الكاتب : وائل الونيفي ووليد الماجري
في وقت ليس ببعيد كان للجنة الاستشارية للمحروقات -السلطة الساهرة على تنظيم الاستثمار في مجالات التنقيب وإنتاج النفط والغاز في تونس- اليد الطولى في كلّ كبيرة وصغيرة تهم القطاع والشركات الناشطة به.
غير أنه ومنذ سنوات ومع تسجيل تراجع في مستويات الإنتاج النفطي في تونس من 89 ألف برميل يوميا سنة 2009 إلى 38 ألف برميل في اليوم خلال السنتين الأخيرتين، اتّخذ عدد من الشركات الكبرى التي دخلت تونس في سبعينات وثمانينات القرن الماضي قرار المغادرة إمّا عبر بيع حقوقها والتزاماتها كما تفرضه وتنظّمه القوانين التونسية أو عبر تجاوز تلك القوانين والبناء على ثغراته من خلال بيع أسهمها في البورصات العالمية.
ومع انسحاب الشركات الكبرى من تونس الواحدة تلوى الأخرى تستغل شركات حديثة العهد والنشاط، لا تتوفر فيها شروط وإمكانيات الشركات الكبرى المُغادرة، الوضعَ للاستثمار في الحقول النفطية التونسية حتى أنّ بعضها اختار دخول تونس عبر مسالك غير شفّافة وأحيانا غير قانونية.
الكاتب : وائل الونيفي ووليد الماجري
في وقت ليس ببعيد كان للجنة الاستشارية للمحروقات -السلطة الساهرة على تنظيم الاستثمار في مجالات التنقيب وإنتاج النفط والغاز في تونس- اليد الطولى في كلّ كبيرة وصغيرة تهم القطاع والشركات الناشطة به.
غير أنه ومنذ سنوات ومع تسجيل تراجع في مستويات الإنتاج النفطي في تونس من 89 ألف برميل يوميا سنة 2009 إلى 38 ألف برميل في اليوم خلال السنتين الأخيرتين، اتّخذ عدد من الشركات الكبرى التي دخلت تونس في سبعينات وثمانينات القرن الماضي قرار المغادرة إمّا عبر بيع حقوقها والتزاماتها كما تفرضه وتنظّمه القوانين التونسية أو عبر تجاوز تلك القوانين والبناء على ثغراته من خلال بيع أسهمها في البورصات العالمية.
ومع انسحاب الشركات الكبرى من تونس الواحدة تلوى الأخرى تستغل شركات حديثة العهد والنشاط، لا تتوفر فيها شروط وإمكانيات الشركات الكبرى المُغادرة، الوضعَ للاستثمار في الحقول النفطية التونسية حتى أنّ بعضها اختار دخول تونس عبر مسالك غير شفّافة وأحيانا غير قانونية.
أمام التغيّرات الجذرية في المشهد الاستثماري الجديد في الحقول النفطية والغازية بتونس خلال السنوات الأخيرة، أصبح القطاع يعيش على وقع أزمة هيكلية مسّت من قدرة الدولة على فرض رقابتها وسيادتها على ثرواتها الباطنية التي أخذت بطبعها منحى تنازليا من حيث الإنتاجية. أزمة تلخّص ربما التأثيرات السلبية للسنوات التي تلت ثورة 2011 والتي اتّسمت بعدم الاستقرار السياسي وغياب رؤية إصلاحية عميقة للبلاد وفق قراءة عدد من الخبراء.
وتتأكّد أكثر هذه الفرضية بعد الحوار الذي جمع موقع الكتيبة بمسؤولين رفيعي المستوى من الإدارة العامة للمحروقات بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة في إطار طلب توضيحات حول الأطر القانونية المنظمة لنشاط الشركات الأجنبية المستثمرة في تونس في مجال التنقيب واستخراج البترول والغاز في تونس.
يقول رشيد بن دالي مدير عام المحروقات بوزارة الطاقة في حواره مع موقع الكتيبة معلّقا على هذا الوضع:
إنّ العالم يتغيّر ومناخ الاستثمار في مجالات الغاز والبترول كذلك تغيّر وتونس مازلت تتعامل مع هذه المستجدات العالمية بنفس الآليات التقليدية القديمة، الشيء الذي يجعل من إدارتنا تجد نفسها محرجة في حالات أصبحت متواترة خلال السنوات الأخيرة.
