الكاتب : يسرى بلالي

صحفية وباحثة في العلوم الاجتماعية

“ما الذي سأستفيد منه عندما أفتح تطبيق الانستغرام وأشاهد ستوريات المؤثرين.ـات؟” كانت هذه إجابة التيكتوكوز (ناشطة على منصّة تيك توك) ضحى العريبي في أحد البرامج التلفزيونية التونسية عندما سألها عن متابعتها لمشاهير الانستغرام. السؤال ذاته يُطرح من قبل المتابعين.ـات للمحتويات التي تُنتجها ضحى العريبي ولمحتويات السوشيال ميديا عموما ويتكرّر حالما تُصبح المؤثرات ضيفات للبرامج التلفزية أو كرونيورات قارّات.

كلما ضاقت الأزمة السياسية تتزايد برامج الـTalk Show وتفرغ البرامج التلفزية والإذاعية أكثر من أي محتوى تثقيفي أو جاد. فبعد أن كانت البرامج التلفزيونية والإذاعية في تونس تمثّل منابر سياسية وتحليلية بعد ثورة 2011 أصبحت اليوم خالية من أي نفس تحليلي لتترك المجال للبرامج الترفيهية دون أيّة مراقبة نقدية. وقد أخذ المؤثرون والمؤثرات نصيب الأسد منها فأصبحوا/أصبحن الحصان الرابح للمستشهرين والمموّلين ومصدرا لتحقيق المشاهدات بالنسبة إلى المنتجين.

الكاتب : يسرى بلالي

صحفية وباحثة في العلوم الاجتماعية

“ما الذي سأستفيد منه عندما أفتح تطبيق الانستغرام وأشاهد ستوريات المؤثرين.ـات؟” كانت هذه إجابة التيكتوكوز (ناشطة على منصّة تيك توك) ضحى العريبي في أحد البرامج التلفزيونية التونسية عندما سألها عن متابعتها لمشاهير الانستغرام. السؤال ذاته يُطرح من قبل المتابعين.ـات للمحتويات التي تُنتجها ضحى العريبي ولمحتويات السوشيال ميديا عموما ويتكرّر حالما تُصبح المؤثرات ضيفات للبرامج التلفزية أو كرونيورات قارّات.

كلما ضاقت الأزمة السياسية تتزايد برامج الـTalk Show وتفرغ البرامج التلفزية والإذاعية أكثر من أي محتوى تثقيفي أو جاد. فبعد أن كانت البرامج التلفزيونية والإذاعية في تونس تمثّل منابر سياسية وتحليلية بعد ثورة 2011 أصبحت اليوم خالية من أي نفس تحليلي لتترك المجال للبرامج الترفيهية دون أيّة مراقبة نقدية. وقد أخذ المؤثرون والمؤثرات نصيب الأسد منها فأصبحوا/أصبحن الحصان الرابح للمستشهرين والمموّلين ومصدرا لتحقيق المشاهدات بالنسبة إلى المنتجين.

المؤثرات .. من الأعشاش الافتراضية إلى البرامج التلفزية

ولّدت ثقافة السوشيال ميديا فضاء عاما أين يُمكن لجميع الأشخاص أن يُقدموا محتوى على هذا التطبيق أو ذاك دون قيود، فأصبح الكلام “مُدمقرطا” والتعبير مُتاحا للجميع، ما زاد من خلق ثقافة المواطن الصحفي وأصبحت المعلومة السريعة متلائمة مع خطوات المجتمع ما بعد الحديث.

ومع كل هذه التغيرات، اكتسب المؤثر.ة مكانة مهمّة داخل الفضاء الافتراضي وذلك لإتقانه/ها فنّ التأثير من خلال محتوى سهل الاستهلاك وسريع المرور يُمكن أن ينشُر من خلاله حياته/ها الخاصّة، أماكن يزورها، وصفات للطبخ، ملابس، أكسسوارات… حتى أصبح هذا المحتوى في حدّ ذاته وسيلة من وسائل الإشهار وموردا للرزق. كما أضحى المؤثر.ة شخصية مشهورة ومرموقة متمتّعة بحضوة داخل المجتمع وبالتقدير الإجتماعي فتتهافت عليه/ها وسائل الإعلام من أجل استغلال “علامة تجارية” قادرة على الرفع من عدد المشاهدات.

يُعرّف أستاذ علوم الاتّصال الصادق الحمامي المؤثّر.ة كالتالي :

هو نوع جديد من المتكلمين أو الفاعلين في المجال العمومي. إذ في السابق وقبل ظهور الإنترنت، كان الذين يستأثرون بحق الكلام في المجال العمومي إمّا السياسيون أو النخب التي تمرّعبر الميديا، لكن مع ظهور الانترنت برز متكلمون جدد فاعلون وفرّت لهم الانترنات قدرات للظهور.

