القسومي أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية في حواره مع “الكتيبة”، إلى أنّ الاستشارة فشلت تماما في تحقيق غاية من أعدّها مؤكدا أنّ هذه الاستشارة وإن أُعدّت للشباب فإنها عجزت عن استقطابه بشكل واضح. ممّا يعني أن البرنامج الإفتراضي الذي لم يعلن عنه الرئيس سعيّد إلا عبر تصوّرات عامة لم يجد مقبولية لدى هؤلاء الشباب.

الاستشارة أُعدّت لتبرير ما يريد رئيس الدولة إنفاذه و هو ما يسمّى بالبناء القاعدي

المولدي القسومي

الاستشارة الرقمية … مطيّة لـ “التأسيس الجديد”

تضمّنت الاستشارة الإلكترونية، إجابات مقترحة على 30 سؤالًا موزّعًا على 6 محاور، إضافة إلى وجود مساحة للتعبير الحرّ في كلّ محور، وتمتد بين 1 جانفي/ كانون الثاني و20 مارس/ آذار 2022 وفق الإعلان الأولي لكنها لم تنطلق فعليّا سوى يوم 15 جانفي/ كانون الثاني من نفس السنة بسبب المشاكل التقنية التي اعترضت عملية إطلاق المنصة الرقمية المخصصة للغرض.

“ستتيح هذه الإستشارة للشعب التونسي، المالك الوحيد للسلطة، تحديد الإصلاحات الرئيسية التي يتطلع إليها. وستضع إطارًا ديمقراطيًا للتداول حول مختلف المقترحات التي من شأنها أن تساعد في مواجهة التحديات الحالية التي تواجه التونسيين في مختلف المجالات”. هذا جزء من التقديم الذي كتب على الصفحة التعريفية للمنصة الوطنية للاستشارة الالكترونية، وهو يحمل أهم تصورات الرئيس لفكرة ممارسة الشعب للسلطة بنفسه وبطريقة مباشرة، والتي جاء فيها أن الشعب هو مصدر التفويض الأساسي والسلطة الأصلية الدائمة وأنّ أسئلة الاستشارة هي وسيلة الشعب لممارسة هذه السلطة في فترة بناء تاريخ جديد لتونس كما سبق للرئيس سعيد أن صرّح قائلا “هم لفظهم التاريخ بينما نحن نعمل على تاريخ جديد للشعب التونسي”.

تعليقا منه على هذا التعريف، أبرز القسومي أنّ الأسئلة المضمنة بالإستشارة لا تقود إلا لوجهة نظر القائمين عليها.

نحن أمام استشارة لا تتوفر على مضامين الاستشار أصلا بدءا من البناء المضموني لطبيعة الأسئلة والمسار الإجرائي الذي اعتمدت عليه لأنه قام على مجموعة غير معلومة طرحت جملة من الأسئلة الموجهة.

المولدي القسومي

ويضيف القسومي في حواره مع “الكتيبة”، في علاقة بالاستشارة وأسئلتها، أنها ليست سوى تمهيد طريق لمشروع الرئيس قيس سعيّد القائم على عبارته الشهيرة “الشعب يريد”، مشيرا إلى أنها أظهرت فشلها ودليل ذلك عزوف التونسيين/ات على المشاركة الكثيفة فيها، كأنّ لسان حال الشعب يقول إنه لا يريد، بحسب محدّثنا.

تُعتبر المقاطعة الرقمية مثلها مثل الاستشارة الرقمية من أدوات التعبير الديمقراطي الحديثة أو ما يسمى بالديمقراطية المتصلة، وبالتالي يجب أخذ عزوف المواطنين/ات على أنه رأي وموقف من الاستشارة، بحسب محدثنا.

وفي ذات هذا السياق الرافض للاستشارة والناقد لصيغة وطبيعة تركيبة الأسئلة التي تحتويها، أكدت الأستاذة في القانون العام منى كرّيم الدريدي خلال ورشة نقاش نظّمها مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي يوم السبت 12 فيفري/شباط 2022 “أنّ الأسئلة الموجودة في الاستشارة الوطنية عامة ولا تتماشى مع الخصوصية التونسية”. ولفتت إلى أنّ الاستشارة تقوم على ثنائية “نحن وهُم”، مشيرة إلى أنّ استعمال مصطلح “العشرية الأخيرة” كان لإضفاء صفة الخراب لسنوات ما بعد الثورة، وهو رأي الرئيس سعيّد.

