الكاتب : هيئة التحرير
انطلقت الحكاية في شهر مارس/ آذار 2024، عندما تمّ تداول معطيات منسوبة إلى شركة مزعومة تحت عنوان “البارومتر السياسي” تتوقع بأنّ نسبة التصويت للرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسيّة القادمة في الدور الأوّل ستكون 23.9%، في حين يزعم نفس الاستطلاع أنّ النائب السابق الصافي سعيد في حال ترشّحه سيحصد 11.2% ويأتي بعده في المرتبة الثالثة الوزير الأسبق في عهد الرئيس بن علي الذي يقيم في فرنسا منذ سنوات منذر الزنايدي في المرتبة الثالثة برصيد 7.1 % من نوايا التصويت.
بدت هذه النتائج للكثير من المتابعين للشأن السياسي مفاجئة لاسيّما بخصوص منذر الزنايدي الذي ظلّ غائبا عن الساحة طيلة سنوات والذي ابتعد عن المسؤوليات في الدولة منذ سقوط نظام بن علي في 2011 حيث غادر البلاد وقتها على خلفية تتبّعات قضائيّة تهمّ قضايا متعلّقة بشبهات فساد.
وقد تعزّزت هذه المفاجأة خاصة مع حلول مطلع شهر أفريل/ نيسان حيث تمّ نشر معطيات جديدة تحت نفس العنوان يزعم فيها أصحابها أنّ قيس سعيّد في حال ترشّحه سيكون في المرتبة الأولى بنسبة 21.9% يليه مباشرة منذر الزنايدي بنسبة 11.2% قبل الصافي سعيد الذي صنّف في المرتبة الثالثة بنسبة 10.8%.
وكان موقع الكتيبة قد أماط اللّثام في الجزء السابق من التحقيق عن حملة التضليل المعلوماتي الممنهج التي تقودها شركة وهمية تحمل اسم “تونيزيا ميترز” ليس لها أيّ وجود قانوني أو فعلي على أرض الواقع. اليوم، نرفع الستار عن هويّة الشّخص الذّي يتخفّى وراء هذه الشركة ونفكّك شبكة علاقاته وطبيعة علاقته بالسلطة والمعارضة.
الكاتب : هيئة التحرير
انطلقت الحكاية في شهر مارس/ آذار 2024، عندما تمّ تداول معطيات منسوبة إلى شركة مزعومة تحت عنوان “البارومتر السياسي” تتوقع بأنّ نسبة التصويت للرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسيّة القادمة في الدور الأوّل ستكون 23.9%، في حين يزعم نفس الاستطلاع أنّ النائب السابق الصافي سعيد في حال ترشّحه سيحصد 11.2% ويأتي بعده في المرتبة الثالثة الوزير الأسبق في عهد الرئيس بن علي الذي يقيم في فرنسا منذ سنوات منذر الزنايدي في المرتبة الثالثة برصيد 7.1 % من نوايا التصويت.
بدت هذه النتائج للكثير من المتابعين للشأن السياسي مفاجئة لاسيّما بخصوص منذر الزنايدي الذي ظلّ غائبا عن الساحة طيلة سنوات والذي ابتعد عن المسؤوليات في الدولة منذ سقوط نظام بن علي في 2011 حيث غادر البلاد وقتها على خلفية تتبّعات قضائيّة تهمّ قضايا متعلّقة بشبهات فساد.
وقد تعزّزت هذه المفاجأة خاصة مع حلول مطلع شهر أفريل/ نيسان حيث تمّ نشر معطيات جديدة تحت نفس العنوان يزعم فيها أصحابها أنّ قيس سعيّد في حال ترشّحه سيكون في المرتبة الأولى بنسبة 21.9% يليه مباشرة منذر الزنايدي بنسبة 11.2% قبل الصافي سعيد الذي صنّف في المرتبة الثالثة بنسبة 10.8%.
وكان موقع الكتيبة قد أماط اللّثام في الجزء السابق من التحقيق عن حملة التضليل المعلوماتي الممنهج التي تقودها شركة وهمية تحمل اسم “تونيزيا ميترز” ليس لها أيّ وجود قانوني أو فعلي على أرض الواقع. اليوم، نرفع الستار عن هويّة الشّخص الذّي يتخفّى وراء هذه الشركة ونفكّك شبكة علاقاته وطبيعة علاقته بالسلطة والمعارضة.
