الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي لموقع الكتيبة

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

“في عالم سريع التغيّر، أصبح الاعتماد على البيانات الموثوقة لاتّخاذ القرارات الصحيحة أكثر أهمّية من أي وقت مضى. في تونيزيا ميترز، نحن مقتنعون بأنّ عملاءنا يبحثون عن أكثر من مجرّد مزوّد بيانات. إنّهم بحاجة إلى شريك حقيقي يزوّدهم بالمعلومات الدقيقة وذات الصّلة، ويحوّلها إلى معرفة تمكّنهم من اتخاذ الإجراءات اللازمة.”

بهذه العبارات المكتوبة باللّغة الفرنسيّة، يستهلّ موقع يدعى “تونيزيا ميترز” بطاقته التعريفيّة الخاصة بأنشطته المزعومة، مبرزا أنّ خبرات القائمين عليه تقوم على تقديم خدمات في مجالات دراسة سلوكيّات الشراء ومعرفة السوق، واستطلاعات الآراء السياسية والتي تهمّ الرأي العام، فضلا عن خدمة الاستشارات، وفق ما جاء في الموقع.

للوهلة الأولى قد يظنّ المتصفّح لهذا الموقع الذي شغل الرأي العام التونسي في الفترة الأخيرة بعد نشره لنتائج قال إنّها لعمليات سبر آراء متعلقة بنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسيّة القادمة، أنّه أمام مؤسّسة حقيقيّة محترفة متخصصّة في استطلاعات الرأي والدراسات التسويقيّة على شاكلة شركات تونسيّة معروفة مثل “سيغما كونساي” و”امرود كونسلتينغ” وغيرها. غير أنّ التعمّق في المسألة بحسّ صحفي مهني يبعث على كثير من نقاط الاستفهام والشكّ.

في الحقيقة، ليست المرّة الأولى التي تنسب فيها لـ”شركة تونيزيا ميترز” نتائج نشرت في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي حول ما قيل إنّها نوايا تصويت في الرئاسية المرتقبة نهاية العام الجاري.

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي لموقع الكتيبة

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

“في عالم سريع التغيّر، أصبح الاعتماد على البيانات الموثوقة لاتّخاذ القرارات الصحيحة أكثر أهمّية من أي وقت مضى. في تونيزيا ميترز، نحن مقتنعون بأنّ عملاءنا يبحثون عن أكثر من مجرّد مزوّد بيانات. إنّهم بحاجة إلى شريك حقيقي يزوّدهم بالمعلومات الدقيقة وذات الصّلة، ويحوّلها إلى معرفة تمكّنهم من اتخاذ الإجراءات اللازمة.”

بهذه العبارات المكتوبة باللّغة الفرنسيّة، يستهلّ موقع يدعى “تونيزيا ميترز” بطاقته التعريفيّة الخاصة بأنشطته المزعومة، مبرزا أنّ خبرات القائمين عليه تقوم على تقديم خدمات في مجالات دراسة سلوكيّات الشراء ومعرفة السوق، واستطلاعات الآراء السياسية والتي تهمّ الرأي العام، فضلا عن خدمة الاستشارات، وفق ما جاء في الموقع.

للوهلة الأولى قد يظنّ المتصفّح لهذا الموقع الذي شغل الرأي العام التونسي في الفترة الأخيرة بعد نشره لنتائج قال إنّها لعمليات سبر آراء متعلقة بنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسيّة القادمة، أنّه أمام مؤسّسة حقيقيّة محترفة متخصصّة في استطلاعات الرأي والدراسات التسويقيّة على شاكلة شركات تونسيّة معروفة مثل “سيغما كونساي” و”امرود كونسلتينغ” وغيرها. غير أنّ التعمّق في المسألة بحسّ صحفي مهني يبعث على كثير من نقاط الاستفهام والشكّ.

في الحقيقة، ليست المرّة الأولى التي تنسب فيها لـ”شركة تونيزيا ميترز” نتائج نشرت في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي حول ما قيل إنّها نوايا تصويت في الرئاسية المرتقبة نهاية العام الجاري.

ففي شهر مارس/ آذار 2024، تمّ تداول معطيات منسوبة إلى نفس الشركة المزعومة تحت عنوان “البارومتر السياسي” تتوقع بأنّ نسبة التصويت للرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسيّة القادمة في الدور الأوّل ستكون 23.9%، في حين تزعم نفس الوثيقة المتداولة أنّ النائب السابق الصافي سعيد في حال ترشّحه سيحصد 11.2% ويأتي بعده في المرتبة الثالثة الوزير الأسبق في عهد الرئيس بن علي الذي يقيم في فرنسا منذ سنوات منذر الزنايدي في المرتبة الثالثة برصيد 7.1 % من نوايا التصويت.

بدت هذه النتائج للكثير من المتابعين للشأن السياسي مفاجئة لاسيّما بخصوص منذر الزنايدي الذي ظلّ غائبا عن الساحة طيلة سنوات والذي ابتعد عن المسؤوليات في الدولة منذ سقوط نظام بن علي في 2011 حيث غادر البلاد وقتها على خلفية تتبعات قضائيّة تهمّ قضايا متعلّقة بشبهات فساد.

