الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

خمسة أشهر مضت على آخر ظهور إعلامي لوزيرة المالية بالحكومة التونسية سهام نمصية بوغديري، عندما أعلنت بشكل عام غير مفصّل في حوار لها على قناة التاسعة جملة من الإجراءات المتصلة بما سُمّي “إصلاحات إقتصادية” أقرّتها الحكومة وكانت محور اتفاقها المبدئي مع صندوق النقد الدولي.

نفس الفترة الزمنية تقريبا مرّت منذ إعلان حصول اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي المتضمّن لخيارات الحكومة “الإصلاحية” أو ما يعرف باتفاق الخبراء، لم يسفر إلى اليوم عن اتفاق نهائي يتم بموجبه منح تونس ضمانا يخوّل لها الخروج إلى السوق العالمية للاقتراض بهدف تعبئة موارد مالية للدولة بما يساعدها على تنفيذ تلك الإصلاحات والتي تحتاج بحسب قانون الموازنات المالية لعام 2023، ما يناهز الـ 15 مليار دينار قروض خارجية، و9 مليار دينار قروض داخلية.

ووفق ما صرّحت به وزيرة المالية في ذات الحوار فانّ برنامج الإصلاحات يرتكز في مجمله على أربع مستويات أوّلها متصل بكتلة الأجور والثاني متصل بالمؤسسات العمومية والمستوى الثالث يتعلّق بمناخ الاستثمار والرابع يهمّ الانتقال الطاقي وإصلاح منظومة الدعم.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

خمسة أشهر مضت على آخر ظهور إعلامي لوزيرة المالية بالحكومة التونسية سهام نمصية بوغديري، عندما أعلنت بشكل عام غير مفصّل في حوار لها على قناة التاسعة جملة من الإجراءات المتصلة بما سُمّي “إصلاحات إقتصادية” أقرّتها الحكومة وكانت محور اتفاقها المبدئي مع صندوق النقد الدولي.

نفس الفترة الزمنية تقريبا مرّت منذ إعلان حصول اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي المتضمّن لخيارات الحكومة “الإصلاحية” أو ما يعرف باتفاق الخبراء، لم يسفر إلى اليوم عن اتفاق نهائي يتم بموجبه منح تونس ضمانا يخوّل لها الخروج إلى السوق العالمية للاقتراض بهدف تعبئة موارد مالية للدولة بما يساعدها على تنفيذ تلك الإصلاحات والتي تحتاج بحسب قانون الموازنات المالية لعام 2023، ما يناهز الـ 15 مليار دينار قروض خارجية، و9 مليار دينار قروض داخلية.

ووفق ما صرّحت به وزيرة المالية في ذات الحوار فانّ برنامج الإصلاحات يرتكز في مجمله على أربع مستويات أوّلها متصل بكتلة الأجور والثاني متصل بالمؤسسات العمومية والمستوى الثالث يتعلّق بمناخ الاستثمار والرابع يهمّ الانتقال الطاقي وإصلاح منظومة الدعم.

ولئن لم يتمّ طرح تفاصيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بشكل مفصّل بما يمنح الرأي العام صورة واضحة عن ماهية الإصلاحات المزمع تنفيذها في الفترة القادمة وتداعياتها على القدرة الشرائية للتونسيين.ـات، فإنّ محور إصلاح منظومة الدعم في تونس استحوذ على حيز مهمّ من النقاش طغى على بقية محاور الإصلاحات المزمع تنفيذها.

أقرّت الحكومة وفق ما أعلنته وزيرة المالية، إحداث منصة رقمية لتسجيل المواطنين التونسيين بغية توجيه الدعم نحو مستحقيه عن طريق منَح نقدية مقابل رفع تدريجي للدعم عن أسعار المواد الأساسية حتى تبلغ أسعارها الحقيقة في أفق عام 2026.

في هذا السياق أعدّ الخبير وأستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية عبد الرحمان اللاحقة دراسة نشر جزءا منها على موقع “الشعب نيوز” تتعلّق بآثار رفع الدعم وتداعياته على القدرة الشرائية للعائلات التونسية ومستويات الفقر.

