الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

“لم أر تلك السيّارة صاحبة اللوحة المنجميّة 11 (ترمز إلى وزارة الفلاحة) منذ سنوات، لا تزورنا فرق الإرشاد الفلاحي ولا تقوم الوزارة بدعمنا ثمّ يأتون بقرار فجأة ودون سابق إنذار يمنع عنّا الزراعات السقوية. ماذا تريدون منّا أن نزرع؟”.

بنبرة حانقة تختزن سخطا وغضبا شديدين، ردّ رضوان وهو أحد صغار الفلاحين بجهة “الجديّدة” من ولاية منوبة شمالي البلاد على سؤالنا المتعلّق بقرار وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري الذي حذّرت فيه الفلاحين من زراعة القرعيات وكلّ ما من شأنه أن يستهلك الكثير من الماء وذلك في إطار سياسة الدولة لمجابهة الجفاف ونقص الموارد المائية.

يضيف رضوان في حواره مع موقع الكتيبة أنّ له بئرا بها كميّة محترمة من المياه التي تجعله قادرا على مواصلة زراعة الطماطم، مشيرا إلى أنّ هاجسه الآن ليس الدولة وقراراتها وإنّما ما عاناه طيلة أشهر من العمل في حقله خاصة مع التغيّرات المناخية الحادّة التي جعلت المصاريف تزداد أضعاف ما كانت عليه سابقا قائلا في نفس السياق:

“إلى حدّ الآن ناهزت مصاريفي في زراعة 3 هكتارات ونصف من الطماطم 40 ألف دينار وكالعادة لا أعلم إن كنت سأحقّق أرباحا بعد موسم الجني أم لا؟ في الحقيقة اعتدنا تكبّد الخسائر أمام الصعوبات التي تعترضنا في زراعة الطماطم وخاصة عند تسويقها. كما تعلمون الطماطم يجب تسويقها في أسرع وقت ممكن فخطر تلفها وارد في أيّة لحظة وفي وقت وجيز وكم من فلاّح اضطرّ إلى بيع محصوله بسعر لا يغطي حتّى نصف المصاريف التي أنفقها خوفا من تلف صابته ما يجعله يخضع لابتزاز أصحاب المصانع التحويليّة.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

“لم أر تلك السيّارة صاحبة اللوحة المنجميّة 11 (ترمز إلى وزارة الفلاحة) منذ سنوات، لا تزورنا فرق الإرشاد الفلاحي ولا تقوم الوزارة بدعمنا ثمّ يأتون بقرار فجأة ودون سابق إنذار يمنع عنّا الزراعات السقوية. ماذا تريدون منّا أن نزرع؟”.

بنبرة حانقة تختزن سخطا وغضبا شديدين، ردّ رضوان وهو أحد صغار الفلاحين بجهة “الجديّدة” من ولاية منوبة شمالي البلاد على سؤالنا المتعلّق بقرار وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري الذي حذّرت فيه الفلاحين من زراعة القرعيات وكلّ ما من شأنه أن يستهلك الكثير من الماء وذلك في إطار سياسة الدولة لمجابهة الجفاف ونقص الموارد المائية.

يضيف رضوان في حواره مع موقع الكتيبة أنّ له بئرا بها كميّة محترمة من المياه التي تجعله قادرا على مواصلة زراعة الطماطم، مشيرا إلى أنّ هاجسه الآن ليس الدولة وقراراتها وإنّما ما عاناه طيلة أشهر من العمل في حقله خاصة مع التغيّرات المناخية الحادّة التي جعلت المصاريف تزداد أضعاف ما كانت عليه سابقا قائلا في نفس السياق:

“إلى حدّ الآن ناهزت مصاريفي في زراعة 3 هكتارات ونصف من الطماطم 40 ألف دينار وكالعادة لا أعلم إن كنت سأحقّق أرباحا بعد موسم الجني أم لا؟ في الحقيقة اعتدنا تكبّد الخسائر أمام الصعوبات التي تعترضنا في زراعة الطماطم وخاصة عند تسويقها. كما تعلمون الطماطم يجب تسويقها في أسرع وقت ممكن فخطر تلفها وارد في أيّة لحظة وفي وقت وجيز وكم من فلاّح اضطرّ إلى بيع محصوله بسعر لا يغطي حتّى نصف المصاريف التي أنفقها خوفا من تلف صابته ما يجعله يخضع لابتزاز أصحاب المصانع التحويليّة.

على غرار رضوان يروي عدد من الفلاحين في تونس خلال لقاءات جمعتنا بهم قصّة معاناتهم مع زراعة الطماطم وما يتعرّضون له سنويا من عملية ابتزاز مقنّن -وفق توصيفهم- تفرضها عليهم المصانع التحويلية التي لا تحترم حتّى السّعر المرجعي الذي يتمّ تحديده من طرف نقابة المصنّعين واتّحاد الفلاحين تحت إشراف الوزارات المعنية.

لم يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد من الطماطم الطازجة والموجهة إلى المصانع التحويلية الـ 0.2 دينارا تونسيا عند البيع من طرف الفلاح في آخر موسم فلاحي (2022)، في حين تقدّر أسعار علب معجون الطماطم من سعة 800 غرام في حدود 4.9 دينار في الوقت الحالي. فما هي الأسباب التي تقف وراء هذا التباين في أسعار المنتج الفلاحي والمنتج الصناعي؟ وهل آن الأوان لتغيير نمط زراعتنا في تونس أمام ما تستنزفه عدد منها على غرار الطماطم من موارد مائية في اتجاه زراعات أخرى أكثر تأقلما مع التغيّرات المناخية وأقل كلفة مائية وعائدات ماليّة خاصة من العملة الصعبة؟ وما هي خطّة الدولة لتعويض النقص الذي يمكن أن ينجم عن تقلّص حجم الإنتاج خاصة وأنّ معجون الطماطم يمثل العمود الفقري للمطبخ التونسي؟

زيادات مشطّة

بُعيد تفعيل إجراءاته الإستثنائية ليلة 25 جويلية/ تمّوز من العام 2021، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيّد بقصر قرطاج سمير ماجول رئيس الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة تدافع عن أرباب العمل) ليتداول معه في جملة من المواضيع الحارقة والمتصلة بمعاضدة جهود الدولة في تخفيض أسعار المواد الغذائية ومراعاة القدرة الشرائية للتونسيين.ـات والأوضاع الإقتصادية للدولة.

السيد رئيس إتحاد الصناعة والتجارة أتوجه إليكم بالشكر أوّلا على حسّكم الوطني الثابت… وآثرت أن ألتقي بكم اليوم بصفتكم رئيسا لاتحاد الصناعة والتجارة لأتوجّه إلى تجار الجملة وخاصة من يتولون التوزيع إلى جانب تجار التفصيل لأطلب منهم أن يتحلّوا بروح وطنية في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، أطلب منهم التخفيض في الأسعار، فالمسلم الحقيقي لا ينام وجاره جوعان.

