الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

“لا عودة إلى الوراء”، من العبارات التي تكرّرت على لسان رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيّد منذ إعلان إجراءاته الإستثنائية في 25 جويلية/تموز من العام 2021. لا يخفي سعيّد رفضه للعمل السياسي المرتكز على الأحزاب السياسية التي يعتبرها جزءا من منظومة فساد وإفساد وجب القطع معها نهائيا وفق قوله.

في إحدى لقاءاته بفاعلين سياسيين والتي كان يعقدها قبل تفعيل إجراءات 25 جويلية/ تموز، كان الرئيس قيس سعيّد قد أوضح حينها، في دردشة جمعته بلطفي زيتون، القيادي السابق بحركة النهضة، أنّ الأحزاب السياسية تجاوزها الزمن وأنّ الديمقراطية التمثيلية لم تعد تستجيب إلى تطلّعات الشعوب وأنّ “الإنتخاب على الأفراد وحق سحب الوكالة منهم أمر معمول به في عدد من الديمقراطيات”.

إنطلاقا من هذه الفلسفة، أعدّ الرئيس التونسي العدّة لقلب شكل الديمقراطية في تونس من تمثيلية تقوم على الأحزاب السياسية وبقية الأجسام الوسيطة إلى ما يُسميّها ديمقراطية مباشرة تقوم على علاقة مباشرة بين صاحب السلطة (الشعب) والفاعلين السياسيين (نواب الشعب) والتي يمكن أن تنقطع في أية لحظة بمجرّد تقديم عريضة في سحب الوكالة ضدّ أي نائب يخالف وعوده الانتخابية التي على ضوئها حظي بثقة ناخبيه.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

“لا عودة إلى الوراء”، من العبارات التي تكرّرت على لسان رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيّد منذ إعلان إجراءاته الإستثنائية في 25 جويلية/تموز من العام 2021. لا يخفي سعيّد رفضه للعمل السياسي المرتكز على الأحزاب السياسية التي يعتبرها جزءا من منظومة فساد وإفساد وجب القطع معها نهائيا وفق قوله.

في إحدى لقاءاته بفاعلين سياسيين والتي كان يعقدها قبل تفعيل إجراءات 25 جويلية/ تموز، كان الرئيس قيس سعيّد قد أوضح حينها، في دردشة جمعته بلطفي زيتون، القيادي السابق بحركة النهضة، أنّ الأحزاب السياسية تجاوزها الزمن وأنّ الديمقراطية التمثيلية لم تعد تستجيب إلى تطلّعات الشعوب وأنّ “الإنتخاب على الأفراد وحق سحب الوكالة منهم أمر معمول به في عدد من الديمقراطيات”.

إنطلاقا من هذه الفلسفة، أعدّ الرئيس التونسي العدّة لقلب شكل الديمقراطية في تونس من تمثيلية تقوم على الأحزاب السياسية وبقية الأجسام الوسيطة إلى ما يُسميّها ديمقراطية مباشرة تقوم على علاقة مباشرة بين صاحب السلطة (الشعب) والفاعلين السياسيين (نواب الشعب) والتي يمكن أن تنقطع في أية لحظة بمجرّد تقديم عريضة في سحب الوكالة ضدّ أي نائب يخالف وعوده الانتخابية التي على ضوئها حظي بثقة ناخبيه.

فهل نجحت الانتخابات الأخيرة في القطع مع منظومة الأحزاب السياسية؟ وهل حققت فعلا ما يطمح إليه الرئيس سعيّد في تحقيق ديمقراطية مباشرة؟ وهل أفزر نظام الانتخاب على الأفراد نوابا لم يُشاركوا فعلا في ما يُطلق عليه أنصار الرئيس سعيّد “عشرية سوداء”؟ ثمّ من هم النواب الجدد في البرلمان وهل كانت لهم انتماءات سياسية سابقة؟ أم أنّ جميعهم مستقلّون كما يقدّمون أنفسهم في سيرهم الذاتية؟

للحصول على تجربة تصفّح مُثلى لمحرّك البحث يُرجى استخدام جهاز كومبيوتر.

على نقيض شهوات الرئيس

في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول من عام 2021، رسم رئيس الجمهورية قيس سعيّد خارطة طريق سياسية تهدف إلى إرساء مؤسسات حكم تقطع مع المنظومة السياسية والمؤسساتية التي حكمت تونس طيلة عقد من الزمن.

