الكاتب : محمد اليوسفي
يوم الأربعاء 30 مارس/ آذار 2022، توجه ممثل عن موقع الكتيبة إلى مقر رئاسة الجمهورية التونسية في ضاحية قرطاج شمال العاصمة تونس لإيداع مطالب النفاذ إلى المعلومة قصد الحصول على قائمة اسمية في الأشخاص والإدارات واللجنة أو اللجان التي قامت خلال الأشهر الماضية بصياغة المراسيم الرئاسية الصادرة بالرائد الرسمي والتي باتت تحدّد مستقبل البلاد وذلك في إطار إعداد تحقيق صحفي حول هذا الموضوع.
وعلى الرغم من حرارة الاستقبال في البداية حينما قمنا بالتعريف بصفتنا الصحفيّة، إلا أنّ العون المكلف بهذه المهمة في مكتب الضبط رفض في البداية تسلّم هذه المطالب قبل أن يقوم بالتشاور مع المصالح القانونية برئاسة الجمهورية التي اقترحت عليه بعد مفاوضات ونقاشات وأخذ ورد طيلة قرابة ساعة من الزمن، تسلّم النسخ الأصلية من المطالب دون تسليمنا ختما على النسخ المطبوعة يثبت إيداع هذه المطالب، وهو ما يخالف الصيغ القانونية والإدارية المتعارف عليها.
أمام هذا الامتناع عن احترام التراتيب القانونية، لم يكن بوسعنا سوى رفض هذا المقترح الذي يحول لاحقا دون ممارسة حقنا في التظلم لدى هيئة النفاذ إلى المعلومة في حال عدم الحصول على ردّ رسمي ، حيث قررنا اتباع آلية قانونية أخرى وهي إرسال المطالب إلى مؤسسة الرئاسة عبر البريد. هذه الآلية بدورها لم تشفع لموقع الكتيبة في الحصول على أي إجابة رغم انقضاء الآجال القانونية في إنتهاك واضح لما ينص عليه دستور 2014 الذي يقول رئيس الجمهورية قيس سعيد إنّ باب الحقوق والحريات فيه مازال ساري المفعول رغم التدابير الاستثنائية المتخذة، فضلا عن القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المتعلق بالنفاذ إلى المعلومة.
الكاتب : محمد اليوسفي
يوم الأربعاء 30 مارس/ آذار 2022، توجه ممثل عن موقع الكتيبة إلى مقر رئاسة الجمهورية التونسية في ضاحية قرطاج شمال العاصمة تونس لإيداع مطالب النفاذ إلى المعلومة قصد الحصول على قائمة اسمية في الأشخاص والإدارات واللجنة أو اللجان التي قامت خلال الأشهر الماضية بصياغة المراسيم الرئاسية الصادرة بالرائد الرسمي والتي باتت تحدّد مستقبل البلاد وذلك في إطار إعداد تحقيق صحفي حول هذا الموضوع.
وعلى الرغم من حرارة الاستقبال في البداية حينما قمنا بالتعريف بصفتنا الصحفيّة، إلا أنّ العون المكلف بهذه المهمة في مكتب الضبط رفض في البداية تسلّم هذه المطالب قبل أن يقوم بالتشاور مع المصالح القانونية برئاسة الجمهورية التي اقترحت عليه بعد مفاوضات ونقاشات وأخذ ورد طيلة قرابة ساعة من الزمن، تسلّم النسخ الأصلية من المطالب دون تسليمنا ختما على النسخ المطبوعة يثبت إيداع هذه المطالب، وهو ما يخالف الصيغ القانونية والإدارية المتعارف عليها.
أمام هذا الامتناع عن احترام التراتيب القانونية، لم يكن بوسعنا سوى رفض هذا المقترح الذي يحول لاحقا دون ممارسة حقنا في التظلم لدى هيئة النفاذ إلى المعلومة في حال عدم الحصول على ردّ رسمي ، حيث قررنا اتباع آلية قانونية أخرى وهي إرسال المطالب إلى مؤسسة الرئاسة عبر البريد. هذه الآلية بدورها لم تشفع لموقع الكتيبة في الحصول على أي إجابة رغم انقضاء الآجال القانونية في إنتهاك واضح لما ينص عليه دستور 2014 الذي يقول رئيس الجمهورية قيس سعيد إنّ باب الحقوق والحريات فيه مازال ساري المفعول رغم التدابير الاستثنائية المتخذة، فضلا عن القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المتعلق بالنفاذ إلى المعلومة.
في الحقيقة، ليست هذه المرّة الأولى التي يتمّ فيها تسجيل انتهاكات وتجاوزات وخروقات تطال حريّة الصحافة وحقّ النفاذ إلى المعلومة من قبل مؤسسة رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس التونسي قيس سعيّد، أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية سابقا، حيث تعدّدت الحالات المرصودة منذ صعوده إلى سدّة الحكم أواخر العام 2019. لقد ساهمت هذه الانتهاكات وغيرها من الأسباب بشكل أو بآخر في تدحرج تونس من المرتبة 72 في سنة 2020 و73 سنة 2021 إلى المرتبة 94 في سنة 2022 في التصنيف العالمي لحريّة الصحافة الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود سنويا، تدحرج يعكس خطورة الوضع الذي بات عليه مناخ حريّة الصحافة في تونس التي كانت تعدّ من المكاسب القليلة التي تحقّقت بعد الثورة في 2011.
خرق للقانون
” سياسة الانغلاق حينما تدخل مرحلة عدم تطبيق القانون تصبح بمثابة الانغلاق التام ورفض رئاسة الجمهورية تسلّم مطالب نفاذ إلى المعلومة يعتبر خرقا فادحا لمقتضيات القانون…اليوم للأسف تحوّل الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية القائم على وعود باحترام حريّة الصحافة إلى النقيض على مستوى الممارسة الفعلية”.
بهذه العبارات التي تنمّ عن حسرة ومخاوف موضوعية تجاه واقع الحريات الصحفية في تونس في عهد الرئيس قيس سعيّد، علّقت منسقة وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين خولة شبح على حادثة رفض رئاسة الجمهورية تسلّم مطالب النفاذ إلى المعلومة التي تقدّم بها موقع الكتيبة وفق الصيغ القانونية.