موقع الكتيبة أجرى حوارا مع معدّ الدراسة تمّ التطرّق من خلاله الى مسائل جدلية على غرار تداعيات رفع الدعم وتأخر الحكومة في تنفيذ ما أعلنت عنه من إصلاحات وعلاقة الأخيرة بصندوق النقد الدولي.

كيف تقرأ ما أعلنت عنه الحكومة حول توجيه الدعم نحو مستحقيه عبر منح نقدية؟

 

بداية لا يمكن الحديث عن أية إصلاحات ممكنة دون وجود اتفاق جامع بين مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع حول هذه الإصلاحات، وهو أمر ضروري للمضي في أي إصلاح مزمع تنفيذه. في غياب التوافق فإنّ حظوظ نجاح أي إصلاح تلوح ضعيفة جدّة.

أمّا فيما يهمّ استبدال منوال الدعم من دعم مباشر للسلع والمواد الأساسية عبر منح نقدية فهذا في حدّ ذاته ليس مشكلا، فهناك عديد الدول سلكت هذا المنهج. المشكل لا يكمن في آلية توجيه الدعم بقدر ما يطرحه من إشكاليات على مستوى التطبيق وتنزيل هذا الإجراء على أرض الواقع، هذا بطبيعة الحال إذا ما كان هناك إجماع واتفاق على تنفيذ هذا الإجراء وتبنيه من مختلف الفاعلين، أساسا المنظمات الإجتماعية، لأنّ آثار رفع الدعم عن المواد الأساسية يحتاج سنوات طويلة لمعالجتها.

فكما تظهر الدراسة التي استندتُ فيها على بيانات المعهد الوطني للإحصاء والخاصة بالمسح الوطني حول الإنفاق والاستهلاك ومستوى عيش الأسر التونسية لسنة 2021-2022 فأنّ دعم الدّولة للمواد الغذائية الأساسية لوحده يتراوح بين 7.2 % (58 دينار) من ميزانية استهلاك عائلة فقيرة تبلغ قيمتها 806 دينار إلى 2.5% (70 دينار) من ميزانية استهلاك عائلة ميسورة الحال تبلغ قيمتها 2787 دينار.

و للإشارة فانّ دعم الدولة لا يهمّ فقط المواد الغذائية إنّما يتجاوز ذلك إلى كلّ ما هو طاقي من محروقات وكهرباء وعدد من الخدمات على غرار النقل، وهنا لا يجب غض النظر عن عقلية التونسيين.ـات في علاقة بحصولهم على منح نقدية من الدولة والتي سيكون حجمها مرتبطا ارتباطا وثيقا بالأسعار العالمية لهذه المواد الأساسية.

لا يمكن الحديث عن أية إصلاحات ممكنة دون وجود اتفاق جامع بين مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع حول هذه الإصلاحات، وهو أمر ضروري للمضي في أي إصلاح مزمع تنفيذه.

أسوق مثالا على هذا، على افتراض أنّ هناك شريحة من التونسيين ستوجّه لهم الدولة منحة نقدية مقدّرة بـ100 دينار كعنوان دعم، فطريقة احتساب القيمة المالية لهذه المنحة ستأخذ بعين الإعتبار الأسعار العالمية المتصلة بالمواد الأساسية على غرار المحروقات أو الغاز أو القمح.

مستقبلا إذا انخفضت أسعار هذه المواد في السوق العالمية فمن المؤكد أنّ حجم الدعم الذي توجّهه الدولة والموجّه للتونسيين.ـات في شكل منح نقدية سيتقلص. هل سيقبل التونسيون بتخفيض في قيمة المنحة؟ لا أعتقد ذلك.

لو تفسّر أكثر مسألة معالجة آثار رفع الدعم عن المواد الأساسية؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، وكما بيّنت في دراستي حول آثار رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية وبناء على الأسعار الحقيقية لتلك المواد التي تتولّى الدولة دعمها، فانّ نفقات الأسر التونسية في حال رفع الدّعم بشكل كامل ستزيد بنحو 110 دينار بالنسبة الى عائلة فقيرة حجم ميزانية استهلاكها لا تتجاوز الـ806 دينارا و بنحو 99 دينارا لعائلة ميسورة الحال حجم ميزانية استهلاكها يفوق الـ2787 دينارا وهو ما يعطي انطباعا واضحا على أنّ الفئات الأقلّ تضرّرا في حال رفع الدّعم هي العائلات ميسورة الحال وهذا لا يعني أنّ هذه الأخيرة بمنأى عن امكانية تدهور قدرتها الشرائية هي الأخرى.

