الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

سنقوم بتجربة الأمر أمامكم، أنظر كيف لا يتجاوز وزن قطعة “باقات” الـ 150 غراما. هل أحدّثك عن السعر يا صديقي؟! .. نشتري الخبزة الواحدة بسعر الـ 250 ملّيما وأحيانا تتجاوز الـ 300 ملّيم، هذا إذا كانت متوفرة، أمّا إن غابت فحينها نضطرّ إلى شراء أنواع أخرى من الخبز المصنوع من “السميد” ( دقيق ) وأنواع أخرى من الخبز أسماؤها غريبة وتختلف أسعارها من مخبزة إلى أخرى وتصل إلى 800 ملّيم للقطعة الواحدة.

هكذا تحدّث سمير، مواطن تونسي، إلى موقع الكتيبة دقائق بعد أن اشترى حاجته من خبز “الباقات” (نسبة للتسميّة الفرنسية) وهو أحد أكثر أنواع الخبز استهلاكا من التونسيين.ـات، مقابل 300 ملّيم للقطعة الواحدة.

يُفسّر صاحب المخبزة لسمير أنّ مخبزته غير مصنّفة (لا تتمتّع بدعم من الدولة)، وهو غير مقيّد بأي سعر تحدّده الدولة على عكس المخابز المصنّفة والتي تتمتع بالدعم قائلا:


“هذا ما لدي ومن لا يعجبه الحال ليس مطالبا باقتناء الخبز من مخبزتي. لا يفرّق الحرفاء في أغلب الأحيان بين مخبزة مصنفة تتمتع بدعم من الدولة وأخرى غير مصنفة لا تتمتع بأي دعم كما لا يعرفون اننا نشتري الفرينة بأضعاف أضعاف السعر الذي تشتري به بقية المخابز”.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

سنقوم بتجربة الأمر أمامكم، أنظر كيف لا يتجاوز وزن قطعة “باقات” الـ 150 غراما. هل أحدّثك عن السعر يا صديقي؟! .. نشتري الخبزة الواحدة بسعر الـ 250 ملّيما وأحيانا تتجاوز الـ 300 ملّيم، هذا إذا كانت متوفرة، أمّا إن غابت فحينها نضطرّ إلى شراء أنواع أخرى من الخبز المصنوع من “السميد” ( دقيق ) وأنواع أخرى من الخبز أسماؤها غريبة وتختلف أسعارها من مخبزة إلى أخرى وتصل إلى 800 ملّيم للقطعة الواحدة.

هكذا تحدّث سمير، مواطن تونسي، إلى موقع الكتيبة دقائق بعد أن اشترى حاجته من خبز “الباقات” (نسبة للتسميّة الفرنسية) وهو أحد أكثر أنواع الخبز استهلاكا من التونسيين.ـات، مقابل 300 ملّيم للقطعة الواحدة.

يُفسّر صاحب المخبزة لسمير أنّ مخبزته غير مصنّفة (لا تتمتّع بدعم من الدولة)، وهو غير مقيّد بأي سعر تحدّده الدولة على عكس المخابز المصنّفة والتي تتمتع بالدعم قائلا:


“هذا ما لدي ومن لا يعجبه الحال ليس مطالبا باقتناء الخبز من مخبزتي. لا يفرّق الحرفاء في أغلب الأحيان بين مخبزة مصنفة تتمتع بدعم من الدولة وأخرى غير مصنفة لا تتمتع بأي دعم كما لا يعرفون اننا نشتري الفرينة بأضعاف أضعاف السعر الذي تشتري به بقية المخابز”.

يقرّ صاحب المخبزة أنّه في الأشهر القليلة الماضية وأمام ندرة توفر الطحين والدقيق، يضطر للبحث عن هذه المواد الأوّلية ساعات طويلة وأنّه في أغلب الأحيان يقوم بتزويد مخبزته عبر طرق ملتوية حيث أنّ له صديقا يمتلك مخبزة مصنّفة ( تتمتّع بالدعم ) يشتري منه كمّيات الطحين التي يتزّود بها من الدولة، مردفا بالقول: “صديقي هذا لم يعد قادرا على فتح محلّه بسبب تخلّف الدولة عن سداد منح الدعم له منذ أشهر. فأصبح يبيع ما يتحصّل عليه من مادة الفرينة إلى المخابز العصرية ومصنعي المرطبات في المسالك الموازية بحثا عن بعض الرّبح السّهل”. Fin

منذ أشهر تعيش تونس تحت وطأة أزمة فقدان الفرينة (الطحين)، ما أنتج وضعا معقّدا زاد من وتيرة إحتكار المادة وانتعاش التجارة فيها بالسوق الموازية، فضلا عمّا خلفته من مظاهر غش وتحيّل في وزن قطع الخبز وسعرها.
وضع تُشير التقارير الحكومية إلى أنّه يُعزى إلى موسم فلاحي كارثي لم يحصد فيه الفلاحون سوى 0.27 مليون طن من القمح بفعل الجفاف، بالإضافة إلى أزمة الحرب الروسية الأوكرانية التي صعّدت في أسعار القمح والشعير وخلقت صعوبات في تجارتها وكذلك بسبب صعوبات مالية واقتصادية تعاني منها البلاد، في حين يعتبر الرئيس سعيّد أنّ الأزمة مفتعلة والهدف من ورائها تأجيج الأوضاع الإجتماعية في البلاد.

