الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

“تمّت الموافقة على طلب التأشيرة إلى فرنسا الذي تقدّم به زوجي في حين تمّ رفض منحي التأشيرة رغم أنّنا قدّمنا الوثائق ذاتها.. صديقان لنا أيضا تحصّلا على التأشيرة لفرنسا في الوقت الذي لم تتحصّل فيه زوجاتهما عليها.. المسألة اعتباطية.. شعرنا كأنّنا في قرعة.” هكذا تحدّثت سيرين، فنّية أسنان، بنبرة تنمّ عن تهكّم واستغراب، عن قصتها مع التأشيرات إلى فرنسا.

قصّة سيرين لا تمثّل استثناء بل هي مثال مصغّر عمّا يتعرّض له آلاف التونسيين.ـات يوميّا من معاناة و”إذلال”، وفي بعض الأحيان تلاعب، في سبيل الحصول على تأشيرة للسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي عموما، وفرنسا بشكل خاصّ، بغضّ النظر عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها أو الفئة التي يمثّلونها.

بات السفر إلى فرنسا خلال السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد أزمة كوفيد، مهمّة شبه مستحيلة، تحتاج إلى مدّة قد تصل إلى 6 أشهر بين الحصول على موعد لتقديم ملف التأشيرة وإعداد الوثائق اللازمة وانتظار قرار الموافقة أو الرفض.

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

“تمّت الموافقة على طلب التأشيرة إلى فرنسا الذي تقدّم به زوجي في حين تمّ رفض منحي التأشيرة رغم أنّنا قدّمنا الوثائق ذاتها.. صديقان لنا أيضا تحصّلا على التأشيرة لفرنسا في الوقت الذي لم تتحصّل فيه زوجاتهما عليها.. المسألة اعتباطية.. شعرنا كأنّنا في قرعة.” هكذا تحدّثت سيرين، فنّية أسنان، بنبرة تنمّ عن تهكّم واستغراب، عن قصتها مع التأشيرات إلى فرنسا.

قصّة سيرين لا تمثّل استثناء بل هي مثال مصغّر عمّا يتعرّض له آلاف التونسيين.ـات يوميّا من معاناة و”إذلال”، وفي بعض الأحيان تلاعب، في سبيل الحصول على تأشيرة للسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي عموما، وفرنسا بشكل خاصّ، بغضّ النظر عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها أو الفئة التي يمثّلونها.

بات السفر إلى فرنسا خلال السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد أزمة كوفيد، مهمّة شبه مستحيلة، تحتاج إلى مدّة قد تصل إلى 6 أشهر بين الحصول على موعد لتقديم ملف التأشيرة وإعداد الوثائق اللازمة وانتظار قرار الموافقة أو الرفض.

على الرغم من أنّ الحقّ في التنقّل هو أحد أهم الحقوق الأساسيّة التي نصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يجد عدد هام من التونسيين.ـات أنفسهم محرومين من هذا الحقّ، حتّى بعد استيفائهم لكافة الإجراءات البيروقراطية لتقديم ملفّ التأشيرة، فالكثير منهم/هن جوبهوا برفض منحهم التأشيرة لفرنسا بتعلّات واهية وغير واضحة.

تأشيرة شنغن: أداة مركزية في سياسات الهجرة

في الآونة الأخيرة، أصبح رفض منح التأشيرات يطال فئات كانت منذ مدّة غير بعيدة تتنقّل بشكل دائم بين تونس وفرنسا دون إشكاليّات تُذكر، من بينهم أساتذة جامعيون وأطبّاء ومحامون وإطارات شبه طبّية ومهندسون إلخ.

تزعم فرنسا أنّ تونس تمثّل أولويّة بالنسبة إليها ولا تكاد تمرّ فرصة إلاّ ويذكّر مسوؤلوها بـ”علاقات الصداقة التاريخية والاستراتيجية” بين البلدين. وتعدّ فرنسا أبرز الشركاء الاقتصاديين لتونس، حتّى أنها كانت في 2019 الشريك الاقتصادي الأوّل لتونس، حيث كانت الوجهة التجارية لما يقارب 29,1% من الصادرات التونسيّة ومصدر 14,3% من الواردات التونسية.

يقيم في تونس حوالي 22 ألف فرنسي. ويزور تونس عشرات الآلاف من السيّاح الفرنسيين الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة أو إجراءات استثنائية لدخول التراب التونسي، بل إنّ بعضهم يستطيع الدخول بإظهار بطاقة هويّته الفرنسية فقط.