وتضيف خولة شبّح في نفس الإطار: “ما حدث يعتبر من المؤشرات الخطيرة جدا. رفض تطبيق قانون النفاذ إلى المعلومة يعكس حالة عدم اعتراف من قبل الرئاسة بالدور المهم الذي تلعبه وسائل الإعلام من أجل إنارة الرأي العام ونقل صورة شفّافة على ما يحدث في قصر قرطاج فعليا. اليوم رئاسة الجمهورية تشتغل على تعديل بعض النصوص القانونية وربّما حتّى الدستور عبر لجنة لا نعرف ممن تشكلت ومن هم القائمون على هذا العمل. هي فقط (اللجنة) تم التنصيص عليها في الأمر الرئاسي عدد 117 الصادر بالرائد الرسمي.من حقّ الصحفيين/ات أن ينقلوا/ينقلن إلى المواطنين إجابات عن الأسئلة التالية: ماذا تفعل هذه اللجنة؟ وإلى أين وصلت في أعمالها؟.”
ينص الدستور التونسي المصادق عليه من قبل المجلس الوطني التأسيسي بعد الثورة في جانفي/ كانون الثاني من العام 2014، في الفصل 31 على أنّ حريّة الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة ويؤكد نفس الفصل أنّه لا يمكن ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات. علاوة عن ذلك، فإنّ الفصل 32 من نفس الدستور، يشدّد على أنّ الدولة تضمن الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة كما تسعى إلى ضمان الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصال.
وينصّ الفصل الأول من قانون النفاذ إلى المعلومة، هذا النصّ القانوني الذي وصف بـ”الرائد” في المنطقة العربية من قبل منظمات المجتمع المدني التونسية وحتّى الدولية بُعيد صدوره في 2016 غداة المصادقة عليه في مجلس نواب الشعب، على أنّ الهدف منه هو ضمان حقّ كل شخص طبيعي أو معنوي في النفاذ إلى المعلومة بغرض الحصول عليها وتعزيز الشفافية والمساءلة وخاصة فيما يتعلق بالتصرف في المرفق العام ودعم الثقة في الهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون ودعم مشاركة العموم في وضع السياسات العمومية ومتابعة تنفيذها وتقييمها. كما ينصّ في فصله الثاني على أنّ رئاسة الجمهورية وهياكلها هي أولى المؤسسات التي ينطبق عليها هذا القانون. لكن على ما يبدو أنّ لرئاسة الجمهورية التونسية في عهد الرئيس قيس سعيّد وجهة نظر أخرى في علاقة بكلّ هذه النصوص الدستورية والقانونية التي ما تزال سارية المفعول.
في الواقع، لا يقتصر خرق قانون النفاذ إلى المعلومة وأبسط مبادئ حرية الإعلام على مؤسسة رئاسة الجمهورية فقط، بل حتى إنّ الحكومة التي عيّنها الرئيس قيس سعيّد بعد قرارات 25 جويلية/ تموز 2021 والتي تعمل تحت إمرته بفعل تجميعه لجميع الصلاحيات وحلّ البرلمان المنتخب بدورها لا تحترم هذا الحق الدستوري.
فخلال الأشهر الثلاث الأولى من السنة الجارية 2022، توجه موقع الكتيبة بـ6 مطالب نفاذ إلى المعلومة إلى عديد الوزارات والإدارات العمومية في إطار تحقيق استقصائي حول ملف الشركة الخاصة للطيران الجوي سيفاكس ايرلاينز الذي تكتنفه شبهات فساد وتجاوزات قانونية جمّة، لكن كلّ هذه المطالب جوبهت بصفر إجابات في الآجال القانونية، الأمر الذي كان وراء توجهنا إلى هيئة النفاذ إلى المعلومة بغية التظلم والحصول على أحكام تجبر هذه المؤسسات الحكومية على الردّ طبقا للقانون.
بتاريخ 10 ديسمبر/ كانون الأول 2021، وجهت رئيسة الحكومة نجلاء بودن منشورا إلى الوزراء وكتّاب الدولة تحت عنوان “قواعد العمل الاتصالي للحكومة”. و أكدت بودن في هذا المنشور الذي واجه انتقادات عديدة من قبل هياكل المهنة الصحفية في تونس والمنظمات التي تعنى بحريّة الإعلام، ضرورة تحديد قائمة في المتحدثين الرسميين باسم كلّ وزارة وإرسالها إلى مصالح الاتصال برئاسة الحكومة. ودعت رئيسة الحكومة في هذا المنشور عدد 19 إلى التنسيق مع مصالح الاتصال بالقصبة بخصوص الشكل والمضمون بمناسبة كلّ ظهور إعلامي، مشدّدة على ضرورة الالتزام به من قبل جميع الوزارات.
اعتبرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في بيان لها، صدر بتاريخ 23 أفريل/ نيسان 2022، أنّ هذا المنشور الحكومي يضرب حقّ المواطن في المعلومة، حيث طالبت بسحبه على اعتبار أنّه يضيّق على العمل الصحفي وبحسب نفس البيان، فإنّ القطاع الإعلامي في تونس اليوم، يواجه تهديدات حقيقية تنسف كلّ أسس حريّة الإعلام من خلال جملة الملاحقات الأمنية والقضائية التي طالت عددا من الصحفيين/ات على خلفية أدائهم لواجبهم/ن المهني وذلك خارج إطار التشريعات المنظمة للمهنة في إشارة للمرسومين 115 و116 لسنة 2011، ومواصلة تكريس سياسة الإفلات من العقاب وضرب حق النفاذ إلى المعلومة والحصول عليها وكذلك الشأن بالنسبة للحقّ النقابي وبقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
منذ توليه مقاليد الحكم في قصر قرطاج، وعلى عكس الرؤساء الذين سبقوه في رئاسة الجمهورية، رفض قيس سعيّد تعيين متحدث رسمي باسم رئاسة الجمهورية يكون بمثابة المخاطب المباشر للصحفيين وهو ما تسبّب في مشاكل شتى بالنسبة لوسائل الإعلام الباحثة عن المعلومة الرسميّة. في أكتوبر/ تشرين الأوّل 2020 استقالت المستشارة المكلفة بالإعلام والاتصال رشيدة النيفر من منصبها دون أن يتم تعويضها إلى حدّ الآن وهو ما زاد الطين بلّة في علاقة بالصعوبات التي تواجه الصحفيين/ات التونسيين/ات في تعاملهم/ن مع مؤسسة الرئاسة. وفي مارس/ آذار 2021 ، سارت الملحقة الصحفية بدائرة الإعلام والاتصال في قصر قرطاج ريم قاسم على خطى رشيدة النيفر حين قدمت استقالتها، ليزداد بذلك علو الجدار الفاصل بين وسائل الإعلام ومؤسسة الرئاسة التي باتت بلا مخاطب رسمي للصحفيين.