فما هي الأسباب الكامنة وراء هذه الأزمة؟ وكيف يمكن تفسير هذا التباين في تشخيص الأزمة بين الرئيس سعيّد ووزراء حكومته؟

واردات تونس من القمح والشعير: فوضى الأرقام

عند لقائه رئيسة حكومته السابقة نجلاء بودن، نبّه الرئيس التونسي قيس سعيد من مغبة المساس بقوت التونسيين قائلا: “الخبز في تونس خطّ أحمر”. ويشير الرئيس سعيّد في كثير من المناسبات إلى الأزمة التي عصفت بتونس في مطلع عام 1984 أو ما يعرف بثورة الخبز التي راح ضحيتها العشرات من المواطنين التونسيين قتلوا على أيدي الأمن والجيش التونسيين خلال موجة احتجاجات عارمة بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع سعر الخبز بقرار من الوزير الأوّل في حكومة الحبيب بورقيبة آنذاك، محمد المزالي.

وتبدو مخاوف الرئيس سعيّد من تكرر نفس السيناريو متجلّية في كلماته التي يلقيها بمناسبة لقائه عددا من وزرائه، حتى أنّه سبق وتراجع عن اتفاق حكومته مع صندوق النقد الدولي والذي كان يقضي برفع الدعم عن المواد الأساسية بما في ذلك القمح ومشتقاته وتعويضه في شكل منح توجه إلى المستحقين لمعالجة آثار ارتفاع الأسعار المواد الأساسية بمجرّد رفع الدعم عنها.

“هناك محاولات حثيثة لتعويد التونسيين بغلاء سعر الخبز ما يسهّل عملية رفع الدعم عنه. لن نقبل بذلك ولا بد من الضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء العابثين بقوت الشعب. لن يكون هناك رفع للدعم عن الخبز”

قيس سعيد خلال لقائه بنجلاء بودن في 27 جويلية 2023

على نقيض السردية الرئاسية التي لا تأخذ بعين الاعتبار النقص المسجّل في مستوى المواد الأوّلية بفعل الأزمة المالية والإقتصادية التي تعيش على وقعها البلاد منذ أكثر من سنة، تُظهر بيانات المؤسّسات الحكومية لخبطة غير مسبوقة في خصوص الأرقام المتعلّقة بواردات تونس من القمح والشعير.

تحتاج تونس سنويا إلى ما يعادل الـ3.4 مليون طن من القمح الصلب والليّن. وكانت البلاد خلال المواسم الفلاحية الإعتيادية تلبي حاجياتها ذاتيا من القمح الصلب (الأكثر إنتاجا في تونس) بنسبة لا تتجاوز الـ 45% في أفضل الحالات، فيما تقدّر تبعيتها إلى الخارج في خصوص القمح اللين (المادة الأوّلية لصنع الخبز) بما يناهز الـ 90%، و60% بالنسبة إلى مادة الشعير.

أمام وضع مالي صعب ودقيق، زاده الموسم الفلاحي الكارثي تعقيدا، حيث لم تتجاوز كميات القمح المحصودة بنهاية موسم الحصاد لهذا العام 2023، سوى 2.7 مليون قنطار (0.27 مليون طن) مسجلة تراجعا بنسبة 60% مقارنة بحصاد الموسم الماضي، وهو ما سيزيد من حاجيات تونس لاستيراد القمح والشعير بشكل لافت لتغطية النقص المسجل على مستوى الإنتاج المحلّي.

لتغطية حاجيات سوقها، تقوم تونس في السنوات العادية بتوريد ما يعادل 2.5 مليون طن من القمح والشعير. ورغم ارتفاع سعر تكلفة التوريد في عام 2022، بفعل الحرب الروسية الأوكرانية حيث بلغ معدّل سعر طن من القمح الليّن ما يزيد عن 370 دولارا مقابل 450 دولارا للقمح الصلب أي بزيادة تناهز الـ 20% مقارنة بعام 2021، نجح ديوان الحبوب في تأمين توريد نفس الكميات العادية التي دأب على توريدها في السنوات الأخيرة بالرغم من بعض التعطيلات الناجمة عن ذات الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد منذ عام 2021.

منذ بداية هذا العام 2023، تشهد البلاد أزمات متتالية واضطرابات في توزيع كميات القمح والمواد المشتقة منه مثل الفرينة والسميد، بما أثر على نشاط المخابز وكميات الخبز المنتجة يوميا.

ويرى الفاعلون الاقتصاديون في هذا المجال وفي مقدمتهم عدد من القائمين على المطاحن الكبرى كان قد التقاهم موقع الكتيبة وقد طلبوا عدم هويتهم، أنّ أسباب الأزمة التي تعيشها البلاد تُعزى إلى نقص واضح في الكميات الموردة هذا العام. هذا المعطى هو الآخر تتضارب الأرقام الرسميّة في خصوصه.

ففي الوقت الذي يُشير فيه الديوان الوطني للحبوب عبر موقعه الرسمي إلى استقرار في علاقة بالكميّات المستوردة من القمح اللين والصلب والشعير في الأشهر الستّة الأولى من العام 2023 مقارنة بذات الفترة من العام السابق، تُشير أرقام المرصد الوطني للفلاحة إلى وجود تراجع واضح بنسبة 8.6% في كميات القمح اللين المستورد بنهاية شهر جوان و13.9% بنهاية شهر جويلية.