تستفيد فرنسا كذلك من كفاءات تونسية تختارها بعناية ودقّة وتسهّل انتقالها إليها ضمن ما يُسمّى ببرنامج “تأشيرة المواهب” الذّي يضمن الإقامة لعدّة سنوات، حتّى تغطّي حاجياتها المهنية بخبرات تونسيّة مقابل مبالغ زهيدة.

تطور عدد التونسيين المتحصّلين على بطاقات إقامة في فرنسا

وثّقت دراسة “حصن أوروبا” كذلك حالات رفض منح تأشيرات إلى دول الاتحاد الأوروبي التي غالبا ما تأتي بتبريرات ضعيفة وظالمة، خاصّة أنّ الأسباب التي تبرّر الرفض وفق نظام تأشيرة الشنغن محدودة وبالتالي فإن ملفّا يتضمّن كافة الوثائق لا يمكن رفضه.

تطوّر عدد مطالب التأشيرات إلى فرنسا

ويضيف أحمد جماعة انّها “تمثّل أيضا منظومة اقتصاد سياسي تعطي حرّية التنقّل للسلع والأفكار وكل شيء باستثناء الأفراد من جنوب المتوسّط. ففي الوقت الذي يمكن فيه للمواطن الأوروبي أن يأتي للعمل في تونس حتّى لو تجاوز فترة إقامته وأصبحت وضعيّته غير قانونية، يحتاج التونسي.ـة للتنقّل إلى فرنسا إلى مدّة قد تصل إلى 6 أشهر لإعداد ملفّ تأشيرة، وفق المتحدّث ذاته.

يؤكّد أحمد جماعة أنّ المسألة تندرج في إطار منظومة كاملة للاقتصاد السياسي بين شمال العالم وجنوبه. وبالتركيز على المنطقة المغاربيّة، فهي تمثّل علاقات هيمنة وعلاقات قوّة باعتبار أنّ الطّرف الأوروبي في وضع أقوى من حكومات المغرب العربي ذات القرار المشتّت.

تربط فرنسا حالات رفض منح التأشيرة بالنوايا الهجرية للمواطنين.ـات التونسيين.ـات بغضّ النظر عن الوثائق التي يوفّرونها والتي تثبت عدم نيّتهم البقاء في فرنسا. وعلى الرّغم من أنّ حالات الرفض كانت قد سجّلت ارتفاعا بين 2018 و2019، إلاّ أنّها لم تبلغ آنذاك الرّقم القياسي المسجّل منذ ما بعد أزمة كوفيد.

لا تعدّ حالة الأستاذ الجامعي المنصف عبد الجليل حالة منفردة، إذ تراوح عدد الأساتذة الجامعيّين الذين تمّ رفض منحهم تأشيرات إلى فرنسا بين 150 و200 أستاذا/ة جامعيّا، بحسب ما أفادنا به الكاتب العام للنقابة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي نزار بن صالح.

يشدّد بن صالح على أنّ مطالب التأشيرات لهؤلاء الأساتذة الجامعيّين تندرج في إطار تنقّلات ذات صبغة أكاديمية وعلميّة إلّا أنّها تُرفض دون مبرّر واقعي. وقد بدأت ملاحظة هذه الظاهرة منذ ربيع 2022 عندما بدأ أساتذة وأكاديميون من الأسماء المرموقة والمعروفة في الفضاء الجامعي التونسي معتادون على التنقّل إلى فرنسا أو غيرها من الدول الأوروبية أو بلدان أمريكا الشمالية، بالاتصال بالنقابة لإعلامهم بالرفض المفاجئ لمطالب تأشيراتهم.

يضيف محدّثنا أنّ التبريرات المصاحبة لقرار الرفض ليست واضحة، إلّا أنه يؤكّد صحّة فرضيّة أنّ السّبب الحقيقي وراء حالات الرفض المتواترة هو طلبات الحكومة الفرنسية من نظيرتها التونسية في علاقة بما يسمّى بـ”الهجرة غير النظامية”، وفق قوله.

وهو ما يستنكره نزار بن صالح الذي أكّد أنّه لا يجب الخلط بين الملفّات وأنّه لا معنى لوقف منح التأشيرات للجامعيين والباحثين بهدف الضغط على الحكومة التونسيّة.