وقد تعزّزت هذه المفاجأة خاصة مع حلول مطلع الشهر الحالي أفريل/ نيسان حيث تمّ نشر معطيات جديدة تحت نفس العنوان يزعم فيها أصحابها أنّ قيس سعيّد في حال ترشّحه سيكون في المرتبة الأولى بنسبة 21.9% يليه مباشرة منذر الزنايدي بنسبة 11.2% قبل الصافي سعيد الذي صنّف في المرتبة الثالثة بنسبة 10.8%.

وحلّ أمين عام حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي رابعا وفق نفس النسب المزعومة برصيد 9.7%، قبل رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي التي تقبع في السجن في قضيّة سياسيّة، وفق جهات حقوقيّة، التي جاءت في المرتبة الخامسة بنسبة قدّرت بـ 3.6% والتي سبق أن أعلنت منذ فترة عزمها خوض غمار الاستحقاق الرئاسي.

تزعم نفس الوثيقة المتداولة تحت عباءة عمليّة سبر آراء أنّ إجابات المستجوبين الذين تقول إنّ عددهم بلغ 1023 تونسي وتونسيّة، كانت تلقائية دون تقديم اقتراحات.

موقع الكتيبة كان من بين المؤسّسات الإعلاميّة التي وصلتها رسالة إلكترونية عبر عنوان البريد الإلكتروني الشخصي لرئيس التحرير. وقد ارتأت هيئة التحرير، آنذاك، عدم نشر أي معطى من هذه الوثيقة مجهولة المصدر احتراما لأخلاقيات المهنة وقواعدها وللجمهور المتابع خشية أن يكون الأمر متعلّقا بعمليّة تضليل.

على هذا الأساس، انطلقت رحلة التقصّي حول هوّية هذه المؤسّسة المزعومة المسماة “تونيزيا ميترز” ومدى جديّة الأرقام المتداولة ونزاهتها.

فمن هو هذا “الكائن الهلامي” المسمّى “تونيزيا ميترز”؟ هل يتعلّق الأمر فعلا بشركة لها وجود قانوني؟ من يقف وراء هذه المعطيات غير الموثوقة التي تنشر تحت عباءة نتائج لنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسيّة التونسيّة؟ ومن المستفيد منها؟ هل فعلا لها علاقة بالمرشح المرتقب للرئاسية منذر الزنايدي الذي عبّر ضمنيّا مؤخّرا عن إمكانية خوض السباق نحو قصر قرطاج؟ ما علاقة صفحات فايسبوكية تقود حملة دعائية لصالح منذر الزنايدي بهذا الكيان المسمّى “تونيزيا ميترز”؟ كيف كانت نتائج الزيارة الميدانية لعنوان هذه “الشركة المزعومة” في منطقة المركز العمراني الشمالي بتونس العاصمة؟ وما حقيقة أنّ العمليّة برمتها تتعلّق بتضليل معلوماتي وتلاعب بالرأي العام الانتخابي التونسي؟

جملة هذه الأسئلة الحارقة وغيرها سنقوم بالاجابة عنها في هذا التحقيق الذي أنجزه فريق موقع الكتيبة بالاستعانة بخبراء محترفين في مجال المعلوماتيّة.

كائن هلامي نسمع عنه ولا نراه

بقطع النظر عن جميع التحفظات والانتقادات الموضوعيّة التي توجه لمؤسّسات سبر الآراء في تونس لاسيما خلال الفترة التي تلت الثورة والدور الذي قامت به في علاقة بمسار الانتقال الديمقراطي المجهض، فإنّ هذه الشركات دأبت على احترام الحدّ الأدنى من معايير الشفافيّة بخصوص نتائج استطلاعات الرأي التي تنشرها.

يتعلّق الأمر هنا بمؤسسات معروفة مثل “سيغما كونساي” و “إمرود كونسلتينغ” وغيرها من الشركات التي يعلم الجمهور على الأقل الجهة المشرفة عليها، فضلا عن كونها تتمتّع بوجود قانوني وعنوان مقرّ اجتماعي معلوم ومخاطبين يتعاملون مع العديد من وسائل الإعلام بشكل معلن، كما تقوم هذه المؤسسات بالإدلاء بتصاريح جبائيّة سنويّة وتشغيل متخصّصين في مجال الإحصاء وجمع البيانات وتحليلها.

في المقابل، فإنّ الشركة المزعومة المسماة “تونيزيا ميترز” لم يخرج إلى نور الشمس أيّ متحدّث باسمها منذ انطلاق عمليات نشر النتائج المتداولة والمنسوبة إليها في شهر مارس/ آذار الماضي.

من خلال عمليّة التحرّي والتقصّي التي قام بها موقع الكتيبة في علاقة بالموقع الإلكتروني الذي يزعم أنّه المنصة الرسمية الخاصة بالشركة المزعومة السابق ذكرها، نستشفّ في سياق البحث عن المعلومات الخاصّة بمصدر صفحات موقع “تونيزيا ميترز” أنّ هذا الأخير أحدث عبر موقع “ويكس” حيث تمّ شراء اسم النطاق (الدومان) هناك وهو ما يتيح اخفاء جميع المعطيات الشخصيّة التي تتحوّز عليها حصريا وبشكل سرّي الجهة التي قدمت الخدمة (ويكس).

