الكاتب : يسرى بلالي

صحفية، صانعة محتوى، باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية.

وُلدت الفيلسوفة الأمريكية المعاصرة نانسي فريزر سنة 1947، وهي من الجيل الثالث لمدرسة فرانكفورت النقدية، تدرِّسُ الفلسفة والعلوم السياسية في الكلية الجديدة للأبحاث الاجتماعية، اهتمّت فريزر بالفلسفة السياسية والاجتماعية، وتأثّرت بمفكّرين.ـات جيلها من أمثال أكسيل هونيث مدير مدرسة فرانكفورت، وجوديث بتلر وسيلا بن حبيب، وهابرماس.

شكلت مواضيع العدالة الاجتماعية والنظرية النسوية والفضاء العمومي، محور اهتمامها وكتاباتها وصدرت في مؤلّفات عديدة على غرار انقطاعات العدالة: تأمّلات نقديّة حول الوضع ما بعد-الاشتراكي، والتصوّر الراديكالي: بين إعادة التوزيع والاعتراف، و ديناميّة النساء. كما أنّها شاركت كلّا من أكسيل هونيت وسيلا بن حبيب وجوديث بتلر في أطروحات فلسفية مختلفة حول النسوية.

يستند التفكير الفلسفي لنانسي فريزر على ثلاث مجالات تتمحور حول مفهوم الفضاء العمومي، والفضاء السياسي بوصفه محدّدا لمفهوم العدالة الاجتماعية والاعتراف وإعادة التوزيع داخل فضاء عمومي كوني. والمجال الثقافي بما هو مجال خصب للتعدّد الثقافي، ثمّ المجال الاقتصادي والذي من خلاله تطرح فريزر مفهوم العدالة بداية من التصوّر الكلاسيكي وصولا إلى الليبرالية السياسية.

في هذا الحوار الخاصّ مع موقع الكتيبة، تحدّثت الفيلسوفة نانسي فريزر عن مسألة العدالة الاجتماعية بين مفهومي الإعتراف وإعادة التوزيع، كما تطرّقت إلى الحديث حول حدود الفضاء العمومي، وإلى قراءة للحركات النسوية الراهنة.

الكاتب : يسرى بلالي

صحفية، صانعة محتوى، باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية.

وُلدت الفيلسوفة الأمريكية المعاصرة نانسي فريزر سنة 1947، وهي من الجيل الثالث لمدرسة فرانكفورت النقدية، تدرِّسُ الفلسفة والعلوم السياسية في الكلية الجديدة للأبحاث الاجتماعية، اهتمّت فريزر بالفلسفة السياسية والاجتماعية، وتأثّرت بمفكّرين.ـات جيلها من أمثال أكسيل هونيث مدير مدرسة فرانكفورت، وجوديث بتلر وسيلا بن حبيب، وهابرماس.

شكلت مواضيع العدالة الاجتماعية والنظرية النسوية والفضاء العمومي، محور اهتمامها وكتاباتها وصدرت في مؤلّفات عديدة على غرار انقطاعات العدالة: تأمّلات نقديّة حول الوضع ما بعد-الاشتراكي، والتصوّر الراديكالي: بين إعادة التوزيع والاعتراف، و ديناميّة النساء. كما أنّها شاركت كلّا من أكسيل هونيت وسيلا بن حبيب وجوديث بتلر في أطروحات فلسفية مختلفة حول النسوية.

يستند التفكير الفلسفي لنانسي فريزر على ثلاث مجالات تتمحور حول مفهوم الفضاء العمومي، والفضاء السياسي بوصفه محدّدا لمفهوم العدالة الاجتماعية والاعتراف وإعادة التوزيع داخل فضاء عمومي كوني. والمجال الثقافي بما هو مجال خصب للتعدّد الثقافي، ثمّ المجال الاقتصادي والذي من خلاله تطرح فريزر مفهوم العدالة بداية من التصوّر الكلاسيكي وصولا إلى الليبرالية السياسية.