“هذه السنة ولاسيما خلال الأوضاع الاستثنائية كانت الأعنف على الصحفيين/ات على كافة المستويات”
خولة شبح
في أعقاب القمع العنيف الذي طال حوالي عشرين صحفيًا كانوا يقومون بتغطية مظاهرات ضد الرئيس سعيد في شهر جانفي / كانون الثاني من السنة الحالية، نشرت مراسلون بلا حدود تقريرا تحت عنوان “الصحافة في تونس: ساعة الحقيقة”.
في هذا التقرير الذي صدر بتونس في 19 جانفي/ كانون الثاني 2022، دقت منظمة مراسلون بلا حدود ناقوس الخطر حيث تقول إنّ الصحافة في تونس تقف عند نقطة تحول فاصل من تاريخها، معتبرة أنّ تحويل قطاع الإعلام التونسي على مدى السنوات العشر الماضية على نحو بطيء للغاية وما جدّ من تطورات سياسية أخيرة – بعد اتخاذ التدابير الاستثنائية من قبل الرئيس سعيّد- يهددان حرّية الصحافة، التي كانت قبل 11 عامًا الإنجاز الرئيسي للثورة التونسية.
تقول منظمة مراسلون بلا حدود الدولية التي تعنى بحرية التعبير والصحافة حول الرئيس قيس سعيّد :” لقد كان قَلبُه المُعادلةَ بالقوة خلال توليه كافة الصلاحيات في 25 جويلية/ تموز 2021 مصحوبا بزيادة في الانتهاكات المرتكبة ضد الصحافة. إن مشاهد العنف المُلاحظة خلال مظاهرات 14 جانفي 2022، والتي لم تشهدها العاصمة منذ أن غادر الرئيس بن علي السلطة في 2011، لم تزد إلا تأكيدا للمخاوف بشأن حقيقة التزام رئيس الدولة بالوقوف إلى جانب حرية الصحافة.”
وقد صرّح الأمين العام لمراسلون بلا حدود كريستوف ديلوار قائلا: ” نحن نشعر بقلق بالغ إزاء هذا المنعرج الاستبدادي الذي له تأثير مباشر على الصحافة التونسية. فعلاوة على كون الصحافة الحرة والمستقلة الإنجازَ المباشرَ للثورة، فإنها مُرتبطة بمستقبل الديمقراطية التونسية. ونحن ندعو رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى الالتزام الصارم بالمحافظة على الضمانات الدستورية التونسية والالتزامات الدولية إزاء حرية الصحافة والإعلام واحترامها. “
أُطلقت صيحات فزع عديدة محليّة ودولية في أكثر من مرّة لتحسيس رئيس الجمهورية قيس سعيّد بخطورة الوضع الذي آل إليه مناخ حرية الإعلام في تونس لاسيما في ظلّ حالة الاستثناء التي تعيش على وقعها البلاد من 9 أشهر انفرد فيها رئيس الدولة بجميع الصلاحيات، لكن يبدو أن صداها لم يصل بعد إلى الرئيس قيس سعيّد الذي واصل انتهاج سياسة الصمت والتعتيم والسكوت عن الانتهاكات الخطيرة المسجلة في حقّ الصحفيين/ات ووسائل الإعلام بل إنّه كان في بعض الحالات طرفا مشاركا فيها ضمنيا أو بشكل مباشر.
سنة سوداء
لم يقتصر خرق القانون، البتة على النص القانوني المتعلق بالنفاذ إلى المعلومة فقط، بل إنّ المرسوم 115 المنظم لحرية التعبير والصحافة والنشر في تونس منذ 2011 شهد بدوره عديد الخروقات والتجاوزات حيث كانت السنة المنصرمة – من 3 ماي/أيار 2021 إلى 3 ماي/أيار 2022- الأعنف على الإطلاق خلال السنوات الأخيرة، وفق مركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.
تقول خولة شبح في هذا المضمار: “هذه السنة ولاسيما خلال الأوضاع الاستثنائية كانت الأعنف على الصحفيين/ات على كافة المستويات. من ناحية العنف الجسدي والنفسي كان هناك تطويق أمني وعسكري للمؤسسات الإعلامية العمومية ومحاولة لتوجيهها نحو خدمة مصالح السلطة أكثر من ذي قبل…أنصار الرئيس قيس سعيّد كانوا منخرطين في أعمال تحريضيّة ضدّ وسائل الإعلام والصحفيين/ات خلال التجمهرات والمظاهرات أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. هذا فضلا عن الاعتداءات الأمنية المتكررة على الصحفيين/ات في ظلّ إفلات تام من العقاب والمحاسبة.”
وتكشف شبح أنّه قد تمّ رصد تحرير محاضر أمنية ضدّ الصحفيين/ات في علاقة بالعمل الميداني، فضلا عن مطالبتهم بتقديم معلومات عن المواضيع التي يشتغلون عليها وهي ممارسات لم تسجل من قبل. هذه الممارسات تدخل في إطار المضايقة من أجل فرض رقابة ذاتية على وسائل الإعلام، وفق تقديرها، مضيفة أنّ عديد الصحفيين/ات اليوم باتوا/ بنن يمارسون/يمارسن رقابة ذاتية وهذا يعتبر خطرا كبيرا على جوهر حرية العمل الصحفي.
