الكاتب : رحاب حوّات

صحفية ومختصة في الإتصال والإنتاج السمعي والبصري

قال وزير الشّؤون الاجتماعيّة، مالك الزّاهي، إنّ الوزارة تدرس بجدّية مسألة التّرفيع في”السّميغ”، بالتّوازي مع إجراءات أخرى تستهدف العائلات المعوزة ومحدودة الدّخل، مشدّدا في الوقت ذاته على أنّ الحكومة “لن تنخرط في أيّة سياسة من شأنها أن “تجوّع المواطن” أو “تضرّ به” رغم الضّغوطات التي تعاني منها الماليّة العموميّة.

وأعلن الزّاهي، في حوار مطوّل أجراه معه موقع “الكتيبة”، أنه سيتمّ القضاء على عجز الصّناديق الاجتماعيّة في غضون ثلاث سنوات على أقصى تقدير، مشدّدا على أنّ هذه الأزمة تعود بالأساس إلى “غياب الحوكمة وسوء التّصرف وإهدار المال العامّ الذي استفحل في السّنوات الفارطة”.

وأكّد الزّاهي، أنه سيتمّ قريبا فتح باب الانتداب صلب الصّناديق الاجتماعيّة، مع إعطاء الأولويّة لمن طالت بطالتهم من أصحاب الشّهادات العليا ومن الأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة، لافتا في الآن ذاته إلى أنّ الوزارة بصدد إعداد بطاقة علاج موحّدة في إطار الغاء التّفرقة بين المواطنين.

ولفت الزّاهي إلى أنّه سيتمّ التّرفيع في سنّ التّقاعد بالنّسبة للمشتغلين في القطاع الخاص، معلنا أنه سيكون أوّل الدّاعمين للرئيس قيس سعيّد في انتخابات الرّئاسة القادمة، معتبرا أنّ سعيّد هو فرصة لتونس وأنّه لا بديل للتّونسيين عنه.

الكاتب : رحاب حوّات

صحفية ومختصة في الإتصال والإنتاج السمعي والبصري

قال وزير الشّؤون الاجتماعيّة، مالك الزّاهي، إنّ الوزارة تدرس بجدّية مسألة التّرفيع في”السّميغ”، بالتّوازي مع إجراءات أخرى تستهدف العائلات المعوزة ومحدودة الدّخل، مشدّدا في الوقت ذاته على أنّ الحكومة “لن تنخرط في أيّة سياسة من شأنها أن “تجوّع المواطن” أو “تضرّ به” رغم الضّغوطات التي تعاني منها الماليّة العموميّة.

وأعلن الزّاهي، في حوار مطوّل أجراه معه موقع “الكتيبة”، أنه سيتمّ القضاء على عجز الصّناديق الاجتماعيّة في غضون ثلاث سنوات على أقصى تقدير، مشدّدا على أنّ هذه الأزمة تعود بالأساس إلى “غياب الحوكمة وسوء التّصرف وإهدار المال العامّ الذي استفحل في السّنوات الفارطة”.

وأكّد الزّاهي، أنه سيتمّ قريبا فتح باب الانتداب صلب الصّناديق الاجتماعيّة، مع إعطاء الأولويّة لمن طالت بطالتهم من أصحاب الشّهادات العليا ومن الأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة، لافتا في الآن ذاته إلى أنّ الوزارة بصدد إعداد بطاقة علاج موحّدة في إطار الغاء التّفرقة بين المواطنين.

ولفت الزّاهي إلى أنّه سيتمّ التّرفيع في سنّ التّقاعد بالنّسبة للمشتغلين في القطاع الخاص، معلنا أنه سيكون أوّل الدّاعمين للرئيس قيس سعيّد في انتخابات الرّئاسة القادمة، معتبرا أنّ سعيّد هو فرصة لتونس وأنّه لا بديل للتّونسيين عنه.

ما الجديد في ملف الصّناديق الاجتماعيّة وما جدوى الإجراءات الأخيرة التي اتّخذتموها بشأنها؟

عندما باشرنا العمل صلب وزارة الشّؤون الاجتماعيّة اصطدمنا بهذا الملف الشّائك، فالصّناديق الاجتماعيّة تعاني من عجز كبير وللأسف لم تشهد سابقا أيّة سياسة إصلاحية. لقد اقتصر الأمر على تطبيق سياسة “دعه يعمل، دعه يمرّ”، فتفاقم العجز أكثر.

هذا الوضع قادنا إلى اتّخاذ قرار بوضع آليات جديدة وتصوّر جديد يهدفان إلى إنقاذ الصناديق الاجتماعيّة التي نعتبرها رئة الاقتصاد التّونسي ورئة المجتمع، على اعتبار أنّ أغلبية الشّعب يتعامل مع الصناديق الاجتماعيّة، سواء عن طريق جرايات التّقاعد، أو عن طريق الأجور، أو عن طريق المنظومة الصحيّة.

بالنّسبة للصّندوق الوطني للتأمين على المرض (cnam) أعتقد أنّه ولد أعرجا منذ نشأته، إذ كان بالإمكان أن تكون هناك نسخة أفضل منه. ولطالما أكّدْت على هذه المسألة في وقت سابق.

أمّا الصّندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعيّة (cnrps) فهو الآخر يعاني من عجز كبير كان يناهز 600 مليون دينار لدى مباشرتنا العمل في هذه الوزارة (أكتوبر 2021) وقد تقلّص هذا العجز حاليّا إلى حدود 571 مليون دينار.

هذا العجز له أسبابه، وهي تنقسم إلى صنفين؛ الأوّل يتعلّق بالجوانب الماليّة وهي تعود بالأساس إلى المديونيّة الكبيرة لدى المؤسسات العمومية، على غرار قطاع النقل الذي فاقت ديونه المستوجبة للصّندوق الوطني للتّقاعد والحيطة الاجتماعيّة (cnrps) الألف مليون دينار. وعلى الرغم من ذلك لم نقطع التغطية الاجتماعيّة عن موظّفيه.

أما السّبب الثّاني فيتعلّق بالجوانب الهيكليّة، وهو أمر فُرض علينا وليس لنا يد فيه ولا يعود إلى سوء التّصرف وإنّما مأتاه ارتفاع نسبة التهرّم السّكاني واليد العاملة.

الحلّ الأساسي يكمن في توسيع الانتدابات باتجاه تشغيل الشّباب الفاعل، على اعتبار أنّ ذلك سيؤمّن مساهمات جديدة للصّناديق الاجتماعيّة ويقلّص من العجز، خاصة بالنّسبة للصّندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (cnrps).

