الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير المحتوى العربي بموقع ”الكتيبة“. صحفي ومدرب في مجال الإعلام وباحث دكتوراه.

“وِلدْ الماضي صديقي وعائلة الماضي لها فضل كبير عليّ وأنا مدين لها…حينما يتصلون بي ويقولون لي إنّ أعوانك قد أتوا في حملة أمنية لمحلاتنا فهذا يحزّ في نفسي…أنا لم أمنعكم من العمل لكن أنتم تعلمون أنهم أصدقاء لي…أنا بمثابة ابنهم.”

بهذه العبارات التي تنطوي على نبرة لا تخلو من نهي مبطنّ الهدف منه الحضّ على عدم تطبيق القانون على قدم المساواة، تحدّث سفيان ناجي الرئيس السابق لمصلحة شرطة النجدة بصفاقس (ثاني أكبر محافظة ديمغرافيا في الجمهورية التونسية، وتعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد) بخطاب احتجاجي توجّه به إلى عدد من الأعوان المنضوين تحت الجهاز الأمني الذي كان يديره.

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير المحتوى العربي بموقع ”الكتيبة“. صحفي ومدرب في مجال الإعلام وباحث دكتوراه.

“وِلدْ الماضي صديقي وعائلة الماضي لها فضل كبير عليّ وأنا مدين لها…حينما يتصلون بي ويقولون لي إنّ أعوانك قد أتوا في حملة أمنية لمحلاتنا فهذا يحزّ في نفسي…أنا لم أمنعكم من العمل لكن أنتم تعلمون أنهم أصدقاء لي…أنا بمثابة ابنهم.”

بهذه العبارات التي تنطوي على نبرة لا تخلو من نهي مبطنّ الهدف منه الحضّ على عدم تطبيق القانون على قدم المساواة، تحدّث سفيان ناجي الرئيس السابق لمصلحة شرطة النجدة بصفاقس (ثاني أكبر محافظة ديمغرافيا في الجمهورية التونسية، وتعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد) بخطاب احتجاجي توجّه به إلى عدد من الأعوان المنضوين تحت الجهاز الأمني الذي كان يديره.

في نفس التسجيل الصوتي المسرّب المنسوب إلى سفيان ناجي والذي تحصّل موقع الكتيبة على نسخة حصرية منه وتحقّق من أصليّتها، يعترف هذا الأخير بالعلاقة المشبوهة التي تجمعه بعائلة الماضي ذائعة الصيت في ولاية صفاقس والتي تملك سلسلة من محلات بيع الخمور والمواد الكحولية بالجملة والتفصيل في الآن ذاته، علاوة على مجموعة من المطاعم السياحية والملاهي الليلية والمقاهي الفاخرة والتي سبق أن تعرّض أحد أفرادها وهو رجل الأعمال المعروف مراد الماضي إلى ملاحقات قضائية بسبب شبهات الفساد التي حامت حول ملف ما عرف إبّان الثورة في 2011 بقضيّة “المناطق الزرقاء” بمدينة صفاقس والتّي كان من بين المتهمين فيها أيضا كاتب الدولة للداخلية سابقا منجي شوشان.

فهل أنّ هذا التسجيل الصوتي التي تضمنّ أيضا اعترافات أخرى خطيرة حول شبهات فساد متعلقة بقيادات أمنية مؤثرة في وزارة الداخلية التونسية تحصّلت على منافع من عائلة الماضي، وفق المصدر ذاته، كان السبب المباشر في إبعاده عن جهاز شرطة النجدة في ولاية صفاقس أم أنّ تراكم التجاوزات التي كان يقوم بها سفيان ناجي مع تنامي قيمة ممتلكاته بشكل لا يتماشى وأجره الشهري رفقة زوجته كان عاملا حاسما في نقلته إلى ولاية القيروان؟

للاشارة فانّ قرار النّقلة قال عنه مصدر مسؤول بديوان وزير الداخلية -طلب عدم نشر هويته- في تصريح لموقع الكتيبة إنّه “كان بمثابة الإجراء العقابي نتيجة تعاظم الشبهات والشكاوى والتقارير التي وصلت إلى التفقدية العامة للوزارة حوله”.

من هو سفيان ناجي؟

ولد سفيان ناجي من أب عسكري، بولاية الكاف في الشمال الغربي التونسي سنة 1972 في عائلة تعيش حياة كفاف. كان ناجي متعثّرا في مساره الدراسي حيث لم يتحصّل حتّى على شهادة البكالوريا. وعلى الرغم من الفشل الدراسي، فقد تمكّن من الولوج إلى سلك الأمن عبر المدرسة الوطنية لتكوين مفتشي الشرطة بسوسة.

في سنة 1997، عيّن سفيان ناجي بسلك الأمن في ولاية صفاقس وإلى حدود سنة 2012 كان اسما مغمورا في المجال الأمني بالجهة. لم يعرف عنه نقاء في السيرة الذاتية حيث حوكم في سنة 2006 بالسجن لمدة 4 أشهر، غير أنّ هذا الحكم القضائي النهائي والبات لم ينفّذ عليه، وذلك وفق ملف القضية الذي تحصّل موقع الكتيبة على نسخة منه.

طيلة السنوات العشر التي قضاها سفيان ناجي على رأس شرطة النجدة، كان يعدّ من أكثر الشخصيات إثارة للجدل حيث لاحقته عديد الاتهامات بالضلوع في فساد مكّنه من الإثراء غير المشروع فضلا عن استغلال سلطته ونفوذه لارتكاب أفعال يجرّمها القانون سنأتي على ذكر جزء كبير منها بالتفصيل.

جهاز “شرطة خاصة”

في أواخر شهر أوت/ أغسطس من سنة 2022، صدرت برقية من وزارة الداخلية التونسية تقضي بنقلة رئيس مصلحة شرطة النجدة بصفاقس سفيان ناجي إلى القيروان في خطة رئيس مصلحة التجهيز والمعدّات (مهمة إدارية ولوجستية صرفة).