قامت خلال الفترة الماضية، وحدة الرصد بنقابة الصحفيين التونسيين بتوثيق 19 حالة ملاحقة قضائية. تقول شبّح إنّ هذا الرقم يعكس تطورا ملحوظا غير مسبوق. في 3 مناسبات كانت هناك عملية إحالة لصحفيين على معنى قانون الإرهاب وفي حالتين تعلّق الأمر بتهم خطيرة تتعلق بأمن الدولة فضلا عن ملاحقة صحفيين من قبل القضاء العسكري رغم صفتهم المدنية والصحفية، بحسب نفس المصدر.
وترى محدثتنا أنّ مثل هذه الحالات المرصودة تعتبر نوعا من الهرسلة في ظلّ صمت كامل من السلطة التنفيذية على كل هذه الممارسات المخالفة للقانون. كما تشدّد على وجود ضغوط تمارس على الإعلام العمومي من أجل تمرير محتويات أحادية الجانب. وتصف شبّح بأنّ الإعلام العمومي القاطرة المعدّلة للمشهد الإعلامي، معتبرة عملية غلقه أمام التنوع وحضور الجهات مخالفة الرأي لخيارات الرئيس قيس سعيّد مؤشرا خطيرا يؤثر على الجودة والتوازن المطلوبين في عمل وسائل الإعلام.
في 13 سبتمبر/ أيلول 2021، أصدرت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في تونس تقريرا يرصد التعدديّة السياسية في القنوات التلفزية العمومية والخاصة خلال الفترة الممتدة بين 25 و31 جويلية/ تموز 2021. كانت النتائج الواردة في هذا التقرير صادمة، لاسيما في علاقة بالتلفزة التونسية باعتبارها مرفقا إعلاميا عموميا يموّل من أموال دافعي الضرائب. يفيد التقرير أنّ التغطية الإعلامية للتلفزة التونسية لم تكن متوازنة قطّ بل كانت منحازة كليّا لقرارات الرئيس حيث تضمن مضمون التغطية 93 بالمائة ممن هم مع التدابير الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيّد.
في ذات السياق صرّح رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي صرّح في وقت سابق خلال شهر جانفي/كانون الثاني 2022 بالقول إنّ هناك قرارا سياسيا يقضي بمنع الأحزاب من دخول القناة الوطنية الأولى للمشاركة في البرامج الحوارية، مشيرا إلى أنّ هذا يحصل لأوّل مرّة منذ الثورة في 2011 وهو ما يمثل انتكاسة كبرى لحرية الصحافة في البلاد، وفق تعبيره. وهو اتهام خطير لم تعلّق عليه مؤسسة رئاسة الجمهورية إلى حدّ اليوم.
فضلا عن ذلك، عمدت السلطات الأمنية في تونس يوم 26 جويلية/تموز 2021 ، في خطوة غير مسبوقة منذ الثورة، إلى اقتحام مكتب قناة الجزيرة القطرية في تونس، مطالبة الموظفين بمغادرته رغم عدم الاستظهار بأي قرار قضائي أو قانوني يبرّر ذلك. بعد 9 أشهر من دخول البلاد التونسية في منعرج التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد لا يزال مكتب هذا القناة مغلقا دون تقديم أي توضيحات رسميّة، حيث اضطر الصحفيون/ات العاملون/العاملات فيها إلى العمل من منازلهم أو انطلاقا من مقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين التي قامت باحتضانهم في خطوة تضامنية.
“لعب الصمت المريب لرئاسة الجمهورية دورا كبيرا في تراجع ترتيب تونس في التصنيف العالمي لحرّية الصحافة”
صهيب الخياطي
في حوار خصّ به موقع الكتيبة خلال زيارته إلى تونس في شهر ديسمبر/ كانون الأوّل من السنة الماضية، أعرب الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين أنطوني بيلانجي عن دعمه للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في مجهوداتها ومواقفها المدافعة عن حرية التعبير والصحافة والحق في المعلومة إزاء ما تمّ تسجيله من إنتهاكات تحت حكم رئيس الجمهورية قيس سعيد والحكومة الحالية بقيادة نجلاء بودن.
بيلانجي الذي قارن بين وضع الحريات الصحفية في سنة 2019 حينما نظّم الاتحاد الدولي للصحفيين مؤتمره في تونس وبين الظروف الحالية في ظّل التدابير الاستثنائية، توجه بالنقد لسياسة رئاسة الجمهورية التونسية في التعاطي مع حق الصحفيين/ات ووسائل الإعلام في المعلومة في إطار مبدأ المساءلة الإعلامية خدمة للجمهور، داعيا إلى فتح حوار بين الطرفين لتوضيح عديد الممارسات التي تتعارض مع المسار الديمقراطي الذي يجب أن يقوم على احترام حرية الصحافة من قبل السلطة السياسية. نفس المتحدّث وصف تنظيم رئاسة الجمهورية لندوة صحفية دون حضور الصحفيين/ت خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى تونس بالفضيحة، متوجها بالطلب لمؤسسة الرئاسة لعقد لقاء حول ملف الحريات الصحفية والملفات الاجتماعية المهنية العالقة بالنسبة للصحفيين التونسيين، طلب جوبه بآذان صماء على عكس ما كان عليه الوضع في عهد الرئيس السابق الباجي قائد السبسي الذي استقبل بيلانجي في أكثر من مرّة، وفق نفس المتحدث.
علاوة على ذلك، رفض رئيس الجمهورية قيس سعيّد الإجابة على صحفيي/ات صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية خلال لقاء جمعهم/ن به في قصر قرطاج بعد أيام قليلة من احتجازهم من قبل الشرطة التونسية عندما كانوا يواكبون آراء مواطنين إزاء ما تشهده البلاد من أحداث سياسية.
في إطار نقلها لما حدث في كواليس اللقاء الذي جمعهم بالرئيس سعيّد نشرت فيفيان يي في مقالا بالجريدة الأمريكية روت فيه أنها تلقت مكالمة إلى جانب صحفيين آخرين يعملان في نيويورك تايمز واعتقدت أن هذه الزيارة قد تكون فرصة لإجراء مقابلة صحفية مع الرئيس التونسي لكن تبيّن أنها كانت دعوة لإلقاء محاضرة. وقد طُلب منهم/ن خلال الزيارة التزام الصمت. وتضيف أنهم عندما بدأوا في طرح الأسئلة قال لهم سعيّد “هذا اللقاء ليس مقابلة صحفية”.
