الكاتب : رحاب حوّات

صحفية ومختصة في الإتصال والإنتاج السمعي والبصري

“كلّما قلّت أموالك، كلما تضاءلت فرصك في النجاة”.. هو الاستنتاج الذي استخلصته أمل صميدة بعد عشر سنوات من مقارعتها لمرض السرطان، الظل القاتم الذي عكّر صفو حياتها وقلَبها رأسا على عقب، كما يفعل بالآلاف من المرضى التونسيين.ـات أمثالها.

تقّر أمل (42 سنة) بأنّ رحلة العلاج من المرض الخبيث أتعبتها أكثر مما أتعبها المرض بعينه، وتؤكد أنّ مريض السرطان في تونس يُجبر على أن يسلك طريقا طويلة وشائكة يختلط فيها الألم الجسدي بالألم النفسي ويتضاعف كلاهما كلما ثقلت الفاتورة المادية للعلاج.

تنقل أمل لموقع “الكتيبة” تجربتها المرّة في مجابهة مرض السرطان الذي رفضت علاجه ثماني سنوات متتالية بعد أن اصطدمت ببيروقراطية مقيتة وبفواتير تلامس أرقاما خيالية. وتتساءل: “هل سمعتم يوما عن مريض هرب من العلاج؟ ليس بسبب الخوف من المرض أو خشية من احتمالية الموت التي لا حُكم لنا فيها، بل تجنبا لرحلة علاج تُضنيه أكثر مما يفعل الخبيث”.

“أنت مصاب بمرض السرطان”، بعد ابتلاع هذه الجملة تحديدا تتفرّع طرق المرضى، بعضهم يختار قسرا بسبب قلّة ذات اليد التداوي في القطاع العام فيتكبّدون صراعا يوميا محموما للحصول على موعد قد يطول أشهرا أو على دواء قد يتأخر قدومه إلى تونس أو يحرمون منه بعد أن شُطبت أسماؤهم من قائمة الانتظار لسبب يجهلونه أحيانا، وبعضهم يُجبر على سلك طريق القطاع الخاص بحثا عن السرعة والنجاعة. وفي هذه النقطة تحديدا يصبح المال هو سيّد الموقف.

وبين هاتيْن الفرضيتيْن، يجد مرضى السرطان أنفسهم ليس فقط في معركة مع المرض، وإنما أيضا مع نظام صحي تتفاوت فيه الإمكانات المادية واللوجستية والبشرية بشكل حاد وتتسع إزاءه الهوة بين منطوق الدساتير التونسية التي كفلت، على اختلافها، الحق في الصحة والعلاج وبين حيثيات الواقع.

الكاتب : رحاب حوّات

صحفية ومختصة في الإتصال والإنتاج السمعي والبصري

“كلّما قلّت أموالك، كلما تضاءلت فرصك في النجاة”.. هو الاستنتاج الذي استخلصته أمل صميدة بعد عشر سنوات من مقارعتها لمرض السرطان، الظل القاتم الذي عكّر صفو حياتها وقلَبها رأسا على عقب، كما يفعل بالآلاف من المرضى التونسيين.ـات أمثالها.

تقّر أمل (42 سنة) بأنّ رحلة العلاج من المرض الخبيث أتعبتها أكثر مما أتعبها المرض بعينه، وتؤكد أنّ مريض السرطان في تونس يُجبر على أن يسلك طريقا طويلة وشائكة يختلط فيها الألم الجسدي بالألم النفسي ويتضاعف كلاهما كلما ثقلت الفاتورة المادية للعلاج.

تنقل أمل لموقع “الكتيبة” تجربتها المرّة في مجابهة مرض السرطان الذي رفضت علاجه ثماني سنوات متتالية بعد أن اصطدمت ببيروقراطية مقيتة وبفواتير تلامس أرقاما خيالية. وتتساءل: “هل سمعتم يوما عن مريض هرب من العلاج؟ ليس بسبب الخوف من المرض أو خشية من احتمالية الموت التي لا حُكم لنا فيها، بل تجنبا لرحلة علاج تُضنيه أكثر مما يفعل الخبيث”.

“أنت مصاب بمرض السرطان”، بعد ابتلاع هذه الجملة تحديدا تتفرّع طرق المرضى، بعضهم يختار قسرا بسبب قلّة ذات اليد التداوي في القطاع العام فيتكبّدون صراعا يوميا محموما للحصول على موعد قد يطول أشهرا أو على دواء قد يتأخر قدومه إلى تونس أو يحرمون منه بعد أن شُطبت أسماؤهم من قائمة الانتظار لسبب يجهلونه أحيانا، وبعضهم يُجبر على سلك طريق القطاع الخاص بحثا عن السرعة والنجاعة. وفي هذه النقطة تحديدا يصبح المال هو سيّد الموقف.

وبين هاتيْن الفرضيتيْن، يجد مرضى السرطان أنفسهم ليس فقط في معركة مع المرض، وإنما أيضا مع نظام صحي تتفاوت فيه الإمكانات المادية واللوجستية والبشرية بشكل حاد وتتسع إزاءه الهوة بين منطوق الدساتير التونسية التي كفلت، على اختلافها، الحق في الصحة والعلاج وبين حيثيات الواقع.

