الكاتب : سماح غرسلي
صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستير صحافة استقصائية بجامعة منوبة
“في السابق كانت تنبع من أمّ الأقصاب السقويّة ثلاث عيون ماء ولهذا أطلقت عليها هذه التسميّة، لكن اليوم انقلبت الأمور رأسا على عقب بسبب نقص مياه الريّ بعد أن شحّت الآبار السطحيّة بفعل تراجع كمّيات تساقطات الأمطار، بالإضافة إلى إقدام الجزائر على إنشاء بحيرة اصطناعيّة بمنطقة جبل الصفصاف وتشييد وادي ملاّق وسدّ الوادي الكبير ما أدّى إلى إيقاف تسرّب الماء إلى أراضينا”.
بنبرة تنضح حسرة و ألما، إستحضر لزهر العباسي، و هو فلّاح سبعيني أصيل منطقة أمّ الأقصاب في معتمدية ماجل بلعباس من محافظة (ولاية) القصرين (منطقة حدودية مع الجزائر تقع في الوسط الغربي للبلاد التونسية وتبعد حوالي 270 كم عن العاصمة تونس)، ما كان عليه واقع قطاع الفلاحة الذي كان يؤمّن مورد رزق حوالي 700 عائلة في المنطقة المذكورة آنفا قبل أن تتدهور الأمور خلال العقد الأخير على وجه الخصوص بسبب التغيّرات المناخية ولكن أيضا جرّاء تداعيات السياسات المتّبعة من قبل دولة الجزائر (لها حدود ممتدّة مع تونس تزيد عن 1000 كم) في علاقة بالمجاري المائية المشتركة السطحية والموارد المائية الجوفية.
يضيف لزهر العباسي قائلا: “نحن اليوم تركنا زراعة أراضينا مهنة الأجداد وبقينا نتحسّر على محاصيلنا التي تكاد تكون منعدمة بسبب نقص المياه في المنطقة. ففي الوقت الذي يقوم فيه جيراننا، فلّاحو الجزائر، بجني المحاصيل وحصد المرابيح، أقوم رفقة زملائي الفلاحين في منطقتنا بقطع أشجار الزيتون المزروعة في حقولنا من أجل استعمالها كحطب. إنّ هذه الرّبوع لا تحيا إلّا بالماء وكميّات الأمطار ضئيلة و إخوتنا في الجزائر حرمونا من نصيبنا في المياه المشتركة على مرأى من الجميع دون أن تحرّك الحكومة التونسية ساكنا.”
الكاتب : سماح غرسلي
صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستير صحافة استقصائية بجامعة منوبة
“في السابق كانت تنبع من أمّ الأقصاب السقويّة ثلاث عيون ماء ولهذا أطلقت عليها هذه التسميّة، لكن اليوم انقلبت الأمور رأسا على عقب بسبب نقص مياه الريّ بعد أن شحّت الآبار السطحيّة بفعل تراجع كمّيات تساقطات الأمطار، بالإضافة إلى إقدام الجزائر على إنشاء بحيرة اصطناعيّة بمنطقة جبل الصفصاف وتشييد وادي ملاّق وسدّ الوادي الكبير ما أدّى إلى إيقاف تسرّب الماء إلى أراضينا”.
بنبرة تنضح حسرة و ألما، إستحضر لزهر العباسي، و هو فلّاح سبعيني أصيل منطقة أمّ الأقصاب في معتمدية ماجل بلعباس من محافظة (ولاية) القصرين (منطقة حدودية مع الجزائر تقع في الوسط الغربي للبلاد التونسية وتبعد حوالي 270 كم عن العاصمة تونس)، ما كان عليه واقع قطاع الفلاحة الذي كان يؤمّن مورد رزق حوالي 700 عائلة في المنطقة المذكورة آنفا قبل أن تتدهور الأمور خلال العقد الأخير على وجه الخصوص بسبب التغيّرات المناخية ولكن أيضا جرّاء تداعيات السياسات المتّبعة من قبل دولة الجزائر (لها حدود ممتدّة مع تونس تزيد عن 1000 كم) في علاقة بالمجاري المائية المشتركة السطحية والموارد المائية الجوفية.