غلطة الشّاطر بألف …
كانت الساعة تشير الى منتصف اللّيل عندما قرّرت هيئة تحرير الكتيبة الالتحاق بمقرّ العمل والاجتماع مجددا بعد أن توصّل فريقنا التقني الى معلومات جديدة وصفها خبير الاعلامية بـ”القنبلة”. لقد تمّ رفع الستار عن صاحب (مالك) الوثيقة التي تمّ تحميلها على موقع “تونيزيا ميترز” تحت عنوان “الباروميتر السياسي : نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية أفريل 2024″، حيث تشير البيانات الوصفية للملف metadata وبيانات الملكية document property إلى شخص يدعى عاطف الحمزاوي. ورغم الحذر الشديد الذي رافق عملية نشر نتائج استطلاعات الرأي المضلّلة منذ نوفمبر 2021 والحرص على عدم ترك أيّ أثر من شأنه أن يكشف هويّة الشخص أو الجهة التي تقف وراء العملية برمّتها الاّ أنّ ما وقع مع عاطف الحمزاوي في واقعة الحال ينطبق عليه المثل القائل “غلطة الشاطر بألف” حيث غفل الحمزاوي عن محو البيانات الوصفية للوثائق التي قام بتحميلها على موقع “تونيزيا ميترز.كوم” بالإضافة إلى ترك بعض الثغرات التقنية المتعلّقة بعمليات التراسل الالكتروني والتي قادت مجتمعة إلى كشف هويّته. فمن يكون عاطف الحمزاوي وماهي مصلحته من ادارة حملة تضليل تتعلّق بنوايا تصويت التونسيين.ات في الانتخابات الرئاسية التونسية؟
عاطف الحمزاوي
عاطف الحمزاوي
عاطف الحمزاوي، وفق التعريفات المتداولة له اعلاميا، هو تونسي مقيم في فرنسا، متخصّص في علم الإجرام والعلوم الجنائية وخبير دولي في الأمن وقضايا الاتجار بالبشر والجريمة المنظمة وإدارة الأزمات. ولكي نختصر كلّ هذه المهارات فانّه -وفق تعريفه لنفسه- متخصص في التحقيقات بوزارة الخارجية الأمريكية وموظّف لدى منظّمة الشرطة الجنائية الدّولية “انتربول” في فرنسا وكان ملحقا بالسفارة الأمريكية بفرنسا إلى حدود سنة 2022 تاريخ انتهاء الحاقه بالسفارة -وفق قوله- وعودته لمباشرة مهامّه في الانتربول والإقامة في مدينة ليون الفرنسية.
تَعرّفَ التّونسيّون.ـات لأوّل مرّة عن كثب على عاطف الحمزاوي، منتصف سنة 2022، على خلفيّة ما عُرف اعلاميا آنذاك بـ”فضيحة” تسريب التسجيلات الصوتية لنادية عكاشة مديرة ديوان الرئيس قيس سعيد سابقا. وكانت جهة غير معلومة قد سرّبت على مواقع التواصل الاجتماعي عددا من المكالمات الهاتفيّة المسجّلة لنادية عكاشة وهي بصدد الحديث إلى شخص ثان كاشفة بنبرة منتقدة كواليس إدارة الحكم في قصر قرطاج ومتّهمة الرئيس سعيّد بـ”عدم الكفاءة” في إدارة شؤون البلاد ومشكّكة في مداركه وقدرته على اتّخاذ قرارات سليمة وفق ما تضمّنته التسجيلات.
مثّلت التسريبات، آنذاك، زلزالا سياسيا هزّ المشهد العام بالبلاد وفتح الباب على مصراعيه على جملة من التّخمينات المتضاربة حول هويّة الشخص الذي كانت مديرة الديوان بصدد محاورته وما إذا كان هو المعني بتسريب المكالمات أم أنّه هو بدوره ضحيّة أياد أخرى قامت بعملية التسريب.
لم تطُل فترة الانتظار كثيرا إذ اعترف عاطف الحمزاوي في خطوة غير متوقّعة بأنّه هو من كانت عكاشة بصدد محاورته نافيا أن يكون هو الشخص الذي يقف وراء عملية التسريب.