ما الذي يخفيه جبل الأرقام؟

بات مرض السرطان في تونس أشبه بكرة الثلج التي كلما زادت تدحرجا كلما زادت حجما. فأرقام المرضى تكبر سنة بعد أخرى، في الوقت الذي تبدو فيه المؤسسات الصحية عاجزة عن تلبية الاحتياجات العلاجية للمرضى جميعهم.

ولا تُفصح وزارة الصحة عن معطيات دقيقة لعدد مرضى السرطان في تونس، وتعزو ذلك إلى عدم خضوع الأمراض السرطانية للإعلام الإجباري من طرف الأطباء المباشرين للمرضى حفاظا على سرية معطياتهم الشخصية.

وتقول الوزارة في ردّها على أسئلة كتابية وجّهها لها النائب عبد الرزاق عويدات، وتحصّلت الكتيبة على نسخة منه، إنها أحصت 18770 إصابة جديدة بمرض السرطان سنة 2023، تتوزع على 10850 لدى الذكور و8620 لدى الإناث.

وتؤكد الوزارة أنّ هذا الرقم هو خلاصة إحصاءات جمعتها من مختلف الأطراف المتدخلة بالقطاعيْن العام والخاص والصندوق الوطني للتأمين على المرض وأقسام طب الشغل والأمراض المهنية.

غير أنّ المتفحص لهذه الأرقام، يجد أنها تتطابق تماما مع تلك التي أفصح عنها رئيس قسم الوبائيات بمعهد صالح عزيز الحكومي محمد الحصايري منذ سنة 2019، فضلا عن أنّ مجموع الإصابات في صفوف الذكور والإناث لا يتطابق مع عدد الإصابات الجملي.

وبعيدا عن لغط الأرقام، يؤكد رئيس قسم الأشعة بمستشفى عبد الرحمان مامي لطفي الكشباطي لموقع “الكتيبة” أنّ الثابت والمؤكد أنّ تونس باتت تسجل أكثر من 20 ألف إصابة جديدة بالسرطان سنويا، وهي تقديرات تتقاطع مع أرقام معهد “صالح عزيز” الحكومي المتخصص في العلاج من الأمراض السرطانية والتي تشير إلى تسجيل أكثر من 22 ألف إصابة جديدة سنة 2023، أي بمعدل 60 حالة يوميا.

يفسّر الكشباطي غياب الدقة عن إحصاءات مرض السرطان بغياب سجّل وطني لهذا المرض، مشيرا إلى أنّ وزارة الصحة تعتمد ثلاث سجلات منفصلة تتوزع بين الشمال والوسط والجنوب، وأنّ الوزارة تتجه حاليا نحو رقمنة الملفات الصحية بما سيفضي إلى التوصل إلى معطيات أكثر دقة.

يتربّع سرطان الرئة على قائمة السرطانات الأكثر انتشارا في صفوف الذكور بما يقارب 3 آلاف حالة سنويا وهو سرطان خطير بالنظر إلى نتائج علاجه المتواضعة وتأخر الكشف عنه، فيما يحتل سرطان الثدي المرتبة الأولى من حيث الانتشار في صفوف الإناث بما يزيد عن 3 آلاف حالة سنويا، ويلعب الكشف المبكر دورا رئيسا في التعافي منه.

لطفي الكشباطي، رئيس قسم الأشعة بمستشفى عبد الرحمان مامي

في الحقيقة، هذا العدد الضخم ليس حالة تونسية خاصة، فعلى المستوى العالمي يُصاب شخص واحد تقريبا من كل 5 أشخاص بالسرطان خلال حياته، ويودي هذا المرض بحياة رجل واحد تقريبا من كل 9 رجال وامرأة واحدة من كل 12 امرأة، بحسب الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية.

وتتوقع الوكالة أن يقفز عدد الإصابات الجديدة بالسرطان إلى ما يزيد عن 35 مليون حالة سنويا بحلول العام 2050، أي بزيادة نسبتها 77% مقارنة بـ20 مليون حالة جديدة مسجلة سنة 2022. وينسحب هذا الأمر على تونس التي من المتوقع أن يتضاعف فيها عدد الإصابات الجديدة ليبلغ 41 ألفا و353 إصابة بحلول العام 2040، بحسب معهد صالح عزيز.

ويتغذّى جبل الأرقام هذا على مسببات يطول شرحها، ولكن يمكن تلخيصها أساسا في العوامل الوراثية وتغيّر نمط الحياة الذي يغلب عليه الأكل غير الصحي والسمنة والتدخين والكحول وقلة الحركة، فضلا عن التلوث وكثرة استخدام المواد الكيميائية.