قيس سعيد في 28 جويلية 2021

تفاعلا منهم مع دعوة الرئيس سعيّد، أصدرت كل من الجامعة الوطنية للصناعات الغذائية التي يترأّسها سمير ماجول والغرفة الوطنية النقابية للمساحات التجارية الكبرى التابعة لاتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بلاغا أشارتا فيه إلى إقرار تخفيضات في جملة من المواد الغذائية المطلوبة من التونسيين في كافة المساحات التجارية والعمل على توفيرها وإقرار تخفيضات يمكن أن تدوم مدّة زمنية طويلة حسب تصريح أدلى به رئيس الغرفة الهادي باكور إلى إذاعة موزاييك.

لكن الأمور على أرض الواقع تشي بغير ذلك تماما، حيث ارتفعت أسعار عدد من المواد الإستهلاكية والغذائية ارتفاعا غير مسبوق بسبب الأزمة التي يمرّ بها العالم على غرار جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على أسعار المواد الأوّلية والتجارة البحريّة.

وإن كانت الزيادة في أسعار عدد من المواد تجد سندا لها على أرض الواقع يبرّرها نسبيّا، إلاّ أنّ منتجات أخرى على غرار الطماطم المحوّلة شهدت أسعارها بُعيد دعوة الرئيس سعيّد ارتفاعا جنونيا وغير مبرّر.

وتعود الزيادات الأخيرة بين عامي 2022 و2023 بحسب مصدر رفيع المستوى يعمل في أحد المصانع التحويلية الكبرى إلى الزيادة في أسعار الكهرباء التي أقرتها وزارة الصناعة والطاقة والمناجم في عام 2022 والمقدّرة بنحو 12% للصناعيين الذين يستعملون الجهد العالي و 2.5% بالنسبة للصناعيين الذي يستعملون الجهد المتوسط.

هذه الزيادات في أسعار الكهرباء لا تقابلها بالمرّة الزيادات التي أقرّها الصناعيون في ثلاث مناسبات متتاليّة في أقلّ من عام، حيث صعدت أسعار منتجات الطماطم مضاعف التركيز بما يزيد عن 37% مقارنة بأسعارها في عام 2021، فيما ارتفعت أسعار بقية أنواع الطماطم المصبرة كصلصة البيتزا والطماطم المقشرّة المصبّرة بنحو 40% بما يدفع نحو التساؤل عن كيفية تحديد سعر التكلفة وسعر البيع إلى عموم المواطنين.

وفق القوانين المنظّمة للمنافسة والأسعار، ينتمي منتج الطماطم المعلّب إلى جدول المواد الإستهلاكية الخاضعة لنظام حرّية المنافسة باعتماد قاعدة العرض والطلب ونظام المصادقة الذاتيّة على مستوى البيع بالجملة والتفصيل، أي أنّ المصنّعين يتولون تحديد تكلفة الإنتاج وهامش أرباحهم بشكل فردي، في المقابل تتولّى الدولة عن طريق مقرّر يصدره الوزير المكلّف بقطاع التجارة بتحديد هوامش الربح بالنسبة إلى باعة الجملة وباعة التفصيل.

غير أنّ هذين النظامين تمّ تعطيل العمل بهما في السنوات الممتدّة بين 2010 و2014 بعد أن أخذت الدولة بزمام الأمور في وقت أراد فيه المصنّعون الترفيع في أسعار منتجاتهم، معتمدة في ذلك على ما يخوّله لها الفصل الرابع من قانون تنظيم المنافسة والأسعار الذي ينصّ على الآتي:

بقطع النظر عن أحكام الفصل 2 من هذا القانون وقصد مقاومة الزيادات المشطّة أو الانهيار في الأسعار، يمكن بموجب قرار من الوزير المكلّف بالتجارة، اتخاذ إجراءات وقتيّة تبرّرها حالة أزمة أو جائحة طبيعيّة أو ظروف استثنائية أو وضعية سوق حالتها غير العادية بارزة في قطاع معيّن على ألاّ تتجاوز مدة تطبيق هذا القرار ستّة أشهر.

تمّ تفعيل هذا الإجراء الاستثنائي من قبل وزارة التجارة في ثلاث مناسبات متتالية في عام 2010 و2011 و2013، بشكل جعل من سعر علبة الطماطم سعة 800 غرام لا يتجاوز في السوق التونسية 1.9 دينار تونسي، لتأخذ منحى تصاعديا بعد انهاء العمل بالنظام الإستثنائي أين بلغت ذات العلبة لمختلف الماركات التجارية سعر الـ 4.9 دينارا في عام 2023 أي بزيادة تفوق 250%.

لوبي فوق الدولة

في عام 2018 أصدر مجلس المنافسة قراره بإدانة 24 شركة متخصّصة في إنتاج معجون الطماطم والجامعة الوطنية للمواد الغذائية وذلك بعد ثبوت انتهاجهم سلوكا تجاريا مخلاّ بالمنافسة عبر التواطؤ فيما بينهم رغم اختلاف الماركات التجارية التابعة لهم واختلاف مواقعهم الجغرافية في إقرار اتفاق يقضي بترفيع وتوحيد الأسعار في معجون الطماطم.

وتعود حيثيات القضية إلى شهر مارس/ آذار من عام 2014، عندما تقدّمت المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك بشكاية إلى مجلس المنافسة حيث عاينت وجود تسعيرة موحدة على كافة أصناف وماركات الطماطم المروجة بالسوق خلال الأشهر الثلاثة الأولى من ذات العام، أي مباشرة بعد إنهاء العمل بالنظام الإستثنائي المتعلّق بالتحكم في سعر الطماطم المعجونة الذي عملت وفقه الدولة في الفترة الممتدّة بين 2010 إلى نهاية عام 2013.

قبل إنهاء العمل بالنظام الإستثنائي، كان سعر علبة الطماطم من سعة 800 غرام في حدود الـ 1.6 دينار تونسي (سعر بيع للعموم)، وبفعل الضغط الذي مارسته مصانع تحويل الطماطم وتهديدها بعدم تزويد السوق ما لم يتم انهاء العمل بالنظام الإستثنائي وإقرار الترفيع في السعر، أصدر وزير التجارة آنذاك عبد الوهاب معطر في شهر أوت/ أغسطس من عام 2013، قرارا يقضي بالترفيع في أسعار علب الطماطم (800 غرام) لتصل إلى 1.74 دينار كسعر بيع من المصنّع إلى الموزّع مع تحديد 50 ملّيم هامش ربح بالنسبة إلى باعة الجملة و100 ملّيم لباعة التفصيل ليصبح سعر العلبة سعة 800 غرام المعروضة للمواطنين في السوق، في حدود الـ 1.89 دينار مع تحرير سعر البيع من طرف المصنّع في خصوص علب الطماطم من حجم 400 غرام.