كما اعتبرت أنّ ما جاء في تعريف الاستشارة فيه إيهام ببناء جديد رغم أنّ الأسئلة وفق وصفها ضيقة ولا تسمح بالتعبير الحرّ.

إضافة إلى نقد مضمون الأسئلة في الاستشارة ودعوة المعارضة السياسيّة إلى مقاطعتها (مبادرة مواطنون ضد الانقلاب، حزب حركة النهضة والتيار الديمقراطي والدستوري الحر وحزب العمّال… )، هناك أيضا تشكيك قانوني في مشروعيتها، وشرعية تسخير موارد الدولة للقيام بإنجازها، وهذا ما عبّرت عنه الأمينة العامة للحزب الدستوري عبير موسي (المساندة لتفعيل الفصل 80) في حوار على راديو شمس أف أم.

وقالت موسي “هذه المنصة هي وسيلة للتستّر وراء إرادة شعبية غير حقيقية لتمرير جملة من النصوص القانونية على مقاس الحاكم باعتبار أنّ الدولة هي الخصم والحكم“، موضحة أنّه “سيتمّ رفع قضية في هذا الخصوص نظرا إلى غياب الشفافية ومعلومات حول هذه المنصة الإلكترونية على غرار من يقف وراءها والأموال المرصودة لها من المال العام.”

كما أشارت عبير موسي إلى أنّ الحزب الدستوري الحرّ سيرفع قضية أخرى استنادا الى الفصل 96 من القانون الجزائي التونسي في استعمال المال العام لتحقيق مشروع سياسي شخصي لم يطالب به التونسيون.

معارضة موسي للاستشارة، واستفسارها حول طبيعة التمويل والموارد الممنوحة لتنفيذ الاستشارة، ونقدها لغياب الشفافية واستغلال المال العام دون وجه حق، أجاب عنه رئيس الدولة في خطابه الذي عقب نهاية الاستشارة قائلا إنّ “الدولة لم تدفع أي مليم في الاستشارة بل كان ذلك كله بفضل إرادة الشعب التونسي الذي سيحقق أحلامه وآماله”.

إكتفى الرئيس بنفي وجود أي تكلفة مالية تمّ تخصيصها للإشراف وتنفيذ الاستشارة رغم ما تمّ توفيره من إمكانيات مادية ولوجستية لإنجاح المبادرة. نفي يتعارض مع المعايير الدولية في حوكمة الموارد المادية والبشرية للدولة من ذلك احتساب ساعات عمل الموظفين الذين تمّ تسخيرهم.

زوايا الجدل التي أثارتها الاستشارة لم تتوقف هنا، بل شملت أيضا الجانب التقني، حول حماية المعطيات الشخصية للمشاركين في الاستفتاء، خاصة وأن خطر الاختراق السيبرني أو تسريب معطيات المستعملين، مازال يمثل تهديدا حقيقيا خصوصا وأنّ هناك تجارب سابقة مع منصات تشرف عليها أجهزة الدولة تمّ اختراقها وتسريب معطياتها كالذي حصل مع مثل اختراق منصة التسجيل بمنظومة إيفاكس ( منصة للتسجيل عن بعد لتلقي لقاح كوفيد-19).

ولم يخلُ مسار تنفيذ الإستشارة الإلكترونية من خروقات في استعمال وجوه معروفة للدعاية لها، رغم أنها ممارسات رأى فيها عدد من المهتمين بالشأن العام سلوكيات غير أخلاقية ومنافية للقانون.

من الوجوه المعروفة التي تمّ استعمالها للدعاية للإستشارة الإلكترونية، أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي المُعارضة لمسار 25 جويلية/تموز التي تفاجأت بوجود فيديو لها كان قدّ تمّ تصويره معها من طرف إحدى الجمعيات تتحدّث فيها بشكل عام عن الإستفتاء الشعبي، ليتم توظيفه فيما بعد ووضعه في الجانب الإشهاري داخل المنصة.

“صُدمت باستعمال فيديو صوّرته في سياق مخالف تماما من أجل الترويج للاستشارة”.

سلسبيل القليبي

وبيّنت القليبي في تصريحها لموقع “الكتيبة” أنّ تصوير هذا الفيديو كان مع جمعية شبابية غايتها تبسيط المفاهيم القانونية، كما لم يتم إعلام ورئيس الجمعية التي قامت بتصوير الفيديو باستعمال المحتوى الذي أنتجه. وأضافت أنّ زميلها أستاذ القانون العام سليم اللغماني تعرّض بدوره إلى نفس العملية.