ووفقا للمعهد الوطني للإحصاء، سجّلت الواردات الجملية من الحبوب ارتفاعا طفيفا لتبلغ نحو 2.3 مليون طن خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2023 بعد أن كانت 2.1 مليون طن خلال ذات الفترة من عام 2022.
و للإشارة، تتضمّن أرقام المعهد الوطني للإحصاء إجمالي الكميات الموردة من الحبوب بغض النظر عن الجهة الموردة سواء كان الديوان الوطني للحبوب أو القطاع الخاص من مطاحن ومصانع الجعة.
في تونس يحتكر الديوان الوطني للحبوب توريد كامل كميات القمح والشعير الموجهة للاستعمال المحلي فيما يسمح القانون للمطاحن الكبرى باستيراد القمح قصد تحويله محلّيا مع إلزامها بتوجيه كامل الكميّة نحو التصدير، كما يلزم القانون مصانع الجعة بتوريد حاجياتها من الشعير بشكل ذاتي.

بغض النظر عن الإختلاف الواضح في أرقام المؤسسات الحكومية الثلاثة من حيث كميات الحبوب الموردة شهريا وسنويا، تُظهر بيانات موقع ديوان الحبوب الوطني أنّ هناك اضطرابا غير مفهوم في كميات القمح الصلب المباعة من طرفه إلى المطاحن، رغم تسجيل ارتفاع في الكمّيات الموردة حسب المرصد الوطني الفلاحي، حيث سجلت الحصص الشهرية الموزعة نقصا واضحا ناهز الـ 30% مقارنة بالحصص الشهرية التي تعودت المطاحن على الحصول عليها.

يقول وديع الغابري رئيس الغرفة الوطنية لصانعي العجين الغذائي والكسكسي خلال مشاركته في ندوة حوارية حول أزمة توفر الخبز، أنّ شهر مارس شهد فيه المخزون الاستراتيجي للدولة نقصا فادحا لا يغطي سوى 6 أيام فقط.

ويضيف الغابري أنّه في الوقت الذي تنتظر فيه المطاحن تزويدها بالكميات المطلوبة المقدّرة بـ100 ألف طن قمح صلب ومثيلها من القمح اللين -وهي الحاجيات الشهرية للسوق التونسية-، تتأخر البواخر في تنزيل حمولتها لأيّام وذلك إمّا بسبب تأخّر خلاصها من طرف ديوان الحبوب أو لسبب ما يمكن أن يكون تقنيا أو حادثا، بما يزيد من ضغط الطلب ونسق الإضطراب عند التوزيع، على حدّ تعبيره.

” ما لا يعرفه الناس، أنّ هناك اضطرابا تمّ تسجيله على مستوى تزوّد المطاحن بالقمح بسبب حادث تعرضت له إحدى البواخر وتأخر معه تفريغ الشحنة لأيّام، فتأخر بسبب ذلك تسليم طلبيات المخابز لعدّة أيّام وهذا راجع لغياب مخزون استراتيجي لدى الدولة يمكن أن يغطي تعطيلا من هذا النوع.”

رئيس الغرفة الوطنية لصانعي العجين الغذائي

ومن أهم الدلالات على وجود اضطراب على مستوى التوريد والتوزيع من طرف الديوان الوطني للحبوب حسب الغابري، أنّ عملية تنزيل شحنات القمح ونقلها لرحيِها ومن ثم توزيعها على المخابز تتم في وقت قياسي بهدف تدارك أيّام التأخير، حتى أنّ المطاحن لا تجد الوقت الكافي للقيام ببعض المسائل الفنية من أجل أن تكون كميات الفرينة بجودة محترمة، الشيء الذي أثّر بدوره على جودة الخبز المصنوع عند المخابز، على حدّ وصفه.

وأثر النقص المُسجل في كميات القمح الصلب الموزعة شهريا، على ارتفاع الطلب على مادة القمح اللين (المادة الأوّلية للفرينة) وذلك لارتفاع الطلب على مستوى المخابز خاصة في المناطق الريفية التي كان سكانها يلبون حاجياتهم من الخبز ذاتيا عبر استعمال مادة السميد (الدقيق) المستخرج من القمح الصلب لصنع الخبز المنزلي وفقا للعادات المعمول بها.

واحتدت أزمة توفر الخبز أكثر بارتفاع الطلب مع دخول فصل الصيف وعودة التونسيين المقيمين بالخارج لقضاء العطلة الموسمية فضلا عن تسجيل ارتفاع ملحوظ في عدد السياح الوافدين على تونس إلى موفى جويلية من هذا العام والذي بلغ عددهم 5 مليون سائح. هذا الارتفاع في الطلب لم يقابله ارتفاع في العرض.

يقول مسؤول رفيع المستوى بديوان الحبوب طلب عدم نشر هويته لموقع الكتيبة، إنّ الإستقرار المسجل في مستوى الكميات الموردة خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، مقارنة بالسنتين السابقتين، لا يقلّل من فرضيات تسجيل اضطراب على مستوى التوزيع باعتبار أنّ المسألة متّصلة بأمور لوجستية ومالية وبحدّة الطلب في الآن ذاته إضافة إلى أنّ المخزون الاستراتيجي للدولة قد أخذ منحى تنازليا منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، موضحا أنّ الكميات الموردة خلال شهر جويلية تعدّ ضعيفة جدّا حيث لم تتجاوز 60 ألف طن من القمح اللين و40 ألف طن من القمح الصلب، وهو ما يرجع حسب ذات المتحدّث إلى أمور مالية ولوجستية بحتة.

ويشير المسؤول إلى أنّه مع بداية العام الحالي وأمام الضغوطات الكبيرة على المالية العمومية وجد كل من الديوان الوطني للحبوب والدولة بشكل عام صعوبة كبيرة في توفير السيولة لخلاص شحنات القمح الموردة في مواعيدها وهذا عائد لتراجع ثقة المتعاملين الاقتصاديين في الدولة التونسية بسبب تصنيفها الائتماني الذي بلغ مستويات متدنية جدّا.

