الكاتبة : جواهر بنصير

صحفيّة و وباحثة متخصّصة في تدقيق المعلومات والصحافة الاستقصائيّة

تُواجه تونس في السنوات الأخيرة أزمة جفاف خطيرة باتت تُهدّد استدامة مواردها المائية. وقد تفاقمت هذه الأزمة خاصة مع تراجع نسبة التساقطات وزيادة الطلب على الاستهلاك واشتداد وطأة تأثيرات التغيّرات المناخية التي أضحت تمسّ العديد من القطاعات الحيويّة بما في ذلك المجال الفلاحي.

في المقابل، نستشفّ من الخطابات الرسميّة الصادرة عن المسؤولين في الدولة توجّها نحو المُراهنة بشدّة على القطاع الفلاحي كركيزة أساسيّة لتحقيق النمو الاقتصادي والسيادة الغذائية. كما تُركزّ الخطابات، في الآن ذاته، على ضرورة تعبئة الموارد المائية ووضع خطّة تتماشى مع التغيّرات المناخية وترشيد الاستهلاك وهو ما يطرح معادلة مازالت غير واضحة المعالم لاسيّما حينما نعلم أنّ أكثر من 80% من الاستهلاك الوطني للمياه تستنزفُه الفلاحة التونسيّة.

في هذا الإطار، يُجمع العديد من الخبراء والباحثين في هذا المجال على أنّ الخطاب الرسمي يتعارض مع الواقع وتحدّياته الآنيّة والمستقبليّة على حدّ سواء، إذ نجد أنّ السياسات الفلاحية في تونس لا تتماشى مع مخاطر التغيّرات المناخية خاصة في علاقة بالموارد المائية والأمراض المُستجدّة والمشاكل الهيكليّة لتي تهدّد العديد من روافد الفلاحة التونسيّة لعلّ من أبرزها قطاع القوارص.

الكاتبة : جواهر بنصير

صحفيّة و وباحثة متخصّصة في تدقيق المعلومات والصحافة الاستقصائيّة

تُواجه تونس في السنوات الأخيرة أزمة جفاف خطيرة باتت تُهدّد استدامة مواردها المائية. وقد تفاقمت هذه الأزمة خاصة مع تراجع نسبة التساقطات وزيادة الطلب على الاستهلاك واشتداد وطأة تأثيرات التغيّرات المناخية التي أضحت تمسّ العديد من القطاعات الحيويّة بما في ذلك المجال الفلاحي.

في المقابل، نستشفّ من الخطابات الرسميّة الصادرة عن المسؤولين في الدولة توجّها نحو المُراهنة بشدّة على القطاع الفلاحي كركيزة أساسيّة لتحقيق النمو الاقتصادي والسيادة الغذائية. كما تُركزّ الخطابات، في الآن ذاته، على ضرورة تعبئة الموارد المائية ووضع خطّة تتماشى مع التغيّرات المناخية وترشيد الاستهلاك وهو ما يطرح معادلة مازالت غير واضحة المعالم لاسيّما حينما نعلم أنّ أكثر من 80% من الاستهلاك الوطني للمياه تستنزفُه الفلاحة التونسيّة.

في هذا الإطار، يُجمع العديد من الخبراء والباحثين في هذا المجال على أنّ الخطاب الرسمي يتعارض مع الواقع وتحدّياته الآنيّة والمستقبليّة على حدّ سواء، إذ نجد أنّ السياسات الفلاحية في تونس لا تتماشى مع مخاطر التغيّرات المناخية خاصة في علاقة بالموارد المائية والأمراض المُستجدّة والمشاكل الهيكليّة لتي تهدّد العديد من روافد الفلاحة التونسيّة لعلّ من أبرزها قطاع القوارص.

فما الذي يمكن أنّ نعرفه حول المشاكل الهيكليّة لقطاع القوارص؟ وهل فعلا أنّ هذه الغراسات تعدّ مُستنزفة للماء ما يطرح سؤالا جدّيا حول مدى جدوى مواصلة تكثيف هذا النشاط الفلاحي؟ هل تُغطيّ العائدات الماليّة للصادرات من العملة الصعبة الكُلفة المائيّة الافتراضية بشكل خاص؟ ما مدى استفادة الدولة والفلاّحين من هذا القطاع نظير الاستفادة التي يحقّقها بعض النافذين في تجارة الحمضيات داخليّا وخارجيّا؟ وهل يمكن التعويل على بدائل أخرى في إطار مراجعة السياسات الفلاحيّة بما يخدم رؤية استشرافيّة ؟

بين الماضي والحاضر: بماذا تخبرنا الأرقام والمعطيات الميدانيّة؟

يُعدّ قطاع القوارص من أعرق القطاعات الفلاحيّة في تونس، حيث يمتدّ تاريخه إلى ما قبل سنة 1918. وقد شهد القطاع منذ ذلك الحين تطوّرًا ملحوظًا خاصة في علاقة بكثافة الإنتاج نتيجة لتوسّع المساحات المزروعة، ممّا جعل تونس من بين الدول الرائدة في إنتاج القوارص في المنطقة المتوسطيّة.

بلغت المساحة الجُملية لغراسات الحمضيات (القوارص) 26.5 ألف هكتار وتمثّل هذه المساحة 6 % من إجمالي مساحة الأشجار المُثمرة في تونس و16.5% من مساحة الأشجار المرويّة، بحسب آخر مسح أجراه المجمع المهني المشترك للغلال خلال الموسم الفلاحي 2023/2024.