رشيد بن دالي مدير عام المحروقات بوزارة الطاقة
ولعلّ من الأمثلة البارزة على اللخبطة التي يعيشها قطاع المحروقات في تونس، تكمن في ملف الشركة الكندية زينيت Zenith Energy التي حلّت محلّ شركات أخرى ناشطة في تونس منذ عقود بشكل فاجأت به الجميع بما في ذلك الدولة التونسية التي استفاقت في يوم من الأيّام على إعلان الشركة الكندية عن استثمارات جديدة لها بتونس.
مقال صحفي كشف المستور
في الخامس عشر من شهر مارس/آذار من سنة 2021، نشر موقع أفريكان مانجر خبرا مفاده اقتناء الشركة الكندية Zenith Energy عبر فرعها الذي تمّ إحداثه في 04 مارس من سنة 2021، برأس مال قدره 1 باوند والمدرج ببورصة لندن Zenith Energy Africa Limited، لجميع أسهم شركة Candax في تونس المالكة لـ100% من أسهم شركتي Ecumed Petroleum Zarzis LTD التي تستغل 45 % من رخصة استغلال حقل الزاوية بجهة جرجيس، وشركة Ecumed Petroleum Tunisia المالكة لـ 100% من رخص امتياز واستغلال حقل الربانة بجزيرة جربة من محافظة مدنين جنوبي البلاد وحقل البيبان الممتد بين مدن جربة وجرجيس.
قد يبدو الوضع سليما، شركات مسجّلة بالبورصات العالمية تتولى شراء أسهم بعضها البعض بشكل عادي. إلا أنّ الأمر يحمل في طياته إخلالات جسيمة أوّلها أنّ الدولة التونسية صاحبة السيادة على ثرواتها الباطنية لم تعلم بعملية البيع والشراء إلا عن طريق مقال صحفي نشر عرضيا في موقع أفريكان مانجر، فضلا عن أنّ العملية تخفي في باطنها مساعي بعض الشركات المغادرة دون إعلام مسبق للتهرّب من الكلفة العالية لهجر الآبار النفطية التي كانت تستغلّها.
ويثير هذا الملف المعروض على أنظار اللجنة الاستشارية للمحروقات بتونس والإدارة العامة للمحروقات بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة، عدّة نقاط رئيسية في حوكمة قطاع الطاقة بتونس، خاصة وأنّ عملية إحالة الأسهم بالطريقة التي حصلت لم تكن الأولى من نوعها التي تعرفها البلاد. شركات يبلغ رأسمالها 1 باوند (ما يُساوي 3 دينارات تونسية) تدخل تونس دون موافقة مسبقة عبر عقد صفقات لشراء أسهم في البورصات العالمية لشركات أخرى ترغب في الخروج من تونس.
ويشبه ملف الشركة الكندية زينيت Zenith ما حصل ووثقناه في تحقيق نُشر في وقت سابق بموقع الكتيبة حول صفقة شراء أسهم بين شركة “الأنجليزية التونسية للغاز والبترول” التي حلّت محلّ الشركة الأندونيسية “ميدكو إنرجي” وما ترتب عن ذلك من إشكاليات قانونية ومالية مع الإدارة التونسية وتلويح بترحيل الملف إلى التحكيم الدولي وتهرّب الشركة الإندونيسية من التزاماتها المالية المقدّرة بنحو 70 مليون دولار تكاليف هجر بئرين نفطيتين لم تقم بتطويرهما.
إقرأ أيضا في نفس السياق :
شركة ATOG النفطية: حِيَل وتلاعب بالقانون أضاعا على وزارة الطاقة التونسية ملايين الدولارات
إقرأ أيضا في نفس السياق :
شركة ATOG النفطية: حِيَل وتلاعب بالقانون أضاعا على وزارة الطاقة التونسية ملايين الدولارات
وتتوضح الإخلالات وأساليب التلاعب التي اعتمدتها كلّ من شركتي كانداكس Candax وزينيت Zenith، بمجرّد العودة إلى الوراء قليلا، وبالتحديد إلى جلسة اللجنة الإستشارية للمحروقات (السلطة المانحة والمنظمة لقطاع المحروقات في تونس) المنعقدة بتواريخ 22 و29 ديسمبر 2020، أين تداول أعضاؤها في مطلبين كانت قد تقدمت بهما كلّ من الشركة الكويتية Kufpec والشركة الصينية CNPC المالكتين لـ 45% من حقل سيدي الكيلاني بجهة القيروان وسط البلاد التونسية، يلتمسان فيهما الموافقة على إحالة حقوقهما والتزامتهما بتونس لفائدة الشركة الكندية زينيت Zenith.
