الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

“عن أي معلومة تبحثون؟ أنا شخصيا لا أجد المعلومة داخل الوزارة، لم ألتق الوزيرَ منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر، حتى البلاغات التي تنشر على صفحة الوزارة على الفيسبوك تردُ علينا مكتوبة وتقتصر مهامنا على نشرها فقط.”

بشيء من الحسرة تروي المكلّفة الإعلام والاتّصال صلب إحدى الوزارات وضعيتها وزملائها، التي أصبحوا عليها منذ نحو سنتين، حيث اقتصرت علاقتهم بمختلف مصالح الوزارة على نقل ما يراه الوزير صالحا للنشر والتعميم، مع تغييبهم عن الاجتماعات التي دأبوا على حضورها سابقا.

تُضيف المكلّفة بالإعلام في حوارها مع موقع الكتيبة، أنّ الكلمة الأكثر استعمالا من طرف المسؤولين حاليا ردّا على طلبات الصحفيين.ـات في خصوص معلومات: “موش وقتو” أي أنّ ما يطلبه الصحفي(ة) لم يحن الوقت بعد لإثارته إعلاميا، مبرزة أنّ موضوع طلبات الصحفيين.ـات في أحيان كثيرة تتعلق بمعلومات بسيطة وإحصائية اعتادت الوزارة نشرها طوعا في السابق.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

“عن أي معلومة تبحثون؟ أنا شخصيا لا أجد المعلومة داخل الوزارة، لم ألتق الوزيرَ منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر، حتى البلاغات التي تنشر على صفحة الوزارة على الفيسبوك تردُ علينا مكتوبة وتقتصر مهامنا على نشرها فقط.”

بشيء من الحسرة تروي المكلّفة الإعلام والاتّصال صلب إحدى الوزارات وضعيتها وزملائها، التي أصبحوا عليها منذ نحو سنتين، حيث اقتصرت علاقتهم بمختلف مصالح الوزارة على نقل ما يراه الوزير صالحا للنشر والتعميم، مع تغييبهم عن الاجتماعات التي دأبوا على حضورها سابقا.

تُضيف المكلّفة بالإعلام في حوارها مع موقع الكتيبة، أنّ الكلمة الأكثر استعمالا من طرف المسؤولين حاليا ردّا على طلبات الصحفيين.ـات في خصوص معلومات: “موش وقتو” أي أنّ ما يطلبه الصحفي(ة) لم يحن الوقت بعد لإثارته إعلاميا، مبرزة أنّ موضوع طلبات الصحفيين.ـات في أحيان كثيرة تتعلق بمعلومات بسيطة وإحصائية اعتادت الوزارة نشرها طوعا في السابق.

هذه الشهادة من داخل إحدى الوزارات في تونس، توضّح بشكل جلي حالة الرهبة التي أصبح عليها مسؤولون كبار في الدولة والخشية من الإدلاء بمعطيات أو تصريحات قد تتسبب في إعفائهم من مناصبهم أو تكون نقطة الانطلاق لمسار التنكيل بهم.

بهذا الأسلوب اختارت السلطة السياسية في تونس التضييق على عمل الصحفيين.ـات من خلال حجب المعلومة عنهم وتحويلهم إلى أبواق دعاية أو لمجرّد قنوات اتصال حكومي، في وضع لا يحق لأحد فيه الإدلاء بمعطيات أخرى مناقضة لما يصدر عنها (أي السلطة)، مستعينة في ذلك بمناشير قديمة وفصول قانونية بالية وتشريع جديد (المرسوم عدد 54) لتعميم سياسة التخويف من جهة وملاحقة الصحفيين وتحذيرهم من جهة ثانية وفق ما تؤكّده المنظمات المهنية في تونس وفي مقدّمتها النقابة الوطنية للصحفيين.

هل تتجه تونس رويدا رويدا نحو موقعها كدولة تضيّق على حرّية الصحافة كما كانت عليه قبل اندلاع ثورة 2011؟ وماذا بقي من مكسب حرّية الصحافة والتعبير في تونس؟

مؤسسات الدولة توصدُ أبوابها في وجه الصحفيين.ـات

في إطار عمل صحفي حول موضوع عادي يتعلّق بأحد المنتجات الزراعية في تونس، أجرى موقع الكتيبة اتّصالا أوّلا مع أحد المسؤولين الكبار بأحد المجامع المهنية التابعة لوزارة الصناعة والطاقة والمناجم. وقد كان مرحّبا بنا في حديثه معنا.

إثر محادثة قصيرة طالبَنا بإرسال رسالة إلكترونية حول المعطيات التي نطلبها قصد القيام بتجميعها في أقرب وقت ممكن، ومن ثم الإتصال به مجددا للتصوير معه ومدّنا بتلك المعطيات التي طلبناها حال توفرها.