من الملاحظ أيضا أنّ موقع “تونيزيا ميترز” أحدث بتاريخ 12 فيفري / شباط 2024 أي قبيل أيّام قليلة من نشر نتائج سبر الآراء الأوّل المزعوم في شهر مارس/ آذار من نفس السنة.

يقدّم موقع ويكس كوم نفسه (مسدي الخدمة لموقع شركة سبر الآراء التونسية المزعومة) على أنّه شركة برمجيّات إسرائيليّة تأسست في سنة 2006 وهي توفّر خدمات الحوسبة السحابيّة، وتسمح للمستخدمين بإنشاء مواقع “اتش تي ام إل 5” ومواقع للهواتف عبر خاصّية السحب والإفلات.

يقع مقرّ موقع ويكس في ما تسمى “إسرائيل” بالاضافة لامتلاكها مكاتب في البرازيل، كندا، ألمانيا، الهند، أيرلندا، لتيوانيا، أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

تعتبر “ويكس” من أكبر وأبرز المنصات التي تتيح لأصحاب الأعمال والمشاريع والشركات، إمكانية إنشاء موقع الكتروني احترافي بشكل مجاني دون الحاجة إلى أي خبرة تقنية أو برمجية مسبقة، مع تقديم باقات أسعار لجميع الأفراد والكيانات لكي يختاروا ما يلائمهم ويناسب خطط مواقعهم.

وقد عرفت هذه الشركة بأنّها لا تدعم اللغة العربيّة في مواقعها ومتاجرها.

بالعودة إلى موقع “تونيزيا ميترز” (أحدث باللغة الفرنسيّة) الذي يقدّم نفسه على أنّه شركة مقرّها تونس متخصّصة في سبر الآراء والذي تتكفّل شركة “ويكس” الإسرائيليّة بمسؤوليّة حماية معطيات مؤسّسه المجهول، فضلا عن حماية سلامة الموقع المزعوم وتأمين البريد الإلكتروني الذي ورد تحت اسم وهمي لشخص يدعى “أنيس الغربي”، فإنّ عملية استضافته hosting / hébergement تمّت في ولاية ميزوري الأمريكية أين يقع فرع من فروع ويكس.

ومن خلال البحث عن بيانات مدير موقع تونيزيا ميترز، تكشف عملية التحرّي والتدقيق التي قام بها موقع الكتيبة أنّ خوادم “ويكس” في علاقة بالموقع التونسي المزعوم تمّت عبر تقنية غوغل كلاود.

يعزّز كلّ هذا “فرضية الاستخدام من قبل جهة غير معلومة لفائدة مصلحة غير نزيهة وهو ما يدعم فرضيّة التلاعب والتضليل”، وفق خبير دولي في المعلوماتيّة رافق فريق الكتيبة في هذا التحقيق وقد طلب عدم نشر هويته للعموم.

يوضّح نفس الخبير أنّ عنوان البريد الإلكتروني الذي وصل إلى رئيس تحرير موقع الكتيبة مثل العديد من الصحفيين تحت اسم “أنيس الغربي” وقد تضمنّ ما سمّي “بارومتر سياسي لشهر أفريل 2024″، مرتبط باسم النطاق التابع لشركة ويكس الإسرائيليّة وهو ما لا يمكّن من معرفة المعطيات الشخصيّة الخاصّة بالجهة المجهولة التي تقف وراء كلّ هذه العمليّة.

في نفس السياق، من المهمّ الإشارة إلى أنّه عند بعث موقع شركة “تونيزيا ميترز” المزعومة، تمّ استعمال كلمات مفاتيح وهي “سيغما كونساي” و “إمرود كونسلتينغ” و “سبر آراء”، ممّا يعزّز آليّا العثور على ما تنشره من نتائج سبر آراء مجهولة المصدر لأيّ باحث عن معلومات ذات علاقة بموضوع استطلاعات الرّأي حول الشأن السياسي والانتخابي التونسي في محرّك البحث غوغل.

وعلى الرغم من كون الجهة المجهولة التي قامت بإنشاء الموقع الخاص بالشركة المزعومة لم تحدث أي حساب أو صفحة في فيسبوك أو في منصة اكس (تويتر سابقا) باسم “تونيزيا ميترز”، فإنّها في الأثناء قامت بوضع توصيف في بياناتها في شركة ويكس كتب فيه “رائد سبر الآراء في تونس”.

بعيدا عن هذه المعطيات التقنيّة الصرفة التي توصّل إليها موقع الكتيبة عبر البحث والتدقيق في بيانات مفتوحة، كان لنا اتصال هاتفي برئيس الغرفة المهنية لمكاتب استطلاعات الرأي في تونس نبيل بالعمّ (هيئة نقابية مستقلة تتبع اتحاد الصناعة والتجارة)، الذي أكّد أنّه لا علم له بوجود شركة قانونية قائمة الذات تحمل اسم تونيزيا ميترز.

يقول نبيل بالعمّ في حديثه مع موقع الكتيبة إنّ قطاع مكاتب استطلاعات الرأي في تونس اليوم يضمّ 20 شركة معروفة وقائمة الذات بشكل قانوني، وإنّه حتّى من خلال الاتصالات التي أجراها مع عدد من زملائه من أهل المهنة فإنّ جميعهم لا علم لهم بهكذا شركة محدثة، معربا عن كون أنّ الأمر في قضيّة الحال يتعلّق بـ “كائن هلامي”.

