الكاتبة : يسرى بلالي
صحفية وباحثة في العلوم الاجتماعية
لا يُمكن الحديث عن الجامعيّة حفيظة شقير دون الوقوف عند تاريخ الحركة النسويّة التونسيّة في الفترة المعاصرة والتي شاركت في نضالاتها بشكل كبير.
هذه الحركة التي جمعت جامعيّات وباحثات وحقوقيات كنّ صمّام أمان للحفاظ عليها و لتأطير 3 أجيال توارثت مبادئ الحركة ونشاطاتها.
في هذا المقال، قمنا بتجميع شهادات شقير المنشورة وعُدنا إلى بعض الدراسات التي اشتغلت عليها وقد اخترنا ألّا نُحاورها بطريقة مباشرة بغرض تكريمها على نضالاتها وبحوثها ومسيرتها المدنيّة التي استمرت لأكثر من ستّة عقود من الدفاع عن الحقوق والحريات والمساواة الفعليّة.
فمن تكون حفيظة شقير؟ وكيف حفرت في ذاكرة الشباب والشابّات اسما صامدا وعُنوانا للمقاومة النسائية فكرا ونضالا ميدانيّا؟
الكاتبة : يسرى بلالي
صحفية وباحثة في العلوم الاجتماعية
لا يُمكن الحديث عن الجامعيّة حفيظة شقير دون الوقوف عند تاريخ الحركة النسويّة التونسيّة في الفترة المعاصرة والتي شاركت في نضالاتها بشكل كبير.
هذه الحركة التي جمعت جامعيّات وباحثات وحقوقيات كنّ صمّام أمان للحفاظ عليها و لتأطير 3 أجيال توارثت مبادئ الحركة ونشاطاتها.
في هذا المقال، قمنا بتجميع شهادات شقير المنشورة وعُدنا إلى بعض الدراسات التي اشتغلت عليها وقد اخترنا ألّا نُحاورها بطريقة مباشرة بغرض تكريمها على نضالاتها وبحوثها ومسيرتها المدنيّة التي استمرت لأكثر من ستّة عقود من الدفاع عن الحقوق والحريات والمساواة الفعليّة.
فمن تكون حفيظة شقير؟ وكيف حفرت في ذاكرة الشباب والشابّات اسما صامدا وعُنوانا للمقاومة النسائية فكرا ونضالا ميدانيّا؟
النشأة، الجامعة والمحاكمات السياسيّة
وُلدت حفيظة شقير في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1949 في ولاية المنستير الساحلية الواقعة في الوسط الشرقي التونسي.
كانت سليلة عائلة تؤمن بالتعليم والعلم والثقافة ما غرس في شخصيّتها حبّ المعرفة والاطّلاع والبحث والمطالعة.
ترعرت شقير حينما كانت طفلة في العاصمة وتحديدا بين منطقتي رادس والمنزه أين أتّمت دراستها الثانوية بالمعهد العلوي الذي تمّ بناؤه على أنقاض مدرسة الشيخ بن ملّوكة في عهد علي باي الثالث، ومن هذا المعلم التاريخي تحصّلت الطالبة سنة 1969 على الباكالوريا بتميّز.
التحقت شقير آنذاك بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بتونس ( جامعة تونس المنار حاليا) وتفتّحت عينا الحقوقيّة الملتزمة فور دخولها الجامعة على القانون الدستوري وعدّة مفاهيم قانونية وسياسية من قبيل تنظيم السلط والمعنى الحقيقي للحقوق والحرّيات.
ومن خلال ما اكتشفته في أيّامها الأولى بالجامعة، قرّرت أن تكون قراءتها للقانون قراءة نقديّة لا كلاسيكية حسب قولها في شهادتها حول انطلاق النشاط الشيوعي بتونس ضمن الشهادات التي نظّمتها مؤسّسة روزا لوكسمبورغ، مكتب التعاون الأكاديمي مع رائدات وروّاد الحركة اليسارية التونسية.
القانون الدستوري هو قانون التوفيق بين السّلطة والحرّية.
حفيظة شقير
تخرّجت الطالبة المجتهدة وقتها في سنة 1974 وأصبحت أستاذة في القانون العامّ منذ 1 أكتوبر/ تشرين الأوّل 1975.
هذان التاريخان لم يكونا تاريخين يُمثّلان السنوات الدراسية والعملية لشقير فحسب -التي انضمّت بعد ذلك إلى نقابة التعليم العالي- فهما من التواريخ التي لا يُمكن أن تسقط من ذاكرة اليسار التونسي أو من سجّلات نضالات الحركة الطلابية وتحديدا الاتّحاد العام لطلبة تونس.