جمعتني اتصالات هاتفية مع نادية عكاشة بعد مغادرتها قصر قرطاج ووصولها إلى باريس .. لم نكن قريبين بشكل خاص قبل ذلك، فقط حاولتْ الاتّصال بي للحصول على المشورة بشأن أفضل طريقة للحصول على تصريح إقامة في فرنسا لها ولأسرتها، حينها لم يكن لديها غير تأشيرة.
عاطف الحمزاوي، في تصريح للكتيبة
نادية عكاشة
نادية عكاشة
في اتّصال هاتفي جمعنا به كشف الحمزاوي، أنّ العلاقة كانت قد توطّدت بينه وبين نادية عكاشة، بعد تبادلهما بشكل شبه يومي الأخبار الوطنية والحديث في الشأن السياسي التونسي، مضيفا أنّه كان “أحد المتعاونين” في الحملة الانتخابية للرئيس سعيّد قبل رئاسيات 2019، حيث قرّر مدّ يد العون بطلب من الناشط في حملة سعيّد آنذاك والنائب الحالي الداعم لمسار 25 جويلية فوزي الدعّاس.
لقد شاركت في حملة الرئيس سعيّد من خلال دعم بعض المنشورات بالسبونسورينغ على فايسبوك وكذلك عبر ربط الصلة مع عدد من الصحفيين هنا في فرنسا.
عاطف الحمزاوي، في تصريح للكتيبة
بعد وصول سعيّد لقصر قرطاج وتعيينه لعكاشة مديرة لديوانه الرئاسي تمّت الاستعانة بعاطف الحمزاوي -بصفته من الثقات بالنسبة إلى القصر وفق قوله- لحلحلة أحد الملفّات التي لم يرغب في كشف ماهيّتها.
اتّصلتْ بي نادية عكاشة طالبة مساعدة القصر في حلحلة ملف معيّن وقد قبلت بذلك، وكان ذلك أوّل تواصل لي مع عكاشة. بعد 25 جويلية أخذت مسافة من السلطة.
عاطف الحمزاوي، في تصريح للكتيبة
لا أملك تفسيرا لذلك .. ولكن لا صلة لي بذلك
باستثناء زلزال التسجيلات الهاتفية المسرّبة وما انجرّ عنها من تحقيقات قضائية وشكاوى منشورة أمام القضاء التونسي والقضاء الفرنسي على حدّ السواء، يكاد اسم عاطف الحمزاوي يختفي تماما عن نقاشات الشأن العام، ولكنّه سرعان ما طفا على السّطح مجدّدا في تلميحات عدد من المعلّقين الإعلاميين والنشطاء السياسيين في علاقة بنتائج استطلاعات الرأي الأخيرة (الباروميتر السياسي : نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية أفريل 2024) التي تمّ تسريبها لعدد من الإعلاميين عبر مراسلات الكترونية مجهولة المصدر خلال شهر مارس المنقضي.
ولئن تؤكّد كلّ المعطيات الالكترونية التي بحوزتنا والتي تمّ توثيقها بمعاينة قانونية أجراها عدل منفّذ (أنظر/ي الصورة المرافقة للمقال) انّه من يقف فعلا وراء الموقع المذكور فإنّ عاطف الحمزاوي كان قد تملّص -في اتّصال هاتفي جمعنا به- من الموضوع نافيا أن تكون له علاقة به:
صحيح أنّ التكنولوجيا لا تكذب ولكنّني لا أملك تفسيرا لوجود اسمي في البيانات الوصفية لوثيقة الاستطلاع المحمّلة على الموقع. ومع ذلك أنا أنفي صلتي بالموضوع.
عاطف الحمزاوي، في تصريح للكتيبة
بمجرّد أن كشفنا لعاطف الحمزاوي عن الحُجّة الالكترونية التي تمكنّا من خلالها من الوصول إلى هويّته، تمّ سحب الوثيقة من الموقع ومحو بياناتها الوصفية بهدف إتلاف الدليل الذي بحوزتنا غير أنّنا كنّا نتوقّع هذه الخطوة مسبقا وتحسّبا لحصولها كنّا قد قمنا، قبل اطّلاع الحمزاوي على الثغرة الالكترونية التي تركها وراءه، بتسجيل الدليل وتوثيقه قانونيا عبر تكليف عدل منفّذ بإجراء معاينة رسمية. وللإشارة فانّ الشّخص الوحيد الذي تمّ اطلاعه على الحجّة المذكورة -قبل أن يتمّ تدميرها بسرعة- هو عاطف الحمزاوي ولا أحد سواه.
