الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
“ما الذي قد ينفع المواطن ممّا تقومون به من نبش وراء شركات خاصة نحمد الله أنّها مازلت تنشط. كان أولى بكم النبش وراء المحامين والأطباء فأولئك هم من يتهرّبون من دفع الضرائب وممن يخلّون بالتزاماتهم مع الدولة”.
بهذه العبارات استقبلتنا نبيهة اليحياوي كاهية مدير الطرقات والمرور ببلدية تونس، رغم أنّنا لم نطلب لقاءها. لمدّة ساعة ونصف من المحادثات التي جاءت بعد تقدّمنا بمطالب نفاذ إلى المعلومة في خصوص منظومة الرقابة على شركات خاصة متعاقدة مع بلدية تونس والمستلزمة لمساحات واسعة في العاصمة للتصرّف في عدد من المآوي والمناطق الزرقاء لوقوف السيارات على الطريق العام ورفعها أو تكبيلها في حال مخالفتها للقانون.
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
“ما الذي قد ينفع المواطن ممّا تقومون به من نبش وراء شركات خاصة نحمد الله أنّها مازلت تنشط. كان أولى بكم النبش وراء المحامين والأطباء فأولئك هم من يتهرّبون من دفع الضرائب وممن يخلّون بالتزاماتهم مع الدولة”.
بهذه العبارات استقبلتنا نبيهة اليحياوي كاهية مدير الطرقات والمرور ببلدية تونس، رغم أنّنا لم نطلب لقاءها. لمدّة ساعة ونصف من المحادثات التي جاءت بعد تقدّمنا بمطالب نفاذ إلى المعلومة في خصوص منظومة الرقابة على شركات خاصة متعاقدة مع بلدية تونس والمستلزمة لمساحات واسعة في العاصمة للتصرّف في عدد من المآوي والمناطق الزرقاء لوقوف السيارات على الطريق العام ورفعها أو تكبيلها في حال مخالفتها للقانون.
من خلال ذلك اللقاء ولقاءات أخرى مع إدارة الطرقات والمرور ببلدية تونس، كانت هناك شراسة في الدفاع عن هذه الشركات ومن بينها شركة “لافيات للتنمية” لصاحبها رجل الأعمال عبد الحميد بن عبد الله لدفع أيّة شبهة عنها أو إخلال يطالها، فمع كل معطى نقدّمه أو استفسار نطرحه إلاّ وتكون الإجابة بالنفي تماما.
“كل شيء على ما يرام والشركات تقوم بواجباتها وتعاني من صعوبات مالية وإدارية ويصل الأمر بها في بعض الحالات إلى تحقيق نتائج مالية سنوية سلبية”. هذا ما تكرّر على لسان المسؤولين في لقاءات دامت أكثر من ثلاث ساعات مع تسجيل رفض مطلق من طرفهم لمدّنا بما طلبناه من وثائق والاكتفاء بالسماح لنا بمعاينة بعض المعطيات في عين المكان بسبب ما يعتبرونه حفظ حقوق الملكية والمعطيات الخاصة بشركائهم.
سيتبيّن لاحقا سبب رفض الجهات الرسمية مدّنا بالمعطيات الخاصّة باللّزمة التي فازت بها شركة “لافيات للتنمية” لصاحبها رجل الأعمال المعروف وصاحب القناة التلفزية “تونسنا” عبد الحميد بن عبد الله الذي نجح في تأمين نفسه وشركته من دفع الجباية طيلة 18 عاما، فضلا عن اخفاء التجاوزات التي تقوم بها شركة “لافيات للتنمية” في حقّ المواطنين والدولة على حدّ سواء.
في هذا الجزء الأوّل من تحقيق مطوّل أنجزه موقع الكتيبة على مدى 4 أشهر، نكشف النقاب عن العلاقات التعاقدية التي تجمع كل من بلديات تونس وحلق الوادي والمرسى وسيدي بوسعيد بعدد من الشركات الخاصة للتصرّف في المآوي ورفع السيارات المخالفة لقوانين الوقوف والتوقف.
فكيف فرّطت البلديات في عائدات مالية كان يمكن استغلالها لتحسين مواردها وميزانيتها؟ وكيف أصبحت هذه الشركات الخاصة كابوسا لدى التونسيين.ـات.؟ من يملك هذه الشركات؟ وكيف تمكنت من نسج خيوط عمليات جهنمية للتهرّب الضريبي والغشّ الجبائي فضلا عن عدم احترام العديد من الالتزامات؟ ولماذا تصمت الدولة على الخروقات المفضوحة التي تكتنف هذا القطاع الذي أصبح يدار بشكل مافيوزي؟
اليكم القصّة الأولى من التحقيق الذي سينشر على 4 أجزاء، المتعلقة بشركة رجل الأعمال عبد الحميد بن عبد الله الذي يوصف ببارون قطاع “الشنقال” في منطقة لافيات بتونس العاصمة.
