الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص .

مجموعة من المستودعات على طول الطريق السريعة في حي غوط الشعال، وهو حي يتكوّن من محلات إصلاح السيارات وساحات الخردة في غرب العاصمة الليبية طرابلس. كان الموقع في السابق مستودعا لتخزين الإسمنت والخرسانة، وقد أعيد فتحه في جانفي/كانون الثاني 2021 وتمّ رفع جدرانه مؤخرا وتغطيتها بالأسلاك الشائكة. 

يقف عشرات الرجال في زيّ مموّه باللونين الأسود والأزرق مسلّحين ببنادق كلاشينكوف حول حاوية شحن زرقاء تبدو كمكتب. وعلى البوابة الأمامية، لافتة كُتب عليها “محكمة ملاحقة المهاجرين غير الشرعيين”. في حقيقة الأمر، نحن أمام منشأة هي عبارة عن سجن سرّي للمهاجرين تعرف باسم مركز “المباني”.

الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص .

مجموعة من المستودعات على طول الطريق السريعة في حي غوط الشعال، وهو حي يتكوّن من محلات إصلاح السيارات وساحات الخردة في غرب العاصمة الليبية طرابلس. كان الموقع في السابق مستودعا لتخزين الإسمنت والخرسانة، وقد أعيد فتحه في جانفي/كانون الثاني 2021 وتمّ رفع جدرانه مؤخرا وتغطيتها بالأسلاك الشائكة. 

يقف عشرات الرجال في زيّ مموّه باللونين الأسود والأزرق مسلّحين ببنادق كلاشينكوف حول حاوية شحن زرقاء تبدو كمكتب. وعلى البوابة الأمامية، لافتة كُتب عليها “محكمة ملاحقة المهاجرين غير الشرعيين”. في حقيقة الأمر، نحن أمام منشأة هي عبارة عن سجن سرّي للمهاجرين تعرف باسم مركز “المباني”.

في الساعة الثالثة صباحا من الخامس من شهر فيفري/شباط 2021، اقتاد رجال مسلّحون أليو كاندي، مهاجر قصير وقوي وخجول من غينيا بيساو، يبلغ من العمر 28 عاما، إلى السجن. كان كاندي قد غادر منزله قبل عام ونصف إثر فشل مشروعه المتمثّل في مزرعة ليلتحق برحلة هجرة للانضمام إلى إخوته في أوروبا.

ولكن أثناء عبوره البحر الأبيض المتوسط على متن قارب مزدحم مع مائة وثلاثين من المهاجرين غير النظاميين، اعترض خفر السواحل الليبي طريق هذه المجموعة وتمّ نقل الجميع إلى السجن. ووقع وضع المهاجرين في الزنزانة رقم 4 التي كانت تضمّ نحو 300 معتقل. لم يكن هناك مكان للجلوس، وقد اضطر المهاجرون الموجودون على الأرضية إلى فسح المجال لتجنّب التعرّض للدهس.

صورة مركز احتجاز “المباني” (بيار قطار/ “ذي آوتلو أوشين بروجكت”/ 18 ماي 2021)

لم يتمّ إطفاء مصابيح الفلورسنت الموجودة في السقف مطلقا. شبكة صغيرة في الباب، بعرض قدم واحد، كانت المصدر الوحيد للضوء الطبيعي. تعشّش الطيور الهاربة من حظيرة مجاورة في العوارض الخشبية، وتتساقط فضلاتها وريشها من الأعلى. جلس كاندي في زاوية بعيدة وبدأ يشعر بالذعر. وسأل زميلا له في الزنزانة “ماذا عسانا أن نفعل؟”.

لم يعلم أحد من خارج مركز “المباني” أنّ كاندي قد تمّ القبض عليه. لم يتمّ اتهامه بارتكاب أي جرم، ولم يُسمح له بالتحدث مع محام، ولم يقدّم له أي مؤشر عمّا إذا كان سيُسمح له بالمغادرة يوما ما.

في الأيام الأولى، بقي منعزلا خاضعا للروتين القاتم للمكان. كان السجن خاضعا للواء الزنتان، إحدى أقوى الميليشيات في ليبيا. ويقوم جنود اللواء بدوريات في المجمع.

كان هناك حوالي 1500 مهاجر محتجزين في ثماني زنزانات مفصولين حسب الجنس. لم يكن هناك إلا مرحاض واحد لكلّ مائة شخص. وكان على كاندي في كثير من الأحيان التبوّل في قارورة ماء أو التبرّز في الحمامات. ينام المهاجرون على مراتب أرضية رقيقة موبوءة بالقمل والجرب والبراغيث، لم يكن هناك عدد كاف من المراتب، لذلك كان كلّ مهاجريْن اثنين يتناوبان على النوم، أحدهما أثناء النهار والآخر في الليل. وكان المحتجزون يتشاجرون حول من يتسنى له أن ينام في الحمام باعتبار أنه المكان الوحيد الذي يوجد به تهوية.

كانوا يسيرون مرّتين في اليوم في صفّ واحد في فناء السجن لتناول وجبات الطعام، وكانوا ممنوعين من النظر إلى السماء أو الحديث أثناء المسير. كان الحرّاس، على غرار حرّاس حدائق الحيوانات، يضعون أوعية طعام مشتركة على الأرض، ليتجمّع المهاجرون في حلقات لتناول الطعام على الأرض.

كان الحرّاس قساة ويضربون المسجونين الذين يخالفون الأوامر بواسطة كلّ ما كانت تطاله أياديهم، مجرفة أو خرطوم أو كابل أو غصن شجرة.

يتحدث توكام مارتن لوثر، وهو رجل متقدّم في السن كان ينام على السجادة بجوار كاندي، عن هذه المأساة الإنسانية التي كان يكابدها صحبة بقية المهاجرين غير النظاميين في هذا السجن: “كانوا يضربون أي شخص دون سبب على الإطلاق”.

كان المحتجزون يعتقدون أنّ الحرّاس كانوا يرمون كلّ من يموت بالقرب من كومة من الطوب والركام خلف أحد الجدران الخارجية للمجمع. وكان الحرّاس يمنحون المهاجرين حرّيتهم مقابل مبلغ قدره 2500 دينار ليبي – أي ما يعادل تقريبا 500 دولار أمريكي.

أثناء وجبات الطعام، كان الحرّاس يتجولون حاملين هواتف خلوية ويعرضون السماح للمحتجزين بالاتصال بأهاليهم القادرين على دفع المال. لم تكن عائلة كاندي قادرة على دفع الفدية، ممّا جعله عالقا.
ويضيف لوثر في نفس المضمار:

“إذا لم يكن لديك شخص يمكن الاتصال به للمساعدة فيجب أن تكتفي فقط بالجلوس هناك”.

نظام غامض

في السنوات الستّ الماضية، أنشأ الاتحاد الأوروبي، الذي سئم التكاليف المالية والسياسية للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، نظاما غامضا يوقفهم قبل أن يصلوا إلى شواطئ أوروبا. قام الاتحاد بتمويل خفر السواحل الليبي وتدريبه وتجهيزه، وأصبح هذا الجهاز منظمة شبه عسكرية تقوم حاليا بدوريات في البحر الأبيض المتوسط حيث تمنع بذلك عمليات إنقاذ المهاجرين الذين تعتقلهم قبل إعادتهم إلى التراب الليبي. بعد ذلك يتمّ احتجاز المهاجرين إلى أجل غير مسمّى في نظام معسكرات الاعتقال في ليبيا.

تُدار السجون عادة من قبل إحدى الميليشيات القوية المتنافسة في ليبيا. في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي 2021، تم إرسال حوالي 6000 مهاجر إلى هذه السجون ونُقل معظمهم إلى سجن “المباني”. وقد وثقت وكالات الإغاثة الدولية مجموعة من الانتهاكات على غرار تعرّض المعتقلين للتعذيب بالصدمات الكهربائية واغتصاب أطفال من قبل حرّاس وابتزاز العائلات من أجل الحصول على فدية، إلى جانب بيع الرجال والنساء للعمل القسري.

فيديو مركز المباني (بيار قطار/ “ذي آوتلو أوشين بروجكت”)

يقول وزير العدل الليبي السابق صلاح المرغني في هذا الإطار:

“الاتحاد الأوروبي قام بشيء فكّر فيه بعناية وخطّط له لسنوات عديدة، وهو خلق فجوة من الجحيم في ليبيا بهدف ردع الناس عن التوجه إلى أوروبا”.

بعد مرور ثلاثة أسابيع من تاريخ وصول كاندي، وضعت مجموعة من المعتقلين خطة للهروب. موسى كروما، مهاجر من ساحل العاج، إلى جانب عدّة أشخاص آخرين، قضوا حاجتهم في سلّة مهملات وتركوها في ركن الزنزانة لمدّة يومين حتى أصبحت الرائحة الكريهة لا تُطاق. ويقول كروما في هذا الصدد “كانت تلك المرة الأولى في السجن… لقد كنت مذعورا”.

عندما فتح الحرّاس أبواب الزنزانة، اندفع نحوهم تسعة عشر مهاجرا وصعدوا فوق دورة مياه منخفضة السقف وقفزوا من فوق الجدران بمسافة 15 قدما واختفوا في منطقة من الأزقة قرب السجن.

وقد كانت العواقب دموية بالنسبة لمن بقي من المهاجرين. استدعى الحرّاس تعزيزات وأطلقوا النار على الزنازين قبل أن يبدأوا في ضرب المحتجزين.

وقال أحد المهاجرين لمنظمة العفو الدولية لاحقا: “كان هناك شخص في جناحي قاموا بضربه بمسدّس على رأسه أغمي عليه وبدأ يرتجف”. وأضاف: “لم يطلبوا سيارة إسعاف لنقله في تلك الليلة، كان لا يزال يتنفّس ولكنه لم يكن قادرا على الكلام. لا أعرف ماذا حدث له. لا أعلم ماذا فعل”.

في الأسابيع التي تلت ذلك، حاول كاندي الابتعاد عن المشاكل وتمسّك بإشاعة مفعمة بالأمل سمعها في أرجاء السجن ومفادها أن الحرّاس كانوا يعتزمون إطلاق سراح المهاجرين الموجودين بزنزانته بمناسبة شهر رمضان، وذلك في غضون تسعة أسابيع. سجّل لوثر الحماس الذي انتشر في السجن في دفتر يوميات كان يحتفظ به. وكتب:”الرب خارق.. أتمنى أن تستمرّ رحمته في حماية جميع المهاجرين في جميع أنحاء العالم وخاصة في ليبيا”.

من التعاطف إلى الخوف

بعد سنة 2010، أصبح العالم يتحدّث عن أزمة المهاجرين، عندما بدأت المنظمات الإنسانية في ملاحظة ارتفاع عدد الأشخاص المتدفقين إلى أوروبا. كان المهاجرون يفرّون من الحروب في الشرق الأوسط ومن حركات التمرّد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فضلا عن آثار تغيّر المناخ كالجفاف وفشل المحاصيل والتصحّر السريع. في الخمسين عاما المقبلة، يتوقّع البنك الدولي أن يتسبّب الاحتباس الحراري في تشريد مائة وخمسين مليون شخص آخرين من نصف الكرة الجنوبي ممّا سيزيد من الهجرة نحو أوروبا.

في ذروة الأزمة، سنة 2015، قدم مليون مهاجر إلى أوروبا من الشرق الأوسط وأفريقيا في عام واحد. المأساة الكبرى الأولى وقعت سنة 2013 عندما اشتعل قارب يقلّ إريتريين وغرق في البحر الأبيض المتوسط، على بعد أقلّ من ميل واحد من إيطاليا، ممّا أسفر عن مقتل 360 شخصا.

