الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

“سبق وأن ناديت بحل الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.. ملف النفايات أكبر من وكالة ينخرها الفساد. لا بد من إحداث هيئة تابعة لرئاسة الحكومة تتولى التصرف في مجال النفايات”، بهذه العبارات حاول مسؤول سابق بالوكالة الوطنية للتصرف في النفايات -طلب عدم كشف اسمه- إبراز ما وصفه بالفساد المستشري في مفاصل الوكالة منذ تأسيسها.

تصريحات المسؤول السابق بالوكالة لم تأت من عدم. وقد جاء التقرير النهائي لهيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية الذي صدر في أعقاب قضية تضارب المصالح المتعلّقة برئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ ليؤكد وجود شبهات فساد عديدة صلب هذه المؤسسة، حيث كان التقرير قد خلص إلى تسجيل نقائص على مستوى كراسات الشروط وفتح العروض والرقابة على إسناد الصفقات.

 

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

“سبق وأن ناديت بحل الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.. ملف النفايات أكبر من وكالة ينخرها الفساد. لا بد من إحداث هيئة تابعة لرئاسة الحكومة تتولى التصرف في مجال النفايات”، بهذه العبارات حاول مسؤول سابق بالوكالة الوطنية للتصرف في النفايات -طلب عدم كشف اسمه- إبراز ما وصفه بالفساد المستشري في مفاصل الوكالة منذ تأسيسها.

تصريحات المسؤول السابق بالوكالة لم تأت من عدم. وقد جاء التقرير النهائي لهيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية الذي صدر في أعقاب قضية تضارب المصالح المتعلّقة برئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ ليؤكد وجود شبهات فساد عديدة صلب هذه المؤسسة، حيث كان التقرير قد خلص إلى تسجيل نقائص على مستوى كراسات الشروط وفتح العروض والرقابة على إسناد الصفقات.

أحدثت الوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات بموجب الأمر عدد 2317 لسنة 2005 المؤرخ في 22 أوت 2005. وتتمثل مهامها أساسا في المساهمة في إعداد البرامج الوطنية في ميدان التصرف في النفايات، ومتابعة تطوير برامج ونظم جمع ورسكلة وتثمين النفايات، إلى جانب استغلال وصيانة المنشآت الخاصة بالنفايات الخطرة التي يتم إنجازها من قبل الدولة، ومساعدة البلديات على التصرف في النفايات، علاوة على إعداد كراسات الشروط وملفات التراخيص المتعلقة بالتصرف في النفايات المنصوص عليها بالقانون الجاري به العمل ومتابعة تنفيذ أحكامها. وتتولى أيضا متابعة السجلات والدفاتر الواجب مسكها من قبل المؤسسات والمنشآت التي تقوم بعنوان المهنة لحسابها أو لحساب الغير بجمع ونقل وإزالة وتثمين النفايات الخطرة وغير الخطرة، إلخ.

يسعى هذا المقال لتفكيك منظومة الفساد صلب الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التي مازالت لم تطلها رياح الثورة والتغيير العميق والجذري بسبب غياب أي رؤية وإرادة سياسية للقطع مع إرث مديد من سوء الحوكمة والإفلات من العقاب.

فضيحة النفايات الإيطالية..
الشجرة التي تخفي الغابة

سلّطت قضية النفايات القادمة من إيطاليا الضوء على جزء من الفساد المستشري في وزارة الشؤون المحلية والبيئة، ومختلف مؤسساتها بما فيها الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التي يصفها البعض بالبؤرة التي تختبئ تحت مظلتها مظاهر عدة لسوء التصرف والمحسوبية وتأبيد ظاهرة الاقتصاد الريعي.

ولئن أسفرت قضية النفايات الإيطالية عن إيقافات شملت عدة مسؤولين أبرزهم وزير البيئة المقال مصطفى العروي، إلى جانب مدير ديوان الوزارة ومدراء في كل من وكالة التصرف في النفايات والوكالة الوطنية لحماية المحيط، إلى جانب رئيس لجنة في الوكالة الوطنية لحماية المحيط وموظف بالإدارة الجهوية للبيئة بسوسة، ومدير عام سابق في وكالة التصرف في النفايات ومدير في وكالة التصرف في النفايات، ومسؤولين في الديوانة وصاحب مخبر خاص ووسيط جمركي وموظف في البريد، فقد وضعت الاصبع على أحد مظاهر الفساد في الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.

ويعتبر الخبير في تثمين النفايات حمدي الشبعان، في هذا الصدد، أن هذا الملف فيه الكثير من الفساد وعدة أطراف متواطئة سواء من داخل الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات أو من خارجها إلى جانب أطراف أخرى على غرار مسؤولين بوزارات المالية والتجارة.

وكانت عملية التحليل التي تم إجراؤها من قبل المخبر الخاص “S2E” خاطئة باعتبار أن تحديد عينات من النفايات يتطلب رفع 500 كغ للطن الواحد والقيام بتحليل عملي دقيق، خاصة وأنه من المفترض أن يتم تكليف خبير مختص أو محلف أو أحد مخابر الدولة لإجراء مثل هذه التحاليل.

ويؤكد الشبعان وجود تواطئ من طرف أعوان موجودين بالوكالة الوطنية للتصرف في النفايات قائلا في هذا الإطار:

”عصابة متكاملة قامت بتوريد نوعية من النفايات الممنوعة كليا أدخلتها إلى تونس ونالت مقابل ذلك 18 مليار“

يشدّد رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام بالبرلمان بدر الدين القمودي على وجود عملية تحيل ومغالطة كبرى قام بها صاحب شركة “سوربلاست” ووجد أطرافا داخل جهاز الديوانة ووزارة البيئة وأجهزتها سهلت له هذه العملية.