طوابير الانتظار القاتلة

لم يخطر ببال أمل أن كسرا في القفص الصدري سيكشف لها عن سرّ خطير كان يخفيه عنها جسدها الذي تحمِله يوميا ولا تعي ثقل المعاناة التي يرزح تحتها. لقد تطلّب الأمر عامين بأكملهما لتدرك حقيقة إصابتها بسرطان الدم. عامان من التشخيص والركض المضني بين أروقة المستشفى الجهوي بتوزر والعيادات الخاصة كانا كافيين لمنح المرض فرصة الانتشار وبلوغ المرحلة الرابعة والأخيرة.

ابتلعت أمل الصدمة وانطلقت في رحلة علاج لم تدم طويلا. تقول: “رفضت العلاج طيلة ثماني سنوات من هول الكوارث التي صادفتني، بدءًا بطريقة إعلامي بإصابتي بالسرطان وتهويل المرض إلى أبعد الحدود، مرورا بتباين بروتوكول العلاج بين ثلاثة أطباء قصدتهم، وصولا إلى اللحظة التي عجزت فيها عن الحصول على موعد عاجل بمستشفى الرابطة بالعاصمة”.

تنسحب كلمة “عاجل” على كل مريض يحمل داء السرطان ويسابق الزمن في معركته مع خلايا سرطانية لا تعرف الهوادة، ولكن واقعيا يقل مفعول هذه الكلمة إذا وضعت في سياق أشهر طويلة من الانتظار يقضيها الآلاف من مرضى السرطان للحصول على موعد بأحد المستشفيات العمومية قد يتجاوز السنة في بعض العلاجات.

قبل عشر سنوات لم يكن المستشفى الجهوي بتوزر مجهزا بجهاز الأشعة المقطعية (scanner)، وهو ما يجبر أمل على اختيار إحدى فرضيتين أحلاهما مرّة، إما اللجوء إلى القطاع الخاص وتكبد فاتورة تتراوح بين 600 د و900 د كل شهرين، أو قطع مسافة 92 كيلومترا لبلوغ مستشفى قفصة والانتظار أشهرا للحصول على موعد.

“تحسّن الوضع حاليا وجُهّز المستشفى بهذه الآلة، ولكن إلى حد اللحظة لا يوجد طبيب مختص بإمكانه قراءة نتائج التصوير الطبي. ترسل الصورة إما إلى العاصمة أو قفصة أو يترك لك خيار اللجوء إلى القطاع الخاص اختصارا للوقت”.

تبدو مشكلة طول الانتظار من الخارج مجرد خلل تنظيمي أو لوجستي، ولكنها بالنسبة إلى مريض السرطان قد تتحوّل إلى حكم بالموت البطيء وأحيانا السريع خاصة بالنسبة إلى أولئك الذين لا تسعفهم جيوبهم لتحمّل كلفة العلاج في المصحات الخاصة.

لم تتوقع أحلام بوكثير (54 سنة) أن أشواط العلاج الشاقة التي قطعها ابنها إيهاب (28 سنة) طيلة خمس سنوات بين مستشفيات جندوبة والعاصمة ستنتهي بانقطاع نبضه، خاصة وأن فرصة الشفاء من هذا النوع من السرطان مرتفعة وتتجاوز 80%.

عندما صارحني الطبيب بأن ابني مصاب بسرطان الغدد اللمفاوية، شعرت أن نبضي قد توقف. لم يكن المرض هو وحده ما يخيفني، بل ما سيعقبه: العلاج الباهظ والمواعيد البعيدة في المستشفيات العمومية التي كنت أسمع عنها من أقاربي إلى أن خبرتها بنفسي.

أحلام بوكثير

تقول أحلام لموقع الكتيبة بنبرة تحمل في طياتها مرارة الألم والفقد: “بدأت رحلتنا في مستشفى عزيزة عثمانة بحصص العلاج الكيميائي واتسعت آمالنا بالشفاء بعد أن توفرت شروط زراعة نخاع العظم من شقيقه الأكبر الذي تتطابق معه أنسجته بنسبة 100% وكنت على يقين بأنّ ابني سينجو”.

لم يدم شعور أحلام وابنها بالانتصار طويلا، تعكرت حالة إيهاب وأُجّل موعد العملية أكثر من مرة رغم استكماله لجميع الإجراءات المطلوبة، في الوقت الذي كانت فيه الخلايا السرطانية تنهش جسمه وتعلن حربها الضروس على جسده. حرب انتهت بانتصار السرطان.

لم يمت ابني لأنّ السرطان كان أقوى، بل بسبب الإهمال والمواعيد البعيدة.. لن أنسى اليوم الذي اصطحبت فيه ابني إلى المستشفى وهو فاقد للوعي ورفضوا استقباله بتهمة أنه تعاطى المخدرات.. ابني لم يكن يستهلك حتى أقراص الأدوية المسكنة للصداع.

أحلام بوكثير

تنقل أحلام تفاصيل الساعات الأخيرة لوفاة إيهاب الذي تراجع لديه مستوى خلايا الدم إلى ما دون الأربعة، وجاهدت من أجل الحصول على متبرعين في وقت قياسي. وبينما كان الموت يحوم بظلاله حول ابنها كانت الإجابة اليتيمة التي تلقتها: “سننتظر بنك الدم”.