عمليّة الإصلاح ارتكزت أساسا على تقليص المديونيّة، من خلال اتّخاذ قرار بجدولة ديون بعض المنشآت والمؤسسات العموميّة، وهو ما ساعدنا على استرجاع أموالنا وتوفير مداخيل جديدة للصّندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعيّة (cnrps)، بالإضافة إلى تدخّل الدّولة عبر إحداث حساب خاص في خزينة الدّولة لتمويل صناديق الضّمان الاجتماعي تحت اسم “حساب تنويع مصادر الضّمان الاجتماعي” الذي انتقل من إشراف وزارة الماليّة إلى إشراف وزارة الشّؤون الاجتماعيّة.

وهذه الخطوة مكّنتنا من متابعةٍ مباشرة لوضعيّة الصّناديق الاجتماعيّة بشكل أتاح لنا التّدخل بضخّ الأموال في مواطن العجز وتأمين جرايات المتقاعدين.

كيف تلخّص وضعيّة الصناديق الاجتماعيّة بلغة الأرقام؟

لا بدّ من الإقرار بأن العجز مازال قائما، فنحن لا نمتلك عصًا سحريّة للقضاء على تراكمات سنوات دفعة واحدة، ولكنّ الوزارة انتهجت سياسة لتقليصه تدريجيّا. ووفقا لهذه السياسة يمكننا استعادة التوازنات الماليّة للصّناديق الاجتماعيّة في غضون ثلاث سنوات على أقصى تقدير.

هل يعني ذلك أنّه سيتمّ التّخلّي عن المساهمة التّضامنيّة الاجتماعيّة بعد 3 سنوات؟

لقد باشرنا بالفعل في تقليص المساهمة التّضامنيّة الاجتماعيّة من 1% إلى 0.5% حاليّا، وهي خطوة أولى ستُسهم في تحسين المستوى المعيشي للتونسيين ولو جزئيّا. ومقابل ذلك قمنا بالترفيع فيها بالنّسبة للمؤسسات التي تسجّل مرابيح كبيرة، على غرار البنوك وشركات التّأمين والمؤسسات الماليّة.

ولكن لا يمكن حاليّا إلغاء هذه المساهمة نهائيّا بالنّظر إلى أهمّيتها في دعم الصّناديق الاجتماعيّة، والتّونسيون على دراية بهذه المسألة. مقابل ذلك وحين سنحت الفرصة اتّخذنا قرارا برفع سقف التّعويضات في الصّندوق الوطني للتأمين على المرض بثلاثة وأربعة أضعاف، وأدمجنا طبّ الأسنان في الصّندوق الوطني للتأمين على المرض (cnam) وارتفعت بذلك تعويضات النّظارات الطبيّة من 50 دينارا وهو سعر لم يشهد تغييرا منذ العام 1985 إلى 200 دينار حاليّا. كما شمل التّرفيع جميع الأدوية، وهو ما انعكس إيجابا على المواطنين.

من ضمن الإجراءات الأخرى التي قمنا باتّخاذها لتنويع مصادر تمويل الصّناديق الاجتماعيّة هي القروض الاجتماعيّة التي قدّمناها كمشروع إلى رئيس الجمهورية ورحّب بها. وعلى هذا الأساس قسّمنا القروض إلى ثلاثة أنواع؛ قروض شخصيّة وقروض لاقتناء سيّارة وأخرى لاقتناء سكن.

وهذه القروض ستكون بمثابة المتنفّس للمواطنين على اعتبار أنّها قروض ميسّرة وتعتمد نسب فائدة قارّة تراعي المقدرة الشّرائيّة للمواطنين.

وستكون نسبة الفائدة بالنّسبة للقروض الشخصيّة وقروض السّيارة 8.25%. أما قروض السّكن فسيوظّف عليها فائض سنويّ بنسبة 6.75%. وهي نسب تفاضليّة مقارنة بالقطاع البنكي. فمن يقتني قرضا بـ 25 م.د لن يسدّد 40 م.د وإنّما 27.5 م.د فقط.

وقد وجدت هذه القروض إقبالا كبيرا من الموظّفين الذين يتقاضون أجورا زهيدة، فالمدير العام في الوظيفة العموميّة لا تتجاوز أجرته الشهريّة 1800 دينارا، فما بالك بالموظّف العادي.

ما هي الشّروط المعتمدة في إسناد هذه القروض؟

لقد اعتمدنا شروطا موضوعيّة والأولويّة ستكون للأزواج، لأنّ العامل الأعزب بإمكانه أن يواجه غلاء المعيشة بمفرده، على عكس العامل المتزوّج الذي يتحمّل مسؤوليّة عائلة بأكملها.

والعائلات التي بها فرد في وضعيّة إعاقة ستكون لها الأسبقيّة على الشّخص المتزوّج، على اعتبار أن رعاية هذه الفئة مُكلفة حتّى بالنّسبة للعائلات ميسورة الحال.

ومن ضمن الشّروط الأساسيّة التي سنعتمدها هي أن يكون المترشّح قارّا في عمله منذ عاميْن على الأقلّ، إذ ليس من المعقول أن يُقبل شخص ليس له مساهمة اجتماعيّة. وهذا الشّرط ينطبق على كلا الصّندوقيْن، مع اختلاف بسيط بالنّسبة لمنخرطي الصّندوق الوطني للضمان الاجتماعي (cnss) الّذين فرضنا عليهم موافقة المؤجّر وضمانه. وهو ما سيساعد على تقليص عمليّات طرد الموظّفين من ناحية وضمان استعادة المال العام من ناحية ثانية.

ما هي مصادر تمويل هذه القروض خاصة في ظلّ عجز الصناديق الاجتماعية؟ وكيف تجيبون على الاتهامات التي طالت الوزارة بسوء الحوكمة؟

الوزارة من أكثر الأطراف حرصا على حسن حوكمة الصّناديق الاجتماعيّة وعلى المال العامّ، والدليل على ذلك هو الأثر الإيجابي الذي أحدثته الإصلاحات الأخيرة خاصّة على مستوى الخدمات والتّغطية الصحيّة.

نحن على دراية بالأطراف التي نشرت هذه الإشاعات وعارضت التّمشي الذي اعتمدناه، وهي الجهات التي تسند القروض وتعتبر أن القروض الاجتماعيّة التي تعتمد نسب فائدة قارّة وتفاضليّة تهديدا لمصالحها. الجميع تضرّر من القروض البنكيّة التي يلجأ إليها 90% من الموظّفين العموميين، حتّى أنّ بعضهم خسر منزله.