في الوقت الذي نزل فيه هذا الخبر بردا وسلاما على العديد من ضحايا هذا القيادي الأمني من الذين ضاقوا ذرعا من تجاوزاته وممارساته طيلة زهاء 10 سنوات قضاها على رأس هذا الجهاز (من 2013 إلى 2020 رئيسا لفرقة النجدة قبل أن يتم تحويلها إلى مصلحة منذ 2021)، لم يكن القرار مفاجئا لسفيان ناجي الذي كان على علم قبل ذلك بقرب سقوط “إمارته الأمنية” التّي نجح من خلالها في بناء شبكة علاقات ونفوذ جعلت منه “الرجل القوي” في ولاية صفاقس الذي يتهافت على كسب ودّه العديد من رجال الأعمال وأصحاب المشاريع في الجهة من مختلف المجالات بحثا عن الحماية ومظاهر التبجّح وقضاء المصالح.

في الأيام الأخيرة من فترة إشرافه على جهاز شرطة النجدة بصفاقس، كان من بين ضحايا ممارسات أعوان سفيان ناجي، شاب عشريني أصيل الجهة.

تقول والدة هذا الشاب، وهي قاضية رفيعة المستوى بالمحكمة الابتدائية صفاقس 1 -طلبت عدم ذكر اسمها متعلّلة بإكراهات الظرف السياسي الحالي في البلاد وحساسية المنصب الذي تشغله- متحدثة عمّا عاينته بأمّ عينها من خلال حادثة حصلت لابنها:

فرقة سفيان ناجي كانت بمثابة “شرطة خاصة” فهم لم يكونوا جهازا أمنيا عموميا عاديا…لقد كانوا يعملون بشكل عشوائي ولا يلتزمون بالقانون ويدّعون أنّ لهم كل الصلاحيات وهذا طبعا غير صحيح.

قاضية بالمحكمة الابتدائية صفاقس 1

تضيف محدثتنا خلال لقائنا بها في مكتبها بالمحكمة : “يوم ذهبت إلى مقر شرطة النجدة بصفتي وليّة ومواطنة تفاجأت بسلوك الأعوان (في إشارة إلى عدم احترام الإجراءات والضوابط القانونية). كان من الواضح أنّهم يجهلون القانون بالإضافة إلى أنّهم لم يقوموا بإعلام النيابة العمومية بعملية مداهمة محلّ ابنها التجاري. وقتها طلبتُ منهم بصفتي مواطنة لها دراية بالقانون عدم تجاوز صلاحياتهم وقد قمت بإعلام وكيل الجمهورية.”

في نفس السياق، تواصل محدّثتنا:” في عهد سفيان ناجي، كان البعض من الناس يذهب مباشرة إلى شرطة النجدة ويشتكي هناك لا إلى المحكمة (القضاء) أو مقارّ الشرطة المخوّلة لها القيام بذلك. هذا الجهاز ليس له الحق في التدخل إلاّ في صورة تعزيز و معاضدة الشرطة العدلية أو بقية المراكز الأمنية بعد استشارة وإعلام النيابة العمومية… من الغريب أنّ هؤلاء الأعوان كانوا يتحدّثون عن إحالة في حالة تقديم… يومها قلت لهم ماذا تفعلون؟ هل نصبتم أنفسكم مكان القضاء؟ كان من الواضح أنّ هذا الجهاز عبارة عن شرطة خاصّة (استعملت العبارة باللغة الفرنسية c’est une police privée)… كنت متعجّبة من فرط ما رأيت…مكتب فخم جدا لرئيس المصلحة أفخم حتى من مكتب وزير الداخلية ومن مكتبي كقاضية…أشخاص غرباء في المكتب…المكان لا يوحي بأنه مركز شرطة عادي.”

تؤكد نفس القاضية أنّها بالإضافة إلى ما عاينته بصفتها مواطنة، فإنّها بحكم مهنتها الأصلية ومباشرتها لعدد من الملفات في المحكمة، كانت قد اضطرّت إلى الحكم بعدم سماع الدعوى في قضايا كانت منطلقاتها ما قامت به شرطة النجدة في عهد سفيان ناجي حيث تشدّد على أنّ عددا من الملفات كان فارغا دون مؤيدات وأنّه رغم طلبها من الأمنيين مدّها بالمحجوزات التي يمكن أن تثبت التهم فإنّ ذلك لم يتم.

من المهم في هذا السياق الإشارة إلى أنّ شرطة النجدة تتكوّن من مجموعة فرق أمنية نشطة تعمل في الميدان. وفي حالة شرطة النجدة بصفاقس فهي تتبع الإدارة الفرعية للطريق العمومي والإسناد.
وقد تمّ في السنوات الأخيرة إحداث إدارة عامة مركزية لشرطة النجدة بوزارة الداخلية يشرف عليها (فنيّا) مدير عام. ويشغل هذا المنصب منذ سنة 2021 العميد عماد ممّاشة.
في علاقة بمصلحة شرطة النجدة بصفاقس التي كان يترأّسها سفيان ناجي فهي على المستوى الجهوي تتبع أيضا مدير الإقليم.

ومن مهام شرطة النجدة تعزيز الدوريات ومعاضدتها، فضلا عن إسناد الأنشطة الميدانية للشرطة العدلية ومراكز الشرطة التابعة للأمن الوطني في مرجع النظر. في العادة تتحرّك شرطة النجدة بإذن من قاعة العمليات بالإقليم غير أنّ جهاز شرطة النجدة بصفاقس في عهد سفيان ناجي تحوّل إلى ما يشبه “الإقليم المصغّر”، وفق عديد الشهادات المتطابقة التي تحصّلنا عليها من جهات أمنية متعدّدة ومختلفة وهو ما سنكشف تفاصيله بأكثر دقّة في قادم فصول هذا التحقيق.

وتنصّ التشريعات المنظمة للعمل الأمني على أنّ استشارة النيابة العمومية تتمّ من قبل رؤساء المراكز الأمنية ورؤساء فرق الشرطة العدلية التي يمكن أن تستعين بشرطة النجدة للإسناد خلال عمليات المداهمة الميدانية وغيرها.