في هذا الحوار الخاصّ مع موقع الكتيبة، تحدّثت الفيلسوفة نانسي فريزر عن مسألة العدالة الاجتماعية بين مفهومي الإعتراف وإعادة التوزيع، كما تطرّقت إلى الحديث حول حدود الفضاء العمومي، وإلى قراءة للحركات النسوية الراهنة.

ماذا تعني نانسي فريزر بمفهوم “العدالة الاجتماعية”؟

أعني بذلك أنّ الأشخاص يمكن أن تتمّ معاملتهم بطريقة غير عادلة داخل مجتمعاتهم حيث يقعون ضحية عدم الاعتراف بهم مما ينجرّ عنه إحساسهم بأنّهم أفراد غير محترمين داخل المجتمع. وبذلك سيكون هؤلاء الأفراد غير متمتعين بحقهم في أن يكونوا عناصر فاعلة في مجتمعهم وهذه هي طريقه فهمي لنظرية الاعتراف أو غياب الاعتراف ولا أظن أيضا بأنّ هذا الأمر يتعلّق فقط باحتمالية أنّ هؤلاء الأشخاص قد يتبادر الى أذهانهم أنّهم منبوذون من المجتمع ولو أنه من الممكن حدوث مثل هذا الأمر ولكن ليس الاحتمال الوحيد.

عندما يختار المجتمع أن يصنع من النظرة الدونية تجاه طبقة معينة من المجتمع خلفية قانونية وشرعية، فيمكننا القول حينها بأننا أمام مجتمع غير عادل ولا يقدّس مبدأ أحقيّة المساواة في المشاركة داخل المجتمع وهو مصطلح استعمله أنا شخصيا في وصف مثل هذه الحالة.

هذه المنظومة المجتمعية غير العادلة ساهمت في خلق عدة عراقيل وعثرات أمام العديد من الناس الذين أصبحوا عاجزين على ممارسة أنشطتهم الاجتماعية بصفة متساوية في الحقوق والواجبات.

لا أعتقد شخصيا بأنّ مبدأ الاعتراف أو عدم الاعتراف هو المحدد الوحيد في مسألة العدالة، إذ كيف يمكن للمجتمع أن يكون غير عادل إذا كان يعيش داخل نظام توزيع للثروات غير عادل بين الأشخاص؟

لا أعتقد شخصيا بأنّ مبدأ الاعتراف أو عدم الاعتراف هو المحدد الوحيد في مسألة العدالة، إذ كيف يمكن للمجتمع أن يكون عادلا إذا كان يعيش داخل نظام توزيع للثروات غير عادل بين الأشخاص؟ مثل توزيع فرص العمل أو المداخيل المالية او امكانية الحصول على مياه صالحة للشرب وهواء صالح للتنفس وكل هذه الحقوق تتعلق بأمور مالية وحياتيه و بيئية. فمبدأ عدم توزيع الثروات بطريقة عادلة و مبدأ عدم الاعتراف هما أمران متداخلان، ولكن في الحالتين نستطيع أن نقرّ بأنّ المشكل الحقيقي هنا هو أنّ المجتمع مسؤول عن وضع قوانين تحول دون توفير فرص متساوية أمام الجميع من أجل المشاركة في تقرير مصير مجتمعهم.

إنّ الأشخاص الذين لا يملكون الموارد المالية او المادية اللازمة أو حتى الاحترام من قبل نظرائهم لا يمكنهم المشاركة كعناصر فاعلة في المجتمع لأن القوانين المجتمعية تمنعهم من ذلك بصفة آلية.