تاريخيّا، تركّز إنتاج الحمضيات (القوارص) بشكل أساسي في جهة الوطن القبلي، التي تُعدّ القلب النابض لهذا القطاع، نظرا لملاءمة ظروفها الطبيعية لمثل هذه الزراعات كالمُناخ المعتدل، والتربة الخصبة، ووفرة المياه.

وتُساهم الجهة بقرابة 70 % من الإنتاج الوطني للقوارص، وتستأثر بحوالي 80% من إنتاج البرتقال “المالطي” المُعدّ للتصدير. فيما تتوزّع بقية المساحة على عدّة ولايات منها بن عروس وأريانة وبنزرت وجندوبة والقيروان وسيدي بوزيد.

يفيد تقرير صادر عن محكمة المحاسبات يتعلّق بتنمية قطاع القوارص لسنة 2009، أنّ القطاع يوفّر دخلا لحوالي 12 ألف مُنتج وموارد رزق قارّة لما يفوق 25 ألف عائلة. كما يشغّل يدا عاملة موسميّة تقدّر بحوالي 3 مليون يوم عمل في السنة. ويُلبّي منتوج القطاع حاجيات الاستهلاك الوطني من الغلال على مدى أكثر من ستّة أشهر في السنة.

وفقا لتقرير نشره المرصد الوطني للفلاحة، قُدّرت صابة القوارص للموسم الفلاحي 2025-2024 بـ 384 ألف طنّ، مقابل 365 ألف طنّ في الموسم الفارط أي زيادة بنسبة تقدّر بحوالي 5 % ، وهو ما يمثّل %25 من الإنتاج الجملي للغلال.

وقد بلغ إنتاج ولاية نابل، قرابة 272 ألف طن في هذا الموسم، مسجّلة بذلك زيادة في الإنتاج قُدّرت بنسبة 1.8 % مقارنة بالموسم الفارط حيث قدّر إنتاجها بـ 267 ألف طن. تليها في المرتبة الثانية ولاية بن عروس بـ 28 ألف طن ثم ولاية القيروان بـ 18.5 ألف طن.

تجدر الإشارة إلى أنّ الموسم 2016-2017 كان الأكبر على مستوى الإنتاج منذ سنة 2011، إذ حقّق القطاع صابة قياسية قُدّرت بحوالي 560 ألف طن، وفق بلاغ نشرته وزارة الفلاحة والصيد البحري، واستأثر الوطن القبلي وحده بـ 450 ألف طنّ من الإنتاج.

رغم وفرة إنتاج القوارص، إلاّ أن هذا القطاع يواجه تحديّات هيكليّة كبيرة ومُعقدّة تهدّد استدامته وقدرته التنافسية، على غرار نُدرة الموارد المائية واشتداد تأثيرات التغيرات المناخية وتفشّي الأمراض الجرثومية، ممّا يضع الفلّاحين بشكل عامّ وخاصّة الصغار منهم في مواجهة مباشرة مع مخاطر اقتصادية ومهنيّة جسيمة، باعتبارهم الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج، حيث يتحمّلون العبء الأكبر من هذه الأزمات، إذ يواجهون تراجع المحاصيل وارتفاع تكاليف الإنتاج ومكافحة الأمراض المُستجدّة دون دعم كافٍ، وفق العديد منهم ممّن التقاهم موقع الكتيبة.

في هذا السياق، يؤكد البشير عون الله، رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري ببني خلّاد، أنّ “قطاع القوارص يلعب دورًا حيويًا في توفير فرص العمل وتنشيط الاقتصاد في مجالات متعدّدة، مثل الملاحة البحرية، والنقل، والمحطات الجوية، بالإضافة إلى دعم وحدات تحويل القوارص وتكييفها وتصنيعها وتصديرها”.

ورغم “هذه الإسهامات فإنّ القطاع يواجه تحديّات تهدّد استدامته، أبرزها محدودية التصدير وارتفاع تكاليف النقل. فعلى الرغم من الشهرة العالمية التي يحظى بها البرتقال المالطي التونسي، خاصة في السوق الفرنسية، إلاّ أن الكميّات المُصدرة منه لا تزال محدودة، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف النقل”، وفق قول المتحدّث ذاته.

تفتقر تونس إلى إمكانيات لوجستيّة متطوّرة لنقل البضائع جوًا، ممّا يعيق دخول المنتج إلى أسواق جديدة مثل الخليج العربي وروسيا وأفريقيا، ويحدّ من فرص تنمية الصادرات وزيادة العائدات المالية للقطاع.

البشير عون الله

في ذات المضمار، أكّد البشير عون الله خلال حديثه لموقع الكتيبة، أنّ “مسالك التوزيع والتصدير لا تزال تواجه العديد من العوائق، على غرار تعطّل إنشاء مشروع سوق الجملة المُشترك للخضر والغلال منذ صدور القرار في الرائد الرسمي سنة 1998، حيث كان من المفترض بعث هذا المشروع بالشراكة بين بلديتي بني خلّاد وزاوية الجديدي، وقد تمّ تنقيحه بقرار من وزير التجارة ووزير الشؤون المحلّية ووزير الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية في 25 أوت 2020″.