وبلغ عدد الحاويات التي وصلت إلى ميناء سوسة 282 حاوية من بينها 70 حاوية تم إدخالها إلى مقر الشركة المذكورة يوم 13 جوان 2020، وذلك في الوقت الذي تعجز فيه تونس عن التصرف في نفاياتها الخاصة، “لتتحول تونس من مطمورة روما (الوصف التاريخي لتونس) إلى مطمورة نفايات روما مقابل حفنة من الدولارات لهذه العصابات التي تتمعّش من المشاريع البيئية” وفق تعبير محدثنا.

ويطرح وصول حاويات النفايات إلى الميناء التونسي إشكالات تتعلق بمختلف الإجراءات التي تم توخّيها لضمان دخولها ومدى احترامها للتشريعات التونسية والدولية.

وتقول الديوانة التونسية، في هذا الصدد، إنها تسلّمت إشعارا من شركة “سوربلاست” ووثائق كافية لإدخال الحاويات إلى مقر الشركة باعتباره خاضعا للرقابة الديوانية. وتمّ كذلك اعتماد اختبار أنجز في مخبر خاص اختاره صاحب الشركة وتم اختيار عينة من حاوية واحدة فقط دون احترام الضوابط العلمية.

وتثير نتائج الاختبار الريبة نظرا إلى كونها أبرزت أنّ العينة تحتوي على 97 في المائة من المواد البلاستيكية في حين أنّ الزيارة الميدانية التي أداها القمودي بمعية عدد من النواب إلى الميناء كشفت أنّ النفايات منزلية مرسكلة إلى جانب مواد كيمائية أخرى.

ويقول رئيس لجنة مكافحة الفساد بدر الدين القمودي في نفس السياق:

ما كان لصاحب الشركة أن يورّد هذه الكمية الكبيرة من النفايات بما تشكله من خطورة على صحة الإنسان ومن إساءة للتونسيين لولا تسهيلات من داخل أجهزة الدولة وهنا أشير إلى إدارات وزارة البيئة التونسية والديوانة التونسية

وفي سياق ذي صلة، حمّلت هيئة الرقابة العامة للمالية، في تقرير تضمّن أهم النتائج والملاحظات المتعلقة بملف استيراد شركة “Soreplast” لنفايات إيطالية المنشأ، صدر بتاريخ 14 ديسمبر 2020، تحصّل موقع “الكتيبة” على نسخة منه، المسؤولية لكلّ من الشركة المذكورة والإدارة العامة للديوانة والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.

وتوزعت المسؤوليات في هذا الملف على عدد من المسؤولين صلب وكالة التصرف في النفايات، من بينهم المدير العام السابق بالنيابة للوكالة “هادي بوعون” ومدير الرسكلة وتثمين النفايات بشير يحيى و”م.ب” وهو إداري مساعد بممثلية الوسط الشرقي صلب وكالة.

وكانت وزارة الشؤون المحلية والبيئة أقرّت في تقرير أعدّته في نوفمبر 2020، أنه تم، إثر توقيع العقد بين شركة “سوربلاست” والشركة الإيطالية “SVILUPPO RISORSISE AMBIENTALI SRL” بتاريخ 30 سبتمبر 2019، إلحاق وثيقة إعلام تتضمن تدخل الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التي سمحت بموجب اتفاقية مبرمة بينها وبين “سوربلاست” بإمكانية التخلص من النفايات المتبقية بعد التثمين والتي تقدّر بنسبة 20 في المائة بأحد المصبات.

العقد بين الشركتين نص على “التجميع ونقل نفايات والتخلص منها” مصنفة حسب اتفاقية بال تحت الرمز “Y46”

وعقدت الوكالة اتفاقية مع شركة “سوربلاست” تضمنت قبول النفايات المنزلية والمشابهة والنفايات الجامدة وغير الخطرة، علاوة على تمكين الطرف الإيطالي من وثيقة تمكن من نقل النفايات خلال الفترة المتراوحة بين 20 فيفري 2020 و20 فيفري 2021. وتبين أن رمز النفايات موضوع المراسلة هو Y46.

وتم تسريح البضاعة الموردة بالحاويات ونقلها إلى مخازن شركة “سوربلاست” بناء على موافقة وكالة التصرف في النفايات التي أجرت تحليلا على عينة من البضاعة الموردة بتاريخ 10 جوان 2020 والتي توصّلت بنتائج التحاليل من طرف المخبر الذي أكد تطابقها مع التحاليل الواردة من بلد المنشأ.

شبهات فساد وتضارب مصالح

أثبتت التقارير المتعلقة بقضية النفايات الإيطالية أنّ الإخلالات والتجاوزات المسجلة من قبل الوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات كانت نتيجة أفعال فردية لعدد من المسؤولين والموظفين بالوكالة، وهو ما يحيل إلى شبهات تضارب مصالح وفساد تلاحق عددا من أعوان وكالة التصرف في النفايات.

موقع الكتيبة تحصّل على شكاية قدّمها الرئيس المدير العام الأسبق للوكالة بدر الدين الأسمر ضد عشرات الموظفين بتهم مختلفة تتراوح بين الرشوة وخيانة المؤتمن واختلاس أموال عمومية.

وتقدم الأسمر كذلك بشكايتين ضد مكرم حسني، الذي كان يشغل خطة الكتابة القارة للصفقات صلب الوكالة، تتعلق الأولى بتهمة التلاعب بالضمانات البنكية، أما الثانية فتخص شبهة التلاعب بالصفقات بوصفه المكلف بالكتابة القارة للصفقات.