وجب الإنتباه عند الحديث أو التخطيط لإحداث منصة إلكترونية لتوجيه الدّعم نحو مستحقيه عبر منح نقدية الى أنّ المنصة في حدّ ذاتها تعتبر آخر مراحل عملية الإصلاح، وتسبقه في ذلك عديد الإجراءات قبل الوصول إلى موضوع المنصة وتنزيلها على أرض الواقع.

في عديد التجارب المقارنة حول إصلاح منظومة الدعم، تكون الخطوة الأولى في تقدير آثار رفع الدعم عن المواطنين (في قدرتهم الشرائية) وعلى الاقتصاد الوطني برمّته، ومردّ هذا التقدير هو أنّ الإجراء في حدّ ذاته لا يمسّ المواطنين فقط، إنما يتجاوز ذلك ليمسّ عديد الأنشطة الاقتصادية على غرار المطاعم والصيد البحري والفلاحة والنقل وغيرها من المجالات إن لم نقل جميعها.

وجب الإنتباه عند الحديث أو التخطيط لإحداث منصة إلكترونية لتوجيه الدّعم نحو مستحقيه عبر منح نقدية الى أنّ المنصة في حدّ ذاتها تعتبر آخر مراحل عملية الإصلاح.

باختصار شديد يمكن القول انّ الدورة الاقتصادية برمتها ستتأثر بهذا الإجراء، وهو ما سأقوم بتبيانه في الجزء الثاني من الدراسة والمتّصل برفع الدعم عن المحروقات.

كما تمرّ عملية الإصلاح عبر خطوة ثانية على غاية من الأهمية ألا وهي العملية الاتصالية مع المواطنين وما يستوجب ذلك من تقارير ومسح شامل لآراء المواطنين وتقسيمهم حسب الشرائح وتقدير حجم الدعم لكل شريحة، إضافة إلى تنفيذ تجارب نموذجية (des experiences pilote) للوقوف على نقاط قوة وضعف الإجراء المزمع تنفيذه واستخلاص صورة واضحة وشاملة حول سبل وآليات إيصال المنح النقدية لمستحقيها فعلا.

مع الأسف عندما أستمع إلى خطاب وزراء من الحكومة فيما يهمّ إحداث منصة تحويل منح نقدية للعائلات فقط دون الحديث عن إجراءات تسبق ذلك، أصاب بالدهشة ودائما ما أطرح السؤال على نفسي هل “هؤلاء ملمّون بما ينوون الذهاب فيه؟”.

قانون الموازنات المالية لعام 2023 يقرّ بتخفيض في ميزانية الدعم. هل بدأت الحكومة فعلا في رفع الدعم في غياب إجراءات مصاحبة؟

صحيح أنّ الحكومة أعلنت عبر قانون موازاتها المالية لعام 2023، التخفيضَ في ميزانية الدعم لكنّ ذلك لم يقابله ترفيع في الأسعار في المواد المدعّمة، وحسب تقديري وقراءتي لهذا الوضع فانّ الحكومة غير قادرة على تنفيذ ما أعلنت عنه سابقا ومازلت غير جاهزة و غير مؤهلة لتنفيذ ما أعلنت عنه بنفسها.

في المحصّلة، غير واضح إلى اليوم الاستراتيجية التي تعمل وفقها الحكومة في رفع أو إصلاح منظومة الدعم وحجتي في ذلك عدم القيام بأي خطوة عملية من طرف الحكومة في هذا الاتجاه.

ومن جهة أخرى، فانّ التفكير الآن في إصلاح منظومة الدعم عبر الرفع التدريجي للدعم عن المواد الأساسية في وضع تعرف فيه القدرة الشرائية للمواطنين.ـات التوسيين.ـات مزيدا من التدهور بسبب ارتفاع نسب التضخم الذي بلغ رقمين، مسألة جدّ خطيرة.

