الكاتب : الصادق الحمامي
أستاذ التعليم العالي، مدير معهد الصحافة وعلوم الإخبار
نتناول في هذا المقال مسألة إصلاح “الإعلام” في تونس من منظور نظري ومنهجي محدد يتمثل في وضع نموذج تحليلي لقابلية الفاعلين في النظام الإعلامي للإصلاح. فهذا النموذج يمكن أن يسمح بتحقيق ثلاث غايات أساسية. تتمثل الغاية الأولى في وضع إطار جديد للنقاش في مسالة الإصلاح والانتقال به من حالة الانطباعية إلى حالة التقييمات الموضوعية، التي يمكن أن تتيح توفير معايير متوافق عليها. وتتعلق الغاية الثانية بتقييم السياسات العمومية في مجال الإعلام وفق مؤشرات موضوعية قابلة للقياس. أمّا ثالثا فيسمح النموذج الذي نقترحه بتوفير أرضية نظرية نفهم بفضلها تعدّد المداخل والفاعلين والمشكلات المتّصلة بإصلاح النظام الإعلامي.
لكن قبل طرح هذا النموذج نحتاج لفهم أهمية إصلاح “الإعلام” وأن نقدّم بعض الاعتبارات التي نرى أنها ضرورية. ومن هذه الاعتبارات التدقيق في بعض المصطلحات والمفاهيم وتعريف مرجعيات عملية الإصلاح، موضوع النموذج التحليلي الذي نحن بصدد وضعه.
الكاتب : الصادق الحمامي
أستاذ التعليم العالي، مدير معهد الصحافة وعلوم الإخبار
نتناول في هذا المقال مسألة إصلاح “الإعلام” في تونس من منظور نظري ومنهجي محدد يتمثل في وضع نموذج تحليلي لقابلية الفاعلين في النظام الإعلامي للإصلاح. فهذا النموذج يمكن أن يسمح بتحقيق ثلاث غايات أساسية. تتمثل الغاية الأولى في وضع إطار جديد للنقاش في مسالة الإصلاح والانتقال به من حالة الانطباعية إلى حالة التقييمات الموضوعية، التي يمكن أن تتيح توفير معايير متوافق عليها. وتتعلق الغاية الثانية بتقييم السياسات العمومية في مجال الإعلام وفق مؤشرات موضوعية قابلة للقياس. أمّا ثالثا فيسمح النموذج الذي نقترحه بتوفير أرضية نظرية نفهم بفضلها تعدّد المداخل والفاعلين والمشكلات المتّصلة بإصلاح النظام الإعلامي.
لكن قبل طرح هذا النموذج نحتاج لفهم أهمية إصلاح “الإعلام” وأن نقدّم بعض الاعتبارات التي نرى أنها ضرورية. ومن هذه الاعتبارات التدقيق في بعض المصطلحات والمفاهيم وتعريف مرجعيات عملية الإصلاح، موضوع النموذج التحليلي الذي نحن بصدد وضعه.


1- في المصطلحات والمفاهيم أولا
يتّسم مصطلح الإعلام بكثير من الضبابية ونقص دقته المفاهيمية. فهو تارة يحيل على الصحافة وتارة أخرى يحيل على المؤسّسات التي تنتج المضامين الصحفيّة وغير الصحفيّة. كما يمكن أن يحيل أحيانا على الاتصال المؤسّسي والحكومي أو حتىّ السياسي، عندما نقول مثلا “مصالح الإعلام” في تلك الوزارة أو تلك أو في رئاسة الحكومة.
كما أنّ مصطلح الإعلام يجمع عددا من المهن المختلفة عن بعضها البعض كالصحافة والتنشيط مثلا. فيصبح كل من يظهر في التلفزيون وفي الإذاعة “إعلاميا”. وقد أدّى هذا التوسيع في فئة “الإعلاميين” إلى نتائج وخيمة على الصحافة، إذ أصبح الجمهور يخلط بين مهنة الصحافة الحصرية وبين النشاط الذي يمارسه غيرُ الصحفيين.ـات في مجال الصحافة، على غرار المشاركين.ـات في برامج “التولك شو” الترفيهي. هكذا ساهم مصطلح الإعلام في تيسير نفاذ الدخلاء إلى المهنة الصحفية باسم الإعلام.