عقد لزمة في ظروف مسترابة
من منكم لا يعرف الفضاء التجاري “شومبيون” في منطقة لافيات بقلب العاصمة تونس الذي ينشط به عدد من المحلات التجارية والمقاهي؟
من المؤكد أنّ العديد من التونسيين على الأقل الذين يقطنون في تونس الكبرى (ولايات تونس، أريانة، منوبة، بن عروس) مرّوا بهذا المكان، لكن ما لا يعرفه أغلب التونسيين.ـات أنّ الشركة التي شيّدت هذا الفضاء هي شركة “لافيات للتنمية” لصاحبها عبد الحميد بن عبد الله وهي نفس الشركة الناشطة في مجال رفع السيارات المخالفة وتكبيلها أو ما يسمّى بـ “الشنقال” والتي تسجّل منذ 18 عاما من النشاط الاقتصادي المثمر نتائج مالية سنوية سلبية حسب ما تصرّح به لدى مصالح الضرائب التونسية.
في عام 1999 نشرت بلدية تونس طلب عروض لبناء مأوى في منطقة لافيات وذلك في إطار مخطط البلدية لإيجاد حلول لظاهرة الاكتظاظ وركن السيارات في الشوارع بشكل يعطّل انسيابية حركة المرور.
في ذات السنة أسّس عبد الحميد بن عبد الله رفقة أشقائه سالم ومبروك ومحمد ومراد بن عبد لله وبالشراكة مع كلّ من صوفي ماري أوديل كريبات -وهي ممثلة عن الشركة الفرنسية “أكوا سوركا”- وباتريك ماسون -ممثلا عن شركة الخدمات والمالية فرنسية الجنسية-، شركة “لافيات للتنمية” برأس مال بلغ وقتها 500 ألف دينار.
في عام 2000 تمكّنت الشركة حديثة العهد من الفوز بطلب العروض الذي أطلقته بلدية تونس ليتمّ إمضاء عقد اللزمة بين الطرفين في 30 أوت/أغسطس من ذات العام.
وتقضي اللزمة بتمكين الشركة الفائزة “لافيات للتنمية” من قطعة أرض بمنطقة لافيات تمسح 8500 متر مربّع لبناء فضاء تجاري ضخم به مأوى بأربعة طوابق يسع 840 سيّارة ( 745 مكان + 75 مكانا مستغل كمستودع حجز).
فضلا عن ذلك، تقوم الشركة وفق نفس العقد، باستغلال المناطق الزرقاء (الوقوف بمقابل في الشوارع والأنهج المحيطة بالفضاء) وتنظيم الوقوف والتوقف في كامل المساحة المحيطة بالمركز التجاري والتي يطلق عليها اسم “مساحة التأثير”، وذلك عبر استعمال الكبّالات وحجز السيارات ورفعها. كلّ هذه الأنشطة هي تحت تصرّف شركة عبد الحميد بن عبد الله لمدّة 40 سنة كما يضبطه ذلك العقد الممضى بين الطرفين.
في العام 2003، أدخل عبد الحميد بن عبد الله تحويرات على رأس مال الشركة عبر الترفيع فيه إلى 3 مليون دينار مقسّمة على ثلاثة شركاء فقط تمّ حصرهم في شخص عبد الحميد بن عبد الله وشريكيه الفرنسيين.
تشي هذه المعطيات بأنّ المشروع الذي فازت به شركة لافيات للتنمية ذو مردودية مالية جيّدة، خاصة وأنّ من بين مالكي الشركة مستثمرون أجانب.
غير أنّ نبيهة اليحياوي كاهية مدير إدارة المرور ببلدية تونس، ترى عكس ذلك تماما، حيث تشبّثت في أكثر من مناسبة بأنّ نوعية هذه المشاريع ليست ذات مردودية مالية، مستحضرة ما كان يقوله شيخ مدينة تونس سابقا عبّاس محسن الذي تمّ إمضاء عقد اللزمة تحت ولايته.
“الحمدلله أننا وجدنا من يقوم ببناء مآوي خدمة للصالح العام ومساعدة جهود البلدية في فض إشكاليات الوقوف والتوقف في شوارع العاصمة، فكيف تتم مطالبة هؤلاء بعائدات مالية للبلدية؟”.
نبيهة اليحياوي كاهية مدير الطرقات ببلدية تونس
وينصّ عقد اللزمة الممضى بين البلدية وشركة لافيات للتنمية على تحويل نسبة من مرابيح الأخيرة عن كل سنة لفائدة البلدية، بشرط أن تكون النتائج المحقّقة من طرف الشركة إيجابية، أمّا إذا كانت النتائج المحقّقة سلبية فيتمّ إعفاؤها.
من خلال الوثائق التي تحصلّ عليها موقع الكتيبة والمعطيات التي اطّلعنا عليها في خصوص التصاريح الجبائية لشركة “لافيات للتنمية” يظهر أنّ النتائج المالية المحقّقة سنويا وفق المصرّح به أغلبها سلبية، إن لم نقل أنّ خسائرها فادحة.