لقد اختار “جزء كبير من شباب الجامعات التونسيّة في السبعينات معسكره وهو الحركة اليساريّة مهما كانت انتماءاتها شيوعيّة أو ماويّة أو تروتسكية أو قومية عربيّة. وإن كانت هذه الاتجاهات المختلفة تعيش خلافات داخلية ليست ذات أهمية فهي تقف صفّا واحدا أمام الخصم المشترك، وهم الطلبة الدستوريون الذين يمثّلون النظام الاستبدادي للحزب الحاكم”، وفق ما ورد في كتاب “بنات السياسية: سردية مناضلات برسبكتيف-العامل التونسي في السبعينات”.
وكانت حفيظة شقير من ضمنهم.ن مُنغمسة مع رفيقة دراستها وصديقتها المقرّبة آنذاك راضية النصراوي في الدفاع عن المعتقلين والمعتقلات، وإن اختارت النصراوي دخول سلك المحاماة فإنّ شقير قد رفعت قبّعة الحقوقيّة الباحثة.
“كان يسارُنا كثير الصراعات والايديولوجيات لكنّه كان يُعلّم القراءة”. بهذه الكلمات اختزلت حفيظة شقير اليسار التونسي في تلك الفترة، يسار البحث والكتابة والتحليل والتأويل والنقاشات.
هذا اليسار الفكري والنضالي الذي كان يعيش وقتها فترة الأوج، علّمها تشريح النصوص القانونية بما يخدم المواطنة والمساواة والدفاع عن المهمّشين والمهمّشات وطالبي.ات الحقّ ودفعها إلى كتابة أوّل مقال قانوني لها حول محكمة أمن الدولة التي شملت من أوت/آب 1974 إلى أكتوبر/ تشرين الأوّل 1975 ما لا يقلّ عن 345 متّهما ومتّهمة في قضايا عديدة أبرزها الانتماء إلى جمعية غير مرخّص فيها (قضيّة العامل التونسي).
ومنذ ذلك الوقت لم يجفّ قلم شقير من البحوث والدراسات والمقالات والكتب ومشاريع القوانين التي تُنصف النساء وتضمن لهنّ حقوقهنّ.
شملت المحاكمات السياسية في تلك الفترة 40 امرأة أغلبهن رفيقات شقير وبعضهنّ صديقات مقرّبات لها على غرار زينب الشارني وآمال بن عبا و”بنات” أخريات كوّن فيما بعد حركة النساء الديمقراطيات وهناك منهنّ من دوّن شهاداتهنّ في كتاب “بنات السياسية: سردية مناضلات برسبكتيف-العامل التونسي في السبعينات” الصادر عن دار زنوبيا في 2020.
كان من بين هواجس شقير القانونيّة النقاشات حول الفصل الثامن من دستور 1959 الذي كان محلّ تساؤل ونقاش بين طلبة كلّية الحقوق، فهذا الفصل الذي يسمح للمواطنين والمواطنات بممارسة “حرّية الفكر والتعبير والصحافة والنشر والاجتماع وتأسيس الجمعيات حسبما يضبطه القانون، ويضمن الحق النقابي” لم يكُن سوى حبر على ورق عندما شرع الطلبة في ممارسة الحقوق السياسية والنقابية. حينها بدأت تسقط معالم الدولة المستقلّة حديثا التي انبرت إلى قمع المختلفين معها وتحوّلت الحركة الطلابيّة إلى حركة سياسيّة تسعى إلى التغيير ومقارعة دولة نظام الحزب الواحد.
في البدء كانت حركة سياسيّة طلابيّة تسعى إلى توحيد اليسار الطلاّبي وترفض اختيار النظام البورقيبي لنظام الحزب الواحد ووضع اليد على جميع مكوّنات المجتمع المدني التونسي الناشئ، ثمّ أصبحت تسعى إلى التحوّل إلى حركة سياسيّة عمّالية.
