الكاتب : ماهر عبد الرحمان

كاتب صحفي وخبير في الشأن الاعلامي

يمثّل الإعلام العمومي أحد الأعمدة الحيويّة في ترسيخ الدّيمقراطية وضمان التعدّدية في المجتمعات الحديثة، غير أنّ أداء هذا القطاع في تونس ما يزال محلّ جدل واسع منذ الثورة، بسبب استمرار إخفاقه في مواكبة التحوّلات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية. ورغم ما يُنتظر منه من دور رقابي وتوعوي واستقصائي، ظلّ الإعلام العمومي حبيس نماذج تنظيمية تقليدية، ومجالاً هشًّا لتجاذبات السّلطة وأصحاب المصالح.

ونسعى في هذا النصّ إلى تشخيص أزمة الإعلام العمومي التونسي من خلال مقاربة تحليلية تستند إلى نظريات كبرى في علم الاجتماع السّياسي ونُظم الحوكمة. كما يعرض النصّ جملة من الحلول المستندة إلى مقاربات الحوكمة الجديدة، من الحوكمة التشاركية إلى الحوكمة الذكية، في محاولة لاستشراف مستقبل أكثر استقلالية وفعالية لهذا القطاع المحوري.

الكاتب : ماهر عبد الرحمان

كاتب صحفي وخبير في الشأن الاعلامي

يمثّل الإعلام العمومي أحد الأعمدة الحيويّة في ترسيخ الدّيمقراطية وضمان التعدّدية في المجتمعات الحديثة، غير أنّ أداء هذا القطاع في تونس ما يزال محلّ جدل واسع منذ الثورة، بسبب استمرار إخفاقه في مواكبة التحوّلات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية. ورغم ما يُنتظر منه من دور رقابي وتوعوي واستقصائي، ظلّ الإعلام العمومي حبيس نماذج تنظيمية تقليدية، ومجالاً هشًّا لتجاذبات السّلطة وأصحاب المصالح.

ونسعى في هذا النصّ إلى تشخيص أزمة الإعلام العمومي التونسي من خلال مقاربة تحليلية تستند إلى نظريات كبرى في علم الاجتماع السّياسي ونُظم الحوكمة. كما يعرض النصّ جملة من الحلول المستندة إلى مقاربات الحوكمة الجديدة، من الحوكمة التشاركية إلى الحوكمة الذكية، في محاولة لاستشراف مستقبل أكثر استقلالية وفعالية لهذا القطاع المحوري.

1- ضعف الحوكمة والتنظيم: الإعلام العمومي كـ “قفص حديدي” (Max Weber)

تواجه المؤسسات الإعلامية العمومية في تونس أزمة هيكليّة يمكن تفسيرها من خلال النموذج البيروقراطي العقلاني لماكس فيبر، الذي يرى أنّ البيروقراطية رغم كونها وسيلة لضمان التنظيم والانضباط، فإنّها قد تتحوّل إلى “قفص حديدي” يمنع المرونة ويؤدي إلى الجمود الإداري (Weber, 1922).

وفي حالة الإعلام العمومي التونسي، أدى النّموذج التّنظيمي الموروث عن الدولة المركزية إلى بيروقراطية إدارية تعيق الابتكار، حيث يخضع الإنتاج البرامجي للرّوتين غير المبنيّ على أهداف واضحة بدلًا من الاستجابة لحاجيات الجمهور.

وتعاني مؤسستا الإذاعة والتلفزة من غياب الحوكمة الرشيدة، إذ لا توجد خطط واضحة لتطوير الموارد البشرية أو تحديث المعدات، ما يعزّز التسيير التقليدي القائم على التراتبية الإدارية بدلاً من الإدارة التشاركية كما تنادي بها نظريات الحوكمة الجديدة (New Public Governance).