لاشكّ في أنّ كلّ هذه المؤشرات والوقائع تفسر جزءا لا بأس به من أسباب نكوص تونس بـ 21 مرتبة إلى الخلف في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود في مطلع شهر مايو/أيار 2022.
صمت مريب
يعلّق مدير مكتب شمال إفريقيا بمنظمة مراسلون بلا حدود صهيب الخياطي على تأخر تونس في التصنيف العالمي لحريّة الصحافة بالقول إنّ هذا الترتيب الجديد أصبح في الحقيقة يشبه أكثر واقع حرية الصحافة حاليا فالانتقال الديمقراطي معطّل قبل وبعد 25 جويلية/ تموز 2021، منتقدا ما وصفه بعدم احترام واجب المساءلة التي لا يمكن تكريسها إلا عبر التفاعل مع وسائل الإعلام من قبل الرئيس قيس سعيّد.
ويضيف الخياطي: “لعب الصمت المريب لرئاسة الجمهورية دورا كبيرا في تراجع ترتيب تونس بسبب انحسار حيّز الحريّة الذي كان موجودا في السنوات الماضية”.
ويذكر محدثنا أنّه مباشرة فور فوز قيس سعيّد برئاسة الجمهورية تعرضت مجموعة من الصحفيين/ات في تونس العاصمة إلى اعتداءات أثناء قيامهم/ن بالتغطية الميدانية للاحتفالات التي تلت النتائج الأوليّة وذلك من قبل أنصار الرئيس دون أن يتم تسجيل أي اعتذار من قبل سعيّد أو فريقه. كما يشدّد الخياطي على أنّه وبرغم الوعود المتكرّرة للرئيس قيس سعيّد بخصوص الدور الذي يجب أن يلعبه لكي يكون الضامن لحرية الصحافة في تونس لم تكن تلك الوعود مشفوعة بالتزام فعلي وعملي لتحسين مناخ عمل الصحفيين/ات حيث أصبح اليوم العمل الصحفي مستهدفا بشكل يحول دون قيام ممثلي وسائل الإعلام بواجبهم المهني بشكل آمن وحرّ.
صمت رئاسة الجمهورية التونسية و اتساع الفجوة بينها وبين وسائل الإعلام في تونس في ظلّ الجدار العالي الذي يحول بينهما بسبب السياسة الاتصالية المتبعة من الرئيس سعيّد لم يكونا وليدي لحظة 25 جويلية /تموز 2021. فمنذ انتخابه رئيسا للجمهورية أوصد قيس سعيّد أبواب قصر قرطاج أمام الصحفيين/ات. في تقريرها الصادر بتاريخ 3 ماي/ أيار 2021، وصفت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين سياسة رئاسة الجمهورية بـ”صمت القصور”.
تقول النقابة في تقريرها المذكور:” يتّسم قصر قرطاج في عهد الرئيس قيس سعيّد بالانغلاق أمام وسائل الإعلام والصحفيين/ات. فلم تعقد مؤسسة الرئاسة ندوات صحفية ودورية ولا نقاط إعلامية. وقد اقتصر تعاملها مع الصحفيين/ات ووسائل الإعلام والفضاء العام عموما سوى على نشر صور وفيديوهات النشاط الرئاسي وتصريحات رئيس الدولة على صفحة الرئاسة في الفيسبوك دون فسح المجال أمام الصحفيين/ات لدخول قصر قرطاج ولقاء المسؤولين والحديث معهم والحصول على المعلومة من مصدرها أو حضور مسؤولين من الرئاسة في البرامج الإعلامية أو حتّى الإدلاء بتصريحات والاجابة عن التساؤلات التي تشغل الرأي العام.”
وقد اعتبرت نقابة الصحفيين التونسيين أنّ هذا الانغلاق تسبّب في انتشار الشائعات والأخبار المضللة وظهور أطراف تتحدث باسم الرئاسة مما ساهم في إرباك المشهد الإعلامي بشكل أكد مقولة أنّه في غياب المعلومة الرسمية الدقيقة تزدهر الإشاعة.
بمناسبة اليوم العالمي لحريّة الصحافة، التقى رئيس الجمهورية قيس سعيّد في قصر قرطاج بنقيب الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي وذلك في 3 ماي/أيار 2021، لقاء سلّم خلاله الجلاصي نسخة من تقرير النقابة المشار إليه الذي وجهت فيه انتقادات لرئيس الدولة مطالبة إياه بتعديل ومراجعة سياسته الاتصالية المنغلقة. وقد جاء وقتها في البلاغ الصادر عن مؤسسة رئاسة الجمهورية أنّ رئيس الدولة جدّد دعمه المطلق لحرية التفكير ومساندته المطلقة لحرية الصحافة والإعلام وحرصه على مواصلة الإنصات إلى مشاغل الصحفيين/ات واهتمامه بمقترحاتهم/ن لتطوير المشهد الإعلامي.
هذا الخطاب السياسي، الذي يبدو مطمئنا في الظاهر، لم يتحقّق منه أي شيء تقريبا على أرض الواقع حيث ظلّت وعود رئيس الجمهورية للصحفيين أشبه بوعود كافور الإخشيدي كما يقال في المثل العربي الشهير العزيز على قلب قيس سعيّد نفسه. بل يمكن القول إن الأمور قد تكون ازدادت سوءا لاسيما بعد منعطف 25 جويلية/ تموز 2021.
يكشف تقرير أعدته منصة “فالصو” المختصة في مراقبة مصداقية المحتويات المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي يهتم برصد ما أسمته بالمغالطات المرصودة في تصريحات وخطابات رئيس الجمهورية قيس سعيّد التي تبث عبر صفحة الرئاسة في الفيسبوك خلال الفترة الممتدة بين 25 جويلية/ تموز 2021 و25 جانفي/كانون الثاني 2022 ، عن 114 مغالطة تمّ تسجيلها. 35 بالمائة من هذه المغالطات وفق توصيف منصة “فالصو” كانت تصريحات زائفة كما أنّ 35 بالمائة من محتوى تصريحات رئيس الدولة كان مضللا فضلا عن رصد 5 بالمائة من مضمون الخطابات التي كانت غير دقيقة.