مع العلم أنّه لا يحقّ لشرطة النجدة تحرير محاضر والقيام بالأبحاث والتحقيقات مع المتهمين. غير أنّ حدود هذه المسألة المعلومة لم تحترم وفقا للضوابط القانونية في عهد سفيان ناجي الذي قام بتجاوز حدود السلطة واستغلال نفوذه ضاربا في أكثر من مرّة بالصلاحيات المنصوص عليها قانونيا عرض الحائط. فما هي أبرز مظاهر التجاوزات و الإخلالات القانونية المسجلة في هذا الإطار؟

صابر عبد الجليل…
شريك سفيان ناجي الذي ينتحل صفة أمني

“خسرت عملي بسبب سفيان ناجي وصابر عبد الجليل…حياتي تحوّلت إلى جحيم…أصبحت أعاقر الخمر والمخدّرات بشكل شبه مستمرّ هربا من هول الكارثة …قمت بالاعتداء على جسدي بشفرة حلاقة في أكثر من مرّة بسبب حالة الإحباط والدمار النفسي …بعد ما حصل لي أصبحت مهدّدا في سلامتي الجسدية رفقة عائلتي التي تضرّرت أيّما تضرّر جراء تلك الحادثة المشؤومة… كما أنّ عائلتي اضطرّت للانتقال إلى العاصمة بعد أن أصبحتُ موصوما بكوني صبّاب حاكم (أي مخبر)”.

بهذه العبارات الحزينة وبصوت متقطع، استهلّ أيمن -اسم مستعارـ الشاب الثلاثيني أصيل إحدى المناطق المعروفة في صفاقس حديثه مع موقع الكتيبة، مستحضرا بألم شديد وملامح الحزن والحسرة تبدو على مُحيّاه قصّته مع شرطة النجدة بصفاقس خلال حقبة سفيان ناجي.

كان أيمن يعمل سائق شاحنة نقل للحساب الخاص. وحدها الصدفة لعبت دورا في ربط علاقة ستعرف لاحقا مسارا تراجيديا بسفيان ناجي الذي حسب شهادة المعني بالأمر قام باستقطابه كمخبر لدى شرطة النجدة في علاقة بملف الهجرة غير النظامية.

خسرتُ عملي بسبب سفيان ناجي وصابر عبد الجليل…حياتي تحوّلت إلى جحيم… بعد أن أصبحت موصوما بكوني صبّاب حاكم (أي مخبر)”.

أيمن مخبر سابق لدى سفيان ناجي

يروي أيمن تفاصيل الحادثة التي غيّرت مسار حياته قائلا: “كنت يومها بصدد التنسيق مع شرطة النجدة للإطاحة بعدد من المهاجرين غير النظاميين وبمن يقف وراءهم في عملية تنظيم الحرقة. كان الاتّفاق يقضي بأن أقوم بنقل الحرّاقة (المهاجرين السريّين) إلى مكان محدّد بشكل مسبق قبل أن أنسحب لكي تقوم شرطة النجدة بالتدخّل في الوقت المناسب دون أن يتمّ تصويري شخصيّا أو تصوير الشاحنة التي هي في الأصل على ملك الشركة التي أعمل معها، لكن العكس هو الذي حصل”، وفق ذات المتحدث.

يضيف نفس المصدر سرد شهادته بصوت مهزوز: “للأسف، ما اتّفقت عليه مع شرطة النجدة لم يتمّ احترامه حيث قام سفيان ناجي رفقة أعوانه والمصوّر الذي كان معه صابر عبد الجليل بملاحقتي وإيقاف الشاحنة في غير المكان المتّفق عليه. لقد تمّت عملية المداهمة والإيقاف بشكل استعراضي في الطريق العام على مقربة من المنطقة التي أقطن فيها حيث قام صابر عبد الجليل بتصويري رفقة الشاحنة والحرّاقة الأفارقة الذين كانوا على متنها وهو ما تسبّب في افتضاح أمري حيث طُردت من العمل وأصبحت موصوما في الحيّ الذي أقطن فيه”.

ويردف أيمن مسترسلا في سرد قصتّه :” لقد قام صابر عبد الجليل وسفيان ناجي بنشر الفيديو على صفحة الفيسبوك التابعة لشرطة النجدة بصفاقس قبل أن تنشر تفاصيل الواقعة على قناة الحوار التونسي في برنامج الحقائق الأربع وبهذا أصبحت على ما أنا عليه الآن لدرجة أنّني أفضّل الموت على البقاء حيّا….بعد هذه الحادثة أمر سفيان ناجي أعوانه بعدم السماح لي بالولوج مجدّدا إلى مقرّ شرطة النجدة الكائن بمنطقة باب بحر في صفاقس…قمت لاحقا بالتنقل إلى العاصمة لمحاولة تقديم شكوى ضد سفيان ناجي في القرجاني لكن لم يتم التعامل معي بشكل جدي حيث تمّ تجاهلي بعد الاستماع اليّ”.

من خلال الاتصال بعدد من الأمنيين في شرطة النجدة بصفاقس للتحقّق من صحّة هذه الرواية، أكّد لنا أكثر من مصدر صحتها حيث شدّدوا على أنّه فعلا يومها كان هناك تنسيق بين الطرفين وأنّ أيمن لم يتمّ إيقافه بعد تلك العملية الأمنية حيث غادر المكان بشكل عادي على اعتبار أنّه يعمل منذ فترة كمخبر معهم.

طيلة الفترة التي قضاها سفيان ناجي على رأس شرطة النجدة بصفاقس، اقترن اسمه بشخص يدعى صابر عبد الجليل الذي كان بمثابة ذراعه الإعلامية حيث تمّ تكليفه بكل ما له علاقة بالتصوير والمونتاج والترويج على صفحات التواصل الاجتماعي لا سيما عبر صفحة تنسب لشرطة النجدة بصفاقس، بالإضافة إلى صفحات ومنصات أخرى مثل اليوتيوب وبعض المواقع الرقمية وقناة تلفزية خاصة.

كان صابر عبد الجليل دائما ملاصقا لسفيان ناجي وأعوانِه في العمليات الميدانية حيث يقوم بالتصوير قبل عملية المونتاج التي في أغلب الأحيان تتمّ في منزل عبد الجليل وفق ما يظهره عدد من الصور التي تمكّنا من الحصول عليها، فضلا عن شهادات لعدد من الأعوان والمسؤولين الأمنيين بالجهة.