في تلك الجلسة، تمّ رفض المطلبين من طرف اللجنة الاستشارية للمحروقات لانعدام القدرات المالية والفنية للشركة الكندية زينيت Zenith بناء على ما ينص عليه الفصل السابع من مجلّة المحروقات التونسية حول وجوب أن يكون للشركات الراغبة في الاستثمار في حقول نفطية وغازية بتونس القدرةُ الفنية والمالية.
الشركة التي تمّ رفضها في ديسمبر من سنة 2020، ستنجح في وقت لاحق في وضع الدولة التونسية أمام الأمر الواقع وتعلن نفسها مالكة بنسب متفاوتة لحقوق استغلال أربع حقول نفطية بالجنوب التونسي.
ولا تتوقف الإخلالات المتّصلة بإحالة أسهم كانداكس إلى زينيت عند هذه التفاصيل فقط، حيث أفادت بعض المصادر من المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ETAP أنّ الشركة المغادرة Candax لم تقم بعرض أسهمها بشكل شفاف وكما تمليه المعاملات المالية في البورصات العالمية عبر عرض الأسهم للبيع وتلقي عروض فيه.
لقطع الطريق أمام المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، عقدت الشركة الكندية Candax صفقة مع الشركة الكندية الأخرى زينيت Zenith دون أن يكون لأحد علم بعملية البيع والشراء، وفرض سياسة الأمر الواقع على الدولة التونسية.
حقل الزاوية مربط الفرس
تستغلّ شركة كانداكس Candax عبر فرعها إيكيميد EPZ الإسم المختصر لـ Ecumed Petroleum Zarzis LTD حقل الزاوية المتواجد في مدينة جرجيس وعبر EPT الإسم المختصر لـ Ecumed Petroleum Tunisia حقل الربانة بجزيرة جربة والبيبان بمحافظة مدنين.
وتُشير المعطيات المُستقاة من محضر جلسة اللجنة الاستشارية للمحروقات عدد 130 والمنعقدة بتاريخ 22 جوان/حزيران 2021، إلى أنّ رخصة استغلال حقل الزاوية التي تتمتع شركة EPZ بـ45% منها فيما تعود باقي الحصص (55%) إلى المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، انتهت مدّتها مع موفى شهر ديسمبر/كانون الأوّل من سنة 2019.
بعد مفاوضات وُصفت بالعسيرة بين شركة EPZ والإدارة العامة للمحروقات، نجح الطرفان في إيجاد صيغة اتفاق جديدة تواصل الشركة بمقتضاه استغلال الحقل لمدّة 20 سنة إضافية في رخصة جديدة لاستغلال حقل الزاوية تنتهي بموفى ديسمبر/كانون الأوّل من سنة 2039.
تولّت الإدارة العامة للمحروقات إثر ذلك صياغة مشروع الاتفاقية الجديدة المتّفق عليها خلال مفاوضاتها مع شركة EPZ لتقوم بتمريرها إلى الوزير المكلّف بالطاقة لتأخذ مسارها الإداري فيما بعد للمصادقة عليها بعد موافقة الحكومة ومصادقة مجلس نواب الشعب.
اللافت للانتباه في المسار الإداري للاتفاقية، أنّ الوزير المكلّف بالطاقة في تلك الفترة رفض إمضاء المشروع، وهو الحال بالنسبة الى الحكومة التي لم تصادق خلال مجالسها الوزارية على الاتفاقية المذكورة ليتعطّل بذلك مسار المُصادقة عليها داخل البرلمان في الأشهر الأولى من سنة 2021.