وعلى الرغم من ذلك الاتفاق الذي حظي بإجماع كافة المتدخلين من فلاحين ومصانع وموزعين في نهاية موسم جمع الطماطم والوقوف على الحجم الحقيقي لتكلفة التحويل والتعليب، فإنّ أسعار الطماطم بكافة أنواعها واختلاف ماركاتها ارتفعت لتستقرّ عند سعر 2.05 دينار تونسي وهو ما أثبته مجلس المنافسة بعد ماراطون من أبحاث التقصي والاطلاع على فواتير البيع من طرف المصانع إلى الموزعين بالجملة والمساحات التجارية الكبرى.

ما يجب التأكيد عليه في هذا السياق، أنّ ثبوت الإدانة في قرار مجلس المنافسة الصادر في عام 2018، لم يمنع مصانع تحويل الطماطم في تونس من العودة إلى نفس الممارسات.

تتراوح أسعار علب معجون الطماطم في مختلف المساحات التجارية الكبرى في تونس اليوم، بين الـ 4.88 و4.9 دينار.
ورغم تفنيد وزارة التجارة في شهر فيفري/ شباط المنقضي من العام 2023 وجود أيّة نيّة للترفيع في أسعار منتج الطماطم المعلّبة حتّى أنها كثفت من حملاتها الرقابية وحجزت سلعا قالت إنّها مخالفة للأسعار الجاري بها العمل في تلك الفترة، عادت أسعار المنتج لترتفع من جديد بعد أن سجلت انخفاضا طفيفا على مدار 5 أشهر، واستقرّت اليوم من جديد عند سعر 4.9 دينار تونسي.

خلال جولة ميدانية قام بها موقع الكتيبة جابت مختلف المساحات التجارية الكبرى منها والمتوسطة وباعة التفصيل (المحلات التجارية الصغيرة) اتّضح أنّ السلع المروّجة بالسوق التونسية يعود تاريخ تعليب أغلبها إلى شهري جويلية/ تمّوز و أوت/ آب من العام 2022 والبعض الآخر تمّ تصنيعه في عام 2021. في تلك الأعوام كانت أسعار نفس العلب المروجة اليوم تتراوح بين الـ 3.5 و3.8 دينار (1.1 دولار أمريكي). وهو ما يطرح السؤال: هل أنّ الترفيع في أسعار علب الطماطم قرار أحادي تمّ اتخاذه من طرف المصنّعين أم من قبل الموزّعين وباعة الجملة؟

وفق ما توفر من فواتير متداولة بين عدد من المصانع وتجّار جملة، تمكنّ موقع الكتيبة من الإطلاع عليها، اتّضح أنّ المصانع أقرّت زيادة في أسعار البيع من طرفها منذ شهر ماي/ أيّار من العام الحالي، فيما لم يقم الموزّعون (تجّار الجملة) باقرار أيّ زيادة باعتبار أنّ هامش الربح الذي يحصّلونه تحدّده الدولة ومخالفته تجرّهم إلى إمكانية تسليط عقوبات مالية عليهم وحجز سلعهم.

يقول لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك في حواره مع موقع الكتيبة إنّ الإشكال الحقيقي يكمن في وزارة التجارة التي لا تستطيع بأيّ وسيلة الوقوف على الكلفة الحقيقية لتحويل وتعليب الطماطم بحيث تترك الأمر للمصانع لتحديد التسعيرة التي تناسبهم.

الدولة تتدّخل فقط لتحديد هوامش الربح بالنسبة إلى باعة الجملة وباعة التفصيل أما المصنّعون فهم أحرار في تحديد الكلفة لهذا السبب نلاحظ أنّ أسعار الطماطم المعجونة المعلّبة لا تهدأ ودائما تكون في صعود جنوني.

لطفي الرياحي

في السنوات السابقة لسنة 2011، كانت للدولة طرق وآليات تستطيع من خلالها تحديد كلفة تصنيع الطماطم والتحكّم في أسعارها وذلك بالإعتماد على إحدى الشركات المملوكة من طرفها وهي “الشركة التونسية للمصبّرات” والتي من بين مهامها تعديل السوق وضمان المنافسة الشريفة فيه، فضلا عن رفع تقارير تهمّ التكلفة الحقيقيّة لصناعة الطماطم وبقية المنتجات، بما يمكّن الدولة ووزارتي الصناعة والتجارة على وجه الخصوص من تكوين فكرة كافية وشاملة عن التكلفة الحقيقيّة لصناعة الطماطم في تونس ووضعية السوق.

منذ عام 2011 لم تعد الشركة التونسية للمصبّرات قادرة على تصنيع معجون الطماطم بسبب أزمة مالية وهيكلية عصفت بها، الشيء الذي فتح المجال أمام باقي الشركات الخاصة للتوافق فيما بينها حول التكلفة التي تناسب أصحابها في صناعة معجون الطماطم.

بعد التقصي، اتّضح أنّ وزارة التجارة رضخت فعلا للضغوطات التي مارستها الغرفة النقابية للمصبّرات والجامعة الوطنية للمواد الغذائية حيث صادقت على زيادة بـ 500 ملّيم دخلت حيز التنفيذ منذ شهر ماي/ أيار المنقضي، وفق ما توفّر من معطيات موثوقة تحصلنا عليها من الغرفة الوطنية النقابية لتجار المواد الغذائية بالجملة، وذلك على الرغم من أنّ المنتج الذي يتمّ ترويجه بالسوق يعود إلى مواسم 2021 و 2022.

يقول حسام سعد عن منظمة آلرت (منظمة شبابيّة مستقلّة تعنى بمقاومة الإقتصاد الريعي في تونس) إنّ منتج الطماطم المعلبة اليوم هو منتج محرّر بشكل كامل و يخضع لآلية العرض والطلب.

الدولة تتحكّم وتدعم المنتجات الإستراتيجية، منذ عام 2014 تخلّت الدولة عن اعتبار الطماطم المعلّبة مادة استراتيجية وأخضعتها لنظام حرّية المنافسة رغم أنّها مادة يستهلكها التونسيون بشكل مفرط وينتجها الفلاحون بشكل مكثّف.

حسام سعد عضو بمنظمة آلرت

ويضيف سعد أنّ مصانع تحويل الطماطم التي يصفها بـ”الكارتيل” دأبت على التوافق فيما بينها في خصوص أي زيادة تحدث في أسعار الطماطم المعلّبة أي أنّ كل الماركات تقوم بالزيادة في أسعار منتجاتها بنسبة موحدة كما حصل مؤخرا
(500 ملّيم).