يضيف لزهر العباسي قائلا: “نحن اليوم تركنا زراعة أراضينا مهنة الأجداد وبقينا نتحسّر على محاصيلنا التي تكاد تكون منعدمة بسبب نقص المياه في المنطقة. ففي الوقت الذي يقوم فيه جيراننا، فلّاحو الجزائر، بجني المحاصيل وحصد المرابيح، أقوم رفقة زملائي الفلاحين في منطقتنا بقطع أشجار الزيتون المزروعة في حقولنا من أجل استعمالها كحطب. إنّ هذه الرّبوع لا تحيا إلّا بالماء وكميّات الأمطار ضئيلة و إخوتنا في الجزائر حرمونا من نصيبنا في المياه المشتركة على مرأى من الجميع دون أن تحرّك الحكومة التونسية ساكنا.”
في الحقيقة لا يختلف وضع الفلاّحين في منطقة أم الأقصاب من محافظة (ولاية) القصرين عن المأساة التي بات يعيشها الناشطون.ـات في هذا القطاع في محافظات تونسيّة أخرى حدوديّة مع الجزائر.
تشير دراسة بعنوان خارطة الفقر في تونس أعدّها المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع البنك الدولي نشرت بتاريخ 23 سبتمبر/ أيلول 2020 إلى ارتفاع نسب الفقر بشكل رئيسي في المناطق غير الساحلية وتحديدا وسط البلاد وشمالها وفي المناطق الحدودية مع الجزائر بشكل خاص.
وقد أوضحت ذات الدراسة أنّ المعتمديات الأكثر فقرا في تونس هي حاسي الفريد بنسبة 53% فضلا عن جدليان والعيون التابعة لولاية القصرين التي تعدّ ثاني أفقر محافظة (ولاية) في البلاد التونسيّة.
سياسة أحاديّة الجانب
بسبب الجفاف والتغيّرات المناخية التي كان لها أثر شديد بمنطقة شمال إفريقيا، وفي إطار سعيها لتحقيق أمنها المائي، تعتزم الجزائر رفع عدد السدود في البلاد إلى 139 سدّا بحلول سنة 2030.
و قد بلغ عدد السدود في الجزائر حاليّا 81 سدّا بسعة جملية تقدّر بـ 8 ,62 كلم مكعّب أي زهاء 8 مليارات متر مكعب من المياه سنة 2019، موزّعة على كامل البلاد وذلك لتحقيق التوزيع المائي بين المناطق ومنها المرتبطة بالموارد المائية المشتركة مع تونس، وهو ما سيزيد في سعة تخزين المياه على كامل التراب الجزائري إلى حوالي 12 مليار متر مكعب، بحسب تصريح أدلى به عبد القادر والي الوزير السابق للموارد المائية والبيئة لوسائل إعلام جزائريّة.
في هذا السياق، تبرز استراتيجية الجزائر في مجال السدود والتحويلات الكبرى التي تركّزت بالأساس على تطوير البنية التحتية للموارد المائية عن طريق الاستثمار في مشاريع الإنشاءات الكبرى للسدود والتحويلات دون مراعاة للأضرار التي يمكن أن تنجرّ عن ذلك في الجانب التونسي.
يؤكّد المندوب الفلاحي التونسي السابق والخبير في القطاع الفلاحي والموارد المائيّة محمد الميساوي، في تصريح للكتيبة، ما وصفه بتدهور القطاع الفلاحي والزراعات على مستوى الشريط الحدودي مع الجزائر لاسيّما في محافظات (ولاية) الكاف والقصرين وقفصة، مفيدا أنّه بسبب الجفاف ونقص التساقطات في السنوات الأخيرة، باتت التنمية الفلاحيّة في تلك المناطق مهدّدة وتعتمد أساسا على الزراعات والغراسات المرويّة بالمياه السطحيّة أو السيلان المعبّأة بالسّدود أو بالمياه الجوفية من الآبار السطحيّة أو الآبار العميقة. في المقابل ازدهر الإنتاج الفلاحي في المناطق الحدوديّة الجزائرية مع تونس بفضل إقامتها لعدّة منشآت مائية على مستوى الأودية العابرة للدولتين، وفق قوله.