يقرّ سفيان ناجي خلال اتصالنا به بأنّ صابر عبد الجليل ليست له أيّة صفة أمنية رسمية، مضيفا انّه “إنسان مثابر ووطني محبّ لبلاده… هو شخص بارع في الأمور التقنية يقوم بتتبّع الصور ومعالجتها وقد قمنا فعلا بإنشاء صفحة ونشر مقاطع مصوّرة فيها…عندما يرافقنا أحيانا لا يقوم بالتصوير، هو فقط معنيّ بالأمور التقنية…في بعض الحالات نقوم بالدراسة الميدانية عبر آلة الدرون (طائرة صغيرة مسيّرة مجهزة بكاميرا) وذلك عوض أن نقوم بإرسال أحد الأمنيين” وفق قوله.

يظهر مقطع فيديو تحصّل عليه موقع الكتيبة بشكل حصري مشاركة صابر عبد الجليل في عملية إيقاف أحد المتهمين حيث يلعب دور عنصر أمني لا صفة قانونية له.

كما تظهر صورة أخرى تمكّنا من التحقق من صدقيتها صابر عبد الجليل مرتديا لكمّامة كتب عليها شعار شرطة النجدة وهو يحمل في يديه جهاز التحكم بآلة “الدرون”.

يعلّق سفيان ناجي في حديثه لموقع الكتيبة على جملة الاستفسارات التي توجهنا بها إليه قائلا: “نحن من أعطينا صابر عبد الجليل الكمامة ليقوم باخفاء وجهه .. هو لا يشارك في المداهمات .. في بعض الأحيان نحن من نقوم بالتصوير ثم هو يتكفّل لاحقا بمعالجة الفيديو… نعم أنا من كان يتّصل بصابر.. والمونتاج كان يتمّ في مكتبه..صابر هو فاعل خير..أغلب المقاطع المصوّرة هي مقاطع سرقات ودائما ما تكون هوية الأشخاص مخفية عبر تغطية الوجه..ونحن لم نحقق مع أي متهم”.

على الرغم من هذا التبرير الذي قدّمه سفيان ناجي فانّ مصدرا مسؤولا بوزارة الداخلية أكد لموقع الكتيبة عدم قانونية ما كان يقوم به صابر عبد الجليل فهو ليس من مصالح الشرطة الفنية كما أنّه لم يتحصّل بشكل رسمي على أيّ تسخير أو ترخيص للقيام بأي مهام من هذا القبيل.

صابر عبد الجليل كان قد أوضح، من جهته، خلال اتصال هاتفي جمعنا به: “أنا لم أعمل فقط لحساب سفيان ناجي بل عملت مع العديد من القيادات الأمنية .. لست ملحقا أمنيا بل يتم تكليفي ببعض المسائل المتعلقة بالصوت والصورة .. عندما تكون الصورة غير واضحة مثلا أقوم بتعديلها كما أقوم بإخراج أرقام تسجيل السيارات .. لديّ شركة إنتاج وأتعامل مع العديد المناطق والأقاليم الأمنية. وأنا أنفي بشكل قطعي ظهوري في مقطع فيديو بصدد اعتقالي لأي شخص.”

في المقابل وعلى عكس ما صرّح سفيان ناجي، يقرّ صابر عبد الجليل في حديثه مع موقع الكتيبة بأنّه شارك في عمليات مداهمة، مبرّرا ذلك بحضوره للتصوير بموافقة من مدير الاقليم والمسؤولين المعنيين، وفق تعبيره.

لا مراء في أنّ ما كان يقوم به سفيان ناجي وصابر عبد الجليل يعدّ انتهاكا صارخا وخطيرا لقرينة البراءة (المتّهم بريء حتّى تثبت إدانته من قبل القضاء فقط دون غيره)، والتي هي حقّ دستوري بالنسبة لأي موقوف أو متّهم، علاوة على خرق قانون المعطيات الشخصية الصادر سنة 2004.

فقد تسبّبت الفيديوهات التي كانت تنشر في صفحة شرطة النجدة وقناتها على منصة اليوتيوب، زيادة عن نشرها في صفحات نقابات أمنية قبل أن تصبح منتشرة في العديد من المواقع والقنوات الإعلامية، في الكثير من الأذى والتشهير والتحطيم النفسي والوصم الاجتماعي للعديد من ضحايا المنظومة الأمنية لسفيان ناجي ومساعده صابر عبد الجليل الذي لا صفة قانونية له.

في هذا الإطار، يقول رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس في تصريح لموقع الكتيبة إنّ هذه الفيديوهات التي كانت تنشر على صفحة شرطة النجدة قبل حذفها تتضمن انتهاكا صريحا وواضحا للقانون على اعتبار أنّه تمّ تصويرها دون الحصول على ترخيص من الأشخاص الذين تمّ ايقافهم بسبب شبهات، كما أنّها تنسف قرينة البراءة.

إنّ التجاوزات والشبهات المنسوبة إلى سفيان ناجي لا تحصى ولا تعدّ. غير أنّه يمكن الجزم بكونه قام بتجاوز حدود السلطة واستغلال نفوذه كقيادي أمني بولاية صفاقس سابقا في أكثر من مرّة حيث قام على سبيل الذكر بإيقاف أحد المواطنين وهو يدعى ربيع بن صالح ـأصيل منطقة العوابد بصفاقس- بعد نشره فيديو على موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك توجّه فيه إليه بجملة من الانتقادات الحادّة باستعمال لغة سوقية.

يكشف مقطع فيديو نشر على صفحات أمنية ايقاف هذا المواطن والتحقيق معه من قبل شرطة النجدة على خلفية الفيديو المشار إليه سابقا بحضور سفيان ناجي وهو ما يعكس حالة تجاوز السلطة واستغلال النفوذ وخرق القوانين المعمول بها.