لتجاوز أزمتها المالية وتزويد السوق بالكميات المعتادة من القمح والشعير، لجأت الدولة التونسية إلى خيار الاقتراض لتمويل مقتنياتها من القمح وذلك بهدف تلافي تراكم الأزمة.

وتشير المعطيات المستقاة من مواقع بورصات عالمية الى أنّ البنك الأوروبي للاستثمار والبنك الإفريقي للتنمية قد أطلقا أكثر من طلب عروض من أجل توفير شحنات قمح وشعير إلى تونس بتمويل مباشر منهما. حيث تجاوزت الكميات الممولة من البنكين إلى موفى شهر جويلية من هذا العام 2023 الـ 500 ألف طن مقسمة بين قمح صلب وقمح لين وشعير.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تغطي فيها تونس وارداتها من القمح بتمويل خارجي، حيث قدّم البنك الدولي في شهر ماي من العام المنقضي 2022، قرضا مستعجلا بقيمة 130 مليون دينار لتمويل بعض من واردات تونس من القمح الصلب واللين في تلك الفترة بعد أن شهدت البلاد اضطرابا مماثلا لما عرفته خلال هذه السنة.

وزارة التجارة: خبط عشواء في مواجهة أزمة مركبة

“ثمّة خبز واحد للتونسيين وينتهي الأمر .. ينبغي ألاّ يكون هناك خبزا للفقراء وخبزا للأغنياء”، بهذه الكلمات أراد الرئيس سعيّد التعبير، خلال لقائه رئيسة حكومته السابقة نجلاء بودن، عن عدم رضاه لما آلت إليه الأوضاع، مشيرا إلى أنّ عددا من المخابز غير المصنفة (لا تتمتع بدعم من الدولة) والتي وصفها بـ “الكارتلات” تقف وراء فقدان مادة الفرينة من السوق وهي تسعى لتأجيج الأوضاع الإجتماعية خدمة لأطراف لم يسمّها. وقد طالب سعيّد حكومته بالتوقّف الفوري عن تزويد هذه المحلات بالمواد الأوّلية، وفق ما جاء على لسانه.

تفاعلا منه مع كلمة الرئيس سعيّد أصدر المجمع المهني لأصحاب المخابز العصرية التابع لكنفدرالية المؤسسات المواطنة “كونكت” (منظمة تدافع عن أرباب العمل)، قرارا بالتوقف عن نشاط صنع الخبز بداية من غرّة أوت من هذا العام وتنفيذ وقفات احتجاجية يومية أمام الوزارة إلى حين انقشاع الضبابية التي أصبحت تحف نشاطهم بعد تصريحات الرئيس سعيّد، بحسب ذات الجهة.

ردّا على بلاغ المجمع، أصدرت وزيرة التجارة كلثوم بن رجب قرارا تمنع بموجبه المخابز العصرية من التزود بمادتي الفرينة والسميد من المطاحن الكبرى، مفسّرة أنّ الإجراء يهدف إلى المحافظة على المواد المدعمة وضمان عدم التلاعب بها.

إثر مُضي أكثر من عشرة أيّام على قرار وزيرة التجارة بمنع المخابز العصرية من التزود بالفرينة والسميد، تراجعت الأخيرة عن قرارها بعد أن احتدّت أزمة فقدان الخبز أكثر مما كانت عليه.

صراع وزيرة التجارة مع أصحاب المخابز العصرية، اتضح أنّه كان مدفوعا ولو بشكل غير مباشر من طرف الغرفة النقابية لأصحاب المخابز المدعمة التابعة لاتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ( منظمة تدافع عن أرباب العمل) بعد تسريب تسجيلات صوتية منسوبة إلى رئيس الغرفة محمد بوعنان يتبجّح فيها بنجاحه في ضرب غرفة أصحاب المخابز العصرية التابعة لمنظمة أخرى تدافع عن أرباب العمل وفسح المجال أمام المخابز المنضوية تحته لصنع الخبز دون سواهم.

يقول البعض من أصحاب المخابز، المتمتعة بدعم الدولة أو العصرية، في حديثهم لموقع الكتيبة، إنّهم يدفعون ضريبة صراع محموم وأزلي بين منظمتين تدافعان عن أرباب العمل، والحال أنّ عددا لا بأس به من أصحاب المخابز المتمتعة بدعم من الدولة تمتلك في ذات الوقت مخابز عصرية (غير متمتعة بالدعم) حتى أنّ القطاع أصبحت تتحكم فيه عائلات بعينها، على حدّ وصفهم.

حالة الفوضى التي أصبح عليها قطاع صنع الخبز في تونس، بدأت تحديدا في أواخر شهر مارس من العام 2023، بعد أن سجّلت الدولة تراجعا حادا في مخزونها الإستراتيجي ليغطي 6 أيّام فقط من الحاجيات الجملية للبلاد، حينها تمّ اتخاذ إجراءات جديدة للحدّ من كميات “الفرينة” الرفيعة والسميد المروّجة في السوق خاصة تلك التي تشتريها المخابز “العصرية”.