ويضيف الحمّامي قائلا : “أوّلا، مهّد المدوّنون الطريق للمؤثرين بداية من سنة 2005. ثمّ ومع ظهور الشبكات الاجتماعية، تغيّر معمار المجال العمومي لأنّه حرّر قدرات الناس على الكلام بداية من سنة 2008 فظهرت صحافة المواطن بمفهومها الجديد”.

تقوم الشبكات الاجتماعية ،حسب مُحدّثنا، على “المتاجرة برأس المال الثقافي للناس، فبيع التجارب الحياتية أفرز مفهوم التأثير والإنتاج المستمر للمضامين”.

وبين المؤثّر.ة كشخصية عامّة والوسيلة الإعلامية كأداة تواصلية خُلق نموذج هجين (Paradigme hybride) وُلد من رحم التلاقي بين عالمين، عالم السوشيال ميديا الذي أتاح بروز شخصيات من قبيل المواطن العادي (Le citoyen Lambda) أفرزتهم تفاعلات الشبكات الاجتماعية فبرزوا مثل الفقاقيع (Le phénoméne des champignons)، وعالم برامج الترفيه (Entertainment) والشو بيز (Show-Biz) التي لعبت دور الحاضنة الإعلامية لتلك الفقاقيع فأعطتها شرعية إعلامية ووجاهة اجتماعية حيث أصبحت تحظى بالتقدير الاجتماعي.

لا تقوم البرامج التلفزيونية التي تستقبل المؤثرات على استغلالهن من أجل كسب أكبر عدد من المشاهدات فحسب، بل تُحقّق من خلالهنّ منطق المشهديّة والفرجويّة المثيرة وذلك عبر إيقاعهن في فخّ “التصريحات النارية” أو عبر تقديمهن كقصص نجاح دون الاحتكام الى المعايير التقييمية وذلك باستعمال أسئلة تأجّج الرأي العام، هذا فضلا على التعامل معهن كسلع ذات قيمة ربحية خالية من كل معنى أو قيمة فكرية.

على الرغم من وجود العديد من المؤثرات اللواتي تُقدمن محتوى ثقافي أو علمي أو فكري إلاّ أنّ البرامج التلفزيونية والإذاعية على غرار برنامج “فكرة سامي الفهري” أو برنامج JDT أو غيرها من البرامج الترفيهية لا تستضيف سوى المؤثرات اللواتي ارتقين في المصعد الاجتماعي دون المرور بعقبات التعليم والتعلّم، وهذا ما يُساهم في تكريس صور نمطية للنساء تتمثّل في التقليل من شأنهنّ وإقصائهن من المجال العلمي والمعرفي خاصّة أنّ هاته المؤثرات تؤثّرن على نسبة كبيرة من المراهقين.ـات الذين/اللواتي يتطلّعون إلى مستقبل لم تُحدّد معالمه بعد علما أنّ مستعملي.ـات تطبيق تيك توك مثلا يتراوح أعمارهم/هن بين 18 و34 سنة حسب إحصائيات مجلة نوفاتيس.

الصور النمطية للنساء .. غايات ربحية

تتمادى البرامج المبنية على نشر الثقافة الاستهلاكية والفضائحية في تكريس الصورة النمطية للنساء (Stéréotype) وتعنيفهن معنويّا والحطّ من قيمتهن باستضافة مؤثرات ينشرن محتوى نمطيا الغاية منه الحصول على عدد ضخم من المشاهدات والتسويق التجاري.

تقدّم هذه البرامج نوعا من الحضانة الاصطناعية (Incubation artificielle) بإمكانيات ضخمة للظهور التلفزي بما يُساعدها على الانتشار الجماهيري فتتحوّل المؤثرات إلى نماذج مجتمعية تحتذى وتؤثر بشكل كبير، فتنتقل إلى مرحلة النمذجة والاستيعاب الجماهيري والتي تتمثّل في مغادرة المؤثرات لعشّها الافتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي لتحظى بفترة حضانة اصطناعية مصمّمة على القياس في مؤسسات الاعلام الجماهيري وعلى رأسها التلفزيون.

بعد تحقيقها للرّواج الاعلامي الكبير من خلال الظهور المتكرّر والمصمّم على القياس في برامج “الشو بيز” على القنوات التلفزيونية وكذلك الإذاعية، تتحوّل هذه “المؤثّرة الكرونيكوز” إلى ما يُشبه النموذج المجتمعي (Paradigme sociétal) وتُصبح أفكارها وهندامها وسلوكها وعاداتها اليومية وردّات فعلها وحضورها الاجتماعي الاعلامي والافتراضي بمثابة نموذج مغر وجذّاب يُغري قطاعات واسعة من المواطنين العاديين (Les citoyens Lamda) للتشبّه به والاقتداء به على اعتبار أنّه يختزن مصعدا اجتماعيا نحو الشهرة والثروة والوجاهة الاجتماعية وبالتالي التقدير الاجتماعي.