ثم إنّ المصطلح لا يفي بالحاجة إلى التعبير عن تعدّد المكوّنات المتداخلة في تشكيل الإعلام والتي يمكن أن تنتمي حصرا إلى الصحافة والمؤسسات الإعلامية أو إلى مجالات أخرى. وبتعبير آخر فإنّ فئات بعينها من الفاعلين في عملية إصلاح النظام الإعلامي لا ينتمون إلى “الإعلام”، بالمعنى الضيّق للكلمة، على غرار وكالات الإشهار ومكاتب قيس الجمهور والمؤسّسات الجامعية التي تتكفّل بالتكوين العلمي في مجال الصحافة، إضافة إلى الفاعلين المؤسّسين والسياسيين الذين يضعون السياسيات العمومية.
وفي هذا الإطار يبدو لنا من الأحسن أن نستبدل مصطلح الإعلام بمصطلح النظام الإعلامي Le système médiatique بما أنّه يحيل على ظاهرة أعمق وأشمل. فالنظام الإعلامي في تعريف أوّلي هو نظام مركّب من المكونات (مؤسسات، فاعلين) مترابطة مع بعضها البعض وضرورية لبعضها البعض. وتشمل هذه المكونات الدولة وما تقوم به من تشريعات عبر البرلمان وتعديل مستقل للمؤسسات السمعية البصرية ومنظومات وسياسات دعم للمؤسسات الصحفية وإرساء منظومات تكوين أكاديمي.
كما تنتمي الى النظام الإعلامي كذلك صناعة الإعلام l’industrie médiatique أي مؤسسات الميديا العمومية والخاصة أو ما يسمّى الناشرين Les éditeurs. فصناعة الإعلام، تمثّل الفاعل المحوري والأساسي في اقتصاد الإعلام وهي تعبّر عن نفسها عن طريق جمعيات أو منظمات نقابية أو حتى في أشكال متقدمة على غرار المواثيق التحريرية. وهي كذلك شريكة مهنة الصحافة في وضع منظومات التعديل الذاتي على غرار مجلس الصحافة والمواثيق الأخلاقية.
ومن مكوّنات النظام الإعلامي كذلك فاعلون غير إعلاميين على غرار الهيئات الأكاديمية التي تتكفّل بالتكوين الأساسي للصحفيين في المستوى الجامعي والتي لا تنتمي كلّها بالضرورة إلى الأوساط الصحفية، رغم أنّ التجارب الغربية تبيّن أنّ المهنة بشكل عام بسطت نفوذها على هذه المنظومات الأكاديمية، ضمانا لمسالك النفاذ إلى المهنة.
وعلى هذا النحو فإنّ هذا التحديد الاصطلاحي يسمح لنا في مرحلة أولى بفهم الأبعاد العديدة والمتشعّبة لمسألة إصلاح الإعلام. فالصحافة بشكل عام والصحافة الجيّدة على وجه الخصوص ليست مسؤولية الصحفيين.ـات فقط، بل هي نتاج لنظام شامل. والصحافة كذلك ليست مهنة حرّة بل تمارس داخل مؤسّسات قوية ذات نماذج اقتصادية مستدامة تعمل في سوق إشهارية منظمة وشفافة تخضع إلى منظومات تعديل فعالة.
والصحافة الجيّدة أيضا تشترط أن تعمل الهيئات التحريرية وغرف الأخبار في هذه المؤسّسات الإعلامية في إطار احترام استقلالية العمل الصحفي بفضل آليات التعديل الداخلي والخارجي. والصحافة الجيدة تحتاج كذلك إلى منظومة أكاديمية عصريّة وفعّالة تسهر عليها الدولة في إطار سياساتها العمومية. ويضع هذه السياسات العمومية السلطة التنفيذية والتشريعية معا في إطار مقاربة الفاعلين.ـات في مهنة الصحافة وصناعتها والجمهور ومنظمات المجتمع المدني ونخب ذات ثقافة سياسية ديمقراطية مؤمنة بالصحافة كمؤسسة من مؤسسات الحياة السياسية وليس آلية للتلاعب بالرأي العام.