تقول حنين بوقرة صاحبة مخبزة عصرية أو ما يطلق عليها بالفرنسية بـ Point chaud تختص في صنع الخبز الرفيع والكرواسون بمدينة نفطة جنوبي البلاد، في حوارها لموقع الكتيبة، إنّ أزمة تزويد المخابز العصرية بمادة الفرينة انطلقت فعليا منذ ما يزيد عن 5 أشهر، حينما تم إعلامهم من طرف المطاحن بأنّ هناك تعديلات جديدة أدخلتها وزارة التجارة على المنظومة الإعلامية الخاصّة بتوزيع الفرينة والسميد تقضي بتحديد حصص كل مخبزة خلافا لما كان التعامل به سابقا.

وفق ما تحصلنا عليه من معطيات من إحدى المطاحن الكبرى بتونس، قامت وزارة التجارة في أواخر شهر مارس من هذا العام، بتحديد حصص شهرية مسقّفة لفائدة المخابز العصرية تتمثل في 70 قنطارا من الفرينة و 30 قنطارا من السميد (الدقيق).

تقول حنين بوقرة تعليقا على التعديلات الجديدة في المنظومة الإعلامية الخاصة بتوزيع الفرينة والسميد، إنّ الكميات الشهرية الجديدة لا تفي بالحاجة تماما، حيث أنّها لا تمثل سوى نصف الكميات التي كانت تتحصّل عليها سابقا الشيء الذي دفعها إلى تقليص كميات الخبز الذي تنتجه ما أثر بدوره على نسق الطلب وأفضى إلى طوابير الناس المرابطة أمام المخابز.

وتضيف صاحبة المخبزة الآنف ذكرها، أنّ قرار تحديد الحصص الشهرية للمخابز العصرية واستقرار نسق تزويد المخابز المدعمة، كانت له انعكاسات وخيمة تتمثل أساسا في ازدهار التجارة بالمواد المدعمة في السوق السوداء.

في الوقت الذي اتخذت فيه وزيرة التجارة قرارها بتحديد حصص شهرية مسقّفة من حيث الكمية بالنسبة للمخابز العصرية تغافلت عن القيام بحملات رقابية على قطاع المخابز المدعمة.
ولم تقم فرق الرقابة الاقتصادية التابعة لوزارة التجارة بحملات رقابية إلا بعد مُضي أكثر من أربعة أشهر على تفاقم أزمة توفر الخبز لدى المخابز.

وفق شهادات تحصّل عليها موقع الكتيبة من عدد من أصحاب المخابز العصرية، فإنّ عددا من المخابز المدعمة تقوم ببيع الطن الواحد ( 100 كيلوغرام) من الفرينة المدعمة في السوق السوداء بأسعار مختلفة تتراوح بين الـ 100 دينار في ولايات تونس الكبرى والـ 300 دينار في عدد من الولايات الداخلية.

ويعود سلوك عدد من المخابز المدعمة التي تقوم ببيع حصتها الشهرية من الفرينة المُدعمة، وفق شهادات وثقها موقع الكتيبة، إلى تخلف الدولة عن سداد مستحقاتهم من الدعم والتي بلغت حسب الغرفة الوطنية لأصحاب المخابز المدعمة 14 شهرا.

يقول لطفي، صاحب مخبزة مصنفة بالعاصمة تونس، في لقاء جمعه بموقع الكتيبة، إنّ وضعه المادي في تراجع ملحوظ، مفسّرا أنّ الحصص الشهرية من الفرينة المدعمة تختلف من مخبزة إلى أخرى، حيث أنّه لا يتلقّى شهريا سوى 100 قنطار في الوقت الذّي يتمّ فيه تمكين مخابز أخرى بما يفوق الـ 800 قنطار، على حدّ قوله.

“هناك مخابز تتحصل على كميات لا بأس بها من الفرينة وهي في العادة مخابز تتمتع بحظوة لدى الغرفة لا تتأثر بتأخر صرف مستحقات الدعم، أما غالبية المخابز فهي تعاني، فالكميات التي توزع على عدد منها مردوديتها المالية لا تفي بخلاص أجور العملة ومصاريف المخبزة من كراء وفواتير وغيرها”.

نعم مضطرّ لبيع الفرينة في السوق السوداء كلما سمحت الفرصة بذلك.

لطفي صاحب مخبزة مدعمة

ويضيف صاحب المخبزة، أنّ رئيس الغرفة محمد بوعنان لا يبالي بالمرّة بأوضاع المخابز الصغيرة و بوصلته الوحيدة عند التفاوض مع سلطة الإشراف خدمة مصالحه ومصالح عدد من بارونات القطاع، قائلا انّ:

الحلّ الوحيد أمام الدولة يكمن في صرف مستحقات الدعم لفائدة المخابز عوض القيام بإجراءات اعتباطية، لأن المعاملات بين التجار في السوق السوداء أصبحت هي الحل الوحيد لاستمرار نشاط عدد لا بأس به من المخابز العادية والعصرية على حدّ السواء”.

دعم الخبز في تونس: منظومة فاسدة تجاوزها الزمن

كشف الصراع القائم بين غرفتي أصحاب المخابز من جهة ووزارة التجارة من جهة أخرى عن التجاوزات الكبيرة التي يقوم بها عدد من أصحاب المخابز المصنفة (المتمتعة بدعم الدولة)، ومن بينهم رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المخابز المدعمة محمد بوعنان الذي تمّ إيقافه صحبة حاتم الشعبوني صاحب شركة “آلفا” المتخصصة في إنتاج العلف الحيواني وشركة إنتاج اللحوم البيضاء ” شهية ” في الـ 17 من شهر أوت بتهم التلاعب بمواد غذائية مدعمة وتبييض الأموال.