لا أملك دليلا قاطعا، ولكنّني أعني الأطراف التي تتحدّث عن عجز الصّناديق الاجتماعيّة وتتساءل عن مصادر تمويلنا للقروض. الاعتمادات الماليّة متوفّرة بفضل المساهمات الاجتماعيّة للمواطنين وبفضل الأموال التي نضخّها في مكامن العجز.

كم تبلغ قيمة الاعتمادات الماليّة المخصّصة لهذه القروض؟ وكم عدد المنتفعين المتوقّع منها؟

لا يمكن توقّع عدد المنتفعين. الجميع مرحّب بهم وكلّ شخص يستجيب للشّروط لديه الحقّ في الحصول على هذه القروض.

إلى حدود 18 أفريل 2024، بلغت عدد القروض المسداة 184 مليون دينار، وبدأت مرابيح الاقتطاع تعود إلى الصّناديق الاجتماعيّة. وبفضل هذه المداخيل سيقع إسناد قروض جديدة للمواطنين.

هل صحيح أن نوّابا في البرلمان استفادوا أيضا من هذه القروض؟

إلى حدود اللّحظة، لم يتقدّم أي نائب للحصول على قرض من الصّناديق الاجتماعيّة، وهؤلاء ليست لهم أيّة ميزة تفاضليّة عن غيرهم. وأتحدّى أيّ شخص أن يأتي بدليل يثبت أنّنا تدخّلنا لفائدة طرف معيّن بما في ذلك الموظّفون صلب الصّناديق الاجتماعيّة. فهذه القروض تخضع لمبدأ العدل والمساواة، والأسبقيّة لمن يضع ملفه أوّلا وتتوفّر فيه الشّروط. وهناك لجنة تشكّلت صلب وزارة الشّؤون الاجتماعيّة مهمّتها متابعة الملفّات ومراقبة عمليّة إسناد القروض.

بعض الخبراء، بمن فيهم خبراء الاتحاد العام التونسي للشغل اعتبروا أنّه من الأولى أن تذهب المساهمة الاجتماعيّة والاعتمادات المخصّصة للقروض إلى خلاص المستشفيات والصيدليّة المركزيّة؟

هذا الكلام مردود على أصحابه، فالمساهمة التضامنيّة لها أهدافها المسطّرة بالنّص القانوني منذ إحداثها سنة 2008. وقبل أن نعيدها نحن إلى دورها الحقيقي، لم يكن هؤلاء يتساءلون عنها أو يوجّهون لنا الانتقادات بشأنها.

في السنة الماضية، فاقت القيمة المستخلصة من المساهمة التّضامنيّة 950 مليون دينار، وفي السّنة التي قبلها قدّرت بـ 700 مليون دينار، ويمكن أن تتجاوز مستقبلا الألف مليون دينار، فقيمتها متغيّرة ولا يمكن حصرها لعدّة أسباب من بينها؛ تباين مواعيد استخلاص الجباية التي تختلف من شركة إلى أخرى، وعدم استقرار عدد الموظّفين وكذلك الشّركات.

وأؤكّد مرّة أخرى أنّ هذه المساهمة مخصّصة فقط لدعم التّوازنات الماليّة للصّناديق الاجتماعيّة ولا علاقة لها بالقروض. وسبق أن استخدمنا مداخيلها لتأمين جرايات المتقاعدين، وجزء كبير منها خُصّص لدعم التّوازنات الماليّة للصّندوق الوطني للتأمين على المرض (cnam).

عندما باشرت عملي داخل الوزارة كانت مستحقّات “الكنام” لدى الصّيدليّة المركزيّة في حدود 1420 مليون دينار. ومنذ تأسيس هذا الصّندوق كانت ديون الصّيدليّة تُستخلص بمبالغ ضئيلة جدّا ودون فواتير. وكانت “الكنام” تتدخّل حتّى لسداد أجور العمّال في بعض المستشفيات العموميّة. وهو ما جعلنا نتدخّل لحوكمة القطاع وفوترة المعاملات.

إنّ سوء الحوكمة وغياب سياسة إصلاحيّة للصّناديق الاجتماعيّة من بين الأسباب التي شكّلت هذا العجز. وبفضل الفلسفة الجديدة التي اعتمدناها والتي تقوم على الشّفافيّة، تقلّصت ديون الصّيدليّة المركزيّة لدى “الكنام” من 1421 مليون دينار سنة 2021 إلى 257 مليون دينار حاليّا واستخلصنا ديون 36 مستشفى ومؤسّسة عموميّة من مجموع 62.

بماذا تفسّر اللغط الحاصل حاليّا خاصة على مستوى المنظّمة الشّغيلة ومنظّمة الأعراف اللتان تحدّثتا عن غياب الشّفافيّة في التّعاطي مع هذا الملف؟

بعض الأطراف توجّه لك النّقد لمجرّد كونك حقّقت نتائج ملموسة ووضعت استراتيجيات أعطت أكلها، لا لشيء إلّا لكونهم يريدون أن يستأثروا بالنّتائج الإيجابيّة لأنفسهم أو يطلبون تقاسمها. وأريد أن أسأل هؤلاء أين هي مقترحاتكم العمليّة وماذا قدّمتم عندما كان المجال مفتوحا للمشاورات؟

ماذا عن الدّيون المتخلّدة بذمّة المؤسّسات العموميّة وخاصة المنظّمات على غرار اتحاد الشّغل واتحاد الفلاحة؟

لقد باشرنا بالفعل في مراجعة هذه الدّيون ودخلنا مرحلة الجدولة، والأطراف المعنيّة بها بصدد الالتزام بالدّفع للصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي. بالنّسبة لاتّحاد الفلاحة نحن نقتطع منه بشكل دوري ومنظّم. أمّا اتحاد الشّغل فقد تمّت جدولة ديونه لفائدة الصّندوق.

لا يمكن أن أفصح عن مقدار هذه الدّيون، ولكن ما أؤكّده هو أنّه لا توجد ديون سقطت بالتّقادم كما تمّ التّرويج لذلك.

من ضمن الانتقادات المتعلّقة بمسألة الحوكمة، هو الدّعم المقدّم للصّندوق الوطني للتّقاعد والحيطة الاجتماعيّة الذي يتجاوز مثيله للصّندوق الوطني للضمان الاجتماعي. والحال أنّ عدد موظّفي القطاع الخاص يتجاوز بكثير عدد موظّفي القطاع العامّ. فكيف تفسّرون هذا الأمر؟

 

هذه الحقيقة لا ننكرها، ومردّها تفاقم مديونيّة الصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي (cnss) التي بلغت 7000 مليون دينار. وهي ناجمة بالأساس عن غياب الحوكمة وسوء التّصرّف وإهدار المال العام الذي استفحل في السّنوات الفارطة.