زيادة على ذلك، ساهم وصول الرئيس السابق للغرفة الوطنية للمصبرات الغذائية التي تضمّ مصانع تحويل الطماطم سمير ماجول، إلى رئاسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية منذ سنة 2018، في تحقيق منافع لهذه المصانع أهمّها الدعم المالي الذي يحظى به مصدّرو الطماطم المحوّلة منذ عام 2021، وفق ذات المتحدّث.

مصنعو الطماطم: هاجس الربح على “جثث” الفلاّحين

خلال سبعينيات القرن الماضي، أقرّت الدولة التونسيّة جملة من الإصلاحات الإقتصادية بهدف خلق التنمية ومواطن الشغل، وذلك عبر الاعتماد على الصناعات وربط الفلاحة بالصناعات التحويلية وتطوير سياسات تصديرها بحثا عن العملة الصعبة.

هذه السياسة المعتمدة ساهمت في دعم زراعة الطماطم في تونس بعد أن حظيت برعاية كبيرة من الدولة منذ ثمانينات القرن الماضي، حينما شجّعت المستثمرين على إنشاء مصانع تحويلية لها والعمل على ترويجها في الأسواق العالمية.

غير أنّ هذه السياسة انتهت منذ ما يزيد عن الـ 12 عاما إلى مشاكل عميقة تؤرق الإقتصاد التونسي وتتلخص في أزمة هيكلية بين المنتج الزراعي والمُصنّع واستنزاف للموارد المائية مقابل عائدات بالعملة الصعبة لا تتجاوز الـ 140 مليون دينار تونسي في أقصى الحالات، وفق بيانات المرصد الوطني للفلاحة (مؤسّسة حكوميّة).

تعمل في تونس في الوقت الحالي، 26 وحدة صناعية لتحويل الطماطم، تتوزّع على 4 أقاليم من أهمّها الوطن القبلي الذي تنشط به 15 وحدة، باعتبار أنّ ولاية نابل (تقع في الشمال الشرقي للبلاد التونسيّة) تستحوذ على أعلى نسبة من إنتاج الطماطم الطازجة منذ سبعينيات القرن الماضي ناهزت الـ 35% من الإنتاج الوطني.

في ردّه على مراسلة موقع الكتيبة حول حاجيات السوق الداخلية من الطماطم المحوّلة، قال المجمع المهني المشترك للمصبّرات الغذائية وهو مؤسّسة حكوميّة تجمع ممثلي الفلاحين والصناعيين ووزارات الفلاحة والتجارة والمالية، إنّ الإستهلاك المحلي من الطماطم المعجونة مضاعف التركيز يقدّر بـ 100 ألف طن سنويا.

يقول حمدي حشاد المهندس البيئي والناشط المهتم بقضايا المناخ تعليقا منه على الإستهلاك العالي للتونسيين من معجون الطماطم: “الطماطم تاريخيا لم تكن ضمن العادات الغذائية للتونسيين فهي فاكهة أتى بها الموريسكيون منذ أكثر من 400 سنة حسب ما تذكره كتب التاريخ.”

ويضيف حشاد إنّ الطماطم وعلى وجه الخصوص المحوّلة منها، أصبحت العمود الفقري للمطبخ التونسي في غفلة من أمرنا وهو ما تترجمه الأرقام حول استهلاك الفرد في تونس لما يزيد عن 10 كيلوغرامات في السنة وهذا أمر يعود وفق ذات المتحدّث إلى العمل الذي يقوم به منتجو الطماطم المعلبة في التأثير على العادات الغذائية للتونسيين رغم أنّ الدراسات الطبيّة توصي بعدم استهلاكها بشكل مكثّف لما لها من تأثير على صحة الإنسان و باعتبارها تمثّل مصدرا لعدّة أمراض، حسب قوله.

منذ عام 2014 أصبحت تونس تحتل المرتبة الأولى عالميا في استهلاك الطماطم المعجونة مضاعفة التركيز حيث أصبح التونسي يستهلك 5 أضعاف ما يستهلكه الإيطالي الذي جاء في المرتبة الثانية وفق المجمع المهني المشترك للمصبّرات الغذائية.

وعلى الرغم من تنامي الطلب في السوق المحلّية وحتّى الخارجيّة بما ساهم في الترفيع من نسق المبيعات، ينتهج المصنّعون سياسة مجحفة في حقّ مزارعي الطماطم، وفق تقدير العديد ممن التقينا بهم من الفلاحين.
فمع كل موسم، تتجدّد الأزمة بين الطرفين حول تحديد السعر المرجعي للطماطم الطازجة عند البيع من طرف الفلاّح إلى المصنع.

يقول سالم وهو أحد صغار منتجي الطماطم يمتلك أرضا فلاحيّة لا تتجاوز الهكتار الواحد في لقائه مع موقع الكتيبة، إنّ الموسم المنقضي وفي إطار تعاقده مع مركز تجميع تابع لمصنع كبير معروف في تونس الكبرى، قام ببيع محصوله بسعر 190 ملّيما للكيلوغرام الواحد في الوقت الذي تمّ تحديد السعر المرجعي من طرف الدولة بين الـ 200 والـ 220 ملّيما، على حدّ قوله.

أنا فلاح متعاقد مع أحد المصانع، يقومون بتزويدي في بداية الموسم ببعض الأدوية والمشاتل ليس أكثر ثمّ يقيّمون السعر على هواهم دون مراعاة لما قمت بإنفاقه.

سالم فلاّح بجهة الجديدة

يفيد سالم بأنّ الأرض التي يشتغل فيها تمسح 1 هكتار ويشترك فيها مع إخوته الذين يعملون جميعهم بها ويسترزقون منها قائلا: “قمنا الموسم الماضي بإنفاق ما يناهز الـ 15 ألف دينار على هكتار واحد لا ينتج أكثر من 65 طنا في أفضل الحالات ولك أن تقوم بعملية حسابية حتى تعرف أننا نعمل ولا نربح شيئا مع العلم أنّنا لا نحتسب جهدنا ووقتنا ضمن تكلفة الإنتاج”.

على هذا النحو تتعامل أغلب وحدات تحويل الطماطم في تونس مع غالبيّة الفلاحين الصغار الذين يوفرون 90% من المنتوج السنوي من الطماطم الطازجة.

مع قرب انتهاء الجني بالنسبة للموسم الحالي في علاقة بالطماطم الفصلية الموجهة للتحويل، يختلف السعر المرجعي المعتمد حسب كلّ الجهة.