وتظهر وثيقة مسربة أنّ رئيس الغرفة محمد بوعنان نجح في الفوز بصفقة تزويد كافة النزل في جزيرة جربة بمواد الخبز خلال هذه الصائفة عن طريق مخبزتين على ملكه.
وتشير المعطيات المستقاة من السجل الوطني للمؤسسات أنّ محمد بوعنان وعائلته يمتلكون ما يناهز الـ40 مخبزة تُسيرها أكثر من 10 شركات منها التي تتمتع بدعم من الدولة وأخرى عصرية لا تتمتع بدعم من الدولة ومنتشرة تقريبا في أغلب ولايات الجمهورية، الأمر الذي يجعله من بين أكثر أصحاب المخابز تزودا بمادة الفرينة المدعمة.

محمد بوعنان

قبل إيقافه بيومين اتصل موقع الكتيبة برئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المخابز المدعمة محمد بوعنان لسؤاله عن الكم الهائل من شركات المخابز المملوكة من طرفه أو من طرف أبنائه و التسريبات الصوتية المنسوبة إليه والتي يتبجح فيها بفوزه على مجمع المخابز العصرية.

يقول بوعنان في بحر ردّه على أسئلتنا انّ كل ما يدور على مواقع التواصل الإجتماعي ليس سوى محض إشاعات يقف وراءها أصحاب المخابز “العشوائية” (المخابز العصرية).
ويضيف ذات المتحدث في حديثه لموقع الكتيبة ساعات قبل ايقافه وإيداعه السجن أنّ:

أصحاب المخابز التي تتمتع بدعم الدولة هم عبارة عن موظفين لديها يقدّمون خبزا بسعر تحددّه الأخيرة كما تحدّد نسبة الدعم وحصص المخابز من الفرينة حسب رقم معاملات كل منها .. ذلك الدعم يعتبر بمثابة الأجر الذي يستلمه أصحاب المخابز من الدولة للحفاظ على سعر الخبز.”

وعن امتلاكه لعدد كبير من المخابز يقول بوعنان: “أنا أمتلك رخصة مخبزة منذ 50 سنة وأنا أقوم باستثمارات في هذا المجال، عوض أن أشتري منزلا أقوم بشراء أو بناء مخبزة جديدة. هل هذا ممنوع؟”.

وضعيّة محمد بوعنان، رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المخابز المدعمة، ليست سوى نموذجا عن وضعيّة شبهات الفساد وسوء الحوكمة التي تنخر منظومة الدعم في تونس التي تحوّلت بدورها إلى منظومة لتوليد الأزمات و ثقبا كبيرا في خاصرة المالية العمومية.

تعمل في تونس أكثر من 3200 مخبزة مصنّفة تتمتع بالدعم و1450 مخبزة أخرى غير مصنّفة لا تتمتع بدعم من الدولة ولكل من الصنفين نظامه في توفير الخبز.
تنقسم المخابز التي تتمتع بدعم من الدولة إلى صنفين وفق ما تشرحه القوانين المنظمة لصنع وعرض وبيع مادة الخبز في تونس. صنف أوّل من المخابز “أ” تخصّص في صناعة الخبز الكبير وصنف ثان منها “ج” تخصّص في صناعة خبز الباقات العادي والرفيع وخبز السميد وبعض أصناف المرطبات.
كما تنص التشريعات على وجود نوع آخر من المخابز والتي يطلق عليها القانون مصطلح “مخابز غير مصنّفة” لا تتمتع بدعم مباشر من الدولة تخصّص في صنع الخبز الرفيع وبعض أصناف المرطبات.

تتمتع الأصناف الثلاثة من المخابز بدعم مباشر أو غير مباشر من الدولة كما تتمتع بأنواع مختلفة من مادة الفرينة ولكل منها منظومتها في التزود بها وطريقة التمتع بالدعم.
تقتني المخابز المصنفة “أ” و “ج” نوعا من الفرينة يُسمّى PS وهو أقل أنواع الفرينة من حيث الجودة والتركيبة الكيميائية وفق ما يشرحه أصحاب المطاحن، فضلا عن ذلك تتحصل على دعم من الدولة في مرحلتين.
يتمتع هذان الصنفان من المخابز في المرحلة الأولى بدعم غير مباشر من الدولة يتمثل في شراء 1 قنطار من مادة الفرينة نوع PS بسعر 6 دينار تونسي بالنسبة للصنف الأوّل “أ” المتخصّص في صنع الخبز الكبير و22.6 دينارا تونسيا بالنسبة للصنف الثاني “ج” المتخصّص في صنع الباقات، في الوقت الذي يتراوح فيه السعر الحقيقي لـ1 قنطار (100 كيلوغرام) من القمح اللين المورد المادة الأولية لصنع الفرينة بين الـ 100 و130 دينار تونسي.
إضافة إلى ذلك تتمتع هذه المخابز بدعم مالي مباشر من الدولة يتراوح بين 29.5 دينار بالنسبة الى الصنف الأوّل و 36 دينار بالنسبة الى الصنف الثاني عن كل 1 قنطار من مادة الفرينة وذلك لمساعدة أصحاب المخابز في كلفة الإنتاج. ويقع مراجعتها كلّما ارتفع سعر أي مكوّن من مكوّنات الإنتاج على غرار الكهرباء والماء والخميرة وغيرها.
أمّا النوع الثالث من المخابز المسماة بالمخابز العصرية أو Les points chauds أو المخابز غير المصنفة، فهي تقتني نوعا ثانيا من الفرينة يسمى PS-7 بسعر 66.5 دينار تونسي للقنطار الواحد، أين أنها تتمتّع بالدعم في المستوى الأوّل المتمثّل في تكفل الدولة بالفارق بين سعر توريد القمح اللين وسعر البيع إلى المطاحن.