كانت الغريزة الأولى السائدة في أوروبا هي التعاطف. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قالت “نستطيع فعل ذلك” متعهدة بوضع سياسات هجرة ليبرالية، وهو الموقف الذي جعلها تكسب شخصية العام لمجلّة تايم سنة 2015.

لا تبتعد شواطئ إيطاليا عن شمال إفريقيا إلا بضع مئات الأميال. في بداية سنة 2014، أصبح ماتيو رينزي، ابن التاسعة والثلاثين عاما، أصغر رئيس وزراء في تاريخ البلاد. كان رينزي ليبراليا وسطيا يتّسم بطلاقة اللسان على غرار بيل كلينتون، وكان من المتوقع أن يهيمن على سياسة البلاد خلال العقد المقبل.

التزم، مثل ميركل، باستقبال المهاجرين قائلا:

“أوروبا عندما تدير ظهرها عن الجثث الموجودة في البحر لا تستحق أن تطلق على نفسها صفة حضارية”.

وقف رينزي وراء برنامج بحث وإنقاذ طموح أُطلق عليه “عملية مار نوسترام”، أو “بحرنا”، والذي ضمن المرور الآمن لنحو 150 ألف مهاجر وقدّم لهم الدعم القانوني لمساعدتهم في طلبات اللجوء. وبحسب المفوضة الأوروبية السابقة للشؤون الإنسانية إيما بونينو، فقد طلبت حكومة رينزي سنة 2014 استقبال كلّ مهاجر قادم من ليبيا.

ومع استمرار المدّ بلا هوادة، تحوّلت ازدواجية المشاعر تجاه المهاجرين في أوروبا إلى رفض لهم. يصل المهاجرون ومعهم متطلّبات الرعاية الطبية والوظائف والتعليم مما يؤدي إلى استنزاف الموارد. يقول خبير الهجرة في المعهد الفرنسي للدراسات المتقدمة جيمس هوليفيلد “إنهم في معضلة هائلة. يتعيّن على الدول أن تجد طريقة لتأمين حدودها دون تدمير جوهر الدولة الليبرالية”. بدأت الأحزاب السياسية والقومية مثل حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب الجبهة الوطنية الفرنسية في استغلال الوضع لتعزيز كراهية الأجانب.

وكانت جملة من الاعتداءات طالت شابات بكولونيا في ألمانيا سنة 2015 على أيدي رجال قدموا من شمال إفريقيا، إضافة إلى هجوم على سوق لعيد الميلاد في برلين عام 2016 أسفر عن مقتل 12 شخصا وخطّط له طالب لجوء قادم من تونس، قد أدّت الى مزيد تأجيج المخاوف لدى الأوروبيين.

كانت عملية “مار نوسترام” التي قد دعمها رينزي قدّ كلّفت حوالي مائة وخمسة عشر مليون أورو، وهي تكلفة لم تستطع إيطاليا، التي كانت تكافح لتفادي ركودها الثالث خلال ست سنوات، تحمّلها. وتعثّرت جهود نقل مهاجرين من إيطاليا واليونان، إذ لم تقبل كلّ من بولندا والمجر – اللتان يديرهما زعماء من اليمين المتطرّف- باستقبال شخص واحد. في حين تحدّث مسؤولون نمساويون عن بناء جدار على حدودها مع إيطاليا. سخر سياسيو اليمين المتطرّف في إيطاليا من رينزي وندّدوا به وشهدوا ارتفاعا في نسب استطلاعات الرأي. استقال رينزي في ديسمبر/كانون الأول من سنة 2016 وقد تراجع في نهاية المطاف حزبه عن السياسات التي اتخذها. وقد تراجع بدوره عن الكرم الذي أبداه في البداية حيث قال:

“نحن بحاجة إلى تحرير أنفسنا من الشعور بالذنب. ليس لدينا واجب أخلاقي للترحيب بمن هم أسوأ حالا منا في إيطاليا”.

خلال السنوات التالية، شرعت أوروبا في اتباع نهج مختلف بقيادة أحد المقرّبين من رينزي يدعى ماركو مينيتي والذي أصبح وزير داخلية إيطاليا. كان مينيتي، وهو نجل ضابط سابق، صريحا بشأن ما رآه خاطئا في سياسة رينزي. وقد قال: “لم نردّ على شعورين كانا قويّين للغاية.. الغضب والخوف”.

بناء على إلحاحه، أنهت إيطاليا التزامها بإجراء عمليات البحث والإنقاذ على بعد ثلاثين ميلا من شواطئها. بدأ الاتحاد الأوروبي في رفض القوارب الإنسانية التي تحمل مهاجرين تم إنقاذهم من النزول في موانئه. حتى أن إيطاليا قامت بمقاضاة قادة هذه القوارب بتهمة المساعدة في الاتجار بالبشر. وسرعان ما أصبح مينيتي يُلقّب بـ”وزير الخوف”.

سياسات قمعية

سنة 2015، ساعد مينيتي الاتحاد الأوروبي على إحداث برنامج أُطلق عليه “الصندوق الائتماني الأوروبي للطوارئ من أجل إفريقيا” والذي أنفق منذ ذلك الحين ما يقارب 6 مليارات دولار. ويصوّر مؤيدو الصندوق هذا البرنامج على أنه يسهّل التنمية، مشيرين إلى أنه تمّ ساهم في جهود الحدّ من انتشار كوفيد 19 في السودان والتدريب على الأعمال الخضراء في غانا. ولكن في الواقع، يتضمّن الكثير من عمل الصندوق الضغط على الدول الأفريقية لتبنّي قيود على الهجرة أكثر صرامة ومن ثمّ تمويل حماية الحدود والجماعات العسكرية التي تطبّقها لاحتجاز المهاجرين الأفارقة قبل وصولهم إلى أوروبا.
ينقل البرنامج بشكل فعّال حدود أوروبا إلى الحافة الشمالية لإفريقيا ويستعين بمصادر خارجية لحفظ الأمن.

في 2018، سأل أعضاء من البرلمان الأوروبي المفوضية الأوروبية عن “قائمات التسوق” المزعومة التي أرسلها مسؤولون من النيجر للمطالبة بهدايا من السيارات والطائرات والمروحيات مقابل دعمهم لدفع السياسات المناهضة للهجرة.

أموال الصندوق صُرفت أيضا على الأجهزة القمعية للدول. في أثيوبيا، سمح البرنامج للاتحاد الأوروبي بمشاركة البيانات الشخصية للمواطنين الإثيوبيين مع جهاز المخابرات في البلاد والذي له تاريخ في اعتقال المتظاهرين ومعاملتهم بقسوة.

في السودان، تمّ استخدام الأموال لإنشاء مركز استخبارات للشرطة السريّة في البلاد والتي استخدمت أيضا الموارد لقمع المظاهرات المحلّية.

يتم صرف الأموال وفقا لتقدير الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، ولا يخضع للتدقيق من قبل البرلمان. (يقول متحدث باسم الصندوق الاستئماني “تهدف برامجنا إلى إنقاذ الأرواح وحماية المحتاجين ومكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين”).

كان مينيتي يتطلّع إلى ليبيا، التي كانت آنذاك دولة فاشلة، لتكون الشريك الأساسي للاتحاد الأوروبي في الحدّ من الهجرة إلى أوروبا. في عام 2011، تمت الإطاحة برجل ليبيا القوي، معمر القذافي، وقتل في تمرّد أشعله الربيع العربي وبدعم من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت البلاد دولة فاشلة.

في 2017، سافر مينيتي إلى طرابلس لعقد صفقات مع حكومة البلاد في ذلك الوقت وأقوى ميليشياتها.

وقّع الاتحاد الأوروبي وإيطاليا وليبيا مذكرة تفاهم توضّح التعاون و”تؤكد مجدّدا التصميم الحازم على التعاون في تحديد حلول عاجلة لقضية المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون ليبيا للوصول إلى أوروبا عن طريق البحر”.

في السنوات الست الماضية، خصّص الصندوق الاستئماني نصف مليار دولار لدعم الهجوم الليبي على الهجرة.

يعتبر وزير العدل الليبي السابق المرغني في نفس السياق أن الهدف من البرنامج واضح ويقول:

“جعلوا من ليبيا الشخص السيء. جعلوا من ليبيا قناعا لسياساتهم بينما يقول البشر الطيبون في أوروبا إنهم يقدمون الأموال للمساعدة في جعل هذا النظام الجهنمي أكثر أمانا”.

يقول مينيتي: “إن الخوف الأوروبي من الهجرة غير المقيّدة هو شعور مشروع ويجب على الديمقراطية أن تستمع إليه”. أدت سياساته إلى انخفاض حادّ في عدد المهاجرين. في النصف الأول من العام الحالي 2021، وصل أقلّ من 21 ألفا إلى أوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط

وقال مينيتي للصحافة سنة 2017: “ما فعلته إيطاليا في ليبيا هو نموذج للتعامل مع تدفقات المهاجرين دون إقامة حدود أو حواجز من الأسلاك الشائكة”. (غادر مينيتي منذ ذلك الحين الحكومة وأصبح يترأس حاليا مؤسسة “ميد أور”، وهي مركز تفكير متخصص في الصناعات الدفاعية، رفض التعليق حول هذا الموضوع).

أشاد الجناح اليميني الإيطالي، الذي ساهم في الإطاحة برينزي، بعمل مينيتي. وقال زعيم رابطة الشمال القومية الإيطالية ماتيو سالفيني: “عندما اقترحنا مثل هذه الإجراءات تمّ تصنيفنا على أننا عنصريون”. وأضاف “الآن، أخيرا، يبدو أن الجميع يفهم أننا كنا على حق”.

الطريق إلى طرابلس

نشأ كاندي في مزرعة بالقرب من قرية سينتشان ديمبا غيرا النائية في غينيا بيساو. لم يكن يوجد بالقرية استقبال خليوي أو طرق معبّدة أو سباكة أو كهرباء. كان يعيش في منزل من الطين نصفه أصفر ونصفه الآخر أزرق مع زوجته هافا وابنيه الصغيرين.

لطالما كان كاندي يشعر بالضجر في القرية، وكان يستمع إلى موسيقيين أجانب ويتابع نوادي كرة القدم الأوروبية. كان يتحدّث الانكليزية والفرنسية ويعلّم نفسه البرتغالية على أمل أن يعيش يوما ما في البرتغال. وقال لي أحد إخوته ويدعى جاكاريا: “كان أليو فتى محبوبا جدّا ولم يواجه أي مشكلة في حياته”. وأضاف: “كان يعمل بجهد والناس يحترمونه”.

التغيرات المناخية والهجرة (“ذي آوتلو أوشين بروجكت”)

كانت مزرعة كاندي تنتج الكسافا والمانجو والكاجو وهي منتوجات تمثل 90 في المائة من صادرات البلاد. ولكن بدأت طبيعة الطقس في التغيّر على الأرجح كنتيجة للتغيّرات المناخية.

وقال جاكاريا: “لم نعد نشعر بالبرد خلال موسم البرد، والحرارة تأتي في وقت أبكر ممّا ينبغي”.
لم يعد من الممكن الولوج إلى المزرعة إلا بزورق معظم أيام السنة، وأصبحت فترات الجفاف تستمرّ ضعف المدة التي كانت تستغرقها في الجيل السابق. كانت بقراته الأربع النحيلة تنتج كمية قليلة من الحليب. وارتفعت كذلك أعداد البعوض الذي ينشر أمراضا. عندما أصيب أحد أبناء كاندي بالملاريا، استغرقت رحلة نقله إلى المستشفى يوما وكاد أن يفقد حياته.

fqzfzqg

صور لكاندي وعائلته (صورة كاندي/ صورة والدا كاندي/ صورة زوجة كاندي) (فيسبوك/ ريتشي شرايوك/ “ذي آوتلو أوشين بروجكت”)

كاندي، وهو مسلم متديّن، كان قلقا من فشله أمام الله في إعالة أسرته. وأخبرني بوبو، أحد إخوة كاندي أن هذا الأخير: “كان يشعر بالذنب والحسد”.