غير واضح إلى اليوم الاستراتيجية التي تعمل وفقها الحكومة في رفع أو إصلاح منظومة الدعم وحجتي في ذلك عدم القيام بأي خطوة عملية من طرف الحكومة في هذا الاتجاه.

فكما توضّح الدراسة فانّ كل مادّة من المواد الأساسية تقوم الدولة برفع الدعم عنها تؤثر بالزيادة في توسيع رقعة الفقر في تونس، بشكل يجعل من مستوى الفقر يرتفع إلى نحو 22% في حال تمّ رفع الدعم بشكل نهائي عن جميع المواد الغذائية التي تدعمها الدولة. طبعا هذا في حال لم تتخذ الدولة إجراءات مصاحبة للتخفيف من وطأة هذا الإصلاح على الطبقات الفقيرة والمتوسطة خاصة.

فضلا عن كلّ ما سبق، هناك مسألة تغيب عن النقاش العام وعن خطاب الحكومة في علاقة بإصلاح منظومة الدعم ألا وهي حجم الدّعم نفسه والمقدّر بنحو 12 مليار دينار سنويا -وهو بالمناسبة مبلغ ضخم جدّا- يدفعنا للتحرّي في نجاعته.

في الحقيقة، كان يجب على الحكومة التحرّي فعلا في حجم نفقات الدعم وأن تقوم بمسح شامل للفئات والقطاعات المستهلكة للدعم لتتأكد فعلا من آليات صرف الـ 12 مليار دينار.

دعني هنا أسوق مثالا حتى يُفهم كلامي أكثر: جزء لا بأس به من نفقات الدعم الموجهة للقمح ومشتقاته يذهب إلى الشركات التي تتولى تخزين هذه المواد، دون أن يكون للحكومة أية رؤية شاملة حول استحقاق هذه الشركات من حجم الدعم الذي يتم توجيهه لها سنويا، نفس الأمر تقريبا يتعلّق بقطاع المحروقات، وجب التأكد من نجاعة الإستراتيجية التي تعمل وفقها الشركة التونسية لتكرير النفط “ستير” والشركة التونسية للكهرباء والغاز. أنا على قناعة راسخة بأنّ ثلث نفقات الدعم تصرف سنويا في مسالك غير المسالك المخصصة لها وهو ضرب من ضروب الفساد الواضح.

كان يجب على الحكومة التحرّي فعلا في حجم نفقات الدعم وأن تقوم بمسح شامل للفئات والقطاعات المستهلكة للدعم لتتأكد فعلا من آليات صرف الـ 12 مليار دينار.

مراجعة مسالك صرف نفقات الدعم، والتفكير في دراسة إمكانية إصلاحها يمكن أن يساعدنا على تخفيف حجم الدعم سنويا دون أن نمس من أسعار المواد الأساسية أي دون أن نؤثر أكثر على القدرة الشرائية للمواطنين.ـات.
من المسائل الأخرى والمهمة كذلك عند الحديث عن موضوع إصلاح منظومة الدعم، ضرورة مراجعة منظومة التأجير في تونس، إذا لا يمكن الحديث عن رفع تدريجي للدعم أو تقليص حجمه دون التعرّص إلى معضلة منظومة التأجير وهو ما يجرّ مباشرة إلى ضرورة معالجة تنافسية الاقتصاد التونسي الذي من بين أهم مرتكزاته اليد العاملة الرخيصة.

عندما أضع كل هذه المسائل والعوامل الغائبة عن خطاب الحكومة وسياساتها يجعلني على يقين بأن مقاربة الحكومة المتصلة بإصلاح منظومة الدعم هي مقاربة متسرّعة وغير مدروسة.