ويؤكد بالعمّ أنّ مؤسّسات سبر الآراء المعروفة والقانونية في تونس لم تنشر منذ مدّة أي استطلاع رأي رسمي يهمّ الانتخابات الرئاسيّة، داعيا وسائل الإعلام إلى “إلقاء ما يسمّى بالبارومتر السياسي لتونيزيا ميترز في سلّة المهملات عوض الحديث عنه في المنابر الاعلامية، وهو ما قد يؤدّي إلى إضفاء مصداقية مغلوطة حوله.. وهذا أمر خطير”، وفق تعبيره.

وذكّر نبيل بالعمّ بأنّه في الدول الديمقراطية أين توجد تجارب عريقة في عمليّات سبر الآراء مثل فرنسا والولايات المتّحدة، عادة ما يقوم أصحاب مكتب سبر الآراء بنشر نتائجهم بشكل شفّاف، فضلا عن الحديث إلى وسائل الإعلام، مشيرا إلى أنّه في قضيّة الحال نتحدّث عن معطيات منسوبة لجهة مجهولة استغلّت ما أسماها حالة الفراغ.

يفترض بوسائل الإعلام أن تعمل في مجال استطلاعات الرأي مع شركات معروفة ولها سمعة جيّدة في السوق، فمهنة سبر الآراء لها نواميس وممارسات وأخلاقيات وهو ما لا ينسحب على الشركة المزعومة.

نبيل بالعم

رحلة البحث التي قام بها موقع الكتيبة حول حقيقة هذه الشركة المزعومة ستقودنا إلى منطقة المركز العمراني الشمالي في تونس أين يوجد المقرّ المزعوم لشركة تونيزيا ميترز. فهل ستأتي زياتنا إلى العنوان المنشور في الموقع بمعطيات جديدة تزيح الشكوك والريبة؟

عنوان وهمي لكيان غير قانوني

في المركز العمراني الشمالي، وهو منطقة سكنية وإدارية فخمة تقع في العاصمة تونس، يُنسب عنوان المقرّ الاجتماعي للشركة المزعومة (تونيزيا ميترز) وذلك بحسب ما توفّره الشركة من معطيات عبر موقعها على الانترنت.

قبل الحديث عن نتائج الزيارة الميدانية التي قام بها فريق موقع الكتيبة، من المهمّ الاشارة الى أنّ موقع تونيزيا ميترز على الانترنت يتضمّن معطيات شحيحة حوله.

فباستثناء عنوان البريد الالكتروني الذي حاول موقع الكتيبة التّواصل مع الشركة من خلاله دون تلقّي أيّ تفاعل، وعنوان مزعوم للمقرّ الاجتماعي (لا يتضمنّ رقم الشقة التي يقع فيها مقر الشركة)، لا نجد أيّ رقم هاتفي ولا حتّى قائمة في الأشخاص القائمين على هذه المؤسسة المزعومة إلى حدّ الساعة والذي لم تعلن أي جهة عن علاقة ارتباط مالي أو مؤسّساتي أو سياسي به.

يزعم أصحاب هذه الشركة الوهميّة مجهولة المصدر، أنّ مقرهم الاجتماعي يقع في مبنى فخم حديث الإنشاء يسمّى “غولدن تاور” وتحديدا في شارع الطاهر غرسة في المركز العمراني الشمالي.

يقع هذا المبنى (غولدن تاور) قبالة المقر الاجتماعي لشركة “عجيل” (مؤسسة عمومية متخصّصة في توزيع البترول) وبجانب مبنى آخر يقع فيه مقرّ محكمة المحاسبات التي من بين مهامّها التدقيق لاحقا في كلّ ما له علاقة بالحملات الانتخابية بما في ذلك الرئاسيّة.

تكشف عمليّة المعاينة الميدانية التي قام بها فريق الكتيبة أنّه لا وجود لمقرّ شركة متخصّصة في سبر الآراء في نفس المبنى المذكور تحت اسم “تونيزيا ميترز” سواء في اللافتات الخارجية التي تعرّف بالمقرّات الاجتماعية للشركات الموجودة هناك ولا حتّى في واجهات صناديق البريد الموجودة في بهو المبنى.

في الواقع، لم نكتف خلال عمليّة البحث والتقصّي بمعاينة اللافتات فقط، حيث تواصلنا مع جميع عاملات النظافة اللواتي كنّ هناك (يوم 4 أفريل/ نيسان 2024 بين الساعة 10 صباحا والساعة 13 ظهرا) وقد أكّدن أنّه لا وجود لأي شركة تحمل ذات الاسم المذكور آنفا.

بدوره، نفى “العمّ إبراهيم”، وهو حارس العمارة في اتصال هاتفي، وجود شركة متخصّصة في عمليات سبر الآراء تحت اسم “تونيزيا ميترز”. كما شدّد رئيس نقابة المبنى (غولدن تاور)، وهو شخص يدعى “جمال” تمكّنا من الحصول على رقم هاتفه من عاملات النظافة، على أنّه لا وجود لأيّ مؤسّسة تحمل الاسم المشار إليه هناك.