سابقت أحلام الزمن من أجل تزويد ابنها بالدم، بعد “تدخلات” من مستشفى جندوبة الذي أخبرها فيه الطبيب المباشر أنّ إيهاب في حاجة عاجلة إلى حصة علاج كيميائي رفض قسم الدم بمستشفى عزيزة عثمانة إجراءها. ليدخل إيهاب إثر ذلك في غيبوبة دامت تسعة أيام ولم يستفق بعدها.

“ظلت الأسِرّة المتوفرة بقسم الدم السريري دون الحاجيات، ما أدّى إلى تأخير قبول حصص العلاج الكيميائي لعدد من المرضى في أكثر من مناسبة لمدة تتجاوز 11 يوما مقارنة بالآجال المنصوص عليها بالبرتوكولات الطبية. وأدرج عدد من المرضى بقائمة الانتظار للإقامة بالقسم في حين كانت حالة بعضهم حرجة أو تستوجب إجراء عمليّات الزرع الذاتي للنخاع الشوكي”.

وردت هذه الملاحظة في تقرير لدائرة المحاسبات عن قسم الدم بمستشفى عزيزة عثمانة. ورغم أنّ المعاينة تعود لسنة 2017 إلا أنّ شهادة أحلام ومرضى آخرين تؤكد أنّ الوضع ما يزال على حاله.

تقول أحلام: “مثل إيهاب توجد آسيا وريان وآخرون شاركوا ابني المعاناة ذاتها في هذا القسم وجميعهم يرقدون حاليا تحت التراب”.

عندما يكون السرطان عقوبة إعدام

“ينبغي ألّا يكون السرطان عقوبة إعدام لأي شخص في أي مكان.” هي العبارة التي استخدمها خبراء الأمم المتحدة للتحفيز على معالجة أوجه عدم المساواة “غير المقبولة” في رعاية مرضى السرطان في البلدان منخفضة الدخل، والتي قد تنقذ حياة نحو 7 ملايين شخص.

وفي تونس، يحتل السرطان المرتبة الثانية في مسببات الوفاة بعد أمراض القلب والشرايين، بنسبة تناهز 16.1%، أي بمعدل يزيد عن 70 وفاة كل سنة لدى كل 100 ألف مواطن. ورغم أنّ أسباب الوفاة لا تعود بشكل أساسي إلى ضعف التكفل بالمرضى إلا أنّ ذلك يُسهم بلا شك في تقليص فرصهم في النجاة.

يخسر بعض المرضى حياتهم نتيجة تأخر المواعيد، والبعض الآخر يعاودهم المرض بعد أن قطعوا أشواطا مهمة بسبب المواعيد البعيدة لحصص العلاج الكيميائي أو الإشعاعي أو تأخر مواعيد المراقبة.. تطلب الدولة من المرضى الانتظار في حين أن السرطان لا ينتظر أحدا.

روضة زروق رئيسة جمعية مرضى السرطان

يخضع مرضى السرطان في تونس إلى ثلاثة علاجات رئيسة: العلاج الكيميائي، العلاج الإشعاعي، والعلاج الجراحي. ويختلف ترتيب كل منها وعدد الحصص باختلاف نوع السرطان وعضو الجسم المعني بالعلاج ومدى انتشار المرض.

وتقتضي بروتوكولات العلاج على اختلافها التقيّد بفترات زمنية معينة لا تتجاوز في معظم الحالات 15 يوما بين كل منها للحصول على النجاعة المطلوبة، وهو أمر لا يحدث مع أعداد كبيرة من المرضى. والسبب في ذلك يعود إلى عجز المنظومة الصحية العمومية عن التكفل بهم جميعا وما يترتب عن ذلك من طول المواعيد.

يحتاج 60% من مرضى السرطان في تونس في وقت من الأوقات إلى العلاج بالأشعة، أي ما يقارب 15 ألف شخص سنويا. بينما لا تتسع طاقة استيعاب القطاعين العام والخاص سوى لحوالي 9 آلاف شخص، أما البقية فتُؤجل حصصهم إلى مواعيد بعيدة.

لطفي الكشباطي، رئيس قسم الأشعة بمستشفى عبد الرحمان مامي

في القطاع العمومي الذي يقصده 70% من مرضى السرطان، لا يتوفر العلاج بالأشعة سوى في خمس مستشفيات، اثنان منها في تونس الكبرى وهما مستشفى صالح عزيز وعبد الرحمان مامي بأريانة، إلى جانب صفاقس وسوسة وجندوبة.

وتؤكد رئيسة جمعية مرضى السرطان روضة زروق، في حديثها لموقع الكتيبة، أنّ مواعيد العلاج بالأشعة تتأخر حاليا لفترة تتراوح بين 9 أشهر و18 شهرا بسبب الاكتظاظ الكبير في المستشفيات الخمس المذكورة. وتشير إلى أنّ التأخر في جلسات العلاج يؤدي في أحيان كثيرة إلى الانبثاث (عملية انتقال الخلايا السرطانية من عضو إلى آخر).

