الكاتب : يسرى بلالي

صحفية، صانعة محتوى، باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية.

ثلاث نساء تتلاقى قصصهنّ وتتشابك حكاياتهن باختلاف الأحداث فيها. ثلاث نساء من بُقعة جغرافية واحدة ومن قطاعات مختلفة تعرّضن للاستغلال الجنسي والتحرّش ومورست عليهن كلّ أشكال الهرسلة واستغلال النفوذ، يحملن البداية عينها رغم الاختلاف الثقافي واختلاف المكانة الاجتماعية “للمعتدين”، ويوقّعن بخوف وعزلة النهاية المتنكّرة للعدالة.

“إسمي شيماء، كُنت أبلغ من العمر 26 سنة عندما تطلّقت من زوجي وذهبت للعمل في إحدى محلاّت مركّب تجاري بشارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة. أنا أم أيضا، كانت طفلتي تبلغ من العمر ستة أشهر في ذلك الوقت، كُنت أتركها لأمي وأذهب للعمل حتى أتمكّن من توفير مستلزماتها وحاجيات المنزل، لكنّني اصطدمت بواقع أكثر مرارة من الواقع الذي كُنت أتصوّرُه”. بنبرات مليئة بالحسرة والوجع، بدأت شيماء في سرد حكايتها لنا. حكاية مليئة بالبحث عن الحياة والنجاة من قسوة المحيطين.ـات بها.

كانت شيماء متزوجة من حبيب طفولتها الذي تطلّقت منه بعد سنتين من الزواج، وذلك لعدم تحمّله للمسؤولية الاقتصادية والاجتماعية حسب قولها. انطلقت شيماء في رحلة بحث مُضنية عن عمل يكفلها هي وابنتها خاصّة وأنّها من عائلة فقيرة. وجدت بمساعدة صديقة لها عملا في محلّ تجاري لبيع الاكسسوارات. وكان صاحب العمل الذي يملك أكثر من ستّ محلاّت في المركّبين التجاريين بتونس العاصمة رجلا محافظا يُقيم الصلاة في موعدها ولا يُفوّت صلاة الجمعة قطّ، حسب قولها.

الكاتب : يسرى بلالي

صحفية، صانعة محتوى، باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية.

ثلاث نساء تتلاقى قصصهنّ وتتشابك حكاياتهن باختلاف الأحداث فيها. ثلاث نساء من بُقعة جغرافية واحدة ومن قطاعات مختلفة تعرّضن للاستغلال الجنسي والتحرّش ومورست عليهن كلّ أشكال الهرسلة واستغلال النفوذ، يحملن البداية عينها رغم الاختلاف الثقافي واختلاف المكانة الاجتماعية “للمعتدين”، ويوقّعن بخوف وعزلة النهاية المتنكّرة للعدالة.

“إسمي شيماء، كُنت أبلغ من العمر 26 سنة عندما تطلّقت من زوجي وذهبت للعمل في إحدى محلاّت مركّب تجاري بشارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة. أنا أم أيضا، كانت طفلتي تبلغ من العمر ستة أشهر في ذلك الوقت، كُنت أتركها لأمي وأذهب للعمل حتى أتمكّن من توفير مستلزماتها وحاجيات المنزل، لكنّني اصطدمت بواقع أكثر مرارة من الواقع الذي كُنت أتصوّرُه”. بنبرات مليئة بالحسرة والوجع، بدأت شيماء في سرد حكايتها لنا. حكاية مليئة بالبحث عن الحياة والنجاة من قسوة المحيطين.ـات بها.

كانت شيماء متزوجة من حبيب طفولتها الذي تطلّقت منه بعد سنتين من الزواج، وذلك لعدم تحمّله للمسؤولية الاقتصادية والاجتماعية حسب قولها. انطلقت شيماء في رحلة بحث مُضنية عن عمل يكفلها هي وابنتها خاصّة وأنّها من عائلة فقيرة. وجدت بمساعدة صديقة لها عملا في محلّ تجاري لبيع الاكسسوارات. وكان صاحب العمل الذي يملك أكثر من ستّ محلاّت في المركّبين التجاريين بتونس العاصمة رجلا محافظا يُقيم الصلاة في موعدها ولا يُفوّت صلاة الجمعة قطّ، حسب قولها.