اتّصل موقع الكتيبة أيضا بأحد القائمين على فضاء “ورك زون”، وهو منطقة عمل جماعي (coworking space)، الكائن بمبنى “غولدن تاور” الذي أبدى استغرابه من سؤالنا حول شركة سبر آراء بالمبنى نافيا أن يكون فضاء “ورك زون” يوطّن “تونيزيا ميترز” أو أن يكون قد أجّر مساحة لمؤسسة سبر آراء للعمل في مكاتبه.

تعزّز كلّ هذه المعطيات التي وثّقها موقع الكتيبة بالصوت والصورة فرضية قويّة تفيد بأنّ العنوان المذكور في الموقع الذي يحمل اسم “تونيزيا ميترز” هو مجرّد عنوان وهمي لشركة مزعومة مجهولة الهوية. لكن في الأثناء هل فعلا ليس هنالك وجود قانوني لكيان يسمّى “تونيزيا ميترز” في السجل الوطني للمؤسّسات؟

في الحقيقة، تؤكّد عمليّة البحث في بيانات السّجل الوطني للمؤسّسات هي الأخرى عدم وجود أيّ شركة تحمل الاسم المشار إليه.

من المهم في هذا الإطار الإشارة إلى أنّ السجلّ الوطني للمؤسسات هو مؤسسة عمومية تتبع رئاسة الحكومة التونسيّة. وهو يهدف حسب القانون المنظّم لعمله إلى شفافيّة المعاملات الاقتصادية والمالية عبر تجميع جميع المعلومات والوثائق الخاصة بالأشخاص الطبيعيين والمعنويين والترتيبات القانونية للناشطين في المجال الاقتصادي وبالجمعيّات لحفظها ووضعها على ذمّة العموم وهياكل الدولة المعنيّة بتلك المعلومات.

يُلزم القانون التونسي جميع الشّركات، بما في ذلك مؤسّسات استطلاعات الرأي، بضرورة التّسجيل في السجلّ الوطني للمؤسسات.

في قضيّة الحال، لا أثر لأيّ شركة ذات وجود قانوني في تونس تحمل اسم تونيزيا ميترز.
يكشف موقع السجلّ الوطني للمؤسسات من خلال النبش في محرّك البحث الخاصّ بالشركات وجود 20 شركة موضوع نشاطها استطلاعات الرأي وسبر الآراء والدراسات التسويقيّة.

في كومة هذه الشركات، لا أثر لأيّ شركة تحت مسمّى “تونيزيا ميترز”. مع العلم أنّه لم يتسنّ لنا البحث عن الشركة من خلال اسم الوكيل نظرا لأنّ الشركة المزعومة لا تعلن هويّة أي شخص قائم عليها بصفة قانونيّة.

رغم كلّ هذه المعطيات التي تعزّز الشبهات والشكوك حول الكيان الهلامي المسمّى “تونيزيا ميترز”، فإنّ فريق تحرير الكتيبة لم يتوقّف عند هذا الحدّ، حيث حاولنا من خلال البريد الإلكتروني المنشور على الموقع التواصل مع الجهة المجهولة التي تتخفّى خلف عمليّات سبر الآراء المزعومة لكن دون جدوى إذ لم نتلقّ أيّ إجابة على رسائلنا ومطالب إجراء مقابلة صحفيّة حول موضوع التحقيق.

فضلا عن ذلك، فإنّ الموقع الحامل لاسم نطاق يدعى تونيزيا ميترز يتيح ظاهريّا إمكانيّة طلب التواصل مع القائمين عليه عبر القيام بتعمير استمارة الهدف منها إرسال رسالة للمعنيين بالأمر أي الجهة التي تدير المؤسسة المزعومة.

من هذا المنطلق، قام فريق تحرير الكتيبة أيضا بتعمير الاستمارة 3 مرّات والقيام بطلب التواصل من 3 عناوين مختلفة لبريد إلكتروني دون أن نتلقّى أي ردّ.

في نفس الإطار، من المهم الإشارة إلى أنّ النطاق الذي تمّ اقتناؤه لتوطين الموقع المذكور في الشركة الإسرائيليّة يمتدّ مدّة سنة أي أنه سينتهي سنة 2025، مباشرة بعد أشهر قليلة من انتهاء العملية الانتخابية المرتقبة والتي ستحدّد مصير البلاد في المرحلة القادمة.

كما أنّ الموقع المذكور الذي ينسب إلى شركة تونيزيا ميترز التي ليس لها وجود قانوني في تونس، يتضمّن قائمة في عدد من المنشورات الإعلامية التي يتباهى بها في ركن أسماه “تحدّثوا عنّا” وذلك في إشارة إلى أنّه أضحى مصدرا موثوقا للعديد من وسائل الإعلام الوطنيّة والدوليّة.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذه الشركة المزعومة لا أثر لها أيضا في قاعدة بيانات “الشركات المفتوحة ” العالمية (open corporates) وهو ما يزيد في تعزيز فرضية عدم وجودها ككيان قانوني حتّى في الخارج.

في المقابل لسائل أن يسأل كيف كان التعاطي الإعلامي مع منشورات هذا الكيان الهلامي إلى حدّ الآن؟ وهل فعلا يمكن الوثوق في ما ينشر بشكل منسوب إلى موقع تونيزيا ميترز أم أنّ ما حصل هو بلا شكّ يمكن وصفه بواحدة من أكبر وأخطر عمليات التضليل المعلوماتي والتلاعب بالرأي العام الانتخابي في تونس بعد الثورة قصد التوجيه للتصويت لفائدة مرشح بعينه؟

يُشار في هذا السياق إلى أنّ الشركة المزعومة المسمّاة “تونيزيا ميترز” لم تنشر أيّ محتوى خاص بأنشطة أخرى من الخدمات التي تقول إن لها خبرات مثبتة فيها، عدا تلك المتّصلة بـ”بارومتر سياسي للانتخابات الرئاسيّة”.

