الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

“تصل إلى صفحة جمعيّتنا بالفيسبوك تهديدات شبه يوميّة تطال المنتمين إليها سواء كانوا من العاملين.ـات فيها أو من المتطوّعين.ـات.. يتوعّدوننا بالقتل والضرب. وقد وصل الأمر إلى إرسال صور عائلاتنا وتهديدنا بالاعتداء عليها”.

بهذه العبارات، تحدّث سامي (اسم مستعار) وهو ناشط في المجتمع المدني مختصّ في قضايا الهجرة واللجوء، عن عيّنة من التهديدات وحملات الشيطنة التي تطاله وغيره من الناشطين.ـات في المجتمع المدني والمنظمات والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان عموما وحقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء بشكل خاصّ.

لم يشمل خطاب الكراهية والتّحريض، الذي ارتفع نسقه خلال الأسابيع الأخيرة، أفارقة جنوب الصحراء في تونس فحسب، بل طالت سهامه الجمعيات والمنظّمات الحقوقية والناشطين في المجتمع المدني الذين عبّروا عن دعمهم ومساندتهم للمهاجرين واللاجئين واستنكروا الخطابات التي تتّهمهم بالتخطيط إلى الاستيطان في تونس

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

“تصل إلى صفحة جمعيّتنا بالفيسبوك تهديدات شبه يوميّة تطال المنتمين إليها سواء كانوا من العاملين.ـات فيها أو من المتطوّعين.ـات.. يتوعّدوننا بالقتل والضرب. وقد وصل الأمر إلى إرسال صور عائلاتنا وتهديدنا بالاعتداء عليها”.

بهذه العبارات، تحدّث سامي (اسم مستعار) وهو ناشط في المجتمع المدني مختصّ في قضايا الهجرة واللجوء، عن عيّنة من التهديدات وحملات الشيطنة التي تطاله وغيره من الناشطين.ـات في المجتمع المدني والمنظمات والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان عموما وحقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء بشكل خاصّ.

لم يشمل خطاب الكراهية والتّحريض، الذي ارتفع نسقه خلال الأسابيع الأخيرة، أفارقة جنوب الصحراء في تونس فحسب، بل طالت سهامه الجمعيات والمنظّمات الحقوقية والناشطين في المجتمع المدني الذين عبّروا عن دعمهم ومساندتهم للمهاجرين واللاجئين واستنكروا الخطابات التي تتّهمهم بالتخطيط إلى الاستيطان في تونس

ولئن كان الحزب القومي التونسي أحد أبرز الأطراف التي شنّت حملات مسعورة ضدّ المدافعين.ـات عن حقوق الإنسان وقضايا الهجرة، واتهمها بتلقي تمويلات أجنبية فاسدة ونادى بحلّها، فإنّ صفحات كثيرة في مواقع التواصل الاجتماعي سرعان ما تبنّت الخطاب ذاته لتنخرط في التحريض ضدّ نشطاء المجتمع المدني.

هذا الخطاب الذي رحّب به جزء كبير من الرأي العامّ وحتى من قبل بعض المعلّقين الناشطين في وسائل الإعلام وما يُعرف بـ”الكورنيكور”، وجد أرضيّة خصبة للانتشار بصفة مهولة في ظلّ إفلات مرتكبيه من العقاب وتجاهل السلطة له بل وأحيانا تبنّيها له. الأمر الذي من شأنه أن يمثّل خطرا على حياة الفاعلين.ـات في المجتمع المدني.

معطيات مضلّلة، شيطنة وتحريض

خيّر سامي، الناشط في المجتمع المدني، عدم الإفصاح عن هويّته خلال الحوار مع موقع الكتيبة بسبب التضييقات الكبيرة التي يواجهها النشطاء المدافعون عن قضايا الهجرة واللجوء، والناجمة أساسا عن حملة كبيرة قادها الحزب القومي التونسي ثمّ تبنّاها جزء كبير من الشعب التونسي، الأمر الذي جعل الكثير من النشطاء يخشون على سلامة المنظمات التي ينتمون إليها وكذلك على أفراد عائلاتهم والأشخاص المقرّبين منهم.

يُتّهم الفاعلون.ـات في هذا المجال بـ”التشجيع على الاستيطان” و”تدنيس العرق التونسي” وتكريس نوع من الاستعمار للدولة التونسية.