سعدت كثيرا بعملي مع “عرف” (صاحب العمل) متديّن، قُلت في قرارة نفسي انّه لن يظلمني ولن يأكل حقّي ولن يُزعجني باعتبار أنّه مصلّ ومتزوج، لكنّني خُدعت به يوم تدشينه لمحلّ بضاحية البحيرة.

في أحد الأيام -تواصل شيماء سرد حكايتها- دخل علينا بعد صلاة الجمعة وطلب منّا أن نُرافقه بعد انتهاء العمل إلى مُركّب البحيرة 2 أين قام بكراء محلّ جديد يُوسّع من خلاله تجارته، وذلك لمساعدته في تنظيفه وتنظيمه. لم نرفض الطلب، ولم أكُن أعلم أنّ ذلك اليوم سيكون بداية لرحلة سيُباح فيها “عرضي”.

يوم التدشين: بداية رحلة الخوف والحصار

تواصل شيماء متذكّرة : “انتهينا من تنظيم المحلّ الجديد -الذي ستُنقل له زميلتي في العمل بداية من اليوم التالي- في الساعة الحادية عشر ليلا، أصرّ صاحب العمل على ايصالنا إلى منازلنا بسيّارته الخاصّة حتى لا نتعرّض إلى أي خطر. بدأنا أولا بزميلتي التي تقطن بولاية بن عروس، ثمّ انطلقنا نحو منطقة الجبل الأحمر بضواحي العاصمة أين أقطن أنا. لم نبتعد 10 دقائق عن منزل صديقتي حتى أمسك بيدي، وبدأ يشكو من سلوك زوجته. لم أكن أعرف إن كان قد قام بخطأ عندما أمسك بيدي أو لا، ولم أُدرك بأنّ إمساك اليد في حدّ ذاته كان عن سوء نيّة ويُعتبر تحرّشا”.

تُعتبر مسألة إدراك العنف المسلّط ضدّ النساء من قبل المعنّفات والمعرّضات للتحرّش والاستغلال الجنسي والاقتصادي أنفسهنّ مسألة مهمّة، فهي تضعهنّ في حالة شكّ مستمّر إن كنّ قد تعرّضن فعلا إلى اعتداء أم أنّهنّ يُبالغن في وصف الحادثة أو التفكير فيها. نمّت ظاهرة إلقاء اللوم على الضحيّة في المجتمعات الذكورية لدى المُعنّفات وضحايا التحرّش شعورا دائما بتحمّل المسؤولية والذنب تُجاه ما يحدث لهنّ، ويعود ذلك أيضا إلى عدم الثقة في تحقيق العدالة والانصاف.

ذُهلت شيماء بما حدث ليلة التدشين، لكنّها لم تجرؤ على مواجهة صاحب عملها بأنّه قد قام بالتحرّش بها، وهذا ما دفعه إلى التحرّش بها كلّما سنحت له الفرصة. بقيت شيماء خائفة من مواجهته ومن مواجهة مصيرها بعد أن استقرّت ماديّا في الأشهر الأولى، لكنّ هذا الخوف من المواجهة جعله يتمادى في طلباته التي وصلت حدّ طمعه في إقامة علاقة جنسية معها.

لم يكُن هناك أحد أشتكي إليه، وماذا عساني أفعل في مركز الشرطة؟ هل سيُصدّقونني؟ حتما لا. ثمّ، مالذي سأفعلُه دون عمل؟ لقد ذقت الأمرّين حتّى عثرت على هذا العمل. عانيت كثيرا أنا وابنتي جرّاء البطالة .. لم تكُن الحياة أبدا سهلة بالنسبة الي.

قصّة أخرى… في الشارع الخلفي !

لم تختلف قصّة شيماء عن قصص بعض العاملات في مركبّي شارع الحبيب بورقيبة والبعض من مقاهيه أين تمكّن موقع الكتيبة من رصد قصص مختلفة.

فادية، واحدة منهنّ، تبلغ من العمر 34 سنة، عانت ما عانته شيماء لمدّة ثلاث سنوات مع صاحب عملها. تعمل فادية في مقهى بشارع باريس، بدأت رحلتها في العمل حين رسبت في امتحان البكالوريا سنتين متتاليتين. عملت أوّلا في صالون حلاقة لكنّها لم تتوفّق في المهنة، ثمّ بدأت تنتقل من مقهى إلى آخر، حتى اشتغلت في مقهى بشارع باريس أين وجدت نفسها في منطقة أكثر أمانا، حسب قولها.