كانت أولى لبنات المنظومة الجديدة، إحداث دستور جديد للبلاد يطرح تصوّرا جديدا لآليات الحكم والتداول على السلطة، لعلّ أهمّها القطع نهائيا مع منظومة الأحزاب السياسية وترك الشعب يختار ممثليه أفرادا وفق برامج انتخابية تكون بمثابة العقد بين النائب والمواطنين الذين قاموا بالتصويت لفائدته. وفي حال أخلّ الأخير بالتزاماته تجاه ناخبيه يمكن لهؤلاء سحب الثقة منه وفق شروط مضبوطة.

ونصّ الدستور التونسي الجديد الذي صوّت لصالحه 2.7 مليون ناخب فقط من أصل 9.3 مليون من المواطنين.ـات الذين يحقّ لهم/هن التصويت في استفتاء انتظم يوم 25 جويلية/ تموز من العام المنقضي، على إحداث وظيفة تشريعية تنقسم إلى غرفتين، الأولى هي مجلس نواب الشعب والثانية تتمثل في مجلس الجهات والأقاليم الذي لم تتضح بعدُ معالمه وكيفية انتخاب أعضائه.

بعد دخول الدستور الجديد حيّز التنفيذ، أصدر الرئيس التونسي مرسوما جديدا ينقّح به القانون الانتخابي القديم ويحوّل العملية الإنتخابية من انتخابات تقوم على التصويت على القائمات (مستقلّة كانت أو حزبية) إلى انتخابات تقوم على التصويت على الأفراد في دورتين. كما رفّع القانون الانتخابي الجديد في عدد الدوائر الانتخابية من 33 دائرة تفرز 217 نائبا إلى 161 دائرة انتخابية تفرز 161 نائبا، بما يقلّص عدد المقاعد النيابية تحت قبّة البرلمان.

فضلا عن كلّ ذلك، جاء القانون الإنتخابي الجديد بشروط جديدة للترشح إلى عضوية مجلس نواب الشعب (الغرفة التشريعية الأولى) وأبرزها شرط التزكية، إذ يجب على كل مترشح راغب في تقديم نفسه لتمثيل دائرته أن يكون مقيما (أو مقيمة) في الدائرة وله في رصيده ما لا يقلّ عن 400 تزكية من المقيمين في دائرته التي ينوي تمثيلها.

وبعد الجدل الكبير الذي أفرزه شرط التزكيات، حيث فتح الباب على مصراعيه للتأثير على العملية الانتخابية عبر المال السياسي الفاسد في شراء التزكيات والتي نُشرت في شأنه أمام المحاكم عديد القضايا، أعلنت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات عن قبول 1724 ملف ترشّح بشكل أوّلي و 1058 ملفّ بشكل نهائي.

وفق المعطيات التي نشرتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمتعلّقة بقائمة المترشحين للانتخابات التشريعية ديسمبر 2022 الذين تقلّص عددهم من 1058 إلى 1055 بعد إسقاط 3 مترشحين بسبب خرقهم لقواعد العملية الانتخابية، فإنّ الدوائر التي ترشّح فيها شخص واحد بلغ عددها العشرة، فيما بلغ عدد الدوائر التي ترشّح فيها شخصان فقط 9 دوائر و44 أخرى ترشح فيها أقل من خمسة أشخاص أي أنّ ⅓ الفائزين بمقاعد برلمانية كان طريقهم في الولوج إلى قبّة باردو سهلا إلى حدّ ما.

ومثّلت نسبة النساء من إجمالي الترشحات لخوض غمار الانتخابات في دورتها الأولى 11.6% وهي أدنى نسبة تسجّلها تونس مقارنة ببقية المحطات الانتخابية التي انتظمت بعد ثورة جانفي/كانون الثاني 2011.
ورغم أنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد أكّد مرارا في جلّ خطاباته ومحادثاته مع وزراء أو فاعلين سياسيين، على أنّ الشباب التونسي تمّ تهميشه و إقصاؤه من العملية السياسية طيلة سنوات الانتقال الديمقراطي، وأنّه “آن الأوان لتعبيد الطريق أمامه لخوض معاركه بنفسه”، إلّا أنّ نسبة هؤلاء من إجمالي المترشحين للانتخابات الأخيرة وفق القوانين الانتخابية الجديدة لا تتعدّى الـ14%.