وتناول التقرير 91 خطابا وتصريحا. بمدّة زمنية قدرت بـ 1097 دقيقة تكلم فيها الرئيس لوحده مستبعدا بذلك تقنية الحوارات الصحفية التي تكون فيها مواجهة مع أسئلة ممثلي وسائل الإعلام.
تقول منسقة وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين خولة شبح بأنّ رئاسة الجمهورية قدمت عديد الوعود في علاقة باحترام حريّة الصحافة لكن فعليا وعلى أرض الواقع ومن خلال الممارسة تمّ رصد عديد الانتهاكات التي تعدّ نكثا بالوعود.
فعلى المستوى الهيكلي، منذ سنة 2020 ومؤسسة رئاسة الجمهورية دون مستشار إعلامي وفي هذا – وفق تعبير شبّح- ضرب لمبدأ أساسي وهو الحق في الحصول على المعلومة من مؤسسات الدولة التي هي ملزمة بتقديم المعلومات لمواطنيها من أجل أن يتخذوا مجموعة القرارات والخيارات المستنيرة خدمة للصالح العام.
وتضيف شبّح: ” حاليا مكتب الإعلام برئاسة الجمهورية غير نشيط وفي طريقة عمله لاحظنا في أكثر من مناسبة وجود تمييز بين وسائل الإعلام نخشى أن يكون انعكاسا لسياسة اقصائية لبعض المؤسسات التي قد تكون بصدد دفع ضريبة خطها التحريري ونقدها لرئيس الجمهورية”.
صمت رئاسة الجمهورية على عمليات ملاحقة الصحفيين/ات في قضايا مرتبطة بتهم تخلّى عنها القضاء منذ ثورة 2010/2011 من قبيل تهمة إتيان أمر موحش ضدّ رئيس الدولة يُخشى منه أن تكون هناك موافقة ضمنية على هذه الممارسات الخطيرة، وفق تقدير ذات المتحدثة.
وتستنكر خولة شبّح تواصل رفض رئيس الجمهورية إجراء حوارات صحفية مع الصحفيين/ات، حيث اكتفى منذ صعوده إلى سدّة الحكم بإجراء 3 مقابلات واحدة فقط كانت مع وسيلة إعلامية تونسية وهي القناة الوطنية وذلك في إطار تعهد قطعه المرشحون لرئاسة الجمهورية خلال المناظرة التي أجريت في الدور الأول والثاني سنة 2019 .
تشدّد المسؤولة في النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين على أنّه من حقّ رئيس الجمهورية انتقاد عمل وسائل الإعلام لكن ليس من حقّه توجيه اتهامات من قبيل تزييف الحقائق والكذب وغيرها من التهم التي من شأنها تشجيع أنصار الرئيس على مزيد التحريض ضدّ وسائل الإعلام وهو ما قد يساهم في شحن الرأي العام ضد الصحفيين/ات لاسيما في شبكات التواصل الاجتماعي. وتحذر في هذا السياق من إمكانية ارتكاب أفعال انتقامية ضدّ الصحفيين/ات من قبل مواطنين مناصرين للرئيس سعيّد.
هذا وقد تمّ خلال الفترة الماضية، رصد ما لا يقل عن 3 حالات خطابات كراهية صادرة عن رئيس الجمهورية تجاه وسائل الإعلام والصحفيين/ات. خطابات الكراهية المرصودة تقول عنها خولة شبّح إنّها قد ساهمت في خلق أزمة صلب المؤسسات الإعلامية سواء من خلال تعاطي الرأي العام معها في إشارة لأنصار الرئيس أو على مستوى تهديدها بالملاحقة القضائية.
وتؤكد شبّح على أنّ الحوارات الصحفية هي آلية من آليات مساءلة الرأي العام/ الجمهور لمؤسسات الدولة عبر وسائل الإعلام، قائلة إنّه من غير المقبول أن تكون مؤسسة رئاسة الجمهورية منغلقة أمام الحق في المساءلة،واصفة ما يحصل من قبل الرئيس قيس سعيّد بالسياسة الاتصالية أحادية الجانب والرئيس قيس سعيّد يعطي ما يريد فقط وهذا يقطع أواصر الحوار داخل المجتمع حول الخيارات الكبرى للدولة.
بعد مرور أكثر من سنتين ونصف على تولي قيس سعيّد رئاسة الجمهورية، لم يعد من الممكن الحديث فقط عن مجرد تهميش غير مقصود لدور وسائل الإعلام التي تلعب هنا دور الوساطة، فرئاسة الجمهورية نسفت حق المراقبة والمساءلة لعمل السلطات العمومية، وفق تعبير خولة شبّح.
تصوّر مؤامراتي
يفسّر الأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بجامعة منوبة التونسية الدكتور الصادق الحمامي هذه العلاقة الملتبسة بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد و وسائل الإعلام بما وصفها بالنظرة المؤامراتية. ويقول محدثنا في هذا الصدد:” في الحوارات النادرة والقليلة التي أعطاها قيس سعيّد للصحافة لاسيما قبيل وأثناء الحملة الانتخابية الرئاسية بدا من الواضح أنّه ينظر إلى الإعلام باعتباره وسيلة من وسائل التلاعب بالشعب ولهذا هو يتعامل مع الصحفيين/ت بحذر شديد.”
ويضيف الحمّامي أنّ قيس سعيّد كفاعل سياسي له تصوّر مؤمراتي في علاقة بالإعلام حيث ينظر إلى حريّة الصحافة نظرة أداتية إذ يعتبرها ليست من صميم الحريات الضرورية لقيام مجال عمومي ديمقراطي يقوم على التنوع وتظهر فيه كلّ الآراء والتيارات الأيديولوجية.
ينتمي قيس سعيّد بحسب تفسير الدكتور الحمّامي إلى فئة الفاعلين السياسيين الشعبويين. ويشدّد نفس المتحدث على أنّ الظاهرة الشعبوية بشكل عام تقوم على فكرة إلغاء الوسائط.