تُنتج الشبكات الاجتماعية نماذج تحريرية واتّصالية خاصّة بها تُؤثّر بشكل كبير على متابعيها حسب الأستاذ في علوم الاتّصال الصادق الحمامي. فالتيك توك مثلا أصبح اليوم يطرح مشاكل متعدّدة على مستوى التنشئة الاجتماعية إذ أصبحت طريقة التفكير وطريقة التواصل مع العالم والأشياء تُدار بفيديوهات قصيرة وبالتالي فإنّ المؤثّرات والمؤثّرين أنفسهم يعتبرون منتَجا من منتَجات الشبكات الاجتماعية وهذه الظاهرة هي ظاهرة عالمية.

خلقت طبيعة التلفزيون التونسي حضورا مُلفتا للمؤثرات لأنّه (التلفزيون) لا يقوم بوظائفه، فهو يعمل على الحصول على أكبر عدد ممكن من الموارد الإشهارية / الإعلانية داخل سوق إشهارية متوحّشة، وهو تلفزيون لا يُشبه المجتمع التونسي فنحن لا نرى النخب الثقافية حاضرة فيه ومكانة المؤثرات والمؤثرين هي تعبيرة عن اضطرابه وعن تلاعب القنوات التلفزيونية بهم.ن، حسب محدّثنا.

وفي نفس السياق، تذهب الأستاذة في علم الإجتماع والناشطة النسوية فتحية السعيدي إلى أنّ التلفزيون التونسي ثمّن ثقافة المؤثّرات واستجلبهُن بمحتوياتهنّ الخالية من كلّ مضمون ما ساهم بشكل كبير في تنميط الصورة النساء لخلق نسب مشاهدة مرتفعة، كما أنّ أغلبية المعلّقات (الكرونيكوز) يُسوّقن لصورة “المرأة الشيء” La femme objet وليس لصورة “المرأة الفاعلة أو الذات” La femme sujet، فـ”المرأة الشيء” هي وسيلة من وسائل السلعنة والتّشييء والتطبيع مع قيم محافظة رديئة أو قيم موغلة في الليبرالية.

رغم أنّ الفصل 11 من القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ النساء يؤكّد على أن “تتولّى وسائل الإعلام العمومية والخاصة التوعية بمخاطر العنف ضد المرأة وأساليب مناهضته والوقاية منه وتحرص على تكوين العاملين في المجال الإعلامي على التعاطي مع العنف المسلّط على النّساء في ظلّ احترام أخلاقيات المهنة وحقوق الإنسان والمساواة”، إلاّ أنّ عدّة برامج سوّقت للعنف المادّي والمعنوي ضدّ النساء وصلت إلى حدّ مخاطبتهن بإيحاءات جنسية وبثّ الاعتداء عليهن بالضرب.

ساهمت كلّ هذه الصور في التطبيع مع عدم المساواة وتكريس ظاهرة العنف ضدّ النساء في المخيال الجمعي واقصائهنّ من الشأن العام الجادّ عند المتلقّي، كما أنّ الاقتداء بالمؤثرات لبناء مشهد إعلامي نسائي مُسلعن يُثبّت في الأذهان اختزال النساء في المساحيق التجميلية والطبخ والمشاجرة النسائية والعمليات الجراحية التجميلية، ما يخلق في المراهقين والمراهقات ثقافة التماهي، وفق الأستاذة فتحية السعيدي.

الرأسمالية الثقافية المٌعاصرة: الفيلتر وخلق البؤس

يُعرّف رأس المال الثقافي كـ”مؤهلات تعليمية أو غيرها من الموارد التي يحوزها الفرد بمقتضى إثباته مقدرات كبيرة من المعرفة أو الذوق الرفيع أو غيرها من صفات الثقافة كما طوّره بيار بورديو، كما يُعتبر تحوّل رأس المال من شكل إلى آخر (اقتصادي، رمزي، ثقافي) من استراتيجيات إعادة الإنتاج الإجتماعي” حسب معجم العلوم الاجتماعية لكريغ كالهون.

ومن هذا المنطلق فإنّ شبكات التواصل الاجتماعي هي شكل من أشكال رأس المال الثقافي والذي من خلاله تُساهم المؤثرات في إرساء محتويات تُواكب حلقة الإنتاج الاجتماعي التي انطلقت بدورها من مصالح وصراعات مع الأنظمة التعليمية التقليدية.