من خلال عملية رصد وتحليل قام بها موقع الكتيبة طيلة أشهر لمحتوى عديد الفيديوهات التي قام بنشرها سفيان ناجي وصابر عبد الجليل على صفحات التواصل الاجتماعي، يتضح أنّه في أكثر من حالة تمّ تمرير وجوه وملامح شخصيات موقوفة في انتهاك صارخ للقانون ودون الحصول على إذن منها. كما أنّه من المهم الإشارة إلى أنّ عديد الفيديوهات والصور تظهر قيام شرطة النجدة بالتحقيق مع متهمين وهو ما يتعارض مع صلاحيات هذا الجهاز. كما تظهر بعض المواد المصوّرة الأخرى آثار تعذيب وترهيب سُلّطا على موقوفين يتمتعون إلى حدود تلك اللحظة بقرينة البراءة.

في هذا الإطار، يقول حمّة حمادي عضو فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بصفاقس الشمالية المكلف بالحقوق والحريات في تصريح لموقع الكتيبة:

إنّ الفيديوهات التي كانت تنشر على صفحة شرطة النجدة هي عبارة عن بروباغندا ترصد نجاحات مزعومة وايقافات لكنها في الحقيقة تنطوي على انتهاكات لحقوق الإنسان.

حمّة حمادي عضو فرع رابطة حقوق الإنسان بصفاقس

ويضيف ممثل رابطة حقوق الإنسان بالجهة قائلا:

فترة سفيان ناجي تعتبر فترة سوداء في المجال الحقوقي… هناك اتهامات بالفساد والابتزاز وتضخّم الممتلكات لهذا الشخص. فالمرحوم عبد السلام زيان الذي توفي في ظروف مسترابة تم إيقافه وقتها من قبل دورية لشرطة النجدة حينما كان سفيان ناجي على رأس هذا الجهاز.

في الإطار ذاته، يشدّد نفس المتحدّث على حصول انتهاكات عديدة في حقّ مواطنين كانوا ضحايا لمنظومة سفيان ناجي، مبرزا أنّ هؤلاء لا يستطيعون الولوج إلى العدالة كما أنّهم يخشون من تداعيات مقاضاة قيادي أمني نتيجة سياسة الترهيب والتخويف التي انتهجها سفيان ناجي من خلال سلوكه وسلوك أعوانه والفيديوهات التي كان ينشرها في إطار البروباغندا.

يستشهد حمّة حمادي في نفس السياق بصور انتشرت في وقت سابق على صفحات أمنية تنسب لأحد أبناء بائعي الخمر بجهة جبنيانة من ولاية صفاقس حيث تظهر آثار تعذيب وضرب مبرّح تعرض إليه الشخص الموقوف بمعيّة صديق له قائلا: “المجرم يعاقب بالقانون وليس بالتعذيب والتسبب له في أضرار جسدية جسيمة”.

صراع محموم بين “بارونات الشراب” محوره الأجهزة الأمنية

للعودة على أطوار القضية التي أشار إليها ممثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بصفاقس حمّة حمادي، اتصلنا بخليفة بن عمر المعروف بكنية “خليفة شراب”، والد الشاب الذي وقعت عليه الاعتداءات، وقد صرّح لموقع الكتيبة قائلا: “عائلة الماضي استعملت سفيان ناجي من أجل تحطيمي وتحطيم عائلتي… فرقة النجدة التابعة لسفيان ناجي كانت تحمي صفقات (ل.م) الذي هو منافس لي في بيع المواد الكحولية في منطقة جبنيانة والمناطق المجاورة لها وذلك بدعم وتحت غطاء من عائلة الماضي”، وفق ادعاءاته.

وأردف نفس الشخص قائلا: “ل.م هو حريف لدى عائلة الماضي التي لها عديد متاجر بيع الكحول وهو منافسي ولهذا تم التنكيل بي .. في أغلب الأحيان لا تعترض الشرطة شاحناته التي تقتني المواد الكحولية من متاجر الماضي لأنّه يعمل معه… كنت قريبا من الحصول على رخصة وكانت جميع أموري قانونية لكن بتدخّل من شرطة النجدة وعائلة الماضي تمّ رفض مطلبي في الحصول على الرخصة التي كانت ستسجّل باسم ابني خليل، في حين تحصّل أبناء الماضي على عديد الرخص وبعضها أُستغلّ من قبل فوزي القمودي (من بارونات بيع المواد الكحولية في ولاية سيدي بوزيد تمّ إيقافه مؤخرا من قبل وزارة الداخلية في قضية تبييض أموال)”، بحسب ما جاء على لسانه.

يضيف خليفة بن عمر في نفس الإطار: “عائلة الماضي تتحكّم في العديد من الأمنيين .. على هذا الأساس قام سفيان ناجي رفقة أعوانه بمداهمة منزلي وحجز قرابة 128 ألف دينار كما قاموا بتحطيم أبواب المنزل واعتدوا على المعينة المنزلية وابنتي وزوجتي…لكن حينما سجّلوا المحجوز في المحضر وثّقوا حجز 10 آلاف دينار فقط في حين تبخّرت بقيّة الأموال ولديّ شهود على ذلك”.

إنّ أغلب من يبيعون الخمر خلسة في البلاد هم يعملون تحت إمرة مراد الماضي وجميع الدوريات الأمنية بمنطقة سيدي صالح في صفاقس أين يملك مراد متجرا كبيرا لبيع الكحول بالجملة متواطئون معه، أي أنّهم لا يعترضون الشاحنات المحمّلة بالخمور والتي ستباع خلسة.

خليفة بن عمر، بائع خمر في جبنيانة

في هذا السياق، من المهم الإشارة إلى أنّ المحامي والقيادي السابق في حركة نداء تونس لزهر العكرمي كان تقدّم بتاريخ 1 سبتمبر/ أيلول 2021 بشكوى جزائية إلى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، متّهما نجل الرئيس السابق حافظ قائد السبسي بالحصول على رشوة من عائلة الماضي مقابل التوسّط لها لتمكينها من رخص لبيع المواد الكحولية في فترة حكم الباجي قائد السبسي.

هذا وقد حاولت هيئة التحرير بموقع الكتيبة التواصل مع رجل الأعمال والمترشّح السابق في الانتخابات التشريعية لسنة 2022 بولاية صفاقس مراد الماضي بالإضافة إلى شقيقه كريم من أجل تمكينهما من حقّ الردّ والتوضيح، لكنّهما رفضا التفاعل معنا.