ولم تتوقف الهنّات المتّصلة بقوانين اللعبة الانتخابية الجديدة التي أرساها الرئيس سعيّد وسهرت على تنفيذها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عند هذا الحدّ، إذ مثّلت المشاركة السياسية للمواطنين في الانتخابات الأخيرة أكبر عثراتها بعد عزوف حوالي 89% من الناخبين عن المشاركة في دورتيها الأولى والثانية.

وعلى خلاف ما قدّمه فاروق بوعسكر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من أنّ نصف المقاعد البرلمانية عادت إلى فئة الشباب، يتّضح أنّ تمثيلية هذه الشريحة العمرية (الأقل من 39 عاما) في البرلمان الجديد لا تتجاوز الـ 25%، فيما لم تتعدّ نسبة حضور المرأة الـ 29 مقعدا (16%).

وقبل انعقاد أولى جلساته رسميا في الـ 13 من شهر مارس/آذار 2023، بعد دعوته رسميا من طرف رئيس الدولة، يبدو المشهد السياسي الذي سيكون عليه البرلمان المنتخب حديثا غير واضح بعد فشل أحزاب وأطراف داعمة بشكل مطلق مسار 25 جويلية من تصعيد ممثليهم بالشكل الذي كانوا يطمحون إليه، مقابل عودة تاريخية لمنتسبي حركة نداء تونس سابقا والأحزاب المنشقة عنها.

نداء تونس أوّلا والجماعات المحلّية ثانيا والبقية تأتي

“لم ألتحق في حياتي بأي حزب سياسي، إنّ اهتمامي بالشأن العام يقتصر فقط على العمل داخل الجمعيات وفي إطار مكوّنات المجتمع المدني”، هذا ما تكرّر على لسان أكثر من نائب جديد قمنا بالاتصال به لسؤاله/ها إن كانت له/لها انتماءات سياسية سابقة أم لا.
وما يشترك فيه أغلب نواب الشعب الجدد هو إنشاء حسابات جديدة على مواقع التواصل الاجتماعي غير التي كانوا ينشطون من خلالها قبل تقديم ترشّحاتهم للانتخابات التشريعية، فيما اختار عدد آخر لا بأس به محو أي صورة له تُشير إلى انتمائه السياسي السابق.

وما شجّع عددا من النواب الجدد على هذه الممارسة (التقيّة السياسيّة) في إخفاء سيرهم الذاتية وتكوينهم السياسي هو الخطاب العدواني الذي يتبنّاه الرئيس قيس سعيّد ضدّ منظومة الأحزاب التي يعتبرها جزءا من الماضي ولا مستقبل لها مثلها في ذلك مثل الديمقراطية التمثيلية التي يعتبر بأنّ عهدها قد ولّى ليس فقط في تونس إنّما في العالم أجمع وفق تعبيره.

رغم كل ما فعله الرئيس قيس سعيّد لتحجيم دور الأحزاب مستقبلا وقطع الطريق أمامها وأمام كل منتسب لها يفكّر في أن يكون له دور فاعل في الحياة السياسية، جاءت النتائج عكسية تماما.

بناء على عملية تقصّ حول الخلفيات السياسية الحقيقية التي يحاول عدد واسع من نواب الشعب إخفاءها وراء تقديم ترشحاتهم بصفاتهم المستقلة، ووفق البيانات المنشورة على موقع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، والمتصلة بالانتخابات البلدية لعام 2018، وما تلاها من انتخابات جزئية وتشريعية، اتّضح أنّ حزب نداء تونس، الذي اندثر تقريبا من الحياة السياسية التونسية، عاد إلى البرلمان بنحو 50 مقعدا، فيما بلغ نصيب الأحزاب السياسية بشكل إجمالي 75 مقعدا يُضاف إليهم 31 نائبا مستقلّا تنظيميا لكنّهم كانوا فاعلين سياسيين في المناطق التي مثّلوها، فضلا عن 7 مقاعد عادت لنقابيين منتسبين للاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.

ورغم مساندتها لمسار 25 جويلية/تموز والقرارات المنبثقة عن الرئيس قيس سعيّد، لم تنجح “الأحزاب الداعمة” في تحقيق نتائج مرضية خلال مشاركتها في المعترك الانتخابي الأخير.