في ولاية نابل على سبيل الذكر، قامت بعض المصانع عبر وسطاء بطمأنة الفلاحين قبل بداية الموسم (أي قبل أن يبدأ الفلاحون العمل وزرع المشاتل) بأنّ سعر الكيلوغرام الواحد من الطماطم الطازجة سيكون في حدود الـ 270 ملّيما، أي بزيادة قدّرت بنحو 50 ملّيما مقارنة بالموسم الماضي، وفق ما أفاد به عدد من الفلاحين إلى موقع الكتيبة.

وتعود نوايا هذه الزيادة من طرف المصانع المتعاقدة مع الفلاحين لتشجيعهم على مواصلة الزراعة بعد قرار وزارة الفلاحة التي حذّرت فيه من نقص في الموارد المائية ودعت الفلاحين إلى ضرورة تقليص المساحات الزراعية المخصّصة للطماطم.

قرار وزارة الفلاحة أثّر سلبا في المساحات الفلاحيّة المخصّصة لزراعة الطماطم في ولاية نابل أين تراجعت بما يناهز الـ 30 % مقارنة بالموسم الماضي، الشيء الذي جعل مصانع تحويل الطماطم تستبق وتعلنُ السعر المرجعي الذي ستعمل وفقه خلال موسم الجني غير مبالية بالمرّة بالكلفة العالية التي تكبّدها الفلاّح جراء التقلّبات المناخية التي أثرت بشكل مباشر في الزراعات وانتشار مرض “الميلديو” (نوع من الفطريات يصيب الطماطم) وما استوجبه ذلك من استعمال مكثّف للأدوية والأسمدة بغية أن يحافظ الفلاحون على محاصيلهم، وفق شهادات متطابقة لعدد من الفلاحين الذين أكّدوا أنّ أسعار الأسمدة والأدوية والكهرباء ارتفعت بنحو 35%.

بحسب عادل عنطيط عضو الجامعة الوطنية للطماطم (تضمّ الهياكل النقابية الجهوية المدافعة عن فلاحي الطماطم)، يرفض سمير ماجول رئيس الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية إقرار أيّة زيادة في السعر المرجعي للبيع من طرف الفلاّح إلى المصنّعين وذلك خلال اجتماعين عقدا في آخر شهر ماي /أيار وبداية شهر جوان/ حزيران من هذا العام، بمقر المجمع المهني المشترك للمصبرات الغذائية، حضرها المعني بالأمر بصفته رئيسا للجامعة الوطنية النقابية للصناعات الغذائية.

خلال جولتين من المفاوضات رفض السّيد سمير ماجول التطرّق إلى مسألة مراجعة السعر المرجعي، في المقابل تجاوزت نفقات الفلاّحين توقعاتهم وارتفعت بشكل لافت.

عادل عنطيط عضو الجامعة الوطنية للطماطم

هذا الوضع جعل العديد من فلاّحي ولاية نابل وخاصة في منطقة قربة يحتجون على المعاملة الصادرة عن المصانع عندما قاموا بتوجيه محاصيلهم من الطماطم فتلقوا نظيرها فاتورات لا تتضمّن السعر.

يقول محمد حسن وهو فلاّح بجهة نابل وعضو بالفرع الجهوي لاتّحاد الفلاحين إنّ الوضعية جدّ كارثية بالجهة فرغم تقلّص مساحات زراعة الطماطم لم تبارح آلاف الصناديق من الطماطم المجمّعة مكانها ما يجعلها مهدّدة بالتلف.

” آلاف الصناديق المعبأة بالطماطم الطازجة ترواح مكانها وتنتظر منذ أيّام شاحنات مراكز التجميع والمصانع لتحميلها. نحن في أيّام حرّ تجاوزت فيها الحرارة الـ 35 درجة وهو ما يهدّد تلك المحاصيل بالتلف. الأمر واضح بالنسبة لنا فالمصانع تدفع بالفلاحين لقبول التسعيرة التي تتماشى مع ما يريدون”

محمد حسن فلاّح بجهة قربة من ولاية نابل

ويضيف حسن أنّ الفلاحين الذين نجحوا في تحويل محاصيلهم إلى بعض المصانع بالجهة تلقوا فاتورات تحمل فقط الكميّة التي وصلت إلى المصنع واسم الوسيط الذي توّلى تحميلها من الفلاح دون أن تحمل أيّة إشارة حول التسعيرة المعتمدة، متسائلا في نفس الإطار: “أيّ ضمان للفلاح نظير هذه الفاتورة التي تخوّل للمصنع احتساب أيّ تسعيرة تناسبه”.

خالد الكشو وهو أيضا فلاّح بنفس الجهة، قام بتوجيه محصوله عبر وسيط وتلقى نظيره فاتورة لا تحمل السعر.
هذا الأخير يبدو واثقا خلال حواره مع موقع الكتيبة من أنّ المصنع لن يتراجع عن سعر الـ 270 ملّيما للكيلوغرام الواحد.

الاتّفاق كان مع الوسيط وليس مع المصنع على اعتماد سعر الـ 270 ملّيما للكيلوغرام الواحد.

خالد الكشو فلاّح من ولاية نابل

بعد أن انتهى من جمع محصوله بالكامل وتوجيهه إلى وحدة تحويلية، بدأ الكشو في تقييم تكلفة الإنتاج ومقارنتها بالسعر الذي قام وفقه بالبيع، لينتهي به الحساب إلى تحقيق 800 دينار فقط كأرباح، وفق قوله.

هذه العلاقة المتوتّرة بين الفلاّحين والمصنّعين، مردّها الدولة بشكل مباشر حيث تقف عاجزة أمام السياسات التي يتبعها مصنعو الطماطم إن كان في علاقتهم بالفلاّحين أو في علاقة بتحديد سعر علبة معجون الطماطم في وقت لاحق.

ووفق روايات عديد الفلاحين ومن بينهم أعضاء رسميّون في الإتّحادات الفلاحية فإنّ السعر المرجعي الذي يتم إقراره في المفاوضات السنوية مع كل موسم جني لمحصول الطماطم، لا يأخذ صبغة رسميّة رغم أنّ الدولة هي من تشرف عبر وزارتها على جلسات التفاوض.

ولا يخفي الفلاحون امتعاضهم من هياكلهم النقابية التي يعتبرونها ضعيفة بشكل أصبحت فيه تمثّل جزءا من المشكل عوض السعي وراء إيجاد الحلول.

في لقاء جمع موقع الكتيبة بعضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالخضروات سالم الرمضاني، أكّد هذا الأخير أنّ الموسم الحالي يشهد صعوبات على مستوى الإنتاج خاصة بجهة نابل، مشيرا إلى أنّ المحاصيل في باقي الجهات على غرار ولايتي القيروان وسيدي بوزيد ستكون كالعادة، وفق قوله.

نظرا للنقص الذي يمكن أن يحصل على مستوى الإنتاج الوطني ومع قرب نفاد المخزون الإستراتيجي للمصانع، فإنّ الفلاّحين سيكونون هذه المرّة في وضع مريح، ولن يكون السعر أقلّ من 300 ملّيم للكيلوغرام الواحد.