وتم أيضا رفع شكاية ضد كريم بن طراد، الذي ألحق بالوكالة وعمل فيها طيلة 7 سنوات، بتهمة التلاعب بوصولات لباس الشغل والتلاعب بملفات المناظرات الخارجية أثناء فترة إلحاقه بالوكالة.

اسمَا مكرم حسني وكريم بن طراد وَردَا كذلك في عدد من الشكايات التي قدمها الخبير في تثمين النفايات حمدي شبعان إلى القضاء وإلى هيئة مكافحة الفساد، علاوة على أسماء أخرى لموظفين يجمعون بين عملهم في الوكالة ووظائف في شركات تنشط في مجال التصرف في النفايات على غرار شركتي “سيغور” و”إيكوتي”.

هؤلاء الأشخاص يطلّعون على المعلومات الممتازة ويعلمون بها الشركات أو يقومون بصفقة على قياس الشركات التي تشتغل اليوم في هذا المجال

حمدي الشبعان

وتثبت بعض الوثائق التي تحصلنا عليها توكيل كل من مكرم الحسني وكريم بن طراد “ليقوموا مقام شركة الاستغلال والتصرف في المنشآت والشبكات (سيغور) وينوبونها ويمثلونها ويتكلمون باسمها ويقدمون جميع التصريحات والملحوظات والمؤيدات التي تفيد أعمال الاختبار الذي تم يوم 7 سبتمبر 2019 وما يليه بالمصب المراقب للنفايات المنزلية والمشابهة ببرج شاكير”.

وتسنى لنا كذلك التأكد من خلال وثيقة صادرة عن المدير العام المكلف بالموارد البشرية برئاسة الحكومة بتاريخ 11 أكتوبر 2019، من أنّ كريم بن طراد ومكرم الحسني، وهما إطاران سابقان برئاسة الحكومة ألحقا بوكالة التصرف في النفايات بين 2007 و2016، كانا قد تقدما بمطلبي استقالة من الوظيفة على التوالي ابتداء من 1 مارس 2016 و1 أوت 2017 وحظيا بالموافقة. وقد انقطعت كل صلة لهما بالإدارة منذ ذلك التاريخ، ولم يتحصلا على أي وثيقة ترخص لهما بالعمل بشركة “سيغور” وأنه لا علم للإدارة بأي نشاط لاحق لاستقالتهما.

في المقابل، ينفي مكرم حسني تهمة تضارب المصالح عنه، فهو كان يشغل خطة مراقب مصاريف عمومي في الوزارة الأولى قبل أن يتم إلحاقه بالوكالة الوطنية للتصرف في النفايات أين تم تكليفه بالكتابة القارة للصفقات، ليغادر سنة 2016 عندما بدأت الأجواء تتوتر داخل الوكالة، وفق تعبيره.

ويقول حسني إنه لا يوجد أي تضارب مصالح بين خطته السابقة صلب الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات وعمله لدى شركة “سيغور” إثر مغادرته الوظيفة العمومية، مشيرًا إلى أنه كان قد راسل رئاسة الحكومة للحصول على ترخيص للعمل لدى الشركة لكنه لم يتلق أي رد وأي اعتراض منها.

ولئن كان مكرم حسني يشدد على وجود استهداف لشركة “سيغور” بسبب مشاركتها الدائمة في طلبات العروض وتقديمها أسعارا مناسبة جدا نافيا استغلاله لمنصبه لضمان فوز الشركة بصفقات وامتيازات، فقد جاء في شكاية مقدمة ضده أنه استغل نفوذه كمسؤول عن الكتابة القارة للصفقات بالوكالة خاصة في فترة ما بعد الثورة للحصول على صفقات بصفة مباشرة وببنود توفر العديد من التسهيلات خاصة في ما يتعلّق بالصفقات التي تمتّعت بها شركة سيغور في مواقع التصرف في النفايات المنزلية والمشابهة الراجعة بالنظر للوكالة بكل من بنزرت وصفاقس وجربة.

وتحصلت الشركة المذكورة أيضا على صفقات في اختصاصات مختلفة ومتباعدة مع نفس الوكالة وهي على سبيل الذكر وليس الحصر: صفقات التصرف في النفايات الخطرة PCB، تصدير النفايات الخطرة بوحدة جرادو، استغلال مراكز تحويل النفايات المنزلية والمشابهة، إنجاز أشغال داخل المصبات على مستوى إنجاز الخانات وأحواض مياه الرشح وأحواض المياه المشبعة بالأملاح، وإعادة تأهيل محطات معالجة مياه الرشح.

وكانت مغادرة مكرم حسني للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات قد اقترنت بحادثة تمثلت في إصدار الوكالة لطلب العروض عدد 24/2016 المتعلّق باستغلال مراكز التحويل، وقد حمل أحد كراسات الشروط اسم محمود الطريقي، المدير العام لشركة “سيغور”.

وبرر مكرم حسني هذا الخطأ، في تقرير بتاريخ 26 أوت 2016 موجه إلى مدير عام الوكالة آنذاك، بأنه قد وقع استعمال الوثائق التي هي بحوزة الوكالة والتي تم إعدادها بمناسبة إبرام الصفقات بالتفاوض المباشر لسنة 2016 والتي تحتوي على معطيات فنية محينة.