هل أثر هذا التعثر الذي تعاني منه الحكومة في علاقة بالإصلاحات على مفاوضاتها مع صندوق النقد؟

إصلاح منظومة الدعم وحالة التخبط الذي تعيش فيه الحكومة التونسية في علاقتها مع صندوق النقد الدولي موضوعين مرتبطين ببعضهما البعض لكنهما مختلفان من الآن ذاته.
بداية حالة التخبط وعدم إيجاد الحلول المثلى لإصلاح منظومة الدعم هذه مسألة واضحة لا نقاش فيها، لو كان للحكومة استراتيجية واضحة في علاقة بهذا الملف لا بدأت في تنفيذها منذ بداية العام الجاري.
أما فيما يهم علاقة تونس بصندوق النقد الدولي ومضمون الإتفاق بينهما، هذه من الأشياء التي لا علم لنا بها ولا يمكن لنا الحكم على إتفاق بشكل موضوعي في ظل تعتيم كامل على الوثيقة المتضمنة لبنود الاتفاق.

وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على حالة التخبط التي تعيش فيها هذه الحكومة في تطبيق ما اتفقت فيه مع مانحيها حول ما يسمى” إصلاحات ” باعتبار أن التجارب في العالم أثبتت أنه لا يمكن إجراء إصلاح دون إعلام المواطنين بماهيته وتوقيت تنفيذه وتداعياته وغيرها من المسائل. بل انّ هذا التخبط يذهب بنا إلى استخلاص أنّ هذه الحكومة لا تعرف من أين تبدأ وكيف تبدأ.

أثبتت التجارب في العالم أنه لا يمكن إجراء إصلاح دون إعلام المواطنين بماهيته وتوقيت تنفيذه وتداعياته وغيرها من المسائل.

في النهاية وأمام هذا الوضع الذي وصلنا إليه على الحكومة ألا تتحرّج في أن تخطو خطوة إلى الوراء وتجمع الفاعلين وتعلمهم بحقيقة الأوضاع وبنود اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، والتوجه في حوار شامل حول هذه الإصلاحات، لأنّ التجارب أثبتت أنّ الدول التي أقدمت على نوعية هذه التغييرات الهيكلية للاقتصاد لا يمكن المضي فيها دون توافق شامل حولها.

تخبّط في إصلاح منظومة الدعم، تخبّط في إتمام الاتفاق مع صندوق النقد، وعجز في تعبئة موارد خارجية، تونس إلى أين؟

أجيبك بشكل مباشر، إذا تواصل هذا الوضع نحن سائرون نحو الكارثة الإقتصادية فعلا وسنتحسّس تداعياتها في الأشهر القليلة القادمة. اجتمعت كل الظروف الصعبة في الآن ذاته فمع التخبط الحكومي في إيجاد حلول مُثلى لموارد الدولة -كما أبرزتُ ذلك سالفا في علاقة بإصلاح منظومة الدعم- يتضح أنّ غياب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أدّى بنا إلى العجز عن تعبئة موارد خارجية لميزانية الدولة التي تحتاج في الحدّ الأدنى إلى ما لا يقل عن 3 مليار دولار.

إضافة إلى ذلك فإنّ إحتياطات تونس من العملة الصعبة مقدّرة حاليا بثلاثة أشهر. وأمام ما ينتظرنا من تحدّيات في علاقة بخلاص حصص من قروض سابقة وحاجتنا من التوريد لمواد غذائية خاصة وأنّ الموسم الفلاحي الحالي يلوح صعبا وكارثيا هو الآخر، قد نجد أنفسنا أمام وضع تُستنزف فيه بشكل حاد احتياطات الدولة من العملة الصعبة وهو ما يجرنا إلى إنهيار الدينار التونسي أمام باقي العملات وارتفاع كبير في نسب التضخم.

غياب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أدّى بنا إلى العجز عن تعبئة موارد خارجية لميزانية الدولة التي تحتاج في الحدّ الأدنى إلى ما لا يقل عن 4 مليار دولار.

حسب رأيي لا بديل عن هذا الوضع غير الحوار ثمّ الحوار للتوافق حول خطة لإنقاذ الاقتصاد التونسي، لأنّه وعلى فرض استمرار الحكومة على نهجها في إقرار “إصلاحاتها” وعدم إيلاء الحوار أية أهمية فانّ تنزيل تلك الإصلاحات على أرض الواقع سيصطدم بمعوقات كثيرة أهمها عدم انخراط من المواطنين (الموظفين والعملة) في تلك الإصلاحات وكذلك أرباب العمل الذين لزموا الصمت منذ فترة.