بن صالح أشار، كذلك، إلى مفارقة أخرى وهي قدرة الجامعيين الفرنسيين على التنقّل بحرّية والدخول إلى تونس كيفما شاؤوا في حين أنّ نظرائهم من التونسييّن يضظرّون إلى الوقوف في صفّ طويل لتقديم ملّف التأشيرة ومن ثمّ ترفض ملفّاتهم.

حالات رفض منح التأشيرات إلى فرنسا والتّمييز في التعامل بين المواطنين.ـات التونسيين.ـات لا تمثّل إلّا الشجرة التي تخفي غابة معاناة التونسييّن.ـات في رحلة حصولهم/هن على تأشيرة تمكّنهم من دخول الأراضي الفرنسيّة بشكل خاص والأوروبية عموما.

قبل الحصول على الردّ بالموافقة أو الرفض على طلب التأشيرة، يمرّ طالبو التأشيرات بسلسلة من الإجراءات التي تبدأ بالحصول على موعد في شركة “ت ال اس كونتاكت”.

أمر بات مؤخّرا شبه مستحيل، إذ تؤكد شهادات عديد التونسيين.ـات أنّهم لا يستطيعون الحصول على موعد لتقديم ملف تأشيرة، خاصّة عندما تكون سياحيّة، إلا بعد 3 أشهر.

“أيمن”، اسم مستعار لمهندس معلوماتية تونسي يعمل في شركة أجنبية، تمّ رفض طلب تأشيرة تقدّم به في أواخر السنة الفارطة رغم أنّه كان قد تخرّج من جامعة فرنسيّة وسافر عديد المرّات إلى هناك، يحاول منذ أسابيع الحصول على موعد لتقديم طلب تأشيرة آخر. أوّل موعد متوفّر وجده أيمن كان في شهر جويلية/ تموز 2023.

بعد رفض منحها تأشيرة مهنيّة، قرّرت سيرين أن تقدّم طلب تأشيرة سياحية. إلّا أنّ أصدقاءها من الأطباء أعلموها أنهم يحاولون هذه الأيّام العثور على مواعيد لتقديم الملفات إلا أنّ أوّل المواعيد المتوفّرة تنطلق في شهر جويلية/ تموز المقبل، رغم إعلان القنصليّة الفرنسية أنها ستفتح مواعيد جديدة.

تعمل السلطات الفرنسيّة على التمييز بين التونسيين.ـات حتّى عندما يتعلّق الأمر بمواعيد تقديم ملفات التأشيرات، وهو ما تؤكده شهادات تحصّلنا عليها، إحداها لصحفي تونسي حاول حجز موعد عبر موقع “ت ال اس” إلا أنّه لم يجد مواعيد متوفرة إلا بعد 3 أشهر من تاريخ محاولته التسجيل.

لم يجد الصحفي من حلّ سوى الاكتفاء بتسجيل اسمه في موعد بعيد الأجل، إلّا أنّه فوجئ في اليوم الموالي باتصال من القنصليّة الفرنسيّة لإعلامه بتقديم موعده لتقديم ملفّه.

هذه المماطلة في حجز المواعيد لتقديم ملفّات التأشيرات جعلت بعض الأساتذة الجامعيين يحتجّون عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويدعون إلى مقاطعة المنابر الأوروبية خاصّة أنّهم كانوا سيتوجّهون إلى فرنسا بدعوة من جهات فرنسيّة، واضطرّوا إلى الانتظار أشهرا للحصول على موعد ومن ثمّ رفضت بعض مطالبهم، وهو ما حصل للأستاذة الجامعية فاتن المداح والأستاذ الجامعي عبد الله الفهري.

دفع هذا التعاطي مع الأساتذة الجامعيين كاتب عام نقابة التعليم العالي نزار بن صالح إلى المطالبة بإحداث شبّاك موحّد للجامعيين وإلى تسهيل إجراءات طلب التأشيرة لفائدتهم حتى لا ينتظروا أشهرا ولا يقفوا في صفوف طويلة لتقديم ملفّاتهم التي قد تُرفض.

تنضاف إلى هذا المعلوم مصاريف أخرى كحجز تذاكر الطائرة ومبلغ مالي يتمّ تحويله إلى اليورو قبل السفر وفي بعض الأحيان معاليم حجز الفندق والتأمين إلخ.