“كُنت أبدأ عملي في الساعة الواحدة بعد الظهر وأنتهي حالما يفرغ المقهى من الزبائن بداية من الساعة الثامنة ليلا. لم يكُن صاحب العمل يمكث كثيرا في المقهى وكان يُتابع كلّ أخباري وأخبار عائلتي. لم أنتبه إلى أنّه شديد الودّ معي خاصّة وأنّني لم أتعوّد على هذه الطيبة في المقاهي السابقة التي عملت بها. وكان أيضا شديد الانتباه تُجاه ما أقوم به أحيانا من تغيير للون الشعر، أو الملابس الجديدة التي ألبسها”.

كان دائما يُحذّرني من عفويتي ومزاحي مع الزبائن حتى لا يفهموا سلوكي خطأ. لم أكُن أعلم أنّه بتلك الطريقة كان يفتح لنفسه الطريق للمغازلة والودّ، شيئا فشيئا أصبح يأتي متأخّرا ويبقى معي حتى يخلو المقهى من الزبائن.

أصبح صاحب عمل فادية يطلب منها أن تبقى معه قليلا لتبادل أطراف الحديث. وهي لم تكُن ترفض باعتبار أنّهما أصبحا بمثابة صديقين، لكنّ حديثه أصبح يتضمّن “الكلام البذيء” حسب قولها، ما دفعها إلى تقليل الجلسات معه. استرجعت فادية ثقتها بصاحب العمل عندما وجد لها منزلا قريبا من المقهى بعد بحث دام أكثر من ستّة أشهر، فقد حرص على مساعدتها حسب قولها، وكانت تحمل تُجاهه اعترافا بالجميل. ثمّ تطوّرت الأحداث إلى ما لا يُحمد عُقباه.

بدأ في ازعاجها حالما انتقلت للعيش قرب المقهى وصمّمت تفاصيل حياتها اليومية عليها. أصبح يذهب ليلا عند اغلاق المقهى و”يرمي يديه” (يضع يديه) على مناطق حسّاسة من جسدها. بهذه الكلمات كانت تصف فادية الحادثة التي جعلتها تشعر بالخيانة والغدر حسب قولها من قبل من اعتبرته صديقا لها.

لم اُقاوم في البداية فقد فكّرت في كلّ ما قد يحدث لو طردني من عملي خاصّة وأنّني استأجرت منزلا وخرجت من بيت العائلة. لكنّ نفوري منه تسبّب في طرده لي واتّهامي بالسرقة.

ذهبت فادية إلى مركز الشرطة للتقدّم بشكاية ضدّه، لكنّها بمجرّد وصولها الى هُناك فكّرت قليلا، ثمّ قرّرت التراجع عن مسعاها : “إن ذاع الخبر وأصرّ هو على اتّهامي بالسرقة لن يُشغّلني أحد بعد اليوم، ستدور حولي العديد من القصص والحكايات وستُشوَّه سمعتي، نحن أمام موقفين غير متعادلين، لست في موقع قوّة وسأكون الخاسرة الوحيدة حتى وإن تحقّقت العدالة وتمّت مُحاسبته، وهذا مُستبعد طبعا”.

تحمل فادية وشيماء النهاية نفسها، فحالما انتفضتا على أصحاب عملهما، طُردتا دون حقوق وانطلقتا نحو غد مجهول، مُثقلات باضطهاد نفسي موجع وبذكريات مؤلمة.

يُعرّف الفصل عدد 226 من القانون عدد 58 لسنة 2017 التحرّش الجنسي على أنّه “كل اعتـداء على الغير بالأفعال أو الإشارات أو الأقوال تتضمّن إيحاءات جنسية تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغبات المعتدي أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغط خطير عليه من شأنه إضعاف قدرته على التصدي لتلك الضغوط”.

ورغم أنّ القانون ذاته ينصّ على عقوبة بالسجن من سنة إلى سنتين وغرامة مالية من 3000 إلى 5000 دينار، إلاّ أنّ العديد من النساء خاصّة منهنّ غير المُحاطات ببيئة قانونية وحقوقية يمتنعن عن التقدّم بشكوى، كما أنّ الوضعية الاقتصادية الهشّة للنساء العاملات لا تسمح لهنّ باتّباع إجراءات التقاضي التي تستلزم محام/محامية حسب عضو الجمعية التونسية للمحامين الشبّان غسّان الغريبي.