بعد مُضي 15 يوما على مراسلتنا المسؤول المعني حول جملة المعلومات التي نسعى إلى الحصول إليها، وهي بالمناسبة معطيات إحصائية كان بالإمكان الحصول عليها لو كانت الهياكل الإدارية تولي مواقعها الإلكترونية الإهتمام الكافي وتحيّن معطياتها، لم نستطع التواصل مجددا مع ذلك المسؤول.

تنقلنا في عين المكان وبالتحديد إلى الإدارة التي يعمل بها المسؤول المذكور، حيث كان التعامل معنا أقل ما يقال عنه أنه غير لائق.

تتصل السكريتيرة بالمسؤول وتعلمه بوجود فريق صحفي يرغب في لقائه. ورغم محاولاتها التغطية على ما يهمس به مديرها عبر سماعة الهاتف، إلا أننا استطعنا أن نفهم أنّه يطلب منها التمويه واعلامنا بأنّه خارج المكتب.

على نفس الشاكلة وبطريقة مختلفة حاولت مسؤولة أخرى بهيكل إداري يتبع وزارة الفلاحة التملّص من التفاعل معنا، رغم طلباتنا المتكررة إمّا عبر البريد الإلكتروني أو عبر الهاتف. جدير بالذّكر أنّ المكلّفة بالإعلام والاتّصال في الوزارة، شخصيا، عجزت هي أيضا عن مساعدتنا رغم مراسلتنا إيّاها قصد تسهيل مأموريتنا منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.

هذه الوضعيات أصبحت متواترة جدّا خاصة في الأشهر الستة الأخيرة، حيث أصبح النفاذ إلى المعلومة أمرا تعجيزيا.
منذ بداية هذا العام قام موقع الكتيبة بإرسال طلبات نفاذ للمعلومات على معنى قانون النفاذ إلى المعلومة تجاوز عددها الـ 24 مطلبا، لم يتسنّ له سوى الحصول على 8 أجوبة أربعة منها كانت بالرفض.

لا تتعلّق المعلومات التي يطلبها الصحفيون.ـات بمعطيات دقيقة تستوجب التشاور والتنسيق بين أجهزة حكومية، غير أنّ سياسية الاغلاق التامّ التي أصبحت عليها الدولة وأجهزتها لا تجد ما يبررها على أرض الواقع سوى أنّها سياسة رسمية تقضي بعدم التجاوب مع ما تطلبه وسائل الإعلام واستعمالها فقط كقنوات اتصال مع الجمهور لبثّ البروباغندا وفق ما صرّح به نقيب الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي خلال تحرّك احتجاجي نظّمته النقابة على خلفية مثول صحفيّين اثنين من اذاعة موزاييك الخاصّة أمام أنظار الجهات الأمنية للتحقيق معهما على خلفية شكاية رفعتها إحدى نقابات الشرطة ضدّهما.

انّ السلطة لم تكتف بالاغلاق التامّ لأبوابها في وجه الصحفيّين.ـات بل قرّرت ملاحقتهم أمنيا وقضائيا لأنّهم عبّروا عن رأيهم بحرّية وبحثوا عن مصادر بدليلة للمعلومة.

نقيب الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي

يبرز هذا التمشي الاتصالي الجديد من خلال عدة معطيات تثبت وجود وضع مرتبك تخاف السلطة أن ينكشف أمام الرأي العام.

في الـ 23 من فيفري العام الجاري، أقال الرئيس التونسي قيس سعيّد وزير التكوين المهني والتشغيل والناطق الرسمي باسم الحكومة نصر الدين النصيبي من منصبه دون أن يعوّضه بأحد لا على رأس الوزارة ولا في منصب ناطق رسمي باسم الحكومة.

ومنذ ذلك الوقت لم تنعقد ندوة أو حتى نقطة صحفية واحدة بمقرّ رئاسة الحكومة كما جرت العادة لعرض آخر المستجدّات الحكومية.

ورغم أنّ النصيبي كان قد شغل منصب ناطق رسمي باسم الحكومة إلاّ أنّ حضوره في المنابر الإعلامية كان ضعيفا جدّا واتّسم بلغة خشبية لا توفّر حدّا أدنى من المعلومة في مختلف الملفات التي تطرّق لها عدا الاستشارة الوطنية التي أطلقها الرئيس سعيّد في بداية العام 2022، حينما أطنب في كيل التّهم إلى “أطراف معارضة سعت لإرباك مسار الإستشارة” على حدّ وصفه.

نصر الدين النصيبي في آخر ظهور له بقصر الحكومة بالقصبة

نصر الدين النصيبي في آخر ظهور له بقصر الحكومة بالقصبة

في حادثة شبيهة بإقالة الناطق الرسمي باسم الحكومة وتُعرّي عدم التجانس بين أعضاء الفريق الحكومي، تمّ إعفاء وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة نويرة القنجي من منصبها عقب تصريح إعلامي أدلت به إلى وسائل إعلام محلية وأجنبية تقول فيه انّ هناك زيادات مرتقبة في أسعار المواد الطاقية وفقا لما عرضته الحكومة في وقت سابق وهو ما يخالف خطاب الرئيس سعيّد الذي ألقاه في ولاية المنستير حينما أعلن رفضه لما اتفقت عليه حكومته مع صندوق النقد الدولي في خصوص رفع الدعم عن المواد الأساسية.