كان جاكاريا قد هاجر إلى إسبانيا، ودنباس، شقيق آخر، إلى إيطاليا، وكان كلاهما يرسلان أموالا إلى عائلتهما وصورا لمطاعم فاخرة. وقال لي سامبا، والد كاندي: “كلّ من يسافر إلى الخارج يجلب ثروة إلى عائلته”.

كانت زوجة كاندي حاملا في شهرها الثامن، لكن عائلته شجّعته على السفر إلى أوروبا ووعدته برعاية أطفاله. وقالت والدته أميناتا: “ذهب كلّ أبناء جيله إلى الخارج ونجحوا.. فلم لا يذهب هو؟”.

صبيحة يوم 13 سبتمبر/ أيلول من سنة 2019، انطلق كاندي إلى أوروبا حاملا معه رواية رومانسية وزوجين من السراويل وقميصا ومذكرات جلدية و600 أورو. وقال كاندي في ذلك الصباح لزوجته: “لا أعلم كم سيستغرق هذا الأمر من الوقت.. لكني أحبك وسوف أعود”.

شق كاندي طريقه عبر وسط إفريقيا، متوقفا أو متخفيا في الحافلات والسيارات حتى وصل إلى أغاديس بالنيجر، التي كانت تسمى ذات مرة بوابة الصحراء. تاريخيا كانت حدود دول وسط إفريقيا مفتوحة كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي. ولكن، في سنة 2016، ساعد مسؤولو الاتحاد الأوروبي، من خلال الصندوق الاستئماني، في وضع قانون جديد في النيجر، يسمّى القانون 36، والذي حوّل اقتصاد عبور مزدهر إلى اقتصاد إجرامي، وموّلوا السلطات لمراقبة القانون الجديد بقوة، وبين عشيّة وضحاها، أمسى سائقو الحافلات والمرشدون، الذين نقلوا مهاجرين إلى الشمال لسنوات عديدة على طول طريق تصطفّ على جانبيه آبار المياه، مصنّفين كتجار بشر ويخضعون لعقوبات بالسجن لمدة 30 عاما. واضطرّ المهاجرون إلى التفكير في اتباع طرق أكثر خطورة.

وفي 2019، عبر كاندي بمعيّة ستّة أشخاص آخرين الصحراء، وكانوا ينامون أحيانا على الرمال على جانب الطريق. وقال كاندي لشقيقه جاكاريا عبر الهاتف: “الحرارة والغبار، الوضع فظيع هنا”.

تسلّل عبر جزء من الجزائر خاضع لسيطرة قطّاع الطرق. وقال لأسرته: “سوف يعتقلوني ويضربوني حتى يتمّ إطلاق سراحي.. هذا كلّ ما يوجد هناك”.

وصل إلى المغرب في شهر جانفي/كانون الثاني من سنة 2020، وحاول دفع ثمن عبور قارب إلى إسبانيا وعلم أن السعر يبلغ 3000 أورو.

حثّ جاكاريا شقيقه على العودة إلا أن كاندي رفض هذه الفكرة قائلا:

“لقد عملت بجدّ عندما كنت في أوروبا وأرسلت المال إلى العائلة. الآن حان دوري وعندما أصل إلى هناك يمكنك العودة إلى المزرعة والاستراحة وسأقوم أنا بالعمل”.

وكان قد وصل إلى مسامعه أنه بإمكانه حجز رحلة إلى إيطاليا على متن قارب بسعر أرخص. في ديسمبر/كانون الأوّل الفارط، وصل إلى طرابلس واستأجر غرفة في قرقارش وهي حيّ فقير للمهاجرين. كان عمّه الأكبر ديمبا بالدي، وهو خيّاط سابق يبلغ من العمر 40 عاما، يقيم في ليبيا منذ سنوات متهرّبا من السلطات. وجد بالدي لكاندي عملا في طلاء المنازل وحثّه، دون أن ينجح في ذلك، على التخلّي عن خطّته لعبور البحر الأبيض المتوسط. وقال بالدي: “أخبرته أن ذلك هو طريق الموت”.

“مليشيات” في خدمة الاتحاد الأوروبي

في شهر ماي/ أيار، سافرت إلى طرابلس للتحقيق في نظام احتجاز المهاجرين هناك. كنت قد أحدثت مؤخرا منظمة غير ربحية تسمى “ذي آوتلو أوشين بروجكت” (The Outlaw Ocean Project)، والتي تقدم تقارير حول حقوق الإنسان والقضايا البيئية في البحر، وقد أحضرت معي فريقا من الباحثين من بينهم مصوّر ومخرج.

في طرابلس، تنتشر المكاتب والفنادق والمباني السكنية والمدارس على الساحل، نصف مبنية ومهجورة.
كان هناك رجال مسلّحون يرتدون أزياء ويقفون عند كلّ تقاطع. لا يُسمح تقريبا بدخول أي صحفي غربي إلى ليبيا، ولكن بمساعدة مجموعة مساعدة دوليّة، حصلنا على تأشيرات دخول. بعد وصولنا بفترة قصيرة، أعطيت فريقي أجهزة تتبّع في حالة فقدان أي منهم وشجّعتهم على وضع نسخ من جوازات سفرهم داخل أحذيتهم. تمّ وضعنا في فندق بالقرب من وسط المدينة وكلّف فريق أمني متواضع بحمايتنا.

لم تكن ليبيا دائما بلدا غير مضيف للمهاجرين. اعتنق معمّر القذافي الوحدة الأفريقية في منتصف التسعينيات وشجّع تدفّق أفارقة جنوب الصحراء للعمل في حقول النفط بالبلاد. لكن بداية من الألفية الثالثة، بدأ القذافي في اتخاذ إجراءات صارمة ضدّ الهجرة. عام 2007، قام بإحداث أنظمة تأشيرة منفصلة للعرب والأفارقة. سنة 2008، وقّع “معاهدة صداقة” مع رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك سيلفيو برلسكوني، والتي من بين أمور أخرى، ألزمته بمساعدة إيطاليا في الحدّ من الهجرة غير النظامية. وقد استخدم هذا الأمر أحيانا كورقة مساومة، حيث هدّد، في عام 2010، بأنه إذا لم يرسل مسؤولو الاتحاد الأوروبي ملايين الدولارات من أموال المساعدات فسوف “يحوّل أوروبا إلى منطقة سوداء”.

بعد الإطاحة بالقذافي، انزلقت ليبيا في حالة من الفوضى. واليوم، تتنافس حكومتان على الشرعية، وهما حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والحكومة المؤقتة المدعومة من روسيا ومن نصّبوا أنفسهم باسم الجيش الوطني الليبي.

تعتمد كلتا السلطتين على تحالفات متغيّرة ومريبة مع الميليشيات المسلّحة التي لها ولاءات قبلية وتدير أجزاء كبيرة من البلاد. وفي ظلّ هذا الاضطراب، أصبحت الشواطئ النائية في البلاد نقطة انطلاق شهيرة للمهاجرين.

تسمية خفر السواحل الليبي تجعل هذا الجهاز يبدو كمنظمة عسكرية رسمية. ولكن في الواقع ليس لديه قيادة موحّدة. ويتكون خفر السواحل من مجموعة متنوعة من الدوريات المحلية التي اتهمتها الأمم المتحدة منذ سنوات بأن لها صلات مع الميليشيات. (يطلق عليه العاملون في المجال الإنساني أحيانا “ما يسمى بخفر السواحل الليبي”). صرّح مينيتي خلال الأيام الأولى للمشروع قائلا :

“عندما قلنا إنه يتعيّن علينا إعادة إطلاق خفر السواحل الليبي بدا الأمر وكأنه حلم يقظة”.

ومنذ ذلك الحين،أنفق الصندوق الاستئماني لأفريقيا التابع للاتحاد الأوروبي عشرات الملايين من الدولارات لتحويل خفر السواحل إلى قوة هائلة بالوكالة. من حيث المبدإ، من المفترض أن يواجه خفر السواحل الخارج لحماية الخط الساحلي للبلاد من التهديدات الأجنبية. ولكن خفر السواحل الليبي يواجه الداخل لحماية أوروبا من المهاجرين.

سنة 2018، ساعدت الحكومة الإيطالية، بمباركة الاتحاد الأوروبي، خفر السواحل في الحصول على موافقة من الأمم المتحدة لتوسيع نطاق سلطته القضائية لما يقارب 100 ميل قبالة الساحل الليبي – بعيدا في المياه الدولية، وفي منتصف الطريق إلى الشواطئ الإيطالية.

قدّم له الاتحاد الأوروبي ستة زوارق سريعة من الألياف الزجاجية، وثلاثين سيارة تويوتا لاند كروزر، وعشر حاويات شحن لاستخدامها كمكاتب، وأجهزة راديو، وهواتف فضائية، وطوافات قابلة للنفخ، وخمسمائة زي موحد.ويتكفل الاتحاد الأوروبي بتكلفة مركز قيادة الوكالة ويوفر التدريب لضباطها. في احتفال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كشف مسؤولو الاتحاد الأوروبي وقادة ليبيون النقاب عن مركبين أبيضين مصنوعين من الفولاذ والألياف الزجاجية والكيفلار، تم بناؤهما في إيطاليا وتطويرهما في تونس بأموال من الصندوق الاستئماني. وقال سفير الاتحاد الأوروبي الحالي في ليبيا خوسيه ساباديل: “تجديد هاتين السفينتين كان مثالا رئيسيا على التعاون البنّاء بين الاتحاد الأوروبي والبلد العضو في الاتحاد إيطاليا وليبيا”.

ولعلّ المساعدة الأكثر قيمة تأتي من الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل التابعة للاتحاد الأوروبي “فرونتكس” التي تأسست سنة 2004 وكان هدفها الأولي حماية الحدود الشرقية لأوروبا. وفي 2015، أعلنت فرونتكس أنها ستقود “جهدا منهجيا للقبض على السفن المستخدمة لنقل المهاجرين عبر البحر وتدميرها”. اليوم، تمتلك هذه الوكالة ميزانية تزيد عن نصف مليار أورو وخدمة نظامية خاصة بها، ويمكنها نشر السفن والطائرات والمركبات والأفراد في عمليات تمتدّ خارج حدود الاتحاد الأوروبي.

تحافظ الوكالة على رقابة شبه مستمرّة للبحر الأبيض المتوسط من خلال طائرات دون طيّار وطائرات دورية بحرية مستأجرة. عندما تكتشف سفينة مهاجرين، تقوم بإرسال الصور والموقع إلى الشركاء في المنطقة. ويقول متحدث باسم فرونتكس إن الوكالة “لم تشارك قطّ في أي تعاون مباشر مع السلطات الليبية”. لكن تحقيقا أجراه تحالف من المنظمات الإخبارية الأوروبية، من بينها “لايت هاوس ريبورت” و”دير شبيغل” و”ليبيراسيون” و”أي إر دي”، وثق 20 حالة تم فيها اعتراض قوراب مهاجرين من قبل خفر السواحل مباشرة بعد مراقبتهم من قبل فرونتكس.

فيديو طائرة درون تابعة لفرونتكس (إد أو/”ذي آوتلو أوشين بروجكت”/ 6 جوان 2021)

وجد التحقيق أدلة على أن فرونتكس ترسل أحيانا مواقع قوارب المهاجرين مباشرة إلى خفر السواحل. في تبادل للرسائل على “واتساب”.