وبمجرد القيام بقراءة أوّلية لهذه النتائج المالية الرسمية المعلنة، يمكن أن تستنتج أنّ المشروع كانت انطلاقته صعبة مثله في ذلك مثل أغلب المشاريع الناشئة، لكن بالتدقيق في بقية السنوات بما في ذلك آخر المعطيات المتوفرة إلى حدود سنة 2019، يتّضح أنّ الشركة لم تحقّق في أحسن حالاتها أرباحا تتجاوز الـ 40 ألف دينار، لنتساءل بعدئذ ما الذي يجعل شركة خاسرة لمدّة 18 سنة من النشاط الحقيقي صامدة ولم تعلن إفلاسها وفق ما تنص على ذلك النصوص القانونية لاسيما وأنّها متعاقدة مع البلدية التي هي مؤسسة تتبع الدولة التونسية!؟
هذه النتائج المالية السنوية لـ “لافيات للتنمية” المصرّح بها أعفت ضمنيا شركة عبد الحميد بن عبد الله من دفع الضريبة المفروضة على الشركات والتي يفترض أن تتراوح نسبتها في الـ20 سنة الماضية بين الـ 15% و25% من إجمالي الأرباح الصافية.
إضافة إلى ذلك تنص مجلة الشركات التجارية ” الإطار القانوني المنظم لعمل الشركات في تونس”، في فصلها الـ27 على إمكانية حل الشركة التي أصبحت أموالها الذاتية دون نصف رأس مالها نتيجة الخسائر الواقع معاينتها بوثائقها المحاسبية. وفي هذه الحالة فإن الممثل القانوني للشركة مطالب بدعوة الجلسة العامة للمداولة وفقا للشروط المنصوص عليها بالعقد التأسيسي للشركة لإتخاذ قرار في حلها أو في مواصلة نشاطها مع تسوية وضعيتها. كل ذلك مع مراعاة أحكام القانون المتعلق بإنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات إقتصادية.
بالعودة إلى التقارير المالية لشركة لافيات للتنمية، أكّد خبير جبائي ـفضلّ عدم نشر اسمه ـ كان موقع الكتيبة قد قام باستشارته أنّ العملية برمتها مسترابة بشكل كبير خاصة وأنّ المشروع ينشط في حالة طبيعية منذ ما يزيد عن 18 سنة.
“النتائج المالية المصرّح بها من طرف الشركة تبدو مدروسة و تعزّز فرضية تهرّبها من دفع الضرائب.”
خبير جبائي
وأشار المتحدث ذاته إلى أنّ منظومة الرقابة على أعمال هذا النوع من الشركات صعبة للغاية باعتبار أنّ مداخيلها متأتية من جيوب المواطنين مباشرة مستغربا كيفية إعطاء لزمة بهذا الحجم دون أن تكون البلدية ممثلة في مجلس إدارة الشركة كطرف مراقب لعملياتها المالية.
مصدر ثان من داخل مصالح الجباية رفض الكشف عن هويته أكّد أنّ “هذه الشركة حتى وإن واصلت نشاطها لمائة سنة إضافية ستظل تصرّح بنفس الأرقام التي تصرّح بها منذ 18 عاما”، مبيّنا أنه في وضعية مماثلة كهذه، على الدولة ومصالحها الجبائية إجراء عملية تدقيق شامل ومعمّق وتحميل مصالح بلدية تونس المسؤولية كاملة باعتبار أنّ العقد الممضى بين الطرفين يمكّن الأخيرة من طلب أيّة وثائق ومعطيات للتدقيق في نشاط الشركة وأعمالها.
ويتضح من خلال مزيد التمعّن في الأرقام التي تحصّل عليها موقع الكتيبة في خصوص النتائج المالية للشركة وجود تضخيم مبالغ فيه في تكاليف نشاطها، إذ يصل الأمر بها في بعض السنوات إلى أن تتجاوز الـ 3 مليون دينار.
للاستفسار عن حيثيات هذه الخسائر التي تجعل من شركة “لافيات للتنمية” معفية من دفع الضرائب وللاستفسار كذلك عن سرّ صمودها طيلة 18 سنة من النتائج المالية السلبية والخسائر الفادحة المصرّح بها، اتصلنا بمالك الشركة عبد الحميد بن عبد الله الذي تهرّب من الإجابة متعلّلا بوجوده بفرنسا وداعيا ايّانا للاتصال بالمدير التنفيذي للشركة محمد علي الطرابلسي للحصول على إجابات. الطرابلسي كان قد رفض بدوره رفضا مطلقا مدّنا بأيّة معطيات تخصّ الشركة والتزاماتها مع الدولة، إلاّ في حالة استظهارنا بوثيقة ممضاة من بلدية تونس تسمح لنا بالحصول على الأرقام والتفاصيل التي نطلبها.
في الإطار ذاته، سبق لنا أن توجّهنا إلى بلدية تونس في مناسبتين وقدّمنا مطالب نفاذ إلى المعلومة غير أنها جوبهت جميعها بالرفض رغم قانونية ما قمنا به، وتعلّلت هي الأخرى بحفظ أسرار علاقاتها بهذه الشركة وحفاظا على حقوق الملكية في خصوص كرّاسات الشروط التي تمّ على ضوئها التعاقد مع شركتين خاصتين.
الفوضى أساس الثروة
في منطقة لافيات، أين تتمركز عديد الإدارات العمومية والمقرات الحكومية، فضلا عن مكاتب المحاماة ومركز عديد الأنشطة المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين، يصعب على التونسيين.ـات إيجاد مكان خال لركن سياراتهم/ن، حتى في المناطق الزرقاء المخصصة للوقوف بمقابل.