عبد الجليل بوقرّة، ورقات من تاريخ الحركة الطلاّبية في تونس، مجلّة أكاديميا
ومن خلال كلّ هذه الصراعات الفكرية والايديولوجية، والاختلافات الثقافية والمشارب الفكرية، عاصرت شقير فترة زادت من نحت شخصيتها الحقوقيّة وساهمت من خلالها بالانغماس داخل هذه الصراعات متّبعة الخطّ الحقوقي الكوني دون حياد عنه، فكانت المبادئ الكونيّة هي طريقها وخطّها التنظيمي الأوحد وقد اتّخذت من مبدأ المساواة فكرة نبيلة مازالت تُدافع عنها إلى اليوم. من المساواة انطلقت ومنها أسّست وعليها كتبت وواصلت.
المساواة…قضيّة العمر
لم تكُن فكرة المساواة فكرة عابرة أو شعارا مُنفلتا ضمن الشعارات التي رفعتها شقير وغيرها من مناضلات الحركة الديمقراطية و”بنات السياسة” فحسب، بل هي كانت تراكُما وإحساسا دائما براهنيّة هذا المبدأ ونقائصه في القانون التونسي منذ دستور 1959 إلى اليوم رغم المكاسب التي حقّقتها مجلّة الأحوال الشخصية الصادرة بتاريخ 13 أوت/آب 1956 للنساء.
إنّ “قيام الجمهورية في جويلية/ تمّوز 1957، بعد أقلّ من سنة على صدور مجلّة الأحوال الشخصية -حسب ما عبّرت عنه نساء الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات في كتاب النساء والجمهورية: من أجل المساواة والديمقراطية- كان مفعما برمزيّة الأمل في العيش المشترك على أساس الحريّة والمساواة.”
لكن سرعان ما انطفأ هذا الأمل مع انطفاء فكرة تحرير المرأة الزائفة التي سوّقها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة والتي انكشفت مع توجّه الدولة القمعي في بداية الستينات.
هذه الخيبة الكُبرى التي واجهتها النساء التقدّميات رافقتها خيبة أخرى، وهي عدم الأخذ بعين الاعتبار مبدأ المساواة كأولويّة من قبل القوى التقدميّة واليساريّة حينها، ما جعل من “البنات” التقدميات التفكير في حركة نسوية ديمقراطية تُعزّز المبادئ النسويّة وتُناضل من أجل المساواة والحدّ من التمييز، وتطرح على نفسها افتكاك مكاسب جديدة من الدولة الحديثة شكلا والأبوية مضمونا وممارسة.
تمثّلت بداية التغلّب على هذه الخيبة من خلال بعث ناد لدراسة قضايا النساء بالنادي الثقافي الطاهر الحدّاد الذي كان موقعه ملائما لأغلبية النساء المؤسّسات اللواتي كنّ طالبات كليّة الآداب 9 أفريل (كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس).
هنّ مجموعة من “البنات” فكّرن في هذا النادي بقيادة إلهام المرزوقي وزينب الشارني ومناضلات أخريات سنة 1978 بغرض طرح مسائل ملحّة على غرار مسألة النظام الأبوي والبغاء والمسائل الجنسيّة، ثمّ تلتها صراعات فكرية داخل الحركة حول وضعية النساء في مجلّة الأحوال الشخصية، إذ هناك من اقترحنّ إلغاء مجلّة الأحوال الشخصية وإصدار قانون وضعي يقوم على المساواة، وهناك من أيّدن المكاسب التي تتضمّنها المجلّة شرط تدعيمها بمراجعة الفصول التي تمثّل مظاهر النظام الأبوي السائد حينها خاصّة مع اكتسابها لقداسة القواعد الإسلامية عليها على غرار التمييز في الإرث بين النساء والرجال، المهر، ورئاسة العائلة من قبل الزوج.
وعلى خلفية أحداث صبرا و شتيلا سنة 1982، نُظّمت أوّل مظاهرة خرجت فيها “البنات” من النادي متّجهات إلى جامعة الدول العربية في تونس وقتها (مقر التلفزة التونسيّة حاليا).
كانت الأحداث محرّكا ودافعا قويّا لا يُمكن تجاوزه. كُنّ مجموعة غير منظّمة قانونيا لكن شقير عرّفت نفسها هي و”البنات” بأنّهن ينتمين إلى حركة النساء الديمقراطيات التي لم تكُن قد أُطّرت أو سُميّت بعد.
ومن هُناك بدأت ملامح الحركة تتّضح إلى أن أثمرت بعد ذلك بعث الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات سنة 1989 والتي كان لشقير الدور التأسيسي والهامّ فيها.