“قيس سعيّد باعتباره فاعلا سياسيا شعبويا استثمر في حالة الغضب التي تكتنف علاقة الجمهور بوسائل الإعلام”
الصادق الحمامي
ويستبعد الحمامي أن يكون لسعيّد عداء أيديولوجي تجاه الإعلام فنظرة رئيس الجمهورية الحالي لحرية الصحافة ودور وسائل الإعلام هي نظرة مندمجة في إطار تصوره السياسي ورؤيته لعلاقته بالشعب. كما يؤكد أنّ نظرة قيس سعيّد للإعلام لا يمكن تصنيفها في خانة العداء الأيديولوجي من منظور كلياني أو فاشي.
يقول الحمامي في نفس المضمار: ” قيس سعيّد ينظر إلى الإعلام من منظور أنّه مؤسسة تلاعبت بها القوى السياسية وقوى المال والقوى الخارجية وقوى الفساد وبالتالي فهو يرى أن هذا الإعلام لا يقوم على شرعية مستمدة من الشعب بل هو على العكس من ذلك خان الشعب وذلك وفق تصوره المؤامراتي “.
تؤكد هذا التصور المؤامراتي تصريحات المستشارة الإعلامية السابقة لرئيس الجمهورية رشيدة النيفر التي اتهمت القناة الوطنية الأولى بالتآمر على رئيس الدولة خلال الحوار اليتيم الذي أجراه بمناسبة 100 يوم من توليه مقاليد الحكم في قصر قرطاج، مبرّرة بذلك رفضه التعامل مع الصحفيين/ات ووسائل الإعلام.
فقد اتهمت النيفر الرئيس المدير العام لمؤسسة التلفزة التونسية محمد لسعد الداهش الذي أقيل من قبل الرئيس قيس سعيّد بعد 25 جويلية/ تموز 2021 بمحاولة إفساد صورة رئيس الدولة قيس سعيّد في حوار المائة يوم. واعتبرت أنّ الداهش أخلف بكلّ الاتفاقات المسبقة حول محاور الحوار و سيرورته، معتبرة أنّ الحوار الذي أجري حاد بالأسئلة في محاولة لتهميش رئيس الجمهورية وضرب صورته.
وشدّدت النيفر في تصريحاتها على أنّ لسعد الداهش والتلفزة التونسية عموما كان لديهم نوايا خبيثة لإفساد صورة الرئيس خلال ذلك الحوار، واصفة هذه المؤسسة بالمخترقة من قبل حركة النهضة الخصم السياسي للرئيس سعيّد وذلك بالتعاون مع لسعد الداهش بهدف ضرب صورة الرئيس قبل أن تستدرك بالقول إنّهم لم ينجحوا في هذا المسعى.
في الحقيقة، وعلى نقيض هذا الخطاب المؤامراتي الذي برّرت به رشيدة النيفر حالة شبه القطيعة بين الرئيس قيس سعيّد ووسائل الإعلام، فإنّ الحوار الوحيد الذي أجراه الرئيس قيس سعيد في مؤسسة إعلامية تونسية منذ فوزه بالرئاسة في 2019 كان قد تمّ تقديمه من قبل صحفيين مستقلين يعملان بالمؤسّسة منذ سنوات وهما إيهاب الشاوش وإلهام الكتاني وليس من قبل الرئيس المدير العام الذي سيقال لاحقا بقرار رئاسي. هذان الصحفيان ردّا بالنفي والاستغراب على اتهامات رشيدة النيفر في تدوينات فايسبوكية وتصريحات إعلاميّة.
في الواقع، يضع هذا التصوّر المؤامراتي كما أسماه الصادق الحمامي، قيس سعيّد في موضع تناقض بين ما كان عليه حينما كان أستاذا للقانون الدستوري واليوم حينما أصبح رئيسا للجمهورية. فعلى امتداد السنوات التي تلت الثورة في تونس، استفاد قيس سعيّد بصفته خبيرا في القانون الدستوري أيّما استفادة من ظهوره الإعلامي المتواتر في العديد من وسائل الإعلام المحليّة كالقناة الوطنية الأولى وحتى الدولية كقناة الجزيرة التي أغلق مكتبها في فترة حكمه. لم يكن له حينئذ موقف مقاطع أو محترز تجاه وسائل الإعلام.
يقول الصادق الحمامي في هذا الإطار: “قيس سعيّد ظهر في الإعلام باعتباره خبيرا في القانون الدستوري وقد استفاد حتّى من البرامج الترفيهية مثل الكاميرا الخفيّة “الزلزال”. لقد كان لهذا الظهور الإعلامي تأثير انطباعي كبير على الناس الذين باتوا يربطون بين رباطة الجأش التي بدا عليها سعيّد في الكاميرا الخفية الرمضانية بمعنى أنه شخص لا يخاف ،وخبرته الدستورية فضلا عن السمعة الجيدة التي يتمتع بها باعتباره في نظر كثيرين نظيف اليدين وشخص نزيه.”
كلّ هذه العوامل تراكمت وأعطت رأسمال إعلامي لقيس سعيّد تحوّل لاحقا إلى رأسمال سياسي فمن دون وسائل الإعلام لم يكن بإمكان سعيّد النفاذ إلى الحقل السياسي، وفق تقدير الدكتور الحمّامي.
يذهب الحمّامي أبعد من ذلك إلى اعتبار أنّ قيس سعيّد، حينما أصبح رئيسا، استثمر في حالة الغضب التي تكتنف علاقة الجمهور بوسائل الإعلام والتي تعكس أزمة ثقة لأسباب عديدة وكانت قد سبقت صعود الأخير للحكم في 2019.
يوضح الحمّامي هذه الفكرة قائلا: ” استثمر قيس سعيّد باعتباره فاعلا سياسيا شعبويا في هذا الغضب باعتباره فاعلا مترفعا حسب الصورة التي يقدمها للشعب عن هذه المؤسسة الوسيطة التي لها صورة سيئة لدى قطاعات واسعة من التونسيين خاصة في الجزء المتعلق بكل ماهو كاتب سياسي أو كرونيكور( معلّق على الأحداث والأخبار في البرامج الحوارية)…إنّ الانطباع السائد لدى عموم التونسيين هو أنّ الصحافة والصحفيين/ات لا يقومون بدورهم/ن بشكل جيّد ولهذا نرى هذا الغضب الذي استثمر فيه سعيّد حينما أصبح رئيسا للجمهورية”.