إخلالات مهنيّة خطيرة تفتح الباب أمام التضليل والتلاعب

دون التثبّت أو التقصّي في مصدرها، تناقلت وسائل إعلام محلّية ودوليّة تقارير سبر الآراء المزعوم المتّصل بالانتخابات الرئاسية القادمة، والتي تتولّى الشّركة الوهمية “تونيزيا ميترز” نشرها، وخاصّة تقريرها الثاني في سنة 2024 الصّادر في بداية شهر أفريل/ نيسان، والذي تمّ إرساله بشكل مكثّف إلى عدد واسع من الصحفيين.ـات.

يقول الصحفي فطين حفصية رئيس التحرير الأسبق لنشرة الأخبار في التلفزة التونسية في مقابلة مع موق الكتيبة، إنّه فوجئ بالمراسلة الإلكترونية التي وردت عليه من شخص مجهول يُدعى “أنيس الغربي” (لا وجود له في أي من الشبكات الاجتماعية والمهنية المحترفة مثل لينكد إن) وقد تضمّنت الرسالة البارومتر السياسي المزعوم، مضيفا أنّه فضّل عدم نشر المعطيات التي وردت عليه نظرا لأنه من الناحية المهنيّة لا يمكن التداول فيها على اعتبار أنّها من المسائل التي تفتقر إلى أدنى مقوّمات الدقة والشفافية، وفق قوله.

العديد من الزملاء الصحفيين وصلت إليهم نفس الرسالة للشهر الثاني على التوالي من نفس الشخص المجهول الذي يرجّح أنه وهمي ما يحيل إلى وجود قاعدة بيانات تتحوّز عليها الجهة التي تقف وراء العملية.

فطين حفصية رئيس تحرير أسبق بالتلفزة التونسية

ويعتبر محدّثنا أنّ التوقيت السياسي لهذا الظهور المنسوب للكيان المسمّى “تونيزيا ميترز” غير بريء لأنه يطرح أسماء في السباق الانتخابي الرئاسي لم تكن موجودة، مذكّرا بأنّ نفس المؤسّسة التي يعتقد أنها وهمية سبق أن نسبت لنفسها سبر آراء نشر في سنة 2021 قبل أن تختفي طيلة السنوات الماضية، محذّرا وسائل الإعلام من خطورة تداول معلومات غير موثوقة ومجهولة المصدر في سنة انتخابية ستكون حاسمة، ما قد يتسبّب في توجيه التعاطي الإعلامي إلى مربّع مخطّط له لأهداف غير نزيهة يمكن أن تؤدّي إلى الانحراف بالمسار الانتخابي وتضليل جمهور الناخبين بما يزيد من ضرب قواعد العملية الانتخابية التي بدورها تعرف الكثير من الانحرافات، وفق تعبيره.

شهد تاريخ تونس القريب، العديد من الفضائح التي ارتبطت بعمليّة تضليل معلوماتي قادتها شركات علاقات عامّة ومراكز ضغط وجهات غير معلومة قامت بحملات توجيه للرّأي العام متعلّقة بالشأن السياسي بشكل عامّ في البلاد التونسيّة وخاصّة في علاقة بالاستحقاقات الانتخابية.

من بين هذه الفضائح نذكر قضيّة عقود اللوبينغ لحزب حركة النهضة، وعمليّة قرطاج، وفضيحة الاستعانة بالإسرائيلي آري بن ميناشي من قبل المرشح الرئاسي السابق نبيل القروي وقضيّة أنستالينغو، وهي جلّها قضايا مازالت إلى اليوم تحت أنظار القضاء التونسي.

يكشف تقرير محكمة المحاسبات (هيئة قضائية رقابية رسميّة) حول نتائج مراقبة الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعيّة لسنة 2019، استفادة العديد من المرشّحين الرئاسيين وقتها من صفحات فايسبوكية تدار من الخارج قامت بحملات دعائية. وقد كان من بين المستفيدين من هذه الصّفحات الرئيس الحالي قيس سعيّد، وفق ما نشر في نفس التقرير.

تعليقا على تناقل نتائج سبر الآراء للشركة المزعومة “تونيزيا ميترز”، تقول سُكينة عبد الصمد عضو مجلس الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري، إنّ “المسألة خطيرة”، داعية الصحفيين.ـات إلى توخّي الحذر عند التّعاطي مع معطيات من هذا القبيل.

وذكّرت عبد الصمد بما حصل من تضليل إلكتروني خلال فترة الانتخابات الرئاسية لعام 2019، ما أثّر على أصوات الناخبين بشكل كبير، مبرزة أنّ الحملات الانتخابية أصبحت تُخاض على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من أي فضاء آخر.

وعن الدّور الذي يمكن أن تلعبه الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري خاصّة وأنّها تعيش وضعا خصوصيّا بعد مغادرة رئيسها وتجميد أجور أعضائها، قالت عبد الصمد إنّ الهيئة تسعى إلى لعب دورها في هذا النطاق رغم كلّ الصعوبات الحاليّة.