وأضاف الميساوي أنّ هذه المياه تتقاسمها كلّ من المحافظات الحدودية التونسية والمحافظات الحدوديّة الجزائريّة في بعض المناطق، فمثلا وادي ملاّق يمتدّ على طول 484 كلم منها 130 كلم بالبلاد التونسية ومصبّ هذا الوادي جلّه بالبلاد الجزائرية، إضافة إلى وادي هريهر بقلعة سنان من محافظة (ولاية) الكاف الذي كان يسقي حوالي 400 هكتار بمياه الفرش بمنطقة الفالتة التونسيّة إلاّ أنّه جفّ حاليّا بعد إحداث منشآت مائية في الجانب الجزائري، وفقا لما جاء على لسانه.
أمّا بالنسبة الى وادي ملاّق ووادي هريهر فقد كانا يغذّيان المائدة المائية السطحيّة بمنطقة الفالتة التونسيّة ما كان يساهم في ريّ حوالي 1000 هكتار، بيْدَ أنّها أصبحت الآن ناضبة تماما ما أثّر سلبا على حياة المزارعين التونسيين.ـات الذين تخلّوا عن النشاط الفلاحي، حيث تمّ إنشاء سدّ على وادي صرّاط بمحافظة (ولاية) الكاف التونسيّة لتعويض ما نقص من مياه السيلان ومياه المائدة المائية السطحية التي كانت تنهمر إلى الأراضي التونسيّة من الجزائر.
ويفيد ذات المتحدّث أنّ الوادي الكبير الذي كان وما زال يغذّي المائدة المائيّة بأمّ الأقصاب من محافظة (ولاية) القصرين والمائدة المائيّة بشمال محافظة قفصة التونسيّة يمتدّ على طول 486 كلم انطلاقا من ولاية جيجل بالجزائر، موضّحا أنّ إقدام الجزائر على إنشاء سدّ الوادي الكبير أثّر بشكل سلبي على سيلان المياه في المجاري المشتركة مع البلاد التونسيّة في المناطق المذكورة سابقا.
أمام هذا الوضع المناخي المتدهوّر وغياب الاتفاقيّات الثنائية بين كلّ من تونس والجزائر، وإزاء تطوّر العناية بالتنمية الفلاحية بالحدود الجزائريّة أين تمّ إنشاء العديد من المنشآت المائيّة على الأودية العابرة للدولتين، يشهد الجانب التونسي تقلّص المساحات المرويّة وهجرة الفلاحين لمستغلاّتهم التي أصبحت غير قابلة للديمومة والحياة وهذا ما أثبته التعداد السكاني الأخير.
المندوب الفلاحي السابق محمد الميساوي
يثير هذا الوضع الذي باتت عليه المناطق الحدوديّة التونسيّة جرّاء السياسة الأحاديّة المتّبعة من قبل الدولة الجزائريّة في مجال الموارد المائيّة المشتركة تساؤلات لا مفرّ منها في علاقة بموقف تونس خاصة في ظلّ تأثيرات التغيّرات المناخية التي فاقمت الإشكال.
أضرار جسيمة: سدود كبرى على مجاري مائية مشتركة
من خلال المعاينة الميدانية التي قام بها موقع الكتيبة في أكثر من منطقة حدوديّة بين تونس والجزائر، نتبيّن بشكل واضح حجم الأضرار التي خلّفتها السياسات المائية المتّبعة من قبل الدولة الجزائريّة.
هذا الوضع الذي بات يؤرق سكّان المناطق الحدوديّة من جهة تونس، دفع الفلاّح بمنطقة أمّ الأقصاب لزهر العبّاسي إلى التساؤل عمّا أسماه الغياب الرّسمي التّونسي عن الاهتمام بهذا الملف المتعلّق بالمياه المشتركة التي تستغلّ بشكل أحادي الجانب من الجزائر.
يقول العبّاسي في هذا السياق :
ما انفكّت الجزائر تشجّع مواطنيها من الفلّاحين في المناطق الحدوديّة على تعمير تلك الأراضي من خلال تشييد السدود وحفر الآبار ومنحهم امتيازات عديدة على تطوير إنتاجهم الفلاحي الذي بات يستنزف الحقوق المائية للدولة التونسيّة.