تعمد بعض الصفحات الفايسبوكية كذلك إلى نشر معلومات مضلّلة وخاطئة ضدّ النشطاء الحقوقيين، علاوة على نعتهم بأوصاف مسيئة، وهو ما حصل على سبيل المثال لرئيسة جمعية “منامتي” سعدية مصباح التي وقع اتهامها بـ”الإيمان بالإيديولوجيا القومية السوداء اليمينية العنصرية”.

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (جائزة نوبل للسلام لسنة 2015) لم تكن هي الأخرى بمنأى عن حملات الشيطنة والتخوين. في هذا الإطار، تقول المحامية ونائب رئيس رابطة حقوق الإنسان حميدة الشايب لموقع الكتيبة، إنّ الرابطة تعرّضت إلى حملات شيطنة تمّ خلالها نشر صور بعض أعضائها في مواقع التواصل الاجتماعي مرفوقة بنعوت مشينة، واتهامها بالحصول على تمويلات فاسدة، فضلا عن التحريض على اقتحام مبنى كانت الرابطة قد عقدت ندوة فيه في صفاقس.

وقد وصل الأمر كذلك إلى تخوين الجمعيّات، ومن بينها جمعية “إفريقيّا”، التي تنوبها حميدة الشايب، والتي تقدّمت بشكاية بعد أن تمّ نشر صور أفراد عائلات عدد من أعضاء الجمعية والتهديد بالتعرّض إليهم.

كان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خلال الآونة الأخيرة، وبشكل خاصّ ناطقه الرسمي رمضان بن عمر، في مرمى حملات الشيطنة والتخوين. وقد تعرّض إلى تهديدات خطيرة جدّا وصلت إلى التوعّد بالتّصفية الجسدية، ما دفعه إلى رفع شكاية لدى القضاء.

ولم يسلم زميله في المنتدى الأستاذ الجامعي رياض بن خليفة من هذه الحملات، حتّى أنّه منع من المشاركة في ندوة دوليّة حول الهجرة من تنظيم منظمة “أطبّاء العالم”، بطلب من مستشار بوزارة الشؤون الاجتماعية وفق قوله. وقال بن خليفة لموقع الكتيبة إن منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية راسل وزير الشؤون الاجتماعية مطالبا بفتح تحقيق في هذا الشأن دون أن يتلقّى أيّ ردّ.

بعد حوار إعلامي جمع بينه وبين كاتب عام الحزب القومي التونسي في 22 فيفري/شباط 2023، دحض خلاله بن خليفة مزاعم الحزب القومي المتعلّقة بعدد مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء، تعرّض إلى عدّة هجومات واتهامات بالعمالة، وفق تأكيداته.

ووصل الأمر إلى أنّ امرأة تعمل مع مركز تطوير سياسة الهجرة الذي أحدثه الاتحاد الأوروبي توجّهت إلى مقرّ المرصد الوطني للهجرة، الذي يشغل فيه رياض بن خليفة خطّة عضو الهيئة العلمية، مطالبة بإبعاده من المرصد.

يوضّح بن خليفة أنّه إلى اليوم لم تقع إقالته من مرصد الهجرة إلّا أنّ هناك محاولات لإقصائه وأنّ هناك من فكّر في إخراجه من المرصد.

لا تمثّل هذه الشهادات إلا جزءا بسيطا من حملات الشيطنة والتحريض ضدّ المدافعين.ـات عن حقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.

ينبع هذا الخطاب، بحسب الناشط في المجتمع المدني سامي، من فلسفة التخوين المنتشرة ضدّ الحقوقيين.ـات خصوصا الناشطين.ـات في مجال الهجرة واللجوء. وقد بدأ في الرواج منذ أكثر من سنة على يد حزب سياسي لتستبطنه الدولة لاحقا.

“شعبوية يمينية متطرّفة”

دأب الحزب القومي التونسي، الذي حصل على رخصة نشاطه رسميّا في ديسمبر/ كانون الأوّل 2018، على بثّ معطيات مغلوطة وخاطئة حول تواجد أفارقة جنوب الصحراء في تونس، متّهما إياهم بالتخطيط للاستيطان في تونس وتغيير تركيبتها الديمغرافية.