توفر شركة لافيات للتنمية نظريا 745 مكانا حسب العقد الممضى الذي يجمعها ببلدية تونس فيما تشير الأخيرة الى أنّ للشركة 940 مكانا، بالمأوى الكائن بفضاء شامبيون إضافة إلى 1200 مكانا للوقوف بمقابل بالمناطق الزرقاء، وهي أماكن لا تفي بالغرض تماما نظرا للضغط الكبير الذي تعرفه المنطقة.
هذا الأمر ساهم بشكل لافت في انتشار المآوي العشوائية التي تسيطر عليها مجموعات شبيهة في أفعالها بالعصابات تتولّى التصرّف في شوارع وأنهج بعينها وتعمل في انسجام كامل مع أعوان شركة لافيات للتنمية، وفق عديد المعاينات الميدانية التي قمنا بها طيلة فترة إنجاز هذا التحقيق.
أمام هذا الوضع، يصبح مشهد مواطن يهرول وراء سيارة “الشنقال” مشهدا طبيعيا طبّع معه التونسيون.ـات. فبين من تضرّرت سيارته جراء عملية الرفع وبين من تمّ تكبيل سيارته رغم أنه اقتطع تذكرة وقوف بمقابل في المنطقة الزرقاء وغيرها من الحوادث التي يعيشها التونسي يوميا، لا يبالي أعوان هذه الشركة بأي لوم يطالهم مردّدين الجملة الشهيرة التي دائما ما يكرّرونها “يمكنك تقديم شكوى في مقرّ الشركة أو لدى مصالح البلدية”.
في الحقيقة يعلم أعوان الشركة أنّ شكاوى المواطنين لن تجد آذانا صاغية لها بل هي رحلة أخرى لإهدار الوقت دون الوصول إلى نتيجة من شأنها محاسبة الأعوان الذين يقومون بتجاوزات.
“مالك” مواطن تونسي من بين الذين تعرّضوا إلى حادثة تكرّرت في أكثر من مناسبة مع أشخاص غيره.
في تدوينة له على صفحته بالفايسبوك قال ساخرا إنّ “الشنقال في تونس يتحدّى آينشتاين ونظرية النسبية والزمكان”.
تظهر التدوينة التي كانت مرفقة بصورة أنّ أعوان شركة “لافيات للتنمية” قاموا بتكبيل سيارة صديقته التي كان وضعها قانونيا إذ كانت رابضة في منطقة زرقاء وتحمل تذكرة وقوف بمقابل.
اللافت للانتباه في هذه الحادثة أنّ توقيت تحرير المخالفة من طرف أعوان الشركة كانت في حدود الساعة الحادية عشر فيما تبرز تذكرة الوقوف التي اقتطعتها صاحبة السيارة أن مدّة صلاحيتها تنتهي في حدود الساعة الحادية عشر وربع.
في اتصال هاتفي جمعنا بصاحب التدوينة، قال إنّ صديقته تحوّلت إلى مركز الاستخلاص بفضاء ” شامبيون ” لشرح وضعيتها، مستعينة بالأدلة المبيّنة بتوقيت تحرير المخالفة وتذكرة الوقوف، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل على إثرها استسلمت ودفعت قيمة الغرامة المقدّرة بـ 20 دينارا.
تكرّر هذه الحالة مع عديد المواطنين/ات، دفعنا لطرح السؤال على مدير المرور والطرقات ببلدية تونس الناصر الخليفي، الذي قال إنّ العربات التي قامت باستخلاص معلوم وقوفها تتمتع بفترة زمنية قصيرة بعد انتهاء التوقيت الموجود في تذكرة الوقوف، ولا يتمّ تكبيلها مباشرة، مشيرا في ذات السياق إلى أنه يمكن للمواطنين الذين تعرّضوا إلى حالات مماثلة التشكي لمصالح البلدية التي تتولى فتح تحقيق في الغرض.
خلال السنة الماضية قمنا بإعادة أموال 5 أو 6 مواطنين من الذين تشكوا من حالات مماثلة.
مدير إدارة المرور والطرقات ناصر الخليفي
ولا تتوقف الإشكاليات المتصلة بتكبيل ورفع السيارات المخالفة عند هذا الحدّ، إذ تتجاوز ذلك نحو اتباع سياسة انتقائية خاصة فيما يتعلّق برفع السيارات، أين يتمّ رفع سيارات دون أخرى تكون عادة على ملك أشخاص معروفين بالمنطقة أو ممن لهم علاقات بأعوان الشركة أو الأمن.
والملاحظ من خلال الحديث مع مدير المرور ببلدية تونس وكاهيته أنه لا علم لهما بما يحصل في شوارع العاصمة أو غير مبالين بالمرّة بتذمر المواطنين.ـات من الممارسات المخالفة للقانون والعشوائية التي يقوم بها أعوان الشركات الخاصة.
في سنة 2021 لوحدها قامت شركة “لافيات للتنمية” وفقا للمعطيات الرسمية التي تحصّلنا عليها من بلدية تونس والتي تحتاج بدورها لمزيد التحري والتدقيق على اعتبار أنّ مصدرها الأصلي الشركة المعنية، بتكبيل 16898 سيّارة، فضلا عن حجز 12828 سيارة أخرى. هذه الأرقام نرجح أنّها أقلّ من الواقع من خلال عديد المعاينات الميدانية التي قمنا بها.