نظّمت شقير بعد ذلك رفقة درّة محفوظ وسعاد التريكي، أول لقاء للنقابة الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي في 5 مارس/آذار 1982 حول حقوق النساء وتمّ من خلال هذا اللقاء الضغط من أجل تكوين لجنة المرأة العاملة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل، وأصبح الاحتفال بيوم 8 مارس عادة نسويّة- نقابيّة.
جوبه هذا الاحتفال في بداياته بعدّة انتقادات رغم إقراره من قبل منظّمة الأمم المتحّدة يوما رسميّا عالميا سنة 1977، وقد اعتبره البعض يوما “مستوردا من الغرب” وليس عيدا وطنيّا كما هو حال يوم 13 أوت تاريخ صدور مجلّة الأحوال الشخصيّة. لكنّ إصرار شقير ورفيقات دربها جعل منه فيما بعد يوما للاحتفال الوطني والعالمي من قبل جميع القوى.
لم يكُن تنظيم الحركات وبعث اللجان والجمعيّات الشكل النضالي الوحيد لشقير، فقد ساهمت كتاباتُها ومحطّاتها المهنية والأكاديمية والبحثية في نشر الوعي حول قضايا النساء عبر بثّ مقاربة نسوية بديلة لا تحيد عن مبدأ المساواة، المبدأ الفاصل في مسيرتها النضالية، حيث ساهمت رفقة الأستاذ الجامعي المختصّ في الماليّة العموميّة والاقتصاد الاجتماعي والتضامني لطفي بن عيسى وبعض الجامعيين.ات المناضلين.ات في تأسيس مجلّة “أطروحات” سنة 1983، ثمّ أسّست سنة 1985 نشرية “نساء” التي أصبحت مجلّة دوريّة لجمعية النساء الديمقراطيات وتُعنى بقضايا النساء والفتيات وحقوقهنّ الاجتماعية والاقتصادية.
ناقشت شقير بعد ذلك أطروحة الدكتوراه، وكان عنوانها مكانة النساء بين النصوص والمقاومة: تونس نموذجا (أنجزت بالفرنسيّة). ورغم نيل الأطروحة لجائزة حقوق الإنسان في فرنسا، إلاّ أنّه تمّ رفض نشرها في مركز النشر الجامعي لكليّة الحقوق وذلك على خلفية مواقفها الحقوقيّة وأنشطتها النضاليّة، و لرفضها أيضا إهداء جائزتها للرئيس السابق زين العابدين بن علي والانضمام إلى الحزب الدستوري الحاكم وقتها.
عُرفت شقير بثباتها على المبدأ وعدم حيادها أو تنازلها عمّا تُدافع من أجله، وكانت مسألة المساواة في الميراث من أهمّ المسائل التي مازالت تُدافع عنها إلى اليوم مُنذ طرحها داخل جمعية النساء الديمقراطيات سنة 1999.
إنّ تشبّثها بهذا المبدأ لا يقف عند الممارسة الحقوقيّة بل هو مبدأ تُدافع عنه داخل عائلتها أيضا -حسب المناضلة النسوية وقريبتها وصديقتها منذ أواخر السبعينات بختة جمور-. فعلى الرغم من التزاماتها المكثّفة الاّ أنّها كانت ومازالت صمّام الأمان الذي يدفع بصديقاتها وعائلتها نحو التقدّم والمعرفة ولا تبخل عنهم.ن بالمساعدة في البحوث والدراسات وتشجيعهم.ن على التعلّم. هي “الجادّة في الحياة المهنيّة والحقوقية وهي الضحوكة المحبّة للحياة في الجانب الإنساني”، حسب قول محدّثتنا.
هذه الجوانب الإنسانيّة تؤيّدها صديقتها ومنسّقة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات رجاء الدهماني التي تعرّفت على شقير منذ التحاقها بالجمعية في سنة 1998.
تؤكّد الدهماني على احتضان شقير للشابّات وتأطيرهنّ عبر التعمّق في تجربة المشروع المجتمعي الذي تُناضل من أجله جمعية النساء الديمقراطيات.
رافقت شقير الشّابات المتعطّشات حينها لمعرفة الحقوق والحريات والمساواة والمواطنة والعدالة الاجتماعية، فهذه المفاهيم كانت غير واضحة المعالم بالنسبة للجيل الثاني من الوافدات على الجمعية والذي كان بصدد التكوّن، وكانت شقير إحدى المؤطّرات اللواتي كنّ سلسات في تأصيلهنّ النظري والقانوني لهذه المفاهيم وغيرها من المبادئ الكونية، فأصبحن بفضلها “ضالعات في القانون”، وفق تعبير الدهماني.