وتبعا لذلك باشرنا في اعتماد آليّة العفو الاجتماعي سنة 2022 التي بفضلها تقلّص عجز الصّندوق من 1630 مليون دينار سنة 2021، إلى 1100 مليون دينار سنة 2022، وصولا إلى 952 مليون دينار حاليّا. ونحن نعمل على أن ينزلق هذا العجز إلى حدود 600 مليون دينار نهاية هذه السّنة.

كما أحلنا مشروع قانون على مجلس نواب الشّعب يتعلّق بإصدار عفو اجتماعي جديد بصندوق الضّمان الاجتماعي، وسيكون الفرصة الأخيرة لأنّنا لن نتسامح بعد اليوم مع المتهرّبين الاجتماعيين وسنطبّق القانون بكلّ صرامة على الجميع “وما يكبر في عينينا حد”.

من المعلوم أن المساهمات الاجتماعيّة تُبنى على التّصريحات بالدّخل، ولقد رصدنا العديد من التّجاوزات والتّصريحات المغلوطة. فمن ذا الذي يصدّق أن موظّفا بنكيّا يتقاضى 900 دينار؟ وبالفعل وجدنا أن بعض البنوك مُدانة للصّندوق بـ 16 مليون دينار وأخرى بـ 7 و8 ملايين دينار رغم أنها تحقّق أرباحا كبيرة. وقد استفاد هؤلاء من آليّة جدولة الدّيون والتزموا فعلا بالدّفع.

بعض المؤسّسات الأخرى تتهرّب أيضا من دفع المساهمات الاجتماعيّة وتُقدّم منحا وامتيازات دون أن تُخضعها للضّريبة. وهو ما قادنا إلى تركيز جهاز مراقبة واستخلاص دعّمناه بانتداب 100 مراقب سنة 2023 في مختلف ولايات الجمهوريّة، ستضاف إليهم انتدابات جديدة هذه السّنة.

وهذه الإجراءات مكّنتنا من تأمين مداخيل ماليّة خوّلت لنا خلاص جزء من مستحقات “الكنام” وتحسين الخدمات ورفع عدد المنتفعين.

بعض الخبراء يعتبرون أن هذه الإجراءات غير كافية وتحتاج إلى معاضدتها باستراتيجيّة واضحة تفضي إلى إصلاح جذري لمنظومة الصّناديق الاجتماعيّة.. هل باشرت الوزارة في وضع هذه الاستراتيجيّة؟

بالفعل لدينا تصوّر واضح وقد شرعنا في تنفيذه، ومن أُسسه توحيد أنظمة الضّمان الاجتماعي في اتجاه اعتماد نظام واحد للقطاعيْن العامّ والخاصّ. وكانت أولى خطواته توحيد القروض الاجتماعيّة، وثانيها توحيد منظومة العلاج من خلال اعتماد بطاقة “لاباس”.

للأسف لست مقتنعا بنجاعة هذه البطاقة وقد أحلت ملفّها على التّفقديّة العامة بسبب وجود شوائب وشبهات فساد سنُفصح عنها بعد استكمال التفقديّة لعملها.

وقريبا سنتوجّه نحو اعتماد بطاقة واحدة تشمل العائلات المعوزة ومحدودة الدّخل وبقيّة العائلات وذلك في إطار إلغاء التّفرقة بين المواطنين، وهي بطاقة “أمان” التي ستحوي المعطيات الصحيّة لكلّ مواطن.

كما سنعمل أيضا على توسيع قاعدة المنتفعين بنظام استرجاع المصاريف لتشمل العائلات المعوزة ومحدودة الدخل. فمن حق هذه العائلات أن تتعالج داخل المصحّات الخاصّة وأن تشتري الأدوية من الصّيدليّات وألّا تبقى مرتهنة للمستشفيات العمومية وألّا تنتظر “فضلة الأدوية” التي تجود بها عليها المؤسّسات الصحيّة العموميّة.

هل رصدتم بعض الشوائب في علاقة المصحّات بالصّناديق الاجتماعيّة؟

المتعاونون في القطاع الخاصّ هم شركاؤنا ولهم مساهمتهم في خدمة المواطن. ولكن هذا لا يمنع وجود بعض الإشكاليات والتشكّيات التي تصلنا من المنتفعين. فبعض المصحّات الخاصّة لا تقبل جميع المرضى، وبعضها يعتمد تكلفة باهظة جدّا مقارنة بما هو متّفق عليه. كما أنّ عددا من الأطباء كشفوا عن وجود تجاوزات تتعلّق بعدم احترام الاتفاقيّة الممضاة بين الصّندوق الوطني للتأمين على المرض والنّقابة التّونسيّة لأطبّاء القطاع الخاص.

وتبعا لذلك قمنا برفع السّقف السّنوي لمبالغ الخدمات الصّحيّة الخارجيّة المتكفّل بها في إطار النّظام القاعدي للتّأمين على المرض بعنوان المنظومة العلاجيّة الخاصّة أو نظام استرجاع المصاريف، ووسّعنا في نشاط المصحّات الستّ التّابعة للصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي في ولايات قفصة وسوسة وصفاقس والمنستير وتونس، على أن تلتحق بهم مصحّة سابعة سيتمّ تركيزها في ولاية الكاف، وقد وفّرنا لها المقر.

كما فتحنا طلبات عروض لاقتناء آلات جديدة للتصوير بالرّنين المغناطيسي (irm) وصور الأشعة فوق الصوتيّة (scanner) وصور الثّدي الشعاعيّة (mammographie) ووحدات تصفية الدّم.

ولتخفيف الضّغط على المصحّات، سنتّجه إلى تركيز مركز للأدوية الخصوصيّة في كلّ ولاية، بدءًا بالقصرين وجندوبة، حتى لا يضطرّ المواطنون إلى التّنقل من ولاياتهم للحصول على الأدوية.

بالنّسبة للصّيادلة وتعقيبا على البيان الصّادر عن نقابتهم، أؤكّد أنّ الصّندوق الوطني للتأمين على المرض قام بصرف مستحقّات الصّيادلة ضمن الآجال التعاقديّة الثّلاثة التي تتيح لنا الخلاص في فترات تتراوح بين 60 و71 و85 يوما. وهذه المرّة سجّلنا تأخيرا استثنائيا بشهر واحد نتيجة التأخّر الحاصل في تجميع المساهمات الاجتماعية.

