الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط
في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

ويركز الجانب الليبي في معالجته لهذا الملف الشائك على حلول ترقيعية هدفها الرئيسي الحدّ من تدفق المهاجرين واللاجئين إلى الأراضي الأوروبية. وقد عقدت دول الاتحاد الأوروبي، في هذا الصدد، عدة اتفاقات مع الجانب الليبي قبل الثورة وبعدها.

تبنت الدول الأعضاء في مجلس أوروبا، خلال اجتماعها في مالطا، ما أطلق عليه ”إعلان مالطا“ في 3 فيفري 2017، تم الاتفاق بموجبه على إعطاء ”الأولوية لتقديم التدريب والمعدات والدعم لخفر السواحل الوطني الليبي وغيره من الأجهزة ذات الصلة“. كما التزمت إيطاليا، بموجب مذكرة تفاهم وقعتها مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، بتقديم الدعم الفني والتقني، إلى جانب التدريب والدعم المالي، لا لفائدة خفر السواحل الليبي وحرس الحدود فقط، بل أيضا لوزارة الداخلية الليبية وتحديدا جهاز ”مكافحة الهجرة غير الشرعية“.

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط
في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

ويركز الجانب الليبي في معالجته لهذا الملف الشائك على حلول ترقيعية هدفها الرئيسي الحدّ من تدفق المهاجرين واللاجئين إلى الأراضي الأوروبية. وقد عقدت دول الاتحاد الأوروبي، في هذا الصدد، عدة اتفاقات مع الجانب الليبي قبل الثورة وبعدها.

تبنت الدول الأعضاء في مجلس أوروبا، خلال اجتماعها في مالطا، ما أطلق عليه ”إعلان مالطا“ في 3 فيفري 2017، تم الاتفاق بموجبه على إعطاء ”الأولوية لتقديم التدريب والمعدات والدعم لخفر السواحل الوطني الليبي وغيره من الأجهزة ذات الصلة“. كما التزمت إيطاليا، بموجب مذكرة تفاهم وقعتها مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، بتقديم الدعم الفني والتقني، إلى جانب التدريب والدعم المالي، لا لفائدة خفر السواحل الليبي وحرس الحدود فقط، بل أيضا لوزارة الداخلية الليبية وتحديدا جهاز ”مكافحة الهجرة غير الشرعية“.

 وتنص مذكرة التفاهم السابق ذكرها على أن يقوم الجانب الإيطالي بالعمل على تجهيز وتمويل ما تحتاجه مراكز الإيواء المؤقتة القائمة حاليا والتابعة حصريا لوزارة الداخلية، الأمر الذي رأت فيه منظمة العفو الدولية إشارة إلى مراكز الاحتجاز الموجودة حاليا والتابعة لجهاز ”مكافحة الهجرة غير الشرعية“ الليبي.

وبالإضافة إلى ذلك، تبنى الصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي للتنمية في أفريقيا برنامج عمل يخصص 46,3 مليون أورو لتمويل ”تعزيز القدرات في مجال إدماج المهاجرين وإدارة الحدود لدى السلطات الليبية“. كما حرصت إيطاليا، بالتوازي مع تدعيم القدرات العملياتية لخفر السواحل الليبي، على اتخاذ إجراءات لتقييد عمل المنظمات غير الحكومية التي تقوم بعمليات الإنقاذ في عرض البحر لضمان تمكين خفر السواحل من أن يكون الفاعل الرئيسي في اعتراض المهاجرين غير النظاميين.

ممارسات مسيئة

كشفت منظمة العفو الدولية، في تقرير أصدرته بتاريخ 8 سبتمبر 2020، أنّ ”الحكومة المالطية لجأت إلى إجراءات خطيرة وغير قانونية للتعامل مع القادمين من اللاجئين والمهاجرين في البحر، والتي تعرّض أعدادا لا تُحصى من الناس لمعاناة مروعة وتجازف بحياتهم“. ومن الوارد أن تتضمن بعض الإجراءات التي اتخذتها السلطات المالطية ارتكاب أعمال إجرامية، ما أدى إلى وقوع حالات وفاة كان يمكن تجنبها، واحتجاز تعسفي مطول وإعادات غير قانونية إلى ليبيا التي مزقتها الحرب وفق ما كشفته المنظمة. 