سالم الرمضاني عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين

في مختلف الزيارات الميدانية التي قمنا بها وخلال إجراء المقابلات الصحفيّة، أبدى الفلاّحون سخطا وحسرة جرّاء العلاقات التي وصفوها بغير العادلة من حيث الربح بينهم وبين أصحاب المصانع، مستغربين كيف أنّ السعر الذي يتم وفقه ترويج الطماطم المعلّبة في الأسواق، والتي تقدّرحاليا بـ 4.9 دينار في الوقت الذي لا تتجاوز فيه أسعار مبيعاتهم الـ 0.2 دينار للكيلوغرام الواحد.

تُشير العديد من التقارير إلى أنّ إنتاج 1 كيلوغرام من الطماطم المحوّلة (معجون مضاعف التركيز)، يحتاج المصنع إلى ما بين الـ 4.5 و5.5 كيلوغرام من الطماطم الطازجة. وإذا ما اعتمدنا السعر المرجعي 200 ملّيما لـ 1 كلغ من الطماطم الطازجة الذي تمّ إقراره خلال الموسم الماضي (2022) فإنّ علبة طماطم من سعة 800 غرام تحتاج مواد أوّلية بما قيمته 0.9 دينار.

هذا يعني أنّ السعر النهائي لعلبة الطماطم سيعرف ارتفاعا مرّة أخرى العام المقبل بمجرّد تحويل صابة هذا العام والتي يرجّح أن يبلغ سعرها الـ 270 ملّيما للكيلوغرام الواحد، يعني أنّ قيمة المادة الأوّلية بالنسبة لعلبة 800 غرام سترتفع إلى نحو 1.2 دينار في الحدّ الأدنى.

فقر مائي و مردوديّة ضعيفة من الصادرات

تمثّل صادرات تونس من الطماطم ثلث صادراتها من الخضروات الطازجة وفق المرصد الوطني للفلاحة وهو هيكل حكومي يتبع وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.

في الأعوام العشرة الأخيرة، تطوّر معدّل كميات الطماطم بمختلف أصنافها وأشكالها التي تصدّرها إلى حوالي 130 ألف طن بعائدات مالية تقدّر بـ 140 مليون دينار (43 مليون دولار) سنويا.

في عام 2019، أنتج مزارعو الطماطم على طول العام ما يناهز الـ 1.6 مليون طن من الطماطم الطازجة وهو رقم قياسي لم يسبق لتونس أن بلغت مثله. قامت المصانع بتحويل ما يقارب الـ 980 ألف طن منها وأنتجت حوالي 143 ألف طن من الطماطم مضاعفة التركيز إنضافت إلى مخزون قديم مقدّر بحوالي 17 ألف طن، بما جعل تونس تحتل المرتبة العاشرة عالميا في انتاج الطماطم المحوّلة في عام 2020 بحجم مخزون مقدّر بـ 160 ألف طن وفقا لبيانات المجمع المهني المشترك للمصبرات الغذائية.

ويقدّر معدّل عائدات تونس من تصدير الطماطم وفق المرصد الوطني للفلاحة في الأعوام العشرة الأخيرة حوالي الـ 140 مليون دينار تونسي في السنة نظير تصدير 50 ألف طن من الطماطم المحوّلة ونصف المحوّلة (250 ألف طن طماطم طازجة) و 7 آلاف طن من الطماطم الجيوحرارية الطازجة (كامل الإنتاج الوطني يوجه إلى التصدير) وحوالي 7 آلاف طن من الطماطم المجفّفة (77 ألف طن من الطماطم الطازجة) ما يمثل الـ 90% من الإنتاج الوطني في هذا الصنف.

بعد تحقيق صابتين قياسيتين على التوالي (2019 – 2020) ولمزيد تثمين صادرات تونس من الطماطم، أصدرت حكومة هشام المشيشي في بداية عام 2021 ، قرارا بموجبه يتمتّع المصنّعون بمنحة من الدولة تصل إلى 554 ملّيما عن كل 1 كيلوغرام من الطماطم مضاعفة التركيز يتمّ تصديرها.

بعد ذلك القرار، غابت الإحصائيات التي تصدرها الدولة مع نهاية كلّ موسم حول صادرتها من الطماطم المحوّلة من حيث الكمّ والنوع و العائدات بالعملة الصعبة.
يعلّق حسام سعد عن منظمة آلرت عن هذا القرار قائلا: “الحكومة قرّرت دعم صادرات الطماطم المحوّلة نظرا للطفرة في المنتوج. وفرة الإنتاج يُفترض أن تخفّض في الأسعار لا أن ترتفع، لكن مصانع الطماطم تقوم بالزيادة في أسعار منتوج العرض فيه أكثر من الطلب. وفوق كلّ هذا يتمتّعون بدعم عن كل علبة يقومون بتصديرها. فعلا هذا أمر غير منطقي بالمرّة”.

ويضيف سعد في حواره مع موقع الكتيبة إنّ قرار حكومة المشيشي لدعم صادرات الطماطم جاء تلبية لضغوطات مصنعي الطماطم الراغبين في استرجاع السوق الليبية التي تمّ اغراقها بالسلع التركية في تلك الفترة والتي كان سعرها أقل بكثير من أسعار السلع التونسيّة.

عوض أن يتحمل المصنعون مسؤوليتهم في التخفيض في أسعار منتجاتهم والاستجابة لقاعدة العرض والطلب في السوق الدولية، حمّلوا الدولة التونسية مسؤولية تعويضهم عن التخفيضات التي أقرّوها في أسعار سلعهم بهدف التموقع مجددا في السوق الليبية.

حسام سعد عضو بمنظمة آلرت

ويحمّل سعد مسؤولية القرار الذي وصفه بالفضيحة إلى الدولة التونسية التي لم تقم بمراجعته إلى اليوم، مشيرا إلى أنّ علب الطماطم المصبّرة يمكن أن تدوم صلوحيتها بين الثلاثة وأربع سنوات، وكان على الدولة أن تقوم بدعم مخزونها الاستراتيجي عوض تصديره بما يضمن توفر المنتوج في السوق المحلية وبأسعار معقولة، وبما يخوّل لها (الدولة) دعم الفلاحين وتشجيعهم للقيام بزراعات أخرى غير زراعة الطماطم حفاظا على مواردها المائية، وفق قوله.

على مدار السنة تتواصل زراعة الطماطم في تونس وفق طرق مختلفة وفي أوقات مختلفة بشكل يجعل هذا المنتج متوفرا بالسوق المحلّية في جميع فصول العام.