في الوقت الذي دخلت فيه شركة EPZ في ماراثون من المفاوضات مع الدولة التونسية قصد تجديد الرخصة بناء على الفصل 68 من اتفاقية 1986 التي تجمعها بها والذي ينصّ على أنه في صورة انتهاء مدة صلوحية الرخصة للشركة المستغلّة للحقل أولوية التمتع برخصة جديدة، كانت الشركة الأم والمالكة الأصلية Candax تفاوض من أجل بيع أسهم شركاتها بتونس لشركة زينيت Zenith.
إطار قانوني تجاوزته الأحداث
جوابا منها على استشارة وردت عليها من طرف اللجنة الاستشارية للمحروقات في خصوص ملف إحالة الأسهم بين شركتي كانداكس وزينيت، قالت الإدارة العامة للتشريع برئاسة الحكومة إنّ التفويت في أسهم شركة كانداكس Candax لفائدة شركة زينيت Zenith شابته عدّة احترازات قانونية بما يتعارض مع فلسفة وجوهر قاعدة الأولوية وانتهاك لمبدأ المنافسة والشفافية وتكافؤ الفرص.
يقول مدير عام المحروقات بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة رشيد بن دالي إنّ هذه الوضعية التي يتم فيها إحالة أسهم الشركات الأجنبية بين بعضها البعض عبر صفقات تُبرم في الخارج أصبحت في الآونة الأخيرة متواترة.
ويضيف بن دالي في لقائه مع موقع الكتيبة أنّ مجلّة المحروقات، الإطار القانوني المنظم للاستثمار في قطاع المحروقات في تونس، تجاوزها الأحداث، خاصة في ما يتعلّق بإحالة الشركات الأجنبية للأسهم بين بعضها البعض والتي لم تخصّها مجلّة المحروقات بفصل قانوني صريح وواضح الشيء الذي أتاح ثغرة قانونية تستغلها الشركات.
أمام سياسة فرض الأمر الواقع التي انتهجتها كلّ من شركتي Candax وZenith، وجدت الإدارة العامة للمحروقات نفسها مجبرة على مواصلة المفاوضات مع الشريك الجديد زينيت، عبر استعمال ما يمنحه لها القانون في طلب ضمانات مالية.
حقل الزاوية: صور من الموقع الرسمي لشركة zenith
وكانت جلسة اللجنة الاستشارية للمحروقات عدد 130 المنعقدة بتاريخ 22 جوان 2021 قد خلصت إلى قرار يقضي باستكمال إجراءات إسناد رخصة الزاوية لفائدة شركة Zenith رغم عدم استجابتها للشروط المنظمة لممارسة أنشطة استثمارية واستغلال حقول بترولية في تونس.
واشترطت اللجنة في مواصلة إسناد الرخصة لشركة Zenith تقديم الأخيرة لرسالة ضمان بنكي (مبلغ مالي مودع ببنك يتم استخلاصه في صورة إخلال الشركة بالتزاماتها) مع إمهالها أجلا محدّدا (خيّرنا عدم ذكره) في صورة تجاوزه يتمّ وقف عملية إسناد الرخصة.
قرار اللجنة استند في شرح أسبابه إلى الوضعية الإجتماعية لشركة Maretap وهي شركة مقاولات تتقاسم كلّ من EPZ والمؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية ETAP ملكيتها وتقود عمليات الحفر والإنتاج في حقل الزاوية، لما يمكن أن يحدث قرار وقف إسناد الرخصة من اضطراب على سير عمل هذه الشركة.
ورغم التوصيات الصادرة عن سلطة الإشراف لحثّ الشركات الأجنبية على ضرورة الإعلام المسبق عن نوايا بيع الأسهم أو إحالتها، إلا أنّ الوضعية تتكرّر مع كل جلسة تعقدها اللجنة الاستشارية للمحروقات التي تجد نفسها تتداول في ملف جديد من هذا النوع.
هذه الوضعية التي تجد فيها اللجنة الاستشارية للمحروقات في وضعية مفاوضات مع شركات أجنبية دخلت تونس بطرق ملتوية أصبحت وضعية مُحرجة فضلا عن أنها تتعارض معارضة شديدة مع الفصل 13 من الدستور التونسي الذي ينصّ على أنّ:
“الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه. تعرض عقود الاستثمار المتعلّقة بها على اللجنة المختصّة بمجلس نواب الشعب. وتعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة”
الفصل 13 من الدستور التونسي
يُشتشف من تكرار عملية تفويت الشركات النفطية لأسهم بعضها البعض دون إعلام الدولة التونسية بشكل مسبق أنّ الثغرات القانونية أصبحت واضحة لدى هؤلاء المستثمرين الجدد.