”انّ الممارسات المسيئة من قبل مالطا جزء لا يتجزأ من الجهود الأوسع التي تبذلها الدول والمؤسسات الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للاستعانة بليبيا للسيطرة على وسط البحر الأبيض المتوسط، حتى تتمكن السلطات الليبية المدعومة من الاتحاد الأوروبي من اعتراض اللاجئين والمهاجرين في البحر قبل وصولهم إلى أوروبا“

ويتم إثر عملية الاعتراض إعادة المهاجرين إلى ليبيا أين يُحتجزون بشكل تعسفي في أماكن من المحتمل جدا أن يتعرضوا فيها إلى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
وقد نجحت سياسات الاتحاد الأوروبي في الحدّ من تدفقات المهاجرين واللاجئين إلى أراضيها، حيث تراجع عدد الواصلين إلى أوروبا من ليبيا خلال السنوات الأخيرة بصفة ملحوظة، ففي 2016 بلغ عدد المهاجرين واللاجئين الذين تمكنوا من الوصول إلى أراض أوروبية 181460 مهاجرا ، فيما لم يتجاوز عدد الواصلين الـ14876 خلال سنة 2019، وفق المنظمة الدولية للهجرة.
إلا أن نجاح دول الاتحاد الأوروبي في الحد من أعداد المهاجرين الذين وصلوا إليها كان له ثمن باهظ يدفعه يوميا آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء الذين تتم إعادتهم قسريا إلى ليبيا بعد اعتراضهم في البحر من قبل خفر السواحل الليبي، مما يعمق من معاناتهم ويجعلهم أكثر عرضة لشبكات الاتجار بالبشر والتهريب والاستغلال المادي والجنسي ومختلف أنواع التعذيب، تحت أعين أوروبية تكتفي بالمراقبة عن بعد.

إقرار أوروبي

وكان الاتحاد الأوروبي قد أقرّ في تقرير بتاريخ 9 سبتمبر 2019 أنّ عددا من مراكز الاحتجاز مرتبط بأنشطة الاتجار بالبشر، وأنّه تم اكتشاف حالات خطيرة من الفساد والرشوة في المراكز، مشيرا إلى تواصل تعمّد الحكومة الليبية احتجاز المهاجرين بطريقة عشوائية، فضلا على أنّ مراكز الاحتجاز تشكو من الاكتظاظ ومن ظروف سيئة جدا، خصوصا في ما يتعلق بتوفير الطعام والمياه والخدمات الصحية. 

كما أشار التقرير إلى الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان في هذه المراكز، فضلا عن غياب نظام تسجيل للمهاجرين، وعدم وجود آليات لتتبع المهاجرين غير النظاميين الذين يتم إنقاذهم واعتراضهم في البحر. وأكد التقرير أن الحكومة الليبية لم تتخذ أي خطوات لتحسين الوضع في هذه المراكز، الأمر الذي يطرح التساؤل حول مسألة تورطها. 

واعتبر التقرير الصادر عن مجلس الاتحاد الأوروبي أن إحجام المسؤولين الليبيين عن التعاون ”مرتبط بشكل وثيق بانتهاكات حقوق الإنسان المسجلة في مراكز الاحتجاز وبحقيقة أن هذه المراكز تمثل نموذجا تجاريا مربحا للحكومة الليبية الحالية“.

وتعتبر منظمة أطباء بلا حدود أن دول الاتحاد الأوروبي تتحمل مسؤولية مباشرة في تعميق معاناة المهاجرين غير النظاميين بليبيا، حيث تقول المستشارة الإعلامية بالمنظمة، أناييس دوبراد  إن الدول الأوروبية تعرف أن ليبيا بلد خطر بالنسبة الى المهاجرين ولكن، وفي الآن ذاته، تدفع سياساتها نحو تعزيز سلطة خفر السواحل الليبي الذي بات ينسق وينظم كل العمليات في البحر بما في ذلك المياه الدولية. المياه الإقليمية التي كانت تخضع في السابق لإشراف حرس الحدود الإيطالي أصبحت هي الأخرى تحت سيطرة خفر السواحل الليبي الموجود حاليا في الخطوط الأمامية.

وتؤكد محدثتنا أن ”هذه العملية تمت بإرادة وتنسيق من الاتحاد الأوروبي ومن خلال الشراكة مع إيطاليا، البلد المعني بملف الهجرة بدرجة أولى، وهي بالتالي سياسة متعمدة فليس من باب الصدفة أن يجد أشخاص أنفسهم أكثر فأكثر عرضة للعودة إلى ليبيا وممنوعين من الوصول إلى أوروبا“. 