إنّ الأشخاص الذين لا يملكون الموارد المالية او المادية اللازمة أو حتى الاحترام من قبل نظرائهم لا يمكنهم المشاركة كعناصر فاعلة في المجتمع لأن القوانين المجتمعية تمنعهم من ذلك بصفة آلية. ما قلته الآن هو فقط تلخيص مقتضب حول نظرتي الشخصية حول العدالة وانعدام العدالة في المجتمع، و بالنسبة اليّ شخصيا فإنني أؤمن بأنّ العدالة الاجتماعية تقتضي وجود نظام يحترم أحقية المساواة في المشاركة داخل المجتمع ويجب وضع التشريعات وقوانين تحترم هذا المبدأ، وفي ما يخصّ قضية الاعتراف وعدم الاعتراف أنا أؤمن بأنها تشكّل فقط حلقة من حلقات عدة تؤثر بشكل مباشر في مسألة العدالة داخل المجتمع.

كيف تعرّفين الفضاء العمومي وما هي أوجه الاختلاف بين تعريفك وتعريف هابرماس له؟

أنا شخصيا ممتنة جدا للباحث هابرماس الذي نجح في بلورة نظريات عدة حول الفضاء العمومي إلى جانب حنة آرندت. فقد نجح هابرماس في وضع أسس تاريخية فيما يتعلق بعصر ما بعد الحداثة والمجتمع الرأسمالي أين نجد أنّ الفضاء العام مسؤول عن تقديم وعود للحصول على الديمقراطية والتغلب على الهيمنة ولكنّه أيضا يواجه تحديات بسبب الطبيعة الرأسمالية للمجتمعات الكبرى ويتجلّى ذلك من خلال الانقسام بين الحياة السياسية العامة والحياة الاقتصادية الخاصة.

أعتقد أنّ هابرماس لم يركّز كثيرا على مسائل مهمة مثل الطبقات الاجتماعية والجنس والعرق الإنساني داخل الفضاء العام من خلال المجتمعات الحديثة الرأسمالية. وهنا نعود مرة أخرى إلى مبدأ انعدام العدالة لأنّ هذه المجتمعات لا تعطي نفس الفرص للجميع بطريقة متساوية من أجل المشاركة في الحياة العامة، ولا تمكّنهم من التعبير عن آرائهم بكل حريّة، ومن احترام ما يبوحون به، والأخذ بعين الاعتبار ما يعبرون عنه.

لا يمكن لكل شخص أن يكون عنصرا فاعلا في الفضاء العمومي، وهنا نعود إلى الحديث عن مشكلة التوزيع غير العادل للموارد.

لذلك فقد قمت باستعارة فكرة هابرماس حول الفضاء العمومي وحاولت أن أدمجها مع مفهوم الأحقية في المساواة داخل المجتمع والعدالة من أجل دراسة العراقيل التي قد توضع أمام الأفراد داخل مجتمعهم والتي قد تمنعهم من ممارسة حقوقهم وحرياتهم.

كما توجد الآن وسائل إعلام خاصة همّها الوحيد هو تحصيل أكبر نسبة ممكنة من الأرباح المالية ولا تهتم أبدا الى أن تكون قناة مفتوحة لجميع الطبقات داخل المجتمع من أجل إيصال أصواتهم والتعبير عن آرائهم.
نرى بأنّ هذه المشاكل نفسها تتكرر إذ لا يمكن لكل شخص أن يكون عنصرا فاعلا في الفضاء العمومي، وهنا نعود إلى الحديث عن مشكلة التوزيع غير العادل للموارد ونجد أنّ هنالك أشخاصا لا يملكون النسبة الكافية من الاحترام من قبل مجتمعهم من أجل أن تكون آرائهم ذات قيمة.

نجد أيضا داخل المجتمعات الغربية المتحضّرة نظرة تحتقر النساء و وتختزلهنّ في دور العناية بالعائلة والمكوث في المنزل وعدم المشاركة في أي أنشطة اجتماعية.