ويعدّ عمل مكرم حسني وعبد الكريم طراد في شركة “سيغور” مخالفا للفصل 97 ثالثا من المجلة الجزائية الذي ينص على أنه “يعاقب بالسجن مدة عامين اثنين وبخطية قدرها ألفا دينار كل موظف عمومي يعمد وهو في حالة المباشرة أو عدم المباشرة أو الإلحاق إلى ممارسة نشاط خاص بمقابل له علاقة مباشرة بمهامه دون أن يكون له ترخيص مسبق في ذلك”.

تمثل وضعية مكرم حسني صلب الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات نموذجا مصغرا للعديد من الشبهات والتجاوزات المريبة المسجلة صلب الوكالة. ومن بين الموظفين الذين تحوم حولهم شبهة فساد سمير الوشتاتي الذي تم تقديم شكاية ضده لدى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس 1، وتوجيه مراسلة إلى وزير الشؤون المحلية والبيئة في شأنه بتاريخ 25 جانفي 2019.

وقد اتهمت المراسلة الموظّف المذكور بالحصول على رشوة من مجمّع يتعامل مع الوكالة. وبحسب وثائق تحصلنا عليها فقد تم بتاريخ 26 أفريل 2018 إشعار مدير الشؤون المالية والمحاسبة عن طريق الفاكس من قبل البنك المنزّل به حساب المجمّع بوثيقة مزورة تنص على أن الوكالة تتعهد وتضمن في خلاص فواتير تهم المجمع المذكور، وهو إجراء غير معمول به صلب الوكالة.

وتبيّن لدى مراجعة المعاملات المالية ووثائق الخلاص التي تهم المجمّع أن خلاص كشوفات مالية خاصة بالصفقة عدد 2016/34 في جزئها الذي يهم إنجاز مركز التحويل بحلق الوادي، قد تم على حساب بنكي مدوّن على الفواتير مخالف للحساب البنكي المدون بالصفقة بقيمة جملية تقدر بـ286 ألف دينار.

وفي سياق متصل، وجهت وكالة التصرف في النفايات مراسلة إلى وزير البيئة في سبتمبر 2018 للمطالبة بإجراء مهمّة تفقد صلب الوكالة وذلك إثر توضيحات طلبتها وزارة المالية بشأن مآل مبالغ مالية متأتية من استخلاص التفويت وبيع وسائل نقل زال الانتفاع بها في إطار بتة عمومية (مزاد علني) بالوكالة سنة 2016، إذ تبيّن غياب جزء من المبالغ موضوع الطلب على إثر تسليم 3 عربات دون الحصول على مقابل مادي مثلما ورد في عقود البيع المبرمة في الغرض.

وطالبت الوكالة في مراسلتين بتاريخ جوان 2018 تمكينها من إجراء مهمّة تفقد في هذا الشأن بخصوص ملفات تهم الموظفيْن بالوكالة، عادل الصدوقي وإلهام الرمضاني، دون أن تحصل على رد من الوزارة.

من جانبها، أفادت إلهام الرمضاني أنه لم يتم فتح مهام تفقد صلب وكالة التصرف في النفايات على إثر المراسلة المذكورة لأن إدارة الوكالة ذاتها طلبت إلغاء مهمة التفقد، مشيرة إلى أنه لو ثبت تورطها في هذا الملف لوقعت إحالتها على مجلس التأديب ومؤكدة أنها لم تتورط في أي ملف فساد أو رشوة طيلة فترة عملها بالوكالة.
وقد تعرّضت الرمضاني، وفق قولها، للتجميد لمدة سنتين وتم إبعادها عن الصفقات لأسباب كيدية، فضلا عن إدراج اسمها ضمن هذه المراسلة.

وتم، من جهة أخرى، توجيه عريضة من قبل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى عادل الصدوقي بتاريخ 25 أكتوبر 2017 نسبت إليها من خلالها عدة تجاوزات أبرزها التلاعب بالصفقات العمومية على غرار تسهيل صفقة لوكيل إحدى الشركات عبر التدخل لدى الوكالة الوطنية لحماية المحيط قصد الموافقة على دراسة المؤثرات على المحيط وتسهيل المصادقة على كراس الشروط بالوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، فضلا عن استغلال نفوذه لتحقيق منفعة لغيره عبر إدماج شقيقيه بممثلية قابس التابعة لوكالة التصرف في النفايات وغيرها.

المصبات المراقَبة..
الوجه الآخر للإحتكار وسطوة اللوبيات

وكان فريق الرقابة الذي تولّى إعداد تقرير هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية، قد أكّد، خلال جلسة استماع إليه بلجنة مكافحة الفساد بالبرلمان، يوم 18 جانفي 2021، أنّ كراسات الشروط التي تعدّها الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات تشوبها عديد النقائص التي تساهم في توجيه الصفقات نحو مسندي خدمات معينين وفق ما ورد على لسان فريق الرقابة.

ويبلغ عدد المصبات المراقبة في تونس، والتي تُطلق عليها أيضا تسمية وحدات المعالجة، 10 وحدات/مصبات، حيث تم خلال السنوات الأخيرة غلق وحدتي جربة والمنستير، وفق معطيات استقاها موقع الكتيبة من الوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات.

وتبلغ تكلفة استغلال المصبات المراقبة 75 مليون دينار سنويا. وتم الشروع في هذه المنظومة للتصرّف في النفايات منذ التسعينات. وكان من المفترض أن تدوم لمدة لا تتجاوز العشرين عاما ليتم الشروع إثر ذلك في تنفيذ سياسة تثمين النفايات، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد الثورة، بل وقع اللجوء إلى تمديد الصفقات.