في هذا الصدد، لا ينكر بن دالي أنّ المطالب التي تتقدمّ بها شركات مسجّلة ببورصات عالمية على غرار بورصة لندن وبرأس مال مقدّر بـ 1 باوند أصبحت عديدة، مشيرا إلى أنّ هناك أصنافا جديدة من الشركات التي يطلق عليها اصطلاحا شركات ناشئة Startups لها معاملات جديدة لا تستوعبها الأطر القانونية التونسية.
” نعمل على رفع مقترحات عاجلة لتنقيح بعض الفصول في مجلّة المحروقات في المدى القريب ربما ترى النور مع موفى هذه السنة كما نسعى لرفع مقترحات لإصلاحات عميقة للقطاع”
رشيد بن دالي مدير عام المحروقات بوزارة الطاقة
من جانبه قال المدير التنفيذي لشركة زينيت Zenith، آندريا كاتينيو، في اتصال مع موقع الكتيبة إنّ هناك بعض الصعوبات التي تعترض شركته واستثماراتها في تونس معربا عن أمله في أن يتوصّل عبر محاميه إلى اتفاق مع شركائه في تونس في أقرب وقت ممكن.
وفي السياق ذاته، يشير كاتينيو إلى أنّ تونس تفقد منذ سنوات عددا لا بأس به من الشركات الناشطة في مجال المحروقات وهو ما يعود وفق تقديره إلى “تقلّص احتياطي النفط التونسي الذي لا يتجاوز الـ 38 ألف برميل في اليوم”.
وبسؤاله حول الأسباب التي جعلته يهتمّ بشكل كبير بالاستثمار في وضع أقرّ هو نفسه أنّه غير مشجّع على الاستثمار، قال كاتينو إنه يرى “أملا” و”فرصة للاستثمار في تونس” مبرزا أنّ شركاته ليست بالشركات العملاقة حتى تستطيع الفوز بصفقات كبيرة في دول نفطية.
حقل الربانة: صور من الموقع الرسمي لشركة Zenith
بشكل غير مباشر أراد كاتينيو أن يمرّر رسالة مفادها أنّ ما توفّره السوق التونسية من استثمار في مجال النفط والغاز لا يغري سوى الشركات الصغيرة الراغبة في مراكمة الخبرة مشيرا في ذات السياق إلى أنّ الفنيين المتعاقدين مع شركاته من ذوي الكفاءة المشهود بها في المجال على حدّ وصفه.
وفي ما يتعلّق بشراء زينيت Zenith لأسهم فروع كانداكس بتونس وهما EPZ وEPT، يوضح كاتينيو أنّ عمليات البيع أو التفويت في الأسهم بين الشركات لا تخضع لرقابة مسبقة من الدولة التونسية مبرزا أنّ الشركتين لم يطرأ عليهما أي تغيير باستثناء ملكيتهما التي أصبحت عائدة إلى شركته Zenith Africa LTD وبالتالي هو من أصبح الممثل القانوني للشركتين.
“حسب القانون التونسي شراء أسهم الشركات بين بعضها البعض لا يخضع إلى موافقة مسبقة من الدولة التونسية كما لا يغيّر شيئا في وضعيات الشركتين رغم تغيّر الرقابة عليهما”
أندريا كاتينيو المدير التنفيذي لشركة زينيت
لم تسع شركة Zenith إلى إدخال أيّ تغييرات على كيان الشركات التي أصبحت على ملكها والمتعاقدة مع الدولة التونسية وهما EPT، الاسم المختصر لشركة Ecumed Petroleum Tunisia و EPZ الإسم المختصر لشركة Ecumed Petroleum Zarzis، رغبة منها في الاستفادة ممّا يمنحه القانون من امتيازات لهاتين الشركتين المستحوذتين على نسب متفاوتة من رخص استغلال ثلاث حقول نفطية أبرزها رخصة حقل الزاوية منتهية الصلوحية.