من جهة أخرى، يؤكد المحامي سهيل السليمي لموقع الكتيبة أنّ خليفة بن عمر قام برفع دعوى قضائية ضدّ سفيان ناجي ومراد الماضي، رافضا الإدلاء بأي تصريح مصّور دون الحصول على ترخيص رسمي مكتوب من موكّله حيث اشترط حضوره للتسجيل معنا مع ضرورة أن يقوم قبل ذلك بإعلام فرع هيئة المحامين التي ينتمي إليها.

ردّا على هذه الاتهامات، يقول سفيان ناجي في حديثه لموقع الكتيبة:

عملية اعتقال أبناء خليفة بن عمر لا دخل لي فيها وهي تابعة للحرس الوطني .. نعم كنت موجودا وذهبت معهم إلى مقرّ الحرس .. لم أقم بالاعتداء على أي أحد… وليس لدي أي علاقة مشبوهة بعائلة الماضي.

سفيان ناجي

كما يضيف الرئيس السابق لمصلحة شرطة النجدة بصفاقس: “سهيل السليمي هو المحامي الوحيد الذي لدي معه مشاكل .. من المستحيل أن أقول إنّ عائلة الماضي قدمت لي بعض الخدمات (التسجيل المنشور في أول التحقيق يقول عكس هذا)… ذلك المقطع المسجّل تمّ التلاعب به وإخراجه من سياقه… وزارة الداخلية قامت بالتحقيق معي بخصوص هذا المقطع وتم التثبّت منه… إنّ كل التقارير التي كتبت ضدّي هي تقارير كيدية من قبل الحرس الوطني بسبب موضوع خليفة شراب”.

حينما سألنا سفيان ناجي عن خطورة اتهامه لجهاز الحرس الوطني بالتواطؤ مع تاجر المواد الكحولية خليفة بن عمر، استدرك بالقول: “أنا أتّهم البعض من أعوان الحرس الوطني وليس كلّ الجهاز”.

في الحقيقة، وبعيدا عن الاتهامات المتبادلة بين الطّرفين بخصوص تورّط قيادات وأجهزة أمنية حسّاسة في صراع بارونات بيع الخمور والمواد الكحولية في ولاية صفاقس والولايات المجاورة لها، والتي يُفترض أن يقوم القضاء بدوره من أجل التحقيق فيها رسميا، فإنّ ما يمكن الجزم به هو حصول انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان في عهد سفيان ناجي الذي كانت له أيضا علاقة مشبوهة بأحد أفارقة جنوب الصحراء وهو إيفواري الجنسية يدعى غوراي.

عُرف هذا المهاجر الإيفواري بكونه كان يمثّل العمود الفقري لما سميّ بالمجمع الأمني (هيئة شبه قضائية غير قانونية) والذي قام ببعثه عدد من أفارقة جنوب الصحراء في صفاقس للبتّ في التجاوزات المتعلقة بالمهاجرين غير النظاميين فيما بينهم من الذين ينوون الهجرة إلى أوروبا عبر سواحل ولاية صفاقس.

تمّ رصد هذه العلاقة المسترابة في تقرير لجهاز الحرس الوطني، تمكّن موقع الكتيبة من الاطلاع على نسخة منه، وهو ما يطرح عديد التساؤلات حول الدور الذي كان يقوم به سفيان ناجي في علاقة بملف الهجرة غير النظامية رغم النجاحات المزعومة التي كان يسوّق لها في الدعاية الإعلامية التي يقوم بها عبر صفحة شرطة النجدة.

حول هذا الموضوع، يقول سفيان ناجي: “لا دخل لي بالمجمع الأمني بمنطقة الناصرية (شارع مجيدة بوليلة بصفاقس)… تمّ القبض على غوراي بالمجمع الأمني وقد وجدوا أرقام قاعتنا بهاتفه… تقارير الحرس كيدية… وغوراي هو مخبر وقد تعاملت معه مرّة أو مرّتين بعلم من الإدارة”.

خلال لقائه بوزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين في قصر قرطاج بتاريخ 23 فيفري/ شباط 2023، صرّح رئيس الجمهورية قيس سعيّد بنبرة غاضبة حول ملف ما يعرف بالمجمع الأمني بصفاقس قائلا: “هناك دولة وهناك مؤسّسات…وفي بعض المناطق من تونس وصل الأمر إلى حدّ إحداث محاكم من قبل هؤلاء (المهاجرون غير النظاميين) الذين جاؤوا بصفة غير شرعية”.

من أين لك هذا؟

لم يكن من السهل على فريق موقع الكتيبة التحقيق خاصة في ممتلكات سفيان ناجي وزوجته حيث لم يكن كافيا الحصول على بياناتهما للوصول إلى الحقيقة على اعتبار أنّ بعض هذه الممتلكات لا أثر لها في قاعدة بيانات وزارة المالية.

بعد أشهر من البحث والتدقيق والقيام بالمواجهات الضرورية، تمكّن موقع الكتيبة من التحقّق من امتلاك سفيان ناجي وزوجته لجملة من الممتلكات التي لا تتماشى ودخلهما الشهري الذي يقدّر بحوالي 2800 دينار معا بناء على بيانات تحصلنا عليها بواسطة مصادر خاصة من وزارة المالية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والحسابات البنكية الشخصية على اعتبار أنّهما موظفان عموميان.

على الرغم من عدم وجود الفيلا التي يمتلكها سفيان ناجي بمنطقة الطبلبي التي تعدّ قبلة أثرياء ولاية صفاقس، في السجل الذي تحصلنا عليه من مصالح وزارة المالية، فإنّه تسنّى لنا استخراج وثيقة من الشركة التونسية للكهرباء والغاز تثبت ملكية الفيلا الفخمة المشار إليها من قبل الشخص المعني.

استظهر سفيان ناجي بوثيقة عقد البيع والتي ورد فيها أنّ هذه الفيلا في لحظة شرائها نقدا لم تكن مكتملة وأنّ مساحتها تقدّر بـ 70 مترا مربعا في قطعة أرض تبلغ مساحتها 280 مترا مربعا.