لزهر العبّاسي، فلاّح بمنطقة أمّ الأقصاب
من جهته، يقول الفلاّح عبد اللطيف بن عبّاس، وهو أيضا أصيل منطقة أم الأقصاب من محافظة (ولاية) القصرين والذي يتقاسم مع لزهر العباسي نفس المعاناة، إنّ أزمة الجفاف بالمنطقة تسبّبت في تراجع زراعتهم وفشل مشاريعهم الفلاحية التي تمثّل مورد رزقهم الوحيد، مؤكدا أنّ ما عمّق هذه الأزمة هو إقدام الجزائر على تشييد سدّ الوادي الكبير في أراضيها وهذا ما دفع شباب المنطقة إلى الهجرة واختيار مهن أخرى غير الفلاحة وفقا لتصريحه الذي أدلى به إلى موقع الكتيبة.
كان الجزائريون في السابق يشترون زادهم من زيت الزيتون من عند آبائنا وأجدادنا واليوم نعمل في جني الزيتون عند البعض منهم من أجل كسب لقمة العيش.
الفلاّح عبد اللطيف بن عبّاس
ويشدّد بن عبّاس بكل لوعة و حسرة و هو يجلس القرفصاء بجانب البئر المحاذي لمنزله والذي جفّت مياهه في السنوات الأخيرة على أنّ الفلاحة هي رئة تونس قائلا بنبرة حانقة : “اليوم يُقتل الفلاّح ويُقتل معه اقتصاد البلاد وإذا تواصل تفقيرنا سنهجر المنطقة”.
يفيد مصدر مسؤول من معتمدية ماجل بلعباس من محافظة (ولاية) القصرين أنّ السلطات الرسميّة التونسيّة سجّلت في آخر 3 سنوات نزوح 35 عائلة من منطقة العوابديّة في اتجاه مدن أخرى لا سيما الساحليّة، فضلا عن هجرة 70 عائلة من منطقة أولاد مرزوق التابعة هي الأخرى لأمّ الأقصاب بحثا عن مورد رزق جديد بعد أن جفّت أراضيهم وتدهور نشاطهم الفلاحي الذي لم يعد ممكنا.
في الواقع لا يختلف الوضع في محافظة (ولاية) القصرين عمّا يعيشه حاليّا سكّان المناطق التونسيّة المنتشرة حول مجرى وادي مجردة الذي يعدّ أهم نهر في البلاد وهو ينبع من سوق أهراس في شمال شرق الجزائر ويصبّ في خليج تونس وبحيرة تونس حيث يبلغ طوله 450 كم منها قرابة 350 كلم بالتراب التونسي.
على مرّ التاريخ، كان هذا النهر بمثابة هبة تونس بشكل لا يختلف عن النيل في مصر حيث يستفيد الفلاحون من مياهه والأراضي الخصبة المحيطة به لا سيّما من مواطني غار الدماء و بوسالم من محافظة (ولاية) جندوبة و طبربة والجديّدة من محافظة (ولاية) منوبة.
ويتميّز وادي مجردة بكونه رقراقا ويمكّن أهالي تلك المناطق من ريّ أراضيهم وحقولهم وبفضله كانت المحاصيل دائما وفيرة في السابق، لكن مع اشتداد أزمة الجفاف في السنوات الأخيرة تضرّرت الزراعات وتراجعت المحاصيل الفلاحيّة في هذه المناطق خاصة بعد تشييد الجزائر لعدد من السدود على مستوى المنبع بمنطقة سوق أهراس الأمر الذي أثّر على الكميات المائيّة التي تصل إلى الأراضي التونسيّة، وفقا لمعاينات ميدانيّة وشهادات لفلاّحين وثّقها موقع الكتيبة.
من بين هذه الشهادات، كان لنا لقاء مع الفلاّح فارس الطرخاني أصيل منطقة بن بشير من محافظة (ولاية) جندوبة الذي أفاد أنّ زراعتهم السقوية أصبحت تموت يوما بعد يوم بسبب ندرة الأمطار وانخفاض منسوب المياه على مستوى مجرى وادي مجردة الذي أضحى لا يفي بالحاجة ولا يلبي حاجيات الفلاّحين لريّ غراساتهم حيث التجأ أغلبهم إلى التفويت في مشاريعهم الفلاحيّة، وفق قوله.