ورغم تنوّع واختلاف أصناف المخابز، تقوم جميعها بترويج خبز الباقات حسب مواصفات وأحجام مختلفة، مع العلم أنّ المخابز التي يشترط أن تقوم بصناعة الخبز الكبير صنف “أ” أصبحت أغلبها تقوم بصناعة خبز الباقات رغم أنّ الدعم الذي تتلقاه من الدولة أكبر بكثير من المخابز المدعمة صنف “ج” والمختصة في صنع الباقات.
حسب دراسة تعود للعام 2017 قام بها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية (مؤسسة تتبع رئاسة الجمهورية)، يبلغ معدل استهلاك الفرد التونسي من الخبز المدعم سنويا نحو 70 كيلوغراما، حيث تنتج المخابز المصنّفة والتي تتمتع بدعم من الدولة نحو 6.7 مليون قطعة خبز يوميا، يتم إهدار 900 ألف منها، بما قيمته 100 مليون دينار سنويا.
فضلا عن كل هذا، يستفيد عدد من المتدخلين في قطاع المخابز بدعم غير مستحق متأت من أساليب التلاعب بالمواد المدعمة عبر ترويجها في مسالك غير نظامية.

أموال عموميّة طائلة تُصرف لغير مستحقيها

لا تتوقف مظاهر التلاعب بالمواد المدعمة عند أصحاب المخابز فقط، إنما هي في الحقيقة امتداد لتجاوزات أكبر تشمل قطاعات أخرى لعل أبرزها المطاحن ومصانع العجين الغذائي ومصانع البسكويت والمرطبات مستغلّين ضعف رقابة الدولة عليها واستحالتها في بعض الأحيان.
تقوم منظومة دعم الحبوب في تونس من قمح وشعير على حلقات مترابطة ببعضها البعض، وفي كل حلقة من حلقات هذه السلسلة تقوم الدولة بإنفاق أموال طائلة لدعم الإنتاج وذلك بهدف ضمان أن يكون سعر المنتج النهائي من الخبز والعجين الغذائي في متناول الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
وكما هو الحال في قطاع المخابز واستعمالاتها لمادة الفرينة المدعمة، تعمل مصانع العجين الغذائي بذات المنظومة تقريبا حيث تتلقى دعما غير مباشر يتمثل في تكفل الدولة بالفارق بين سعر شراء القمح الصلب واللين وسعر البيع وهي أيضا تتمتّع بدعم مالي مباشر في منتجات الكسكسي وبعض أصناف المعكرونة الأكثر استعمالا في الأوساط الشعبية فضلا عن دعم مالي مباشر لنقل تلك المواد وتوزيعها.

يقول مسؤول بارز في إحدى الوحدات الصناعية الكبرى في تونس لموقع الكتيبة، إنّ الدولة تقوم بدعم كل منتجات مصانع العجين الغذائي، مفسرا أنّ هناك بعض الأصناف من العجين الغذائي مثل اللازانيا لا تندرج ضمن المواد التي تقوم الدولة بدعمها بشكل مباشر غير أنّ المصانع تقوم باستخراجها من ذات العجينة التي تُستعمل لإنتاج مواد مدعمة باعتبار أنّ سعر كلفة توريد وشراء القمح من طرف الديوان الوطني للحبوب أعلى بكثير من كلفة البيع إلى المطاحن.
ووفق ما تحصل عليه موقع الكتيبة من معطيات، فإنّ كمّيات العجين الغذائي المدعم بشكل مباشر (معكرونة وكسكسي) والتي قامت 5 علامات تجارية بترويجها بالسوق التونسية بنهاية عام 2022 ناهزت الـ 148 مليون كيلوغرام من العجين الغذائي و60 مليون كيلوغرام من الكسكسي بكلفة دعم تناهز الـ 46 مليون دينار.
وبناء على ذات المعطيات فإنّ 43.2% من كمّيات العجين الغذائي المروجة بالسوق تعود إلى علامات سبيقة ودياري والوردة البيضاء التابعة لمجموعة كمال بلخيرية كما تستحوذ ذات المجموعة على 57.4% من كميات الكسكسي أيّ أنّ الأخير يتمتع لوحده بنصف إجمالي الدعم المالي المباشر من الدولة في العجين الغذائي والكسكسي، فيما تتوزع بقية الحصص على كل من شركة رندة و السنبلة الذهبية وسنابل قرطاج.

وتقوم الدولة أيضا بدعم الفرينة والسميد المعلب والموجه للاستهلاك المنزلي والتي تنتجها ذات العلامات التجارية بذات الطريقة حيث يتمّ دعمها في مرحلة أولى بشكل غير مباشر عبر تكفل الدولة بفارق السعر بين شراء القمح الصلب وبيعه للمطاحن، كما تتمتع بدعم مالي ثان بشكل مباشر في حدود 0.2 دينار عن كل 1 كيلو غرام من هذه المواد.

وكانت منظمة “آلرت” (منظمة شبابيّة مستقلّة تحارب إقتصاد الريع في تونس) قد قامت بتقديم شكاية إلى مجلس المنافسة، ضدّ مجموعة بلخيرية الإقتصادية بتهم الإخلال بالمنافسة والتركيز الإقتصادي، بعد ثبوت حصول الأخيرة على ما يناهز الـ 37% من إجمالي القمح الصلب الموزع من طرف الديوان الوطني للحبوب في شهر ماي من سنة 2022.