نشاط غير مرخص وعائدات بملايين الدولارات
في تقاريرها المنشورة بموقعها، تتحدّث شركة زينيت Zenith عن صادرات بترولية تناهز قيمتها الـ 17 مليون دولار منذ نجاحها في الظفر بصفقة شراء أسهم شركتي EPT وEPZ فروع شركة كانداكس بتونس والتي بلغت قيمتها الـ 500 ألف دولار.
ويظهر تقرير نُشر بموقع شركة Zenith أنها تولّت في مرحلة أولى مع موفى شهر جويلية من سنة 2021 بيع 68 ألف برميل نفط بقيمة جملية مقدّرة بـ 4.5 مليون دينار، فيما يُشير تقرير ثان إلى أنّ شركة زينيت قدّرت ارتفاع احتياطها من إنتاج النفط التونسي إلى ما يقارب الـ114 ألف برميل نفط بداية من شهر أفريل 2022.
ويظهر تقرير ثالث نُشر مؤخرا بموقع الشركة بتاريخ 22 أفريل من هذا العام أنّ الشركة صدّرت فعلا 62 ألف برميل نفط ما ترتب عنه عائدات مالية في حدود 6.4 مليون دولار.
يقول أندريا كاتانيو المدير التنفيذي لشركة زينيت Zenith تعقيبا على نجاح صفقة تصدير النفط التونسي:
“نحن سعداء للغاية ببيع إنتاجنا في بيئة تعرف فيها أسعار النفط الحالية ظروفا مواتية، حيث سجّلنا تحسنا كبيرا مقارنة ببيعنا الأول للخام التونسي المعلن في 8 جويلية /تمّوز 2021. سنوظّف العائدات لتعزيز استثماراتنا في تطوير محفظتنا التونسية في تعاون وثيق مع شركائنا، وذلك بهدف زيادة صافي إنتاجنا اليومي داخل البلد إلى مستوى 1000 برميل في اليوم.”
كما يظهر ذات التقرير أنّ الشركة تستعدّ لتصدير ما يناهر الـ52 ألف برميل جديد مع موفى شهر ماي من ذات السنة.
هذا الوضع غير المفهوم الذي لا يعطي، من جهة، للشركة إطارا قانونيا تنشط فيه إلى اليوم ومن جهة أخرى يمكّن ذات الشركة من تصدير النفط وجني أرباح من العملية، دفعنا إلى طرح السؤال على مدير عام المحروقات رشيد بن دالي الذي فسّر ذلك على أنّ الكميات التي تولّت Zenith تصديرها كانت تحت إشراف المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وهي كمّيات تعود بالأساس إلى شركتي EPZ وEPT بناء على اتفاقات سابقة قبل بيع أسهمها. وهي كميات مخزنة منذ سنة 2019 تولّت المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية في وقت لاحق بيعها وتصديرها ومن الطبيعي أنّ العائدات تعود لشركة Zenith باعتبارها المالكة الحالية للشركتين مرجّحا أن يكون هناك اتفاق داخلي بينها وبين شركة كانداكس Candax في اقتسام الأرباح، حسب قوله.
حقل البيبان: صور من الموقع الرسمي لشركة Zenith
بمزيد التدقيق في معطيات الصفقة المبرمة بين شركتي Candax و Zenith يتضح أنّ حجم احتياطي النفط الخام المُنتج من طرف EPT وEPZ والمخزّن إلى تاريخ إبرام الصفقتين كان في مستوى الـ 25 ألف برميل نفط فقط، في حين أنّ تقارير شركة Zenith تُشير الى أنّ الكمّيات التي تولّت بيعها وتصديرها فاقت الـ 100 ألف برميل إلى حدّ الآن وستبلغ مع موفى شهر ماي ما يناهز الـ 160 ألف برميل مع مؤشرات بمزيد رفع معدل إنتاجها اليومي إلى 1000 برميل.
حقل سيدي الكيلاني على خطى الزاوية
في 24 أوت 2020، تقدّمت كلّ من الشركة الكويتية Kufpec Limited والشركة الصينية CNPC International اللتان تتقاسمان 45 % من رخصة امتياز حقل سيدي الكيلاني بمحافظة القيروان وسط البلاد التونسية، مع المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ( 55%)، بمطلبين إلى اللجنة الإستشارية للمحروقات تلتمسان فيهما الترخيص لهما بإحالة كل حقوقهما والتزامتهما لفائدة الشركة الكندية Zenith Energy.