وإضافة إلى كل هذا فإنّ الصحافة الجيدة لا يمكن أن تزدهر في نهاية المطاف الّا في مجتمع قابل بمبادئ التعددية.


2- لماذا تأخّر إصلاح الإعلام؟ السؤال الحقيقي الجدير بالطرح
علينا الآن أن نطرح سؤالا يبدو لنا في غاية الأهمية لا مناص منه ويتمثل في الآتي: لماذا لم ينجز الانتقال السياسي وعده بتأسيس إعلام مهني وحر ومستقل؟ لماذا نطرح اليوم بعد 14 عاما سؤالا طرح عام 2011. وينجرّ عن هذا السؤال عدّة أسئلة أخرى لا تقل أهميّة عن الأول، وهي الآتي: ما الفائدة من عرض وصفات وتوصيات موثقة في عشرات الصفحات في تقرير هيئة إصلاح الإعلام 2011؟ وما مشروعية طرح السؤال والسياق الحالي غير سياق الهدم وإعادة البناء؟ هل ثمّة أفق ما لانتقال إعلامي جديد أو إصلاح جديد خارج مشروع سياسي متكامل يعتبر الإعلام مؤسسة من مؤسسات المجتمع؟ ومن المسائل الضرورية الأخرى هل أنّ “الإصلاح” الأوّل للإعلام ساهم في ما هو عليه الإعلام اليوم؟ وهل أن فشل الانتقال السياسي متّصل بأعطاب إصلاح الإعلام عام 2011؟
لقد قام الانتقال الإعلامي الأوّل على مقاربة مخصوصة تتمثّل في رؤية غير نظامية للإعلام أعطت الأولوية للإصلاح القانوني. لقد كانت هذه المقاربة القائمة على فكرة تغيير الواقع بواسطة القانون على حساب الإصلاحات النظامية الكبرى على غرار إصلاح حوْكمة الإعلام العمومي وتنظيم سوق الإشهار ووضع منظومة قيس الجمهور لما لذلك من أهمية على اقتصاد الإعلام. هكذا أدّى هذا الإصلاح غير النسقي أو الشامل إلى نتيجتين خطيرتين.
النتيجة الأولى : تتمثل في ظهور نظام إعلامي هجين تتفاعل فيه المكونات القديمة على غرار المؤسسات الإعلامية العمومية ذات الحوكمة القديمة والتنظيم القديم مع مكونات جديدة على غرار المراسيم الجديدة أو الهيئة التعديلية. ولم تؤدِّ هذه “الهجانة” إلى مزيج خلاّق بين القديم الجيد والجديد الجيد بل إلى نظام مشوه يعطل فيه القديم الجديد ويعيد فيه الجديد إنتاج القديم. ولعلّ الإعلام العمومي أحسن مثال على ذلك. فالتلكؤ في إصلاحه جعل منه آلية في متناول كل النخب السياسية التي تعاقبت على السلطة السياسية استخدمته كما شاءت وحينما شاءت لأغراض الاتصال السياسي. وفي هذا الإطار كذلك نشأت أنواع جديدة من النفوذ هجينة متصلة اتصالا وثيقا بهذا التشويه الناتج عن تفاعل القديم مع الجديد. ومن أشكال هذا النفوذ سيطرة مؤسسة رئاسة الحكومة بأشكال متعددة على الإعلام العمومي (تعيين المسؤولين والإشراف المباشر والتمويل….) لاستغلاله لغايات الاتصال السياسي والحكومي والحزبي.