من وجهة نظر بعض الخبراء، القروض الاجتماعيّة وحدها لا تكفِي وتنويع مصادر تمويل الصّناديق الاجتماعيّة يحتاج إلى رؤية وقوانين جديدة. فهل ستكون هناك مبادرة تشريعيّة مرتقبة في هذا الصّدد؟

نحن بصدد الاشتغال حاليّا على مشروع مهمّ قصد تمريره قريبا إلى البرلمان يتعلّق بالتّعديل الآلي للجرايات. وستشمل التعديلات قيمة المساهمة الاجتماعية التي يجب الترفيع فيها انسجاما مع بعض الخدمات التي قمنا بتحسينها.

كما نسعى أيضا إلى توحيد منظومة الأجور في ظلّ الفوارق الكبيرة بين متوسّط الأجور في القطاع العام الذي يبلغ 1700 دينار ومتوسّط الأجور في القطاع الخاص الذي لا يتجاوز 600 دينار، وهو أمر غير مقبول وينطوي على ظلم كبير.

لاحظنا أيضا أنّ الصّناديق الاجتماعيّة تسجّل نقصا في الموارد البشريّة. وهو ما قادنا إلى اتّخاذ قرار بفتح عدد من المناظرات، قصد انتداب 450 موظّفا صلب الصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي (cnss) وحوالي 100 موظّف في الصّندوق الوطني للتّأمين على المرض (cnam). والأولويّة ستكون لمن طالت بطالتهم من أصحاب الشهادات العليا، إضافة إلى تشغيل 2% من الأشخاص في وضعيّة إعاقة.

ومن ضمن الإجراءات الأخرى التي نعمل على تفعيلها في الأشهر القليلة المقبلة هي التّرفيع في جرايات المتقاعدين الذين يتقاضون أقلّ من منحة العائلات المعوزة (180 دينارا) وعددهم 131 ألفا من مجموع 445 ألف متقاعد.

إذ لا بدّ من القضاء على التّفرقة في اتجاه أن تكون جراياتهم متساوية مع جرايات العائلات المعوزة أي في حدود 240 دينارا على الأقلّ، والتّكلفة الماليّة لهذا الفارق ستكون في حدود 95 مليون دينار.

لماذا بقي التّأمين حكرا على البنوك؟ وما الذي يمنع الدّولة التي تتبنّى خطابا اجتماعيا من الإشراف على هذا القطاع وحصره في الصّناديق الاجتماعيّة؟

لا يمكن أن نظلم الشّركات الخاصّة التي تشتغل في مجال التّأمين، ولكنّ الدّولة بإمكانها أيضا أن تَدخل هذا المجال. وهذه المسألة من ضمن الأولويّات التي نشتغل عليها في سياستنا الإصلاحيّة. حيث سيتولّى الصّندوق الوطني للتّأمين على المرض -إلى جانب دوره المنصوص عليه بالقانون- منح المقترضين عقود تأمين على الحياة، بالإضافة إلى العقد الخاصّ بالملحق التّكميلي. وهذه الخطوة لا تدخل في نطاق المنافسة مع شركات التأّمين لأنّ الغاية منها ليست ربحيّة بل اجتماعيّة.

الاقتصاد الموازي يكلّف الصّناديق الاجتماعيّة خسائر كبيرة، فهل يمكن تحويله إلى رافد لإنقاذ هذه الصّناديق؟

لقد تسبّب القطاع الموازي في خلق مشاكل كبيرة على مستوى الماليّة العموميّة، نتيجة امتناع المشتغلين فيه عن تقديم المساهمات الاجتماعيّة والتّصريح على الدّخل.

وتبعا لذلك، اتّخذنا جملة من الإجراءات لتشجيع هذه الفئات على الدّخول في المنظومة، على غرار تطبيقة “تصريح” (déclaration) الجديدة الموجودة على موقع الصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي، والتي ستمكّن المضمونين الاجتماعيين في القطاع الخاص من متابعة حساباتهم وحتّى معرفة الجراية التقديريّة التي ستصلهم بعد التّقاعد.

كما سهّلنا الإجراءات بالنّسبة لأصحاب المعرّف الجبائي (الباتيندا) الذين أصبح بإمكانهم دفع أداءاتهم الضّريبيّة بصفة شهريّة وحتّى يوميّة وذلك عن طريق الهاتف الجوال. بالإضافة إلى التّرفيع في سقف التّغطية الصحيّة عن طريق الصّندوق الوطني للتّأمين على المرض.

لا أملك أرقاما دقيقة بشأن كلفة القطاع الموازي على الصّناديق الاجتماعيّة، ولكن ما هو مؤكّد لدينا هو أن عدد المشتغلين فيه يفوق الخمسين بالمائة.

ماذا عن ملفّ التّقاعد؟ هل سيقع التّرفيع في سنّ التّقاعد في القطاع الخاصّ؟

الأجدى والأمثل بالنّسبة لي هو أن يخرج عن الخدمة كل موظّف بلغ سنّ التّقاعد وأن يفسح المجال للشّباب لحمل المشعل.

ولكن ومن باب العدل والقطع مع التّفرقة بين القطاعيْن العمومي والخاص، اتّخذنا قرارا برفع سنّ التّقاعد بالنّسبة لموظّفي القطاع الخاص من 60 إلى 62 سنة كما هو الحال في الوظيفة العموميّة.

أمّا بالنّسبة للأشخاص الذين غادروا العمل لأسباب اقتصاديّة مرتبطة بالمؤسّسة المشغّلة، فسيتمّ رفع سنّ التّقاعد من 50 إلى 55 سنة. وهو قرار مهمّ سيعود بالنّفع على الصّناديق الاجتماعيّة، حيث سيوفّر 35 مليون دينارا عن كلّ سنة إضافيّة. وسيتمّ نشر هذه القرارات قريبا في الرّائد الرّسمي بعد مصادقة رئيس الجمهورية عليها.

تحت أيّ مسمّى تتواصل عمليّة الاقتطاع من جرايات المتقاعدين؟

صحيح أن عمليّة الاقتطاع مازالت متواصلة، ولكن بمبالغ بسيطة وهي لقاء خدمات معيّنة مرتبطة أساسا بالتّغطية الصحيّة.

ومع ذلك لي اقتناع خاص بضرورة التّخلّي عنها، لأنّ مبلغ 50 أو 60 دينارا له أثره على المتقاعد. ولكن لا يمكن أن نتّخذ قرارا مماثلا في الوقت الرّاهن مراعاةً للتوازنات الماليّة للصّناديق الاجتماعيّة. فهذا القرار يمكن أن يعود بنا إلى الوراء.