توضح هذه الأرقام التي تعطي صورة تقريبيّة أوليّة طبيعة العقل الذي يسيّر نشاط هذه الشركة التي لا ترى في سيارات المواطنين سوى غنائم مالية وثروة ملقاة على حواف الطرق وفي شوارع العاصمة.
من المهم في هذا السياق الإشارة إلى أنّ أسعار الوقوف والتوقف وقيمة الغرامة المالية للسيّارات المخالفة تخضع إلى إشراف وتنظيم بلدية تونس، وتلتزم الشركات المستلزمة للمناطق الزرقاء والمآوي وفقا لما تنص عليه العقود بتطبيقها كما هي، على أن تلتزم البلدية من جهتها بالترفيع في جملة هذه الأسعار من فترة إلى أخرى وفقا لمعادلة حسابية تأخذ بعين الاعتبار نسب التضخم في البلاد وغيرها من العوامل.
خلال السنوات العشر الأخيرة، قامت بلدية تونس بالترفيع في معلوم الوقوف بالمناطق الزرقاء والمآوي وقيمة الخطايا المالية للسيارات المخالفة، ثلاث مرات متتالية آخرها في عام 2020.
“لافيات للتنمية”..شركة فوق الرقابة
خلال جولة معاينة ميدانية لعدد من شاحنات لافيات للتنمية لصاحبها عبد الحميد بن عبد الله، يتضح أنها تغادر مستودعها الكائن بالفضاء التجاري “شومبيون” بمنطقة لافيات دون أعوان شرطة رغم أنّ القانون والعقد الممضى بين الشركة وبلدية تونس يلزم وجود عون أمن عند معاينة السيارات المخالفة حال رفعها وعند إمضاء محضر المخالفة. لكنّ واقع العمل اليومي لهذه الشركة يكشف غير ذلك تماما.
تتجوّل شاحنات الشركة في شوارع منطقة لافيات بحثا عن صيد ثمين. دقائق فقط من الجولان كفيلة بجرّ سيارة نحو مستودع الحجز، بالتوازي مع ذلك، تتجوّل سيارة أخرى تحمل في صندوقها عددا من الكبّالات لتكبيل السيارات الراكنة في المناطق الزرقاء التي لم تقتطع تذكرة الوقوف، أو الأخرى التي تجاوز ركونها في المنطقة الزرقاء الوقت المخصص لها، جميعهم يعملون دون مرافقة أمنية.
في هذا المضمار، تعمل الشركة عبر الوشاية، أين تعوّل على عدد من الأشخاص الذين يعملون عادة في مآوى عشوائية، للتبليغ عن السيارات التي تجاوزت الحيز الزمني لوقوفها أو للتبليغ عن السيارات التي لم تقم باقتطاع تذكرة وقوف أو لجرّ عربة متوقفة في مكان يحجر الوقوف به.
قبالة المركز التجاري “شومبيون” بمنطقة لافيات وضعنا سيارتنا في منطقة زرقاء مخصّصة لوقوف السيارات بمقابل دون أن نقوم بخلاص معلوم الوقوف، بعد نصف ساعة اقترب من السيارة رجل كهل أين عاين عدم وجود تذكرة الوقوف، ليتصل بأعوان الشركة الذين سرعان ما حلّوا بالمكان، فتولّوا تكبيلها دون أن يكون هناك عون أمن يعاين المخالفة.
ولا يمكن للمواطنين الإحتجاج على هذه الممارسات باعتبارهم في وضعية مخالفة للقانون، لكن بالتمعن في الأمر، يتضح بشكل لا لبس فيه أنّ هذا الوضع وليد حالة الفوضى التي أصبحت عليها تونس العاصمة، مآوى لا تفي بالحاجة وسيارات تركن حيثما تشاء وطرقات مغلقة أصبحت مآوى عشوائية، في حين لم تحرّك بلدية تونس ساكنا لحلحلة الأزمة ولردع المخالفات التي تقوم بها الشركات الخاصة.
في حواره مع موقع الكتيبة، يقرّ مدير الطرقات والمرور ببلدية تونس، أنّ الطلب على المآوى والوقوف في المناطق الزرقاء في تونس، فاق بكثير العرض المتوفر، معتبرا أنّ البلدية تسعى منذ سنوات عبر التعاقد مع شركات خاصة أخرى لبناء مآوى جديدة، إلا أنّ طلبات العروض التي تتوّلى نشرها منذ سنة 2016، لم تغرِ المستثمرين، وفق تعبيره.
وفيما يهم الرقابة على الشركات الناشطة حاليا ومنها “لافيات للتنمية”، أكّد الخليفي أنّ مصالحه تقوم برقابة دورية ويومية على عمل الشركة من خلال رفع التقارير عمّا يتمّ تحصيله من عائدات مالية والمتأتية من مناطق الوقوف بمقابل (المناطق الزرقاء) والمأوى الموجود داخل فضاء “شومبيون”، إضافة إلى العائدات المتأتية من تكبيل السيارات المخالفة لقانون الوقوف والتوقف أو رفعها للحجز.