كلّ هذه المصاريف المستوجب دفعها لدى تقديم ملف تأشيرة إلى فرنسا لا يتمكّن طالبـ.ـة التأشيرة من استردادها أو على الأقل استرداد جزء منها إذا ما تمّ رفض ملفّه.

تعدّ تكلفة التأشيرة باهظة بالنظر إلى قيمة الدينار التونسي مقارنة باليورو، وهو ما تؤكده دراسة “حصن أوروبا: تشديد سياسة تأشيرة شنغن وعواقبها وضحاياها”، علما وأنّ التكلفة ارتفعت من 60 يورو إلى 80 يورو، وقد تمّ تفعيل التسعيرة الجديدة بداية من سنة 2020، بحسب ما أفادتنا به شركة “ت ال اس كونتاكت”.

إلّا أنّ منظومة شنغن لا تنصّ على وجوب إعادة الأموال في حالة الرفض على عكس ما هو معمول به في سفارات دول أخرى بتونس على غرار سفارة روسيا أو سفارة مصر.

يقول المكلّف بالإعلام في السفارة الفرنسيّة بتونس لويس راسين، في معرض ردّه على بعض الأسئلة التي توجهنا بها إليه عبر البريد الالكتروني “إنّ رسوم التأشيرة هي مقابل خدمة سواء تمّ منح التأشيرة أم لا وإنّ المسألة محدّدة بمنظومة شنغن، كما أنّه في الممارسة الدولية لا يتمّ تعويض طلبات التأشيرة المرفوضة”، حسب تعبيره.

في المقابل، تحيل مسألة الأموال التي يدفعها طالبو التأشيرة من التونسيين.ـات إلى قضيّة أخرى وهي خوصصة التأشيرة. يشير الباحث في علم الاجتماع أحمد جماعة إلى أنّه في السابق كان أيّ مواطنـ.ـة في أيّ مكان في العالم يتوجّه مباشرة إلى قنصليّة أو سفارة البلد الذي يريد السفر إليه، أمّا اليوم لجأت الدول الأوروبية إلى فاعلين خواصّ مثل “ت ال اس” و”ف اف اس غلوبال” (VFS Global) وغيرها.

عرف اللجوء إلى هذه الشركات ذروته خلال السنوات الأخيرة من قبل معظم دول الاتحاد الأوروبي أو دول الشنغن.إلاّ أنّ الاستعانة بهذه الأطراف الخارجية يجعل الراغبين/ات في الحصول على التأشيرة عرضة للاستغلال من قبل مقدّمي هذه الخدمة الناشطين في القطاع الخاصّ، وفق الدراسة الآنف ذكرها. وقد جعلت هذه الشركات بالتالي عمليّة تقديم ملف التأشيرة أكثر تعقيدا لتحيد بذلك عن الدور الذي أنشئت من أجله.

هذا الأمر ينطبق مع ما يحصل مع التونسييّن مع شركة “ت ال اس كونتاكت” بشكل خاصّ رغم وجود شركات أخرى تعمل في تونس في نفس المجال. يشتكي العديد من التونسيين من الخدمات التي تقدّمها “ت ال اس” ومن الأموال التي تأخذها منهم دون أن يتمكّنوا من استرجاعها عند رفض طلبات تأشيراتهم.

تأسّست شركة “تي ال اس كونتاكت” سنة 2007 وهي مختصّة في جمع طلبات التأشيرات وتقدّم لطالبي.ـات التأشيرة المعلومات وتتولّى جدولة المواعيد وتقديم المستندات الداعمة وإعادة جواز السفر عند نهاية العمليّة. وهي اليوم تدير 150 مركز تأشيرة في 90 بلدا في العالم.

بدأت شركة “ت ال اس” نشاطها في تونس سنة 2012 من قبل شركة “انترناشونال كومباني أوف أنستيتوشونال سرفيس” (International Company of Institutional Services “I.C.I.S) المسجّلة في لوكسمبورغ – المعروفة بكونها جنّة ضريبيّة- ممثّلة في شخص مديرها برترون فايزجربر وشركة “ت ال اي كونتاكت فرنسا” (TLS Contact France) ممثّلة أيضا برئيسها برترون فايزجربر.

تشغّل الشركة 150 شخصا بين موظفين فيها ومقدّمي خدمات الأمن والتنظيف. وتتلقّى مبلغا قيمته حوالي 110 دينارا تونسيا (30 يورو) مقابل الخدمات التي تقدّمها للشخص الواحد.