وعُقد، في هذا الإطار، مجلس وزاري سنة 2016 أقر التمديد في صفقات استغلال المصبات المراقبة لمدة سنتين عوضا عن 5 سنوات، وهو ما اعتبرته المديرة العامة للوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات بسمة الجبالي قرارا عشوائيا وغير مدروس، وكذلك قرارات غلق المصبات التي رأت أنها كانت أحادية ومركزية.

من جانبه، يقول الخبير في تثمين النفايات المنزلية والمشابهة حمدي الشبعان إن قرارات التمديد في هذه الصفقات جاءت نتيجة ضغوط سياسية تقوم بها الشركات المستغلة للمصبات.

وعلى الرغم من وجود عدة شركات تنشط في مجال معالجة النفايات، إلا أنّ 3 شركات كبرى تحتكر استغلال المصبات المراقبة للنفايات المنزلية والمشابهة، وهي سيغور وإيكوتي وفاليس.

ويتجلّى هذا الاحتكار بوضوح عند التثبت في نتائج طلبات العروض لاستغلال وحدات المعالجة. ويبرز التقرير الأولي لهيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية الصادر في جويلية/يوليو 2020 أنّ الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات كانت قد أصدرت خلال الفترة الممتدة بين 2012 و2020، 42 طلب عروض متعلق أساسا بنشاط الاستغلال.

وقد تحصلت “شركتا” سيغور و”إيكوتي” على العدد الأكبر من صفقات الاستغلال خلال الفترة المذكورة، إذ فازت “سيغور” بـ20 طلب عروض وقسطين في كل من طلب العروض عدد 2017/05 و2019/32، بالإضافة إلى قسط وحيد في طلب العروض عدد 2019/34.

في حين شاركت “فاليس”، بشكل منفرد وكذلك في إطار مجمع الأمان/ سربول في 4 طلبات عروض وتحصلت على قسط واحد في طلب العروض عدد 2017/05 وقسطين في طلب العروض عدد 2019/32.

وشاركت كذلك في إطار مجمع فاليس/ سوتيم في 3 أقساط من طلب العروض عدد 2019/34 ولم تتحصل على أي قسط منه، إلى جانب مشاركتها في طلب العروض عدد 21 لسنة 2016 والذي وقع إعلانه غير مُجدي.

وشارك أيضا مجمع سوتيم/ فاليس/ سيربول/ اس سي ت/ اكوامبيانتي في طلب العروض عدد 19 لسنة 2018 المتعلق بملف الانتقاء الأولي لإنجاز وحدة معالجة النفايات المنزلية والمشابهة بولاية قابس، في إطار عقد لزمة معلن عنه من طرف الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، وقد أفضى إلى قبول 3 عروض من بينها عرض المجمع المذكور.

وحتى تضمن هذه الشركات حصولها على الصفقات دون غيرها من المنافسين، فإنها تعتمد بشكل أساسي على كراسات شروط تم وضعها على مقاسها، وفق ما أكده المسؤول السابق في وكالة التصرف في النفايات للكتيبة، قائلا “كل عملهم هناك كان على المقاس”.

ويقع، في هذا الإطار، تحديد رأس مال معين يتماشى مع رأس مال هذه الشركات، علاوة عن المطالبة بوجود شريك أجنبي وبمعدات ومرجع وخبرة وكمية من النفايات وقع استغلالها سابقا، وهي شروط لا تتوفر أي شركة بتونس سواء كانت عملاقة أو صغرى، ولذلك يتم اعتبار كراسات الشروط هذه “على المقاس”، بحسب الخبير في تثمين النفايات المنزلية والمشابهة حمدي الشبعان.

ورغم أنّ القانون الأساسي للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات لا يمنحها الحق في عقد الصفقات، إذ يُفترض أن يقتصر دورها على تقديم المساعدة الفنية والتقنية للبلديات، إلا أنّ أمرا رئاسيا صادرا سنة 2005 وقع تجديده في 2008 مكّن الوكالة من التصرف في منظومة النفايات ككل.

تقتضي حوْكمة التصرّف في النفايات استغلال المصبات المراقبة ومراكز التحويل التابعة لها في إطار لزماتٍ بناء على رأي مستشار القانون والتشريع الصادر منذ شهر أكتوبر 2009.

وبالرغم ممّا سبق الإشارة إليه أعلاه فانّ الوكالة ظلّت تعتمد لمدة تزيد عن 10 سنوات على تراخيص استثنائية لمواصلة اعتماد نظام الصفقات العمومية. كما واصلت التصرف في النفايات المنزلية باعتماد تقنيات الردم ودون التثمين مع ضعف التنسيق مع الجماعات المحلية التي كان يفترض أن تتولى التصرف في هذا القطاع بصفة مباشرة وفي إطار اللزمات”.

ولئن كان دخول شركة فاليس التي يمتلك رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ جزءا من رأس مالها، سوقَ استغلال وحدات معالجة النفايات المنزلية والمشابهة حديثا، فقد سلّطت حيثيات حصول الشركة على عدد من الصفقات الضوء على جزء من عملية إعداد كراسات الشروط في ظل غياب الرقابة على إسناد الصفقات، ممّا ساهم في توجيهها نحو أطراف معينة، خاصة بعد الجدل الذي صاحب اتهام الفخفاخ بتضارب المصالح، وهو ما قد أثبتته عدة تقارير رقابية لاحقا.

وقد أفضت، في هذا الإطار، أعمال مراقبة فريق الرقابة العامة للمصالح العمومية إلى الوقوف على جملة من النقائص والتجاوزات، يكتسي بعضها صبغة الأخطاء الجزائية أو أخطاء التصرّف، ما استدعى إحالتها تباعا إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس -مع إعلام المكلف العام بنزاعات الدولة- ومحكمة المحاسبات.