نلاحظ أنه عندما يتعلّق الأمر بالنوع الاجتماعي داخل المجتمع نستطيع استخلاص عدة مشاكل، فبالنسبة إلى النساء داخل المجتمع نلاحظ أنهنّ كنّ مجبورات على خوض معارك قاسية من أجل اقتلاع حقوقهنّ في التعبير عن آرائهنّ داخل المجتمع وفرض الاحترام تجاههنّ. وهذا لا يتعلّق فقط بالمجتمعات الدينية المتعصبة، أو التي تظن بأنّ مكان النساء هو المنزل، بل نجد أيضا داخل المجتمعات الغربية المتحضّرة نظرة تحتقر النساء و وتختزلهنّ في دور العناية بالعائلة والمكوث في المنزل وعدم المشاركة في أي أنشطة اجتماعية، ونذكر على سبيل المثال أنّه وإلى حدود القرن 19 لم تكن النساء في الولايات المتّحدة الأمريكية تتمتع بأي حقوق إلى أن بدأت حركات التنديد بالعبودية والغائها وانطلقت في الدفاع عن حقوقها لتصبح آرائها مسموعة.

لقد كانت الحركة النسوية تمثل معركة حقيقية من أجل الحرية والمساواة ولكنّها لم تكن معركة رابحة في عدة مناطق من العالم إلى الآن، ولا تزال النساء في هذه المناطق محرومة من الفضاء المجتمعي العام وإذا قررت التعبير عن آرائها بصوت عال فقد تكون ضحية لانتقاد مجتمعي عنيف والذي قد يصل الى حد الاعتداء الجسدي عليها.

وإذا أردنا الغوص أكثر في هذا المشكل فعلينا العودة إلى نظرية انعدام العدالة داخل المجتمع وعلينا جميعا أن نحترم كل شخص داخل المجتمع ونحترم آراءه التي من الممكن أن تكون ذات أهمية كبيرة.

ماهي علاقة نظرية الاعتراف بالعدالة الاجتماعية عند نانسي فريزر؟

نظرية الاعتراف للمفكر اكسال هونيت لا تمثل امتدادا لنظرية العدالة وليست في تداخل معها، لأنّه حسب هونيت فإنّ العدالة ليست الفكرة الأساسية لنظرية الاعتراف، وإنّما ينطلق مبدأ تحقيق الذات والتمكن من عيش حياة جيدة على الصعيد الشخصي ويعتبر هذا النموذج نموذجا مختلفا عن الذي أدافع عنه لأنّني أؤمن بأنّ العدالة هي أهمّ عنصر داخل المجتمع، ولكن بالنسبة الى هونيت فإنّ أهمّ شيء داخل المجتمع هو الوسائل والظروف التي تجعل من الأشخاص قادرين على تحقيق أنفسهم و عيش حياة ذات معنى.

كما أنّ هؤلاء الأشخاص بالنسبة اليه يحتاجون إلى ثلاثة نماذج من الاعتراف: القانون، الحبّ والتضامن، ورغم قيمة هذه القيم في المجتمع إلاّ أنّه يجب أن تكون مبنية حول نظرية في علم النفس حتى تجعل منها امورا قابلة للتفسير علميا.

ولكن هل يمكن القول انّ المواطنين الأمريكيين الأصليين الذين لم يحصلوا على حقوقهم الكاملة والذين منذ سنوات تمارس عليهم عدة ضغوطات وكلّ أشكال الميز العنصري، ولم يتمكنوا من تحصيل نفس الفرص داخل المجتمع الأمريكي بأنّهم يمكن أن يكونوا قد يعانون من مشاكل نفسية أو اخلالات في صحتهم النفسية لأنهم لم يحصلوا على الاحترام اللازم داخل مجتمعهم؟

في رأيي الشخصي هذا التصرف هو كمن يضع الملح على الجرح لأنّنا حرمنا هؤلاء الأشخاص من حقّهم في الحصول على الاحترام وأيضا نتّهمهم بأنّهم يعانون من مشاكل نفسية جرّاء ذلك وأنا أظنّ أنّه من الصعب جدا محاولة إثبات مثل هذه الأمور، بالنسبة اليّ ليس من المهم أن نركّز كثيرا على ما هي التداعيات النفسية لما تمارسه هذه المجتمعات على الفئات الضعيفة وانّما يجب أن نركّز على مسببات هذا الانعدام في العدالة داخل المجتمع ومحاولة إصلاح ما يمكن اصلاحه.