2- تدخل السّلطة السّياسية واللوبيات: الإعلام كأداة دعائية

لم يتحرّر الإعلام العمومي التونسي من الوظيفة الدّعائية التي تحدّث عنها هرمان وتشومسكي في كتابهما الشهير Manufacturing Consent” 1988″، حيث يرى الكاتبان أنّ وسائل الإعلام في الأنظمة الدّيمقراطية قد تبقى خاضعة لنفوذ الدولة أو اللوبيات الاقتصادية والسياسية من خلال آليات غير مباشرة مثل تعيين المسؤولين، التحكم في التمويل، والتأثير في الخط التحريري.

لقد بقي الإعلام العمومي في تونس، أداة توظيف سياسيّ للحكومات المتعاقبة، ولم يُمنح الاستقلاليةَ التي تتيح له لعب دوره كسلطة رقابية، رغم الادّعاءات بعد ثورة 2011، أنّ الإعلام يتمتّع بالاستقلاليّة في معالجة المواضيع. لكنّ تثبتُ كثير من الأحداث والممارسات غير المعلنة، أنّ الإعلام وخاصّة العمومي ظلّ رهين التدخّلات والمساومات السّياسيّة وتأثير قوى الضّغط، وخاصّة منها النّقابات.

وتشير التّجربة إلى أنّ التحكّم السياسي في الإعلام العمومي يؤدّي إلى فقدان المصداقية، وهو ما يفسّر عزوف الجمهور التونسي عن القنوات العمومية وتوجّهه نحو الإعلام الخاص أو الإعلام الأجنبي، رغم أنّ هذا الجمهور حاول بعد الثّورة مباشرة العودة إلى إعلامه العمومي، لكنّ هذا الإعلام لم يعرف كيف يكون في خدمته.

3- الأزمة المالية وسوء التصرف في الموارد: الإعلام العمومي بين دولة الرفاه والفساد (Pierson, 1995)

يُظهر التحليل المالي للإعلام العمومي التونسي أنّه يعاني من مشكلة “التضخّم الإداري“، حيث يتمّ إنفاق الجزء الأكبر من الميزانيات على الأجور دون تحقيق إنتاج برامجي ينافس الإعلام الخاص. ويمكن تفسير ذلك من خلال نظرية “دولة الرفاه” (Welfare State) كما صاغها بول بيرسون (Pierson, 1995)، حيث تتضخم المؤسسات العمومية تحت ضغط النّقابات والمطالب الاجتماعية، ما يجعلها أقل كفاءة من المؤسسات الخاصة.

لذلك بقي الإعلام العمومي التونسي يعاني هذه الإشكالية، حيث تحوّلت مؤسستا الإذاعة والتّلفزة إلى ما يشبه “صناديق اجتماعية” توفر رواتب ومنافع لموظفيها دون تحقيق إنتاج إعلامي نوعي.

إضافة إلى ذلك، أدّى غياب الحوكمة إلى انتشار المحسوبية داخل المؤسّستين، ما أعاق الإصلاحات وجعلهما في “اغتراب مؤسسي” (Institutional Alienation) عن الجمهور والمجتمع كما يصوّر ذلك كليتجارد في كتابه “مراقبة الفساد ” « “Klitgaard, “Controlling Corruption ».

4- ضعف الإنتاج والبرمجة: الإعلام العمومي في مواجهة نموذج الاقتصاد الإبداعي (UNCTAD, 2008)

أحد أبرز أوجه أزمة الإعلام العمومي في تونس هو ضعف الابتكار البرامجي وعدم القدرة على جذب الجمهور. يمكن تفسير ذلك من خلال نموذج “الاقتصاد الإبداعي” الذي حددته الأمم المتحدة (UNCTAD, 2008)، والذي يشير إلى أنّ الصناعات الإعلامية الناجحة هي تلك التي تستفيد من التطورات التكنولوجية، وتعتمد على الإبداع والمحتوى الجذاب بدلاً من البيروقراطية التقليدية.

ففي حين أنّ القنوات الخاصة نجحت في تقديم محتوى أكثر تنوعًا واستجابةً لميول الجمهور، بقي الإعلام العمومي عالقًا في نموذج إنتاجي قديم يعتمد على برامج حكومية وتقارير رسمية لا تثير اهتمام المشاهد.