ينادي الحزب، الذي يقول في بيانه التأسيسي إنّه “يؤمن أنّ تونس أمّة مستقلّة تماما وليست جزءا من أيّ أمّة أخرى سواء كانت عربيّة أو إسلاميّة أو أمازيغيّة”، بترحيل كافّة أفارقة جنوب الصحراء من تونس وفرض تأشيرة على دول جنوب الصحراء وإلغاء القانون المتعلّق بمناهضة الميز العنصري.

روّج الحزب القومي التونسي معلومات خاطئة تزعم أن عدد مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء في تونس تجاوز الـ700 ألف، وهو رقم سرعان ما فنّدته إحصائيات رسميّة. كما عمل الحزب على نشر مقاطع فيديو قديمة لأشخاص خارج تونس زاعما أنّ المهاجرين ينفّذون اعتداءات ضدّ التونسيين.ـات و ينخرطون في أعمال إجرامية مختلفة.

تلقّف رئيس الجمهورية قيس سعيّد هذا الخطاب وترأس يوم 21 فيفري/ شباط 2023 اجتماعا لمجلس الأمن القومي مؤكدا خلاله أنّ “هناك ترتيبا إجراميّا تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس وأنّ هناك جهات تلقّت أموالا طائلة بعد سنة 2011 من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس”.

رغم إصدار رئاسة الجمهورية لبيان في 5 مارس/آذار 2023 تراجعت فيه عن حدّة التصريحات المذكورة آنفا ورغم المساعي التي بذلتها السلطات التونسية لاحقا لتدارك العلاقة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك على خلفية الجدل الذي أحدثه خطاب 21 فيفري/ شباط على الصعيدين المحلّي والدولي، إلا أنّ عموم المواطنين أصبحوا مقتنعين بشكل شبه كلّي بأن هناك أكثر من 700 ألف مهاجر في تونس، وهو مثلما أسلفنا الذكر رقم خاطئ نشره الحزب القومي التونسي وفنّدته الإحصاءات الرسمية، وأنّ أفارقة جنوب الصحراء جاؤوا لاستعمار تونس.

بعد حوالي الشهر من زيارته عددا من المهاجرين في ولاية صفاقس والتي أكّد خلالها أنّ حلّ الوضعية المتعلّقة بالهجرة لا يمكن إلّا أن يكون إنسانيا وجماعيّا وبناء على مقاييس قانونية، عاد الرئيس قيس سعيّد خلال ترؤّسه لمجلس الأمن القومي المنعقد يوم 14 جويلية/ تموز 2023، بخطاب شبيه بما صرّح به في فيفري/ شباط الفارط.

تطرّق سعيّد إلى دور المنظمات الذي اعتبره سلبيّا مقابل “الدور الإيجابي للهلال الأحمر” مشيرا إلى الشبكات الإجرامية والاتجار بالأشخاص ومستعرضا أرقاما لتحويلات مالية عن طريق البريد التونسي والبنوك لفائدة مهاجري جنوب الصحراء.

يعتبر أستاذ القانون العامّ وعضو الجمعية التونسية للدفاع عن الحرّيات الفرديّة وحيد الفرشيشي أنّ:

“تونس دخلت منذ خطاب الكراهية والعنصرية في فيفري المنقضي من الباب الكبير في باب الشعبوية والنظريات اليمينية المتطرّفة كـ”الاستبدال العظيم” وغيرها.

انتقل هذا الخطاب الرسمي من الداخل التونسي إلى المستوى الدولي بعد أن نشر سفير تونس بفرنسا محمد كريم الجموسي مقالا موقّعا في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية تحت عنوان “ملف الهجرة: تونس لا يمكن أن تعمل كحارس حدود لأوروبا”، دافع فيه عن خيارات الحكومة التونسية، وتحدّث عن مواجهة تونس لتدفق أعداد كبيرة من المهاجرين، الأمر الذي خلق توترات أمنية وهدّد السلم الاجتماعية في البلاد التونسية وفق قوله.

من جانبه، يقول الباحث الأكاديمي وأستاذ الإعلام والاتصال بجامعة منوبة الصادق الحمامي إنّ هناك بيئة عامّة سمحت بتطوير مثل هذا الخطاب وتتمثّل في اعتماد كافة الأحزاب بعد 2011 على “الخطاب الحربي القائم على تحويل المنافس إلى عدوّ”.