الحمزاوي و الزنايدي .. لقاءات باريس
كان ظهور اسم المرشّح لرئاسيات 2024 منذر الزنايدي في مرتبة متقدّمة ضمن استطلاع الرأي المزعوم (المرتبة الثالثة في استطلاع شهر مارس ثمّ قفز الى المرتبة الثانية مباشرة خلف الرئيس سعيّد في استطلاع شهر افريل) مثيرا لريبة قطاع واسع من المتابعين للشأن العام ما دفع ببعض المعلّقين في برامج إذاعية لربط الاستطلاع بمنذر الزنايدي على اعتبار أنّه المستفيد الأكبر فعليا من النتائج التي تمّ نشرها والتي تضعه في منافسة مباشرة ومفتوحة مع الرئيس الحالي قيس سعيّد.ذ
في اتّصال هاتفي جمعنا به خلال إنجاز الجزء السابق من التحقيق، كان منذر الزنايدي قد نفى بشكل مقتضب أيّ علاقة له بالشخص أو الجهة التي تقف وراء استطلاعات الرأي المذكورة، رافضا الردّ على اتصالاتنا المتكرّرة في هذا الصّدد:
أنا أنفي وجود أي علاقة تجمعني بشركة تونيزيا ميترز.
منذر الزنايدي في تصريح لـ”الكتيبة”
في الحقيقة فانّ منذر الزنايدي تجمعه علاقة وطيدة بعاطف الحمزاوي يعود أساسها الى أنّهما ينحدران من نفس المنطقة (القصرين)، فضلا عن إقامة كليهما في فرنسا. ووفقا لما أفادنا به الحمزاوي فانّه كان قد التقى الزّنايدي في فرنسا في أكثر من مناسبة لـ”تبادل أطراف الحديث في مواضيع تهمّ الشأن العام”.
ولكن هل مجرّد عقد لقاءات قد تكون ودّية بين الشخصين في فرنسا يمكن اعتباره دليلا على أنّ الحمزاوي يدير حملة التضليل المعلوماتي باعتماد استطلاعات الرأي الوهمية خدمةً للزنايدي أو بطلب منه؟ لا يمكن الجزم بذلك أو نفيه في غياب دليل مادّي يوثّق الصلة النفعية، ولكن ما يمكن تأكيده هو أنّ الزنايدي قد استفاد فعلا من نتائج تلك الاستطلاعات حيث حظي بتغطية إعلامية وحضور غير مباشر في وسائل الإعلام المحلية التي تداولت على نطاق واسع نتائج الاستطلاعات المنسوبة إلى الشركة الوهمية “تونيزيا ميترز” مصنّفة الزنايدي على أنّه المنافس المباشر للرئيس سعيّد في رئاسيات 2024.
على أرض الواقع، ما انفكّت الصفحات المساندة لمنذر الزنايدي والتي تقوم بحملات دعائيّة مموّلة بالعملة الصعبة من الخارج، تواصل الترويج لمنشورات “تونيزيا ميترز”، زاعمة أنّ نتائج الدور الأوّل من الانتخابات الرئاسيّة القادمة قد حسمت من الآن لصالح المرشّحين قيس سعيّد ومنذر الزنايدي بشكل قد يتسبّب في توجيه جمهور الناخبين.ـات، وسط صمت هيئة الانتخابات التي حاولنا التواصل مع رئيسها فاروق بوعسكر والناطق الرسمي التليلي المنصري دون أيّ ردّ على اتصالاتنا الهاتفيّة المتكرّرة.
يذكر أنّ منذر الزنايدي (73 سنة) يواجه حاليّا تتبّعات قضائيّة في تونس في قضيّة متعلّقة بنشاطه السابق حينما كان وزيرا في عهد الرئيس الأسبق المخلوع زين العابدين بن علي.
يرى مساندون لمنذر الزنايدي أن تلك القضية “كيديّة” وأنّ الهدف منها منع الآنف ذكره من الترشّح لمنافسة الرّئيس الحالي قيس سعيّد في الانتخابات المرتقبة.