في ماي/ أيار الفارط، على سبيل المثال، كتبت فرونتكس إلى شخص يعرّف نفسه بأنه “قائد خفر السواحل الليبي”، قائلة:

“صباح الخير يا سيدي – لدينا قارب على غير هدى [الإحداثيات]. الناس يسكبون الماء. الرجاء الإقرار بتسلّم هذه الرسالة”.

أرسل لي مسؤولون مؤخرًا نتائج طلب فتح السجلات، والتي تشير إلى أنه في الفترة الممتدة بين 1 و5 فيفري/ شباط، في الوقت الذي كان فيه كاندي في البحر تقريبا، تبادلت الوكالة سبعة وثلاثين رسالة بريد إلكتروني مع خفر السواحل الليبي. (رفضت فرونتكس الإفصاح عن محتوى رسائل البريد الإلكتروني، قائلة إنها ستشكل خطرا على “سلامة المهاجرين”).

يقول مسؤول كبير في فرونتكس، طلب عدم ذكر اسمه خوفا من أن يتم الانتقام منه، إن الوكالة ترسل أيضا لقطات المراقبة إلى السلطات الإيطالية، التي يمكنها بعد ذلك إخطار خفر السواحل بنفسها. (لم يستجب خفر السواحل الإيطالي ومركز تنسيق الإنقاذ البحري في روما ، الوكالات التي تتولى المراقبة ، لطلبات التعليق).

يقول خبراء قانونيون إن هذه الإجراءات تنتهك القوانين الدولية ضد الإعادة القسرية، أو إعادة المهاجرين إلى أماكن غير آمنة. ويعتبر المسؤول بفرونتكس أنه حتى هذه الطريقة “غير المباشرة” لم تعزل الوكالة عن المسؤولية قائلا “أنت تقدم تلك المعلومات. أنت لا تنفذ الإجراء، لكن المعلومات هي التي تتسبّب في الإعادة القسرية “. وكان قد حث رؤساءه مرارا على التوقف عن المساعدة في جهود إعادة المهاجرين إلى ليبيا. ويقول المسؤول في هذا الصدد “لا يهم ما تقوله لهم. لم يكونوا مستعدين للفهم”. (صرّح المتحدث باسم فرونتكس أنه “في أي عملية بحث وإنقاذ محتملة، تكون أولوية فرونتكس هي إنقاذ الأرواح”).

بعد ذلك، تتسابق سفن خفر السواحل الليبي للقبض على المهاجرين قبل أن يقع إحضارهم إلى أوروبا. في بعض الأحيان، يطلق خفر السواحل النار على سفن الإنقاذ الإنسانية أو قوارب الهجرة. بحسب أرقام المنظمة الدولية للهجرة، اعترض خفر السواحل أكثر من 90 ألف مهاجر منذ جانفي/كانون الثاني 2016.

فيديو خفر السواحل يطلق النار على قارب مهاجرين (سي ووتش/ البحر الأبيض المتوسط/ 30 جوان 2021)

في 2017، استجاب قارب تابع لمنظمة “سي ووتش” الإنسانية لنداءات استغاثة من قارب مهاجرين غرق. عندما أنزلت “سي ووتش” زورقين مطاطين لتنفيذ عمليات الإنقاذ بأمان، وصل قارب لخفر السواحل الليبي يحمل اسم “رأس جدير” مما أدى إلى انقلاب الزورقين بسبب الموج الذي أحدثه. ثم أخرجوا المهاجرين من الماء قبل أن يتمكنوا من ركوب قارب المنظمة غير الحكومية وضربهم بمجرّد صعودهم على متن القارب.

قال يوهانس باير، رئيس مهمة “سي ووتش” في ذلك اليوم: “كان لدينا شعور أن خفر السواحل مهتم فقط بسحب أكبر عدد ممكن من الأشخاص إلى ليبيا دون الاهتمام بوجود أناس يغرقون”.

قفز أحد المهاجرين من القارب وتشبّث بـقارب “رأس جدير” الذي أسرع بعيدا وجرّه عبر الماء. وقد توفي ما لا يقلّ عن عشرين شخصا أثناء عملية الاعتراض أحدهم طفل يبلغ من العمر سنتين. في فيفري/شباط الفارط، قامت سفينة أخرى تابعة لخفر السواحل الليبي بإطلاق النار وأغرقت زورق مهاجرين مما أدى إلى غرق خمسة أشخاص، بينما قام قادة السفينة بتصوير الحادثة بهواتفهم المحمولة.

يبدو أن خفر السواحل يعمل في ظلّ الإفلات من العقاب. في أكتوبر 2020، أضيف عبد الرحمن ميلاد، قائد وحدة خفر السواحل في الزاوية، إلى قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي واعتقلته السلطات الليبية بتهمة “التورّط المباشر في غرق قوارب المهاجرين باستخدام الأسلحة النارية” وحماية المهرّبين والتعاون معهم. سبق لميلاد أن حضر في اجتماعات مع السلطات الإيطالية في روما وصقلية سنة 2017 لطلب مزيد من الأموال من الصندوق الاستئماني. ولكن تم إطلاق سراحه في شهر أفريل/نيسان الفارط بسبب نقص الأدلة.

خفر السواحل، الذي رفض التعليق، كان قد أكد على نجاحه في الحدّ من الهجرة إلى أوروبا معتبرا أن السفن الإنسانية في البحر الأبيض المتوسط تعيق جهودهم لمكافحة الاتجار بالبشر. قال متحدث باسم خفر السواحل لوسائل إعلام إيطالية في عام 2017 “لماذا تعلن المنظمات غير الحكومية الحرب علينا؟ يجب أن يتعاونوا معنا بدلا من ذلك إذا كانوا يريدون فعلاً العمل لصالح المهاجرين”. يقول المتحدث باسم الصندوق الاستئماني إن الاتحاد الأوروبي لا يقدم المال لخفر السواحل – وإنما التدريب والمعدات فقط – وأن هدفه هو “إنقاذ حياة أولئك الذين يقومون برحلات خطرة عن طريق البحر أو البر”.

في شهر ماي/أيار من العام الحالي، أمضى مصور فيديو من فريقي، ويدعى إد أو، 40 يوما على متن سفينة أطباء بلا حدود كانت تحاول إنقاذ المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط.

كانت المنظمة تحدّد زوارق المهاجرين بمساعدة جهاز الرادار وطيارين متطوّعين يحلّقون بالطائرات، ثم تقوم بمسابقة خفر السواحل الليبي إليهم.

في بعض الأحيان، كانوا يرون طائرة فرونتكس دون طيار – من طراز آي إي آي هيرون قادرة على العمل بشكل مستمرّ لمدّة تصل إلى 45 ساعة – تحلّق في السماء.

فيديو من سفينة أطباء بلا حدود (إد أو/ “ذي آوتلو أوشين بروجكت”)

كانت السفينة حريصة على إجراء عمليات الإنقاذ بمجرّد عبور قوارب المهاجرين إلى المياه الدولية. ومع ذلك، تصل تهديدات خفر السواحل عبر جهاز الراديو. قال أحد الضباط : “ابتعدوا عن هدفنا”. وهدّد آخر: “لا تدخلوا المياه الليبية وإلا فسأتعامل معكم وألجأ إلى إجراءات أخرى”.

في بعض الأحيان، تنجح عملية إنقاذ. ويتحدث عدد من المهاجرين السودانيين والدموع تغمر أعينهم عما رأوه في ليبيا. قال أحدهم إنه تعرّض للضرب والتعذيب على يد خفر السواحل عندما تمّ القبض عليه في رحلة سابقة. وشاهد آخر صديقين له وهما يقتلان بالرصاص في مركز احتجاز ليبي. أحدهم كان يرتدي قميصا مصنوعا منزليا كُتب عليه “تبا لليبيا”.

طائرة “فرونتكس”

في العاشرة مساء من الثالث من شهر فيفري/شباط من السنة الحالية 2021، اقتاد مهرّب كاندي وأكثر من 100 مهاجر آخرين إلى الشاطئ الليبي وجعلهم يصعدون على متن زورق مطاطي قابل للنفخ. بعض المهاجرين بدأوا في الغناء من شدة حماسهم لمغادرة ليبيا. بعد ساعتين من الإبحار دخل الزورق المياه الدولية. شعر كاندي، الذي كان يجلس في جانب من الزورق، بالأمل. وأخبر بقية الراكبين أنه بدأ يفكر في القيام بالرحلة مرّة أخرى قريبا مع زوجته وأطفاله.

كان المهرّب قد كلّف 3 مهاجرين بمسؤوليات مختلفة. حيث قام بتعيين شخص يتولى توجيه مسار الرحلة باستخدام بوصلة، إلى جانب “قبطان” يدير المحرّك ويتعامل مع الهاتف الذي يعمل بالأقمار الصناعية، وبمجرّد أن يكونوا بعيدين بما يكفي عن ليبيا، يجب عليه الاتصال بـ”آلارم فون”، وهي مجموعة إنسانية، ويطلب أن يتمّ إنقاذهم. أما “القائد” فيحافظ على النظام ويتأكد من عدم لمس أحد للقابس الذي إذا تمّ سحبه سيؤدي إلى غرق الزورق.

ولكن سرعان ما ساءت حال البحر مما أدى إلى تعكر حالة الجميع. وتحوّلت المياه المتراكمة عند أقدامهم إلى حساء من القيء والبراز وأغلفة الحلوى وفتات الرغيف الفرنسي.

حاول العديد من المهاجرين إنقاذ الزورق باستخدام زجاجات مياه بلاستيكية فارغة مقطوعة إلى نصفين. كما اندلع شجار، وهدّد شخص ما بقطع الزورق بسكين قبل أن يتم إخضاعه. يذكر محمد دافيد سوماهورو، الذي كان قد صادقه كاندي في الزورق، “بدأ الكلّ يدعو إلهه”. ويضيف:

“أحدهم كان يدعو الله وآخر يدعو يسوع، وهذا يدعو هذا وذلك ذاك. بدأت النساء في البكاء. وبمجرّد أن رأى الأطفال الناس في حالة من الذعر شرعوا في البكاء بدورهم”.

هدأت المياه عند الفجر. وعندما اعتبر المهاجرون أنهم بعيدون بما يكفي عن ليبيا طلبوا المساعدة. أبلغهم عامل في “آلارم فون” أن هناك سفينة تجارية غير بعيدة، الأمر الذي دعاهم إلى الاحتفال. هتف المهاجرون “بوسا فري بوسا فري” مستخدمين كلمة فولانية تعني النصر. التفت كاندي إلى سوماهورو وعيناه تشعّان قائلا: “إن شاء الله سننجح في الوصول إلى إيطاليا!”. ولكن عندما وصلت السفينة التجارية أعلمهم ربّانها أنه لا يملك قوارب نجاة وابتعد مسرعا.

في ذلك الوقت، كان زورق كاندي على بعد سبعين ميلا تقريبا من إيطاليا، بعيدا عن المياه الليبية ولكنه لا يزال ضمن النطاق القضائي الموسّع الذي ساعدت أوروبا في هندسته لخفر السواحل. حوالي الساعة الخامسة مساء من يوم 4 فيفري/ شباط ، لاحظ كاندي وبقية المهاجرين وجود طائرة فوقهم حلّقت لمدة 15 دقيقة قبل أن تبتعد. تظهر بيانات من “إي دي اس-بي اكسشانج”، وهي منظمة تتعقّب حركة الطيران، أن الطائرة المسماة “إيغل 1” كانت من طراز “بيتش كينغ إير 350″، وهي طائرة مراقبة استأجرتها فرونتكس. (رفضت الوكالة التعليق على الدور الذي لعبته في القبض على هؤلاء المهاجرين). بعد حوالي 3 ساعات، ظهرت سفينة في الأفق. قال سوماهورو: “كلما اقتربت السفينة كلما رأينا ذلك بوضوح- ورأينا الخطوط السوداء والخضراء للعلم. بدأ الجميع في البكاء ومسك رؤوسهم قائلين: “تبا إنها ليبية”.