وأضافت  أنّ ”الاتحاد الأوروبي مطّلع على أوضاع المهاجرين غير النظاميين في ليبيا ممّن يعيشون في ظروف رهيبة ولا يعرفون كم سيمضون من الوقت هناك، علاوة على عدم تمتعهم بالخدمات الضرورية، ووقوعهم ضحايا لشبكات الاتجار بالبشر والكثير من العنف“،

”انّ إعادة المهاجرين إلى ليبيا مع إدراك أنه لا يوجد شخص ينبغي أن يعود إلى هناك هو نوع من النفاق“

وتطالب منظمة أطباء بلا حدود، في المقابل، باستئناف عمليات إجلاء المهاجرين وتعزيزها وإيجاد دول أخرى لاستقبال طالبي اللجوء في بلدان أكثر أمنا. كما تدعو الاتحاد الأوروبي إلى إيقاف تنظيم عمليات إعادة المهاجرين الفارين عبر البحر إلى ليبيا وإحداث نظام حقيقي يحترم الحقوق وينظم عمليات الإنقاذ في المياه. وتطالب أيضا بتوفير أماكن للمهاجرين يقل فيها الخطر عن مراكز الاحتجاز.

وضع غير مقبول

يؤكد المتحدث الرسمي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بيتر ستانو لموقع ”الكتيبة“ ، أن ”الاتحاد الأوروبي لا يعيد أحدا إلى ليبيا“، مضيفا أن ”وضع المهاجرين في ليبيا بعيد عن المثالية ولكن من غير الممكن تحسينه طالما أن الصراع في ليبيا مازال متواصلا.“

ويرد نفس المصدر الرسمي على الاتهامات والانتقادات الموجهة للاتحاد الأوربي بخصوص سياساته تجاه هذا الملف:”لا توجد حاليا حلول مثالية ممكنة في ليبيا نظرا إلى الصراع المتواصل. نحن نفعل ما بوسعنا في ظل ظروف صعبة للغاية دون إمكانية الوصول المباشر والتواجد على الأرض في ليبيا“.

ويشدد محدثنا على أنه لهذه الأسباب تتمثل الأولوية القصوى في وقف الصراع وإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي منخرط ”بشدة“ في دعم حل سياسي للنزاع في ليبيا، وهو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، والذي سيسمح أيضا بالتعامل بفعالية مع مجموعة واسعة من القضايا التي تحتاج ليبيا إلى التفاعل معها، بما في ذلك حالة المهاجرين.

وفي ما يتعلق بملف  الهجرة غير النظامية ، يقول ستانو ”هدفنا هو إنقاذ الأرواح وحماية الفئات الأضعف ومحاربة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين..“. 

”أكدنا أكثر من مرة، مع شركائنا الدوليين في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ومع شركائنا الليبيين، أن الاحتجاز العشوائي للمهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا يجب أن ينتهي وأنه لا بد من إيجاد بدائل للاحتجاز“.

ويؤكد المصدر ذاته أنّ ”الوضع في هذه المراكز غير مقبول والاحتجاز العشوائي للمهاجرين وطالبي اللجوء فور اعتراضهم في البحر يجب أن يتوقف. نبقى ملتزمين بوضع حد لنظام الاحتجاز العشوائي الحالي في ليبيا من خلال توفير فرصة للمهاجرين الضعفاء للعودة طوعيا إلى بلدانهم الأصلية وإحداث مسارات قانونية وآمنة لمن يستحقون الحماية الدولية بما في ذلك إعادة التوطين.“

 

ويشير ستانو إلى أن الاتحاد الأوروبي قد وضع مجموعة شاملة من الإجراءات لمساعدة ليبيا على إدارة ملف الهجرة بشكل أفضل، بما يتماشى مع المعايير الدولية. كما يعمل الاتحاد مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الدولية الحكومية لمحاولة وضع حدّ لنظام الاحتجاز في ليبيا، وتوفير الحماية والمساعدة للمهاجرين واللاجئين في نقاط الإنزال، وفي مراكز الاحتجاز والمناطق الحضرية، وترويج بدائل للاحتجاز وإنشاء أماكن آمنة لتلبية احتياجات الفئات الأكثر ضعفا. ويدعم الاتحاد الأوروبي أيضا الجهود المبذولة لوضع إجراءات موحدة للتأكد من إنزال المهاجرين واللاجئين الذين تم إنقاذهم من قبل خفر السواحل الليبي ونقلهم إلى مراكز الاستقبال التي تلبي المعايير الإنسانية الدولية. وتدخل كذلك للمساعدة خلال أزمة كوفيد 19. 