يشير الحمامي إلى الأحزاب وحتّى بعض الناشطين في المجتمع المدني الذين تحوّلوا إلى مروّجين إلى هذا الخطاب، ومن بيهم الحزب الدستوري الحرّ والحزب القومي التونسي.

هذا الأخير بالنسبة إلى محدّثنا تشكّل في بيئة رقميّة ووجد أنّ تحويل المهاجرين إلى أعداء ومصدر خطر داهم على البلاد هو تموقع من بين التموقعات السياسية الممكنة، مضيفا أنّ:

“الرأي العام الشعبوي لم يأت من عدم، هناك بيئة كاملة ساهمت في صناعته عديد المكوّنات بما في ذلك وسائل الإعلام، بشكل جعل من الفاعل الشعبوي يستعمل تلك البيئة لتغذية خطابه وتخوين خصومه والبحث عن تأييد شعبي.
بل إن الفاعل الشعبوي ليس له القدرة على خلق ذهنية وبيئة من الفراغ إذ يستعمل مسائل كانت موجودة”.

ويضيف الأستاذ الجامعي انّ من سمات الرأي العام الشعبوي أنّه “يؤمن بالمؤامرات التي تتغيّر في كلّ مرّة ويقع اختيار كبش فداء مختلف”، فتارة يكون السياسيون وتارة أخرى المثقفون وحاليّا هم المهاجرون، وفق قوله.

في ما يتعلّق بالخطاب الرئاسي، يبدي الصادق الحمامي اعتقاده أنّ “الرئيس قد يكون مؤمنا بوجود مؤامرة خاصّة مع تداول معلومات تزعم أنّ أحزابا سياسية تموّل المهاجرين. والفاعل السياسي هو دائما يعمل على تعبئة الرأي العام للحصول على التأييد الشعبي ومضاعفة المساندين له”.

هذا الخطاب وجد كذلك صدى واسعا في صفحات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تنشر محتوى خطيرا يحرّض ضدّ المهاجرين وكذلك منظمات المجتمع المدني، من بينها صفحة على موقع فيسبوك أطلقت على نفسها اسم “مواجهة الاستيطان الإجصي في صفاقس” وكذلك الحال بالنسبة إلى صفحة أخرى تحمل اسم “سيّب التروتوار” التي يعتبر الصادق الحمامي أنّها تحوّلت من حملة مواطنيّة تُكافح احتلال الأرصفة من طرف السيارات وأصحاب المحلات التجارية إلى مجموعة تروّج لخطاب عنصريّ ضدّ المهاجرين غير النظاميين وسود البشرة.

لدى سؤاله عن التوجّه العنصري للمجموعة في حسابها على موقع فايسبوك، تملّص زياد الملّولي، صاحب صفحة “سيّب التروتوار”، من الخطاب الذي يتم ترويجه عبر الصفحة، مشيرا إلى أنه وقعت محاولات لاختراق الصفحة وإنّه في مرحلة ما فقد السيطرة علىها، مضيفا أنّ آلاف المنخرطين “تحايلوا” نوعا ما لنشر تدوينات فيها خطاب عنصري وتحريضي هو غير مسؤول عنها، وفق تعبيره.

وتابع قائلا إنّ حملة “سيّب التروتوار” لديها مطالب واضحة في علاقة بالهجرة، وهي مراقبة الحدود وإجراء فحوص طبية على أفارقة جنوب الصحراء والحفاظ على السلم الأهلية، مبرزا أنّ هذه المطالب بعيدة عن العنصرية والتحريض وأنّه لا مشكلة له مع أفارقة جنوب الصحراء، على حدّ وصفه.

وعبّر عن استنكاره للمطالب “المتطرّفة” التي يبتنّاها الحزب القومي التونسي الذي يدعو إلى ترحيل كافّة المهاجرين، مشيرا إلى أنّه لا يقبل بحملات التحريض الموجّهة ضدّ المنظمات الحقوقية التي قال إنّه عمل ومازال ينشط معها.

لم يأت الرأي العام الحاقد على الحقوقيين.ـات من عدم، فهو نتج عن تضافر عوامل متعدّدة ومتنوّعة لا ترتبط بصعود موجة الخطاب الشعبوي وفوضى مواقع التواصل الاجتماعي فحسب.