924 دينارا هو متوسّط الأجور حسب آخر نشريّة لمعهد الإحصاء. كيف تعلّق على هذا الرّقم الذي يعتبر من بين الأضعف في العالم؟

هذه الحكومة مدركة جيّدا لمستوى الأجور المتدنّي في تونس. إذ ليس من المعقول أن يتقاضى مدير عامّ داخل وزارة 1800 دينارا وألّا تتجاوز أجرة معلّم 1400 دينارا. الإرادة السياسيّة متوفّرة ولدينا قناعة تامّة بضرورة مراجعة منظومة الأجور في المستقبل.

كما أنّه من غير المعقول أن يكون الأجر الأدنى المضمون (السميغ) للموظّفين في حدود 459 دينارا. ولكن مع العجز الحالي في الماليّة العموميّة لا يمكننا أن نُفعّل جميع الإصلاحات دفعة واحدة. فالتّرفيع الأخير في “السّميغ” (سنة 2022) كلّف الدولة 328 مليون دينار.

هل يعني ذلك أن “السّميغ” لن يُرفّع هذه السّنة؟

لا أعرف.. هذا الموضوع مطروح على الطّاولة وهو قيد الدّرس بجدّية. الجميع يعلم أنّنا نمرّ بمرحلة إصلاحٍ وبناءٍ لتونس الجديدة ونتّجه نحو التّعويل على الذّات بموارد الدّولة ولدينا ضغوطات ماليّة كبيرة.

نحن ماضون في الإصلاح ولكن تدريجيّا، ولا يمكنني أن أجزم في موعد التّرفيع في “السميغ” لأن القرار بيد رئيس الجمهوريّة أو رئيس الحكومة. وأنا عضو في هذه الحكومة ومدرك لوضعيّة المالية العموميّة وللمجهود الذي تقوم به لتغطية العجز الحاصل وإنقاذ تونس من الانهيار. فليس من السهل أن تنجح بلادنا في تسديد قروض كبيرة ورثناها دون أن نلجأ إلى الاقتراض، وأن نباشر في الوقت ذاته عمليّة إصلاح المؤسّسات والمنشآت العموميّة التي تعاني بدورها من عجز كبير يستوجب تدخّلات شبه يوميّة من الماليّة العموميّة، فضلا عن تأمين الحاجيات الاستهلاكيّة اليوميّة.

ولكن أنا جدّ مقتنع بضرورة التّرفيع في “السّميغ” الذي يساوي تقريبا 120 أورو. وهو رقم ضئيل مقارنة بدول أخرى يصل فيها الأجر الأدنى المضمون إلى 700 و1200 وحتى 3 آلاف أورو.

نحن نبذل جهدا كبيرا للإحاطة بالنّاس بما أوتينا من إمكانات. وأؤكّد أنّنا لن ننخرط في أيّة سياسة من شأنها أن تجوّع المواطن أو تضرّ به أو تمسّ بمقدرته الشّرائيّة رغم الصّعوبات ورغم التّضخّم المستورد النّاجم عن تداعيات الأزمات العالميّة الأخيرة.

حسب دراساتكم، ما هو الأجر الذي يمكن أن يضمن حياة كريمة للمواطن التّونسي؟

لا أملك إجابة بالأرقام. ولكنّ الـ 2400 ألف دينار التي يتداولها النّاس وحتّى خبراء الاقتصاد على الأنترنت ليست دقيقة. لو كان بالإمكان لجعلت المواطن التونسي يتحصّل على 5 آلاف دينار شهريّا ولكن ما يعنيني في المرحلة الحاليّة هي الفئات المهمّشة.

لدينا 967 ألف عائلة بين معوزة ومحدودة الدّخل، بعضها تتمتّع بجراية متساوية مع “السّميغ” أو أدنى منه، والبقيّة ليس لها دخل وهي في حدود 340 ألف عائلة. وهو ما يرفع عدد الفقراء إلى حوالي 4 ملايين شخص، باحتساب 4 أفراد لكلّ عائلة. وهو رقم مخيف جدّا ونحن مطالبون بإيجاد حلول لهم، وفعلا لم نتخلّ عنهم. فوزارة الشؤون الاجتماعية تدخّلت لفائدتهم بإجراءات مهمّة، من ضمنها التّرفيع في قيمة المنحة الاجتماعيّة من 180 إلى 240 دينارا، وتوسيع قاعدة منح الأطفال التي أصبحت تشمل الفئة العمريّة من 0 إلى 18 سنة، بعد أن كانت تقتصر على 15 سنة كحدّ عمري أقصى. وقد بلغت قيمتها حاليّا 30 دينارا عن كلّ طفل. بالإضافة إلى التّرفيع في منحة العودة المدرسيّة من 50 إلى 100 دينار، والطلبة إلى 120 دينارا.

بالنّسبة لي هذه الفئة لها الأولويّة في مختلف الإصلاحات التي نقوم بها. حتى أنّ البعض وصفني بأنّني وزير الفقراء، فأجبته بأنّني أفتخر بذلك لأنّني جئت منهم.

هل ستكون هناك زيادات جديدة لفائدة العائلات المعوزة؟

طبعا. وأريد أن أعلن من منبركم أنه سيقع توسيع دائرة العائلات المعوزة بإضافة 10 آلاف عائلة جديدة، ليرتفع بذلك العدد الجمليّ إلى 350 ألف عائلة. كما سنعتمد آلية “التّرفيع الآلي” في المنح المرصودة لها بمقدار 20 دينارا كلّ سنة، ابتداءً من جانفي/ يناير 2025.

ولكن بالنّسبة لي، لا يكمن الحلّ في توسيع قاعدة المنتفعين وإنّما في عدم تأبيد الفقر وتوريثه. وتبعا لذلك أطلقنا برنامج “التّمكين الاقتصادي للعائلات المعوزة ومحدودة الدّخل” الذي بمقتضاه وقع تأمين ألف مشروع لفائدة هذه الفئة بين سنتيْ 2022 و2023 باعتمادات ماليّة قدّرت بـ 15 مليون دينار تشمل أيضا الأشخاص من ذوي الإعاقة. وتصل قيمة المنحة إلى 50 ألف دينار.

لقد بلغت نسبة نجاح هذا البرنامج 90%، وهو ما دفعنا إلى وضع هدف جديد وهو بعث ألف مشروع إضافيّ بعنوان سنة 2024. وقد أنجزنا منها إلى حدود اليوم 435 مشروعا، وهو ما يعني أنّنا سنتجاوز الهدف المطلوب.