ويشير تقرير اليونسكو (2012) إلى أنّ الإعلام العمومي يحتاج إلى إعادة تعريف دوره وفقًا لمتطلبات العصر الرقمي، وإلا فإنّه سيفقد جمهوره تمامًا.

5- المنافسة مع الإعلام الخاص والعربي: التغيير في أنماط الاستهلاك الإعلامي (Jenkins, 2006)

يرى هنري جينكينز (Jenkins, 2006) في كتابه Convergence Culture أنّ الإعلام التّقليدي يواجه تحديات كبيرة مع الثورة الرقمية، حيث أصبح الجمهور أكثر قدرة على اختيار المحتوى الذي يستهلكه من خلال منصّات متنوعة مثل يوتيوب ونتفليكس، بدلاً من الاعتماد على القنوات التلفزيونية التقليدية.

ولم يتمكن الإعلام العمومي التّونسي من التكيّف مع هذه التغيرات خاصّة بسبب فقرة البرمجة، فظلّ يقدّم نمطًا برامجيًا كلاسيكيًا لا يواكب تطلعات الجمهور الشاب، الذي يفضّل المحتوى الرقمي والتفاعلي.

وتشير الدراسات إلى أنّ نسبة كبيرة من الجمهور التونسي تتابع القنوات الخاصة أو العربية لأنهّا تقدّم محتوى أكثر جاذبية، مثل برامج التّرفيه، في حين بقي الإعلام العمومي بعيدًا عن هذه التوجهات.

6- فشل التّدريبات وتحسين المادّة الإعلاميّة

جربت هذه التّدريبات في إطار :

  • البرنامج الأوروبيّ لدعم الإعلام في تونس PAMT-1 / PAMT-2 2016-2020 / 2021/2026.
  • ومؤسّسة “هيروندال” السّويسريّة.
  • ومؤسّسات إعلاميّة دوليّة أخرى على غرار بي بي سي ميديا أكشن.

لكنّ هذه التّدريبات لم تثمر نتائج تذكر، وذلك بسبب:

  • أنّ برامج هذه الدّورات غير مبنيّة على تشخيص مفصّل لأوضاع الإعلام تُستخرجُ منه الحاجيّات الحقيقيّة للتدريبات،
  • ولا تستجيب لرؤية واضحة لما يجب تطويره، ولا إلى استراتيجيّة إعلاميّة تتماشى مع الفترة الجديدة،
  • وأنّ الخبراء الأوروبّيين المكلّفين بتنفيذها يركّزون على ما هو مهني métiers وليس على الاستراتيجيّات إذ أنّ أغلبهم صحفيّون سابقون، أو مدرّبون ليس من ضمنهم خبراء استراتيجيّون.

7- فشل محاولات الإصلاح الدّاخلي ومحاولات فرض الاستقاليّة الإعلاميّة داخليّا

تحرّك الجسم الصّحفيّ أساسا (تابع للنقابة الوطنيّة للصّحفيّين التّونسيين)، وعدد من التّقنيين (منضوون في النّقابة العامّة للثقافة والإعلام)، لمُحاولة تأمين استقلاليّة القرار التّحريري، وتمّ تشكيل “مجالس تحرير” للنّظر في المضامين الإخباريّة، وتمّ تبنّي شعار “فصل الإدارة عن التّحرير” بصيغة لا تتطابق مع مفهوم الحوكمة في الإعلام العمومي حيث المدير العام هو المسؤول الأوّل عن تنفيذ الخطّ التحريري. وقد تحوّلت هذه المحاولة إلى صراع نفوذ بمواجهة السّلطة السّياسيّة لإبعادها عن محاولة التّأثير في المضامين.

لكنّ هذا التحرّك لم يكن كافيا البتّة، ولم يدم طويلا إذ انتهى إلى الفشل خاصّة بسبب أنّ الصّراع النّقابي – الحكومي اقتصر على آليّات العمل اليوميّة، ولم يرتقِ إلى المطالبة بإصلاحات عميقة تبدأ بتغيير القوانين وطرق الحوكمة. (انظر التفاصيل في كتابنا “أزمة السّمعي والبصري العمومي في تونس”).