ويبرز التقرير السابق أنّ تدخّل رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ لدى عدد من الفاعلين العموميين في مجال التصرف في النفايات بعد 3 أشهر من مغادرته الحكومة في 29 جانفي 2014 ساهم في تيسير دخول مجموعة “سرفيم” إلى قطاع التصرف في النفايات بتونس.

ملف شركة إلياس الفخفاخ وشركائه الذي تسبّب في إسقاط حكومة بأكملها لم يكن في حقيقة الأمر رغم مشروعية المعطيات التي أثيرت حوله، سوى جزءا من صراع لوبيات صلب القطاع حيث تقاطعت فيه المصالح بين شركات منافسة تحظى بدعم سياسي منذ سنوات.

إهمال المصبات..
جرائم في برج شاكير وعقارب

يوصي التقرير النهائي للهيئة العامة للمصالح العمومية بضرورة تقييم التجربة الحالية للتصرف في النفايات التي تعتمد على تقنية الردم الفني وخاصة تأثيراتها البيئية والاجتماعية، والاستناد إلى نتائج الدراسات المنجزة في الغرض للشروع في اعتماد تقنيات جديدة تراعي التكلفة المالية والجانبين البيئي والاجتماعي خاصة وأن طلبات العروض الحالية تنتهي مع موفى سنة 2022.

تأتي هذه التوصيات مع نهاية العمر الافتراضي للمصبات في تونس، في الوقت الذي باتت تعتمد فيه جل الدول على تثمين النفايات عوضا عن ردمها، وهو خيار مازلت البلاد التونسية تتبعه رغم ثبوت عدم نجاعته ونتائجه الكارثية على الصعيد البيئي والاجتماعي، خاصة أن المصبات في تونس تشتغل بنسبة 250 في المائة.

علاوة على ذلك، فإن الشركات المستغلة للمصبات المراقبة لا تلتزم بما تنص عليه كراسات الشروط، وهي كراسات غير قابلة للتطبيق لعدة اعتبارات أبرزها نهاية الأعمار الافتراضية للمصبات وإحداث المصبات في مواقع غير مناسبة، في معظمها يقع في مناطق فلاحية أو سكنية، بالإضافة إلى طاقة استيعاب هذه المصبات والتي يقع غالبا تحديدها دون دراسات علمية.

ويؤكد، في هذا الصدد، الخبير في تثمين النفايات المنزلية حمدي الشبعان أنّ “كراسات الشروط الخاصة بالمصبات لا تتلاءم مع المعايير العالمية:

لا يمكن الحديث عن تطبيق كراسات الشروط في مصبات يُفترض أنها مراقبة. المصطلح الذي يُطلق عليها خاطئ فهي يجب أن تُسمّى “مركز الردم التقني للنفايات” ولكننا في تونس نطلق عليها اسم “مصبات مراقبة”. لا أعرف ما الذي يتم وضعه في هذه المصبات وما الذي تتم مراقبته.

ويردف شعبان قائلا: ” لا يمكن تطبيق كراسات الشروط ونحن نعرف الإشكالات الموجودة في مصب برج شاكير ومصب عقارب، وهي واضحة للعيان”.

ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يقع فرز النفايات ومن ثم ردم ما لا يمكن استغلاله من ما بقي منها، فإنّ تونس تعتمد على الردم مباشرة دون أي معالجة أو فرز أو تثمين، وكل ما يوجد في حاوية النفايات يقع ردمه مباشرة.

وقد تحوّلت المصبّات المراقبة التي يُفترض أن تستقبل النفايات المنزلية والمشابهة فقط، إلى وحدات تحتوي كذلك على نفايات صناعية واستشفائية في مخالفة للقانون من الوارد أن تنجرّ عنها خطايا مالية وأحكام جزائية.

وغير أنّ المصب الجهوي المراقب بعقارب من ولاية صفاقس يشهد العديد من التجاوزات التقنية المتعلقة بإدارته من طرف الشركة المستغلة له والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، على غرار قبول نفايات صناعية غير متلفة، وغياب وحدة لمعالجة مياه الرشح، وعدم الشروع في تهيئة الخانة الثانية لاستخراج الغازات وعدم استعمال طبقات من الأتربة خلال عملية الردم وفق ما تثبته التقارير الرقابية.

وكان المصبّ الجهوي بعقارب قد تأسّس سنة 2008 على مساحة 40 هكتارا لاستقبال 400 طن من النفايات المنزلية والمشابهة مع نسبة ترفيع بـ5 في المائة كل سنة لمدة استغلال 5 سنوات ابتداء من غرة أفريل 2008، غير أنّ المصب تجاوز عمرَه الافتراضي ويتواصل استغلاله إلى حد اليوم مع عدم القيام بالدراسات اللازمة للتمديد في مدة الاستغلال. وبات المصب يستقبل 700 طن يوميا، وفق ما جاء في عريضة مقدمة إلى وكيل الجمهورية للمحكمة الابتدائية بتونس1.

وقد تمت كذلك ملاحظة وجود كميات كبيرة من النفايات الطبية وشبه الطبية بالمصب مثل الحقن والأدوية منتهية الصلاحية وأدوات التحليل لفيروس كورونا وأدوات لتصفية الدم وغيرها، إلى جانب جثمان جنين ملقى بالمصب.

وتحصل موقع “الكتيبة” على شهادات مكتوبة ومعرفة بالإمضاء لـ4 عاملين بشركة تختص في جمع الفضلات الطبية أكدوا فيها أنهم زاولوا عملهم في ظروف لا تستجيب للقواعد الصحية رغم خطورة الفضلات التي يتعاملون معها.