أثّر هذا الوضع بشكل واضح في السياسة الاتصالية للحكومة ووُزرائها الذين أصبحوا يمتنعون عن الإدلاء بأيّ تصريح للصحافة التونسية في أغلب الأوقات حتى أنهم أصبحوا ملتزمين أكثر من أي وقت مضى باحترام منشور صادر عن رئيستهم نجلاء بودن تلزمهم فيه بضرورة التنسيق مع مصالحها قبل الظهور في أي وسيلة إعلامية، أو ما يعرف بالمنشور عدد 19.

هذه السياسة الممنهجة في ضرب حق الصحفيين.ـات في الولوج إلى المعلومة، لم تكن وليدة اللحظة أو خيارا راجعا إلى رئيسة الحكومة نجلاء بودن وحدها، فالرئيس التونسي قيس سعيّد كان أوّل من بادر بغلق الباب في وجه الصحفيين.ـات التونسيين.ـات ووسائل الإعلام المحلية، منذ فرض “إجراءاته الإستثنائية” في الـ 25 جويلية/تموز 2021 التي أطاحت بحكومة المشيشي والبرلمان المنتخب علّقت العمل بالدستور. منذ ذلك الوقت لم يُدلِ سعيّد بأيّ حوار صحفي لوسائل إعلام محلّية واقتصرت علاقته بها على تصريحات مقتضبة وخطابية على هامش تنقلاته أو زياراته التي يؤديها إلى عدد من الولايات، فيما نجحت وسائل إعلام فرنسية في الحصول على حوارات معه خلال زياراته إلى خارج الوطن.

يرفض الرئيس سعيّد محاورة الصحفيين.ـات في إطار فلسفة عامّة تقوم على عدم الحاجة إلى وجود وساطة بينه وبين شعبه، إذ لا يخفي رفضه للأجسام الوسيطة أيّا كان شكلها نقابات أو جمعيات كانت أو حتى وسائل إعلام وفق ما يؤكّد أستاذ الإعلام والاتصال الدكتور الصادق الحمامي.

كما هو معلوم، اقتصرت السياسة الاتصالية الرسمية لمؤسسة رئاسة الجمهورية على صفحتها بالفايسبوك عبر نشر مقاطع فيديو لأنشطة الرئيس سعيّد وكلماته التي يلقيها بمناسبة لقاء وزرائه أو عند ترؤّس مجلس الوزراء ليتطرّق إلى جملة من الملفات المطروحة على الساحة الوطنية ويقدّم خطابا للردّ على ما يتمّ تداوله في مواقع التواصل الإجتماعي أو في المنابر الإعلامية، دون أن يسمح لأيّة جهة بطرح أسئلة عليه وهي من المسائل التي طبّع معها الرأي العام والصحفيين.ـات على وجه خاص.

يرمي الرئيس سعيّد من خلال طريقة تواصله مع الجمهور إلى فرض أجندته على كافة وسائل الإعلام المحلّية التي أصبح جزء منها يجترّ كلماته وبلاغاته المنشورة على الصفحة الرسمية لمؤسسة الرئاسة في موقع فيسبوك والتعليق عليها.
ويبدو أنّ هذه السياسة التي يعتمدها الرئيس سعيّد قد ألهمت وزرائه فساروا على خطاها، فوزير الفلاحة والصيد البحري اللواء عبد المنعم بلعاتي مثلا، يرفض رفضا تامّا الإدلاء بأيّ تصريح لأيّة وسيلة إعلامية رغم خطورة الملفات المطروحة على الساحة الوطنية والتي تشغل الرأي العام التونسي.

واقتصرت السياسة الاتصالية لوزير الفلاحة على نشر الأنشطة التي يقوم بها على صفحة الوزارة في موقع فيسبوك مع كم هائل من المراسلات الإلكترونية التي ترسلها الوزارة إلى الصحفيين.ـات للإعلام بنشاط الوزير والدّعوة لتغطيته إعلاميا في مشهد أقرب ما يكون إلى البروباغندا منه الى مهنة الصحافة وفق تقدير الدّكتور الصادق الحمامي. بخلاف ذلك ترفض الوزارة التفاعل مع أيّ طلب أو استفسار مهما كان نوعه يردُ عليها من المؤسسات الصحفية.

في مشهد آخر غريب، ترفض وزيرة المالية سهام نمصية البوغديري التصريح لوسائل الإعلام والإجابة على تساؤلات الصحفيين.ـات حول ملف تونس لدى صندوق النقد الدولي وطبيعة برنامج الإصلاحات المزمع تنفيذه رغم المنعرجات الكثيرة التي حصلت، في الوقت الذي يدلي فيه عدد من قادة دول العالم بتصريحات تهم ذات الملف، ما جعل الصحفيين.ـات التونسيّين.ـات يستقون معلوماتهم حول الملف التونسي لدى صندوق النقد الدولي من تصريحات قادة دول ودبلوماسيين غربيين أدلوا بها لوسائل إعلام غربية.