هل من حلول ممكنة؟

يحتاج الإعلام العمومي إلى الانتقال من نموذج الإعلام العمومي البيروقراطي المركزي إلى نموذج إعلام مستقل يعتمد الحوكمة التّشاركية والشّبكية، لضمان استقلالية هذا القطاع وتحويله إلى أداة ديمقراطية تخدم المواطنين بدلاً من أن يكون خاضعًا للسلطة السياسية. وهذا من شأنه أن يمهّد لـ :

  1. تحرير الإعلام العمومي من التدخل السياسي عبر مجالس مستقلة حقيقية.
  2. إعادة هيكلة الموارد البشرية لضمان جودة الإنتاج الإعلامي بدلاً من تضخيم عدد الموظفين.
  3. إدماج الإعلام العمومي في الاقتصاد الإبداعي عبر تحديث المحتوى وتبنّي استراتيجيات رقمية جديدة.
  4. تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة لضمان حسن التصرف في الموارد، ومنع الفساد والمحسوبية.

نظريات الحوكمة الجديدة: مقاربات حديثة لإدارة المؤسسات العامة

الحوكمة الجديدة (New Governance) هي مفهوم تطور خلال العقود الأخيرة ليعكس التغيّرات التي طرأت على إدارة المؤسسات العامة، حيث انتقل التركيز من النماذج البيروقراطية التقليدية إلى مقاربات أكثر انفتاحًا ومرونة. وتعتمد الحوكمة الجديدة على التفاعل بين الدولة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني بدلاً من مركزية القرار الحكومي فقط.

ومن ضمن هذه المقاربات نجد:

  • الحوكمة العمومية الجديدة (New Public Governance – NPG) والتي تركز على التنسيق الأفقي بين الفاعلين المختلفين بدلاً من التحكم الهرمي التقليدي.
  • الحوكمة الشبكية (Network Governance) والتي تعتمد على تنسيق الفاعلين عبر شبكات غير هرمية، حيث يتم اتخاذ القرار من خلال التعاون بين مختلف الأطراف وليس فقط داخل الدولة. La Transversalité
  • الحوكمة الذكية (Smart Governance) والتي تستخدم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الإدارة العامة لتحسين الكفاءة والشفافية.
  • الحوكمة العارضية مع الارتكاز الهرمي: Gouvernance transversale avec ancrage pyramidal وهي نموذج حوكمة يدمج بين نهج أفقي ونهج هرمي تقليدي في آن واحد. بعبارة أخرى، يُمزج التنسيق العرضي عبر الوحدات أو القطاعات المختلفة مع وجود بنية عمودية ضابطة تحفظ سلطة القرار ومسؤولية التنفيذ في قمة الهيكل.

أي نموذج يصلح للإعلام العمومي في تونس؟

في رأينا، فإنّ الحوكمة العارضيّة مع الارتكاز الهرمي هي الأنسب في المقام الأوّل لحل أزمة الإعلام السّمعي والبصري العموميّ في تونس، لأنها تتيح إشراك مختلف الفاعلين في صنع القرار الإعلامي، ما يضمن استقلاليته عن الدولة ويحدّ من تدخل السلطة السياسية في محتوياته.

فالحوكمة العارضية (الأفقية) تتناقض مع التخصص العمودي والانعزال الإداري. إذ تقوم على التعاون بين فاعلين وجهات متعددة معتادين سابقًا على العمل بشكل منفصل، وتجمعهم قضايا وأهداف مشتركة (وغالبًا ما تتجسد هذه المقاربة عبر عملٍ شبكيّ أو شراكاتٍ بين الأطراف المختلفة داخل المؤسسة أو بين مؤسسات متعددة (، بدلًا من القرارات المنفردة القادمة رأسًا من الإدارة العُليا. في الوقت نفسه، يحتفظ النموذج بمبدأ “الارتكاز الهرمي” أي وجود هيكل قيادة واضح يُ anchors عملية الحوكمة لضمان الانتظام والمساءلة.