ويُفيد المصدر ذاته أنّه “كان من المُخطّط إنشاء سوق إنتاج وطني للقوارص بمنزل بوزلفة في منطقة العيثة تحديدا، بمشاركة سبع بلديّات، بحيث يضمّ وحدات لتحويل القوارص إلى عصائر وتصنيع المكمّلات الغذائية والمواد التجميلية المشتقة من القوارص، ما يعني أنّه كان من شأن هذا المشروع أن يساهم في تثمين المحصول وتعزيز صادرات القوارص، لكنّه لم يُنفذ حتّى الآن”.

من جهة أخرى، شدّد رئيس الاتحاد المحلّي للفلاحة والصيد البحري ببني خلاد على أنّ “ارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار البيع يشكّل تحديًا كبيرًا للفلّاحين، إذ أنّ تكاليف الإنتاج المرتفعة تجعل أسعار بيع القوارص غير كافية لتغطية المصاريف. في المقابل، يتذمّر المستهلكون من ارتفاع الأسعار وهو نتيجة تحكّم بعض الأطراف النافذة في القطاع في الأسعار والأسواق، ليبقى الفلاّح هو الحلقة الأضعف في المنظومة”، وفق تعبير عون اللّه.

ويُؤكّد البشير عون الله أنّ “من بين المُشكلات الرئيسيّة التي يعاني منها القطاع غياب وحدات التحويل، حيث يؤدّي نقص محطّات تحويل القوارص إلى عصائر أو منتجات أخرى إلى هدر كمّيات كبيرة من المحصول، خاصّة خلال فترات الوفرة، ممّا يعيق الاستفادة الكاملة من الإنتاج ويزيد من هدر الموارد، وهو ما حدث فعلا في سنة 2017 عندما بلغ إنتاج البرتقال 560 ألف طن، إذ بسبب محدوديّة التصدير وعدم قدرة السوق الداخلية على استيعاب كلّ الكميّة، اضطرّ العديد من الفلّاحين إلى إتلاف جزء كبير من الصابة”.

على صعيد آخر، “تشهد غابات القوارص في عدّة مناطق مثل منزل بوزلفة، بني خلّاد، و بوعرقوب تدهورًا سببه الشيخوخة، ممّا أثر بشكل كبير على الإنتاجيّة. كما يعاني القطاع من تفشّي أمراض جديدة، أبرزها مرض “الترستيزا”، الذي أدّى إلى فقدان نحو 9 آلاف هكتار من الأراضي المزروعة بالقوارص في بعض المناطق”، وفق ذات المصدر الذي أضاف قائلا في حديثه مع الكتيبة:

“المركز الفنّي للقوارص لم يقم بدوره الكامل في دعم الفلاحين، حيث يفتقر إلى المخابر اللازمة لإجراء التحاليل الضرورية، كما لم يُسهم في تطوير الأصناف المحلّية من القوارص لمواجهة الأمراض المُستجدّة والتكيّف مع التغيّرات المُناخية”.

في نفس السياق، يقول الخبير الفلاحي خالد العيادي في حديث لموقع الكتيبة إنّ “قطاع القوارص، كغيره من القطاعات الفلاحيّة، يواجه العديد من الإشكاليات المرتبطة بالتغيّرات المناخية، إضافة إلى المشاكل الناجمة عن الأمراض الفيروسية وانتقال الحشرات. كما تعاني العديد من غابات القوارص القديمة من الشيخوخة، حيث باتت بعض الأشجار تعيش آخر مراحلها”.

وأشار العيادي إلى “ظهور فيروس خطير في تونس خلال السنوات الأخيرة يُعرف بـ “الترستيزا TRISTEZA”، وهو مرض يتسبّب في الموت الفجائي لأشجار القوارص، إذ تبدو الشجرة في حالة جيّدة، ثم فجأة تتيبّس وتموت. ويكمُن الخطر الأكبر لهذا الفيروس في سرعة انتشاره، حيث ينتقل عن طريق الحشرات أو عبر أدوات تقليم الأشجار، ممّا يجعله تهديدًا حقيقيًا لزراعات القوارص”، وفقا لما جاء على لسانه.

يضيف نفس المتحدّث قائلا:

“هناك أيضا مُشكلة الحشرة المتوسطيّة Ceratitis capitata، التي دفعت الفلاّحين إلى استخدام أنواع مُتعدّدة من المبيدات الكيميائية لمكافحتها، وقد تتسبّب هذه الحشرة في إلحاق الأضرار بالثمار وسقوطها عن الأشجار. فضلا عن ظهور حشرة Pyrale du dattier، التي كانت تستهدف أشجار النخيل في الجنوب التونسي، لكنّها اليوم أصبحت تُهاجم أشجار القوارص أيضًا”.

أمام هذا التهديد، أصبح الفلاّحون يعتمدون بشكل متزايد على المواد الكيميائية، وهو ما قد يؤثّر على جودة الثمار، حيث شدّد العيّادي على “ضرورة احترام ضوابط استخدام المُبيدات الكيميائية، سواء فيما يتعلّق بطريقة الاستخدام، أو الجرعات المحدّدة، أو الفترات الزمنية الفاصلة بين المعالجات”، مُحذّرا من أنّ “الإفراط في استخدام هذه الموادّ لا يؤثّر فقط على صحّة الإنسان، بل يساهم أيضًا في اكتساب الحشرات مناعة ضدّ المبيدات، ممّا يزيد من صعوبة مكافحتها”.