لا اتّفق تماما مع ما يقوله اكسال هونيت حول نظرية الاعتراف، فبالنسبة اليّ أنا أركّز على مبدأ العدالة، وبالنسبة إليه فهو يركّز على كيفية تحقيق الذات البشرية وممارسة الخير، كما يسمّيه، وهنا نجد تعارضا بين فكرتين أساسيتين وهما العدالة والخير.

لكنّني لا أنكر أنّه ما جعل النقاش بيني وبين اكسال هونيت مهمّا وغنيّا هو هذا الاختلاف في الآراء لأنّنا نعتبر أنّ مسألة الاعتراف مهمّة جدا ولكننا نختلف في كيفية تفسيرها وتوظيفها من الناحية النظرية والفلسفية.

لذلك يمكنكم ملاحظة أنّني لا اتّفق تماما مع ما يقوله اكسال هونيت حول نظرية الاعتراف، فبالنسبة اليّ أنا أركّز على مبدأ العدالة، وبالنسبة إليه فهو يركّز على كيفية تحقيق الذات البشرية وممارسة الخير، كما يسمّيه، وهنا نجد تعارضا بين فكرتين أساسيتين وهما العدالة والخير، أي فعل الصحيح من خلال فعل الخير أو الاعتماد على الاخلاق والانسانية.

كيف تعرّف نانسي فريزر التضامن النسوي اليوم، خاصّة مع توافق الحركات النسوية العالمية؟

مفهوم النظرية النسوية بالنسبة اليّ يعتمد على تعريف واسع -عن قصد- من أجل ضم أكبر عدد ممكن من الفئات المجتمعية والنسوية بالخصوص، لذلك يُعتبر أي شخص مناصر للحقوق النسوية يؤمن بأنّ المجتمع الذي يعيش فيه هو مجتمع يضطهد الحقوق الأساسية للنساء، وبأنّ هذا الاضطهاد هو أمر خاطئ من الناحية الايتيقية والانسانية، وانّه وجب تغييره، فهو ينطوي تحت غطاء الفئات المذكورة.

لذلك، فبالنسبة اليّ ليس هناك فرق بين النساء والرجال، فحتى الرجل يمكن أن يكون مناصرا للقضايا النسوية.
إنّ الأسئلة الهامّة التي تتمحور حول مسألة عدم المساواة بين الجنسين تأتي بعد الاعتراف بهذا المفهوم الشامل، ذلك أنّ الأسئلة تكمن مثلا في ما الذي يُمكن اعتباره عدم مساواة بين الجنسين؟ أو كيف يمكننا أن نجد حلولا لإنهاء انعدام المساواة؟ فنجد أنّ المدافعات والمدافعين عن الحقوق النسوية يختلفون في هذه الأسئلة بالتحديد، ولكنّهم يجتمعون في التعريف الشامل الذي قدمته منذ قليل.

ونأخذ على سبيل المثال النسوية الليبرالية التي تؤمن بأنّ المشكل الحقيقي يكمن في التمييز، وأنّه يجب استئصال كل العراقيل التي تمنع النساء صاحبات الكفاءة من الوصول إلى المناصب العليا في شتى المجالات،
ولكنّني شخصيا لا أؤمن بهذه الفكرة لأنني أعتقد بأنّها لا تحمي سوى النساء اللواتي هنّ بالفعل يعتبرن الفئة المحظوظة داخل المجتمع والتي تتمتع بموارد مالية أعلى من فئات اجتماعية أخرى، وأعتقد أنّ هذه الفكرة لا تتعلق بالمساواة وإنّما تتعلق بمبدأ الكفاءة وكأنّهم يقولون بأنّ النساء والرجال من نفس الفئات الاجتماعية يجب أن يكونوا متساويين وهذا ليس بالأمر الكافي بالنسبة اليّ.