حينما توجّهنا إلى سفيان ناجي بسؤال “من أين لك هذا؟” حاول التقليل من القيمة المالية لهذه الفيلا الفخمة التي قمنا بمعاينتها ميدانيا من الخارج فضلا عن الداخل من خلال فيديوهات منشورة من قبل ابنته على موقع تيك توك، قائلا إنّه قد قام بشرائها سنة 2016 بقيمة مالية لا تتجاوز 73,5 ألف دينار.

تعود ملكية هذه الفيلا في الأصل إلى شخص يدعى فاخر السماوي وقد تمّ تسجيلها لدى عدل الإشهاد بصفاقس زهير عبيد. باتصالنا بهذا الأخير للتحرّي حول البيان في تشخيص العقار الموقّع من قبله بتاريخ 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، نفى أن يكون قد قام بمعاينة العقار المذكور قائلا إنّه قام بتحرير العقد بناء على المعطيات التي ذكرها المشتري سفيان ناجي، مشدّدا على أنّه غير ملزم قانونيا بالاطلاع على العقار ميدانيا وبشكل مباشر.

كان من الضروري في هذه الحالة، الاتصال بالمالك الأصلي فاخر السماوي الذي أقرّ بأنّ المعطيات الواردة في عقد البيع ليست صحيحة، موضحا أنّ الفيلا كانت مكتملة وفي أبهى حلّة حينما تمّ بيعها لسفيان ناجي وأنّ سعر البيع الحقيقي كان بقيمة 206 ألف دينار، وفق ما جاء على لسانه.

يضيف نفس المصدر خلال اتصالنا به هاتفيا مكذّبا ما ورد في العقد الذي استظهر به سفيان ناجي: “إجمالا تحصّلت على 201 ألف دينار وإلى غاية اليوم لا يزال سفيان ناجي يدين لي بمبلغ قدره 5 آلاف دينار .. كان من المفترض أن أبيع الفيلا بمبلغ قدره 220 ألف دينار لكنني قمت بتخفيض الثمن .. لا أريد أن أشتكي به اليوم بعد نقلته إلى القيروان فهذه ليس أخلاقي .. لن أسامحه أمام الله في المبلغ الذي لم يقم بتسديده لي.”

يوضح السماوي المالك الأصلي للفيلا المذكورة قائلا:

حينما بعت الفيلا كانت مساحتها المغطاة والمكتملة تقدّر بما لا يقلّ عن 190 مترا مربعا .. مؤخرا سمعت أنه أهدى سيارة فخمة لزوجته والحال أنّه لم يقم بخلاص مبلغ الـ5 آلاف دينار إلى غاية اليوم…لن أسامحه (كرّرها أكثر من مرة ).

يقول عدل الإشهاد زهير عبيد في حديثه مع موقع الكتيبة إنّ منطقة الطبلبي بصفاقس تعدّ منطقة راقية إذ تحتوي على عديد الفيلات الفخمة التي لا يقلّ ثمنها عن 400 ألف دينار. علاوة على ذلك، قام موقع الكتيبة بالاستئناس برأي خبيرين في المجال العقاري في ولاية صفاقس حيث أكدا أنّ الفيلا التي يملكها سفيان ناجي حاليا وفق الموقع الجغرافي والصور التي قمنا بعرضها عليهما لا يقل ثمنها عن 400 ألف دينار.

من المهم في هذا السياق التأكيد على أنّ مصادر مقرّبة من سفيان ناجي أكدّت لموقع الكتيبة إدخاله عديد التحسينات على الفيلا التي قام بشرائها، فضلا عن تجهيزها بأحدث وأفخم التجهيزات. غير أنّه على الرغم من أنّه قام بشرائها منذ سنة 2016، فإنّه لا يقطن بها بل ظلّ يقيم في شقة بوسط مدينة صفاقس وذلك خوفا من اتهامه بالثراء المريب، وفق تعبير ذات المصادر.

حينما سألنا سفيان ناجي عن سبب تواصل إقامته في شقة صغيرة على وجه الكراء رغم امتلاكه لفيلا فخمة أجاب قائلا: “ما يقال عن كوني أملك مسبحا غير صحيح .. زوجتي رفضت أن نقطن في هذا المنزل بسبب كثرة الأقاويل حيث انزعجت من ذلك ..أنا الآن بصدد عرض هذا المنزل الذي لم أعد أرغب فيه للبيع “.

تؤكد مصادر مطلعة مقرّبة من سفيان ناجي أنّ هذا الأخير وعائلته لا يستعملان هذه الفيلا إلا لمامًا على غرار المناسبات العائلية والأعياد.

حول مصدر الأموال التي اشترى بها الفيلا المذكورة، يجيب سفيان ناجي قائلا:

قمت بتجميع هذا المبلغ عبر قروض إضافة إلى مبالغ أخرى قمت بادّخارها من جرايتي الشهرية فضلا عن مساعدات من إخوتي.

ما يجب الإشارة إليه أنّنا قمنا بالبحث حول المعطيات المالية والوضعية الاجتماعية الخاصة بإخوته وإخوة زوجته وقد تبيّن أنّ جميع أفراد العائلة ينتمون الى الطبقة الوسطى وما دونها أيضا ما يجعل من فرضيّة تلقّيه لمساعدات مالية من أقاربه ضعيفة جدّا كي لا نقول منعدمة.

ما يلفت الانتباه أيضا امتلاك زوجة سفيان ناجي لسيارة فاخرة، فضلا عن شقة بولاية أريانة وقطعة أرض بمنطقة تنيور من ولاية صفاقس قامت بشرائها في سنة 2021 على الرغم من أنّ أجرها الشهري لا يتجاوز الألف دينار وفق بياناتها الرسمية باعتبارها موظفة عمومية.