بدورها أصدرت وزارة الفلاحة التونسيّة بلاغا حول مكافحة مرض البقع السوداء على القوارص، بتاريخ 30 أفريل 2020، تحدّثت فيه عن تأثير الفطر المسبّب للمرض على نوعية الثمار وصعوبة تسويقها، حيث دعت الفلاحين إلى “القيام بالممارسات الزراعيّة التي تساهم في التقليص من اللّقاح الفطري والمتمثّلة خاصّة في جمع الأوراق والثمار المتساقطة تحت الأشجار وحرقها، والتدخّل بالمداواة باستعمال الموادّ الفعّالة المنصوح بها من طرف اللجنة الوطنية المكلّفة بإعداد ومتابعة تنفيذ الخطّة الوطنيّة لمكافحة مرض البقع السوداء على القوارص”.

استنزاف المياه: المسكوت عنه في قطاع القوارص

يُفيد الخبير الفلاحي خالد العيادي في حديثه مع الكتيبة أنّ “الهكتار الواحد من القوارص (الحمضيات) يستهلك ما بين 6000 و 9000 متر مكعّب من الماء سنويًا، حيث تتغيّر هذه الحاجة حسب درجة الحرارة وكمّيات التساقطات، في الوقت الذي أصبح فيه توفّر المياه الجوفية ضعيفا، حيث كان الفلّاحون يعتمدون سابقًا على مياه الآبار ذات الملوحة المُعتدلة لريّ أشجار القوارص. لكن نتيجة شُحّ الأمطار ونقص التساقطات، أصبحت المياه الجوفية في بعض المناطق أكثر عمقًا، وفي مناطق أخرى أصبحت ملوحتها مُرتفعة، ممّا يُشكّل خطرًا على زراعة القوارص”.

ويضيف أنّ “الأشجار لا تتحمّل نسب ملوحة عالية. وعند ريّها بمياه مالحة، تدخل في مرحلة إجهاد فتضعف وتصبح أكثر عرضة للأمراض. ونجد هذا المشكل خاصّة في الوطن القبلي الذي يعاني من ارتفاع ملوحة المياه الجوفية، مُرجحا فرضية “أنّ المناطق القريبة من البحر تشهد تسرّبًا لمياه البحر إلى الأراضي الفلاحيّة، مما يزيد الوضع تعقيدًا”.

ويؤكّد العيادي أنّ “نسبة الموادّ العضوية في التربة أصبحت ضعيفة في تونس، وهو ما أدّى إلى ظهور مشاكل عديدة، خصوصًا في السنوات الأخيرة. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو تراجع الثروة الحيوانية، حيث انخفض عدد قطيع الأبقار والأغنام، مما قلّل من توفّر الأسمدة العضويّة الضرورية لتحسين جودة التربة”.

جدير بالذكر أنّ الفلاحة ترتكز في تونس على قطاعات تعتمد كثيرا على الزراعات السقويّة المستهلكة لكمّيات كبيرة من المياه خاصة الزراعات التصديرية التي تستنزف الموارد المائية.

وتُعدّ القوارص “من بين الغراسات المُستهلكة للماء لأنّ أشجارها لا تسقط أوراقها على مرور الفصول وبالتالي حاجتها إلى الماء تمتدّ من شهر فيفري إلى شهر نوفمبر أو أكثر كلّ سنة حسب الظروف المُناخيّة”، بحسب تصريح عائشة غزال رئيسة مصلحة الغلال ذات النوى التابعة للإدارة العامة للإنتاج الفلاحي (مؤسّسة حكوميّة) في برنامج إذاعي على موجات اكسبراس أف أم في نوفمبر 2024 .

في حواره مع موقع الكتيبة، يشير رئيس المرصد التونسي للمياه علاء المرزوقي إلى أنّ “الفلاحة تستهلك حوالي 74% من الموارد المائية، وفقًا لبعض التقارير الصادرة عن الوزارة المعنية بالقطاع. ومع ذلك، قد تكون النسبة الفعليّة أعلى إذا أُخذ في الاعتبار العدد الكبير من الآبار العشوائية، التي تُقدَّر بحوالي 30 ألف بئر، وهي غير مشمولة في أرقام الاستهلاك الرسميّة التي تنشرها وزارة الفلاحة”.

بالإضافة إلى ذلك، هناك “موارد مائيّة مُستنزفة وغير خاضعة للرقابة، مما يجعل تأويل أرقام استهلاك القطاع الفلاحي للمياه أمرًا معقّدًا. كما أن هناك أحيانًا تضاربًا في الأرقام بين المؤسسات التابعة لوزارة الفلاحة، مثل الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه (SONEDE) والديوان الوطني للتطهير (ONAS)، نتيجة غياب رؤية شاملة حول كميات المياه المستعملة في الفلاحة”، وفق تقدير ذات المصدر.

قطاع القوارص يشهد تدهورًا حادّا منذ سنوات، رغم كونه مشروعًا وطنيًا استراتيجيًا منذ السبعينات، حيث تمّ تحويل مياه الشمال إلى الوطن القبلي لتزويد المنطقة بمياه الريّ. إلاّ أن هذه التجربة وصلت إلى نهايتها اليوم، مع تراجع المحصول بسبب أزمة شحّ الموارد المائية.