كيفية تطبيق النموذج:

يتطلّب تطبيق الحوكمة العارضية مع الحفاظ على الارتكاز الهرمي تصميمًا مؤسسيًا مرنًا وآليات واضحة للتنسيق. عمليًا، يمكن تنفيذ ذلك بعدة طرق داخل المؤسسة العامة أو بين المؤسسات:

مجالس إدارة بتركيبة جديدة:

تكون نسبة من أعضاء هذه المجالس منتخبة من الهيئة المستقلّة للتّعديل السّمعي والبصري. ويوازي عدد أعضاء المجلس المستقلّين نسبة ما يدفعُه الجمهور من رسوم في ميزانيّة مؤسّستي الإذاعة والتّلفزة عملا بمبدإ “الدفاع عن أصحاب المصلحة” (stakeholders). ويتولّى مجلس الإدارة رسم الأهداف الواجب على مؤسّتي الإعلام السمعي والبصري خدمتها. وتتمّ هذه الأهداف بالتّنسيق مع الحكومة (المفترض أنّها نتجت عن انتخابات، وبالتّالي تمثّل جزءا من الخيارات الوطنيّة). ويتمّ توقيع اتّفاقيّة كلّ خمس إلى عشر سنوات بين الطّرفين للإلتزام بالأهداف، وأيضا بمساهمة الدّولة في ميزانيات مؤسّسات الإعلام.
ويكون الدّور الرّئيس الهامّ لمجلس الإدارة بعدها، مراقبة أداء التّنفيذ.

مجالس تنفيذيّة:

  • تتولّى وضع الأهداف في شبكات برامجيّة. ويترأّس المجلس مدير عامّ تنفيذي.
  • يتركّب المجلس من كلّ مديري القنوات الوطنيّة والجهويّة، ومديري الإدارات وعدد من رؤساء المصالح لتعميق التّفكير في البرامج وتنسيق العمل بين الإدارات والمصالح والقنوات الإذاعيّة حسب اختصاصاتها (تضيع حاليّا بعض هذه الاختصاصات وتتشابه البرامج بين القنوات الوطنيّة وبين الإذاعات الجهويّة).
  • وضمانا لاستقلاليّة المؤسّسة، فإنّ تعيين المدير العامّ التّنفيذي يكون بقرار من مجلس الإدارة (عوضا عن آليّة الرّأي المطابق التي نصّ عليها المرسوم 116، وأثبتت فشلها).
  • ويكون من دور المجلس التّنفيذي وضع كرّاس شروط مفصّل للإنتاج والبثّ (غير موجود حاليّا في المؤسّسات الإعلاميّة التّونسيّ) يكون مرجعا لكلّ المنتجين سواء داخل المؤسّسة أو خارجها.

ويتطلب نجاح تطبيق هذا النموذج مزيجًا من الثقافة التنظيمية التشاركية والبنية الإدارية الداعمة. ويجب تدريب المديرين على لعب دور المنسق والميسّر بدلًا من الآمر الناهي، ووضع آليّات تضمن تدفق المعلومات والأفكار بحرية عبر المؤسّسة.

  • تحسين ثقافة المؤسّسة:

تمتدّ المشاورات في المؤسّسة إلى داخل المصالح والأقسام في كلّ إدارة حتّى عندما يشعر العاملون أنهم جزء من عملية صنع القرار ووضع الاستراتيجيات، يزداد اندماجهم والتزامهم بأهداف المؤسسة. ويطلق هذا النهج الأفقي العنان لإمكانات الأفراد عبر منحهم مساحة أكبر للمبادرة وإبراز الخبرات، بدل حصرهم في أدوار ضيقة تحت إشراف صارم.

وفي خلاصة:

إنّ نموذج الحوكمة الأفقيّة من شأنه أن يضمن الاستقلاليّة، ويعزّز الإبداع ومرونة التّحرير والإنتاج بما لا يستطيعه النموذج البيروقراطي الهرمي الصّارم الذي يتعارض مع طبيعة العمل الإعلامي الإبداعي. فالتحدّي الأكبر هو تحقيق التوازن وإيجاد فعاليّة في التّسيير والإنتاج والبثّ. ويكون ذلك بإطلاق العنان للتعاون والتشارك دون أن تُفلت زمام الأمور.