ويتم، وفق شهاداتهم، جمع النفايات الطبية دون مراعاة شروط السلامة أو التبريد في شاحنات مغلقة لا غير انطلاقا من المستشفيات وصولا إلى المعمل، أين يتم رحي الفضلات الطبية دون تعقيم أو معالجة، ليتولى المستخدم على إثر ذلك رفعها إلى المصب الجهوي بعقارب، وإذا تعذّر ذلك يتم إلقاؤها في آبار مهجورة في طريق منزل شاكر منطقة بومرة التي تبعد حوالي 14 كلم عن مدينة صفاقس ثم يتم إحراقها بصفة عشوائية.

ونظرا إلى كثرة النفايات، يقع رحي نسبة منها في حين تقوم شاحنة من الحجم الكبير كُتبت عليها عبارات “نظافة مدينة صفاقس” بنقل النفايات “على حالها الخام” في أكياس سوداء للمصب الجهوي بعقارب وفق الشهادات الموثّقة.

وأدى تراكم النفايات والخلط بين النفايات المنزلية والصناعية القابلة للاشتعال إلى اندلاع حريق في شهر أوت من سنة 2019، وذلك بعد فترة قصيرة من حريق مشابه جدّ بمصبّ برج شاكير بالعاصمة تونس.

لم يكن هذا الحريق الأول من نوعه ببرج شاكير، إذ سبقه حريق آخر في 29 أكتوبر 2018. وقد أدى هذا الأخير إلى احتراق الطبقة العازلة للخانة السابعة وجزء من الحوض المجاور لها، وذلك بعد يومين فقط من بداية استغلاله من قبل الشركة المستغلة (سيغور) للمصب، وفق تقرير حصل عليه موقع “الكتيبة” أعده مدير عام أسبق للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.

ولم تحترم الشركة المستغلة للمصب التزاماتها التعاقدية على مستوى توفير المعدات والإشراف على الأعوان العاملين بالمصب الأمر الذي انجرّت عنه عدة انعكاسات سلبية كان أهمّها الحريق الذي اندلع بتاريخ 4 جوان 2019.

وقد تم تقديم شكاية ضد الشركة المذكورة إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس 2 بهدف فتح تحقيق في أسباب قطع جزء من الأسلاك المرتبطة بشبكة استخراج الغازات بقطر 90 م م المتواجدة بالخانة عدد 2 والخانة عدد 3 وبالتحديد على مستوى تمديدات من قنوات لأربع نقاط متفرقة والتي تساعد على دوران الانبعاثات الغازية البيولوجية المتأتية من عملية استخراج الغازات المذكورة.

في المقابل، يقلل مكرم حسني، الذي يعمل حاليا في “سيغور”، من جدية مثل هذه الشكايات معتبرا أنها استهداف للشركة لأنها موجودة دائما في السوق وأسعارها مناسبة جدا، وفق تقديره.

التجاوزات المسجلة صلب الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات ليست أمرا جديدا، حتى أنّ البعض يذهب إلى التأكيد أنّ أوّل شركة تولّت ردم النفايات بتونس تحصلت على الصفقة إثر تدخل من بن علي.

ويبرز تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، الصادر سنة 2011، أن إسناد الصفقة المتعلقة باستغلال مصب برج شاكير، في نوفمبر 2008، إلى شركة “بيزورنو” الفرنسية ومستشارها (ف.ل)، والذي كان يشغل خطة وزير بالحكومة الفرنسية ويُعتبر صديقا للرئيس الأسبق التونسي زين العابدين بن علي، تمّ بطريقة غير شرعية مشبوهة.

وقد تبيّن أن بن علي ووزير البيئة والمستشار للرئاسة (ع ب ض) والكاتب العام للحكومة آنذاك بحسب نفس التقرير كانوا قد استغلّوا نفوذهم ووظائفهم لتوجيه الصفقة، من خلال إصدار رئيس الجمهورية الأسبق أوامر غير شرعية وغير منطقية وخارجة عن مجال اختصاصه، بالإضافة إلى وجود نية مسبقة لتوجيه الشراء العمومي وإيجاد تعلات لإسناد الصفقة واستبعاد بقية العروض من قبل وزير البيئة الأسبق رغم معرفة هذا الأخير بالصعوبات التي تواجهها الشركة المعنية في المغرب.

واستغل “ف.ل” نفوذه وعلاقاته بالمسؤولين التونسيين قصد التأثير على إجراءات إبرام الصفقة وبالتالي الحصول على منفعة بصورة غير مشروعة، ما أسفر عن الإضرار بمصالح الدولة عبر ارتفاع كلفة المشروع من حوالي 28 مليون دينار إلى 34,2 مليون دينار، علاوة على المسّ من مصداقية الدولة من خلال عدم احترام التراتيب المنظمة للصفقات العمومية والمس من قواعد الشفافية والمنافسة.

كما لم ينجز صاحب الصفقة الطلبات موضوع الصفقة وفق المعايير إذ ارتكب عدة إخلالات ونقائص، ما تسبب في أضرار بيئية كبيرة.

وعود بالإصلاح والتغيير

أقرّت المديرة العامة للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات بسمة الجبالي المعينة حديثا بتاريخ 15 ديسمبر 2020 أقرّت، من جهتها، بوجود إخلالات في منظومة التصرّف في النفايات في ما يتعلّق باستغلال المصبات المراقبة الموزّعة على كامل تراب الجمهورية التونسية، وذلك إما بسبب “تواطئ بعض المستغلّين للمصبات وبعض العاملين بالإدارة أو عدم تفعيل مبدأ الرقابة” وفق قولها.