لا تدرك الدولة أن طول المواعيد هي خسارة تتكبدها الدولة والمريض على حد السواء.. يخسر المريض حياته بسبب نقص الإمكانات الصحية في بلده، وتخسر الدولة أموالا طائلة على مريض السرطان الذي يمكن أن يتعالج بتكاليف أقل كلما وقع احتواء المرض بشكل أسرع.

روضة زروق، رئيسة جمعية مرضى السرطان

يضع مستشفى صالح عزيز على صفحته الرسمية أرقاما للاستفسار عن مواعيد جلسات العلاج الكيميائي والإشعاعي والجراحة في إطار تيسير الحصول على المعلومات وتجنيب المرضى مشقة التنقل من ولاياتهم البعيدة إلى العاصمة. غير أنّ كل ما يصلهم هو طنين الهاتف المغلق أو إجابة مبهمة تجبرهم في النهاية على قطع عشرات الكيلومترات فقط للحصول على موعد، وأحيانا يعودون أدراجهم إلى ديارهم خائبين بينما يواصل المرض غرس جذوره في أجسادهم المنهكة.

منظومة علاجية تكرّس التمييز

تُجبِر هذه الدوامة عددا من المرضى على التوجّه نحو التداوي في المصحات الخاصة بحثا عن السرعة والنجاعة. هناك يقرأ بعضهم لافتة وهمية ولكنها حقيقية كتب عليها: “ممنوع على الجيوب الخاوية”. بعضهم يواصل الرحلة حتى النهاية والبعض الآخر يتوقف في المحطة التي انتهى فيها رصيده المالي.

ويُفرز هذا التباين في الحصول على العلاج نوعا من “اللامساواة العلاجية” بين من يستطيع تحمل تكاليف العلاج في القطاع الخاص ومن يعتمد على المنظومة العمومية المزدحمة أو يضحي بممتلكاته لدخول بوابة المصحات.

قررت أمل سنة 2021 استكمال رحلة العلاج من السرطان في القطاع الخاص، بعد أن قدّمت طلبا للحصول على قرض بنكي لتمويل كلفة العلاج. تقول: “في القطاع الخاص المال هو من يقرّر طول الرحلة. فتكلفة الحصة الواحدة من العلاج الكيميائي تبلغ 570 دينارا وهي تتكرر كل 21 يوما، ما يعني أنّ التكلفة الشهرية تتراوح بين 500 و1200 دينار”.

تَراجع حضور الخلايا السرطانية في جسد أمل بنسبة 81% وباتت حالتها مستقرة، ولكنها انقطعت مرة أخرى عن العلاج بعد أن نفدت نقودها، رغم أن أجزاء من الورم ما تزال تعشش في جسمها، وتقول إنها تركت مصيرها للقدر.

يقر الطبيب المختص في جراحة الأورام الذي يباشر عمله في مصحة خاصة، الدكتور حمودة بوسن، في تصريح لموقع الكتيبة بوجود تناقض كبير بين القطاعين العام والخاص من حيث التكفل بالعلاج، مشيرا إلى أن الفترة الزمنية الفاصلة بين التشخيص وبداية العلاج تكون أقصر في القطاع الخاص. ويضيف: “يخلق مرض السرطان أعراضا مالية كبيرة بالنسبة للمريض التونسي تنسحب على قدرته على التكفل بالعلاج وتلقي بضلالها على أسرته وعلى حياته المهنية”.

يستوجب علاج امرأة حاملة لمرض سرطان الثدي مثلا المرور بـ 15 حصة علاج كيميائي تقدر كلفتها الجملية في القطاع الخاص بـ 4 آلاف دينار، دون احتساب كلفة الدواء أو الإقامة في المصحة التي ترفع الفاتورة إلى 7 آلاف دينار، وهي كلفة باهظة تضطر كثيرين إلى التضحية بأموالهم وممتلكاتهم في سبيل النجاة.

الدكتور حمودة بوسن

وترتفع الكلفة المادية للعلاج حين يصطدم المريض بحتمية المرور إلى مرحلة العلاج بالأشعة الذي تختلف كلفته باختلاف التقنية المعتمدة، وتتراوح في المجمل بين 8 و15 ألف دينار للحصة الواحدة. وبالنسبة إلى مريض السرطان نحن لا نتحدث عن حصة واحدة وإنما عن عشرات الحصص كما يؤكد ذلك رئيس قسم العلاج بالأشعة بمستشفى عبد الرحمان مامي لطفي الكشباطي.

ويأمل الكشباطي في أن تُسهم الاتفاقية الممضاة مؤخرا بين الصندوق الوطني للتأمين على المرض والنقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص، والتي سيتم بمقتضاها التكفل بالتغطية الاجتماعية للعلاج بالأشعة بالنسبة الى مرضى القطاعين العام والخاص، في تخفيف العبء على المنظومة العمومية وتقليص أزمة طول المواعيد.