لذلك فإنني أعتبر نفسي نسوية اجتماعية لأنّ المشكل الحقيقي داخل المجتمع الراهن هو كيفية التفريق بين العمل وإعادة التوزيع، وبما أننا نعيش في مجتمع رأسمالي فإنّه من الصعب التفريق بين مهمة العمل وبين إعادة التوزيع على الأشخاص ولا يمكننا أن نجد حلا لمسألة انعدام العدالة بين الجنسين إلا إذا وجدنا حلا لمعادلة العمل وإعادة التوزيع.

أؤمن بأنّه تاريخيا كان هناك انقسام مبنيّ على الطبقات الاجتماعية بين النساء التي (اي الطبقات) انتشرت خلال القرن التاسع عشر ولكنّها بدأت في الاضمحلال في ما بعد، ثمّ بدأت في الانتشار مجددا مع ظهور الحركات الليبرالية الجديدة.

أمّا بالنسبة الى وضعية الحركات النسوية في تونس فإنّني لم أزر البلد لذلك لا أستطيع أن أقدّم تحليلا دقيقا لوضعية النساء في تونس، ولكن ما يمكنني قوله هو أنّ الحركات النسوية في بعض المجتمعات كانت فقط في صالح الطبقة النسوية التي كانت محظوظة لتلقّي نسبة معيّنة من التعليم وجعلها قادرة على الدفاع عن حقوقها، ولكنّني شخصيا لا اتمنّى هذا النوع من الحركات النسوية لأنّني أؤمن أنّها في صالح طبقة اجتماعية واحدة غنية من النساء، كما أؤمن بأنّه تاريخيا كان هناك انقسام مبنيّ على الطبقات الاجتماعية بين النساء التي (اي الطبقات) انتشرت خلال القرن التاسع عشر ولكنّها بدأت في الاضمحلال في ما بعد، ثمّ بدأت في الانتشار مجددا مع ظهور الحركات الليبرالية الجديدة وتفسيري لهذا الأمر هو انّ الليبرالية الجديدة كانت تبحث عن اليد العاملة والتي تتمثّل أساسا في النساء من أجل العمل بمرتبات ضعيفة في المكاتب والمصانع وبذلك أصبحت الحركات النسوية و منظومة الليبرالية الجديدة أمران متداخلان ومرتبطان ببعضهما البعض.

وفي الختام، أقول انّه من أجل تحقيق المساواة يجب أن نفكّر كيف أنّ الجنس (النّوع الاجتماعي) هو أمر متداخل في الطبقات الاجتماعية وكيفية تكوينها وعلاقتها والتمييز وانعدام العدالة والمساواة بين مختلف الاعراق والاجناس.

كيف تقرأ نانسي فريزر حركة Me too (أنا أيضا)؟

اعتبر أنّ مفهوم النسوية والحركات النسوية قد تغلغل داخل الفضاء العام وقد وقع اعتماده من قبل حركة ثقافية عالمية (Me too) في كل دول العالم، ونجد مثلا ذلك في الافلام الهوليودية والأغاني الشبابية، وثقافة البوب، كما توجد تغطية اعلامية كبيرة لهذا الحراك النسوي، ولكن في نفس الوقت يجب ألّا ننسى بأنّ هذه التغطية هي أمر لا يمكننا السيطرة عليه وإنّما وسائل الإعلام الكبرى هي المسيطرة عليه، ورغم ذلك فإننا نجد دائما أنّ النساء يحاولن ايجاد مكانتهنّ داخل هذا الفضاء العام، وهنا ندخل في منطق الدعاية وتشييء القضية النسوية التي تختلف كثيرا عن الحركة النسوية في العالم، لأنّ لكل بلد خصائصه، وعلى سبيل المثال، نجد أنّ دولا مثل إيرلندا قد سمحت للنساء بحق الإجهاض والتي هي تعتبر دولة كاثوليكية ويمكن أيضا اعتبارها رجعية ولكنّها قد نجحت في تحقيق هذا المكسب.