على كلّ الصحفيين والصحفيات عدم التداول في معطيات صادرة عن جهة غير معلومة لما في ذلك من مخاطر كبيرة على مسار العملية الانتخابية وإرادة الناخبين.

سكينة عبد الصمد عضو مجلس الهايكا

ووفق مدوّنة أخلاقيات المهنة الصحفية كما حدّدها مجلس الصحافة التونسي، يتوجّب على الصحفي.ـة الامتناع في كلّ الأحوال عن نشر المعلومات التي تصله من المصادر المختلفة دون التأكد منها والتثبّت من أصالتها وإخضاعها إلى المعالجة الصحفية.

كما يتوجّب عليه/ا اليقظة والتحرّي من المعلومات مهما كان مصدرها ولا ينقلها من مصادر غير جديرة بالثقة كما لا ينشر الإشاعات.

على نقيض هذه المبادئ الأخلاقيّة المهنيّة، قامت العديد من وسائل الإعلام المحلّية بالترويج إلى نتائج سبر الآراء للشركة المزعومة ” دتونيزيا ميترز”، ما أضفى عليها نوعا من “الشرعيّة” حتى أصبحت تتناقلها وسائل إعلام دوليّة على غرار صحيفة “لوموند” الفرنسية.

منذ انطلاق الجدل في تونس حول فحوى التقارير المنسوبة إلى الشركة الوهميّة “تونزيا ميترز”، وجّهت أصابع الاتهام سياسيّا إلى المرشح الرئاسي المفترض منذر الزنايدي الذي لوحظ صعوده البارز في النسب المنشورة على الرغم من غيابه عن تونس منذ سنوات.

كما أنّه من الملاحظ أنّ العديد من الصفحات الفايسوكية التي تدار في معظمها بأدمينات من الخارج على غرار “الشعب يريد منذر الزنايدي” و “منذر الزنايدي رجل دولة” و”منذر الزنايدي شخصيّة وطنيّة” و”أصدقاء منذر الزنايدي” و”مساندي منذر الزنايدي” وغيرها، استغلّت ما نشر من قبل الشركة الوهمية تونيزيا ميترز وما تمّ تداوله في وسائل الإعلام لقيادة حملة دعائية لصالح منذر الزنايدي رغم أنّ الأخير لم يعلن بشكل قطعي ورسمي خوضه الانتخابات الرئاسيّة القادمة.

من خلال التدقيق في المعطيات الخاصة بهذه الصفحات التي تساند ترشّح منذر الزنايدي وتشنّ حملات ضدّ منتقديه، نتبيّن أنّها غير شفّاّفة بالقدر الكافي حيث تمّ حجب الأسماء الحقيقية للقائمين عليها مع الاشارة فقط إلى عدد الأدمينات الذين يشرفون عليها من الخارج وأحيانا ( قلّة قليلة) من تونس.

تمكّن موقع الكتيبة من التّواصل مع واحد من أدمينات هذه الصفحات الدعائية لمنذر الزنايدي وهو يدعى مروان بوخريص (يقيم في تونس على عكس بقيّة الأدمينات)، حيث أفاد بأنّه متطوّع في حملة المرشّح منذر الزنايدي، قائلا إنّه تجمعه “علاقات قديمة” بالمعني بالأمر الذي لم يمنحه أي تفويض للقيام بذلك، وفق قوله.

فضلا عن ذلك، تسنّى لموقع الكتيبة التواصل مباشرة عبر الهاتف (من خلال رقمه الفرنسي) مع منذر الزنايدي الذي نفى في ردّ مقتضب وجود أيّ علاقة تجمعه بالشركة الوهمية “تونيزيا ميترز”، وفقا لما جاء على لسانه.

أنا أنفي وجود أي علاقة تجمعني بشركة تونيزيا ميترز.

منذر الزنايدي

على الرغم من هذا النفي، فإنّ الصفحات المساندة لمنذر الزنايدي والتي ما انفكّت تقوم بحملات دعائيّة مموّلة بالعملة الصعبة من الخارج، مازالت تواصل الترويج لمنشورات “تونيزيا ميترز” ، زاعمة أنّ نتائج الدور الأوّل من الانتخابات الرئاسيّة القادمة قد حسمت من الآن لصالح المرشّحين قيس سعيّد ومنذر الزنايدي بشكل قد يتسبّب في توجيه جمهور الناخبين.ات، وسط صمت هيئة الانتخابات التي حاولنا التواصل مع رئيسها فاروق بوعسكر والناطق الرسمي التليلي المنصري دون أيّ ردّ على اتصالاتنا الهاتفيّة المتكرّرة.

يذكر أنّ منذر الزنايدي (73 سنة) يواجه حاليّا تتبّعات قضائيّة في تونس في قضيّة متعلّقة بنشاطه السابق حينما كان وزيرا في عهد الرئيس الأسبق المخلوع زين العابدين بن علي.

يرى مساندون لمنذر الزنايدي أن تلك القضية “كيديّة” وأنّ الهدف منها منع الآنف ذكره من الترشّح لمنافسة الرّئيس الحالي قيس سعيّد في الانتخابات المرتقبة.