ما الذي يمنع الحوار وماذا عن أزمة الثقة بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل؟

انعدام الحوار حاليا هو خيار سياسي مسؤولة عنه الحكومة وحدها، ويبدو أنّ الأخيرة غير واعية بالمرة بمدى خطورة غياب الحوار أو أنّها تعتقد أنّ الإصلاحات التي تودّ المُضيّ فيها يمكن تنفيذها بأمر منها وبمجرّد سنّ قوانين وهي مسألة هلامية في اعتقادي.

علينا أن نسأل قبل كل شيء “الحوار بين من ومن؟!” وجواب هذا السؤال واضح فالحوار يكون بين الحكومة والنقابات ورجال الأعمال وبصفة عامة مكوّنات المجتمع المدني، فإذا غاب الحوار بين هذه الأطراف من سينفّذ الإصلاحات؟. على الحكومة أن تستوعب بأنّها طرف من بين عدّة أطراف تسهر على تنفيذ الإصلاحات ولا يمكن تنفيذها في غياب انخراط النقابات ورجال الأعمال والإعلام ومكوّنات المجتمع المدني وتبنيهم لمشاريع الإصلاحات.

على الحكومة أن تستوعب بأنّها طرف من بين عدّة أطراف تسهر على تنفيذ الإصلاحات ولا يمكن تنفيذها في غياب انخراط النقابات ورجال الأعمال والإعلام ومكوّنات المجتمع المدني وتبنيهم لمشاريع الإصلاحات.

لنأخذ مثالا، كيف يمكنك إقناع عامل أو موظف بإصلاحات معيّنة دون أن يتم تمتيعه بإجراءات مصاحبة من قبيل الترفيع في أجره أو كيف يمكن إقناع رجل أعمال بالاستثمار في مناخ استثماري تولت الحكومة لوحدها تحديده؟ وهنا تكمن أهمية الحوار لأنّه ليس شعارا فضفاضا إنّما هو مؤسسة ضروري وجودها في أية إصلاحات هيكلية ترغب أي دولة القيام بها.

فيما يهم الثقة، وجب التذكير بأنّ المرة الوحيدة التي خرجت فيها رئيسة الحكومة نجلاء بودن وخاطبت فيها التونسيين.ـات كانت بمناسبة أدائها لليمين، ومن بين أهم ما تكرر على لسانها في ذلك الخطاب مصطلح “إعادة الثقة” لكن بمرور الأيّام والأشهر حصل العكس تماما.

ووجب التنويه بأنّ الشركاء الإجتماعيين على غرار الإتحاد العام التونسي للشغل و الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة قاموا بما عليهم القيام به. لنذكّر هنا أن المنظمتين كانتا قد أمضتا على اتفاق زيادة في الأجور يمتدّ على ثلاث سنوات وذلك تحضيرا منهما لإمكانية دخول البلاد في إصلاحات هيكلية قد تمسّ من القدرة الشرائية للعمّال والموظفين بالقطاع الخاص.

كيف يمكنك إقناع عامل أو موظف بإصلاحات معيّنة دون أن يتم تمتيعه بإجراءات مصاحبة من قبيل الترفيع في أجره أو كيف يمكن إقناع رجل أعمال بالاستثمار في مناخ استثماري تولت الحكومة لوحدها تحديده؟

كذلك وجب التذكير بأنّ الإتحاد العام التونسي للشغل في إطار سعيه لمعاضدة الجهود الحكومية في إصلاح كتلة الأجور قام بإمضاء اتفاق مع الحكومة نفسها يمتد على ثلاث سنوات به زيادات في الأجور تعتبر رمزية جدّا لا تتجاوز الـ 3%، الشيء الذي سيساعد في تخفيض كتلة الأجور من 16.8% إلى 14% مع موفى هذه السنة و 13% في السنة المقبلة.