لا تتكفل الدولة التونسية ممثلة في الصندوق الوطني للتأمين على المرض بجميع علاجات السرطان، إذ تشمل التغطية بحسب رئيس جمعية نوران لمرضى السرطان غازي الجربي العلاج الكيميائي والعلاجات المناعية والعلاجات الموجهة. ويضيف:

“يقتصر تأمين “الكنام” على الأدوية التي تمنحها للمرضى سواء الذين يتعالجون في القطاع العام أو في القطاع الخاص، ويستثني الإقامة في المصحة وأتعاب الإطار الطبي وشبه الطبي وكذلك المضاعفات الناجمة عن العلاج الكيميائي الذي يؤدي في معظم الأحيان إلى ضعف المناعة وما يمكن أن ينجر عنها من إقامة في قسم الإنعاش”.

أما العلاج الجراحي فتشمل التغطية الاجتماعية له فئة قليلة من حالات السرطان. ورغم أنه النوع الأكثر انتشارا في صفوف النساء، لا يشمل تأمين “الكنام” جراحة استئصال سرطان الثدي مثلا. وهو ما يضع الآلاف من النساء المصابات به أمام معضلة صعوبة التكفل بالجراحة التي تتراوح كلفتها بين 4 و5 آلاف دينار، بحسب الطبيبة المختصة في جراحة الأورام سلمى قدرية.

تضع طوابير الانتظار لإجراء تدخل جراحي عددا من مرضى السرطان في فوهة الاستغلال الاقتصادي لبعض الأطباء الذين يعرضون عليهم إجراء عملية استئصال للورم في مصحة خاصة بتكلفة مرتفعة. وبعض المرضى يقبلون بذلك تحت ضغط الوقت.

رئيسة جمعية مرضى السرطان روضة زروق

الباحث عن الدواء كالباحث عن إبرة وسط كومة قش

في ركن مضنٍ من معركة يومية لا تنتهي، تتابع لمياء (34 عاما)، اسم مستعار، بقلق عبر هاتفها منشورات العشرات من المرضى وتعليقاتهم في مجموعة مخصصة لمرضى السرطان على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

“من لديه حقن الـ zoladex؟ أو دواء الـ Herceptin ؟”.. تسأل في يأس وهي تعي مسبقا أن الإجابة قد لا تكون لصالحها كما هو الحال في الأيام السابقة. ولمياء ليست الوحيدة في هذا المضمار. المئات من مرضى السرطان يتقاسمون معها معاناة البحث اليومي المحموم عن الأدوية المنقذة للحياة وباتوا يتفحصون المنشورات والتعليقات بحثا عن بصيص أمل قد يأتي من شخص غريب يعرض دواءً قلّ وجوده في رفوف الصيدليات.

تمثّل مشكلة فقدان الأدوية السرطانية أو ندرتها وجها آخر من أوجه المعاناة المتجددة التي يعيشها مرضى السرطان في تونس. وفي الوقت الذي تلجأ فيه العائلات ذات الدخل المرتفع إلى اقتناء هذه الأدوية من الصيدليات الخاصة بعدة أضعاف سعرها المدعم أو جلبها من دول مثل فرنسا وتركيا بتكلفة مرتفعة، تخوض العائلات من الطبقات الفقيرة والمتوسطة كفاحا دائما لا يعرف الراحة من أجل الحصول على الدواء، وقد تفشل محاولاتهم بما يؤثر على وضعهم الصحي.

الحصول على الأدوية بات أكثر صعوبة من العلاج نفسه.. تجاوزتُ مرحلة استئصال الثدي والعلاج بالأشعة وتساقط شعري، واليوم يلاحقني هاجس عودة المرض بسبب فقدان الأدوية.. إذا لم يقتلني السرطان سيقتلني التوتر.

لمياء، مريضة بالسرطان

لم تحصل لمياء على دواء الـ ” Herceptin ” الذي تستخدمه في حصص العلاج كل 21 يوما منذ ثلاثة أشهر، وتطلق عليه اسم “العزيز الغالي” فهو سلاحها الذي توصد به الأبواب أمام عودة الخلايا السرطانية إلى جسدها. وتتساءل: “ترى هل يتسبب هذا الانقطاع في عودة المرض؟ كثيرا ما تخامرني هذه الأفكار وتدخلني في دوامة من التوتر والخوف”.

يقتضي البروتوكول العلاجي الذي تعتمده لمياء استعمال أربع علب من هذا الدواء على مدى الحياة، يقدر ثمن الواحدة بـ 1500 دينار، وهو ما يجعل الحصول عليه على حسابها الخاص أمرا مستحيلا. فتتمسك بخياريْن يتيميْن وهما الانتظار أمام طوابير مصحة العمران، أو الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي في محاولة يائسة للحصول عليه من عائلة شخص متوفى.

تُحصِي النقابة العامة لأصحاب الصيدليات الخاصة حوالي 300 دواء مفقود في الصيدليات من بينها أدوية خاصة بأمراض السرطان، وتعزو ذلك إلى أسباب متعددة من بينها عدم خلاص المزودين. وهو رقم ينكره الرئيس العام للصيدلية المركزية مهدي الدريدي الذي يقول إنّ “الرقم 300 لا قيمة له لأن مخزون الأدوية متغير. لا يمكن إنكار النقص على مستوى الأدوية الحياتية والسرطانية وتزيين الواقع بالورود. ومع ذلك لسنا في وضع كارثي ومسألة نقص الأدوية ليست استثناءً تونسيا وإنما تنسحب على دول العالم ومن بينها فرنسا وبريطانيا”.