يؤكدّ أستاذ علم الاجتماع بجامعة قفصة الحدوديّة مع الجزائر، فؤاد غربالي، في تصريح لموقع الكتيبة أنّ التغيّرات المناخية التي تشهدها تونس في السنوات الأخيرة خلّفت أضرارا كبيرة خاصة على مستوى التطوّر الديمغرافي للسكاّن وتحديدا في المناطق الريفيّة الحدودية، إذ يعاني فلاحو تلك المناطق بسبب الجفاف ونقص المياه فيجدون أنفسهم مضطرين لترك أراضيهم أو التفويت فيها وبالتالي تطرح هذه التغيّرات تحديّات ذات صبغة ديمغرافية على سكّان المناطق الحدودية ومن الضروري رسم سياسات عامّة من قبل الدولة التونسيّة للحدّ من هذه الظاهرة، وفق تقديره.
تقصير أم قصور؟
يقول المنسق العام للمرصد التونسي للمياه علاء المرزوقي في حوار لموقع الكتيبة، إنّ الموارد المشتركة تحكمها قوانين واتفاقيات دولية أو ثنائيّة في أغلب الأحيان كما هو الحال بين تونس والجزائر، مضيفا أنّ استغلال هذه الموارد دون استنزافها وبطريقة عادلة لا يسبّب إشكالا، لكن يصبح الوضع خطيرا عندما تعمد دول دون أخرى إلى الاستغلال المفرط للموارد المشتركة وهذا ما وقعت فيه الجزائر في السنوات العشر الأخيرة، وفق تقديره.
وضعية مواردنا المائية تعكس الوضع العام السياسي للبلاد التونسيّة. من المؤسف أنّ الجزائر تستغلّ هذا الوضع السياسي المرتبك في تونس من أجل إنقاذ أمنها المائي حيث اعتمدت على حلّ الخلاص الفردي لتحسّن من اقتصادها ووضعيّة فلاّحيها دون مراعاة للأضرار التي لحقت بالجانب التونسي.
منسق المرصد التونسي للمياه علاء المرزوقي
ويوضّح المصدر ذاته أنّ الجزائر كانت قد لجأت، في العشريّة الماضية، إلى تشييد سدود بشكل أحادي الجانب مضرّة بالطبيعة والبيئة وذلك لمجابهة أزمة الجفاف وتأثيرات التغيّرات المناخية، معتبرا أنّ “هذه السياسة الجزائريّة تسبّبت على سبيل المثال في هجرة فلاحي منطقة سيدي بوبكر من محافظة (ولاية) قفصة من أراضيهم والاستغناء عن زراعتهم، بينما تحافظ سيدي بوبكر الجزائرية على ثرواتها الزراعية المستنزفة للمائدة المائية على غرار البطاطا والقمح”.
وتعتبر شبكة المياه الجوفيّة الممتدّة في الأراضي الليبيّة والجزائريّة والتونسيّة من أكبر الخزّانات في العالم فهي تمتدّ على أكثر من مليون كلم مربع، كما تشترك تونس والجزائر في مياه العديد من الأنهار والأودية العابرة للحدود ولاسيما نهر مجردة الذي يمثّل 37% من المياه السطحية في تونس و22% من مواردها المائية المتجدّدة.
ويغطّي نظام طبقات المياه الجوفية في الصحراء الكبرى الشمالي الغربي أكثر من مليون كيلومتر مربع منها 700 ألف في الجزائر و80 ألف في تونس و250 ألف في ليبيا. ويشمل اثنتين من طبقات المياه الجوفية الرئيسية في المنطقة وهما حوض المتداخل القاري وحوض المركب النهائي، حسب ما صرّح به منسّق مرصد تونس للمياه علاء مرزوقي وما وجدناه في تقارير ومقالات دوليّة مختلفة على غرار ما نشر على موقع “فاناك” للمياه .
بحسب تقرير صادر عن منظمة الصحّة العالميّة في أواخر سنة 2022، فإنّ نصيب الفرد من الماء يجب ألّا يقلّ عن 1000 متر مكعب سنويا بينما في تونس لا يصل نصيب الفرد إلى 400 متر مكعب سنويّا.