كان القارب، وهو سفينة دورية فيتوريا بي 350 مصنوعة من الفولاذ والألياف الزجاجية والكيفلار، أحد المراكب التي كشف الاتحاد الأوروبي النقاب عنها في أكتوبر. قامت السفينة بالاصطدام بزورق المهاجرين ثلاث مرّات ثم تم أمرهم بتسلّق سلّم إلى السفينة. صرخ الضباط “تحركوا!”. قام ضابط بضرب العديد من المهاجرين بعقب بندقيته. وقام آخر بجلدهم بواسطة حبل. أعيد المهاجرون إلى البرّ، وتمّ وضعهم في حافلات وشاحنات، واقتيادهم إلى مركز “المباني”.

في حيّ قرقارش

عقد الاجتماع السري في حي فقير للمهاجرين في طرابلس، عاصمة ليبيا التي تعيش أوضاعا صعبة. أطلقت على الحي تسمية قرقارش، وهو المكان الذي كان يُطلق عليه أثناء الحرب العالمية الثانية “كامبو 59″، واستخدم كسجن عسكري أداره الإيطاليون ثم الألمان. اليوم، هو عبارة عن خلية من الأزقة والشوارع الضيقة، تحيط بها مطاعم الوجبات السريعة ومحلات الهواتف المحمولة. وكانت المداهمات التي يقوم بها رجال الميليشيات جزءا من الحياة اليومية.

فيديو مداهمة الميليشيات لحي قرقارش (جهاز الأمن العام الليبي)

كنت قد وصلت إلى ليبيا قبل بضعة أيام للتحقيق في مصير مهاجر إفريقي شاب يدعى أليو كاندي. كان مزارعا في بلده الأم غينيا بيساو لكن الجفاف والفيضانات عرّضت محاصيله للخطر الأمر الذي هدّد معيشة زوجته وأبنائه. كان قد انطلق إلى أوروبا حالما بالحصول على عمل. وقد نجح في اجتياز العديد من البلدان والمصاعب مع قطاع الطرق والعواصف الرملية، ولكن تم القبض عليه في البحر الأبيض المتوسط من قبل خفر السواحل الليبي وإعادته إلى أحد أكثر سجون المهاجرين شهرة في البلاد.

في الواقع، كان كاندي ضحية لجهود أوروبا الطويلة والقبيحة في كثير من الأحيان لوقف تدفق المهاجرين الأفارقة إلى شواطئها. عزز الاتحاد الأوروبي، عبر إيطاليا في كثير من الأحيان، إمكانيات خفر السواحل الليبي، وزاد من قدرته على تعقب المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، وغض الطرف عن الأهوال التي حلت بالعديد من المهاجرين الذين استقبلتهم السلطات الليبية.

تم نقل كاندي في أوائل شهر فيفري/شباط من عام 2021 إلى واحد من أكبر سجون المهاجرين وأكثرها اكتظاظا وعنفا في البلاد، وهي منشأة تسمى مركز “المباني”.

الآن، في قرقارش، أتيحت لي الفرصة لمقابلة أشخاص كانوا معه في مركز “المباني”. سوماهورو، صديق كاندي، الذي تم اصطحابه معه إلى مركز “المباني” عندما تم القبض على زورقهم، استقبلني على الطريق الرئيسية، واقتادني إلى مبنى من الطوب والصعود إلى غرفة بلا نوافذ يقطنها مهاجران آخران. وحول وجبة “شانا ماسالا”، حدّثني عن الفترة التي قضاها في السجن قائلا “الحديث عن هذا الموضوع صعب حقا بالنسبة لي”.

قال سوماهورو إن المهاجرين في مركز “المباني” كانوا يتعرّضون للضرب بسبب الهمس لبعضهم البعض، أو التحدث بلغاتهم الأصلية، أو الضحك. وكان يقع احتجاز مثيري الشغب لعدة أيام في غرفة العزل” ، وهي محطة وقود مهجورة خلف زنزانة النساء مع لافتة “شال فيول” معلقة في المقدمة. لم تحتو الزنزانة على حمام ولذلك لم يكن هناك من بديل سوى التبرّز في الزاوية. كانت الرائحة كريهة جدّا إلى درجة أن الحرّاس كانوا يرتدون أقنعة لدى زيارتهم لها. كان الحرّاس يعمدون، خلال عمليات الضرب، إلى ربط يد المحتجز بحبل معلّق من عارضة سقف فولاذية.

يقول سوماهورو:

“ليس من السيء للغاية رؤية صديق أو رجل يصرخ أثناء تعذيبه.. لكن رؤية رجل طوله ستة أقدام يضرب امرأة بالسوط…”.

في مارس/ آذار، نظّم سوماهورو إضرابا عن الطعام احتجاجا على عنف الحرّاس فتمّ نقله إلى غرفة العزل. تعرّض للضرب مرارا ووقع تعليقه من العارضة رأسا على عقب. ويقول: “إنهم يعلقونك مثل قطعة من الملابس”.

أكد العديد من المحتجزين الذين تحدثت إليهم أنهم شهدوا عدة انتهاكات جنسية وإهانات. أخبرتني أدجارا كيتا، وهي مهاجرة تبلغ من العمر ستة وثلاثين عاما من ساحل العاج، احتجزت في “المباني” لمدّة شهرين، أن النساء كثيرا ما كنّ يؤخذن من زنزانتها ليتمّ اغتصابهن من قبل الحرّاس. وتقول: “كانت النساء تعدن باكيات”. في أحد الأيام، بعد هروب امرأتين من “المباني”، قام الحرّاس، في عمل انتقامي عشوائي على ما يبدو، بإمساك كيتا، ونقلها إلى مكتب قريب وضربها.

يعيّن الحرّاس مهاجرين كمتعاونين. تطوّع محمد سوما، البالغ من العمر 23 عاما من غينيا كوناكري، للمساعدة في المهام اليومية بعد وصوله، وسرعان ما تمّ دفعه للحصول على معلومات: أي المهاجرين يكرهون بعضهم البعض؟ ومن هم المحرّضون؟.

عندما تمّ إضفاء الطابع الرسمي على هذا الاتفاق، أخذ المهاجرون يطلقون عليه اسم “المندوب”. إذا دفع مهاجرون فدية للمغادرة فكان هو من يتولّى المفاوضات. ولمكافأته، كان يُسمح له بالنوم خارج زنزانته في المستوصف أو مع الطهاة الذين يعيشون على الجانب الآخر من الشارع. وفي وقت من الأوقات، كهدية على ولائه، سمح له الحرّاس باختيار عدّة مهاجرين ليتمّ إطلاق سراحهم. وكان بإمكانه حتى مغادرة المجمع تماما رغم أنه لم يذهب بعيدا عنه، ويقول لي: “كنت أعرف أنهم سيجدونني ويضربونني إذا حاولت المغادرة”.

فيديو وضعية مهاجرين داخل مركز المباني (بيار قطار/ ذي آوتلو أوشين بروجيكت)

تقوم منظمة أطباء بلا حدود بزيارة السجن مرّتين في الأسبوع. ووجدت أن كدمات وجروحا تملأ أجساد المحتجزين الذين كانوا يتجنبون التواصل العيني ويرتعبون إذا سمعوا أصواتا مرتفعة. في بعض الأحيان، كانوا يمرّرون ملاحظات يائسة إلى طاقم مجموعة الإغاثة تتم كتابتها على كتيّبات ممزقة لمنظمة الصحة العالمية. أخبر الكثير من المهاجرين الأطباء أنهم يشعرون أنهم “مختفون”، وكانت أولى المسائل التي طلبها الكثيرون هي إخبار عائلاتهم أنهم على قيد الحياة.

خلال إحدى الزيارات، لم يتمكّن الطاقم حتى من دخول زنزانة كاندي لأنها كانت مكتظة للغاية – وقدّروا أن هناك 3 مهاجرين في كلّ متر مربّع – مما أجبرهم على علاج المهاجرين في الفناء. أدى هذا الاكتظاظ إلى انتشار أمراض السل وجدري الماء والالتهابات الفطرية وكوفيد 19. وقد أخبر مهاجرون الأطباء بتعرّضهم للضرب في الليلة السابقة، وتمّ تسجيل إصابات بكسور وجروح وصدمات حادة، وقد أصيب طفل بجروح بليغة إلى درجة أنه لم يستطع المشي.

بعد أسابيع قليلة من اعتقال كاندي، أحضر أعضاء لجنة الإنقاذ الدولية، والممولة أساسا من قبل الاتحاد الأوروبي، المياه والأغطية التي طلبتها المنشأة. ولكن بعد أسبوع، أعلنوا أنهم لن يقدموا المزيد من المساعدات لسجن المباني بعد اكتشافهم أن الحرّاس احتفظوا ببعض الإمدادات لأنفسهم. في موفى شهر مارس/آذار ، قام المسؤول القنصلي بسفارة غينيا كوناكري شريف خليل بزيارة السجن. وقف كاندي في الصف متظاهرا أنه من غينيا كوناكري وسأل عما إذا كانت السفارة تستطيع أن تساعد في إخراجه من السجن. قال لي خليل “لقد كان يائسا”.

في منتصف وجبتي مع سوماهورو، رنّ هاتفي. وبدأ ضابط شرطة على الخط في الصراخ في وجهي “لا يُسمح لك بالتحدث إلى المهاجرين. لا يمكنك أن تتواجد في قرقارش”. قال لي إنه إذا لم أغادر الحيّ فورا فسيتمّ اعتقالي. عندما عدت إلى سيارتي، أخبرني ضابط الشرطة الذي كان يقف هناك، أنني إذا تحدثت إلى أي مهاجرين آخرين فسوف يتم طردي خارج البلاد. بعد ذلك، لم يُسمح لي ولفريقي بالمغامرة بعيدا. إذا أراد محتجزون سابقون رواية قصصهم، كان علي أن أدخلهم إلى فندقي خلسة.

جرائم بلا حدود

عندما قدمت إلى ليبيا، وعدني مسؤولون في الحكومة الليبية بأنه سيُسمح لي بمراقبة وحدة خفر السواحل الليبي والقيام بجولة في السجن، ولكن بعد عدة أيام من المحاولات، أصبح واضحا أن أيا منهما لن يحدث. في وقت متأخر من بعد ظهر أحد الأيام، ذهبت مع فريقي إلى زقاق غير ظاهر على بعد نصف ميل من مركز الاحتجاز وأطلقنا طائرة درون صغيرة تصوّر فيديوهات وجعلناها تحلّق فوق فناء “المباني” مرتفعة بشكل كاف حتى لا يلاحظها الحرّاس.

على الشاشة رأيت الحرّاس يستعدّون لإعادة المهاجرين إلى زنازينهم بعد تناول وجبة في الفناء. كان هناك حوالي 65 محتجزا يجلسون في ركن من الفناء، متجمّعين بشكل محكم، لا يحرّكون ساكنا، رؤوسهم إلى أسفل، أرجلهم مطوية، ويد كلّ رجل تلمس ظهر الرجل الذي أمامه. عندما نظر مهاجر إلى جانبه، انحنى أحد الحرّاس وضربه على رأسه.

خلال حكم القذافي وبعده، بنت ليبيا عشرات المنشآت لاحتجاز مجموعة متنوعة من المعتقلين، سجناء سياسيون وأعضاء ميليشيات ومرتزقة أجانب. عندما لجأت أوروبا إلى البلاد الليبية للقبض على المهاجرين وسجنهم، كان هناك إمداد جاهز للسجون الرسمية ومراكز الاحتجاز المرتجلة لاستخدامها. يوجد حاليا حوالي 15 مركز احتجاز معترف بها أكبرها “المباني”. يقول في هذا الإطار مسؤول بالمنظمة الدولية للهجرة إن هناك عشرات الآلاف من المهاجرين المحتجزين منذ سنة 2017. بموجب القانون الليبي يمكن احتجاز الأجانب غير المصرّح لهم إلى أجل غير مسمى دون السماح لهم بالحصول على محام. ولا يوجد اختلاف في التعامل بين اللاجئين لأسباب اقتصادية وطالبي اللجوء وضحايا الاتجار غير المشروع.