تتكفل الصيدلية المركزية باستيراد الأدوية من الخارج، وهي الهيكل الوحيد المخوّل له ذلك، ثم تتولى توزيعها على المستشفيات العمومية وعلى القطاع الخاص الذي يتزود بالأدوية المستوردة حصرا من الصيدلية المركزية وبالأدوية المصنعة محليا من المصانع عن طريق المزودين بالجملة.

يربط الدريدي أزمة فقدان الأدوية الخاصة بعلاج السرطان بجملة من المسببات، يمكن تلخيصها في المسار المعقد لاستيراد الدواء من الخارج وبارتباط بعض الأدوية برخص ترويج واحدة بما يمنع على تونس اقتناءها من مخابر عالمية أخرى، فضلا عن تأثر المواد الأولية للأدوية بالأزمات العالمية التي تؤثر بدورها على المصنعين المحليين وعلى قدرتهم على تصنيع الدواء في الوقت المناسب.

يتفاوت نصيب هذه المسببات في إنتاج أزمة الأدوية الخاصة بعلاجات السرطان، ولكنّ المؤكد أنّ نصيب الأسد يبقى لمشكلة السيولة التي تعاني منها الصيدلية المركزية والتي تلقي بظلالها الوخيمة على قدرتها على استيراد الدواء.

تؤثر الموازنات المالية للصيدلية المركزية على مسألة توفر الدواء ويمكن أن نصل إلى حلول مع السوق الداخلية، ولكنّ الأمر لا يمكن أن يكون مماثلا بالنسبة للسوق العالمية التي تشترط توفر السيولة، وهو ما يجبرنا أحيانا على الاختيار بين الأدوية.

مهدي الدريدي، الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية

ويؤثر اختلال التوازنات صلب الصيدلية المركزية ليس فقط على الأدوية الخاصة بعلاج السرطان وإنما على أنواع الأدوية جميعها، خاصة تلك المستوردة من الخارج.

يقول الدريدي لموقع الكتيبة: “تدعم الصيدلية الأدوية بمبالغ قيمتها 200 مليون دينار وهي تتحمل منذ سنة 2016 تبعات ثقل الديون المتخلدة بذمة الصناديق الاجتماعية بما يناهز 400 مليون دينار، وبذمة المستشفيات العمومية بمبالغ تقدر بـ 700 مليون دينار”.

أفرز هذا الاختلال في التوازنات، وفقا للدريدي، ديونا لدى المخابر العالمية. حيث تجاوزت الآجال التعاقدية مع عدد منها 360 يوما، وتتراوح أحيانا بين سنة وأربع سنوات بالنسبة الى بعض المخابر، في حين تنص الاتفاقات على ألّا تتجاوز هذه الآجال 180 يوما.

نتيجة العجز المالي للصيدلية المركزية عن توفير الدواء، باتت عملية إسناء الأدوية الخاصة بعلاج السرطان تخضع لحسابات المال وليس لحسابات علمية، والمريض هو من يدفع فاتورة هذا الوضع.

روضة الدريدي: رئيسة جمعية مرضى السرطان

يتوجّب الحصول على دواء السرطان الذي تدعمه الصيدلية المركزية المرور بمسار طويل ومعقد، يحتّم على المرضى بالضرورة تقديم مطلب للصندوق الوطني للتأمين على المرض “الكنام” يتضمن ملفا طبيا شاملا ودقيقا تُراجعه لجنة مكونة من فريق طبي. وبعد فترة انتظار يحددها القانون على الورق بأسبوعيْن وتتجاوز في الواقع الأشهر قد تكون الإجابة هي الرفض، كما حصل مع لمياء.

أستخدم حقن الـ fulvestrant كل 6 أشهر وسبق أن تحصلت عليها من مصحة العمران ثلاث مرات. فجأة رفضت اللجنة صلب الكنام تجديد الموافقة على هذا الدواء رغم أنني قدمت المعطيات الطبية ذاتها الواردة بالمطلب الأول.

لمياء، مريضة بالسرطان

قدّمت لمياء منذ شهر جوان/ يونيو الماضي اعتراضا لوزارة الشؤون الاجتماعية، وهو الإجراء الذي يعتمده المرضى الذين ترفض الكنام مدهم بالدواء، ولكنها جوبهت بالرفض مجددا دون أن تحصل على أسباب تبرر عدم تمكينها من دواء ضروري لصد الخلايا السرطانية. وتتساءل: “لا أفهم علاقة وزارة الشؤون الاجتماعية بالمرضى، هل ستقيّم حاجتنا إلى الأدوية أكثر من طبيب الأورام؟”.