النتيجة الثانية : تتعلق بتحجيم أدوار الدولة. فقد أدّى تفكيك مؤسّسات الحوْكمة القديمة إلى مفارقة عجيبة تمثلت في تحرير الإعلام من الأشكال القديمة لسيطرة الدولة المركزية من جهة أولى إلى ظهور أشكال من النفوذ الجديدة من جهة ثانية يمارسها فاعلون لا حصر لهم (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والوزارات والنقابات). كما تمخّض عن تحجيم دور الدولة للإعلام مقاربة نيو-ليبيرالية بتركه لقوى السوق وإضعاف التعديل بما أنّه وظيفة من وظائف الدولة بفصلها عن السياسة العمومية التي يتخذ بفضلها الفعالية التي يحتاجها.


3- ما هي المرجعيات المعيارية لإصلاح النظام الإعلامي
يمثّل إصلاح الإعلام شأنا عاما، إذ لا يمكن لفاعل واحد أن ينجز عملية الإصلاح بنفسه لنفسه، اعتمادا على مرجعياته الخاصة به التي قد تعكس مصالحه.
وفي هذا الإطار فإنّ إصلاح النظام الإعلامي يتمثّل في ملائمة الإعلام إلى الوظائف التي يحددها له المجتمع. وفي المجتمعات الديمقراطية تحدد هذه الوظائف بواسطة النقاش العام الذي يعطيها شرعيّتها حيث تؤسّس شرعيةُ الإعلام على قبول المواطنين به بفضل المداولة الواسعة التي يشترك فيها الجميع.
وبشكل عام تكون هذه الوظائف موضوع عقد يجمع بين الدولة ومؤسسات الإعلام العمومي من جهة أولى وبين الدولة ومؤسسات الإعلام الخاص بواسطة كراسات الشروط أو اتفاقيات تضعها الهيئات التعديلية من جهة ثانية. وفي كل الأحوال تستند العقود والاتفاقيات إلى المبادئ الدستورية الكبرى. وفي السياق التونسي المخصوص فإنّ هذه الآلية التداولية الضرورية لبناء شرعية عملية الاصطلاح كانت غائبة تماما، باستثناء المبادئ الكبرى التي وردت في دستور 2014.
في كل الأحوال فانّه بإمكاننا أن نبحث عن المبادئ الكبرى التي تحدد الإعلام في دستور 2014 وفي دستور 2022 .ففي دستور 2014 ينص الفصل 31 على أنّ “حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة ولا يمكن ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات”. كما تضمّن الفصل 32 تنصيصا على أنّ الدولة ضامنة للحق في الإعلام في النفاذ إلى المعلومة. تسعى الدولة إلى “ضمان الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصال”.
وفي دستور 2022 ينصّ الفصل 37 على أنّ حريّة الرّأي والفكر والتّعبير والإعلام والنّشر مضمونة. كما يتضمن الفصل 38 تنصيصا على أنّ الدولة ضامنة للحقّ في الإعلام وللحق في النفاذ إلى المعلومة.
ونجد في المرسوم 116 المبادئ الكبرى المنظّمة للإعلام السمعي البصري غرار دعم حقوق العموم في الإعلام والمعرفة من خلال ضمان التعددية والتنوع في البرامج المتعلقة بالشأن العام وإرساء مشهد إعلامي سمعي وبصري تعددي ومتنوع ومتوازن وبرمجة إعلامية دقيقة ومتوازنة وتشجيع برمجة تربوية ذات جودة عالية وتنمية برمجة وبث يعبران عن الثقافة الوطنية ودعم التعديل الذاتي.
ويمكن أيضا أن نستخلص المبادئ المعيارية الكبرى التي يجب أن يقوم عليها الإعلام من المواثيق التي وضعها الصحفيون.ـات والمهنة بشكل عام لأنفسهم، أي ميثاق شرف المهنة لنقابة الصحفيين التونسيين على وجه الخصوص الذي ينصّ مبدأُه الأول على أن يلتزم الصُحفي بالسعي إلى الحقيقة وبالعمل على إبلاغها إلى الرأي العام في إطار حقه في النفاذ إلى المعلومة. والدفاع عن قيم المساواة بين الجنسين وبعدم التمييز وبالدفاع عن الحريات الفردية والعامة. كما وضع المرسوم 115 عددا من المبادئ الكبرى كالشفافية والاستقلالية عن مراكز النفوذ السياسي والمالي والحزبي.