وبسبب حالة الفقر المائي التي تعيشها البلاد التونسيّة وغياب سياسة مائية ناجعة اليوم في تونس، فإنّ 8% من الشعب التونسي محرومون من الماء الصالح للشرب، بناء على ما جاء في تقرير المياه الصادر عن وزارة الفلاحة و الصيد البحري التونسيّة لسنة 2020 وهو الأمر ذاته الذي أكّده المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في العديد من التقارير المنشورة.
يكشف تقرير نشرته قناة النهار الجزائرية في 8 جانفي/ كانون الثاني 2024 أنّ الجزائر سجّلت تطوّرا في نسبة تعبئة السدود بعد التساقطات الأخيرة بحوالي 44% إذ بلغ حجم التّعبئة في المنطقة الغربية 173.47 مليون متر مكعّب بمعدّل 17.91% في المقابل بلغ حجم التّعبئة في المنطقة الوسطى 301.81 مليون متر مكعّب بمعدّل 16.59 % و بالنّسبة للمنطقة الشرقية (المحاذية لتونس) بلغ حجم التّعبئة 1.995.06 مليون متر مكعّب بمعدّل 58.23% .
وفي تونس، فإنّ الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى، التابعة لوزارة الفلاحة التونسية أكدّت أن نسبة امتلاء السدود بلغت حتى تاريخ الثلاثاء 2 جانفي/ كانون الثاني 2024، حوالي 27%، حيث بلغ حجم إيرادات سدود الشمال 565 مليون متر مكعّب و بلغ حجم إيرادات سدود الوسط 56 مليون متر مكعّب و في سدود الوطن القبلي بلغ حجم إيرادات السدود 6 مليون متر مكعّب.
تباين في الموقف التونسي يقابله صمت جزائري
في إطار هذا التحقيق، وجّهت الكتيبة مراسلات ومطالب نفاذ للمعلومة إلى كلّ من وزارة الفلاحة والصيد البحري بتونس ووزارة الخارجية التونسية ووزارة الخارجية الجزائرية والسفارة الجزائرية بتونس من أجل الإستفسار عن هذا الملف الذي أرّق فلّاحي المناطق الحدودية التونسية بغية الحصول على توضيحات وتعليقات رسميّة حول النتائج الميدانيّة المشار إليها آنفا.
ففي الوقت الذي خيّرت فيه وزارة الخارجيّة التونسيّة عدم الردّ على مطلب الكتيبة بتعلّة “اتصال موضوعه بالعلاقات الدبلوماسية التونسية الجزائرية وعدم إمكانية وضع ما يتّصل بها من وثائق ومعطيات على ذمّة العموم نظرا لما يمثّله ذلك من مساس بعلاقات تونس الخارجية”، تقول وزارة الفلاحة التونسيّة في ردّها إنّه “لا توجد حاليّا أيّ اتفاقية بين تونس والجزائر في علاقة بالمياه المشتركة “(السطحية والجوفية).
وبخصوص سياسة الجانب التونسي في ما يتعلّق بالشراكة المائية التونسية والجزائرية، فإنّ وزارة الفلاحة تفيد في ردّها أنّها “تسعى خلال كل اللقاءات الثنائيّة مع الشقيقة الجزائر إلى تفعيل لجنة مشتركة بين البلدين للتحكّم في الموارد المائيّة المشتركة”.
فيما يتعلّق بالأضرار التي تنجرّ عن استغلال الجزائر للموارد المائية المشتركة، تقول وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري في معرض ردّها على أسئلة موقع الكتيبة، إنّها “تعمل دائما على تخطّي هذه الأضرار بالعمل على التحكّم في الموارد المائية المتاحة وخاصّة التعويل على مياه سدود أقصى الشمال كبديل لنقص مياه وادي مجردة وملّاق”.
أمّا في علاقة بالسدود التي تمّ إنجازها من الجانب الجزائري كسدّ ولجة ملاّق وعين الدالية، تؤكّد وزارة الفلاحة التونسيّة أنّه “لم يتمّ إعلامنا والتشاور معنا مسبقا نظرا لعدم وجود اتفاقية شراكة بين البلدين. كما أنّه لم يتمّ إنشاء أي تنسيقية مشتركة بين تونس والجزائر التي من شأنها أن تتابع التصرّف في المياه المشتركة”.