وهذه المقاربة في الحوكمة تتجاوز إطار الإصلاح إلى إعادة بناء كامل للإعلام الحكومي. وتفترض إعادة البناء خاصّة:

  • وضع سياسات عموميّة في مجال الإعلام بصيغة تشاركيّة، تأخذ بالاعتبار مبدأ الدّيمقراطيّة وحرّية التّعبير كأساس.
  • إجراء تشخيص معمّق للقوانين والمؤسّسات لإلغاء ما تجاوزه الزّمن وتعديل ما وجب تعديله حسب رؤية توافق السّياسات العموميّة.
  • وضع قانون أساسي جديد لحرّية الإعلام والاتّصال يؤكّد استقلاليّة مؤسّسات الإعلام العمومي.
    تغيير القوانين المؤسّسة للإذاعة والتّلفزة العموميّتين. إذ لا تزال المؤسّستان تعملان بالقوانين التأسيسيّة لما قبل الثّورة (القانون عدد 33 لسنة 2007 المتعلق بالمؤسسات العموميّة للقطاع السمعي البصري).
  • وضع قانون أساسي جديد للهيئة التّعديليّة للسّمعي والبصري يتناغم مع القوانين أعلاه.
  • تفادي التّضارب بين القوانين نفسها. مثلا: بين قانون حريّة الاتصال السّمعي والبصري والقوانين المؤسّسة للإذاعات والتلفزات العموميّة. وأيضا الأخرى كالقانون المؤسّس للديوان الوطني للإرسال الذي يحتكرُ البثّ باسم الدّولة.

لذا، يجب أن نقتنع أنّه لا يمكن العمل على مشروع منفرد لحرّية الاتّصال السّمعي والبصري دون النّظر في مجموعة القوانين الأخرى لتعديلها حتّى تكون مجموعة القوانين متناغمة ومُتكاملة. وأن نضع تصوّرا لما نريدُ أن يكون إعلامُنا عليه، والحاضنة القانونيّة والإداريّة التي سينمو فيها، والعناصر التي ستُغذّيه بما يتوفّر لنا من إمكانيّات: معرفيّة ومادّية وبمقاربة تجريبيّة approche empirique.

وليس هذا الأمر بهيّن إذ يتطلّب رغبة سياسيّة حقيقيّة للسّير فيه، والاتفاق على التصوّرات وإيجاد الكفاءات القادرة على تنفيذه إعادة البناء.

كلمة الكتيبة:

إيمانا منه بضرورة فتح باب النقاش أمام الخبراء والمهنيين.ـات والأكاديميين.ـات وممثّلي.ـات الهياكل المهنية لتقديم رؤاهم/هن وتصوّراتهم/هن لمسألة إصلاح الإعلام ينشر موقع الكتيبة، بشكل متتالي، عددا من المقالات والورقات البحثية تحت عنوان "رؤى متقاطعة لاصلاح و/أو إعادة بناء النظام الإعلامي التونسي".

كلمة الكتيبة:
إيمانا منه بضرورة فتح باب النقاش أمام الخبراء والمهنيين.ـات والأكاديميين.ـات وممثّلي.ـات الهياكل المهنية لتقديم رؤاهم/هن وتصوّراتهم/هن لمسألة إصلاح الإعلام ينشر موقع الكتيبة، بشكل متتالي، عددا من المقالات والورقات البحثية تحت عنوان "رؤى متقاطعة لاصلاح و/أو إعادة بناء النظام الإعلامي التونسي".

الكاتب : ماهر عبد الرحمان

كاتب صحفي وخبير في الشأن الاعلامي.

تطوير تقني: بلال الشارني
تظوير تقني: بلال الشارني

الكاتب : ماهر عبد الرحمان

كاتب صحفي وخبير في الشأن الاعلامي

maherabdrahman