علاء المرزوقي

يضيف نفس المتحدّث قائلا: “في السنوات الماضيّة كان استهلاك مياه الشمال مُخصّصًا بشكل أساسي للوطن القبلي لريّ زراعة القوارص، لكن اليوم يتمّ توجيه جزء هامّ من هذه المياه نحو ولايات الساحل وإلى صفاقس لدعم النقص في مياه الشرب بهذه المناطق، ممّا أدّى إلى انخفاض حادّ في نصيب الوطن القبلي من مياه الشمال، وهو ما أثّر بشكل كبير على قطاع القوارص، إلى جانب قرار وزارة الفلاحة في سنة 2023 بمنع ريّ بعض الزراعات، بما في ذلك الخضروات والطماطم وحتى القوارص”.

ويشدّد علاء المرزوقي على أنّ “قطاع القوارص يستهلك كمّيات هائلة من المياه، تُقدَّر بمئات الملايين من الأمتار المُكعّبة سنويا، سواء من السدود أو من الموارد الجوفية”.

في شهري جوان وجويلية من سنة 2024، خصّصت وزارة الفلاحة 8 ملايين متر مكعب فقط لريّ القوارص في الوطن القبلي. ومن المعلوم أنّه يتمّ “خلط مياه الشمال بالمياه الجوفيّة في الجهة للتقليص من نسبة ملوحتها قبل استخدامها في ريّ القوارص”، بحسب المرزوقي.

في ذات السياق، يشير تقرير صادر في ديسمبر 2022 عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت عنوان “أزمة المياه في تونس سوء التصرف في الموارد المائية يهدّد البلاد بالشح المائي” إلى أنّ “إنتاج القوارص الذي بلغ سنة 2019 زهاء 440 ألف طنّ احتاج قرابة 320 مليون متر مكعّب من المياه، ممّا يعني أنّ نفس هذه الكميّة قادرة على تغطية 20 % من حاجيات البلاد من الحبوب.”

لهذا يُؤكّد علاء المرزوقي في حديثه لموقع الكتيبة، أنّ “استهلاك قطاع القوارص للمياه مرتفع جدًا، لدرجة أنه يتجاوز أحيانًا مخزون بعض السدود”. لذلك، يرى – نفس المتحدّث ـ أنّ “التكلفة الحقيقيّة للمياه يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار في احتساب كلفة الإنتاج، وهو ما لا يحدث حاليًا”، مُشيرا إلى أنّ “وزارة الفلاحة والتجارة كان عليهما نشر بيانات دقيقة حول كمّيات المياه المُستخدمة في إنتاج القوارص، لتحديد التكلفة الحقيقية لهذا القطاع، فمن غير المقبول في ظل التحديات العالمية المتعلّقة بالذهب الأزرق، أن تفتقر تونس إلى آليّات مراقبة دقيقة لاستهلاك المياه في القطاع الفلاحي”، وفق تعبيره.

وبحسب ذات المصدر، “يستحوذ الوطن القبلي على أكثر من 70% من الإنتاج الوطني للقوارص، لكنّه لم يعد الجهة الوحيدة المنتجة، حيث ظهرت أقطاب جديدة مثل القيروان، باجة، جندوبة، قفصة، وسيدي بوزيد. إلاّ أن تقليص كمّيات المياه المخصّصة للوطن القبلي أثّر بشكل مباشر على صغار الفلاّحين المُعتمدين على الشبكات العموميّة للري، في حين أنّ كبار المنتجين يملكون حلولًا بديلة، مثل حفر آبار عميقة، تحلية المياه الجوفية، وتعزيز شبكات الريّ الخاصّة بهم، ما يجعل الفلاحين الصّغار والمجامع المائية الأكثر تضرّرًا، وهو ما قد يدفعهم إلى التخلّي عن زراعة القوارص مستقبلًا”.

وفي ظلّ أزمة المياه والتغيّرات المُناخيّة المتسارعة، يُشدّد علاء المرزوقي على ضرورة إعادة النظر في توزيع الموارد المائية، قائلا:

عندما تثبت تجربة معيّنة أنّها لم تعد قادرة على الاستمرار أو المنافسة، يصبح من الضروري مراجعتها. لذا، من الأجدر توجيه المياه المخصّصة للقوارص نحو زراعات أكثر نجاعة ومردوديّة، مثل الحبوب والخضروات الأساسيّة، بما يتماشى مع الإمكانيات المائية والمناخية لكل جهة، ويضمن أمننا الغذائي والسيادة الغذائية للبلاد.

علاء المرزوقي

كما يرى رئيس المرصد التونسي للمياه أنّ وزارة الفلاحة يجب أن “تُشجّع الفلاّحين على زراعات تتناسب مع الوضع المائي الحالي وتوفّر قيمة مضافة أكبر من القوارص”.

ويؤكد المرزوقي أنّ “قطاع القوارص لم يعد تنافسيًا، ما يستدعي اتّخاذ قرارات سياسيّة جريئة للحدّ من استنزاف الموارد المائية وإعادة النظر في خارطة الإنتاج الفلاحي. فلا يمكن الاستمرار في زراعة محاصيل تستهلك كميات كبيرة من المياه دون مراعاة خصوصيّات كل جهة. فمن غير المنطقي، مثلًا تشجيع إنشاء قطب جديد للقوارص في القيروان، التي تعاني من نقص حادّ في مخزون سدودها، أو التوسّع في زراعات كثيفة الاستهلاك للمياه في قفصة الشمالية، حيث الموارد المائية مُستنزفة بنسبة 170%”، بحسب نفس المصدر.