استعمال مادة إعلامية دون علم أصحابها ودون احترام التراتيب والقوانين الجاري بها العمل في مجال الملكية الفكرية والأدبية من قبل الجهات المنظمة للاستشارة والتي تعرفها كآلية غير تقليدية يعتبر أمرا متناقضا مع فكرة الديمقراطية الإلكترونية في جوهرها ومنهجها في ضمان جيل جديد من حقوق الإنسان وهي حقوق الملكية الفكرية الرقمية.

شعبيّة على المحك

نسب المشاركة الضعيفة في الاستشارة الوطنية، تضع شعبية الرئيس قيس سعيد ومشروعه على المحك خاصة وأنه استشهد في الأسبوع الأول من انطلاق الاستشارة ببعض نسبها خلال اجتماع لمجلس الوزراء، حيث تمّ بث مقطع مصوّر منه على الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية بالفايسبوك يقول فيه الرئيس إن 82% من المواطنين يفضلون النظام الرئاسي، و92% يؤيدون سحب الثقة من النواب البرلمانيين.

وأردف الرئيس سعيّد بالقول “89% من المواطنين ليست لديهم ثقة بالقضاء، و81% يؤيدون تولي الدولة لتنظيم الشؤون الدينية”، مؤكداً “هذه الأرقام ليست مزيّفة، ولم يضعها أشخاص من مكاتب أو جهات”.

استناد الرئيس سعيد على بعض نتائج الاستشارة قبل نهايتها، وتعبيره عن حنقه من أطراف اتهمها بالوقوف وراء تعطيل سير الاستشارة، تضع نقاط استفهام كثيرة حول مشروعية التغييرات العميقة التي ينوي تنفيذها على الحياة السياسية وباقي جوانب الحياة العامة في تونس استنادا إلى نتائج الاستشارة.

تجاوز عدد المشاركين/ات في الاستشارة بقليل الـ500 ألف مشارك/ة أي ما يعادل أقل من 5٪ من عدد التونسيين وهي نسبة ضئيلة لا تمثل حتى خمس من صوتوا للرئيس قيس سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية المقدر عددهم بـ 2.7 مليون ناخب/ ة. رغم هذه النتائج بقي الرئيس سعيّد في حالة إنكار أمام تعثّره في أولى محطات مشروع السياسي.

هذا العزوف الشعبي للمشاركة في الاستشارة الإلكترونية تسعى تشكيلات سياسية إلى استثماره رغم أنّ الأخيرة تُعاني هي كذلك من غياب العمق الشعبي لها كما تبيّنه تحرّكاتها الاحتجاجية التي تقوم بها بين الفينة والأخرى والتي لا تستقطب إلا بعض المئات وأحيانا بضعة آلاف من الأنصار.

لا يتفق صلاح الدين الداودي الأكاديمي والباحث في الجامعة التونسية مع هذا الرأي ويرى أن أكثر من 500 ألف مشارك/ة هو رقم كبير ومهم، خاصة وأن الاستشارة تقليد جديد على التونسيين لم يألفوه بعد، إضافة إلى بعض الصعوبات اللوجستية والتقنية في التعامل مع شبكة الإنترنت خاصة عند كبار السن. وصرح الداودي أن “كل مشارك يمثل نفسه ويمثل مجموعة من الأفكار ويمثل مجموعة من البشر”. وهذا العدد في رأيه مشجع كتجربة أولى، ولكن يجب دائما التطور والسعي لجذب عدد أكبر من التونسيين. ويؤكد الداودي أن خلاصات الاستشارة ستعرض مجددا على الشعب ليقول كلمته الفصل فيها.

“هناك عدة مسارات تعقب الاستشارة، منها ما سوف يتم فيه إنتاج نص يليق بالحياة الجديدة للتونسيين في جمهورية وطنية جديدة في كل مناحي الحياة. و هنا نتحدث عن دستور و عن مجموعة من القوانين.”

صلاح الدين الداودي

موقف الداودي هو موقف يختلف معه عدد ليس بالهيّن من الفاعلين في المجال السياسي والمدني. فشل الاستشارة في استقطاب شريحة واسعة من التونسيين/ات، يعطي عدّة مؤشرات منها ربما تراجع شعبية الرئيس قيس سعيّد أو عدم قبول التونسيين لبوادر مشروعه المضمن في منصة الاستشارة. وهذا الرأي أكده أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية المولدي القسومي حيث صرّح أنّ مخرجات الاستشارة هي لدواع تبريرية فقط حتى يقال إن “قيس سعيّد أصبح له مشروع يتناغم مع مقولة الشعب يريد ولكن الاحصائيات في علاقة بالإقبال على هذه الاستشارة بيّنت أن الشعب لا يريد، والاستشارة لم تحقق غايتها”.