في ماي/أيار، أبلغت ستّ نساء في مركز شرع الزاوية محققي منظمة العفو الدولية عن تعرّضهن للاغتصاب ولأشكال أخرى من العنف الجنسي والتعذيب. في منشأة أبوسليم، قتل مهاجران خلال محاولتهما الفرار خلال شهر فيفري/شباط المنقضي. وقال مهاجر محتجز في أبو سليم للمحققين: “الموت في ليبيا طبيعي، لن يبحث عنك أحد ولن يجدك أحد”. صرّحت ديانا الطحاوي، التي تعمل في منظمة العفو الدولية، في شهر جويلية/ تموز، أن “الشبكة الكاملة لمراكز احتجاز المهاجرين متعفنة في صميمها”.

يتمّ وضع المهاجرين الذين يقبض عليهم خفر السواحل في حافلات، وقع توفير العديد منها من قبل الاتحاد الأوروبي، ونقلهم إلى السجون. في بعض الأحيان، تبيع وحدات خفر السواحل المهاجرين إلى مركز احتجاز مقابل مبلغ مالي. البعض منهم، على ما يبدو، لم يصل أبدا إلى أحد السجون الرسمية.

في الأشهر السبعة الأولى من سنة 2021، تمّ أسر أكثر من 15 ألف مهاجر من قبل خفر السواحل الليبي تمّ احتسابهم على الشاطئ من قبل منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، لكن حوالي 6 آلاف فقط وصلوا إلى المنشآت الرسمية. يقول رئيس البعثة في ليبيا لدى منظمة الهجرة الدولية فيدريكو سودا إن “الأرقام ببساطة لا تتطابق”. يعتقد سودا أن العديد من المهاجرين يختفون في منشآت “غير رسمية” يديرها مهرّبون وميليشيات ولا تستطيع مجموعات الإغاثة الوصول إليها.

تمّ إنشاء سجن المباني في بداية العام الحالي على يد القيادي البارز في كتيبة الزنتان عماد الطرابلسي. لهذه الميليشيا صلات بقيبلة الزنتان التي ساهمت في الإطاحة بالقذافي واحتجزت ابنه كسجين سياسي لسنوات.

أما اليوم، فقد انضمت الكتيبة إلى حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من الأمم المتحدة وعمل الطرابلسي لفترة وجيزة كنائب لرئيس المخابرات. وقد رفض الطرابلسي التعليق. وقد تمّ بناء السجن في أحد أركان المدينة تسيطر عليه المليشيا، وأصبح أعضاؤها يمثّلون طاقم المنشأة وحرّاسها. وعيّن الطرابلسي نائبا موثوقا به، نور الدين الغريتلي، قائد ميليشيا معسول الكلام، لإدارة السجن.

في السابق، كان الغريتلي مسؤولا عن سجن للمهاجرين ذاع صيته بوحشيته يطلق عليه “تاجوراء” ويقع في قاعدة عسكرية على المشارف الشرقية لطرابلس. في تقرير لهيومن رايتس ووتش صدر عام 2019، وصف ستة محتجزين، بينهم صبيّان في السادسة عشرة من العمر، تعرّضهم للضرب المبرح في المنشأة، في حين تحدّثت امرأة عن تعرّضها لاعتداءات جنسية متكرّرة.

وروى كاتبو التقرير رؤية محتجزة تحاول شنق نفسها بينما كان الحرّاس ينظرون إليها دون تقديم أي مساعدة. وبحسب محققي الأمم المتحدة، فقد طُلب من المهاجرين هناك أيضا القيام بأعمال قسرية في المنشأة بما في ذلك تنظيف الأسلحة وتخزين الذخيرة وتفريغ الشحنات العسكرية. في جويلية/تموز 2019، شنّت قوات المتمردين غارات جوية على القاعدة العسكرية وقصفت الأماكن التي كان يتم احتجاز المهاجرين فيها. قتل أكثر من 50 شخصا من بينهم 6 أطفال. وانتهى الأمر بمعظم المهاجرين الذين نجوا إلى الانتقال إلى سجن “المباني”.

فيديو لمهاجرين داخل مركز المباني (ذي آوتلو أوشين بروجيكت)

يقرّ الاتحاد الأوروبي أن الظروف في مراكز احتجاز المهاجرين قاسية. صرّح المتحدث باسم الصندوق الاستئماني “إن موقف الاتحاد الأوروبي تجاه ظروف احتجاز المهاجرين في ليبيا واضح: “الوضع في هذه المراكز غير مقبول. يجب إنهاء نظام الاحتجاز التعسفي الحالي “.

في العام الماضي، قال نائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل “إن قرار الاحتجاز التعسفي للمهاجرين يقع على عاتق الحكومة الليبية وحدها”. في اتفاقه الأول مع ليبيا، تعهد الاتحاد الأوروبي بالمساعدة في تمويل عملية احتجاز المهاجرين وجعلها آمنة. اليوم، يصرّ المسؤولون الأوروبيون على أنهم لا يمولون المراكز بشكل مباشر.

طبيعة إنفاق الصندوق الاستئماني مبهمة، لكن المتحدث باسمه يقول إن الصندوق يرسل الأموال فقط إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية التي تقدم “الدعم المنقذ للحياة للمهاجرين واللاجئين المحتجزين”، بما في ذلك من خلال توفير “الرعاية الصحية والدعم النفسي والاجتماعي، والمساعدة النقدية والمواد غير الغذائية”.

إلا أن عضوة البرلمان الأوروبي تينيكي ستريك صرّحت لي أن هذا الادعاء ليس له أي معنى إلى حدّ كبير. وقالت:

“إذا لم يموّل الاتحاد الأوروبي خفر السواحل الليبي وأجهزته فلن يكون هناك اعتراض للمهاجرين ولن تكون هناك إحالة إلى مراكز الاحتجاز المروّعة هذه”.

كما أشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يرسل أموالا إلى حكومة الوحدة الوطنية، التي تشرف على إدارة مكافحة الهجرة غير النظامية التابعة لها على هذه المراكز. وأضافت أنه حتى لو لم يكن الاتحاد الأوروبي يدفع بشكل مباشر لبناء مراكز الاحتجاز أو رواتب المسلّحين العاملين فيها، فإن أمواله، التي يتم إنفاقها من خلال الوكالات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، تساعد بشكل غير مباشر في دعم الكثير من عملياتها.

تشتري أموال الاتحاد الأوروبي القوارب التي تأسر المهاجرين، والأجهزة اللوحية التي تعمل باللمس التي يستخدمها عمال الإغاثة لعدهم عند نزولهم، والحافلات التي تنقلهم إلى السجون. تساعد أموال الاتحاد الأوروبي التي يتم توجيهها من خلال وكالات الأمم المتحدة مثل منظمة الهجرة الدولية ومفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين في دفع ثمن البطانيات والملابس الشتوية والنعال التي يتلقاها المهاجرون عند وصولهم. كما قامت هذه الأموال ببناء الحمامات في العديد من المرافق، واشترت الصابون ومستلزمات النظافة وورق الحمّام الذي يستخدمه المهاجرون، وكذلك المراتب التي ينامون فيها.

ويدفع صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني لأفريقيا تكاليف العربات التي تستخدمها السلطات الليبية لمطاردة المهاجرين الفارين من الاحتجاز، والقبض على من يدخلون البلاد عبر الصحراء الكبرى. عندما يمرض المحتجزون ، تنقلهم سيارات الإسعاف التي اشتراها الصندوق الاستئماني إلى المستشفى. وعندما يموتون، تدفع أموال الاتحاد الأوروبي ثمن أكياس جثثهم، وتدرّب السلطات الليبية على كيفية التعامل مع جثثهم بطريقة مناسبة دينيا. بشكل فردي، تساعد بعض هذه الجهود في جعل السجون أكثر إنسانية، ولكنها مجتمعة تساعد في الحفاظ على النظام. أقر تقرير داخلي أصدرته بعثة الاتحاد الأوروبي لمساعدة الحدود، في عام 2019، بذلك، محذرا من أن جزءا من آخر مبلغ مالي، حوالي تسعين مليون يورو، من المرجح أن يذهب نحو تشغيل المراكز، مما يؤدي إلى مزيد من الاستغلال والانتهاكات.

تستخدم الميليشيات أيضا مجموعة متنوعة من الأساليب لتحقيق ربح من المنشآت. غالبا ما تسحب الميليشيات الأموال والبضائع التي ترسلها المنظمات الإنسانية والوكالات الحكومية لفائدة المهاجرين – وهو مخطط يُعرف باسم “تحويل المساعدات”.

قال مدير مركز احتجاز في مصراتة لمحققين تابعين لهيومن رايتس ووتش إن الميليشيا التي تدير السجن كانت أيضا تدير شركة التموين التي تقدّم الطعام، واستولت على 85% من الأموال التي منحتها الحكومة ومجموعات الإغاثة لإطعام المهاجرين. كما تم توثيق سرقة الميليشيات للطعام والبطانيات والدلاء وأدوات النظافة. وخلصت دراسة داخلية موّلها الصندوق الاستئماني في أفريل/نيسان 2019 إلى أن الكثير من الأموال التي يرسلها عبر المنظمات الإنسانية انتهى بها الأمر إلى الميليشيات. وتقول الدراسة: “في معظم الأحيان إنها عمليّة تدرّ أرباحا”.

تسمح القوانين، التي تعود إلى عهد القذافي، بإجبار الأجانب، بغض النظر عن أعمارهم، على العمل دون أجر. يمكن لمواطن ليبي أن يأخذ مهاجرين من مركز الاحتجاز ويصبح، مقابل مبلغ معيّن، “الكفيل” على المهاجرين ويشرف على العمل الخاص لفترة محدّدة من الوقت.

في 2017، بثّت “سي إن إن” لقطات لما يشبه مزادا للعبيد، حيث تمّ بيع المهاجرين للعمل في المزارع وحظائر البناء، وانطلق المزاد من مبلغ 400 دينار ليبي أو ما يعادل 88 دولارا للشخص الواحد. هذا العام، قال أكثر من عشرة مهاجرين من سجن المباني، بعضهم لم يتجاوز عمره الرابعة عشر، لمنظمة العفو الدولية، إنهم أُجبروا على العمل في المزارع أو في المنازل الخاصة، وتنظيف وتحميل الأسلحة في مخيمات عسكرية أثناء أعمال عدائية نشطة.

ولعلّ المخطط الأكثر شيوعا هو الابتزاز. داخل مراكز الاحتجاز كلّ شيء له ثمن، الحماية والغذاء والدواء، والأغلى من ذلك كلّه الحرّية. لكن حتى دفع الفدية لا يضمن الإفراج، فبعض المهاجرين تتم ببساطة إعادة بيعهم إلى مركز احتجاز آخر. وقالت دراسة الصندوق الاستئماني “لسوء الحظ ونتيجة للعدد الكبير من مراكز الاحتجاز وتسليع المهاجرين، يتمّ احتجاز العديد منهم من قبل مجموعة أخرى بعد إطلاق سراحهم مما يؤدي إلى دفع فديات متعددة”.