لم تتمكّن “حركة الشعب” -أكثر الأحزاب دعما ومساندة للرئيس قيس سعيّد- من إيصال سوى 9 ممثلين عنها بشكل واضح إلى قبة البرلمان، فيما تُشير المعطيات إلى أنّ هناك 3 مقاعد أخرى فاز بها نواب مقرّبون من الحركة، رغم أنّها تولّت ترشيح عدد لا بأس به من أعضاء الحزب في أغلب الدوائر الانتخابية تقريبا حسب تصريح إعلامي أدلى به أمينها العام زهير المغزاوي قُبيل دخول غمار الانتخابات. في حين لم تفز حركة تونس الى الأمام التي يقودها عبيد البريكي الوزير السابق بأي مقعد في حين فاز التحالف من أجل تونس بقيادة سرحان الناصري بمقعد وحيد سارعت صاحبته بالالتحاق بمبادرة لينتصر الشعب.

علاوة على ذلك، لم ينجح رفاق الرئيس سعيّد ممّن اصطلح على تسميتهم بـ”تنسيقيات المشروع”، التي تقودها سنية الشربطي ذات العلاقة الوثيقة بالرئيس سعيّد وزوجة والي تونس كمال الفقيه، سوى بالفوز في أربع دوائر فقط، اثنتان منها بولاية (محافظة) سليانة شمال غربي تونس، حيث سجّلت ترشحاتهم باسم “الشعب يؤسس”.
أمّا الشقّ الثاني الداعم للرئيس سعيّد والمنضوي تحت ما سُمّي بـ”مبادرة لينتصر الشعب”، التي أسستها 25 شخصية اعتبارية من بينهم رضا شهاب المكي (المعروف برضا لينين) مرافق الرئيس سعيّد في حملاته الانتخابية التفسيرية، فلمْ يحظ سوى بخمسة مقاعد.

ورغم تصريحاتهم بأنهم سيكونون أبرز كتلة نيابية داخل البرلمان الجديد بعد إعلانهم الفوز بما لا يقلّ عن 50 مقعدا، تشي المعطيات المستقاة من النواب الممثلين لـ”حراك 25 جويلية” والفائزين بمقاعد داخل البرلمان بعكس ذلك تماما، حيث لم تتجاوز أعداد الفائزين المنتسبين لهذا الحزب الجديد سوى ستة نواب أغلبهم كانت لهم انتماءات سياسية سابقة (أنظر محرّك البحث أعلاه).

وتمكّن آخر أمين عام لحزب نداء تونس والوزير في حكومة هشام المشيشي المقالة علي الحفصي -الذي كوّن حزبا جديدا تحت مُسمى “صوت الجمهورية”- من الفوز بـ 4 مقاعد داخل البرلمان الجديد، أحدها يعود إلى نائب كان ينتمي إلى حركة نداء تونس فيما لا يُعرف عن البقية سوى أنّهم من سليلي التجمع الدستوري الديمقراطي المُنحلّ، الحزب الحاكم السابق قبل الثورة والذي تمّ حلّه بقرار قضائي في سنة 2011.

بالعودة إلى الفلسفة العامة التي بنى وفقها الرئيس سعيّد خارطة طريقه ذات ديسمبر/ كانون الأول من العام 2021، والتي أوضح فيها بشكل لا لبس فيه أنّه يسعى إلى خلق طبقة سياسية جديدة تقطع مع منظومة دستور جانفي/ كانون الثاني 2014، تظهر نتائج الانتخابات الأخيرة نقيض هذا الطرح.

تمكّن حوالي 26 مترشّحا يتحمّلون مسؤوليات حالية في السلطة المحلية (البلديات) التي تمّ انتخابها في ماي/ مايو 2018، من الفوز بمقاعد داخل البرلمان الجديد نصفهم كانت لهم انتماءات سياسية سابقة أبرزها حركة نداء تونس.

ونجح منتسبون سابقا إلى حزب حركة النهضة وحزب حراك تونس الإرادة في الظفر بثلاثة مقاعد داخل البرلمان الجديد ولهم في ذات الوقت مسؤوليات حاليا كرؤساء بلديات أو مستشارين بلديين.

وعلى خلاف البرلمانات السابقة التي طغى عليها لون المهن الحرّة من محامين وخبراء محاسبين وأطباء ونساء ورجال أعمال، يتّسم البرلمان الجديد بأغلبية لفائدة موظّفي الدولة مقسّمين بين وظيفة عمومية وقطاع عام تجاوزت نسبتهم الـ 52% من إجمالي مقاعد البرلمان.