بعد التداول في المطلبين والتدقيق في ملفات شركة Zenith من طرف الإدارة العامة للمحروقات والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، كان قرار اللجنة برفض الإحالة.
لكن يبدو أن شركة Zenith أتمّت فعلا إحدى الصفقتين وذلك بشراء أسهم الشركة الصينية بتونس CNPC صاحبة الـ22.5% من رخصة امتياز الحقل المذكور، في صفقة تجاوزت قيمتها المليون دولار.
وتقول شركة زينيت عبر موقعها إنّها تستعدّ لاستغلال الحقل في قادم الأشهر بمجرّد استكمال الإجراءات القانونية مع الجانب التونسي، حيث تعمل على تسوية وضعيتها القانونية مع السلطة المانحة التونسية.
تفاعلا منه مع هذه النقطة، قال بن دالي إنّ سلطة الاشراف كانت قد راسلت رسميا شركة Zenith لسحب ما يتضمّنه موقعها الرسمي من معطيات تفيد مليكتها لـ 22.5% من رخصة امتياز حقل سيدي الكيلاني.
بدوره أقرّ المدير التنفيذي لشركة Zenith أندريا كاتينيو في حديثه مع موقع الكتيبة بأنّ الحقل مازال محلّ مفاوضات وليس في وضع استغلال، رافضا أن يخوض في تفاصل الملف.
الصفقة التي نجحت فيها شركة Zenith في شراء 100% من أسهم فرع CNPC International بتونس، لا يعني فقط ملكيتها المباشرة لـ 22.5% من حقل سيدي الكلاني إذ استحوذت كذلك على 25 % من رأس مال شركة CTKCP الشركة التونسية الكويتية الصينية للبترول وهي الشركة المقاولة التي تقود عمليات الحفر والإنتاج بالحقل المذكور.
تقول الشركة عبر موقعها في آخر تحديث بتاريخ 22 أفريل من العام الجاري إنها تسعى لاستغلال حقل سيدي الكيلاني بداية من 22 جوان/حزيران المقبل وهو ما يشير إلى حصول اتفاق بينها وبين السلطات التونسية بعد أن رفضتها في وقت ليس ببعيد.
وما قد يزيد من تعقيد الوضعية في حقل سيدي الكيلاني أنّ احتياطي النفط المتبقي والمُسجّل حتى موفى سبتمبر 2020 في حدود 2 مليون برميل، وهو ما يقود إلى قرب انتهاء آجال استغلال الحقل ما سيحتّم على الشركات المالكة تنفيذ التزاماتها في صرف كلفة هجر الآبار النفطية.
وتشير تقارير تقنية وفنية إلى أنّ تكلفة هجر الآبار النفطية توصف بالعالية والمكلفة لما تستوجبه من موارد بشرية وتجهيزات وغيرها، إذ تتراوح تكلفة هجر البئر الواحد من 50 ألف دولار إلى 500 ألف دولار بحسب العمق والتركيبة الصخرية والجيولوجية للحقول.
وتعتبر عملية الهجر آخر مراحل استغلال الآبار النفطية وأكثرها كلفة بالنسبة الى الشركات الناشطة في مجالات التنقيب واستخراج النفط والغاز. وتفرض الدول في العالم أجمع قيودا على الشركات الراغبة في استغلال آبارها النفطية تلزمها بالقيام بعمليات غلق الآبار بعد هجرها، درءا لأي إمكانية تسرب غازي أو تصدع صخري أو غيره من المخاطر التي يمكن أن يحدثها بئر نفطية مهجورة غير مغلقة على البيئة.