يُمكن أن نعتبر أنّ هذه الصراعات راكمت “عُقدة” الواقع المثالي واستجلبت معها الصور النمطية للنساء فأعادت إنتاجها عن طريق تقنيات مختلفة على غرار الفوتوشوب والفيلتر، ذلك أنّ الشبكات الاجتماعية -حسب الأستاذ الصادق الحمامي- تقوم على مبدأ استعراض الذات ومفهوم الشكلانية. فالفيلتر هو العقل الناظم للشبكات الاجتماعية ويتمثّل دوره في تحسين الواقع الذي يؤدّي في كثير من الأحيان إلى مغالطة الناس.

إنّ الإبهار بواسطة الصورة -حسب محدّثنا- مرتبط ارتباطا وثيقا بالسلعنة لأنّه طريقة من طرق البيع التي يُطلق عليها مجتمع الباحثين في المجال الاتصالي تسمية “التجارة بالصورة”.

لكنّ الإشكال الحقيقي يكمن في أنّ ثقافة الفيلتر تؤدّي إلى البؤس النفسي والبؤس الاجتماعي، إذ هناك نوع من القبول المشترك بالمغالطات والأوهام لأنّ الناس تعي جيّدا بأنّ ما تشاهده ليس الحقيقة وبأنّ هناك مبالغة وتعديل، وهذا ما يستلزم علينا فهم احتلال الصورة لهذه المكانة من منطلق الرأسمالية التي كانت سابقا تُتاجر بالموارد الطبيعية ثمّ أصبحت تُتاجر بالخدمات وصولا إلى ما بلغته من مرحلة المتاجرة بالتجارب الحياتية لغاية التسويق، وفق مصدرنا السابق.

تضعنا ثنائية الصورة المُفلترة كمصدر للبؤس من جهة، وإعادة إنتاج الصور النمطية للنساء من جهة ثانية، أمام الإرهاق الاجتماعي الذي تعيشه النساء سواء كُنّ مؤثرات نمطيات أو متأثّرات بالمعايير الجمالية المثالية التي يجب أن تكون عليها. هذا الثنائي والذي يتحقّق باعتراف أحادي من النساء تُجاه المجتمع الذكوري وبإقصاء لذواتهن أمام رأسمالية متوحشّة تُجبرهنّ على الانضباط لجماليات متّفق عليها وتتحدّد بعدد المشاهدات والمشاركة داخل سجن افتراضي كبير.

لا شكّ أنّ هناك مؤثّرات ساهمن بشكل كبير في كسر النمطيات وفي إنتاج محتويات ثقافية أو اجتماعية تحترم الحقوق الكونية والكرامة الإنسانية، لكنهنّ مغيّبات عن الساحة الإعلامية وذلك لغياب التعدّدية في البرامج التونسية ولإقبال وسائل الإعلام على إنتاج محتويات فضائحية تُثير انتباه المتلقّي وتحصد عددا أكبر من المشاهدات. ولا شكّ أيضا أنّ كثرة الإنتاج الخالي من المضامين الفكرية والثقافية على شبكات التواصل الاجتماعي لن يؤثّر بالشكل الكبير في المراهقين والمراهقات إن تمّ تكريس ثقافة التربية على وسائل الإعلام والعمل على البحث عن مضامين بديلة تُعوّض رداءة التلفزيون القمامة La télé poubelle.

كلمة الكتيبة:

حاول هذا المقال التطرّق إلى الآليات التي تُساهم في تكريس صور نمطية للنساء والتقليل من شأنهن ولا يهدف إلى محاكمة أخلاقية للمؤثرّات أوالمعلّقات بل هو محاولة لفهم طرق الإنتاج الاجتماعية الجديدة التي تُعتبر جزءا من المنظومة الاستهلاكية. أنجز هذا المقال بالشراكة مع منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان

كلمة الكتيبة:

حاول هذا المقال التطرّق إلى الآليات التي تُساهم في تكريس صور نمطية للنساء والتقليل من شأنهن ولا يهدف إلى محاكمة أخلاقية للمؤثرّات أوالمعلّقات بل هو محاولة لفهم طرق الإنتاج الاجتماعية الجديدة التي تُعتبر جزءا من المنظومة الاستهلاكية. أنجز هذا المقال بالشراكة مع منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان

الكاتب : يسرى بلالي

صحفية وباحثة في العلوم الاجتماعية

إشراف: محمد اليوسفي
فيديو: محمد علي منصالي
تطوير تقني: بلال الشارني
تطوير تقني : بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
فيديو : محمد علي منصالي

الكاتب : يسرى بلالي

صحفية وباحثة في العلوم الاجتماعية

YosraUpdated