بحسب تقرير دائرة المحاسبات حول تنمية قطاع القوارص، فإنّ سنة 1992 شهدت وضع خطّة عشرية لتنمية القطاع تهدف أساسا إلى تنمية الإنتاج لبلوغ 300 ألف طن في سنة 2000 و375 ألف طن في سنة 2010 وذلك عبر الرفع في إنتاجية الغراسات الموجودة والتوسع في مساحات القوارص.

وقد استهدفت الخُطّة توفير 50 % من حاجيات غراسات القوارص من مياه الشمال والتي قدّرها البحث العلمي الفلاحي بـ 7500 متر مكعب للهكتار الواحد، فيما يقع توفير الكمّية المُتبقّية أساسا من “مائدة قرمبالية”. وقد تبيّن من خلال الأعمال الرقابيّة أنّ مياه الشمال لم تغطّ تلك الحاجيات إلاّ في حدود 22 % ممّا أدّى إلى نقص في مدّ الغراسات بالكمّيات اللازمة من المياه في الهكتار الواحد. إذ اتّضح أنها لم تنتفع سوى بحوالي 5500 متر مكعب.

وبناء على نتائج هذا التقرير الرسمي، فإنّ الكميّات المُتاحة لقطاع القوارص من مياه الشمال تقدّر حسب المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بنابل بحوالي 35 مليون متر مكعّب على امتداد السنة. غير أنّه لا يمكن استغلالها إلاّ في حدود 20 مليون متر مكعّب نظرا إلى الضغط المسلّط على الطلب خلال فصل الصيف مما يثير صعوبات في التزوّد وتتضاعف بتزايد حاجيات القطاع السياحي وضعف منسوب المياه بسبب محدودية طاقة الضخ.

وبيّنت أعمال الرقابة استنزافا هامّا للمائدة المائيّة حيث تجاوزت كميّات المياه المُستغلّة حجم الموارد المُتاحة بالمائدتين السطحيّة والجوفيّة لا سيّما أمام تطوّر المساحات المُخصّصة للقوارص. وقد بلغت نسبة استغلال هذه الموارد 176 % في سنة 2005 و136 % في سنة 2007.
وتحُول هذه الوضعيّة دون المحافظة على الموارد المائيّة، كما تؤثّر في الوقت نفسه على مُلوحة المياه التي بلغت نسبتها أحيانا 4 غ في اللتر الواحد وتجاوزت بذلك المعايير التي ضبطها البحث العلمي الفلاحي في حدود 1,5 غ في اللّتر.

في سياق مُتصلّ، تفيد دراسة نشرت في جوان 2019 تحت عنوان “غذاؤنا فلاحتنا سيادتنا: تحليل للسياسات التونسية على ضوء مفهوم السيادة الغذائية “ أعدّتها مجموعة العمل من أجل السيادة الغذائية، أنّ تونس بلغت مستوى الإجهاد المائي سنة 1994 بموارد متوفّرة تعادل 532 متر مكعّب سنويّا للفرد الواحد ويتوقّع أن ينخفض هذا المنسوب إلى 360 متر مكعّب سنة 2030 وإلى 150 متر مكعب سنة 2050.

وتشير الدراسة إلى أنّه حسب موقع ” water food print ” يستهلك إنتاج البرتقالة الواحدة 80 لترا من الماء أي أنّه يتعين توفير 560 لتر من الماء لإنتاج كيلوغرام واحد من البرتقال. وقد بلغ إنتاج تونس من البُرتقال سنة 2017 قرابة 560 ألف طن بحيث استهلك القطاع ما لا يقلّ عن 313 مليون متر مكعب من المياه”، وفق المصدر ذاته.

وقد حذّرت نفس الدراسة من “مخاطر الزراعات الأحاديّة مثل القوارص لأنّها لا تأخذ بعين الاعتبار العوامل البيئيّة والطبيعيّة التي تنشط وتتفاعل داخل المُستغلّة الفلاحيّة. وغالبا ما يتحوّل تعزيز نموّ غراسات بعينها الى مصدر للعديد من المخاطر البيئية على التربة والمياه والكائنات الحيّة. وتقابل هذه المخاطر البيئية مخاطر اقتصادية واجتماعية تتضخّم بتأثير التغيرات المناخية”.

لا تحترم خارطة الإنتاج الفلاحي الخصوصيّة الطبيعيّة لبعض الجهات، إذ نجد اليوم أنّ ولاية القيروان، على سبيل المثال، تتصدّر المراتب الأولى في إنتاج القوارص، كما أنّ المساحات المغروسة من القوارص بالجهة تمتد على مساحة تفوق 1760 هكتارا خاصة في معتمديات الشبيكة والسبيخة والقيروان الجنوبية.

في المقابل، تعاني نفس الجهة من شُحّ كبير في الموارد المائيّة ويعيش سكانّها صعوبات كبيرة في علاقة بالحصول على المياه الصالحة للشرب بسبب انخفاض معدّل مياه السدود وضعف التساقطات ممّا جعل المتساكنين يحتجّون أكثر من مرّة بسبب الانقطاع المتكرّر للمياه.

وفرة في الإنتاج وصعوبات في التصدير

رغم وفرة إنتاج القوارص وارتفاع كلفة استهلاكه للمياه إلاّ أنّ القطاع يواصل فقدان قدرته التنافسية سنة بعد سنة مقارنة بدول أخرى عربيّة وأوروبيّة.