تعنيف مزدوج : عنف جنسي وعنف اقتصادي

تمتنع العديد من النساء عن تقديم شهاداتهنّ خوفا من فكرة “الفضيحة” السائدة في المجتمع التي تُجرّمهنّ من جهة، وتُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب من جهة ثانية، ما يجعلهنّ عرضة للاستغلال و يجعلهنّ لا يُدركن التحرّش والعنف الجنسي في أوانه.

وحسب منسقة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات رجاء الدهماني، فإنّ النساء اللواتي يشتغلن في القطاع غير المنظّم هنّ الأكثر عرضة للاستغلال الجنسي والاقتصادي، ذلك أنّه لا توجد قوانين تحمي العاملات فيه ولا توجد رقابة شغلية تحميهنّ على غرار الأعمال المنزلية (صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بتاريخ 30 جويلية 2021 القانون عدد 37 لسنة 2021 المتعلق بتنظيم العمل المنزلي لكنّه لم يدخل حيّز التنفيذ) والفلاحية والصناعية، كما أنّ حاجتهنّ للعمل تُعرّضهّن في أحيان كثيرة إلى الاستغلال الذي قد يرتقي إلى جريمة الاتجار بالبشر.

لا يوجد تعريف مُحدّد للاستغلال سواء في القانون التونسي أو في بروتوكول الأمم المتحدة، إلاّ أنّه يُمكن أن “يشمل كحدّ أدنى –حسب تعريف الأمم المتحدة– استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرقّ، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء. كما أنّ موافقة الضحيّة على الاستغلال الموجود لا يُعتدّ بها عند استخدام أيّ من هذه الوسائل”. كما تُعرّف منظمة العمل الدولية العنف والتحرش في الوسط المهني بأنّه “مزيج السلوك والممارسات غير المقبولة، أو التهديد بمثل هذه السلوكيات والممارسات، سواء كانت يتم إنتاجها في مناسبة واحدة أو بشكل متكرر، والتي تهدف إلى التسبب أو من المحتمل أن تسبب في ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي.

يُعرّف مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (كوثر) بدوره العنف الاقتصادي بأنّه “من أقل أنواع العنف المبلَّغ عنها مقارنة بأشكال العنف الأخرى. فقد صرّحت 5.2٪ فقط من النساء اللواتي لديهن شريك، أنّهن يتعرضن للعنف الاقتصادي. ويُرتكب هذا العنف غالبا على النساء العاملات (7.2٪ منهن صرحن أنهن عانين منه).

ووفقًا للفصل 3 من القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017، يُعرّف العنف الاقتصادي بأنّه “كلّ فعل أو امتناع عن فعل من شأنه استغلال المرأة أو حرمانها من الموارد الاقتصادية مهما كان مصدرها كالحرمان من الأموال أو الأجر أو المداخيل، والتحكّم في الأجور أو المداخيل، وحضر العمل أو الإجبار عليه”.

وبالاستناد الى احصائيات كان قد نشرها مركز “كوثر” فإنّ 75.4٪ من النساء المستجوبات كنّ قد صرّحن بأنّهن تعرّضن للعنف الجنسي في الأماكن العامة مقابل 15.7٪ تعرضن له في المجال الخاص. ويعتبر العنف الجنسي -وفق استنتاج مركز كوثر- الأكثر انتهاكا للسلامة الجنسية للمرأة وهو يتجاوز الحياة الجنسية بحد ذاتها لكونه يهدف إلى السيطرة على الآخر في الجانب الأكثر حميمية.

وقد عرّف الفصل 3 من القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 العنف الجنسي بأنه “كل فعل أو قول يهدف مرتكبه إلى إخضاع المرأة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية باستخدام الإكراه أو التغرير أو الضغط وغيرها من وسائل إضعاف وسلب الإرادة وذلك بغض النظر عن علاقة الفاعل بالضحية.”

الصحافيات وكشف الحقيقة: من الموضوع إلى الذات

“إسمي سارة، عُمري 28 سنة، تعود أطوار قصّتي إلى نهاية سنة 2017، عندما تحصّلت على شهادة الإجازة من معهد الصحافة وعلوم الإخبار وانطلقت رحلة البحث عن العمل الذي أنتظر ممارسته بفارغ الصبر.