ميركاتو الكتل البرلمانية.. حرب ضروس لاستمالة النواب المستقلّين

بُعيد إعلان النتائج الأوّلية للانتخابات التشريعية وقائمة النواب الفائزين بمقاعد تحت قبّة باردو، سارعت عديد الأطراف السياسية بإعلان فوزها بأكبر المقاعد فيه.

أيّام قليلة قبل انعقاد أولى جلسات المجلس النيابي الجديد الذي سيحدّد بشكل واضح حجم الكتل النيابية فيه، لم يعلن أي طرف سياسي إلى حدود كتابة هذه الأسطر عدد المقاعد التي فاز بها بشكل واضح، ما يرجّح فرضية أنّ التنافس على أشدّه لاستمالة النواب المستقلّين وبشكل خاص أولئك الذين ليس لديهم أي تجربة سياسية سابقة.

بناء على عملية تقصّ وجرد مفصّل لمسيرة النواب الجدد، فإنّ 38 نائبا جديدا لم يتسنّ لهم خوض تجربة سياسية سابقا، فيما يوجد 31 نائبا آخرون ممّن عرف عنهم النشاط السياسي سابقا إمّا بتقلّدهم مناصب في السلطة المحلّية التي تمّ انتخابها في ماي / مايو 2018، أو ممّن ترشّحوا إليها ولم ينالوا الثقة. وجميعهم تحت منظار الأطراف السياسية الراغبة في تكوين أكبر الكتل النيابية.

بعد اتصالات عديدة جمعت موقع الكتيبة بمعظم النواب الجدد، أكّد بعضهم وجود مساع من أطراف سياسية قصد استمالتهم للانتماء إلى إحدى الكتل المنضوية تحت “مبادرة لينتصر الشعب” و”صوت الجمهورية” و”حركة الشعب”، فضلا عن “حراك 25 جويلية”. وقد نفى أغلبهم حصول أي اتفاق ممكن مع هذه الأطراف ومبدين رغبتهم في المحافظة على استقلاليتهم.

وتعود أسباب عدم كشف الأطراف السياسية عدد نوابها داخل البرلمان الجديد، إلى فشلها في إيصال ممثّليها الحقيقيين الذين لم يتمكّنوا من نيل ثقة الناخبين في الدوائر التي ترشحوا فيها.

بحسب المعطيات المتوفرة على موقع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتصريحات الإعلامية التي أدلى بها المترشحون إلى مختلف وسائل الإعلام، فإنّ الأشخاص الـ 154 الفائزين بمقاعد داخل البرلمان الجديد ترشّح أغلبهم بصفاتهم المستقلّة، فيما انحصر عدد النوّاب الذين ترشحوا بصفاتهم الحزبية والسياسية في حدود الـ 29 مقعدا. وهو ما يفسّر تأخّر الأطراف السياسية في إعلان قائمة نوابها المنضوية تحت كتلها النيابية القادمة.

وما يزيد مشهد تشكيل الكتل النيابية داخل البرلمان الجديد تعقيدا، هو الفصل الوارد بدستور جويلية 2022، الذي يمنع بشكل صريح السياحة الحزبية داخل البرلمان.

إذا انسحب نائب من الكتلة النيابية التي كان ينتمي إليها عند بداية المدّة النيابية لا يجوز له الالتحاق بكتلة أخرى.

الفصل 62 من الدستور

ويخيّر عدد واسع من النواب المستقلّين أو الذين كانت لهم انتماءات سياسية سابقة التريّث قبل الانضواء تحت أي طرف سياسي، معوّلين في ذلك على مزيد وضوح الرؤية حول ما سيؤول عليه المشهد البرلماني في قادم الأيّام.

إضافة إلى ذلك ترشُح معلومات وثيقة عن وجود ملاحقات قضائية لبعض النواب على غرار أمال المؤدب الفائزة بمقعد عن دائرة باب سويقة بتونس العاصمة والتي تمّ إيداعها السجن بتهمة تزوير شهادة إقامة، الأمر الذي سيجعل من عدد المقاعد الشاغرة داخل هذا البرلمان الجديد يرتفع إلى 11 مقعدا وربما أكثر.