تحقّق الشركة أرباحا هامّة، إذ بلغ رقم معاملاتها في سنة 2022 حوالي 19 مليون دينار تونسي، مسجّلا بذلك ارتفاعا مقارنة بسنوات 2021 و2020 التي تراجعت خلالها أرباح “ت ال اس تونس” بسبب أزمة الكورونا التي أدّت إلى غلق الحدود بين الدول.

اتّصل موقع الكتيبة بـ3 وكالات، عرضت الأولى علينا توفير موعد لتقديم ملف تأشيرة لفرنسا في موفى شهر ماي/ أيار أو بداية شهر جوان/ حزيران 2023، وذلك مقابل دفع 800 دينار (حوالي 240 يورو) لوكالة الأسفار، إلى جانب بقيّة معاليم التأشيرة، رغم أنّ المواعيد التي كانت متوفّرة على موقع “ت ال اس” كانت في جويلية/ تموز المقبل.

وكالة الأسفار الثانية قالت إنها ستتمكّن قريبا من توفير مواعيد لتقديم ملفّ تأشيرة إلى إسبانيا فقط في جوان/ حزيران 2023 مقابل 200 (حوالي 60 يورو) دينار (بالإضافة إلى بقيّة مصاريف التأشيرة). أمّا الوكالة الثالثة فقالت إنها يمكن أن توفّر موعدا لتقديم ملف تأشيرة لفرنسا (على أن تكون بناء على دعوة مهنيّة) مقابل 300 (90 يورو) دينار لفائدة وكالة الأسفار دون احتساب بقية مصاريف التأشيرة.

تحصّل موقع الكتيبة أيضا على شهادة تؤكد أنّ أطبّاء يتعاملون مع وكالة يتمتّع صاحبها بعلاقات مع شركة “ت ال اس” للحصول على تأشيرة مهنيّة لفرنسا.

يوفّر صاحب هذه الوكالة موعدا للحريف الذي يتّصل به في غضون أسبوع وهو يعلمه بماهيّة الوثائق التي يحتاجونها، كما يشترط عليه أن يختار خدمة الـ”vip”. ويتقاضى – مقابل تقديم الملفّ فقط- 250 دينارا (حوالي 75 يورو) إذا قام الحريف بإعداد وثائقه بنفسه، أمّا إذا تولّى هو إعدادها فيتقاضى 300 دينار (90 يورو).

في حين يتغيّر المبلغ الجملي الذي يطلبه حسب طول مدّة التأشيرة التي حصل عليها الحريف، علما وأنه لا يرجع جواز السفر إلى صاحبه إلا بعد استلامه المبلغ الذي طلبه.

الدبلوماسيّة تونسيّة: صمت أم تطبيع مع “إذلال” للتونسيين.ـات؟

توجّه موقع الكتيبة بمجموعة من الأسئلة إلى كلّ من السفارة الفرنسية بتونس وشركة “ت ال اس كونتاكت” تونس بشأن المسائل المتعلّقة بغياب مواعيد تقديم ملفّات التأشيرة وحالات الرّفض المتكرّرة، إلى جانب ممارسات بعض وكالات الأسفار.

قالت “ت ال اس” لموقع الكتيبة، في معرض ردّها الذي جاء في شكل رسالة إلكترونية، إنّ ما تقوم بعض وكالات الأسفار هو “خطّة تجارية للإيقاع بطالبي الحصول على موعد للتأشيرة”، مضيفة أنّه من المستحيل أن يتمّ فتح حساب باسم شخص ما ومن ثمّ تغيير اسم صاحب الحساب (بعد الحصول على موعد) باعتبار أن نظمها الإعلامية تمنع ذلك.

أمام مواجهة الشركة بالمعلومات المؤكدة لدينا حول قيام وكالات أسفار بتوفير مواعيد في آجال قريبة (أي أنها متوفرة بشكل سابق)، قالت الشركة:

إنّ بعض الأشخاص ذوي النيّة السيئة يحجزون مواعيد مسبقا بأسماء مزيّفة ومن ثمّ يعيدون جدولتها، لأن منصّة “ت ال اس” تسمح لمقدّمي الطلبات بإعادة الجدولة مرّة واحدة فقط. وعندما يتمّ تأجيل الموعد الذي تمّ تحديده باسم مزيّف، يصبح هناك موعد متوفّر ويمكن حجزه مباشرة باسم آخر”.