يرى أستاذ القانون بالجامعة التونسيّة الدكتور أيمن الزغدودي أنّ ردّ وزارة الشؤون الخارجية مخالف لقانون النفاذ للمعلومة التونسي خاصة أنّ المعلومة المراد معرفتها لا تمس من الشروط التي تحول دون توفّرها على غرار المسّ من الأمن القومي، ومن حقّ كلّ مواطن في الاطلاع على أيّ معلومة تتعلّق بحق من حقوقه الكونيّة التي يكفلها الدستور التونسي في فصله 48 ومن الضّروري أن يعرف كلّ مواطن الاستراتيجية التي تعتمدها الدولة لضمان هذا الحقّ والحفاظ عليه، بحسب تعبيره.
من المهمّ في هذا السياق الإشارة إلى أنّ الفصل 48 من الدستور التونسي لسنة 2022 الذي قام بوضعه الرئيس قيس سعيّد ينصّ على أنّه على الدولة توفير الماء الصالح للشراب للجميع على قدم المساواة، وعليها المحافظة على الثروة المائيّة للأجيال القادمة.
من جهة أخرى، يشدّد الخبير الفلاحي محمد الميساوي على أنّ التصرّف في الموارد المائيّة المشتركة بين تونس والجزائر لا يكون جادّا وعادلا إلاّ عبر اتفاقيات ثنائية بين البلدين تضمن حقوق كلّ طرف.
ويؤكّد منسّق المنتدى التونسي للمياه علاء المرزوقي أنّه من الضروري التحسيس بخطورة الوضع في ظل الأزمة المائية الخانقة التي تشهدها تونس وأن تعمل الدولتان على إيجاد حلول مشتركة وأن تسخّر تونس موظفين مختصّين في الدبلوماسية المائية لوضع استراتيجية واضحة وناجعة لترشيد استهلاك الموارد المائية المشتركة من الجهتين.
تكشف عديد التجارب المقارنة أنّ الثروات المائية المشتركة باتت تحظى باهتمام كبير من قبل الدول التي تسعى جاهدة للدفاع عن حقوق شعوبها في إطار اتفاقيات ثنائية تعلي من المسألة الدبلوماسيّة وتراعي تأثيرات التغيّرات المناخية بشكل عادل ومنصف.
يذكر أنّ وزارة الخارجية الجزائريّة كما هو الحال بالنسبة لسفارتها في تونس، اكتفتا بعدم الردّ على مراسلات موقع الكتيبة رغم المحاولات العديدة التي قمنا بها هاتفيا والكترونيا.
في الأثناء، تواصل دولة الجزائر سياستها المائية الأحاديّة التي تضمن مصالحها ومصالح مواطنيها خاصة في المناطق الحدوديّة وهو ما يطرح أسئلة حارقة في علاقة بالمستقبل لاسيما في ظلّ الدعوات الصادرة من قبل منظمات مدنيّة في تونس حثّت الرئيس قيس سعيّد على استغلال دفء العلاقات الدبلوماسيّة مع الجزائر ورئيسها عبد المجيد تبّون لمناقشة هذا الموضوع بشكل جديّ يضمن حقوق تونس.
على الرغم من المساعي الحثيثة التي قامت بها هيئة التحرير في موقع الكتيبة للحصول على تصريحات من خبراء جزائريين في المجالين الفلاحي والمائي، إلاّ أنّ جميعهم رفضوا الخوض في الموضوع تحت ذريعة حساسيته لدرجة أنّ أحدهم حذّر من إثارة هذا الملف، واصفا إياه بأنّه مؤامرة صهيونيّة لزرع الفتنة بين البلدين الشقيقين.
على الرغم من المساعي الحثيثة التي قامت بها هيئة التحرير في موقع الكتيبة للحصول على تصريحات من خبراء جزائريين في المجالين الفلاحي والمائي، إلاّ أنّ جميعهم رفضوا الخوض في الموضوع تحت ذريعة حساسيته لدرجة أنّ أحدهم حذّر من إثارة هذا الملف، واصفا إياه بأنّه مؤامرة صهيونيّة لزرع الفتنة بين البلدين الشقيقين.
الكاتب : سماح غرسلي
صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستر صحافة استقصائية بجامعة منوبة
الكاتب : سماح غرسلي
صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستر صحافة استقصائية بجامعة منوبة