كان آخر حضور إعلامي لوزيرة المالية منذ 9 أشهر خلال حوار أجرته مع قناة التاسعة الخاصّة تطرّقت فيه بشكل عام وفضفاض إلى نوايا الحكومة الإصلاحية ومضمون اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، لتنقلب بعدها 180 درجة وتدلي بأجوبة لدى حضورها جلسة حوار مع البرلمان التونسي الجديد، مناقضة تماما لما صرّحت به سابقا.

ويذهب عدد من الصحفيين.ـات الى اعتبار أنّ التناقض الذي تتعامل به وزيرة المالية في علاقة بمجاراتها لملف شائك كمفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي يعرّي بشكل واضح خوف الحكومة من إطلاع الرأي العام على كواليس الملف والآراء المتناقضة داخلها لذلك تخيّر إلتزام الصمت عوض تقديم توضيحات حول التغيّر الجذري لخطابها وفق تقديرات عدد من الخبراء التونسيين.

الرئيس سعيد في استقبال رئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني

الرئيس سعيد في استقبال رئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني

على نفس الشاكلة، تتعمّد الدّولة وأجهزتها منذ إعلان إجراءات 25 جويلية 2021، تغييب وسائل الإعلام والصحفيين.ـات عن متابعة الزيارات التي يقوم بها عدد من رؤساء الدول الأجنبية إلى تونس.
في غضون أسبوع، زارت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تونس في مناسبتين، ورغم أهمية الملفات المطروحة على طاولة المفاوضات بين الطرفين، لم يستطع الصحفيون التونسيون متابعة فحوى اللقاءات التي جمعت ميلوني بالرئيس سعيّد إلا عبر وسائل إعلام ووكالات أنباء إيطالية، في مشهد يفضح بشكل جلي معاداة السلطة السياسية في تونس وسائل إعلام بلادها.

في هذا الصدد تروي الصحفية خولة السليتي في حديثها لموقع الكتيبة، قصّة معاناتها اليومية للحصول على المعلومة من طرف المسؤولين الإداريين والحكوميين، مبرزة أنّ ما حصل خلال الزيارتين اللتين أدتهما المسؤولة الإيطالية مؤخرا إلى تونس، ومنع المعلومة عن الصحفيين التونسيين في خصوص فحوى وتوقيت الزيارة وعدم فتح المجال أمامهم لطرح أسئلة حارقة على الجانب الإيطالي، يرتقي إلى مرتبة الفضيحة، ويبيّن احتقار السلطة السياسية التونسية لدور الصحافة وضرب حق المواطن في المعلومة كاملة على حدّ تعبيرها.

شعرت بالخجل كثيرا عندما اتصل بي زميل صحفي مصري ليسألني عن تفاصيل وتوقيت زيارة ميلوني إلى تونس، لأنه ببساطة لا معلومة لدينا حتى نقدّمها. نحن نستقي معلوماتنا من الصحف الإيطالية في خصوص أمر يحصل على أراض تونسية.

خولة السليتي صحفية بإذاعة شمس

وتضيف السليتي في معرض حديثها عن واقع العمل الصحفي اليومي في تونس، أنّ الوضع أصبح خانقا إلى أبعد الحدود مشيرة إلى أنّ ما يطلبه الصحفيون.ـات لا يرتقي إلى أن يكون “معلومات خطيرة تستوجب تنسيقا بين أجهزة الدولة قبل التصريح بها”، مشيرة إلى أنّ الأمر وصل بها في إحدى المناسبات إلى طرح سؤال على مسؤول كبير بإحدى الوزارات حول مضمون كلمة كان قد ألقاها بنفسه في إحدى الندوات، فما كان منه سوى أن رفض الإجابة متعللا بأنه لا يحقّ له التصريح إعلاميا.

من جانبها أبرزت خولة شبح منسقة وحدة رصد الانتهاكات بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في تصريح لموقع الكتيبة، أنّ الإعتداءات المسجلّة ضدّ الصحفيين بلغت في الفترة الممتدة بين ماي 2022 وماي 2023 ما يناهز الـ 254 إعتداء وهو أعلى رقم تمّ تسجيله منذ سبع سنوات، من بينها 162 اعتداء تعلّقت بالحصول على المعلومة.

عداء الرئيس للصحافة تترجمه ممارسات عدد من ولاته

في الوقت الذي يختار فيه عدد من الوزراء اتباع سياسة الرئيس سعيّد في ملازمة الصمت وعدم التصريح بأي معلومة تخص الملفات التي يشتغلون عليها، لا يجد عدد من الولاة حرجا في إعلان عدائهم للصحفيين ومساعيهم لتدجين وسائل الإعلام الخاصة منها والعمومية.