ويشارك الاتحاد الأوروبي أيضا، وفق المصدر ذاته، بشكل استباقي في مكافحة أنشطة تهريب المهاجرين مع دول العبور الرئيسية على طول الطريق، من خلال توفير التدريب والمشورة لقوات الأمن المحلية. 

”كجزء من مقاربة الاتحاد الأوروبي المتفهمة للهجرة، نعمل على معالجة مسألة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، بهدف كسر نموذج أعمال المهربين والمتاجرين بالبشر، أطلق الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه عملية صوفيا سنة 2015، والتي ساعدت في القبض على أكثر من 151 شخصا يشتبه تورطهم في التهريب“

ويواصل الاتحاد الأوروبي، في إطار عملية إيريني، دعم الكشف عن شبكات تهريب البشر والاتجار بهم ومراقبتها من خلال جمع المعلومات والدوريات التي تقوم بها المعدات الجوية فوق أعالي البحار. كما ستواصل العملية توفير التدريب لخفر السواحل الليبي والبحرية الليبية في مجال إنفاذ القانون في البحر ولاسيما لمنع تهريب البشر والاتجار بهم.

وردا على الاتهامات الموجهة للاتحاد الأوروبي بخصوص تعامله مع شخصيات متورطة في تهريب الأشخاص والاتجار بالبشر وبتحويل أموال كانت موجهة لفائدة المهاجرين غير النظاميين إلى مليشيات، يقول بيتر ستانو انّ:

”الاتحاد الأوروبي على علم بهذه المزاعم ويأخذها على محمل الجد. ومع ذلك، لم نر أي دليل على تحويل الأموال“

ويؤكد ستانو أن مشاريع الاتحاد الأوروبي تقع مراقبتها عن كثب من الجانبين التقني والمالي، وأن مساءلتها تبقى عالية للغاية. وتشمل مراقبة المشاريع الممولة من الاتحاد الأوروبي التقارير المنتظمة من قبل منفذي المشاريع وبعثات مراقبة المشاريع المكثفة التي يقوم بها خبراء خارجيون، والذين يقدمون تقارير عما إذا كانت الظروف على الأرض مواتية لتحقيق الأهداف المخطط لها، في ما يتعلق بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وفق قوله. 

 كما تم وضع إطار مراقبة تابع لطرف ثالث، مع وجود دائم لطرف ثالث في مواقع مختلفة في ليبيا للتحقق من التنفيذ المناسب لإجراءات الصندوق الائتماني الأوروبي من أجل أفريقيا وتكامل تدخلات الاتحاد المختلفة، بالتوازي مع تقييم تطبيق مبدأ ”عدم الإضرار“. 

ويختم ستانو حديثه بالتأكيد على أن ”عمليات الكشف والوقاية والتعامل مع الاحتيال واختلاس الأموال، بالإضافة إلى عديد الانتهاكات الأخرى للقوانين على غرار عمل الأطفال والاتجار بالبشر والفساد إلخ، يتم التنصيص عليها وتنظيمها في شروطنا العامة لكل العقود“.

كلمة الكتيبة:

في إطار هذا التحقيق تقدمت الزميلة رحمة الباهي بطلب للسفارة المالطية بتونس قصد الحصول على التأشيرة بهدف التنقل إلى مالطا وذلك لاستكمال عملها الاستقصائي. وعلى الرغم من أنّ ملفها لم تكن تشوبه أية شائبة إلا أنّ السفارة ما ان علمت بسبب الزيارة رفضت منحها الفيزا.

وكانت إدارة التحرير قد راسلت السلط الليبية ممثلة في حكومة الوفاق حيث اتصلت بوزير الداخلية فتحي باشاغا بغرض الحصول على توضيحات رسمية إلا أنّه اعتذر عن الإدلاء بأي تصريح أو رد مكتوب.

شارك في الانتاج:

alqatibaتأطير: محمد اليوسفي

alqatibaفيديو: حمزة فزّاني

alqatibaرسوم:مهدي الهمامي

alqatibaاشراف فني: وليد الماجري

alqatibaغرافيك:منال بن رجب

alqatibaتطوير تقني:PRODEXO