وبهدف الاستفادة من منح الدعم في خصوص نقل الحبوب و السميد والفرينة، تتمركز أغلب المطاحن الكبرى في تونس والبالغ عددها 23 مطحنة في المدن الساحلية ( 19 على الشريط الساحلي للبلاد و4 في الولايات الداخلية) وتعود ملكية أغلبها إلى المجامع الإقتصادية الأربعة ( الوردة البيضاء، رندة، السنبلة الذهبية، وسنابل قرطاج) ورغم اختلال التوازن في التوزيع الجغرافي للمطاحن، بما يزيد من التكلفة المالية لمنظومة دعم نقل الحبوب ومشتقاته من سميد وفرينة، لم تتقدّم الحكومات التونسية المتعاقبة بأية حلول عملية من أجل التقليل من هذه الكلفة والتشجيع على بناء مطاحن بالقرب من الولايات الأكثر إنتاجا للقمح والشعير على غرار ولايات الكاف وجندوبة وسليانة وبنزرت.

في ذات السياق كشفت منظمة “آلرت” عن مراسلات وجهها وزير الفلاحة والصيد البحري سمير الطيّب في عام 2019 إلى كل من وزارتي التجارة والمالية يطلب فيها منهما تكوين لجنة فنية تسهر على توزيع الحصص الشهرية من القمح بشكل عادل على كافة المطاحن بعد ورود تشكيات من بعضها، غير أن الأخيرتين رفضتا بشكل مطلق المقترح مبيّنة أنّ المسألة من مشمولات الوزارتين دون سواهما.

ووفق الغرفة النقابية لمصانع العجين الغذائي، بلغت ديون الدولة لديهم والمتعلّقة بدعم العجين الغذائي والكسكسي ومواد أخرى كالسميد المعلب والفرينة، ما يناهز الـ170 مليون دينار، بعد تخلّف الدولة عن سداد هذه المستحقات لما يقارب الـ 14 شهرا.
ويشير مصدر مطلّع من داخل القطاع، أنّ مصانع العجين الغذائي غير متأثرة بشكل كبير بتأخر سداد مستحقاتها من الدعم، قائلا :” تلك أمول مضمونة لدى الدولة مهما طالت المدة سيأتي يوم وتُستخلص”.

وعن غياب مواد الكسكي والمعكرونة في المساحات التجارية الكبرى على غرار كارفور وجيان وإن كان له علاقة بنقص في كميات القمح الموردة، يفسر ذات المصدر أنّ الأمر يعود إلى قرار تمّ اتخاذه على مستوى غرفة مصانع العجين الغذائي يقضي بالتوقف عن تزويد هذه المساحات بعد أن أصبحت تتخلّف عن سداد مستحقات مزوديها لفترات طويلة تتجاوز الستين يوما، مشيرا إلى أنّ السلع متوفرة عند البقالة (متاجر بيع المواد الغذائية الصغيرة) ومساحات عزيزة والتي يتم تزويدهم بشكل منتظم، رغم تسجيل اضطراب في التزود خاصة في أشهر مارس وأفريل وماي من هذا العام.
في ظل أزمة هيكلية لمنظومة دعم القمح التي تستحوذ على 80% من ميزانية دعم المواد الغذائية في تونس، لم يتقدّم الرئيس قيس سعيّد وحكومته، رغم انقضاء أكثر من سنتين على انفرادهما بالحكم، بأية حلول تقضي بإصلاح هذه المنظومة.
ويرجع الرئيس سعيّد أزمة فقدان الخبز في تونس التي تعاني منها البلاد منذ ستة أشهر إلى مساع تقوم بها لوبيات بعينها ترمي إلى تأجيج الأوضاع عبر إفراغ السوق من المواد الأساسية خاصة منها الغذائية، في الوقت الذي تُشير فيه التقارير الرسمية إلى وجود اضطراب على مستوى توريد القمح والشعير بفعل الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها البلاد، ما اضطر الحكومة إلى اعتماد خيار التداين من أجل توفير الرغيف.
هذا الوضع غير المستقرّ في منظومة توريد وتوزيع القمح، زاد من إقبال التونسيين.ـات على اقتناء وتخزين المواد المدعمة فضلا عن تعمد عدد من المخابز الاستثمار في الأزمة وتحقيق أرباح عن طريق التجارة في المواد المدعمة التي تتحصل عليها شهريا، في السوق السوداء.

كلمة الكتيبة:

على الرغم من المحاولات المبذولة من قبل هيئة التحرير في موقع الكتيبة في سبيل الحصول على تفاعل رسمي من الجهات الحكوميّة المعنية بهذا الملف حول جملة المعطيات الواردة في هذا المقال،إلا أنّ جميع المساعي جوبهت بأبواب مغلقة وامتناع عن الادلاء بأي تصريح أو توضيح.

كلمة الكتيبة:
يحاول هذا المقال تفسير البيانات المتعلقة بقطاع التربية في تونس، مقدما جملة من الاستخلاصات التي تعري مواطن الوهن ومعالم الحل. وهو يندرج ضمن سلسلة انتاجات شرع في إنجازها موقع الكتيبة في علاقة بورشة إصلاح التعليم.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

اشراف: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
ساعد في البحث: نور الفارسي
تصوير : بلال الشارني
مونتاج: رأفت عبدلي
غرافيك: منال بن رجب
مونتاج : رأفت عبدلي
تصوير: بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
تدقيق : وليد الماجري
ساعد في البحث: نور الفارسي
غرافيك : منال بن رجب

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

wael213