في هذا السياق، تؤكّد مصادر من داخل بلدية تونس رفضت الكشف عن هويتها أنّ الرقابة على أعمال هذه الشركات المتعاقدة مع البلدية لاستلزام فضاءات ومآوى ومناطق زرقاء، أمر أشبه بالمستحيل، معتبرة أنّ مصالح البلدية تدقّق فقط في المعطيات التي تدلي بها الشركة طواعية إن كانت مالية أو فنيّة (عدد السيارات االمكبّلة والتي تمّ حجزها).
يتأكّد ذلك من خلال المخالفة التي تمّ تحريرها في خصوص سيارتنا التي تمّ تكبيلها، فمن خلال الإطلاع على محضر المخالفة ووصل خلاص الغرامة المالية والمقدّرة بنحو 20 دينارا، يتضح أن الوثيقتين غير قانونيتين ولا يمكن اعتمادهما كوثائق محاسباتية، حيث تفتقدان للختوم ورقم المعرّف الجبائي للشركة وأسماء الأعوان المكلفين بقبض الأموال ما يسهل ويفتح المجال للتلاعب بالمداخيل المتأتية من عملية تكبيل السيارات وحجزها.
فضلا عن كل هذا، تختلف طرق المعاملات المالية بين نوعية هذه الشركات الخاصة والوكالة البلدية للتصرّف، ففي حال تمّ رفع سيارتك من طرف الوكالة فأنت مجبر عند خلاص الغرامة بالاستظهار ببطاقة التعريف الوطنية والإمضاء على تسلّم السيارة وغيرها من الإجراءات، بالإضافة إلى استلام وصل يتضمن ختم الوكالة واسم العون المحرر للوصل أو معرّفه الرقمي والرقم التسلسلي للوصل. في “لافيات للتنمية” لا شيء من هذا يحصل. الأهم بالنسبة الى أعوان الشركة دفع قيمة الغرامة فقط.
ولا تتطابق النتائج المالية السنوية السلبية، التي سبق وكشفنا عن فحواها، مع المعطيات التي تمّ تحصيلها عن نشاط الشركة وما يمكن أن تجنيه نظريا كعائدات متأتية من كراء المحلات التجارية داخل الفضاء والخطايا التي يدفعها أصحاب السيارات المخالفة.
وكانت مصادر مالكة لعلامة تجارية معروفة تستغل محلّا تجاريا داخل الفضاء التجاري “شومبيون”، قد بيّنت أنّ معدّل الكراء السنوي للمحلّ يتراوح في السنوات الأخيرة بين الـ 90 والـ 100 ألف دينار، علما أنّ الفضاء به عدد لا بأس به من المحلات التجارية لبيع الملابس الجاهزة والاكسسوارات والمجوهرات، فضلا عن المقاهي والمطاعم، إضافة إلى سوق بلدية (تحت تصرّف بلدية تونس) والمساحة التجارية “كارفور ماركت” التي تستغلّ محلّا بطابقين.
وكانت محكمة المحاسبات قد أشارت في تقريرها الثامن والعشرين، في إطار مهمتها الرقابية على الأملاك العقارية لبلدية تونس، إلى وجود إخلالات جوهرية متصلة بعقود اللزمات التي أمضتها الأخيرة مع عدد من الشركات ومن بينها شركة “لافيات للتنمية”.
رغم كل هذا لم تقم بلدية تونس بتكثيف رقابتها على هذه الشركات ليتواصل بذلك النزيف وحرمان نفسها من تطوير مواردها بشكل هام جدّا، حيث واصلت شركة “لافيات للتنمية” تقديم نتائج مالية سنوية سلبية أو إيجابية ضعيفة جدا.
وقالت نفس المحكمة إنّ بلدية تونس لم تحرص على ممارسة مهامها الرقابية على أصحاب اللزم، رغم أنّ العقود المبرمة تتيح لها حقّ طلب أي وثائق تراها مناسبة، مضيفة أنّ أصحاب اللزمات لم يمدّوا مصالح بلدية تونس بعديد الوثائق الهامة من بينها عقود كراء المحلات التجارية والمساحات الإشهارية وقائمات أماكن الوقوف المستغلة على وجه الكراء وقائمة الاشتراكات بالمأوى إلا خلال شهر مارس/آذار 2013 أي بعد 10 سنوات من النشاط الحقيقي، وذلك على إثر تدخل المحكمة.
تتجزأ العلاقة المالية بين شركة “لافيات للتنمية” وبلدية تونس إلى جزئين الأوّل يتعلّق بتحويل نسبة 5% من نتيجة الإستغلال الخام للشركة عن كل سنة إذا كانت الأخيرة إيجابية، لفائدة بلدية تونس.
وترتفع عائدات البلدية وفقا لذات العقد في حالة ما إذا حقّقت الشركة نتائج مالية إيجابية، من خلال اقتطاع نسب 10 و 20 و 30 % من رقم المعاملات تتناسب مع قيمة المداخيل، الأمر الذي لم يتحقق سوى في عام 2017.
فضلا عن كل هذا، لا تقوم الشركة بمدّ بلدية تونس بتقاريرها الفنية والمالية في الآجال المنصوص عليها بالعقد والتي تلزم الشركة في الأشهر الثلاثة الأولى من كل سنة جديدة بتقديم تقاريرها عن السنة الماضية. مصادرنا أكّدت أنّ الشركة لم تقم بتقديم تقاريرها المالية الخاصة بنشاطها في عامي 2020 و 2021 إلى مصالح البلدية وكذلك إلى إدارة الجباية.