عدم إتقان اللغة هو مظهر من مظاهر انعدام العدالة الذي يُشير إلى ماهيّة اللغة التي يجب ان تتقنها من أجل الحصول على صوت مسموع في هذا العالم.

أمّا فيما ما يتعلق بتضامن وتوافق الحركات النسوية في ما بينها، فهنالك عدة عوائق تجعل من هذه المساندة غير فعالة، فمثلا يمكن ان تشكل اللغة عائقا أمام التواصل والمساندة بين الحركة النسوية حول العالم، ونأخذ على سبيل المثال هذا الحوار الذي يجري الآن باللغة الانجليزية وليس باللغة العربية لأنني لا اتقن لغتكم وهذا مظهر من مظاهر انعدام العدالة الذي يُشير إلى ماهيّة اللغة التي يجب ان تتقنها من أجل الحصول على صوت مسموع في هذا العالم، لكنّ هذا لا ينفي وجوب مواصلة بناء روابط دولية سياسية بين جميع الناشطين في مجال النسوية في العالم.

هل يعتبر مفهوم إعادة التوزيع نموذجا من نماذج الاعتراف؟

اعتقد بأنّ اكسال هو من يعتبر أنّ مفهوم إعادة التوزيع هو نموذج من نماذج الاعتراف ولكنني لا أتفق معه حيث اعتبر أنّ إعادة التوزيع هي بمثابة بعد آخر لمفهوم العدالة وأنّ توزيع انعدام العدالة بين الناس ما هو إلاّ زرع عراقيل أمام مبدأ المساواة في أحقية المشاركة في المجتمع، وهنالك نوعان من العراقيل وهي عراقيل في التوزيع وعراقيل في مسألة الاعتراف ويعتبر هذان المفهومان بُعديْن لمفهوم العدالة وليس مفهوم تحقيق الذات كما يؤمن بذلك اكسال هونيت.

لا يمكن إصلاح انعدام العدالة فقط عبر توفير الاعتراف بالناس فإذا كانت هنالك مجموعة من الأشخاص لا تملك المال الكافي للمشاركة في أنشطة اجتماعية معيّنة فلا يمكن إصلاح ذلك عبر إعطائهم المزيد من الاحترام.

من جهتي، أنا أؤمن بأنّه لا يمكن إصلاح انعدام العدالة فقط عبر توفير الاعتراف بالناس فإذا كانت هنالك مجموعة من الأشخاص لا تملك المال الكافي للمشاركة في أنشطة اجتماعية معيّنة فلا يمكن إصلاح ذلك عبر إعطائهم المزيد من الاحترام، في حين أنّ تغيير المنظومة السياسية والاقتصادية وكذلك إجراء التغييرات في منظومة السوق وكيفية عملها، وفي طريقة جمع الضرائب وسياساتها وتغيير قوانين العمل، كلّ هذه الإجراءات هي ما يُتيح الإصلاح.

هذه الأمور التي تتعلق بالاحترام كمفهوم هي ذاتها التي تؤثر بصفة سلبية على منسوب الاحترام للأفراد داخل المجتمع، فلا اعتقد بأنّنا اذا أعطينا للناس نسبة أكبر من الاحترام والاهتمام والتقدير هو أمر كاف لبلوغ مرحلة العدالة، هي أمور هامة لتحقيق العدالة ولكنها غير كافية لأنه دائما توجد هذه المشاكل الأخرى لمفهوم التوزيع. وبالنسبة الى النّاس الذين يعتقدون أن مفهوم الاعتراف أو التوزيع هو الوجه الوحيد للمشاكل فهم مخطئون، أو قد تجاهلوا الاوجه الاخرى من المشكل. لذلك من أجل تحقيق مفهوم العدالة يجب الاعتناء بكل الأوجه التي قمت بتفسيرها لانها متعلقه ببعضها البعض.