انطلق موسم تصدير القوارص للموسم الحالي 2024-2025 بداية من شهر أكتوبر الماضي وقد بلغت الكميّات المصدرة إلى غاية يوم 21 أفريل 2025 حوالي 11.1 ألف طن، أي زيادة في الكميات المصدرة بنسبة 33 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من الموسم الماضي حيث بلغت الكميات المصدرة 8.3 ألف طنّ بحسب تقرير صادر عن المرصد الوطني للفلاحة بعنوان “نمو صادرات القوارص، تحليل إقتصادي 2024-2025”.

أمّا سنة 2023، فقد شهدت صادرات القوارص تراجعا بنسبة 34% من حيث الكميّة و 8% من حيث القيمة. وقد بلغت الكمّية المصدّرة 7.6 ألف طنّ بقيمة تقدّر بـ 25.4 مليون دينار, مقارنة بـ 11.4 ألف طنّ خلال نفس الفترة في الموسم 2022 بقيمة قدّرت بـ 27.8 مليون دينار ( حوالي 9 مليون دولار أمريكي)، بحسب تقرير ملخّص حول تقدّم موسم تصدير القوارص لسنة 2023 الصادر عن المرصد الوطني للفلاحة صدر في العام.

ويكشف ذات المصدر أنّ الكميّات المُصدّرة إلى الدول المُورّدة للقوارص شهدت تراجعا في الثلاث سنوات الأخيرة، ويعود ذلك إلى عدّة أسباب منها قانون العرض والطلب والظرف الاقتصادي الذي مرّت به دول العالم خلال جائحة كورونا.

تُعدّ فرنسا المُورّد الرئيسي للبرتقال المالطي بنسبة 94% من إجمالي صادرات هذا الصنف، وقد استوردت 6.8 ألف طنّ في سنة 2023 مقارنة بـ 8.5 ألف طنّ في 2022، تليها السوق الليبية التي تورّد خاصة “الطمسون” بنسبة 27.7 % من مجموع صادرات هذا الصنف.

وبحسب ذات التقرير، فقدت صادرات القوارص في سنة 2023 مكانتها في الأسواق الأوروبيّة خاصّة سويسرا مع غياب تامّ للأسواق الأفريقية (باستثناء ليبيا). كما تراجعت صادرات أغلب أنواع القوارص حيث تراجع المالطي بنسبة 33% وتراجعت صادرات “الطمسون” بنسبة 72.3%.

ويُفسّر التقرير هذا التراجع بسبب غلاء أسعار البرتقال التونسي في الأسواق الأوروبيّة مقارنة ببقيّة الدول المنافسة له في المجال.

لماذا يجب مراجعة السياسات؟

يقول فوزي الزياني الخبير في السياسات الفلاحيّة، في حواره مع موقع الكتيبة، إنّه “لا بدّ من التوجّه نحو سياسات تعديليّة في قطاع القوارص حتّى تتماشى مع كلّ التغيّرات الحاصلة. فمثلا الغابات التي تهرّمت لا يجب إعادة زراعتها بأشجار القوارص مرّة اخرى وإنّما يجب التوجه نحو زراعات كُلفتها المائية أقلّ”.

وقد أكّد نفس المتحدّث على أنّه “من دور الدولة أن تتوجّه في علاقة بالزراعات المستهلكة للماء نحو الاكتفاء بإنتاج احتياجاتها الوطنيّة فقط لأنّه في نهاية المطاف تستنزف الدولة مواردها المائيّة، في حين أنّ المستفيدين من تصدير القوارص هم المصدّرين وليست الدولة، لهذا يجب عليها أيضا أن تشجّع الفلاّحين على الاستثمار في قطاعات أخرى كالحبوب”.

الدولة يجب أن تشرع في انجاز بُحيرات جبلية حتّى تتمكّن من الاستفادة من مياه الأمطار عوض أن تذهب إلى البحر (تحلية المياه)، كما يجب أن تشرع في إعداد برامج لمعالجة المياه المالحة.

فوزي الزياني، خبير في السياسات الفلاحيّة

في المقابل، يرى البشير عون الله رئيس الاتّحاد المحلّي للفلاحة والصيد البحري ببني خلاّد أنّ “قطاع القوارص يتطلّب مراجعة شاملة واستراتيجية جديدة تركّز على تحسين التصدير وتخفيض تكاليف النقل من خلال دعم الدولة لقطاع النقل الجوّي وتوفير طائرات كبيرة للشحن لتيسير تصدير القوارص إلى أسواق جديدة كالأسواق الافريقية وروسيا وغيرها وهو ما سيساهم في زيادة الصادرات وتعزيز العائدات”، وفق تقديره.

أمّا في علاقة بالتكلفة المائيّة للقوارص، فيرى البشير عون الله أنّه “من واجب الدولة أن تجد الحلول اللازمة لمشاكل المياه وتوفير مياه الريّ للفلاّح، ذلك أنّه لا يمكن التخلي نهائيّا عن زراعات القوارص وهذا خيار غير مقبول بالنسبة إلى الفلاّح”، وفق قوله.