وبفضل هذا البرنامج خرج المنتفعون من منظومة الأمان الاجتماعي إلى منظومة الضّمان الاجتماعي، وأصبحوا هم أيضا مساهمين اجتماعيين ومنتجين للثّروة وخلقوا بدورهم مواطن شغل جديدة لغيرهم.

ماذا عن ذوي وذوات الإعاقة؟ كم تقدّر الوزارة عددهم؟ وما هي السّياسة المتّبعة تجاههم؟

أريد أن أحيطكم علما أنّ تونس هي أكثر دولة تُشغّل الأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة مقارنة بالمحيط العربي وحتّى العالمي. وستترأّس للمرّة الثّانية على التّوالي مؤتمر الدّول الأطراف في اتفاقيّة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وهذا لم يأتِ من فراغ.

بالنّسبة للعدد، تُظهر قاعدة بيانات الأمان الاجتماعي 445 ألف شخص لديه بطاقة إعاقة. ولكنّ العدد قابل للارتفاع بالنّظر إلى أنّ العديد من الأشخاص لم يتقدّموا للحصول عليها. وأنا أدعوهم للتّقدّم بمطالب للتّمتع بهذه البطاقة وما ينجرّ عنها من امتيازات تضمنها الدّولة لهذه الفئة.

ونحن نعمل في الوقت الرّاهن على إفرادهم بمنصّة رقميّة من أجل تسهيل عمليّة توجيه الخدمات إليهم. كما سنخُصّهم ببطاقة ذكيّة تحوي جميع البيانات الصّحيّة المتعلّقة بهم وتتمّ عن طريقها التّحويلات الماليّة. بالإضافة إلى إطلاق برنامج “تحدّي للتّمكين الاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة”، الذي تم بمقتضاه بعث 345 مشروعا بعنوان سنة 2024.

وفي إطار الدّور الرّقابي، قامت تفقديّة الشّغل بسلسلة حملات كبرى شملت مختلف المؤسّسات والشّركات العموميّة منها والخاصّة في مختلف ولايات الجمهوريّة، من أجل فرض الالتزام بتشغيل نسبة 2% من الأشخاص ذوي الإعاقة كما ينصّ على ذلك القانون. وقمنا بتخطئة المخالفين. وأبشّر هذه الفئة أنّه سيتوفّر لهم 3500 موطن شغل بحلول نهاية السّنة.

وفي إطار المقاربة الجديدة للإحاطة بالأشخاص في وضعيّة إعاقة، قمنا ببعث “المركز الدّولي للنّهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة” وهو مركز بحثيّ سيتفرّع إلى 26 فرعا في كامل تراب الجمهوريّة، وسيضمّ قريبا مخبرا جديدا لتأطير الاختراعات التي تسهّل حياة هذه الفئة حتّى تكون تونس منارة لدعم الأشخاص في وضعيّة إعاقة.

أما بالنّسبة للمصابين بطيف التّوحّد، فقد تمّ إحداث أوّل مركز نموذجيّ لهم في سيدي حسين يُؤوي الأطفال في الفئة العمريّة من 3 إلى 7 سنوات. وقد نجحنا في إنقاذ 80 بالمائة منهم وإدماجهم في المدارس. وقريبا سنفتح مراكز مماثلة في كلّ من زغوان والمهديّة وصفاقس.

ما الجديد في ملفّ النّساء الفلاحيات؟ وهل ستكون هناك إرادة واضحة لتحسين ظروفهنّ المأساويّة؟

“راني جيت من لوطى” وأنا ابن الرّيف وأعي جيّدا الظّروف الصّعبة التي تعيشها هؤلاء النّساء، ومن ضمنهنّ أفراد من عائلتي ممن تركبن الشّاحنات وتعرّضن لحوادث سير متكرّرة.

لقد حملت على عاتقي هذا الملف بالذّات وعاهدت نفسي على توفير أدنى الحقوق لهنّ المتمثّلة أساسا في التّغطية الاجتماعيّة والصّحيّة.

التّشخيص الذي قامت به مصالح الوزارة كشف عن وجود أكثر من 100 ألف عاملة فلاحيّة، وهو رقم تقريبيّ. من ضمنهنّ فئة أولى يلتزم المشغّلون بتمكينها من التّغطية الاجتماعيّة، وفئة ثانية تنتفع من برنامج الضّمان الاجتماعي وتتلقّى امتيازات ومنحا قارّة، وثالثة لا تتمتّع بالتّغطية وهي مجهولة بالنّسبة إلينا.

هدفنا الحالي هو معرفة العدد الحقيقيّ لهذه الفئة الثّالثة، عن طريق الوحدات المحلّية التي انطلقت في التّحرّي عنها في كامل تراب الجمهوريّة. وقد قمنا بإعداد برنامج خاصّ ومنصّة رقميّة ستمكّننا لاحقا من توجيه الخدمات إليهنّ مباشرة.

هذه المنصّة ستُتيح للنّساء الفلاحيات الاستفادة من منظومة استرجاع المصاريف ودفع المساهمات ولو بدينار واحد يوميّا. أمّا الفئة المعوزة فستنتفع من المنح القارّة بشكل مجانيّ.

وبالنّسبة لإشكال الحوادث، فقد وفّرت وزارة النّقل عددا من الحافلات لتأمين نقل النّساء الفلاحيات إلى مناطق عملهنّ، وهي الآن بصدد الإعداد لمشروع قانون لتنظيم هذه العمليّة.

من ضمن الملفّات المثيرة للجدل هو ملفّ المناولة. فالعديد من الشّركات وحتّى البنوك مازالت تعتمد على المناولة رغم تنصيص رئيس الجمهوريّة على القضاء عليها. فما الجديد في هذا الملفّ؟

أوّلا، أريد أن أحيّي رئيس الجمهوريّة على فتح ملفّ المناولة، وهو قرار أعتبره ثوريّا وجريئا. ولكن وجب التّوضيح أنّ هناك نوعان من المناولة؛ الأولى هي مناولة الخدمات التي تحتاجها كلّ مؤسّسة وهي مشروعة بالقانون، والثّانية هي مناولة اليد العاملة التي نعتبرها لا قانونيّة واستعبادا للنّاس وشكلا من أشكال الاتّجار بالبشر.

فأن يُفني عامل جهده ووقته في خدمة مؤسّسة والحفاظ عليها، ثم تقوم هذه المؤسّسة بتسديد أجرة قدرها 1500 دينار لشركة المناولة التي لا تعطي لهذا العامل سوى 600 دينار، هو أمر لا يمكن قبوله، وهو جريمة في حقّ العمّال.