يعني ما طُلب من العمال والموظفين من تضحيات تمّت تلبيته. للأسف لا يتم الحديث عن تضحيات العمال والموظفين إنما يتم التقليل من شأن تضحياتهم من خلال التركيز دائما على تضخم كتلة الأجور وهو أمر منافي للحقيقة باعتبار أنّ محرّك النمو ورغم كل شيء بقي معطّلا و الحكومة وحدها مسؤولة عن هذا التعطيل رغم الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي توفر لها ولم يتوفر لأية حكومة من قبلها.

ما هو رأيك في الصلح الجزائي وإمكانية تعبئة موارد من خلاله وماذا عن الديون المتخلّدة بذمة الشركات؟

في ما يهم الصلح الجزائي أقول انّ الوقت كفيل بأن يوضح مآلاته. لديّ قناعة أنّ هذه الآلية لا يمكن أن تأتي بموارد مالية كالتي تمّ الإعلان عن حجمها والمقدّرة بـ13 ألف مليار. انّ الصلح الجزائي على صيغته الحالية هو من المسائل الهلامية التي في اعتقادي لا يمكن أن تثمر شيئا كبيرا. مع ذلك، الوقت كفيل بأن يوضّح الصورة أكثر في غضون الأشهر الستّة القادمة.

بالنسبة إلى ديون الشركات غير المستخلصة من طرف الدولة، كنت قد تحدّثت عن هذا الموضوع سابقا كحل جزئي يمكن أن يساعد الدولة على توفير موارد مالية للميزانية.
تنقسم هذه الديون إلى ديون ديوانية غير مستخلصة تقدّر بنحو 10 مليار دينار بالاضافة الى 10 مليار دينار أخرى ديون جبائية غير مستخلصة.

لكنّ الإشكال الذي يعترض استخلاص هذه الأموال يكمن في عدم وجود أحكام قضائية باتة في علاقة بالديون الديوانية بما يعطي الفرصة لأصحاب هذه الشركات ممن تعلقت بهم أحكام قضائية في طورها الابتدائي بالتعويل على الوقت حتى تسقط تلك الديون بالتقادم، والحل هنا يكمن في أن تحوّل الدولة جميع تلك الأحكام المتعلّقة بالديون الجمركية إلى أحكام باتة قابلة للتنفيذ.

عادة ما يتم تلخيص مشاكل الإقتصاد التونسي في مستوى الدعم وكتلة الأجور والمؤسسات العمومية رغم أنها فعلا جزء من المشكل لكنها ليست كل المشاكل.

نفس الشيء تقريبا ينطبق على الديون الجبائية المتخلّذة بذمة الشركات لفائدة الدولة، لم نر أيّ اجراءات أو إصلاحات جبائية تعزز العمل الرقابي لأجهزة الدولة على غرار تعزيز الفرق الرقابية وتعصير الإدارة وغيرها.

بالمناسبة، لم أتحدّث بالمرة عن امكانية استرجاع جميع هذه المبالغ ضربة واحدة، لكن هناك إمكانية استخلاص ثلثها على الأقل في غضون ثلاث سنوات إذا تمّ الإستثمار في الرقمنة وتعصير الإدارة وتقليص الإجراءات القضائية وغيرها من الإجراءات وهذا يفترض وجود إرادة سياسية حقيقية وملمّة بالإشكاليات العميقة لتونس.

نفس الشيء تقريبا ينطبق على الديون الجبائية المتخلّذة بذمة الشركات لفائدة الدولة، لم نر أيّ اجراءات أو إصلاحات جبائية تعزز العمل الرقابي لأجهزة الدولة على غرار تعزيز الفرق الرقابية وتعصير الإدارة وغيرها.

بالمناسبة، لم أتحدّث بالمرة عن امكانية استرجاع جميع هذه المبالغ ضربة واحدة، لكن هناك إمكانية استخلاص ثلثها على الأقل في غضون ثلاث سنوات إذا تمّ الإستثمار في الرقمنة وتعصير الإدارة وتقليص الإجراءات القضائية وغيرها من الإجراءات وهذا يفترض وجود إرادة سياسية حقيقية وملمّة بالإشكاليات العميقة لتونس.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

إشراف: وليد الماجري
تدقيق: محمد اليوسفي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
إشراف : وليد الماجري
تدقيق : محمد اليوسفي

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

wael213