من جهة أخرى، يقول خالد العيادي الخبير فلاحي إنّه “لا يمكن حلّ مشكلة المياه بتقليص مساحات زراعة القوارص، بل يجب البحث عن بدائل استراتيجية، مثل تحلية مياه البحر رغم تكلفتها العالية”، معتبرًا أنّها تمثّل حلاّ “يمكن للدولة الاستثمار فيه على المدى الطويل”، ومشدّدا على “ضرورة صيانة وتطوير السدود، وتجهيز القنوات الرابطة بينها”.

كما أشار العيادي أيضا إلى أنّ “من بين الحلول الممكنة لمشكلة ملوحة المياه، هي تقنية تسمّى (Osmose Inverse)، التي تسمح بتحلية المياه المالحة وتحويل 80% إلى 85% منها إلى مياه عذبة، بينما تبقى 15% إلى 20% مياه مالحة. وعلى الرغم من فعاليّتها، فإنّ تكلفتها المرتفعة سواء عند الشراء أو الصيانة تجعلها غير متاحة للفلاحين الصغار، لكنّها تظلّ خيارًا يمكن للمستثمرين الكبار تبنّيه”.

في ذات السياق، يرى النائب بالبرلمان التونسي عن جهة الحمامات ياسين مامي، في حواره مع موقع الكتيبة، أنّ “الحلّ الأمثل لمشكلة الشحّ المائي يكمن في معالجته بطرق فعّالة، لا في التخلّي عن قطاع القوارص، الذي يُعدّ قطاعًا واعدًا يوفّر فرص عمل لعدد كبير من الفلّاحين واليد العاملة”، مبرزا أنّ “العديد من الفلاّحين استثمروا في هذا المجال دون أيّ إحاطة أو تأطير من الدولة”.

ورغم الأزمة المائيّة التي تواجهها البلاد، يؤكّد مامي “ضرورة إيجاد حلول دون المساس بالقطاعات الحيويّة”. كما شدّد على “أهميّة عائدات الصادرات الفلاحيّة بما فيها القوارص، التي تساهم في إدخال العملة الصعبة وتمكين الدولة من تسديد ديونها، مما يستوجب سياسات فلاحية متكاملة تضمن استدامة القطاع بدل التعامل معه بصفة موسميّة”، وفق رأيه.

ودعا مامي إلى “مراجعة السياسة الفلاحيّة وتفعيل دور خلايا الإرشاد الفلاحي، التي تخلّت عن مهامها في توجيه الفلاّحين”.

هذه الخلايا كانت في السابق تلعب دورًا أساسيًا في توجيه المستثمرين عبر دراسات علميّة تستند إلى الظروف المُناخيّة، معدّل تساقط الأمطار، نوعية التربة، وتوفر الأسمدة.

ياسين مامي، نائب بالبرلمان

كما شدّد ذات النائب في البرلمان على “ضرورة تحديث السياسات الفلاحية وتطويرها بما يتماشى مع التغيّرات المناخية، مع الحفاظ على المكتسبات الفلاحية، مؤكدا أنّ “دعم قطاع القوارص أمر ضروري، وأنه لا بدّ من إيجاد حلول للمستجدات التي طرأت على القطاع، خاصة فيما يتعلق بتنظيم مسالك الإنتاج والتوزيع والترويج والتصدير، سواء على المستوى المحلي أو الدولي”.

على الرغم من التباين في وجهات النظر بين من يدعو إلى مراجعة جذريّة لقطاع القوارص وبين من يقلّل من شأن خطورة المسألة المائية، داعيا الدولة إلى مزيد دعم هذا القطاع، فإنّه في المحصّلة لا يمكن القفز على حقيقة ثابتة وهي الحاجة إلى فتح حوار عقلاني من أجل مراجعة السياسات الفلاحيّة في تونس بشكل يتلاءم مع التهديدات المناخية والبيئيّة وحتّى الصحيّة وحاجيات الدولة في القطاع في قادم السنوات التي قد تصبح فيها وضعيّة الماء في الجمهوريّة التونسيّة أكثر تعقيدا.

كلمة الكتيبة:

يندرج هذا المقال ضمن مجموعة مقالات ومضامين صحفيّة سمعيّة بصريّة يشتغل عليها فريق الكتيبة في علاقة بالسياسات الفلاحيّة في تونس حسب القطاعات بناء على مقاربة ميدانيّة مجهريّة ربطا بتأثيرات التغيّرات المناخيّة بهدف فتح نقاش حول الحلول الممكنة للتحديّات القائمة.

كلمة الكتيبة:
يندرج هذا المقال ضمن مجموعة مقالات ومضامين صحفيّة سمعيّة بصريّة يشتغل عليها فريق الكتيبة في علاقة بالسياسات الفلاحيّة في تونس حسب القطاعات بناء على مقاربة ميدانيّة مجهريّة ربطا بتأثيرات التغيّرات المناخيّة بهدف فتح نقاش حول الحلول الممكنة للتحديّات القائمة.

الكاتبة: جواهر بنصير

صحفيّة و وباحثة متخصّصة في تدقيق المعلومات والصحافة الاستقصائيّة

اشراف: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
تصوير: سامي شويّخ
مونتاج: محمد علي المنصالي
غرافيك وتطوير تقنيبلال الشارني
غرافيك منال بن رجب
تصوير: سامي شويّخ
مونتاج: محمد علي المنصالي
تطوير تقني بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
تدقيق : وليد الماجري
غرافيك : منال بن رجب

الكاتبة : جواهر بنصير

صحفيّة و وباحثة متخصّصة في تدقيق المعلومات والصحافة الاستقصائيّة

jawaher