لقاء المدير التنفيذي لزينيت آندريا كاتينيو مع وزيرة الطاقة نائلة القنجي
copyright: صفحة وزارة الطاقة بالفايسبوك
لقاء المدير التنفيذي لزينيت آندريا كاتينيو مع وزيرة الطاقة نائلة القنجي 05 جانفي/يناير 2022
copyright: صفحة وزارة الطاقة بالفايسبوك
في الحقيقة، نجحت الشركة الكندية في فرض نفسها على الدولة التونسية، ففي وقت لا تزال فيه الإدارة العامة للمحروقات تتفاوض وتدقق في ملفات الشركة، نجحت الأخيرة في الاستفادة من عائدات مالية تغطّي تكلفة مصاريفها بما في ذلك المبالغ المالية التي أنفقتها في عقد صفقاتها الثلاث التي بلغت بحسب تقارير الشركة نفسها نحو الـ المليون و500 ألف دولار أمركي، في حين أنّ عائداتها تجاوزت الـ 16 مليون دولار أمريكي ومرجّحة للارتفاع خاصة وأنّ البنى التحتية للحقول التي تستغلّها في الأصل متطورة ولا تستوجب منها مصاريف مُكلفة، كما لا يوجد أي مانع أمام هذه الشركة في مغادرة البلاد التونسية دون الحاجة إلى تكبّد عناء تكاليف هجر الآبار النفطية معوّلة في ذلك على ضعف رقابة الدولة التونسية في تتبّع شركات تدخل تونس وتخرج منها دون إعلام مسبق وكذلك ذلك على بطء إجراءات التقاضي في المحاكم الدولية.
أضحت الشركات الأجنبية الناشطة في مجال الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في تونس ملمّة بواقع الإطار القانوني والمؤسساتي لقطاع المحروقات بما في ذلك الثغرات القانونية الموجودة في أكثر من نص قانوني، فضلا عن تغيّر سياسات الدولة التونسية المتصلة بتطوير الاستثمارات في المجال بشكل أثر على قرارات اللجنة الاستشارية للمحروقات (السلطة المانحة) التي أصبحت تقبل التفاوض في نوعية هذه الملفات في وقت كانت فيه نفس نوعية هذه الملفات محل رفض منها.
ويعود هذا الوضع بالأساس إلى غياب رؤية استراتيجية واضحة للدولة التونسية في حوكمة التصرّف في ثرواتها الباطنية التي تأخذ نسقا تنازليا من حيث كثافة الإنتاج من عام إلى آخر بعد نفاذ احتياطي عدد لا بأس من آبار حقول نفطية.
ويتجلّى ذلك عبر المعطيات التي تطفو على السطح حول نوايا شركات كبرى مغادرة البلاد التونسية عبر بيع أسهمها في الخارج لعلّ أبرزها شركة إيني Eni الإيطالية التي تنفرد بإنتاج 25% من الإنتاج الوطني في النفط. في عام 2018 تمّ رفض مطلب تقدّمت به إلى اللجنة الاستشارية للمحروقات تُعلم فيه أنها ستحيل حقوقها والتزاماتها إلى الشركة البريطانية Trident Energy. رفض لم يثن الشركة الإيطالية عن قرارها بمغادرة البلاد والتي يبدو أنها أتمت فعلا صفقة بينها وبين الشركة البريطانية Savanah Energy. صفقة لم تتّضح بعد معالمها وإطارها القانوني خاصة فيما يتعلق بحفظ حقوق الدولة التونسية.
تهرّب الشركات النفطية من التزاماتها في تحمّل تكاليف عمليات هجر الآبار وغلقها ليس بالأمر المقتصر على تونس، إذ تبحث الشركات في دول عديدة عبر العالم على حلول قانونية تساعدها في التخلي عن التزاماتها المُكلفة أو التهرّب منها أو على الأقل تخفيف عبئها.
وللخروج من هذه الأزمة الهيكلية تعكف الإدارة العامة للمحروقات بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة على تنقيح الأطر القانونية والمؤسساتية لتنظيم قطاع الاستكشاف والتنقيب وإنتاج النفط والغاز في تونس بما يتلاءم والوضعية الحقيقة التي تعرفها حقولها من تقلّص في نسب الإنتاجية وخيار عدد من الشركات الكبرى مغادرة البلاد نتيجة لذلك.
مقترحات ومشاريع إصلاحات إن رأت النور ستصدر في شكل مراسيم رئاسية وقد لا تحظى بنقاش مجتمعي حقيقي نتيجة للوضع السياسي الذي تعيشه البلاد بعد أن مركز رئيس الدولة قيس سعيّد جميع السلطات بيديه.
تمّ انتاج هذا المحتوى التفسيري بدعم من معهد حوكمة الموارد الطبيعية NGRI.
تمّ انتاج هذا المحتوى التفسيري بدعم من معهد حوكمة الموارد الطبيعية NGRI.
الكاتب : وائل الونيفي ووليد الماجري