يرى عضو منتدى الحقوق الاقتصادية رياض بن خليفة أنّ أسباب بروز خطاب الكراهية يعود إلى كيفية طرح الحقوقيين لمسألة الهجرة التي تتّسم وفق تعبيره بنوع من “المزايدة” و”الاكتفاء بمساندة أفارقة جنوب الصحراء دون الأخذ في عين الاعتبار الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم متضرّرين من التواجد الكثيف للمهاجرين”.

ويوحي تركّز المهاجرين في بعض المناطق مثل صفاقس ورواد (ولاية أريانة) وضواحي بوسلسلة والكرم الغربي (ولاية تونس) أنّ هناك غزوا نتجت عنه بعض ردود الأفعال، وفق ذات المتحدث الذي أكّد أنّ غياب سياسة للهجرة جعل الدولة لا تتعامل بحكمة مع الوضعية الجيوسياسية، وتكتفي بالتعامل مع الهجرة حسب السياقات الأمنية والإدارية.

يعتبر الناشط في المجتمع المدني المهتمّ بقضايا الهجرة واللجوء سامي -الذي طلب عدم الكشف عن هويّته- أنّ الدولة لم تحاول تأطير الظاهرة وتخلّت عن مسؤوليتها منذ 2011 لفائدة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مؤكدا ضرورة وضع استراتيجية وطنيّة للهجرة وقانون للهجرة واللجوء.

ويحمّل كذلك مسؤولية هذا الخطاب إلى السلطة التي “تضع النشطاء في خانة أعداء الشعب وتخوّنهم” وهو اتهام خطير جدّا، الأمر الذي يجعل عموم الشعب يتبنّى هذه الفكرة ويرى أنّ هؤلاء الأشخاص مصدر خطر ولا بدّ من القضاء عليهم وفق قول محدّثنا.

لم يغفل سامي عن تحميل مسؤولية ازدياد وتيرة حملات الشيطنة التي تطال ناشطين.ـات بالمجتمع المدني إلى القضاء التونسي الذي لا ينظر في القضايا المنشورة أمامه، والمتعلّقة بهذا النوع من الجرائم، بالجدية الكافية رغم ما تمثّله من خطورة وتهديد حقيقين لسلامة هؤلاء الناشطين.ـات.

ولعلّ أحد أبرز العوامل التي دفعت إلى خلق حالة من الحقد لدى الرأي العام تجاه الحقوقيين.ـات، هي وسائل الإعلام، وخاصّة التقليدية منها، التي لم تقم بدورها كما يجب، بحسب كلّ من سامي ونائب رئيس رابطة حقوق الإنسان حميدة الشايب.

لم تقم معظم وسائل الإعلام الجماهيرية بالتحقق من المعلومات المضلّلة التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي في علاقة بتشويه صورة أفارقة جنوب الصحراء أو التثبّت من صحّة ما يروّج حول تلقي منظمات تمويلات أجنبية لتنفيذ مخططات غربية وتحقيق “استيطان إفريقي” في تونس.

ساهم ذلك في جعل عامة المواطنين يصدّقون ما يعترضهم من أكاذيب تروّجها صفحات فايسبوكية سواء كانت تابعة للحزب القومي التونسي أو نابعة من ادعاءات الحزب الدستوري الحرّ وغيرها من المجموعات المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي.

علاوة على ذلك، تبنّى عدد من المعلّقين في وسائل الاعلام خطاب الكراهية ضدّ المهاجرين، من بينهم مهدي المناعي الذي صرّح في إذاعة شمس اف ام، في فيفري/ شباط الفارط بأنّ:”تواجد أفارقة جنوب الصحراء في تونس يمثّل خطرا على الأمن القومي”.

مؤخّرا، قال المعلّق بإذاعة ديوان اف ام خليفة الشيباني إنّ ما يحصل في صفاقس هو “استيطان فعلي” مبديا استهزاءه من منظومة حقوق الإنسان.

يأتي ذلك رغم أنّ الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) كانت قد أصدرت “وثيقة مرجعيّة حول التعاطي الإعلامي مع قضايا الهجرة والمهاجرين” أشارت فيها إلى خضوع التعاطي الإعلامي للتأثيرات السياسية وهيمنة أجندة خطاب الكراهية.