تختلف أنواع الطماطم من وقت إلى آخر. هناك ما يطلق عليها اصطلاحا ” الطماطم الفصلية” والتي تستحوذ على 80% من الإنتاج الوطني تتم زراعتها بين شهري مارس/آذار و أفريل/ نيسان ويتم قطفها بين شهري ماي/ أيار و أوت / آب من كل سنة، كما يتمّ توجيه أغلبها إلى المصانع التحويلية والبقية تروّج طازجة في الأسواق المحلّية أو يتم تصديرها بعد تجفيفها إلى الأسواق الأوروبية خاصة منها الإيطالية والألمانية.

خلال السنوات العشرة الأخيرة ازدهرت زراعة الطماطم في ولايات الوسط أساسا بكل من سيدي بوزيد والقيروان رغم شحّ الموارد المائية.

خلف هذا الإنتاج المكثف لثمار للطماطم على كامل الموسم الفلاحي، يوجد استغلال مكثّف للموارد المائية في وضع تُشير فيه التقارير الدولية وأبرزها تقرير البنك الدولي إلى أنّ البلاد دخلت رسميّا منذ عام 2020، في مستوى الفقر المائي المدقع.

تُشير دراسات علميّة إلى أنّ هكتارا واحدا يمكن للفلاح أن يزرع فيه 30 ألف نبتة، وكل نبتة تحتاج في اليوم ما بين الـ 4 و6 لترات من الماء خلال أيّام الري.

ويقوم الفلاّحون وفقا لذات الدراسات بريّ نبتة الطماطم في أوقات مختلفة من مرحلة نموها وإلى غاية قطف ثمارها، حيث يمكن أن يحتاج الهكتار الواحد منها إلى أكثر من 20 متر مكعب من الماء، هذا في حال كانت العوامل المناخية مستقرّة.

وتحتاج نبتة الطماطم إلى مناخ شبه حار، لذلك يتمّ زراعتها عادة في فصل الربيع لما يتميّز به من استقرار في معدلات الحرارة والتساقطات المطرية، ليبدأ موسم قطف الثمار في الأسابيع الأولى من فصل الصيف حيث تساعدها الحرارة على نمو الثمرة كما تحسن مذاقها وشكلها، حسب ما يشرحه عدد من الفلاحين لموقع الكتيبة.

في ظلّ النقص الحاد في الموارد المائية بعد تقلّص التساقطات المطرية وحالة الجفاف التي عانت منها البلاد خلال الموسم الفلاحي الحالي، تصاعدت المصاريف لدى الفلاحين اللّذين قاموا بزرع الطماطم، حيث احتاجوا إلى تكثيف المداواة واستعمال الأسمدة أكثر من المواسم الإعتيادية، فضلا عن زيادة لافتة لاستعمال مياه الري.

يقول الفلاّح رضوان في اتصال هاتفي بموقع الكتيبة بعد أكثر من شهر من التصوير معه في الحقل، إنّ البئر التي كان يعوّل عليها للريّ نضبت، الأمر الذي استدعى منه استعمال مياه الشرب في الأسابيع الأخيرة بما أثر كثيرا على كلفة الإنتاج. لا يبالي رضوان بالتحذيرات التي أطلقتها وزارة الفلاحة قبل بداية الموسم.

اضطررت لاستعمال مياه الشرب رغم كلفتها العالية، لكن حتى هذا الحلّ فشل بعد أن قامت الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه بقطع الماء على المنطقة الفلاحية. لا علم لي كيف ستكون الثمار يوم قطفها. أرجو من الله ألا يفسد المحصول.

رضوان فلاح بمنطقة الجدّيدة

كلّ هذه الأرقام المتعلّقة بالكلفة المائية لزراعة الطماطم، تتعمّق أكثر بمجرّد بداية عملية التحويل داخل المصانع والتي تحتاج كثيرا من الماء.
وفق دراسات للوكالة الوطنية لحماية المحيط، فإنّ تحويل 1 طن من الطماطم الطازجة يحتاج إلى ما بين الـ 1 و3 متر مكعب من المياه.
وتشير ذات الدراسات إلى أنّ أغلب وحدات تحويل الطماطم في تونس لا تستعمل تقنيات معالجة المياه المستعملة وتقوم في أغلب الأوقات بسكبها في مجاري الأودية.

سياسات عرجاء

“عندما تقرّر الدولة المحافظة على مياهها وتمنع الفلاحين من القيام بزراعات سقوية فعليها أن تقدّم لنا بديلا”، هكذا تفاعل رضوان مع قرار وزير الفلاحة القاضي بتقليص المساحات الزراعية المخصّصة للقرعيات والخضروات المستهلكة للمياه.

تستحوذ الفلاحة وفق إحصائيات المرصد الوطني للفلاحة على 80% من الموارد المائية في تونس، جزء لا بأس به من هذه الموارد تستغلها زراعات الزيتون والتمور والقوارص وبعض الزراعات السقوية الأخرى على غرار القرعيات والطماطم والفواكه.

يقول عدد من الفلاحين وخاصة العاملين منهم في ولاية نابل إنهم قرّروا التوقف عن زراعة الطماطم وذلك للارتفاع الكبير في كلفة الإنتاج ونقص المياه والتقلّبات المناخية، أمام سعر بيع محتشم لا يلبي الحدّ الادنى من طموحاتهم.

في نابل تقلّصت المساحات المزروعة خلال هذا الموسم الفلاحي ( 2023 ) إلى ما يقارب الـ 30 في المائة، في السابق وخلال موسمي (2020 و2021) كانت المساحات الفلاحية المخصّصة لزراعة الطماطم في حدود الـ 4700 هكتارا وبعد قرار وزارة الفلاحة تقلّصت إلى نحو 3500 هكتارا، وفق ما تؤكده الجامعة الجهوية للطماطم بنابل.

يفسّر عدد من فلاّحي الجهة لموقع الكتيبة، أنّ قرار العزوف عن زراعة الطماطم في الموسم الحالي والمرشّح إلى أن يتوسع أكثر لا يعود فقط إلى نقص المياه بالجهة، إنّما للملوحة العالية التي أصبحت عليها التربة بفعل التلوث البيئي الناجم عن نفايات المصانع التحويلية إضافة إلى استعمال مساحات واسعة من الأراضي لتجفيف الطماطم الموجهة للتصدير مما زاد في نسبة ملوحتها.

ووفق دراسة حالة أعدّها المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية في عام 2022، تتعلّق بمصانع تحويل الطماطم بجهة نابل، فإنّ أغلب المصانع التي تعمل بالمنطقة لا تحترم المواصفات والقوانين من أجل المحافظة على سلامة البيئة وعدم الإضرار بالمحيط المجاور لنشاطها.