في لقاء مع السفير الألماني بليبيا في وقت سابق من هذا العام، اعترف اللواء المبروك عبد الحفيظ، الذي يشرف على مديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، الجهاز المسؤول عن مراكز احتجاز المهاجرين، بالظروف الوحشية في السجون. وصوّر نفسه وبلده على أنهما مكلّفان بالقيام بعمل مستحيل. وأضاف قائلا: “ليبيا لم تعد بلد عبور، بل ضحيّة تُركت وحدها لمواجهة أزمة فشلت فيها دول العالم”. (رفض عبد الحفيظ التعليق على هذا المقال). عندما اتصلت بالغريتلي، مدير سجن المباني، وسألته عن مزاعم سوء المعاملة هناك، أجاب قائلا: “لا يحدث أي انتهاك”، ثم أغلق الهاتف.

رصاصة قاتلة

علمت أنه بينما كان كاندي في زنزانته تمسّك بإشاعة كانت قد اجتاحت المنشأة وتتمثل في أن الحرّاس سيطلقون المحتجزين في الزنزانة رقم 4 بمناسبة شهر رمضان. وفي انتظار إطلاق سراحه، وجد طرقا لتمضية الوقت، حاول تعلّم اللغة العربية مع لوثر ولعب البوكر.

تحدّث لوثر في دفتر يومياته عن احتجاج نفّذته سجينات وكتب “كنّ في ملابس داخلية ويجلسن على الأرض لأنهن طالبن أيضا بإطلاق سراحهن”.

وضع كاندي ولوثر ألقابا للحرّاس بناء على الأوامر التي كانوا يطلقونها. أحدهم كان يُعرف بـ”خمسة خمسة” ذلك لأنه كان يصرخ أثناء تناول الطعام مذكرا المهاجرين أنه على كلّ خمسة أشخاص أن يتقاسموا كلّ طبق. حارس آخر لُقّب بـ”قعمز”، وتعني “اجلس”، لأنه كان يحرص على ألا يقف أحد. فيما كان آخر عرف بعبارة “التزم الصمت” يراقب المحادثات.

في مرحلة معيّنة، اضطرّ كاندي ولوثر إلى الاهتمام بمهاجر بدا أنه يعاني من نوبة نفسية، وكان يضرب ويصرخ بأعلى صوته. كتب لوثر “لقد كان غاضبا إلى درجة أننا اضطررنا إلى كبح جماحه حتى نتمكّن من النوم بسلام”. في النهاية، أخذه الحرّاس إلى المستشفى بعد أن ترجاهم كاندي، إلا أنه عاد بعد ثلاثة أيام مضطربا كما كان دائما. وكتب لوثر “وضعية لا تصدّق”.

مع نهاية شهر مارس/ آذار، أعلم الحرّاس المهاجرين أنه لن يتمّ إطلاق سراحهم في رمضان. كتب لوثر في مذكراته، “الحياة هكذا في ليبيا. لا يزال يتعيّن علينا التحلّي بالصبر حتى نتمتع بحرّيتنا”. لكن كاندي تحطّم. عندما تمّ القبض عليه في البداية، فشل خفر السواحل بطريقة ما في مصادرة هاتفه الخلوي. وقد أبقاه مخفيا خوفا من أنه إذا تمّ الانتباه إليه فسوف يُعاقب بشدّة. ولكن بحلول نهاية شهر مارس/آذار، قام بإرسال رسالة صوتية إلى إخوته عبر واتساب محاولا شرح الموقف بسرعة. وترجّاهم قائلا:

“لا يمكن الاحتفاظ بالهاتف هنا لفترة طويلة. كنا نحاول الذهاب إلى إيطاليا عبر البحر. لقد قبضوا علينا وأعادونا ونحن الآن محتجزون في السجن.. جدوا طريقة للاتصال بوالدنا”.

ثم انتظر على أمل أن يتمكنوا معا بطريقة ما جمع الفدية.

في الساعة الثانية من فجر الثامن من شهر أفريل/نيسان ، استيقظ كاندي على ضوضاء قادمة من مقدمة الزنزانة رقم 4، كان العديد من المهاجرين السودانيين يحاولون فتح الباب الأمامي والهروب. كان كاندي يخشى من أن يعاقب جميع السجناء وقام بإيقاظ سوماهورو الذي واجه السودانيين بمعيّة مهاجرين آخرين. وقال لهم سوماهورو: “لقد حاولنا الفرار عدّة مرّات من قبل ولم ننجح أبدا. لقد تعرّضنا للضرب للتو”. عندما لم يستمع السودانيون إليهم، طلب سوماهورو من أحد المهاجرين تنبيه الحرّاس الذين قام أحدهم بوضع شاحنة رمل أمام باب الزنزانة وسدّها بالكامل.

قام السودانيون بسحب أنابيب حديدية من جدار الحمام واستخدامها لضرب من تدخّلوا ضدّهم. أُصيب مهاجر في عينه وسقط آخر على الأرض والدم يتدفق من رأسه. بدأت مجموعات في رشق بعضها البعض بالأحذية ودلاء بلاستيكية وزجاجات شامبو وقطع من ألواح الجبس المكسورة.

حاول كاندي الابتعاد عن الشجار وقال لسوماهورو:” لن أقاتل.. أنا أمل عائلتي بأكملها”. استمرّ الشجار لمدّة ثلاث ساعات ونصف. صرخ المهاجرون طلبا للمساعدة قائلين “افتحوا الباب!”. ولكن عوضا عن ذلك، ضحك الحرّاس وهلّلوا وقاموا بتصوير المعركة كما لو كانت عملية نزال داخل قفص. وقال أحدهم وهو يمرّر زجاجات المياه من خلال البوابة لإبقاء المتشاجرين منتعشين: “استمرّوا في القتال.. إذا كنت تستطيع قتلهم فافعل ذلك”.

في الساعة الخامسة والنصف صباحا، غادر الحرّاس وعادوا ببنادق نصف آلية. ودون سابق إنذار، أطلقوا النار على الزنزانة عبر نافذة الحمّام لمدّة عشر دقائق متواصلة. قال لي سوماهورو: “بدت وكأنها ساحة معركة”. أصيب إسماعيل دومبويا وأيوبا فوفانا، وهما مراهقان من غينيا كوناكري، على مستوى الساق. أصيب كاندي، الذي كان يختبئ داخل الحمام أثناء القتال، في رقبته. ترنّح على طول الجدار ملطّخا بالدماء ثمّ سقط على الأرض. حاول سوماهورو إبطاء النزيف بقطعة قماش. بعد عشر دقائق مات كاندي.

وصل الغريتلي بعد عدّة ساعات. وصرخ في الحرّاس قائلا:

“ماذا فعلتم؟ يمكنكم فعل أي شيء لهم ولكن لا يمكنكم قتلهم!”.

رفض المهاجرون تسليم الجثمان إذا لم يتمّ إطلاق سراحهم، فاستدعى الحرّاس المذعورون سوما، المندوب، للتفاوض معهم. في النهاية وافقت الميليشيا على شروطهم. وقال سوما: “أنا سوما سأفتح هذا الباب وستخرجون يا رفاق، ولكن هناك شرط واحد. عندما تخرجون، لا تتسبّبوا في مشاكل ولا تتسبّبوا في فوضى. سأكون أمامكم وسأركض معكم حتى الخروج”.

قبل الساعة التاسعة صباحا بقليل، اتخذ الحرّاس مواقعهم بالقرب من البوابة رافعين البنادق. فتح سوما باب الزنزانة وطلب من 300 مهاجر أن يتبعوه خارج السجن ببطء في صفّ واحد دون أن يتحدثوا. تباطأ عدد من الركّاب في الصباح وهم يحدّقون في سيل المهاجرين أثناء خروجهم من المجمع وذوبانهم في شوارع طرابلس.

في قبضة المخابرات الليبية

بحلول يومي السادس في طرابلس، كنت أجمع تفاصيل حادثة وفاة كاندي. وقمنا بإجراء مقابلات مع عشرات المهاجرين والمسؤولين وعمّال الإغاثة رغم معارضة الحكومة. كان لديّ انطباع واضح أن موظفي الفندق و”حرّاس الأمن” الخاصّين بنا يبلغون السّلطات بتحرّكاتنا.

يوم الأحد 23 ماي/أيار، قبل الساعة الثامنة بقليل، كنت جالسا في الفندق، على الهاتف مع زوجتي الموجودة في العاصمة الأمريكية واشنطن، عندما سمعت طرقا على الباب. عندما فتحت الباب، اقتحم عدد من المسلّحين الغرفة مصوّبين مسدّساتهم نحو جبهتي وصرخوا “انزل على الأرض”. وضعوا غطاء على رأسي وضربوني – قاموا بركلي ولكمي والدوس على رأسي – تاركين ضلعين مكسورين ودماء في البول وتلفا في كلّيتي، ثمّ سحبوني من الغرفة.

في ذلك الوقت، كان فريقي من الباحثين في طريقه لتناول العشاء بالقرب من الفندق الذي كنا نقيم فيه. اصطدمت شاحنة صغيرة بيضاء بسيارة مدنية أمامهم، ممّا أدى إلى قطع الطريق، وقفز من الشاحنة 6 رجال ملثّمين ومسلّحين بأسلحة نصف آلية. أخذوا سائق فريقي من السيارة وقاموا بضربه بالمسدّس ووضعوا عصابات على أعين زملائي واقتادوهم بعيدا. تمّ نقلنا جميعا إلى غرفة استجواب في موقع أسود، أين تعرّضت للضرب مجددا على رأسي وضلوعي. كنت أستمع إلى رجال يهدّدون الآخرين. صرخ أحدهم في وجه مصوّرنا بيار قطار “أنت كلب!” وضربه على وجهه. بينما كان الحرّاس ينقلونني من غرفة إلى أخرى، كانوا يوجهون لي من حين لآخر الاعتداءات في رأسي وضلوعي.

همسوا بتهديدات جنسية لعضوة فريقنا ميا دولس دو جونغ، وهي مخرجة هولندية، قائلين: “هل تريدين حبيبا ليبيا؟”. بعد سويعات قليلة، نزعوا أحزمتنا وخواتمنا وساعاتنا ووضعونا في زنازين.

اكتشفت منذ ذلك الحين، من خلال الإحالات المرجعية لصور الأقمار الصناعية، أننا كنّا في سجن سرّي صغير على بعد 700 ياردة من السفارة الإيطالية. أخبرنا آسرونا أنهم جزء من “جهاز المخابرات الليبي”، وهو وكالة تابعة لحكومة الوحدة الوطنية – الحكومة المُعترف بها من قبل الأمم المتحدة والتي تشرف أيضا على سجن المباني – ولكنها (الوكالة) مرتبطة بميليشيا تسمّى كتيبة النواصي. تفاخر المحققون بأنهم عملوا معا في عهد القذافي. ادعى أحدهم، الذي كان يتحدّث الانقليزية، أنه قضى وقتا في كولورادو في برنامج تدريبي تديره وزارة الأمن الداخلي الأمريكية يركّز على إدارة السجون.

صورة مقر احتجاز إيان وفريقه
(“ذي آوتلو أوشين بروجكت”/ 22 ماي 2021)

وُضعتُ في زنزانة عزل فيها مرحاض ودش ومرتبة إسفنجية على الأرض وكاميرا مثبتة في السقف. كان هناك فتحة صغيرة مستطيلة في الباب كان الحرّاس من خلالها يسلّمون علب الأرز الأصفر وزجاجات المياه. في كلّ يوم، كان يتمّ اصطحابي إلى حجرة التحقيق واستجوابي لمدّة تصل إلى خمس ساعات في كلّ مرّة. ظلّ رجل يقول لي:

“نعلم أنك تعمل في وكالة المخابرات الأمريكية.. هنا في ليبيا التجسس عقوبته الإعدام”.