لكن في المقابل يعتبر الحمامي أنّ قيس سعيّد ورئاسة الجمهورية والحكومة التي تعمل تحت إمرته ليس لديهم فكرة أو خبرة حول الكيفية التي يجب أن يدار بها قطاع الإعلام ولا أدل على ذلك إلا الإيقافات التي تعرض اليها مراسل إذاعة موزاييك بالقيروان خليفة القاسمي ومقدم البرامج بقناة الزيتونة عامر عيّاد ورئيسة تحرير موقع سكوب أنفو شهرزاد عكاشة، مشددا على أنّه حتى إذا ما افترضنا حصول إخلالات متعلقة بأخلاقيات العمل الصحفي فإنّ هذه الأخطاء يجب أن تعالج وفق المرسوم 115 وعبر آلية التعديل الذاتي من قبل مجلس الصحافة والمؤسسات الإعلامية نفسها وليس من خلال الزج بالصحفيين/ات في السجن أو محاكمتهن بتهم متعلقة بقانون الإرهاب أو أمام القضاء العسكري.
كما اعتبر الأستاذ بمعهد الصحافة أنّ قيس سعيّد نفسه يستخدم التلفزة الوطنية لبثّ خطبه لأنه لا يرضى بالمعالجة الصحفية المهنية في نشرة الأخبار، فهو يعتقد أنّ تأخير المضامين الخاصة به إلى المرتبة الخامسة أو السادسة نوع من الإساءة لصورته وفي هذا دليل على أنّه مثل أغلب النخب السياسية يريد إعلاما في خدمته.
في ظلّ غياب أي تصوّر للدولة التونسية اليوم لإصلاح قطاع الإعلام عبر بلورة رؤية تشاركية وسياسة عمومية لضمان حرية الصحافة وتحسين مناخ عمل الصحفيين/ات وأوضاعهم/ن الاقتصادية والاجتماعية، تبدو البلاد سائرة نحو المجهول لاسيما بعد انفراد رئيس الجمهورية قيس سعيّد بجميع الصلاحيات بفعل الأمر الرئاسي عدد 117 الذي يمنحه صلاحية القيام بتعديلات تشريعية على القوانين والهيئات المنظمة لمهنة الإعلام دون أي حسيب أو رقيب حيث ليس من حقّ أي كان الطعن في دستورية أو قانونية ذلك أمام القضاء، وهو وضع قد يزيد في تقليص هوامش حرية الصحافة في تونس في الوقت الذي تستعد فيه البلاد إلى استفتاء مرتقب خلال شهر جويلية/ تموز 2022. لكن هذا الاستفتاء لم يسبقه انفتاح من قبل رئاسة الجمهورية على وسائل الإعلام لمساعدتها على القيام بدورها المجتمعي في فتح نقاشات مستفيضة حول الإصلاحات السياسية والدستورية التي سيقوم بها الرئيس قيس سعيّد.
هذا ويستبعد عديد المراقبين للشأن الإعلامي إمكانية توفر الشروط الموضوعية حاليا لتنظيم مناظرات على شاكلة المناظرة التي كان لها دور في صعود رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى الحكم، سياق عام يمكن الجزم فيه بأنّ وعود الرئيس الجمهورية باحترام حرية الصحافة ضمن مناخ ديمقراطي حقيقي أصبحت أشبه بوعود كافور الاخشيدي الذي كان كثيرا ما يستشهد به قيس سعيّد نفسه في أكثر من مرّة لذمّ السياسيين الذين يقومون بنكث العهود والالتزامات التي تسبق وصولهم إلى السلطة.
وجب التنويه أنه في إطار إعداد هذا المقال، اتصل موقع الكتيبة بمستشار رئيس الجمهورية وليد الحجام من أجل طلب الحصول على تعليق وتوضيحات رسميّة باسم مؤسسة الرئاسة بخصوص جملة المعطيات الواردة في هذا المحتوى الصحفي. فطلب الحجام إرسال رسالة الكترونية تتضمن الأسئلة المطلوب الإجابة عنها متعهدا بعرضها على من يهمه الأمر في إشارة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد. واعتذر بلطف عن عدم إمكانية ردّه هاتفيا على الأسئلة على اعتبار عدم وجود مدير للديوان الرئاسي حاليا بعد استقالة نادية عكاشة يمكن أن يطلب منه إذنا خاصا للقيام بهذه المهمة. كما أنّه من المهم أيضا أن نشير إلى أنّ الصورة الرئيسية لهذا المقال مقتبسة من رسم كاريكاتوري للفنان توفيق عمران نشر في تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود ومن صورة للزميل المصوّر الصحفي إسلام الحكيري.
وجب التنويه أنه في إطار إعداد هذا المقال، اتصل موقع الكتيبة بمستشار رئيس الجمهورية وليد الحجام من أجل طلب الحصول على تعليق وتوضيحات رسميّة باسم مؤسسة الرئاسة بخصوص جملة المعطيات الواردة في هذا المحتوى الصحفي. فطلب الحجام إرسال رسالة الكترونية تتضمن الأسئلة المطلوب الإجابة عنها متعهدا بعرضها على من يهمه الأمر في إشارة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد. واعتذر بلطف عن عدم إمكانية ردّه هاتفيا على الأسئلة على اعتبار عدم وجود مدير للديوان الرئاسي حاليا بعد استقالة نادية عكاشة يمكن أن يطلب منه إذنا خاصا للقيام بهذه المهمة. كما أنّه من المهم أيضا أن نشير إلى أنّ الصورة الرئيسية لهذا المقال مقتبسة من رسم كاريكاتوري للفنان توفيق عمران نشر في تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود ومن صورة للزميل المصوّر الصحفي إسلام الحكيري.
الكاتب : محمد اليوسفي
الكاتب : محمد اليوسفي