وظيفة تشريعية بصلاحيات محدودة ومجزّأة

ينص دستور 25 جويلية/ تموز 2022، على إحداث وظيفة تشريعية بغرفتين، الأولى تمّ انتخابها على دورتين والثانية صدر في شأنها مرسوم رئاسي يفسّر سُبل انتخابها ومعالم تركيبتها.
ويقيّد الدستور أعمال مجلس نواب الشعب بأعمال مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة الثانية) الذي له السلطة الأعلى في كل ما له علاقة بسن قوانين ذات صلة بالمجالات الاقتصادية والتنموية، وله دور كذلك في مراقبة أعمال الغرفة الأولى (مجلس نواب الشعب).

وفي ظل هذه الضبابية التي تكسو عمل الوظيفة التشريعية، لا يتّضح بعدُ دور البرلمان الذي تمّ انتخابه على دورتين، خاصة وأنّ أعضاءه كانوا قد وعدوا ناخبيهم بمشاريع تنموية ( مستشفيات، جسور وطرقات ..) في الدوائر التي يمثّلونها، في وقت لا يملكون فيه آليات قانونية ومؤسساتية لتنفيذ وعودهم الانتخابية، ما يجعلهم تحت طائلة سحب الوكالة منهم، كما ينصّ على ذلك الدستور والقانون الانتخابي.

يمكن سحب الوكالة من النّائب في دائرته الانتخابيّة في صورة إخلاله بواجب النّزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النّيابيّة أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدّم به عند الترشّح

الفصل 35 من القانون الإنتخابي

وفي الوقت الذي تعيش فيه تونس أزمة اقتصادية غير مسبوقة، لا يبدو أنّ للبرلمان الجديد أية حلول لها. فالنواب الذين تمّ انتخابهم أفرادا صعدوا للبرلمان على ضوء برامج ووعود انتخابية جدّ ضيّقة لا تهمّ سوى محلّياتهم والدوائر التي فازوا من خلالها بمقاعد داخل البرلمان.

إضافة إلى ذلك، لا يمكن للبرلمان الجديد، وفق ما نصّ عليه دستور جانفي 2022، مساءلة الحكومة في أي مجال كان باعتبار أنّ الأخيرة مسؤولة فقط أمام رئيس الجمهورية الذّي له السلطة المطلقة في تشكيلها أو إعفائها أو إعفاء أحد أعضائها.

ويقتصر دور البرلمان (الغرفة الأولى من الوظيفة التشريعية) في محاورة أعضاء الحكومة فقط، وتقديم مشاريع قوانين يمكن لرئيس الجمهورية رفضها، إضافة إلى دور المصادقة على مشاريع القوانين التي يعتزم رئيس الجمهورية أو الحكومة تمريرها.

وأمام هذا التشرذم السياسي الذي أفرزته الانتخابات التشريعية الأخيرة بإيصال أفراد لا تربطهم ببعضهم البعض أية أفكار متجانسة أو عقد سياسي متعارف عليه، تلوح نقاط الضعف كثيرة لهذا المجلس النيابي الجديد الذي سيصعب عليه حتى توجيه لائحة لوم إلى الحكومة بالشروط التي التي جاء بها دستور جويلية 2022.

كلمة الكتيبة:

اعتمدنا في هذا العمل الصحفي على قواعد بيانات الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات المتصلة بالمحطات الإنتخابية السابقة التي انتظمت في تونس منذ عام 2011 وصولا للانتخابات التشريعية المنتظمة في عام 2019. إضافة إلى الحسابات الشخصية لنواب الشعب الجدد والبيانات المعروضة على الصفحات الرسمية للأحزاب السياسية المذكورة في هذا المقال فضلا عن التواصل المباشر مع ما لا يقل عن 100 نائب.

كلمة الكتيبة:
اعتمدنا في هذا العمل الصحفي على قواعد بيانات الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات المتصلة بالمحطات الإنتخابية السابقة التي انتظمت في تونس منذ عام 2011 وصولا للانتخابات التشريعية المنتظمة في عام 2019. إضافة إلى الحسابات الشخصية لنواب الشعب الجدد والبيانات المعروضة على الصفحات الرسمية للأحزاب السياسية المذكورة في هذا المقال فضلا عن التواصل المباشر مع ما لا يقل عن 100 نائب.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

إشراف: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
غرافيك: منال بن رجب
ساعد في البحث: أمل مناعي
تطوير تقني: بلال الشارني
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
ساعد في البحث: أمل مناعي

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

wael213