طرحت أسماء البكوش الصحفية بإذاعة المنستير العمومية جملة من الأسئلة على الرئيس سعيّد، مغتنمة فرصة لا يمكن تفويتها، لمعرفة وجهة نظره في علاقة بمواضيع حارقة تشغل الرأي العام التونسي، كان أبرزها هل ستكون هناك انتخابات في عام 2024 وهل سيترشّح لها؟

أسئلة أجاب عنها قيس سعيّد بنبرته المعتادة جعلت من مختلف المنابر الإعلامية تضع أجوبته في أجندتها للتعليق عليها والاستنتاج منها، في المقابل لم يستسغ والي الجهة المنذر بن سيك أسئلة الصحفية حتى أنّه همز لعدد من موظفيه للضغط عليها ومنعها من مواصلة طرح أسئلة من ذلك القبيل وفق ما أدلت به البكوش من معطيات إلى النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.

منذ ذلك الوقت، يقوم والي المنستير بنوع من الهرسلة تجاه صحفيي الإذاعة العمومية الجهوية، مذكّرا إيّاهم بأنّه رئيسهم الأوّل في الجهة، الشيء الذي استدعى من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إصدار بلاغ حاد اللهجة مستنكرة ما اعتبرته محاولات حثيثة للسطو على الإذاعة وتحويلها إلى بوق دعاية لفائدة والي الجهة وفق نصّ البلاغ.

دفاعا عن نفسه وعن طرحه وأوامره التي وجّهها إلى إذاعة المنستير بضرورة تغطية أنشطته، استنجد والي المنستير بقانون صادر عام 1989 يتعلّق بتسيير المنشآت العمومية، ليقرأ فصلا منه يتحدّث عن سلطة الوالي على كافة المؤسسات والمنشآت العمومية الراجعة ترابيا له بالنظر، ضاربا عرض الحائط مبدأ فصل الإدارة عن الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية.

نحن أتينا بأنفاس ثورة الحرّية والكرامة، لا نيّة لنا للبحث عن أبواق دعاية ولا التضييق على عمل الصحفيين، لكن من دور وواجب الإعلام تغطية نشاط الوالي والوزراء.

المنذر بن سيك والي المنستير

بعد تطوّر الخلاف، دخل على الخط رئيس مدير عام مؤسسة الإذاعة التونسية سفيان بن عيسى لمساءلة الصحفية أسماء البكوش وتوعّدها بنقلتها تعسفيا وإبعادها عن عائلتها وفق بلاغ صادر عن نقابة الصحفيين.
في حركة استعراضية عاقب الرئيس سعيّد الرئيس المدير العام لمؤسسة الإذاعة بإعفائه من منصبه رغم أنّ الأخير قام بكل ما في وسعه للوقوف في صف الوالي، في حين واصل الأخير مهامه على رأس ولايته.

والي بن عروس عز الدين شلبي

والي بن عروس عز الدين شلبي

لم تكن الممارسة التي أتى بها والي المنستير بالحادثة المعزولة، حيث تتواتر هذه الممارسات من عدّة ولاة آخرين.
أوّل من بادر بالإصداح بموقفه المعادي للصحفيين.ـات، كان والي بن عروس عزالدين شلبي العضو البارز في حملة الرئيس سعيّد التفسيرية (الحملة الانتخابية)، عندما عمد إلى التهجّم لفظيا على الصحفية خولة السليتي في أولى طلعاته الإعلامية مخاطبا ايّاها بتشنج غير مبرر رافضا الاجابة على أسئلتها متّهما إياها ووسائل الإعلام التونسية بالعمل على “تقسيم التونسيين” والسعي الى “إفساد عمل الدولة” ووصل به الأمر إلى تحديد نوعية الأسئلة التي يجب طرحها.

منذ ذلك الوقت يرفض الوالي المذكور التعاطي مع وسائل الإعلام المحلّية رفضا كلّيا، إلا إذا تعلّق الأمر بعرض ما يعتبره إنجازات.

ما يصدر عن عدد من الولاة في عدائهم العلني للصحفيين، إمّا عبر التهجّم عليهم أو المقاطعة الكاملة لهم، يتماشى والتوصيات المنبثقة عن رئاسة الجمهورية في ضرورة أن تندرج مواقف وسياسات جميع المسؤولين في الدولة ضمن السياسة العامة التي يرسمها رئيس الدولة بما في ذلك السياسة الاتصالية، الأمر الذي جعل الصحفيين.ـات يجدون أنفسهم في موضع ازمة حقيقية لما أصبحت عليه العلاقة من توتر وقطيعة بينهم وبين أجهزة الدولة.

يقول الصادق الحمامي الأستاذ المبرز بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار تعليقا على هذا الوضع، انّ السياسة الإتصالية للرئيس قيس سعيد تتماشى وتصوره لما يُسمى بالأجسام الوسيطة بما في ذلك الميديا التي لا يرى ضرورة في وجودها حتى يستطيع الشعب التعبير عن إرادته.

مؤسسة الرئاسة تعتقد أنّ الرئيس هو وحده من يجسّد السيادة الشعبية والإرادة الشعبية وباقي الأجسام الأخرى غير مؤهلة للتعبير عن هذه الإرادة.

الدكتور الصادق الحمامي

ويضيف الحمامي في حواره مع موقع الكتيبة أنّ مؤسسة رئاسة الجمهورية ترتكز في خيارها الاتصالي على انعدام الثقة لجزء كبير من الرأي العام في هذه الأجسام الوسيطة (وفي مقدّمتها الإعلام والأحزاب) التي خيّبت آماله خلال مسار الإنتقال الديمقراطي وفق قوله.

الرئيس سعيّد يعلم جيّدا وجود أزمة ثقة بين جزء كبير من المجتمع التونسي والأجسام الوسيطة، لذلك لا يولي أي اهتمام لدور الصحافة في التعبير عن إرادة الشعب ويعتبر أنّ الشعب قادر على التعبير عن إرادته دون المرور بوسطاء.

الدكتور الصادق الحمامي

وفي ما يتعلّق بالإتصال الحكومي، يقول الحمامي انّه تمّ الحدّ منه بشكل كبير، باعتبار أنّ الوزراء المنوط بعهدتهم رسم السياسات العامة كل في مجاله أصبحوا يتحدّثون فقط في مسائل تقنية بحتة أحيانا أو يلتزمون الصمت في أحيانا أخرى وعدم التصريح لوسائل الإعلام، مبرزا أنّ المثال الجلي على هذا عدم إجراء رئيسة الحكومة نجلاء بودن لأي حوار صحفي منذ أن تمّ تعيينها.

ويعود هذا الوضع حسب الحمامي إلى استئثار مؤسسة الرئاسة بكل ما له علاقة بالإتصال السياسي، بشكل لم يعد يترك أيّ هامش لباقي أجهزة الدولة يمكّنها من إرساء سياسة اتصالية حكومية تعنى بالسياسات العامة التي تتولى تنفيذها.

حرّية الصحافة تواجه الخطر الداهم

في الثامن من شهر ماي من هذا العام، أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود تقريرها السنوي حول مؤشر حرّية الصحافة.
أبرز التقرير تراجع تونس إلى المرتبة 121 من أصل 180 دولة، ودقت نواقيس الخطر حول إمكانية أن تنزلق البلاد إلى مراتب متأخرة كما كانت عليه تحت منظومة حكم الترويكا ( المرتبة 138 ) أو قبل ثورة 2011، عندما كانت تحتل المرتبة 164.

يفسر سمير بوعزيز مدير فرع منظمة مراسلون بلا حدود بتونس وشمال وأفريقيا، أنّ الأسباب التي أدت إلى هذا الإنزلاق الخطير تعود في أصلا إلى الوضع العام بالبلاد منذ فرض الإجراءات الإستثنائية في 25 جويلية من العام 2021، ويستدرك بالقول:

تراجع تونس في مؤشر حرية الصحافة لا يعود في مجمله إلى سياسات الرئيس قيس سعيّد ومنظومة 25 جويلية فقط، لكن كانت هناك أسباب موضوعية خلال السنوات الأخيرة ساهمت بدورها في تدهور ترتيب تونس.

سمير بوعزيز، منظمة مراسلون بلا حدود

نجحت تونس في الأشهر القليلة اللاحقة لثورة 2011، في قبر عدد من القوانين والمؤسسات التي كانت تمثل حبل مشنقة على رقاب الصحفيين وكل التّائقين إلى الحرّية، لعلّ أبرزها مجلّة الصحافة ووزارة الإتصال والوكالة التونسية للاتصال الخارجي.

بالتوازي مع ذلك صدرت مرسومان جديدان ينظّمان قطاع الإعلام والصحافة والنشر، وهما المرسوم عدد 115 المتعلّق بحرية الصحافة والطباعة والنشر والمرسوم 116 المتعلّق بحرية الاتصال السمعي والبصري والمحدث لهيئة مستقلّة تنظم عمل وسائل الإعلام التونسية.

على أمل بناء مشهد إعلامي تعددي حرّ ونزيه يتماشى ومقوّمات دولة عصرية وديمقراطية، سارت البلاد في مسار متعثر لكنّه في ذات الوقت أدّى إلى مكاسب عدّة جعلت من تونس تعتلي ترتيب الدول العربية في مؤشر حرّية الصحافة عام 2020.

  • إرساء هيئة عليا مستقلّة للاتصال السمعي والبصري
  • الفصول 31 و32 و126 التي يتضمنها دستور جانفي 2014 
  • إرساء هيئة النفاذ إلى المعلومة
  • إصدار قانون يحمي المبلّغين عن الفساد
  • إرساء مجلس الصحافة
  • إعلان اتفاقية إطارية مشتركة بين نقابة الصحفيين والدولة وأصحاب المؤسسات الإعلامية (بقيت معلّقة) 

رغم المكاسب المحققة، لم تنجح تونس عمليا في إرساء مشهد إعلامي متوازن ونزيه، وذلك راجع إلى الفوضى التي عرفها القطاع بسبب الأزمة الهيكلية التي كان يعاني منها. إضافة إلى بقاء بعض تلك المكاسب حبرا على ورق لم يتم تفعيلها على أرض الواقع بشكل ملموس.

أبرز مثال على ذلك، ما حدث مع الاتفاقية الإطارية المُشتركة التي تمّ إمضاؤها عام 2018 بين النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والدولة وأصحاب المؤسسات الإعلامية والتي كانت بمثابة القانون الأساسي المنظم لعمل الصحفيين.ـات في تحديد حقوقهم وواجباتهم، حيث لم يتم نشرها بالرائد الرسمي للبلاد لتتخذ صبغة رسمية، بعد تراجع حكومة يوسف الشاهد عن اتفاقها وعلى منوالها نسجت بقية الحكومات التي جاءت من بعدها.

ورغم مُضي 12 عاما منذ الثورة، لم تٌبادر الاجهزة الرسمية التونسية بأي مقترح لسياسات عمومية تهمّ تنظيم المشهد الإعلامي، ليزيد الرئيس سعيّد المعاناة عبر ما يصفه البعض بـ”العداء” الذي يكنّه لوسائل الإعلام فضلا عن السياسات التي تنتهجها الحكومة عبر التعيينات العبثية التي تقوم بها على رأس المؤسسات الإعلامية العمومية.

الإعلام امّا دخول بيت الطاعة أو الاكتواء بالمرسوم 54

بُعيد خطابه الشهير أمام قيادات أمنية وعسكرية عليا ليلة إعلانه إجراءاته الإستثنائية، نزل الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس للقيام بجولة اتصالية مباشرة مع الجماهير الغفيرة التي خرجت مستبشرة بقراراته. في ذلك الوقت كانت القناة العمومية بصدد إعادة بث كلمة الرئيس التي سبق وأن تمّ نشرها على الصفحة الرسمية لمؤسسة الرئاسة بالفايسبوك، ليصل فريق التلفزة الوطنية إلى شارع الحبيب بورقيبة بشكل متأخر جدّا في وقت كان الرئيس سعيّد يدلي فيه بتصريح إلى القناة الإماراتية سكاي نيوز عربي.

منذ ذلك الوقت أصبحت التلفزة الوطنية أشبه بجهاز بروباغندا يشتغل بشكل طوعي للدفاع عن خيارات الرئيس سعيّد، بعد أن تمّ تركيز آلة عسكرية أمام مدخل مقرّ المؤسسة في الأيّام الأولى من الإجراءات الإستثنائية.

مقر مؤسسة التلفزة التونسية

مقر مؤسسة التلفزة التونسية

بيّنت الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري في تقرير نشرته موفّى عام 2021، أنّ التلفزيون العمومي ضرب عرض الحائط بمبدأ التوازن في البرامج التي يبثّها، بعد غلق الباب أمام كلّ صوت ناقد أو معارض لمسار 25 جويلية، ليعود بنفسه إلى مربع ما قبل ثورة جانفي 2011، حين كان إعلاما حكوميا يعمل وفق تعليمات الأجهزة التنفيذية.

على نفس الوتيرة، شرعت الحكومة في تعيين شخصيات يُعرف عنها دفاعها الشرس عن منظومة الرئيس السابق زين العابدين بن علي والولاء له، في مواقع قرار داخل المؤسسات الإعلامية العمومية.
أثارت هذه التعيينات حفيظة عدد واسع من الصحفيين.ـات واعتبروها تمشّيا واضحا تسعى من خلاله السلطة السياسية إلى العودة بالإعلام العمومي إلى بوق دعاية للسياسات التي يرسمها الرئيس سعيّد، فضلا عن الممارسات التي يقوم بها جلّ من تمّ تعيينهم في التضييق والتنكيل بعدد من الصحفيين عبر إحالتهم على مجالس التأديب.

رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها التلفزة العمومية في الدفاع عن المسار السياسي الذي أطلقه الرئيس قيس سعيّد والبحث عن إرضائه، بقي الأخير وفيا لسياسته الاتصالية الرافضة لأي جسم وسيط بينه وبين شعبه، لكنّه في ذات الوقت يصف وسائل الإعلام في المطلق بكونها أجهزة تعمل على بث الإشاعات وتقسيم التونسيين وخدمة أجندات أطراف سياسية معلومة.