ومن أهم هذه المصانع وفق ذات الدراسة معمل “كوموكاب” بمنطقة صاحب الجبل الذي يسبب أرقا للمتساكنين بسبب استعماله مادة “الفيول” (بنزين) عوضا عن الغاز الطبيعي وما يسببه ذلك من انبعاثات كبيرة لدخان سام.
إضافة إلى ذلك يقوم ذات المصنع بإلقاء المياه المستعملة وغير المعالجة بوادي الصيادي المحاذي للمساكن ما سبب عديد المشاكل الصحية ومثل مصدرا لانتشار كبير للحشرات السامة وتعدد الأمراض الجلدية والتنفسية لدى سكان المنطقة فضلا عن الضرر الذي لحق عددا من الأراضي الفلاحية والمائدة المائية وفق ما عايّنه فريق الكتيبة.

لا يختلف الحال في مناطق أخرى من البلاد، ففي ولاية منوبة على سبيل المثال، يقوم رضوان بزراعة الطماطم الموجهة إلى التصدير بعد تجفيفها، حيث يقول انّه يلجأ لزراعة هذا النوع من الطماطم رغم أنّ مردوديتها أقلّ من أنواع الطماطم الأخرى (45 طنا / هكتار) وذلك لتغطية الخسائر التي يمكن أن يتكبّدها في محصول الطماطم الموجهة إلى السوق التونسية والتي عادة ما تكون أسعارها زهيدة.

في إطار تعاقده مع مستثمر إيطالي قام رضوان بزراعة 1.5 هكتار من الطماطم الموجهة للتصدير، بعد قطفها يتم فرز الثمار عالية الجودة، التي تدخل فيما بعد مرحلة التجفيف عبر قطعها إلى نصفين وتمليحها ونشرها تحت أشعة الشمس حتى تجف تماما من الماء ومن ثمّ يقع تصديرها.
هذه العملية تؤثر بشكل كبير جدّا على نسبة الملوحة في الأراضي الفلاحية المخصصة لنشر الطماطم وتجفيفها.

يعلّق حمدي حشاد المهندس البيئي والناشط المهتم بقضايا المناخ حول هذه العملية بالقول: “بناء على دراسات علمية حول البصمة المائية للطماطم فإنّ 1 كيلوغرام منها يستهلك منذ زراعته إلى حدّ عرضه للبيع ما بين الـ 110 و 400 لتر من الماء حسب الشكل الذي سيتم عرضه فيه للبيع إن كان مجففا أو محوّلا.”

ويضيف حشّاد، أنّ سياسات الدولة تجاه الفلاحة تعتبر “متخلّفة” حيث لا تقوم على فلاحة مستدامة تحفظ حق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية إضافة إلى أنّ عائداتها المالية من خلال ما يتم تصديره لا يساوي شيئا بالنسبة الى دولة ترغب في تطوير اقتصادها وتنميته.

ويبرز المهندس البيئي أنّ عديد الدول الأوروبية أصبحت صارمة في خصوص الشروط الواجب اتباعها عند القيام ببعض الزراعات على غرار منتج الطماطم بما أثّر على تكلفة الإنتاج في تلك الدول، الشيء الذي حتّم على عديد المستثمرين منها التوجه نحو دول شمال أفريقيا وبالتحديد تونس والمغرب هربا من تلك الشروط.

وما يضع سياسات الدولة التونسية في موضع “سكيزوفرينيا” التشجيع الذي تحظى به الشركات الدولية التي اتّخذت من الجنوب التونسي مقرّا لها لإنتاج الطماطم الجيوحرارية.

يفاخر المجمع المهني المُشترك للخضر في كل مرّة بارتفاع صادرات تونس من الطماطم الجيوحرارية، التي بلغت بحلول عام 2021 أكثر من 12 ألف طن والرقم مرجح للارتفاع نحو الـ 40 ألف طن بحلول عام 2030.

ورغم أنّ باعثي هذه المشاريع في الجنوب التونسي، ينفون نفيا قطعيا وجود استغلال مفرط للمياه في زراعة باكورات الطماطم الجيوحرارية، قائلين إنهم يستعملون تقنيات عالية في معالجة المياه المستعملة وإعادة استعمالها، إلاّ أن المهندس البيئي حمدي حشاد يرى عكس ذلك تماما.

أوّلا المائدة الجوفية بالجنوب التونسي هي مائدة عميقة عمرها يقدّر بملايين السنين، لذلك تكون المياه ساخنة لأنها على عمق كبير من باطن الأرض، واستعمالها في إنتاج باكورات الطماطم، شكل من أشكال الاستنزاف لها، لأنّه على كل 1 لتر تقوم الشركات باستخراجه لا إمكانية له في التجدد.

حمدي حشاد مهندس بيئي

يرى عدد من الباحثين المتخصصين في التغيّرات المناخية، أنّ الدولة تفتقد إلى سياسات واضحة في خصوص تغيير خارطة فلاحتها، عبر تشجيع أنواع من الزراعات الأخرى القادرة على التأقلم مع حالة الجفاف والتغيّرات المناخية، والكف عن اعتماد السياسات المشجعة على الفلاحة التصديرية باعتبار أنّ المردودية الإقتصادية لهذه الصادرات ضعيفة، وتخلق حالة من الضغط على مستوى السوق المحلّية.

ومن بين الحلول التي يقترحها عدد من المختصين ومن بينهم المهندس البيئي حمدي حشاد، التعويل على الفلاحة المستدامة بما يلبي حاجيات السوق المحلّية والتخلي عن السياسات المتبعة منذ ما يزيد عن 5 عقود والقائمة على تصدير الصناعات التحويلية الفلاحية والتي لا تساهم في الاقتصاد الوطني سوى بالنزر القليل، وهو ما يدلّ عليه العجز في الميزان التجاري الغذائي لتونس، على حدّ تعبيرهم.

كلمة الكتيبة:

رفضت كل من وزارة التجارة وتنمية الصادرات ووزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري و المجمع المهني المشترك للخضروات، التفاعل معنا في الوقت الذي استحال فيه التواصل مع الجامعة العامة للصناعات الغذائية والغرفة النقابية المصبرات الغذائية رغم الاتصالات والمراسلات العديدة.

كلمة الكتيبة:
رفضت كل من وزارة التجارة وتنمية الصادرات ووزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري و المجمع المهني المشترك للخضروات، التفاعل معنا في الوقت الذي استحال فيه التواصل مع الجامعة العامة للصناعات الغذائية والغرفة النقابية المصبرات الغذائية رغم الاتصالات والمراسلات العديدة.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

اشراف: وليد الماجري
تدقيق: محمد اليوسفي
تصوير: بلال الشارني
مونتاج: رأفت عبدلي
غرافيك: منال بن رجب
مونتاج : رأفت عبدلي
تصوير: بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
تدقيق : وليد الماجري
غرافيك : منال بن رجب

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

wael213