عرض عليّ زميل يعمل مراسلا في قناة أجنبية ناطقة باللغة العربية التمرّن معه داخل القناة. سُعدت بهذه الفرصة التي سيكون الخوض في غمار تجربتها نقطة بداية مُهمّة في مساري المهني”.

كانت سارة تحمل أحلاما وطموحات ترغب في تحقيقها من خلال عالم الصحافة، الكاشف الأوّل للحقيقة. وكانت تلتقي زميلها في أحد المقاهي لمتابعة العمل الأسبوعي. دفعت هذه المقابلات الدورية بزميلها إلى تجاوز الحدود المهنية واقتراح فكرة الالتقاء بها في منزله، ذلك أنّ زوجته “نافس” (ولدت حديثا) وهو وحيد في المنزل.

نزل هذا الاقتراح عليّ كالصاعقة، لكنّني لم أشأ التصعيد حتى لا أخسر فرصة التمرّن في القناة، رفضت بهدوء وانتظرت منه أن يحترم رفضي وألّا يُعيد الكرّة.

حاولت سارة أن تنسى ما حدث وتجاوز طلبه مُحافظة على هدوئها النفسي، لكنّها اصطدمت بتغيّرات في سلوكه يوم التقته في المرّة اللّاحقة حيث طلب منها الصعود الى السيارة من أجل الحصول على راتبها. حاول اقناعها بالذّهاب معه إلى بيت صديقه، وعندما رفضت رفضا قاطعا، أصبح يتحرّش بها داخل السيارة، ما دفع بها للنزول هربا فور التوقّف في الضوء الأحمر.

رغم إدراك الصحافيات لأشكال العنف الجنسي والاقتصادي ولجميع أنواع الاستغلال، إلاّ أنّ البعض منهنّ يمتنعن عن الإدلاء بشهاداتهنّ وفضح بعض الممارسات. يبقى الحاجز النفسي منيعا تجاه أغلبية النساء باختلاف قطاعاتهنّ ومهنهنّ. وحسب تقرير النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، فقد تقدّمت خلال سنتين ثماني صحفيات بالشكوى من أجل التحرّش الجنسي. وحسب رئيسة وحدة الرصد في النقابة خولة شبح فقد تمّ الإبلاغ عن ثماني حالات تحرّش جنسي، منهم صحفيتان تعرّضتا للتحرّش داخل فضاء العمل.

مرّت سنوات على ما تعرّضت له كلّ من شيماء وفادية وسارة من مواقع مُختلفة، إلاّ أنّهن مازلن يحملن الوجع والألم ذاته. جرح عرقل انطلاقهنّ نحو العمل والمستقبل في بداية المشوار المهني، وذكرى تتكرّر كلّما انتقلن إلى عمل جديد.

تعرّض هذا الثلاثي في مرّات عديدة أخرى إلى التحرّش والاستغلال حتى تعوّدن على نبش الجرح والتعايش مع “جريمة الإفلات من العقاب” خوفا من مُحاسبة المجتمع لهنّ و”درءا للفضيحة”، لكنّ شيماء تعلّمت بعض التقنيات التي ستُخوّل لها محاسبة المعتدين -إن وُجدوا- في المستقبل وحماية نفسها من سياسة التكذيب والتشكيك لعلّ أبرزها وضع هاتفها في وضع تسجيل دائم للمحادثات.

كلمة الكتيبة:

قامت هيئة تحرير الكتيبة بتغيير أسماء المتحدّثات في المقال حفظا لمعطياتهنّ الشخصية وحماية لحياتهنّ الخاصة.

كلمة الكتيبة:

قامت هيئة تحرير الكتيبة بتغيير أسماء المتحدّثات في المقال حفظا لمعطياتهنّ الشخصية وحماية لحياتهنّ الخاصة.

الكاتب : يسرى بلالي

صحفية، صانعة محتوى، باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية.

إشراف: محمد اليوسفي
صوت : رافد شمروخي
تطوير تقني: بلال الشارني
تطوير تقني : بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
صوت : رافد شمروخي

الكاتب : يسرى بلالي

صحفية، صانعة محتوى، باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية.

YosraUpdated