ضعف منظومة الرقابة على شركة “لافيات للتنمية”، يفتح المجال أمام هذه الأخيرة للنشاط دون رقيب أو حسيب في وضع بات فيه الخاسر الأكبر المواطن تليه الدولة.
هذا الوضع المبهم الذي من جهة يلوح مثمرا اقتصاديا ووجهة لعدد من رجال الأعمال المعروفين، ويظهر خاسرا من جهة جهة أخرى بحسب القائمات المالية للشركات، مثّل محور مداولات مجلس بلدية تونس في أكثر من مناسبة بحسب ما صرّح به مستشار بلدي إلى موقع الكتيبة حبذّ عدم ذكر اسمه في نصّ التحقيق.
ويتضمّن العقد فصولا غريبة، بحسب محام مختص في القوانين الجبائية، من قبيل التنصيص على مدّة اللزمة بـ 40 عاما، إضافة إلى عدم التنصيص على إنجاز معاينات فنية خلال إنجاز المشروع وبعده والاكتفاء فقط بمعاينة المسؤولين.
هذه الفصول تدخل تحت طائلة الفساد الإداري وتشي بتوجيه الصفقة بالمحاباة في ذلك الوقت وتحقيق فائدة دون وجه حق.
محام مختص في الجباية وقانون الشركات
على نقيض موقع بلدية تونس بحسب العقد، تتعامل الشركات الخاصة بكثير من البراغماتية وعدم التسامح مع أي فلس خسرته جراء قرارات إدارية اتخذتها الدولة في وقت ما.
بُعيد الثورة في 2011، تقدّمت شركة “لافيات للتنمية” بشكاية إلى المحاكم التونسية تطالب من خلالها بلدية تونس بالتعويض عن سنوات الخسائر التي تزعم أنّها قد تكبّدتها بفعل قرار صادر عن الرئيس السابق زين العابدين بن علي يقضي بمنع العمل بآلية رفع وحجز السيارات المخالفة أو تكبيلها في تونس.
وتبعا لذلك القرار الرئاسي تعطّل العمل في تونس بآلية رفع وحجز السيارات خلال الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2007، فيما بقي قرار تعطيل العمل بآلية تكبيل السيارات في المناطق الزرقاء ساريا لمدّة 7 سنوات قبل أن يتمّ اتخاذ قرار عودة العمل به من طرف بلدية تونس في عام 2012.
بناء على هذه المعطيات، تقدّمت الشركات الخاصة المتعاقدة مع بلدية تونس بشكاية لدى المحاكم التونسية، ترغب من خلالها بالتعويض عن الضرر الذي لحقها وفق تقديرها. مصادرنا أفادت أنّ قيمة التعويض الذي تطالب به الشركتان معا (لافيات للتنمية وشركة أخرى ناشطة في العاصمة تونس) في حدود الـ 24 مليون دينارا، يتمّ خلاصه نقدا، أو تترجم في ملحقات تعديلية للعقود المبرمة بينها وبين بلدية تونس تقضي بتمديد اللزمات سنوات إضافية تتناسب مداخيلها مع حجم مبلغ التعويض.
قيمة التعويض لوحده يدعم فرضية أنّ النشاط الذي تقوم به الشركة مربح للغاية لاسيما بعد 2011، ويتعزز أكثر بما جاء على لسان مالك الشركة نفسه عبد الحميد بن عبد الله في أكثر من حوار صحفي، أين أكّد أنّ بلحسن الطرابلسي صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي أراد وضع يده على المشروع لولا احتمائه بشخصيات أجنبية كالرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، على حدّ قوله.
عبد الحميد بن عبد الله ..رجل أعمال برتبة متهرّب ضريبي
كان من المفاجئ لنا في إطار رحلة التقصّي عن نشاط “لافيات للتنمية”، أن نتعرّف على الصفة الحقيقية التي يصرّح بها صاحب الشركة ورجل الأعمال المعروف عبد الحميد بن عبد الله لدى أجهزة الدولة ومصالحها الجبائية، أين اتّضح أنّه يقدّم نفسه كمستشار دولي وليس كرجل أعمال أو صاحب شركات خاصة الخ.
المخاتلة المالية والجبائية (محاسبة مزدوجة) التي تعتمدها شركة “لافيات للتنمية” والتي جعلت منها شركة صامدة طيلة 18 سنة من النشاط الاقتصادي الخاسر وفق مزاعمها، تلوح هيّنة أمام ما يقوم به صاحب الشركة من مخاتلات تهدف إلى عدم دفع الضرائب.
في بدايات مسيرته المهنية، أصبح بن عبد الله ممثلا قانونيا ونقطة ربط بين مجموعة شركات فرنسية (يمتلك أسهما فيها) موردة للملابس الجاهزة من تونس. كانت تلك الفترة محطة فارقة في مسيرة بن عبد الله ليدخل بعدها غمار الاستثمار في تونس عبر قطاع المقاولات العقارية من خلال شركة لافيات للتنمية المالكة للفضاء التجاري “شامبيون”، وفي مجال السياحة أين افتتح ملهى ليليًا تحت اسم “القيتون” بمنطقة الحمامات الجنوبية في محافظة نابل شرقي العاصمة تونس، بالاضافة الى عديد الأنشطة الأخرى، آخرها افتتاحه في عام 2019 لمجمع بحي ابن سينا غربي العاصمة تونس يتضمن شققا ومحلات تجارية ومراكز طبية.