كيف تفسّر نانسي فريزر مفهوم “وضع ما بعد الاشتراكية”؟

كنت قد تطرقت لهذا الموضوع في فترة التسعينات عندما بدأت الاشتراكية في الانهيار، وكان المفكر فرانسيس فوكوياما ينظّر لنهاية الاشتراكية والاجتماعية ويعتبر أنّ كل الانظمة في العالم ستصبح أنظمة رأسمالية ليبرالية ديمقراطية و لطالما كنت استخدم مصطلح “ما بعد الاشتراكية” بحذر لأنّني لم أكن أؤمن بهذا المفهوم في وقتها ولا أؤمن به الآن أيضا.

ومن الواضح أنّ الرأسمالية والليبرالية هما أمران يدفعان العالم الى الانهيار، وهنا اتحدث عن التغيير المناخي كمثال ولا اعتقد بانه هناك امكانية الاصلاح الا عبر تبني نظاما اجتماعيا، وبالطبع هذا لا يتعلق أبدا في المنظومة الاشتراكية المختزلة في الاتحاد السوفياتي سابقا أو في الصين الآن بل يجب علينا أن نخترع منظومة اجتماعية نسائية جديدة التي من شأنها أن توقف عملية تدمير كوكب الأرض، كما يجب أن نخترع منظومات ديمقراطية للحكم بعيدة كل البعد عن المنظومة الديموقراطية المتبنية الآن والتي هي منظومة سخيفة و معرقلة، ويجب أن تكون هذه المنظمات بعيدة كل البعد عن المنظمات العالمية التي هي مسيطرة على ثرواتنا و مستحقاتنا.

وهنالك عدة سياسيين بدأوا في الصعود عبر تبني أفكار اجتماعية مثل برني ساندرز في الولايات المتحدة الأمريكية والكسندرا اوكازيون كورتيز والي يعتبرون انفسهم سياسيين تقدميين و ديمقراطيين اجتماعيين بكل فخر وهذا تحول كبير في ظل هذا المشهد الليبرالي الرأسمالي.

كيف تقرأ نانسي فريزر وضعية النساء في المنطقة العربية بعد الثورات؟

في الواقع لم تتح لي الفرصة لزيارة أي بلد عربي بعد الثورات ولا اتحدث اللغة العربية لأطلع على ما يحدث هناك وكل المعلومات التي أحصل عنها هي من مصادر غربية والتي انا متاكدة انها لن تكون دقيقة وذات مصداقية عالية، بالطبع في مثل هذه الثورات والأحداث هناك اعتداءات على النساء وعلى حقوقهن ونذكر الاعتداء المشهور على المرأة في العاصمة المصرية القاهرة في ميدان التحرير، ففي بلد مثل مصر نجد بأن حزب الإخوان المسلمين قد أمسك بزمام السلطة هناك، ثم نجد أن الجيش المصري هو الذي انقلب على السلطة وافتك الحكم وأصبح يمارس نظاما ديكتاتوريا، وكأن النساء في مصر قد اصبحن تحت نظامين من السلطة الأبوية.

ولكنني متأكدة بأن حقوق النساء في تونس والحركة النسوية لا زالت تحتاج الى مزيد من العمل ويجب مواصلة العمل على تحقيق العدالة بين الجنسين.

اشراف: وليد الماجري
ترجمة: خبيب درعي
تطوير تقني : بلال الشارني
تطوير تقني : بلال الشارني
اشراف : وليد الماجري
ترجمة : خبيب درعي

الكاتب : يسرى بلالي

صحفية، صانعة محتوى، باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية.

YosraUpdated