مقتطف من ردّ شركة ت ال اس

وفي ما يتعلّق بعدم توفّر مواعيد لتقديم ملفّ تأشيرة إلى فرنسا، تقول “ت ال اس” إنّ القنصليّة هي التي تحدّد عدد المواعيد المتاحة كلّ يوم في مراكز الشركة وفق قدرتها على المعالجة، مذكّرة أنّ القنصل الفرنسي قد صرّح مؤخّرا أن القنصليّة الفرنسيّة افتقرت إلى الموارد البشرية والمادّية في الأشهر الأخيرة لمعالجة الملفّات في وقت كانت طلبات التأشيرة تتزايد فيه بشكل كبير.

السّفارة الفرنسيّة من جهتها خيّرت عدم التعاون معنا واكتفى المكلّف الإعلامي فيها لويس، بعد أن طلبنا عقد لقاء صحفي مع القنصل أو السفير الفرنسي أو متحدّث رسمي باسم السفارة، بإحالتنا على لقاءات صحفيّة سابقة لكلّ من السفير والقنصل الفرنسيّين.

وكان القنصل الفرنسي دومينيك ماس قد أرجع، في حوار صحفي مع إذاعة الديوان المشار إليه آنفا، قد أرجع سبب عدم وجود مواعيد لتقديم ملفّ التأشيرة إلى نقص في الموارد البشريّة مقارنة بالطلب الهائل على التأشيرات.

وقال إنّ وكالات الأسفار التي تمنح مواعيد مقابل مبالغ ماليّة لها أنظمة معلوماتية تعلمها في كلّ مرّة توجد فيها مواعيد متاحة، الأمر الذي يمكّنها من تسجيل حرفائها الذين كانوا قد قدّموا ملفاتهم إليها.

أمّا عن حالات الرفض المتكرّرة، زعم القنصل الفرنسي أنه اطّلع على ملفّات أشخاص تضمّنت وثائق منقوصة أو وثائق مزوّرة بالرغم من أنّ من بينهم من كان قد تحصّل على تأشيرات في السابق.

مزاعم يمكن دحضها بسهولة خاصة وأن عددا من بين الأشخاص الذين وقع رفض ملفّاتهم تمّ التراجع عن قرار الرفض مثلما حدث مع الأستاذة الجامعية والدكتورة فاطمة الشرفي أو الأستاذ الجامعي المنصف عبد الجليل.

كما اطّلع موقع الكتيبة على وثائق بعض المواطنين/ات الذين تحدثنا إليهم وتمكّنا من التأكّد من سلامتها.

في الوقت الذي تتقاذف فيه كلّ من السفارة الفرنسية وشركة “ت ال اس” مسؤولية تعطيل مصالح مئات التونسيين/ات الذين يحتاجون إلى السّفر إلى فرنسا لغايات مهنية وأحيانا صحّية أو عائلية إنسانيّة، تواصل السلطات التونسية ممارسة سياسة الصّمت إزاء هذه الممارسات التي تعدّ خرقا للأعراف الدولية وحتى لبعض الاتفاقيات الثنائية، من بينها بروتوكول لإدارة الهجرة بين حكومة الجمهورية الفرنسية وحكومة الجمهورية التونسية ممضى في 2008.

“الخطاب السيادوي التونسي مجرّد خطاب ولا توجد أي ممارسة تعكسه على أرض الواقع”

أحمد جماعة

وينصّ البروتوكول في فصله الأول على أن تقوم فرنسا بتسهيل حصول مواطنين تونسيين على تأشيرة الدخول إلى فرنسا وذلك لفائدة فئات متعددة من المواطنين من بينهم رجال الأعمال والأطباء والمحامين والأساتذة الجامعيين إلخ، إلى جانب الأشخاص الذين سيتلقون علاجا في فرنسا وغيره.

يبيّن الدبلوماسي السابق، الذي كنّا قد تحدّثنا إليه، أنّه إزاء هذه السياسة المتعمّدة، يتعيّن على الخارجية التونسية أن تقوم في خطوة أولى، من خلال المكلّف بالبروتوكول، بدعوة ممثّل عن الدولة الفرنسية ومجابهته بطول آجال الحصول على التأشيرة.