وبالنظر إلى كل هذه المبادئ الكبرى يمكن أن نقول إنّ الإعلام عاجز عن أداء وظائفه الكبرى التي وضعت له ويمكن أيضا أن نستند الى بعض المؤشرات الموضوعية المستخرجة من عديد استطلاعات الرأي التي تبيّن تراجع ثقة المواطنين في الإعلام لصالح مؤسسات أخرى.
وفي هذا الإطار ندافع عن فرضية أنّ عجز الإعلام عن أداء وظائفه متّصل بما نسمّيه انهيار النظام الإعلامي. والمقصود بحالة النظام الإعلامي ليس “اندثار الإعلام وكل المؤسسات أو نهاية الصحافة المكتوبة أو التلفزيون أو الإذاعة. فهذه المقولة ساذجة جدا. إنّ الانهيار هو حالة من العطالة الشاملة التي يتجاوز فيها النظام الإعلامي حالة الأزمة والاضطراب dysfonctionnement إلى حالة من الشلل الشامل لتحقيق الغايات التي وُضعت له. وفي هذه الحالة تؤدّي حالة العطالة إلى نتائج خطيرة على المجتمع.
في الحالة التونسية يمكن أن نقول إنّ انهيار النظام الإعلامي يمكن أن يمثّل مظهرا من مظاهر اضطراب مؤسسي ومجتمعي شامل يتصل بأنواع أخرى من الانهيار متصلة كلّها بما يسمّى الأجسام الوسيطة التي فقدت من جهة أولى ثقة الناس والتي تتعرّض أيضا، حاليّا، إلى استراتيجية تفكيك من جهة ثانية”.
ويتجسد انهيار النظام الإعلامي في 10 مظاهر مجتمعة ومتفاعلة مع بعضها البعض وهي :
- الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها كل المؤسسات
- تراجع كبير للهيئات الصحفيّة وغياب فرص التشغيل وأوضاع هشة للصحفيين.ـات
- خسارة الصحفيين.ـات لسلطتهم على الصحافة لصالح الدخلاء وتنامي صحافة التعليق علىحساب صحافة الإخبار (التفسير /الاستقصاء/ التحقيق/المساءلة)
- سلعنة متعاظمة للإعلام الخاص (وكالات إشهار)
- العطالة الكاملة للإعلام “العمومي”. أصبح في خدمة الاتصال المؤسسي /السياسي/الحكومي/الوزاري مع تغييب التنوع والمعارضات السياسية
- احتضار الصحافة المطبوعة أو المكتوبة
- تحويل الصحافة إلى آليّة اتصالية لفائدة النظام السياسي والمؤسسي والمجتمع ما يجعل منها حلقة وصل (صحافة البلاغات)
- تعطيل منظومة التعديل
- تعاظم الرقابة الذاتية بسبب المرسوم 54 والمحاكمات وشيطنة الصحافة
- تراجع خطير (انهيار) في نسبة ثقة المواطنين +قطيعة مع فئات واسعة من المجتمع
4- نموذج تحليلي لقابلية الفاعلين في النظام الإعلامي على الإصلاح
يشمل النموذج التحليلي الفاعلين الآتي ذكرهم :
- أولا : الدولة ومكوناتها المختلفة أي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية والحكومة والوزارات). ويتمثل دورها في وضع السياسات العمومية بما في ذلك البرامج الخاصة التي تضعها هيئات عمومية autorité publique أو حكومية أي جملة الوسائل والأدوات التي تستخدمها السلطات العمومية للحصول على نتائج معينة أو لتحقيق أهداف معينة. والسياسات العمومية تشمل التربية والنقل والشباب والاقتصاد والإعلام. وتتمثل السياسة العمومية في برنامج حكومي في قطاع بعينه أو في فضاء جغرافي.