وتشير، الجبالي، في المقابل، إلى “تحسّن تدريجي” في طريقة استغلال المصبات وشروع الشركات المستغلّة في الالتزام بكراسات الشروط وذلك بعد أن أصبح المجتمع المدني بعد الثورة يراقب وينتبه وبعد أن تم إحداث خلايا مراقبة في عدد من البلديات تتولى متابعة استغلال المصبات ومراقبتها.

وتحمّل الجبالي مسؤولية الإخلالات التي يشهدها ملف التصرّف في النفايات إلى “غياب الاستقرار السياسي والتغيرات التي شهدتها وزارة البيئة خلال السنوات الأخيرة من حيث هيكليتها ودمجها أحيانا مع وزارات أخرى على غرار وزارة الشؤون المحلية أو وزارة التجهيز ومن ثم إرجاعها وزارة منفردة، وهو ما حصل مع حكومة إلياس الفخفاخ، ليقع لاحقا دمجها مجددا مع وزارة الشؤون المحلية”.

وقد أثّر هذا التذبذب -وفق قولها- على المؤسسات الكبرى التابعة للوزارة على الوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات، حيث أدى تعيين 10 مديرين عامين متعاقبين على الوكالة إلى عرقلة تنفيذ استراتيجية واضحة في مجال التصرّف في النفايات المنزلية والمشابهة.

وتستبعد محدثتنا، من جهة أخرى، غلق المصبات وتحديدا مصب برج شاكير، باعتبار أنّ تنفيذ مشروع تثمين النفايات يحتاج على الأقل لـ5 سنوات من الإعداد، علاوة على أنّ العمر الافتراضي للمصب لم ينته بعد.

ولا تنفي تسجيل إخلالات في المصبات المراقبة من خلط بين النفايات المنزلية والمشابهة من جهة والنفايات الصحية من جهة أخرى، وهو حال مصب عقارب على سبيل الذكر لا الحصر. وترجع هذه التجاوزات إلى غياب الرقابة ونقص الإمكانيات البشرية.

وتستدرك الجبالي بالقول إنه “كلما لاحظت وكالة التصرّف في النفايات إخلالات من هذا النوع تقوم بإعلام الوكالة الوطنية حماية المحيط التي تتدخل، وهو ما حصل منذ أسابيع عندما تولت هذه الأخيرة القيام بعملية تفقد إثر ورود معلومة بخصوص تجاوز مرتكب من إحدى الشركات التي يُفترض أنها تتولى تعقيم النفايات الصحية قبل التخلّص منها في النفايات. ووقعت تغريم الشركة المعنية”.

وتحتاج الوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات إلى جملة من التعديلات القانونية التي أدى غيابها إلى بروز عدة إخلالات صلب الوكالة، إذ أن مجلس الإدارة لم ينعقد منذ حوالي 3 سنوات، ولا يوجد أيضا دليل إجراءات يحدّد مهام كل فرد في المؤسسة. ولم تقع كذلك المصادقة على القائمات المالية للوكالة منذ 2014.

أما كراسات الشروط فهي بدورها لم تكن تُمنح بطريقة واضحة، وفق تصريح الجبالي التي أكدت أنه تم إحداث لجنة تضم مختلف المتدخلين في الوكالة لتتولى النظر في منح كراسات الشروط، بعد أن كان هذا الأمر منوطا بالمدير العام للوكالة.

وستكون قرارات هذه اللجنة ملزمة للمدير العام لوكالة التصرّف في النفايات. كما لن يقتصر وجود ختم الوكالة في الصفحة الأولى من كراس الشروط فقط كما هو الأمر حاليا، بل سيصبح وجوده إلزاميا في كامل الصفحات.

وطالبت بسمة الجبالي، من جهة أخرى، بتعديل قانون كراسات الشروط الذي كان ينص على أنه عند منح كراس شروط لشركة ما لا يمكن سحبه، في اتجاه تغيير هذا البند كي يصبح للوكالة الحق في سحب كراسات الشروط أو في فرض خطية مالية على الشركات التي لا تلتزم بما جاء فيها إلا بعد استشارة الوكالة الوطنية لحماية المحيط.

كلمة الكتيبة:

يسلّط هذا التحقيق الضوء على بعض أوجه الفساد المستشري صلب الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات والذي تفاقم خلال السنوات الأخيرة لتطفو على السطح بعض تمظهراته على قضية رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ وملف النفايات الإيطالية، وذلك في ظل غياب استراتيجية واضحة المعالم لتطوير منظومة التصرف في النفايات، علاوة على انعدام الاستقرار السياسي وغياب إرادة سياسية لإصلاح هذه المنظومة.

كلمة الكتيبة:
يسلّط هذا التحقيق الضوء على بعض أوجه الفساد المستشري صلب الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات والذي تفاقم خلال السنوات الأخيرة لتطفو على السطح بعض تمظهراته على قضية رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ وملف النفايات الإيطالية، وذلك في ظل غياب استراتيجية واضحة المعالم لتطوير منظومة التصرف في النفايات، علاوة على انعدام الاستقرار السياسي وغياب إرادة سياسية لإصلاح هذه المنظومة.

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

إشراف: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
تصوير: حمزة الفزاني
مونتاج: رأفت العبدلي
غرافيك: منال بن رجب
مونتاج: رأفت العبدلي
غرافيك: منال بن رجب
إشراف: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
تصوير: حمزة الفزاني

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية شغلت عديد الخطط في الصحافة الالكترونية التونسية والعربية.

rahma