يبدو أن نتائج الاستشارة لم تثن عزائم الرئيس قيس سعيّد من أجل إكمال مسار خارطة الطريق. حيث أكد في كلمة توجه بها إلى الشعب التونسي بعد دقائق من نهاية الاستشارة، في الساعة الأولى من يوم 21 مارس/آذار 2022، أنّ “الاستشارة الوطنية ناجحة رغم كل محاولات الإحباط والتشويه، فضلاً عن العقبات التي وضعت حتى لا يعبّر الشعب عن إرادته ضمن هذه العملية الفريدة من نوعها.”

وأضاف رئيس الجمهورية أيضا أن العمل سيتواصل لتنظيم الاستفتاء يوم 25 جويلية/ تموز 2022 بعد أن يتم تشريك الجميع في إبداء آرائهم بالنسبة للنظام السياسي الجديد، لتتولى لجنة التأليف بين الاختيارات وتجسيدها في نص قانوني يقطع مع الماضي، قبل تنظيم الانتخابات يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول.

“الاستشارة الوطنية ناجحة رغم كل محاولات الإحباط والتشويه، فضلا على العقبات التي وضعت حتى لا يعبّر الشعب عن إرادته ضمن هذه العملية الفريدة من نوعها”

قيس سعيّد

يؤكد خطاب الرئيس قيس سعيد أنه ماض في مشروعه، وعازم على تطبيق برنامجه، حتى لو كانت نسبة المشاركة في الاستشارة لا تتعدى 5٪ من عموم التونسيين/ات. وهذا الموقف يمكن أن يفتح الباب أما تعميق الأزمة السياسية، ومزيد استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في ظل جبهة الرفض المدنية والسياسية الواسعة لمشروع رئيس الجمهورية، وتغييراته الكبرى التي يعتزم تنفيذها مهما كان الثمن.

مسار تظلّ مشروعيته منقوصة ومحلّ تشكيك بسبب نسب المقاطعة والعزوف الواسعة وخاصة بسبب تفرد سعيّد بجميع الصلاحيات ومواصلته العمل بسياسة “الأبواب الموصدة” و”الغرف المغلقة ” في إصدار المراسيم الرئاسية غير القابلة للطعن قضائيا ولا دستوريا (النصوص التشريعية الاستثنائية) بشكل أحادي فوقي دون الإنصات للأصوات المعارضة وهو ما قد يعمّق الأزمة السياسية حتّى في حال الوصول بالبلاد إلى الاستفتاء المرتقب والانتخابات التشريعية السابقة لأوانها التي قد تشهد مقاطعة غير مسبوقة من قبل العديد من مكونات المشهد الحزبي وهو ما من شأنه أن يضعف شرعيتها بشكل أو بآخر.

كلمة الكتيبة:

يحاول هذا المقال، استنادا على البيانات الرسمية، شرح أهم مخرجات الاستشارة الإلكترونية التي قام بتنظيمها رئيس الجمهورية قيس سعيّد والتي سجلت نسب إقبال ضعيفة. كما يقدّم المقال قراءة تفسيرية في خلفيات وأهداف هذه الاستشارة ضمن المشروع السياسي للرئيس سعيّد في سياق ما أسماه "التأسيس الجديد" القائم على "البناء القاعدي".

كلمة الكتيبة:
يحاول هذا المقال، استنادا على البيانات الرسمية، شرح أهم مخرجات الاستشارة الإلكترونية التي قام بتنظيمها رئيس الجمهورية قيس سعيّد والتي سجلت نسب إقبال ضعيفة. كما يقدّم المقال قراءة تفسيرية في خلفيات وأهداف هذه الاستشارة ضمن المشروع السياسي للرئيس سعيّد في سياق ما أسماه "التأسيس الجديد" القائم على "البناء القاعدي".

الكاتب : مالك الزغدودي

صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية..

إشراف: وليد الماجري
تدقيق: محمد اليوسفي
غرافيك: منال بن رجب
غرافيك: منال بن رجب
اشراف : وليد الماجري
تدقيق : محمد اليوسفي

الكاتب: مالك الزغدودي

صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية.

siMalek