إذا لم ينجح ذلك، يقع تسييس العمليّة إذ يتعيّن في هذه الحالة على المدير العام المكلف بالملفّ السياسي المهتم بالقسم الفرنسي في وزارة الشؤون الخارجية التونسية متابعة المسألة، وإذا لم تقع أي حلحلة تحال القضيّة إلى كاتب الدولة ووزير الشؤون الخارجية، وفق المتحدث ذاته.

واعتبر الدبلوماسي السابق أنّ الصمت الرهيب من الجهات الرسمية غير معقول مؤكدا أنّ منح تأشيرات للتونسيين/ات ليست منّة نظرا إلى وجود مصالح مشتركة واتفاقيات ثنائية بين البلدين.

من جانبه، يعتبر الباحث في علم الاجتماع أنّ هناك نوعا من “الانبطاح” لدى السلطات التونسيّة وأن المسؤول التونسي دائما ما يستبطن أنّه أقلّ قيمة من المسؤول الأوروبي ويرضى بأي شيء يقدّمونه له، مضيفا أنّه يجب أن تقوم وزارة الخارجية التونسية بالتنديد والتفاوض ولو بالقليل.

يذهب جماعة إلى الدعوة إلى إعادة النظر في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي ككلّ وفرض علاقات أكثر ندّية والانفتاح على أسواق ولغات جديدة قائلا “هم يستفيدون من الأطباء التونسيين ومن المهندسين ومن يد عاملة كفؤة دون مقابل.. كلّ ذلك نهب متواصل للعقول دون أيّ مقابل”.

يأتي صمت السلطات التونسية في وقت يبرز فيه خطاب سيادوي يدّعي استعادة السيادة التونسية دون أن يتطرّق في مناسبة واحدة للظلم الذي يتعرّض له آلاف المواطنين.ـات التونسيين.ـات جرّاء ممارسات السفارة الفرنسية وشركة “ت ال اس”.

لا يعكس هذا الخطاب أي ممارسة فعليّة على أرض الواقع. وبيّين أحمد جماعة، في هذا الصدد، أنّ هذا الخطاب ليس له أيّ مفكّرون أو مسؤولون لهم تصوّرات بديلة أو علاقات مع دول أخرى، مؤكّدا أنّه لا يوجد من يتحدّث عن حقّ التونسيين/ات في التنقّل بل إن بعض المسؤولين ربطوا الهجرة غير النظامية بالإرهاب على غرار رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي.

وختم بالقول “أحيانا يكون المسؤول التونسي على يمين المسؤول الأوروبي.. هناك استبطان أن هذه هي قواعد اللعبة ولا يوجد مجرّد تلميح أنه يمكننا نحن أيضا أن نطلب تأشيرة على الأوروبيين.. مثل هذه المسألة ليست مطروحة على جدول الأعمال.. الخطاب السيادوي مجرّد خطاب”.

على الرغم من أنّه يمكن لمن رُفضت طلبات تأشيراتهم اللجوء إلى محكمة في مدينة نانت الفرنسية للطعن فيها، إلّا أنّ هذا الإجراء يتطلّب مجهودات طويلة وأموالا إضافية، وقد لا يؤدي إلى نتيجة. حتّى أن سيرين رفضت اللجوء إلى هذه الطريقة قائلة “لن أترجّاهم كي يقبلوا ملفّ تأشيرتي”.

كلمة الكتيبة:

يندرج هذا المقال ضمن سلسلة انتاجات صحفية يشتغل عليها موقع الكتيبة حول ملفات بينية مشتركة تهم علاقة تونس بدول الاتحاد الأوروبي ولاسيما الجمهورية الفرنسيّة بخصوص قضايا وملفات حقوقية واقتصادية وجيو ـ سياسيّة.

كلمة الكتيبة:
يندرج هذا المقال ضمن سلسلة انتاجات صحفية يشتغل عليها موقع الكتيبة حول ملفات بينية مشتركة تهم علاقة تونس بدول الاتحاد الأوروبي ولاسيما الجمهورية الفرنسيّة بخصوص قضايا وملفات حقوقية واقتصادية وجيو ـ سياسيّة.

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

اشراف: وليد الماجري
تدقيق: محمد اليوسفي
تصوير: حمزة فزاني
مونتاج: رأفت عبدلي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
مونتاج : رأفت عبدلي
تصوير: حمزة فزاني
تظوير تقني: بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
تدقيق : وليد الماجري
غرافيك : منال بن رجب

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

rahma