في مقابلات صحفية تحدّث فيها عن مسيرته، كان بن عبدالله يتباهى بحصوله على شهادات الأستاذية والماجستير في قانون الضرائب وإدارة الأعمال التي مكنته من الالتحاق بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE كمستشار دولي.
بحكم التخصّص نجح بن عبد الله في التهرب من التصريح بمداخيله السنوية المتأتية من جملة الأنشطة الاقتصادية التي تعمل فيها شركاته والامتناع عن دفع الضريبة عنها، معتمدا في ذلك على كثرة تنقلاته بين تونس وفرنسا والجنسية المزدوجة التونسية-الفرنسية التي يحملها.
وكانت مصادرنا في الإدارة الجبائية قد أكّدت بشكل قطعي لا يرقى له شكّ أنّ بن عبد الله لا يصرّح بايّة مداخيل تذكر وهو ما يجرّ مباشرة إلى أنّ الرجل يمكن اعتباره في وضعية بطالة، يعني أنه غير ملزم بالضريبة على الدخل.
بن عبد الله كان قد ترشّح إلى الانتخابات التشريعية في مناسبتين الأولى كانت في عام 2011 (انتخابات المجلس الوطني التأسيسي) والثانية كانت في عام 2019، في قائمات مستقلّة موحدة مع عدد من الشخصيات المعروفة على غرار سليم الرياحي الذي غادر أرض الوطن هربا من المثول أمام القضاء في عديد القضايا المثارة ضدّه.
رغم نفوذه وأملاكه التي يعرفها سكان محافظة نابل، والحملات الإنتخابية التي استعان فيها بقناته التلفزية “تونسنا” لم يتمكن بن عبدالله من نيل ثقة أبناء منطقته.
في عام 2020، وعندما كان يقود سيارته الـ “هامر” بسرعة جنونية في منطقة منزل تميم، اصطدم بسيارة أجرة بين الولايات “لواج” ما انجرّ عنه وفاة ستة أشخاص في عين المكان واصابة بقية الركّاب بجروح خطيرة.
بعد تماثله للشفاء، أصدر قاضي التحقيق بطاقة إيداع بالسجن في حقّ بن عبد الله بعد وقوف الجهات الرسمية على مسؤوليته الجسيمة في ذلك الحادث وتوجيه تهمة القتل العمد له.
لم تكد تمرّ أيّام قليلة على إيداعه السجن، حتّى تم إطلاق سراحه غداة إعادة تكييف الجريمة والاتهامات الموجهة ضدّه ليصبح الملف “القتل على وجه الخطأ”. تكييف أثار حفيظة رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي، الذي اتّهم وكيل عام محكمة الإستئناف بنابل القاضي خالد عباس بالتدخل لفائدة رجل الأعمال بن عبد الله وتغيير مسار الأبحاث المفتوحة في شأنه.
جملة هذه المعطيات التي قمنا بالتحرّي فيها من خلال هذا التحقيق، رفض عبد الحميد بن عبد الله التفاعل معها في إطار حقّ التعليق والردّ حيث تهرّب من المواجهة رغم المحاولات المكثفة التي قمنا بها.
رغم وجود عديد الفصول القانونية المتعلّقة بتجريم الغش والتهرب الضريبيين، إلا أنّ المداخيل الجبائية المتأتية من الشركات الناشطة في تونس لا تمثّل سوى النزر القليل من إجمالي عائدات الدولة من الضرائب المباشرة التي تفرضها على مواطنيها.
وبحسب منير حسين عضو المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية فإنّ الأُجَراء في تونس يتحمّلون الجزء الأكبر من الضغط الجبائي المباشر بنسبة 69% من إجمالي الضرائب المباشرة فيما تساهم الشركات برمتها على اختلافها بـ 31 % .
يهدف هذا التحقيق المعمّق الذي ينشر على أجزاء في موقع الكتيبة إلى تفكيك منظومة الريع في قطاع "الشنقال" في تونس الكبرى كمثال، بالإضافة إلى تعرية التهربّ الضريبي والغشّ الجبائي الذين تقوم بهما عديد الشركات الخاصة في الوقت الذي تعاني فيه الدولة التونسية من انخرام فادح في موازناتها المالية ما تسبّب في تزايد حجم التداين الخارجي ومزيد اثقال كاهل الأُجَراء بالضرائب بطريقة تضرب مبدأ العدالة الجبائية.
يهدف هذا التحقيق المعمّق الذي ينشر على أجزاء في موقع الكتيبة إلى تفكيك منظومة الريع في قطاع "الشنقال" في تونس الكبرى كمثال، بالإضافة إلى تعرية التهربّ الضريبي والغشّ الجبائي الذين تقوم بهما عديد الشركات الخاصة في الوقت الذي تعاني فيه الدولة التونسية من انخرام فادح في موازناتها المالية ما تسبّب في تزايد حجم التداين الخارجي ومزيد اثقال كاهل الأُجَراء بالضرائب بطريقة تضرب مبدأ العدالة الجبائية.
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي