الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

“هي امرأة شديدة النشاط والحيوية وكثيرة الحركة.. ولديها رغبة في الانخراط في الشأن العام.. هي منفتحة على الآخر ولديها قدرة على مخاطبة الناس وجمعهم حولها.. مسالمة جدّا وتدافع بشراسة عن قيم حقوق الإنسان وعن كافة المظلومين”.

هذه بعض الخصال التي تتمتّع بها شيماء عيسى والتي يشيد بها كلّ من عرف شيماء يوما ما أو جمعته.ـا بها محطّة مهنية أو نضالية أو سياسية. فعلى الرغم من أنّ نجم شيماء سطع خلال السنتين الأخيرتين بشكل خاصّ، إلّا أنّ لها مسيرة حافلة يجهلها عدد كبير من التونسيين.ـات.

ليست شيماء عيسى وليدة لحظة الـ25 من شهر جويلية/تمّوز 2021، وهي حتما ليست جديدة على المجال العامّ سواء من خلال تجارب سياسية أو حقوقية، بل إنّها ابنة عائلة سياسيّة ذاقت الأمرّين في فترة نظام زين العابدين بن علي.

ولعلّ أكثر ما يميّز شيماء عيسى عن غيرها قدرتها على الجمع بين مختلف العائلات الإيديولوجية والسياسية، لا على المستوى العملي وحسب وإنّما أيضا على المستوى الشخصي، فهي في آن واحد صديقة الإسلاميين.ـات والعلمانيين.ـات ومدافعة شرسة عن المنظومة الكونية لحقوق الإنسان وحاملة لشهادة علمية في أصول الشريعة.

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

“هي امرأة شديدة النشاط والحيوية وكثيرة الحركة.. ولديها رغبة في الانخراط في الشأن العام.. هي منفتحة على الآخر ولديها قدرة على مخاطبة الناس وجمعهم حولها.. مسالمة جدّا وتدافع بشراسة عن قيم حقوق الإنسان وعن كافة المظلومين”.

هذه بعض الخصال التي تتمتّع بها شيماء عيسى والتي يشيد بها كلّ من عرف شيماء يوما ما أو جمعته.ـا بها محطّة مهنية أو نضالية أو سياسية. فعلى الرغم من أنّ نجم شيماء سطع خلال السنتين الأخيرتين بشكل خاصّ، إلّا أنّ لها مسيرة حافلة يجهلها عدد كبير من التونسيين.ـات.

ولعلّ أكثر ما يميّز شيماء عيسى عن غيرها قدرتها على الجمع بين مختلف العائلات الإيديولوجية والسياسية، لا على المستوى العملي وحسب وإنّما أيضا على المستوى الشخصي، فهي في آن واحد صديقة الإسلاميين.ـات والعلمانيين.ـات ومدافعة شرسة عن المنظومة الكونية لحقوق الإنسان وحاملة لشهادة علمية في أصول الشريعة.

التاريخ يعيد نفسه

“هل هذه هي تونس التي درستَ فيها ودرستُ فيها أنا؟ هل هذه هي تونس التي حلمنا بها؟”.. بشعرها البني المنسدل فوق كتفيها ونظاراتها الحمراء التي تعكس شغفها، خاطبت شيماء عيسى قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب يوم إيقافها.

أبكت شيماء في ذلك اليوم بخطابها الذي توجّهت به إلى قاضي التحقيق عددا من الحاضرين.ـات، حتّى أنّ بعضا من محامي الدفاع طلبوا من القاضي أن يودعهم السجن إلى جانبها.

تتمتّع شيماء بقدرة على الخطابة وحماسة وصدق تمكّنت من خلالها من جمع شمل فاعلين من خلفيات ومشارب سياسية وفكريّة مختلفة، وقد بدا ذلك جليّا خلال السنتين الأخيرتين في الخُطب التي ما انفكّت تلقيها وسط عشرات المحتجّين على قرارات 25 جويلية.

كانت شيماء عيسى من أوّل المعارضين.ـات الذين عبّروا مباشرة عن رفضهم.هن لقرارات 25 جويلية/ تموز 2021. وعبّرت عن مواقفها في منابر مختلفة من وقفات احتجاجية إلى مشاركات في برامج وحوارات صحفية، إلى أن تمّ إيقافها في شهر فيفري/ شباط المنقضي في ما بات يُعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة”.

كان حدسها ينبئها، منذ فترة طويلة، بعودة التضييقات ومحاكمة الناس على خلفية انتماءاتهم السياسية. وكانت تجاهر بذلك لعدد من صديقاتها اللواتي كنّ يحاولن إقناعها أن ثورة حدثت في البلاد ولا يمكن العودة إلى الوراء.

تروي لنا المحامية والناشطة الحقوقية والنسوية سعيدة قراش، بضحكات تحاول من خلالها إخفاء تأثرها، كيف اكتشفت في شيماء عيسى إنسانة لديها سهولة في التواصل مع الآخرين وطيبة وإحساسا حادّا برفض الإقصاء ورفض الظلم.

بدأت العلاقة بين المرأتين منذ بضع سنوات، عندما تمّ إحداث اللجنة الرئاسية للحرّيات الفردية والمساواة في الميراث. كانت سعيدة قرّاش في ذلك الوقت مستشارة لدى رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي. وقد قدّمت رئيسة اللجنة بشرى بالحاج حميدة شيماء عيسى إلى قرّاش.

أتذكّر خلال الصائفة الفارطة عندما كنت أجتمع أنا وبشرى وشيماء.. كانت (شيماء) تبكي خوفا من عودة التضييقات.. كنّا نستبعد ذلك ونطلب منها أن تكون عقلانية لكنها كانت تقول إنهم سيعودون إلى وضع الناس في السجون بسبب آرائهم.. للأسف تبيّن أن حدسها كان صحيحا.

سعيدة قرّاش، مستشارة سابقة لدى الرئيس الراحل قائد السبسي

لم يأت حذر شيماء واستشعارها الخوف قبل الجميع من عدم، فهو نتيجة تجربة مريرة تعود إلى طفولتها لم تتجاوز آثارها إلى اليوم. سُجن والد شيماء من أجل الانتماء إلى حركة الاتجاه الإسلامي سابقا (حركة النهضة اليوم) عندما كانت طفلة لمجرّد أنّه تبرّع بمبلغ مالي لفائدة عائلة معيّنة كانت على علاقة بحركة النهضة آنذاك.

كان عيسى إبراهيم، والد شيماء، رسّاما وتاجر تحف أمّا والدتها فقد كانت ممرّضة، إلا أنّها مُنعت من حقّها في العمل، حتّى في القطاع الخاصّ، بعد سجن زوجها في إطار التضييق عليها باعتبارها تنتمي أيضا إلى حركة “الاتجاه الإسلامي” المحظورة.

وجدت آنذاك والدة شيماء نفسها مجبرة على الاهتمام بأطفالها الـ4 بمفردها فلجأت إلى صنع “الملسوقة” وإعداد الحمّص وصنع بعض الحلويّات في المنزل وبيعها. عندما كانت شيماء تستيقظ في الليل في ذلك الوقت كانت تجد والدتها تنفخ على أصابع يديها وتبكي من شدّة الألم. ولم تغادر هذه الصورة ذاكرة شيماء طيلة حياتها، وفق تأكيدات سعيدة قرّاش.

وما زاد الطّين بلّة أنّ والدة شيماء كانت قد فارقت الحياة نتيجة التعب والإرهاق بعد شهرين فقط من مغادرة زوجها السجن.

بابتسامة لم تفارق محيّاه طيلة مدّة الحوار الذي أجريناه معه، استقبلنا عيسى إبراهيم، والد شيماء، في شقّتها الكائنة في أحد أحياء العاصمة التونسية. كانت رسومات معظمها لعيسى إبراهيم تزيّن جدران غرفة المعيشة، كما أنّ بعض اللوحات كانت قد رسمتها شيماء بنفسها.

تحدّث عيسى إبراهيم بإطناب عن ابنته الكبرى شيماء. كان رغم ألمه لسجنها فخورا بها وبمختلف إنجازاتها. إلّا أنّه في المقابل لم يرغب في الخوض كثيرا في تجربته السجنية في عهد بن علي واكتفى بالقول إنّه سُجن بتهمة الانتماء إلى “عصابة مفسدين”.

أمعن الرّجل كذلك في الحديث عن تضحيات زوجته وكلّ ما قامت به كي تنشئ أبناءها كأحسن ما يكون وتوفّر لهم تعليما جيّدا يبعدهم عن الشوارع ويقيهم الجهل والسير في طريق المفسدين كما كان يريد النظام، بحسب تصريحاته.

كانت شيماء ترسل إليّ في السجن نصوصا فلسفية كنّا نتحاور بشأنها.

عيسى إبراهيم، والد شيماء

كانت شيماء وإخوتها وأمها يزورون والدهم الذي كان يتمّ نقله من سجن إلى آخر ويتنقّلون إليه رغم حرّ الشمس. وكانت الأمّ تفعل كلّ ما في وسعها حتّى لا تُظهر لزوجها السجين معاناتها، حتّى أنّها في إحدى المرّات كسرت يدها ولم يعلم عيسى بذلك إلّا بعد أن شُفيت يدها بعد أن أخبرته إحدى بناته أن والدتها نزعت الجبيرة.

لدى سؤاله عن طفولة شيماء، بدا التأثر جليّا على عيسى إبراهيم. توقّف للحظات قبل أن يجيب وهو يحاول منع نفسه من البكاء. منذ نعومة أظافرها، بدت شيماء طفلة متميّزة، فكانت تأتي إلى والدها وتقول إنّها ستحادثه باللغة اليابانية أو الفارسية أو التركية أو الروسية أو الفرنسية وتنطق عبارات غير مفهومة. يقول عيسى “بفضل ذلك الكلام أصبحت شاعرة”.

عندما دخل عيسى إبراهيم السجن، لم تكن شيماء قد تحصّلت بعد على شهادة التعليم الأساسي. إلّا أنّها في فترة سجنه كانت ترسل إليه نصوصا فلسفية يتحاوران بشأنها. وقد كانت شيماء تلميذة متميّزة خاصّة في المرحلة الابتدائية ودائما ما كانت تحصد شهائد تقدير وجوائز وفق ما أفادنا به والدها.

يذكر عيسى حادثة وقعت لابنته البكر عندما كانت تدرس في معهد مونفلوري. كان ذلك في يوم العلم حيث تسلّمت شيماء جائزة لتميّزها الدّراسي. إلاّ أنّ الصدمة كانت كبيرة عندما تبيّن أن الجائزة كانت تحتوي نصّا وصورا إباحية.
.

سارع والدها فور اكتشافه مضمون الجائزة إلى مديرة المعهد مبديا استنكاره لمحتواها، فعبّرت هذه الأخيرة عن استغرابها مؤكّدة أنّها لم تكن على اطلاع بما تحتويه الجائزة. مازال عيسى يحتفظ إلى اليوم برسالة وجّهها إلى المديرة آنذاك في هذا الشأن.

رغم أنّ مسارها المدرسي كان متميّزا، إلاّ أنّ شيماء لم تتمكّن من اجتياز مناظرة الباكالوريا إلّا بعد محاولتين. يقول والدها في هذا الإطار إنهم “لم يسمحوا لها بالنجاح”. بعد ذلك، درست شيماء العلوم الشرعية في المعهد العالي لأصول الدين. ونالت ماجستير من الجامعة الزيتونية لاحقا.

يعتبر عيسى إبراهيم أنّ شيماء، خلال دراستها لعلوم الشريعة، أحدثت ثورتين أو ثلاث في الجامعة التي وصفها بـ”التخلّف” و”التمذهب خلف مذهب هدّام”، مضيفا “هذه الطفلة (شيماء) ديدنها الحرّية والحقوق والمساواة”.

“أحرار معا”

كانت تجربة شيماء عيسى في مرحلة الطفولة من سجن والدها والظروف القاسية التي عاشتها ومن ثمّ وفاة والدتها، نقطة فارقة في حياتها. وعوض أن تجعل منها إنسانة منغلقة على نفسها ويملؤها الحقد، دفعت تركيبتها الداخلية والعاطفية إلى أن تكون قابلة للاختلاف ومحبّة ومسالمة.

رغم نشأتها في عائلة إسلامية وتخصّصها العلمي في أصول الشريعة، آمنت شيماء عيسى بمنظومة حقوق الإنسان الكونية ودافعت عن الحرّيات الشخصية والمساواة في الميراث في مجتمع محافظ يلعب فيه الدين دورا هامّا.

برزت شيماء كناشطة شابّة كسرت الصورة النمطية للمتخرّجين.ـات من الجامعة الدينية من خلال دفاعها الشرس على المساواة في الميراث إثر صدور تقرير لجنة الحرّيات الفردية والمساواة في الميراث (كوليب) -التي ترأستها بشرى بالحاج حميدة- خاصّة إثر الحملة الهوجاء التي تعرّض لها التقرير وأعضاء اللجنة، والتي وصلت إلى درجة تهديد رئيسة اللجنة بالقتل.

لعبت شيماء حينها دور همزة وصل بين هذه اللجنة والمستشارة الرئاسية سابقا سعيدة قرّاش وعدد من أساتذة في جامعة الزيتونة الذين كانوا منفتحين على مبدأ المساواة في الميراث رغم أنهم متديّنون، وذلك في وقت اشتدّت فيه الحملة ضدّ لجنة الحرّيات الفردية والمساواة في الإرث وتقريرها من قبل أئمة في المساجد وحتى من جامعة الزيتونة التي أصدر عميدها بيانا مثيرا للجدل آنذاك.

تستذكر سعيدة قرّاش ما قامت به شيماء عيسى قائلة:

التنافر البادي على شيماء عيسى أثّر فيّ.. شيماء خرقت الخوارزميات التي يبدو أنّها تتحكّم في مصير المرء سواء من العائلة أو التعليم ومختلف المنظومات، بشكل جميل في انتمائها للمنظومة الكونيّة لحقوق الإنسان دون أيّ تحفّظ، وفي إيمانها بالحرّيات دون أيّ تنسيب أو مساومة.

يسرى فراوس، الرئيسة السابقة لجمعية النساء الديمقراطيات

خلال هذه المرحلة، تعرّفت شيماء عيسى أيضا على المحامية والناشطة النسوية والرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس. وجدت فراوس في عيسى اكتشافا جميلا عندما تقاربتا إبان صدور تقرير “كوليب” إذ رأت فيها شخصا من المدرسة الدينية من حيث الاختصاص الجامعي والخلفية العائلية الإسلامية تدافع بكلّ شجاعة وبوجه مكشوف عن المساواة في الميراث.

تقول يسرى فراوس، في إطار حديثها الهاتفي مع موقع الكتيبة حول تجربتها مع عيسى:

شيماء كانت من الشباب المتحمّس لمحوري الحرّيات الفردية والمساواة في الميراث وساعدتنا كثيرا في جملة اتصالات مع أناس يدرّسون في الزيتونة ويؤمنون بالمساواة في الإرث من داخل الفكر الديني.. كانت العنصر الذي أحدث إضافة من خلال تعريفنا على هؤلاء الأشخاص.

يسرى فراوس، الرئيسة السابقة لجمعية النساء الديمقراطيات

تضيف يسرى فراوس :

هذه العوامل جعلت الرئيسة السابقة لجمعية النساء الديمقراطيات تقترب من شيماء عيسى وتحترمها ما خلق بينهما صداقة ليست كبيرة تاريخيّا لكنّها صداقة خفيفة الروح لأنّ شيماء تحبّ الضحك والنكتة ومشاغبَة الآخر فكريّا واستفزازه لتقول له في النهاية “شفت محلاك! أنت هكاكا أنا لا” (هل رأيت كم أنت جميل هكذا .. أمّا أنا فلا).

شيماء تعيد تذكيرك أنّ هناك منطلقات تحدّد كينونتك كامرأة وتحدّد كينونتها كامرأة وهناك مشرب فكري تختلفون حوله لكنكم تواصلون الضحك والنكتة وتواصلون والعيش المشترك دون أيّ ضغينة أو إحساس بالتنافر.

تلتقي يسرى فراوس وشيماء عيسى في فكرة أنّ المساواة لا تحتاج اليوم إلى أي مبرّرات بل من المفترض أن تكون المساواة هي الأصل وأن تصل النساء إليها دون أي جهد، وذلك رغم اختلاف التمشي الفكري والإيديولوجي والمسار الحياتي لكلّ منهما باعتبار أن البرهنة التي تبني عليها شيماء لا تقوم فقط على مقاربة حقوق الإنسان بل تشمل أيضا الثقافة الدينية بقراءاتها المختلفة.

دفاع شيماء عيسى عن الحرّيات الفردية والمساواة في الميراث دون خوف أو اكتراث بالحملة التي قد تواجهها، أصبحت هناكولّدت صداقة تجمع بينها وبين سعيدة قرّاش ويسرى فراوس. كما أنّها من الصديقات المقرّبات للناشطة الحقوقية والنسوية بشرى بالحاج حميدة.

ولعلّ اللافت في حالة شيماء هو أنها بالتوازي مع هذه الصداقات، تجمعها في الآن ذاته علاقات صداقة ومحبّة مع نساء من خلفية إيديولوجية إسلامية، على رأسهن نائبة رئيس البرلمان الراحلة سابقا والقيادية في حركة النهضة الراحلة محرزية العبيدي.

هذا التنوّع في الصداقات يؤكد انفتاح شيماء عيسى وإيمانها بالحوار ورفض الإقصاء. كما يفصح الكثير عن المساحة الكبيرة من الحبّ والتسامح التي تتمتّع بها، وهو ما يُجمع عليه الكثيرون.ـات ممّن عملوا في مرحلة ما مع شيماء أو تعرّفوا عليها في ساحات النضال.

شيماء تعيد تذكيرك أن هناك منطلقات تحدّد كينونتك كامرأة وتحدّد كينونتها كامرأة وهناك مشرب فكري تختلفون حوله لكنكم تواصلون الضحك والنكتة والرقصة.

يسرى فراوس، الرئيسة السابقة لجمعية النساء الديمقراطيات

رغم عدم انتمائها بشكل رسمي إلى أيّ جمعيّة أو منظمة، لم تبخل شيماء عيسى يوما عن الدفاع عن القضايا العادلة من منابر مختلفة، وأحيانا كانت تتنقّل على حسابها الخاصّ لكي تتضامن مع هذه المجموعة أو تلك.

شاركت شيماء كذلك في ندوة دولية من أجل السلام بين الأديان بفضل صديقتها محرزية العبيدي التي كانت تنشط في إطار رابطة “أديان من أجل الإسلام”، وهو تحالف عالمي من أجل تحقيق السلام.

ركّزت عيسى أيضا في نشاطها المدني إبّان الثورة التونسية على العدالة الانتقالية وحقوق المرأة والأديان وكانت في كثير من الأحيان نقطة اتصال وتواصل بين المجلس الوطني التأسيسي الذي تمّ انتخابه في 2011 والمجتمع المدني. كما أسّست نادي “أفكار نساء” الذي احتضن ندوات جمعت بين فاعلين.ـات من مختلف المشارب الفكرية والإيديولوجية.

أصدرت كذلك مؤلّفات أبرزها “الجندر والنسوية والدين: في إشكاليات خطاب قضايا النساء” إلى جانب بعض المجموعات الشعرية من بينها “مقامات لأرجوحة الموت” و”بيانو الجمعة”.

عملت شيماء عيسى كمستشارة لوزيرة المرأة السابقة أسماء السحيري سنة 2020 في حكومة إلياس الفخفاخ. وقد اجتمعت مجدّدا كلّ مع يسرى فراوس وعيسى في هذه التجربة حيث نسّقتا معا للاشتغال على قانون من أجل حماية عاملات وعمال المنازل.

تولّت شيماء التنسيق بين جمعية النساء الديمقراطيات آنذاك والوزارة لعقد ندوة تعرض خلالها الجمعيّة دراستها حول وضع النساء العاملات في المنازل بما فيهن المهاجرات. وقد شاركت أسماء السحيري في تلك الندوة التي انتظمت في جوان/ حزيران 2020 وتعهّدت بإعداد مشروع قانون في الغرض في ظرف سنة، وهو ما قامت به بعد أشهر قليلة من تلك الندوة.

مرّت شيماء عيسى بتجارب إعلاميّة برزت فيها شخصيتها المنفتحة وآراؤها ومواقفها السياسية، لعلّ أبرزها مشاركتها في برنامج “بتوقيت تونس” الذي بثّته القناة الوطنية الأولى (قناة عمومية) وقدّمه الإعلامي مكي هلال بين سنتي 2018 و2019، كمعلّقة سياسية.

كان من المفترض أن تمثّل عيسى في البرنامج وجهة النظر اليمينية المحافظة القريبة من حركة النهضة، إلا أنها فاجأت مكي هلال بكونها “ليبرالية حداثية وتؤمن بالمساواة في الإرث ولم تلعب الدور اليميني كثيرا بل كانت أقرب إلى يسار الوسط”، وفق تصريحات هلال لموقع الكتيبة.

ويضيف محدّثنا:

شيماء من خلال مواقفها وانتماءاتها وعائلتها تمثّل اليمين لكنّها في قمّة التواضع والموضوعية واحترام الاختلاف واحترام الآخر.. هي ليست ذات عقلية منغلقة أو محافظة أبدا وأغلب صديقاتها من الليبراليين إذا لم أقل يساريين.. هي ليبرالية ديمقراطية تؤمن بحقوق الإنسان والمساواة في الإرث واحترام الغير وتدافع عن كلّ هذه القيم بشراسة.

مكّي هلال، مقدّم برامج تلفزيونية

يعدّ الانفتاح على الآخر وقبول الاختلاف من أهمّ سمات شيماء عيسى سواء كان ذلك على الصعيد المهني أو الشخصي، فهي لا تتبنّى فقط هذه المبادئ وتدافع عنها بل تجسّدها من خلال علاقاتها الإنسانية والصداقات التي تجمعها بشخصيات تختلف أفكارها وعقائدها ومبادئها، ولكنّها تلتقي جميعا في الاتفاق على إنسانية شيماء وطيبتها وصدقها.

تصف يسرى فراوس شيماء بـ”الفراشة” فيما تلقّبها سعيدة قرّاش بـ”الوردة” وتعتبرها ابنة لها. يقول عنها مكي هلال “الابتسامة لا تفارقها حتّى عندما يغضب الجميع ويتوتّر.. شيماء كانت البلسم لكامل فريق البرنامج، دائمة الابتسامة والتهدئة حتى عندما يحتدّ النقاش وهي أبعد ما يكون عن التطرّف والتشدّد”.

شيماء وابنها: روح واحدة في جسدين

في 2003، أنجبت شيماء عيسى ابنها جزاء بعد سنة من زواجها. لم تُرزق بطفل.ـة آخر وبات هو كلّ حياتها وروحها. نشأ ابنها جزاء بين والدته وشقيقاته. وتشبّع من أمّه بمبادئ حقوق الإنسان وتبنّى القضايا العادلة التي تدافع عنها.

حرصت شيماء على أن يحافظ على العادات التونسية رغم تلقّيه تعليما في فرنسا، وبهذا يكتسب ثقافات أكثر وينفتح على حضارات جديدة. كما تحرص على أن تناقش معه كلّ ما تقوم به من أنشطة في المجتمع المدني أو فيما يتعلّق بممارسة السياسة.

شارك معها في بعض الوقفات الاحتجاجية خصوصا في إطار حملة “مواطنون ضدّ الانقلاب” في مرحلة أولى ومن ثمّ في إطار جبهة الخلاص.

تظهر شيماء في العديد من الصور مع ابنها. وفي الوهلة الأولى يبدوان كصديقين أكثر منهما كأمّ وابنها.

تقول سعيدة قرّاش عن هذه العلاقة “توجد بين شيماء وجزاء علاقة متميزّة.. تشعر أنّ بينهما نوعا من التواطؤ.. هما شخص واحد في جسدين، روح وفكر في جسدين.. هو حياتها وهي كذلك”.

لم تلجأ شيماء في علاقتها مع ابنها جزاء إلى السلطوية ولا إلى الإفراط في الدلال، بل هما صديقان يكبران مع بعضهما ويتحدّثان في كلّ شيء، وهي تمنحه الحرّية في خياراته.

أمّا والد شيماء، عيسى إبراهيم، فيقول إنّ جزاء كان مدلّلا من قبل والدته وخالاته، وهو اليوم يعيش معاناة كبيرة. في اليوم الذي تمّ فيه إيقاف فيه شيماء، تحرّك جزاء للاحتجاج على ذلك في فرنسا وعدّة أماكن أخرى. وعندما جاء إلى تونس شارك في الوقفة الاحتجاجية التي انتظمت أمام السجن الذي تقبع فيه والدته.

ويشير عيسى إبراهيم إلى أن جزاء:

فهم هذه اللعبة التي سُجنت بمقتضاها شيماء وفهم أنّه قد يُسجن أيضا.

أوّل سجينة في قضيّة سياسيّة في تونس ما بعد الثورة

نشأت شيماء عيسى في عائلة سياسية انتمت سابقا إلى ما كان يُعرف بحركة الاتجاه الإسلامي. إلّا أنّها لم تنخرط في العمل الحزبي بشكل مباشر سوى مرّة واحدة. كان ذلك سنة 2013 عندما توجّهت إلى مقرّ حزب التحالف الديمقراطي وعبّرت عن رغبتها في الانخراط بالحزب.

كانت شيماء شديدة النشاط والحيويّة ولديها رغبة في خدمة تونس والاهتمام بالشأن العامّ والانتماء إلى حزب غير مثقل بالايديولوجيا. أدّى حضورها الهامّ ونشاطها الكبير إلى اختيارها للترشّح في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 عن دائرة تونس 1 في قائمة ضمّت عددا من منخرطي.ـات الحزب ومن بينهم المنصف شيخ روحو.

لم يسعفها الحظّ آنذاك ولم تصل إلى البرلمان، وغادرت الحزب بعد الانتخابات التشريعيّة إلّا أنّ علاقتها الجيّدة مع رئيس التحالف الديمقراطي آنذاك محمد الحامدي (قبل اندماج الحزب في التيّار الديمقراطي) تواصلت.

يتحدّث الحامدي عن شيماء عيسى قائلا :

إنسانيا، هي امرأة طيّبة ومرحة وحرّة في تفكيرها وقناعاتها.. وهي دمثة محترمة وحيويّة وامرأة عصريّة فعلا وتؤمن بقيم الحرّية والمساواة والعدل والديمقراطية.. وهي صاحبة واجب.

لم تكرّر عيسى تجربة الانخراط في حزب أو حركة سياسية، وعُرفت بدعم رئيس الجمهورية الأسبق المنصف المرزوقي في الدور الثاني من انتخابات 2014، ورئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد في الدور الأول من رئاسية 2019، وهو ما اعتبره والدها من المسائل المتسرّعة التي كانت تقوم بها أحيانا.

عادت شيماء إلى النشاط السياسي بعد قرارات 25 جويلية/ تمّوز 2021 لتعلن بشكل علني معارضتها لهذه القرارات في وقت التزمت فيه عديد الشخصيات الفاعلة على المستويين المدني والسياسي الصمت وخيّرت التريّث قبل أن تصدر موقفا واضحا ممّا حدث.

في هذا الصدد، تقول الناشطة النسوية يسرى فراوس “كان لافتا بالنسبة إليّ في لحظة 25 جويلية/ تموز كلحظة فارقة بالمعنى السيء في تاريخ تونس أنّ شيماء عيسى التقطت منذ اللحظة الأولى أنّ ما وقع انقلاب، وهذا فيه كثير من النزاهة الفكرية لأنّ الكثيرين وقتها حاولوا تغليف الانقلاب بتعبيرات وتصنيفات أخرى”، على حدّ تعبيرها.

تعتبر فراوس أنّ موقف عيسى شجاع جدّا رغم أنها تختلف معها في خيارها العمل مع أشخاص ترى أنهم دفعوا إلى الوصول إلى لحظة 25 جويلية/ تموز وجعلت الناس يكرهون الديمقراطية، وفق قولها.

في آخر مكالمة هاتفية جمعت بينهما، أعلمت شيماء عيسى يسرى فراوس أنّ هناك قضية ضدّها بتهمة تتعلّق بتبييض الإرهاب، فمازحتها هذه الأخيرة قائلة “وأنت لمَ تبيّضين الإرهاب؟”. ضحكت شيماء وطلبت منها تأجيل النقاش السياسي.

رغم كلّ التهديدات ويقينها بأنّه سيتمّ سجنها، واصلت شيماء عيسى نشاطها، وبعد مساهمتها في تأسيس حملة “مواطنون ضدّ الانقلاب”، ومن ثمّ الانخراط في جبهة الخلاص الوطني، لم تتوقّف عن المشاركة في التحركات الاحتجاجية.

ولعبت شيماء عيسى دورا حاسما في تشكيل جبهة الخلاص، وتصدّرت الصفوف الأولى فيها بشكل بارز رفقة بعض الشخصيات السياسية الأخرى على غرار أستاذ القانون العام في الجامعة التونسية جوهر بن مبارك والمحامي والناشط السياسي المخضرم أحمد نجيب الشابي.

في 19 جانفي/كانون الثاني 2023، مثلت شيماء عيسى أمام الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية ببن عروس على خلفيّة حوار إذاعي أجرته في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2022 بتهمة “التحريض بأي وسيلة كانت العسكريين على عدم إطاعة الأمر وإتيان أمر موحش ضدّ رئيس الدولة وترويج ونشر أخبار وإشاعات كاذبة عبر شبكات وأنظمة معلومات واتصال بهدف الإضرار بالأمن العام والدفاع الوطني”.

بعد ساعات قليلة، أعلن المحامي سمير ديلو أنّه تقرّر تحجير السفر على شيماء عيسى من قبل قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة ببن عروس. وقد مثلت عيسى أمام المحكمة المذكورة يوم 27 جانفي/ كانون الثاني 2023 من أجل ذات التهم المذكورة آنفا، وذلك طبق المرسوم 54 لسنة 2022.

في ذلك اليوم، كانت سعيدة قرّاش إلى جانبها في المحكمة العسكرية، وهي قد صرّحت آنذاك أن ما سُلّط على شيماء عيسى هو عنف سياسي، الأمر الذي جدّدت تأكيده لنا باعتبار أنّها أحيلت أمام المحكمة العسكرية على خلفيّة تصريحها الإعلامي أي أنّ ما صرّحت به هو رأي سياسي يلزمها وليس فيه أيّ تحريض وهناك من قال كلاما أكثر خطورة ممّا صرّحت به هي من الرجال السياسيين ولكن تمّ الاختيار على شيماء لإحالتها على القضاء العسكري، وفق تقديرها.

تمّ حينها الإبقاء على شيماء في حالة سراح وعادت إلى منزلها لتفاجأ بعد أقلّ من شهر من الزجّ باسمها في ما بات يُعرف اليوم بقضيّة “التآمر على أمن الدولة”.

في 22 فيفري/ شباط 2023، تمّ إيقاف شيماء عيسى في مشهد شبيه بما يحدث في أفلام الـ”أكشن” الهوليوودية. كانت شيماء تقود سيّارتها ومعها شقيقتها الصغرى عندما انتبهت إلى 3 أو 4 سيّارات سوداء قطعت الطريق أمامها.

أوقفت سيارتها وقبل أن يصل إليها عدد كبير من الأمنيين الذين نزلوا من على متن تلك السيارات، وصل إليها عنصر وحيد فقالت له “أنا شيماء عيسى وأعلم أنكم ستوقفونني.. لماذا كلّ هذا العدد من الأمنيين وكلّ هذا الاستعراض على مرأى من الجميع؟”.

بالكاد كان لشيماء الوقت الكافي لتتّصل بالمحامي سمير ديلو وتعلمه بما حصل. أمّا شقيقتها، فكانت تتّصل بوالدها وعون أمن يحاول افتكاك الهاتف من يدها.

بعد ذلك، أحضروا شيماء إلى شقّتها التي أجّرتها حديثا بعدما طردتها صاحبة منزلها القديم بسبب انتماءاتها السياسية. في الوقت الذي كانوا يفتّشون فيه منزل شيماء، لم يسمحوا لوالدها بالصعود.

ودّعت إثر ذلك شيماء والدها الذي طلب منها البقاء قويّة. لم تسمح شيماء للسجن بأن يضعف من إرادتها أو يبعدها عن قيمها ومبادئها ودفاعها عن المظلومين.ـات. فهي مازالت تتبنّى قضايا بعض النساء المحتفظ بهنّ دون وجه حقّ، حتّى أنّها طلبت من والدها وشقيقتها التدخّل لفائدة نزيلة سجن مسنّة تمّ إيداعها ظلما.

تفاوض شيماء كذلك من داخل أسوار السجن لتحسين ظروف النزيلات، وقد نجحت في جعل زيارة الأهالي للنزيلات تقع مرّتين أسبوعيّا عوض مرّة واحدة.

تحاول شيماء رفع معنويّات عائلتها عندما تزورها وأصبح اهتمامها منصبّا أكثر على استغلال الوضعية التي وجدت فيها نفسها والتأقلم معها من خلال طلب الممكن وغير الممكن بخطاب مع مسؤولي السجن يجمع بين الاحترام والأحقية والحجّة، بحسب تصريحات والدها.

“للأسف شيماء عيسى هي أول سجينة سياسية بعد الثورة”

سعيدة قرّاش

إلّا أنّ شيماء عيسى تعرّضت مؤخّرا إلى اعتداء لفظي وجسدي من قبل نزيلة وُصفت بـ”الداعشية” كانت كثيرا ما تتّهم شيماء عيسى بالكفر وتعتدي عليها لفظيّا وتشتمها دون أن تتدخّل السلطات المعنيّة رغم أن شيماء كانت قد اشتكتها إليهم.

يعتبر عيسى إبراهيم أنّ سجن شيماء ومنعها من حرّيتها هو إهانة لها لا يمكن أن يتقبّلها خاصّة أنه يعلم وهي أيضا تعلم أنّها بريئة، وفق قوله. كانت شيماء تعلم أنّها سُتسجن وقد أسرّت بذلك إلى والدها الذي اقترح عليها الاختباء في بيت أحد أقاربها إلّا أنّها بعد فترة تفكير رفضت وقالت:

لمَ سأهرب منهم؟ لم أفعل شيئا. فليمسكوا بي ولن أذهب إلى أيّ مكان، سأبقي في منزلي. عندما يريدون القبض عليّ فليفعلوا ذلك.

يؤكد عيسى إبراهيم أنّ ابنته شيماء سجينة سياسيّة خاصّة أنّه عندما تمّ القبض عليها كانت تمارس السياسة بامتياز. رأي يجمع عليه العديد من الفاعلين.ـات السياسيين.ـات والحقوقيين.ـات.

تقول سعيدة قرّاش متحدثة عن رمزية إيقاف شيماء عيسى:

للأسف هي أوّل سجينة سياسيّة بعد الثورة.. بالنسبة إلي هناك بعدان ورمزان تمّ ضربهما من خلال إيقافها.. الأوّل يتعلّق بكونها امرأة ومن ثم امرأة سياسيّة ومسيّسة والثاني أنّها شابّة وهذا الشباب الذي نشأ قرابة 12 سنة على حرّية التعبير وعدم الخوف.

من جانبه، يشدّد محمد الحامدي على أنّها أوّل سجينة سياسيّة في تونس بعد الثورة وأنّه ليس هناك أي تسمية أخرى وأنّها ضحيّة تآمر السّلطة على معارضيها وفق قوله.

تذهب يسرى فراوس إلى القول إنّ شيماء عيسى “سجينة سياسيّة دون أدنى شكّ” وإنّها ورفاقها من مختلف مشاربهم على غرار جوهر بن مبارك وعصام الشابي لم تُوجّه إليهم تهمة إلى اليوم وإن كلّ ما بُنيت عليه هذه الملفات هي وشاية من واش عن واش آخر مضيفة :

لا أستطيع إلا أن أقول إنّ هذه محاولة من نظام الحكم القائم لتصفية خصومه السياسيين.

كلّ من يعرف شيماء عيسى يعلم أنّها إنسانة مسالمة بطبعها ومثقّفة وبشوشة ولا يمكن أن تشارك في أي نشاط يشمل عنفا مهما كان نوعه، وهو ما يؤكّده الكثيرون على غرار مكي هلال وسعيدة قرّاش اللذين شدّدا على ضرورة أن تغادر شيماء السجن فهو ليس مكانها، وفق قولهما.

سجينات سياسيّات في فترات الاستبداد

لا تعدّ المحاكمات السياسيّة في تونس مسألة جديدة أو طارئة، فمنذ استقلال تونس سنة 1956 وإلى غاية سقوط نظام بن علي في 2011 لا تكاد تخلو فترة من هذه المحاكمات.

يعرّف مؤلّفو كتاب “المحاكمات السياسية في تونس: 1956-2011″ المحاكمة السياسية بـ”كلّ محاكمة تجمع بين دولة مضطهدة وقضاة تابعين أو متحزّبين وتهم مشكوك فيها أو مسترابة وأحكام صادرة لإعطاء الدّرس والاعتبار”.

شملت المحاكمات السياسيّة الآلاف من التونسيين من مختلف التوجّهات الفكرية والانتماءات السياسية رجالا ونساء. لا توجد إحصائيّات رسميّة حول عدد النساء اللواتي تمّت محاكمتهنّ في قضايا سياسيّة، إلّا أن منظّمة “نساء تونسيات” رصدت، في جانفي/ كانون الثاني 2014، نحو 400 اسم لسجينات سياسيات من بينهنّ 8 تمّ اغتصابهن، في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

منظمة “نساء تونسيات”
هي منظمة حقوقية تأسست سنة 2011 ببادرة من عدد من النساء اللاتي تعرضن للاستبداد والسجن في سنوات

يفيد كتاب “المحاكمات السياسية في تونس” الصادر عن معهد تاريخ تونس المعاصر بجامعة منّوبة أنّه في 12 جويلية/تموز 1974 تمّت محاكمة المناضلة الحقوقيّة والسياسيّة راضية الحدّاد ومتّهمة أخرى بتهم “الخيانة والمشاركة فيها”. وأصدرت محكمة الاستئناف بتونس حينها حكما بـ6 أشهر مؤجّلة التنفيذ لكلّ من المتّهمتين.

وفي جويلية/ تموز 1999، تمّ الحكم بالسجن على الناشطة الحقوقية راضية النصراوي مع 21 متّهما آخرين بتهمة النشاط مع منظّمة محظورة (حزب العمل الشيوعي آنذاك). وفي 31 ديسمبر/ كانون الأوّل 2003، قضت المحكمة الابتدائية بتونس بالسجن 8 أشهر مع تأجيل التنفيذ ضدّ الناشطة الحقوقية والسياسية نزيهة رجيبة المعروفة بـ”أمّ زياد” بتهمة مسك عملة أجنبيّة بوجه غير شرعي، وفق المصدر ذاته.

شملت المحاكمات السياسية كذلك النساء الإسلاميات من بينهن مهريّة مسعودي التي تمّ اعتقالها في 22 جوان/ حزيران 1994 عندما كانت تلميذة في المرحلة الثانوية بسبب انتمائها إلى حركة الاتجاه الإسلامي. وقد تنقّلت مسعودي بين عديد السجون خلال 4 سنوات.

من بين السجينات السياسيات أيضا بسمة شاكر التي سُجنت بسبب انتمائها للاتجاه الإسلامي ومعارضتها لحكم بورقيبة في سنّ الـ17 عاما وتمّ اغتصابها في السجن، ومن ثمّ وقعت ملاحقتها كذلك في عهد بن علي.

التحقت شيماء عيسى بركب السجينات السياسيات الآنف ذكرهنّ، ومازالت ترنو الى الحريّة رافعة شعارها المركزي “ما لا يأتي بالنضال .. يأتي بمزيد من النضال”.

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

اشراف: وليد الماجري
تدقيق: محمد اليوسفي
فيديو: حمزة فزاني
بودكاست: رأفت عبدلي
تطوير تقني وغرافيك: بلال الشارني
فيديو : رأفت عبدلي
بودكاست : حمزة فزاني
غرافيك وتطوير تقني: بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
تدقيق : وليد الماجري

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

rahma