أحيانا، كان يضع مسدّسا على الطاولة أو يصوّبه نحو رأسي. بالنسبة لمن قام بأسري، أصبحت الخطوات التي اتخذتها لحماية فريقي دليلا على تورّطي. لماذا يرتدون أجهزة تتبّع؟ ولماذا يحملون نقودا ونسخا من جوازات سفرهم في أحذيتهم؟ لماذا لديّ “جهازي تسجيل سرّيين” في حقيبتي (آبل ووتش وغوبرو) جنبا إلى جنب مع مجموعة من الأوراق بعنوان “مستند سرّي” (قائمة جهات اتصال في حالة طوارئ التي كانت في الواقع تسمّى “مستند أمان”).

حقيقة أنني كنت صحفيا لم تكن حجة دفاعية بقدر ما كانت جريمة ثانية. قال لي الخاطفون إنه من غير القانوني إجراء مقابلات مع المهاجرين بشأن الانتهاكات في سجن “المباني”. وسألوني “لماذا تحاول إحراج ليبيا؟”. أكدوا أن الولايات المتحدة لها مشاكلها الخاصّة، وقالوا لي مرارا وتكرارا “لقد قتلتم جورج فلويد”. بدأت أشعر باليأس، ولفترة من الزمن، فتحت غطاء المرحاض وفككت بعضا من السباكة على أمل استخدام قطعة معدنية لفك قضبان النافذة. في مرحلة ما، نقرت على جدار زنزانتي وسمعت عضوا من فريقي ينقر مرّة أخرى، الأمر الذي وجدته، لأسباب غير منطقية، مطمئنا.

بعد أن كانت قد استمعت إلى بداية عملية اختطافي ، أبلغت زوجتي وزارة الخارجية الأمريكية التي بدأت مع وزارة الخارجية الهولندية في الضغط على رئيس حكومة الوحدة الوطنية من أجل إطلاق سراحنا. في مرحلة ما، تمّ أخذنا من زنازيننا لتسجيل فيديو “إثبات الحياة”. طلب منا سجانونا أن نغسل الدماء والأوساخ عن وجوهنا وأن نجلس على أريكة أمام طاولة بها مشروبات غازية ومعجنات. وقالوا لنا “ابتسموا” وأمرونا أن نقول أمام الكاميرا إننا نتلقى معاملة إنسانية. “تحدثوا.. ابدوا طبيعيين”. بعد احتجازنا في الأسر لمدّة خمسة أيام، وافقت الميليشيا على إطلاق سراحنا. طُلب منا التوقيع على وثائق “اعتراف” مكتوبة باللغة العربية على ورق يحمل عنوان “إدارة مكافحة العداء” وموقعة من اللواء حسين محمد العايب. عندما سألنا عن محتوى الوثائق، ضحك خاطفونا.

قدّمت لنا التجربة -المخيفة للغاية ولكن القصيرة لحسن الحظ – لمحة صغيرة عن عالم الاحتجاز إلى أجل غير مسمى في ليبيا. غالبا ما كنت أفكّر في المدة التي بقي فيها كاندي محتجزا في الأسر وكم كانت النهاية بالنسبة إليه أكثر وحشية. في 28 ماي/أيار ، تمّ إطلاق سراحنا أنا وفريقي ووقعت مرافقتنا إلى الباب. ولكن مع اقترابنا منه، وضع محقّق يده على صدري قائلا لبقية أعضاء فريقي:”يمكنكم الذهاب لكن إيان سيبقى هنا”. حدقنا في بعضنا البعض جميعا ثم انفجر ضاحكا وقال إنه كان يمزح فقط. تمّ نقلنا إلى طائرة حلّقت بنا إلى خارج البلاد وتمّ ترحيلنا رسميا لارتكاب جريمة إعداد تقرير عن المهاجرين.

نهاية حلم

في الأسابيع التي تلت وفاة كاندي، انتشر الخبر بسرعة في جميع أنحاء المدينة وانتقل مع أولئك الذين تمّ إطلاق سراحهم. وصل النبأ في نهاية المطاف إلى رئيس جالية غينيا بيساو بليبيا. الذي ذهب مع بالدي، عمّ كاندي الذي كان عاش لسنوات في طرابلس ونصح كاندي بعدم محاولة الذهاب إلى أوروبا، إلى مركز الشرطة بالقرب من سجن “المباني” حيث تمّ إعطاؤهم نسخة من تقرير التشريح المعدّ من قبل الشرطة.

لم تكن السلطات حتى تعرف اسم كاندي، وكانت الاستمارات مجهولة. ورجّحوا وفاته في قتال الأمر الذي أغضب رئيس الجالية. وقال لي “لم يكن قتالا.. بل كانت رصاصة”. لاحقا، ذهبوا إلى المستشفى المحلّي للتعرّف على جثة كاندي التي كانت على متن نقالة معدنية ملفوفة بقطعة قماش شاش بيضاء تمّ فكّها جزئيا لكشف وجهه. خلال الأيام الموالية، تنقلوا عبر طرابلس لسداد ديون كاندي التي تكبّدها إثر وفاته، 188 دولارا للإقامة في المستشفى، و19 دولارا للكفن الأبيض وملابس الدفن، و236 دولارا كلفة مراسيم دفنه الذي سيتم لاحقا.

علمت عائلة كاندي بوفاته بعد يومين من الحادثة. أخبرني والده سامبا أنه بالكاد يستطيع النوم أو الأكل قائلا: “الحزن يثقل كاهلي”. أنجبت هافا طفلهما الثالث، وهي ابنة تدعى كاداتو، تبلغ من العمر عامين الآن، وأخبرتني أنها لن تتزوّج مرّة أخرى حتى تنتهي من الحداد قائلة: “قلبي محطّم”. جاكاري، شقيق كاندي، كان يأمل في أن تقبض الشرطة على قتلة أخيه قائلا: “لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك.. لذا كاندي رحل، رحل بكلّ الطرق”. ساءت ظروف المزرعة مع زيادة الفيضانات وفقدان أحد عمّالها. كلّ ذلك دفع ببوبو، شقيق كاندي الأصغر، إلى التصريح بأنه سيحاول على الأرجح القيام برحلة إلى أوروبا بدوره قائلا “ماذا يمكنني أن أفعل؟”.

إثر وفاة كاندي، تمّ إيقاف الغريتلي عن العمل ولكن بعد بضعة أسابيع عاد إلى منصبه. ورفضت منظمة أطباء بلا حدود، لمدّة 3 أشهر، زيارة السجن. كتبت رئيسة بعثة المنظمة في ليبيا بياتريس لاو

“لقد وصل النمط المستمرّ لحوادث العنف والأذى الجسيم للاجئين والمهاجرين، فضلا عن الخطر على سلامة موظفينا، إلى مستوى لم نعد قادرين على القبول به”.

وقد استأنفت المنظمة أنشطتها بعد تلقي تأكيدات من السلطات الليبية بأنه لن يكون هناك مزيد من العنف وأنه سيتم السماح لفرقها بالوصول إلى السجن دون عوائق. هذه التأكيدات تبيّن لاحقا أنها جوفاء. في أكتوبر/تشرين الأول ، اعتقلت السلطات الليبية، بما في ذلك ميليشيا الزنتان، 5000 مهاجر في قرقارش، أرسل الآلاف منهم إلى سجن “المباني”. وفي غضون أسبوع، أطلق الحرّاس النار على مهاجرين حاولوا الهرب مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص.

فيديو قبر كاندي (بيار قطار/ ذي آوتلو أوشين بروجكت)

بعد وفاة كاندي، دعا سفير الاتحاد الأوروبي ساباديل إلى إجراء تحقيق رسمي. ويبدو أنه لم يتمّ إجراء هذا التحقيق أبدا (لم يردّ ساباديل على طلبات التعليق). لا يزال التزام أوروبا ببرامجها المناهضة للمهاجرين في ليبيا ثابتا. جدّدت إيطاليا السنة الفارطة مذكرة التفاهم مع ليبيا. ومنذ مارس/آذار ، استثمرت إيطاليا 4 ملايين دولار إضافية في خفر السواحل، والتزمت المفوضية الأوروبية بتطوير مركز قيادة بحرية جديدة “حديثة ومتطورة” وشراء ثلاث سفن إضافية له. يواصل عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا انخفاضه لكن معدل وفيات من يعبرون البحر الأبيض المتوسط ارتفع بنسبة 40 في المائة منذ عام 2017.

في الثاني عشر من شهر أفريل/نيسان ، بعد وقت قصير من صلاة الخامسة مساء، اجتمع بالدي وساني وحوالي عشرين آخرين في مقبرة بئر الأسطى ميلاد لحضور جنازة كاندي. ، تحتل المقبرة قطعة أرض مساحتها ثمانية أفدنة وتقع بين محطة كهرباء فرعية ومستودعين كبيرين. يتمّ دفن معظم القتلى من المهاجرين في ليبيا هناك، وتضمّ المقبرة حاليا حوالي 10 آلاف قبر، العديد منها دون شواهد. صلّى الرجال بصوت عال بينما تمّ إنزال جثة كاندي في حفرة ضحلة لا يزيد عمقها عن قدم ونصف محفورة في الرمال. وضعوا فوق القبر ستة قطع من الحجارة المستطيلة وسكبوا طبقة من الإسمنت. سأل أحدهم ما إذا كان لدى أي شخص أموال من كاندي ليعطيها لعائلته فلم يجب أحد. بعد لحظات من الصمت، قال الرجال في صوت واحد “الله أكبر”. ثم قام أحدهم، باستخدام عصا، بكتابة اسم كاندي في الأسمنت الرطب.

كلمة الكتيبة:

هذا التحقيق أنجز من قبل منظمة "ذي آوتلو أوشين بروجيكت" وكتبه إيان أوربينا الحائز على جائزة بوليتزر، ومؤلف كتاب "ذي آوتلو أوشين" وهو من المؤلفات الأكثر مبيعا وفقا لقائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر تسويقا على مستوى عدد المبيعات. إيان أوربينا هو مدير "ذي آوتلو أوشين بروجيكت"، وهي منظمة صحفية غير ربحية مقرها العاصمة الأمريكية واشنطن وتعمل بشكل خاص على القضايا المتعلقة بالبيئة وحقوق الإنسان في البحر على مستوى العالم. ونشر التحقيق باللغة العربية هو ثمرة التعاون بين "ذي آوتلو بروجيكت" وموقع الكتيبة المختص في الصحافة الاستقصائية مقرّه تونس العاصمة .

كلمة الكتيبة:

هذا التحقيق أنجز من قبل منظمة "ذي آوتلو أوشين بروجيكت" وكتبه إيان أوربينا الحائز على جائزة بوليتزر، ومؤلف كتاب "ذي آوتلو أوشين" وهو من المؤلفات الأكثر مبيعا وفقا لقائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر تسويقا على مستوى عدد المبيعات. إيان أوربينا هو مدير "ذي آوتلو أوشين بروجيكت"، وهي منظمة صحفية غير ربحية مقرها العاصمة الأمريكية واشنطن وتعمل بشكل خاص على القضايا المتعلقة بالبيئة وحقوق الإنسان في البحر على مستوى العالم. ونشر التحقيق باللغة العربية هو ثمرة التعاون بين "ذي آوتلو بروجيكت" وموقع الكتيبة المختص في الصحافة الاستقصائية مقرّه تونس العاصمة .

الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص

ترجمة: رحمة الباهي
مراجعة: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
رسوم: معاذ عيادي
تدقيق: وليد الماجري
رسوم: معاذ العيادي
ترجمة: رحمة الباهي
مراجعة : محمد اليوسفي

الكاتب : إيان اوربينا

صحفي استقصائي أمريكي . متحصل على عديد الجوائز الدولية أبرزها بوليتزر . وهو متخصّص في قضايا البيئة وحقوق الانسان في البحار بشكل خاص .

IYAN