بخصوص هذه الممتلكات التي هي على ملك زوجته يقول سفيان ناجي: “قطعة الأرض اقتناها أخي وسجلها باسمي لاحقا وزوجتي تحصّلت على ميراث من عائلتها.. أمّا بخصوص الشقة فقط اشترتها منذ زمن بعيد وهي إلى الآن بصدد تسديد ثمنها… في حين أنّ السيارة قامت بشرائها بمبلغ قيمته 71 ألف دينار”، وفق مزاعمه التي لم يستظهر بما يؤكدها.

عندما طلبنا من سفيان ناجي أن يقدّم لنا ما يفيد بذلك وأن يستظهر بصحة حصوله على قروض رفقة زوجته، فضلا عمّا يفيد بموضوع الميراث لاسيما وأنّ بيانات زوجته الشخصية في القباضة المالية لا تفيد بذلك، وعد بأن يرسل الوثائق لكنه لم يلتزم بما تعهّد به خلال المواجهة الهاتفية التي جمعتنا معه.

في الحقيقة، مظاهر الإثراء غير المشروع تتجاوز هذه المعطيات، حيث أنّه على الرغم من الدخل الشهري المحدود لعائلة سفيان ناجي فإنّ أبناءه يدرسون في التعليم الخاص بمبلغ يناهز شهريا 1200 دينار.

حول هذا المعطى يجيب القيادي الأمني سفيان ناجي:

أبنائي يدرسون بشكل مجاني… ومديرة المدرسة صديقة لزوجتي.

سفيان ناجي

لمزيد التحرّي في هذه النقطة، اتّصل موقع الكتيبة بسماح المصمودي مديرة المدرسة الخاصة والتي تستقطب أبناء الأثرياء في الغالب، وقد رفضت الاجابة عن سؤالنا حول حقيقة تدريس أبناء سفيان ناجي مجانا مكتفية بالقول: “نعم أبناء سفيان يدرسون في مدرستي .. هذه المعطيات لا يجوز الحديث حولها عبر الهاتف”.

يقول الفريق الاستشاري القانوني لموقع الكتيبة بعد التدقيق في جملة المعطيات الآنف ذكرها إنّ “جلّ الممتلكات التابعة لسفيان ناجي وزوجته تؤول على أساس فرضية التمويه والغشّ الجبائي، بالإضافة إلى شبهات الإثراء غير المشروع، إذ أنّه ملزم بالتصريح بالمكاسب وفق مقتضيات الفصل 5 من القانون عدد 46 المؤرخ في 1 أوت 2018 والمتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح في بابه الثاني المتعلق بالتوقّي من الإثراء غير المشروع ومن تضارب المصالح في قسمه الأوّل تحت مسمّى التصريح بالمكاسب والمصالح”.

ويعرّف القانون المذكور آنفا في فصله الرابع، الفقرة عدد 6، الإثراء غير المشروع بكونه:

كلّ زيادة هامة في مكاسب الشخص الخاضع لأحكام هذا القانون تحصل عليها لفائدته أو لفائدة من تربطه به صلة، أو زيادة ملحوظة في حجم إنفاقه تكونان غير متناسبتين مع موارده ولا يستطيع إثبات مشروعية مصدرهما.

وفي حال تثبيت تهمة الإثراء غير المشروع قضائيا، بناء على الفصل 37 من القانون عدد 46 لسنة 2018، يعاقب “بالسجن مدّة 6 سنوات وبخطيّة تساوي قيمة المكاسب غير المشروعة كلّ مرتكب لجريمة الإثراء غير المشروع على معنى هذا القانون. كما تحكم المحكمة في نفس الحكم بمصادرة جميع المكاسب المنقولة أو العقارية والأرصدة المالية أو بعضها للمحكوم عليه المتأتية بصورة مباشرة أو غير مباشرة من جريمة الإثراء غير المشروع ولو انتقلت إلى ذمّة مالية أخرى، سواء بقيت تلك الأموال على حالها أو تمّ تحويلها إلى مكاسب أخرى…وتحكم المحكمة بحرمان المحكوم عليه من مباشرة الوظائف العامة ومن حق الانتخابات والترشح لمدة 10 سنوات”.

في المحصّلة، وعلى الرغم من الشبهات القويّة المتعلقة بالقيادي الأمني سفيان ناجي، فإنّ هذا الأخير لا يزال يباشر عمله الذي نقل إليه بشكل “تأديبي” في القيروان بنفس الصفة (رئيس مصلحة)، ما يضع التفقدية العامة بوزارة الداخلية محلّ نقاط استفهام عديدة حول مدى تعاملها بجدّية مع هذا الملف، ما قد يرسّخ سياسة الإفلات من العقاب والمحاسبة التي تُتّهم بها وزارة الداخلية التونسية من قبل مكونات المجتمع المدني والطبقة السياسية المعارضة.

كلمة الكتيبة:

يسعى موقع الكتيبة من خلال تحقيقاته الى ترسيخ ثقافة المساءلة من أجل التصدّي إلى سياسة الإفلات من العقاب التّي ما انفكّت ترمي بظلالها على شتّى هياكل الدولة ما سمح للعديد من المسؤولين بالبقاء دون محاسبة رغم الانتهاكات والجرائم المنسوبة اليهم.

كلمة الكتيبة:
يسعى موقع الكتيبة من خلال تحقيقاته الى ترسيخ ثقافة المساءلة من أجل التصدّي إلى سياسة الإفلات من العقاب التّي ما انفكّت ترمي بظلالها على شتّى هياكل الدولة ما سمح للعديد من المسؤولين بالبقاء دون محاسبة رغم الانتهاكات والجرائم المنسوبة اليهم.

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير المحتوى العربي بموقع ”الكتيبة“. صحفي ومدرب في مجال الإعلام وباحث دكتوراه

ساعد في التحقيق: نور الفارسي (صحفي متدرّب)
تدقيق: وليد الماجري
غرافيك: منال بن رجب
مونتاج: حمزة الفزاني
تطوير تقني: بلال الشارني
مونتاج: حمزة الفزاني
تطوير تقني: بلال الشارني
ساعد في التحقيق : نور الفارسي (صحفي متدرّب)
تدقيق: وليد الماجري
غرافيك: منال بن رجب

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير المحتوى العربي بموقع ”الكتيبة“. صحفي ومدرب في مجال الإعلام وباحث دكتوراه.

med213