- ثانيا : صناعة الإعلام: الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزة بواسطة نقاباتهم
- ثالثا: المهنة أي الصحفيين والنقابات أو الجمعيات التي تعبر عنهم
- رابعا : النخب السياسية والحزبية
- خامسا : المجتمع
كيف يمكن تطبيق النموذج التحليلي؟ يتضمّن النموذج مؤشرات يمكن استعمالها في الوقت ذاته لقياس حالة النظام الإعلامي من جهة أولى وقابلية الفاعلين للإصلاح من جهة ثانية.


5- خامسا: ستة دروس مستخلصة من إصلاح النظام الإعلامي التونسي
الدرس الأول : والأهم. ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من فشل ما نطلق عليه “الانتقال الإعلامي الأول” وأين تكمن مصادر هذا الفشل؟
الدرس الثاني : إصلاح الإعلام مسألة كونية تطرح اليوم في كل السياقات (الديمقراطية وغير الديموقراطية) متصلة بما يسّمى انهيار البيئة المعلوماتية بسبب التأثيرات التخريبية disruption للمنصات الرقمية والشبكات الاجتماعية على أدوار الصحفيين واقتصاد الميديا.
الدرس الثالث : إصلاح الكل: لا معنى للإصلاح الجزئي la réforme partielle أو الإصلاح الإجرائي La réforme opérationnelle فالإصلاح الحقيقي هو الإصلاح النسقي La réforme systémique الذي يتناول النظام الإعلامي وبيئته.
الدرس الرابع : هناك فاعل محوري/مركزي هو الدولة لا يمكن دونه للإصلاح أن يكون ممكنا. فالدولة هي الفاعل الوحيد الذي يقوم بثلاث وظائف في الوقت ذاته. الملكية والتعديل والتمويل owner, regulator and funder .
الدرس الخامس : الرؤية النسقية والتأكيد على أدوار الدولة لا يمنع الفاعلين الآخرين، وخاصة المهنة، من تحمل مسؤولياتهم: استعادة الصحفيين السلطة على الصحافة بالسيطرة على النفاذ الى القطاع ومنع الدخلاء الحقيقيين وإنشاء المؤسسات الصحفية. كما تبين أنّ عملية استعادة الصحفيين لسلطتهم لا يمكن أن تكون عملية خارجية بل يجب أن تتجسد في مبادرات يقوم بها الصحفيون.
الدرس السادس : عندما ننظر إلى موضع إصلاح النظام الإعلامي من منظور واسع ومجتمعي، هل يمكن فعلا فصل مشكلة إصلاح النظام الإعلامي عن مشكلات الإصلاح بشكل عام وحقيقة الطلب عليه. هل أنّ الإصلاح أمر مرغوب فيه مجتمعيا وبتعبير آخر أليس التلكؤ والتأخير في إصلاح النظام الإعلامي هو مظهر من مظاهر العزوف عن الإصلاح بشكل عان ورفضه؟
إيمانا منه بضرورة فتح باب النقاش أمام الخبراء والمهنيين.ـات والأكاديميين.ـات وممثّلي.ـات الهياكل المهنية لتقديم رؤاهم/هن وتصوّراتهم/هن لمسألة إصلاح الإعلام ينشر موقع الكتيبة، بشكل متتالي، عددا من المقالات والورقات البحثية تحت عنوان "رؤى متقاطعة لاصلاح و/أو إعادة بناء النظام الإعلامي التونسي".
إيمانا منه بضرورة فتح باب النقاش أمام الخبراء والمهنيين.ـات والأكاديميين.ـات وممثّلي.ـات الهياكل المهنية لتقديم رؤاهم/هن وتصوّراتهم/هن لمسألة إصلاح الإعلام ينشر موقع الكتيبة، بشكل متتالي، عددا من المقالات والورقات البحثية تحت عنوان "رؤى متقاطعة لاصلاح و/أو إعادة بناء النظام الإعلامي التونسي".

الكاتب : الصادق الحمامي
دكتور في علوم الإعلام والاتّصال، أستاذ في معهد الصحافة بتونس وصاحب عديد المؤلفات في المجال.


الكاتب : الصادق الحمامي
أستاذ التعليم العالي، مدير معهد الصحافة وعلوم الإخبار