ويبرز تصاعد الموقف الرئاسي تجاه الإعلام المحلي التونسي في التصريح الذي أدلى به الرئيس سعيّد إلى الصحفي بإذاعة موزاييك شاكر بسباس في افتتاح القمة الفرنكوفونية بجربة، عندما قال بنبرة غاضبة:

أنت أوّلا تتحدّث عن موزاييك.. يتحدّثون في موزاييك كما يشاؤون ومع ذلك يتحدّثون عن الدكتاتورية وأنت تعمل داخل الإذاعة وتعلم أنه لم يتدخل فيكم أيّ أحد. فعن أي دكتاتورية يتحدّثون!؟

بعد ذلك التصريح الذي أدلى به الرئيس سعيّد في نوفمبر من العام 2022، تحرّكت عديد القضايا ضدّ إذاعة موزاييك لعلّ أبرزها التحقيق مع مديرها العام نور الدين بوطار، الذي ظلّ موقوفا لمدّة ثلاثة أشهر قبل أن تمّ الافراج عنه بكفالة تصل الى نحو مليون دينار تونس (حوالي 300 ألف دولار) بالاضافة الى الحكم الصادر ضدّ مراسلها خليفة القاسمي بسجنه سنة ابتدائيا قبل أن يتم الترفيع في العقوبة لتصل خمس سنوات بمقتضى حكم استئنافي.

لم يتوقف مسلسل إحالة الصحفيين على القضاء عند إذاعة موزاييك فقط، حيث تلاحق القضايا عددا آخر من الصحفيين من بينهم الصحفية منية العرفاوي التي تقدّم وزير الشؤون الدينية بشكاية ضدّها على معنى الفصل 24 من المرسوم عدد 54 المتعلّق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، إضافة إلى الصحفي ومدير موقع بزنس نيوز نزار بلهلول المحال هو كذلك على نفس القانون بعد نشره لمقال ينتقد فيه رئيسة الحكومة نجلاء بودن.

ولا يرمي المرسوم 54 التضييق على الصحفيين.ـات فقط، إنما جاء كذلك لضمان عدم تسرّب أي معلومة قد تعرّي كواليس تسيير الدولة رغم أنه حقّ شرعي لكل مواطن، وذلك عبر بث الرعب في صفوف الإداريين وكبار المسؤولين.

يقول مسؤول كبير بإحدى الوزارات كنا قد التقيناه في إحدى الندوات، أنّ الفصل 24 من المرسوم 54 أشاع مناخا من الرعب والخوف، بما جعل كل من يشتغل داخل الإدارة يخاف من أن يدلي بمعطيات تكون مطية لملاحقته قضائيا.

لن تجد مسؤولا واحدا يمكنه إعطاؤك معلومة. الجميع يخاف من أن تسلّط عليه أحكام الفصل 24 من المرسوم 54.

مسؤول رفيع المستوى بإحدى الوزارات

وفق هذا القانون الجديد وقوانين أخرى بالية، نجحت السلطة السياسية منذ فرض إجراءات 25 جويلية في منع الصحفيين من الوصول إلى المعلومة وبالتالي ضرب حق المواطن في الحصول عليها.

يقول الصادق الحمامي الأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار أنّ وسائل الإعلام في تونس لم تطوّر نفسها طيلة السنوات الماضية بالشكل الذي يجعلها تصمد اليوم حيث اقتصر دورها على صحافة النقل فقط، وفق تعبيره.

ويفسر الحمامي أنّه بانقطاع العلاقة بين الأجهزة الرسمية في تونس والصحفيين.ـات، وجدت جلّ هذه الوسائل الإعلامية نفسها في وضعية عطالة وانتقلت إلى ما يسمّى بصحافة التعليق وفق تقديره.

حرّية الصحافة غير مقترنة فقط بالحصول على المعلومة إنما بالتحقق منها وهو الدور الأساسي الذي يجب أن تقوم به الميديا. لهذا وجدت الصحافة نفسها اليوم في مأزق وتدفع ضريبة عدم تطوير نفسها في السنوات الماضية.

الدكتور الصادق الحمامي

يخلص الأستاذ بمعهد الصحافة في ختام حواره مع موقع الكتيبة، إلى أنّ النظام الإعلامي في تونس مرّ من طور أزمة هيكلية عصفت به خلال سنوات الإنتقال الديمقراطي إلى طور التحلل la décomposition منذ 25 جويلية 2021.

من الملف الإقتصادي إلى الملف الاجتماعي وصولا إلى الملفات القضائية ذات الصلة بالتآمر على أمن الدولة، بات واضحا أنّ السلطة السياسية اليوم لا تريد من أي جهة مساءلتها حول أيّ ملف من هذه الملفات حتى أنّها لم تكلّف نفسها عناء تقديم رواية رسمية ولو مقتضبة حولها.

بين السعي إلى تدجين وسائل الإعلام ومنع المعلومة عنها والخوف من الرأي العام التونسي، تسير البلاد إلى ما يشبه غرفة كبيرة مظلمة لا يعرف مواطنوها أي شيء عن كواليس تسييرها.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

إشراف: وليد الماجري
تدقيق: محمد اليوسفي
غرافيك: منال بن رجب
فيديو: حمزة فزاني
تطوير تقني: بلال الشارني
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
إشراف: وليد الماجري
تدقيق : محمد اليوسفي
فيديو : حمزة فزاني

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

wael213