سبق وأن أمضت وزارة الشّؤون الاجتماعيّة مع اتّحاد الشّغل قرارا تاريخيّا يقضي بمنع المناولة في القطاع العمومي سنة 2012، ولكنّ تنفيذه استمرّ سنة واحدة ولم يطبّق بعد ذلك.

هل سيقتصر الأمر على القطاع العمومي؟

يسهل التّعاطي مع شركات المناولة في القطاع العمومي الذي نمتلك سلطة مباشرة عليه، فضلا عن كونهم معلومين بالنّسبة إلينا ويمكن للدولة أن تتّخذ قرارات بشأنهم. وقد شكّلنا بالفعل لجنة خاصّة تعمل حاليّا على جرد المؤسّسات والشّركات والوزارات والمنشآت العموميّة التي تُشغّل عمّال المناولة، بغية تحسين وضعياتهم.

أمّا بالنّسبة للقطاع الخاصّ، فقد باشرنا في تنقيح مجلّة الشّغل من أجل القضاء على جميع أشكال التّشغيل الهشّ وتأمين عقود تحفظ كرامة المواطن. إذ لا سبيل إلى أن يستمرّ استعباد عمّال المناولة الذين يصل عددهم إلى 230 ألف عامل، 80% منهم في القطاع الخاصّ.

وقريبا ستصبح المناولة جزءًا من الماضي، ولكنّ الأمر يتطلّب أيضا وعيا مشتركا من المؤجّر سواء في القطاع العمومي أو الخاص.

ومنذ إعلان رئيس الجمهورية عن فتح الملفّ، انطلقت حملة مراقبة واسعة لمتفقّدي الشّغل صلب الشّركات في مختلف ولايات الجمهوريّة. ويوميّا تصلنا التّقارير التي كشفت عن وجود تجاوزات واسعة في علاقة بتطبيق القانون.

هل هناك توجّه نحو التّفويت أو التّصرف في الرّصيد العقاري للصّناديق الاجتماعيّة؟

هناك بالفعل مشروع وطنيّ هو قيد الدّرس مع المديرين العامّين المشرفين على البناءات والعقّارات التّابعة للصّناديق الاجتماعيّة. وهي عقّارات تمسح مساحات كبيرة وبعضها خارج تراب الوطن.

العديد من المدارس ومراكز الأمن تتبع بناياتها الصّندوق الوطني للتّقاعد والحيطة الاجتماعيّة (cnrps) تستغلّها وزارتا التّربية والداخليّة دون عقود كراء أو تفويت. ويتحمّل الصّندوق مصاريف صيانتها.

هذه البنايات تثقل كاهل الصّناديق الاجتماعيّة ولا يمكن القبول باستمرار هذا الوضع. وتبعا لذلك عقدنا جلسات مع الوزارات المعنيّة وهناك توجّه نحو إمضاء اتّفاق في الغرض سيعود بالنّفع على الصّناديق.

وحاليّا، تعمل الوزارة على تثمين البنايات والأراضي البيضاء التابعة للصناديق الاجتماعية في اتجاه إيجاد حلّ لمعضلة السكن بالنسبة للموظفين وعدم الاقتصار على السكن الاجتماعي، وذلك من خلال التفويت للمتساكنين بأسعار تفاضلية لا تتجاوز قيمة الربح فيها 30% أو 40% لتغطية سعر التكلفة.

لا بد من القطع مع لوبي الوكلاء العقاريين الذين يستغلّون الناس و”يذبحوا فيهم” ويحققون مرابيح تصل نسبتها إلى 200% و300%. وسنعلن عن تفاصيل هذه الخطّة في إطار مشروع وطني سيكون بمثابة المتنفّس للموظفين في القطاعين العام والخاص والصناديق الاجتماعية على حدّ سواء.

ماذا يقول مالك الزّاهي في علاقة بترّشح قيس سعيّد للرّئاسة؟ وما هي رسالته للتّونسيين؟

نحن غير محايدين في هذا الموضوع، سأكون بالطّبع من أوّل الدّاعمين له. وسأواصل معه المشروع الذي انطلقنا فيه سواء داخل الحكومة أو خارجها. ونحن مصرّون وعازمون على نجاح “الحلمة” رغم ما مرّ علينا من تعقيدات وتعطيلات ومتأكّدون من أنّ السّلطة ستصبح ملكا للشّعب التّونسي، تطبيقا للشّعار الذي رفعه رئيس الجمهوريّة “الشّعب يريد”.

أنا سعيد جدّا بالاشتغال ضمن المرحلة التي أشرف عليها الرّئيس قيس سعيّد لما أعرفه فيه من صدق ومن نزاهة ومن نظافة اليد. فسعيّد هو فرصة لتونس على اعتبار أنّه يحمل مشروعا كبيرا نحن بصدد ملامسة أثره على مستوى العالم. فعندما أتنقّل خارج تونس في إطار عملي صلب وزارة الشّؤون الاجتماعيّة أستشفّ أثر المبادئ التي رسّخها قيس سعيّد. إذ أصبح لتونس تموقع جديد وأضحت كلمتنا مسموعة. “وقتلي نتكلمو أو ندّخلو حس الذبانة ما تسمعوش.. عاملينا قيمة وقدر”. وهذا يُحسب لرئيس الجمهوريّة قيس سعيّد.

هل أنت واثق من فوزه في الانتخابات الرئاسيّة القادمة؟

طبعا أتوقّع فوزه، إذ ليس لنا بديل عن قيس سعيّد. لقد أصبح للتّونسيين وعي سياسيّ وباتوا يتابعون الشّأن العام بعد أن كانوا مغيّبين ومُفقّرين سياسيّا طيلة عهديْ بورقيبة وبن عليّ.

بعد الثّورة دخل التّونسي مجال السّياسة وبدأ يفهم ما يجري حوله. “صحيح دخلها بعضها ساعات أما توّا تلقح” وأصبح لديه نوع من المناعة والوعي ويدرك ما يفعله. وهو الآن مساند للرئيس وأنا متفائل.

الكاتب : رحاب الحوات

صحفية ومختصة في الإتصال والإنتاج السمعي والبصري

عمل صحفي: محمد اليوسفي
عمل صحفي: راضية الشرعبي
تدقيق: وليد الماجري
تطوير تقني: بلال الشارني
تدقيق: وليد الماجري
تطوير تقني: بلال الشارني
عمل صحفي: محمد اليوسفي
عمل صحفي: راضية الشرعبي

الكاتب : رحاب حوّات

صحفية ومختصة في الإتصال والإنتاج السمعي والبصري

rihab