وكانت الهيئة قد دعت في تقريرها إلى اعتماد المقاربة الحقوقية في التغطية الإخبارية لقضايا اللجوء والهجرة وتحسين الصورة المتواترة عن المهاجرين واللاجئين، وعدم الاكتفاء بنقل الخطابات الرسمية لممثّلي الحكومة

تشريعات غائبة

يعتبر أستاذ القانون العام وحيد الفرشيشي أنّ خطاب شيطنة كلّ الأجسام الوسيطة على غرار وسائل الإعلام والنقابات والمنظمات يندرج في إطار “مناهضة كلّ ما يمكن أن يتوسّط بين الحكام والمواطنين حيث يريد الحاكم أن تكون له علاقة مباشرة مع شعبه كما يتخيّل هو ذلك”.

للحدّ من تداعيات حملات الشيطنة والتحريض ضدّ نشطاء المجتمع المدني، يرى سامي أنّه يتعيّن على الدولة مراجعة خطابها الذي يكون تحريضيا في بعض الأحيان حتّى تتمكّن من تحمّل مسؤولياتها وتحديد كيفية تداركها.

يتعيّن أيضا على القضاء أن يقوم بدوره كما يجب ويسرّع في إجراءات الشكايات المقدّمة من قبل ناشطين.ـات ضدّ من يقومون بتهديدهم أو هرسلتهم في الفضاء الإلكتروني وفق قول محدّثنا.

في المقابل، تغيب النصوص الواضحة المتعلّقة بالمدافعين.ـات عن حقوق الإنسان. ويبيّن وحيد الفرشيشي أنّ هناك نصوصا في دول أخرى متعلّقة بالمجتمع المدني تنصّ صراحة على حماية المدافعين عن حقوق الإنسان.

ويشير الفرشيشي إلى الإعلان العالمي لحماية المدافعين.ـات عن حقوق الإنسان الذي لم تصادق عليه تونس ولم تدرجه إلّا أنّها ملزمة به باعتبار أنّها لم ترفضه صراحة.

يفضّل الفرشيشي عدم الاعتماد على المرسوم 54 لسنة 2022 في مثل هذه القضايا نظرا إلى أنه يضع الحقوقيين.ـات في وضع حرج جدّا لأنهم يحاربونه ويعارضونه وبالتالي “لا يمكن استغلاله عندما يكون في مصلحتهم ومحاربته عندما لا يكون كذلك”.

ويمكن اللجوء، في اطار التصدّي لحملات الشيطنة والتحريض، إلى المجلّة الجزائية التي قال وحيد الفرشيشي إنّها تمنع كلّ مظاهر التحريض على العنف واستعمال العنف رغم كل الثغرات التي تحتوي عليها. ويمكن كذلك استعمال القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بمناهضة العنف ضدّ المرأة.

بالنسبة الى الأحزاب التي تبثّ خطابات الكراهية، وعلى رأسها الحزب القومي التونسي، فإنّ مرسوم الأحزاب الصادر سنة 2011 ينصّ صراحة على أنّه لا يمكن للأحزاب لا في أنظمتها الأساسية ولا في أعمالها أو تصريحاتها أن تدعو إلى العنف أو إلى الكراهية. وإذا ما تمّ الاعتماد على هذا المرسوم يمكن مؤاخذة هذه الأحزاب جزائيا بحسب المتحدّث ذاته.

رغم هذا المرسوم والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس والتي تعنى بحماية حقوق الأشخاص غير التونسيين بغض النظر عن وضعيتهم القانونية في تونس، لم تتّخد أي جهة رسمية إجراءات ضدّ الحزب القومي التونسي رغم كلّ ما بثّه من إشاعات وما يقوم به من تحريض ضدّ الجمعيات والمنظمات.

في ظلّ تواصل أزمة الهجرة وتصاعد خطاب الكراهية، لا بدّ من تطبيق النصوص القانونية الموجودة والتزام السلطة القضائية بتناول الملف بصفة جدّية والتعاطي الجدي مع الشكايات الواردة ضدّ المحرّضين والداعين إلى العنف مهما كانت انتماءاتهم.

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

اشراف: وليد الماجري
تدقيق: محمد اليوسفي
فيديو: حمزة فزاني
بودكاست: رأفت عبدلي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني : بلال الشارني
فيديو : رأفت عبدلي
بودكاست : حمزة فزاني
تطوير تقني: بلال الشارني
تدقيق : وليد الماجري
غرافيك: منال بن رجب

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

rahma