لم يبقَ أمام لمياء سوى اللجوء إلى القضاء، ولكن هذا الخيار يبدو مستحيلا بالنسبة اليها وبالنسبة الى المئات من مرضى السرطان الذين لم تسعفهم امكاناتهم المالية للتكفل بالعلاج والأدوية فما بالك بتكاليف المحامي. ناهيك عن الانتظار أشهرا أمام عتبات المحاكم وهم الذين يخوضون صراعا مستمرا مع الوقت.

لا يمكنني أن أتقبّل لجوء بعض المرضى إلى القضاء للحصول على الأدوية. لذلك أتوجه بكل لطف إلى القضاة وأقول لهم إنه من غير المقبول الإقرار بحق المريض في الدواء استنادًا إلى الدستور فقط ودون الرجوع إلى المراجع العلمية.

مهدي الدريدي، الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية

في الوقت الذي تصف فيه لمياء وآخرون أمثالها عدم حصولها على الدواء بأنه ضربٌ لحقها في العلاج وانسحابٌ للدولة من مسؤوليتها تجاه مواطنيها، يعتبر الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية مهدي الدريدي أنّ وزارة الشؤون الاجتماعية في تونس “سخيّة” تجاه المرضى مقارنة بإمكانياتها الضعيفة. ويشبهها بالمرأة التونسية التي يطرق شخص بابها ليلا فتقدّم له العشاء رغم أنها لا تملك ما تسد به جوع أطفالها في اليوم الموالي. “قد يبدو ما أقوله من قبيل البروباغندا. ولكنّ تونس تعتمد نموذجا تخلّت عنه العديد من الدول التي تتوقف عن التكفل بالمريض في مرحلة وفي سن معيّنة. وهنا أدعو صراحة الأطباء واللجان إلى مراقبة إسناد الأدوية لمرضى السرطان وأن يكون لديهم وعي بدرجة فاعلية الدواء وبقيمته”.

يقر الدريدي بأنّ الموازنات المالية للصيدلية المركزية لا تسمح بتأمين أدوية السرطان بالطريقة التي ينتظرها الأطباء والمرضى، وهو ما يقود إلى إعطاء الأولوية لأدوية الخط الأول والثاني على حساب الخط الثالث والرابع. ويشدد على ضرورة القطع مع النموذج العلاجي الذي تعتمده تونس. ويضيف: “عندما يكون ثمن العلاج باهظا مقابل نجاعة ستحسن في أمل الحياة 6 شهور، قد أتفهم الطبيب والقاضي اللذيْن يوافقان على منحه للمريض، ولكن أتفهم أيضا الأطراف التي تدفع المال وترفض تزويده بالدواء (هياكل الدولة المعنية). فهذه الأموال يمكن استغلالها لتحسين مراكز تصفية الدم والوقاية من التدخين أو إنقاذ حياة طفل سيخضع لجراحة على مستوى القلب وسيعيش 60 سنة أخرى”.

حسب قراءة الدريدي، يجب أن يقتصر علاجُ مريضِ سرطان يبلغ 80 عاما ولم يتبقَ في عمره سوى ثلاثة أشهر على “الرعاية التلطيفية”، عوض أن تنفق عليه الدولة مبلغ 50 ألف دينار ثمنا لدواء قد يُجدي نفعا وقد لا يفعل.

بعيدا عن الخطاب الجدلي الذي يمكن أن يُحدثه هذا التصريح وبعيدا عن اختلاف البروتوكولات العلاجية المعتمدة في مثل هذه الوضعيات، فإنّ هذه السياسة تؤكد ما تذهب إليه رئيسة الجمعية التونسية لمرضى السرطان روضة زروق من أنّ إسناد الأدوية يخضع لحسابات المال.

تعكس رحلة العلاج الشاقة التي يعيشها مرضى السرطان في تونس تناقضا صارخا في منطوق الدستور التونسي الذي ينص في الفصل الثالث والأربعين منه على أن “الصحة حق لكل مواطن” وأن الدولة “تضمن الوقاية والرعاية الصحية وتوفّر الإمكانيات الضروريّة لضمان السّلامة وجودة الخدمات الصحيّة لكل مواطن”. غير أن هذا الحق الدستوري يبدو حلما صعب المنال بالنسبة إلى المئات من مرضى السرطان في تونس.

كلمة الكتيبة:

يندرج هذا العمل الصحفي ضمن سلسلة من مقالات "الكتيبة" التي تتطرق إلى الوضع في قطاع الصحة.

كلمة الكتيبة:
يندرج هذا العمل الصحفي ضمن سلسلة من مقالات "الكتيبة" التي تتطرق إلى الوضع في قطاع الصحة.

الكاتب : رحاب حوّات

صحفية ومختصة في الإتصال والإنتاج السمعي والبصري

تدقيق: وليد الماجري
ساعدت في البحث: سناء شعابنية (متربصة)
فيديو: سامي شويّخ
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
فيديو : سامي شويّخ
تطوير تقني: بلال الشارني
تدقيق: وليد الماجري
ساعدت في البحث: سناء شعابنية (متربصة)
غرافيك : منال بن رجب

الكاتب : رحاب حوّات

صحفية ومختصة في الإتصال والإنتاج السمعي والبصري

rihab