فراغ تشريعي وفوضى غير خلاّقة

منذ أشهر عديدة، امتنعت مؤسّسات سبر الآراء التونسية والناشطة بشكل قانوني، عن نشر أيّ نتائج استطلاعات رأي متصلّة بالعملية السياسيّة والانتخابيّة في البلاد، وهو ما ترك المجال شاغرا لانتصاب كيانات أخرى غير معروفة ومجهولة الهويّة للعب دور في توجيه إرادة الناخبين.ات.

يقول النائب بالبرلمان التونسي عبد الرزاق عويدات في تصريح أدلى به لموقع الكتيبة، إنّ الاحصائيات التي تروّج لها “تونيزيا ميترز” جاءت كنتيجة حتميّة لتوقف نشاط عدد من مؤسّسات سبر الآراء المعروفة على غرار “امرود كونسلتينغ” و”سيغما كونساي”.

وعبرّ عويدات عن مخاوف كبرى تشغل باله من ذلك “تدخّل أياد أجنبية في تونس للتأثير على إرادة الناخبين عبر تقارير سبر آراء تدفع نحو التّصويت لأشخاص بعينهم وتصويرهم في صورة الشخصيّات الوطنية المرموقة” كما هو الحال في آخر تقرير منسوب لهذه الشركة المزعومة، والذي جاء فيه أنّ النخبة المثقّفة والطلبة وحاملي الشهائد العليا يرغبون في التّصويت لشخصيّة بعينها (في إشارة إلى منذر الزنايدي)، في حين أنّ كلّ من ليس له مستوى علمي سيصوّت لشخصيّة أخرى (يقصد قيس سعيّد)، وهو ما اعتبره “مسألة في غاية الخطورة وتزييفا لوعي الجماهير”، على حدّ تعبيره.

وعن إمكانية تدخّل مجلس نواب الشعب في تنظيم عمل مؤسّسات سبر الآراء، قال عويدات إنّه سبق للكتلة الديمقراطية التي كان ينتمي إليها في البرلمان المنحلّ (كانت تضمّ نواب حركة الشعب والتيّار الديمقراطي)، أن تقدّمت بمبادرة تشريعية لسنّ قانون ينظّم نشاط مؤسّسات سبر الآراء، مبرزا أنّه وأمام ما يحفّ بالانتخابات الرئاسية القادمة، سيعيد طرح المبادرة على كتلة الخطّ الوطني السيادي بالبرلمان الحالي بهدف تمريرها كمبادرة تشريعيّة إذا وافق أعضاء الكتلة على ذلك.

على أجهزة الدولة اليوم إمّا أن تتولّى منع التداول في تقارير سبر الآراء أو السماح لكلّ المؤسسات القانونيّة والمعروفة بالعمل علنا وبشكل منظّم وشفّاف حتى لا يخلو الجو إلى شركات ليست بالضرورة حقيقيّة تنشط من الخارج بشكل مشبوه.

النائب عبد الرزاق عويدات

أمام ضعف أداء مجلس نواب الشعب وعجزه عن تمرير مبادراته التشريعية للعب دور حاسم في العمليّة السياسيّة ومنها العملية الانتخابيّة، خاصّة وأنّ عديد مكوّنات المجتمع المدني كانت قد دعت المجلس النيابي منذ شهر جانفي/ كانون الثاني 2024 إلى ضرورة العمل على سنّ قانون ينظّم عمليات سبر الآراء، يخشى الشارع السياسي أن تكون الانتخابات الرئاسيّة المرتقبة -والتي لم يحدّد تاريخها إلى غاية اليوم- مسرحا للتّضليل المعلوماتي مدفوع الأجر من جهات خفيّة في الخارج، في نفس الوقت الذي قامت فيه السلطة السياسيّة الحاليّة بتحجيم دور هيئة الاتصال السمعي البصري التي تعدّ واحدة من الضمانات لنزاهة المسار الانتخابي، وهو ما سيزيد في تعفين الوضع الانتخابي، بحسب خبراء في المجالين الإعلامي والسياسي.

كلمة الكتيبة:

يندرج هذا التحقيق في إطار الدور الرقابي لوسائل الإعلام في التدقيق في المعلومات والاستقصاء حول كلّ ما يحفّ بالعمليّة الانتخابية من أجل لعب دور إيجابي لضمان النزاهة والشفافية واحترام المعايير الديمقراطية داخل مؤسّسات الدولة وخارجها.

كلمة الكتيبة:
يندرج هذا التحقيق في إطار الدور الرقابي لوسائل الإعلام في التدقيق في المعلومات والاستقصاء حول كلّ ما يحفّ بالعمليّة الانتخابية من أجل لعب دور إيجابي لضمان النزاهة والشفافية واحترام المعايير الديمقراطية داخل مؤسّسات الدولة وخارجها.

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي لموقع الكتيبة

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

اشراف: وليد الماجري
بحث: رحمة الباهي
غرافيك: منال بن رجب
بودكاست: محمد علي منصالي
تطوير تقني: بلال الشارني
بودكاست: محمد علي منصالي
تطوير تقني : بلال الشارني
اشراف: وليد الماجري
بحث: رحمة الباهي
غرافيك: منال بن رجب

الكاتب : محمد اليوسفي

الكاتب : وائل الونيفي

Youssoufi
wael213