وفي تجربة أخرى،” يُعتبر المعهد العربي لحقوق الإنسان والذي تأسّس سنة 1989 تجربة علميّة هامّة في مسيرة حفيظة شقير الحقوقية فقد كان ومازال لها الدور الهامّ في لجنته العلمية التي تترأّسها” بحسب ما صرّح به رئيس المعهد عبد الباسط بن حسن. تعود علاقة الطرفين إلى ما يناهز 3 عقود مرّت، أين جمعتهما محطّات عديدة في التفكير في قضايا حقوق الإنسان وتطوير المعرفة بقضايا الحريات والمواطنة سواء محليّا أو دوليّا.
إنّ الجانب المهمّ في شخصية حفيظة شقير -حسب عبد الباسط بن حسن- هو “التكامل والأبعاد المتعدّدة في مجال حقوق الإنسان رغم اهتمامها الخاصّ بمسألة المساواة ومنع التمييز، لكنّها أيضا تضع صُلب اهتماماتها قضايا البيئة والتغيرات المناخية وقضايا الموارد والمياه، كما كان لها دور هام في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بعد ثورة 17 ديسمبر/14 جانفي 2011.”
للنضال أشكال أخرى…
الشهادات التي رصدها موقع الكتيبة حول أستاذة القانون العام والحقوقية والنقابية حفيظة شقير كثيرة ومتنوّعة أدلى بها محاورونا الذين ينتمون إلى ما لا يقلّ عن 3 أجيال مختلفة حيث واكبوا نشاطاتها ونضالاتها الحقوقيّة، فهي الطفلة والصديقة والرفيقة والأخت والمؤطرّة والأستاذة والجامعيّة الألمعيّة”، و أيضا هي مسيرة مازالت تنبض شرارة وحبّا للنساء والأشخاص اللامعياريين وللمهمّشين والمهمّشات، وهي صوت الحقّ الذي يحمل مطرقة القانون ولا يُلقيها مهما اختلفت الرؤى ومهما جرت على هذه البلاد تغيّرات سياسية وثقافية واقتصاديّة.
يستذكر الحقوقي وعميد كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس (10 ديسمبر) وحيد الفرشيشي بدايات تعرّفه على حفيظة شقير عند التحاقه بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس سنة 1988، كانت الأستاذة الجامعية حينها “مختلفة” -حسب محدّثنا- عن بقية الجامعيين والجامعيّات.
كانت أواخر الثمانينات فترة انفتاح سياسي ونقابي باعتبارها السنوات التي تلت انقلاب 7 نوفمبر 1987 ولم تكُن القبضة الأمنية للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي قد اشتدّ عودها بعدُ، ما خلّف نشاطا مُكثّفا في الجامعات وانفتاحا على تأسيس الجمعيات في تلك الفترة، وقد “كان حضور شقير بارزا جدّا وظاهرا للعيان”، وفقا لما جاء على لسان وحيد الفرشيشي.
في بداية التسعينات، أعاد النظام إحكام قبضته على المعارضة وحاول تدجين الحركة النقابية، وقد نشأت بالتزامن مع تلك الفترة جمعيات تُعنى بالصحّة مستقلّة عن النظام وأوّلها كانت الجمعية التونسية لمكافحة السيدا والأمراض المنقولة جنسيا التي تأسّست سنة 1991 وكان من بين منخرطيها آنذاك الطالب وحيد الفرشيشي أين اكتشف “أشكالا أخرى للحقوق تتمثّل في متابعة سياسات الدولة ومراقبة مدى استجابتها لمطالب المواطنين والمواطنات، هذه الأشكال تطرح أيضا أشكالا أخرى للنضال كان مختلفا عن النضال السياسي المباشر والنقابي”، وهذا النضال المدني هو الذي سيُوطّد علاقة الفرشيشي بالأستاذة الجامعية حفيظة شقير فيما بعد، وفق تأكيده.
اكتشف الفرشيشي جوانب أخرى في شخصيّة شقير عندما التقى بها في بداية سنوات 2000 بالمعهد العربي لحقوق الإنسان لإجراء بحوث ودورات تكوينية محلية ودولية حول حقوق الإنسان، كانت ثوابتها -حسب قوله- “لا تتغيّر ولا تتزعزع ولم تتراجع عن معركتها من أجل حقوق الإنسان وضمان المساواة لكلّ الأشخاص مهما كانت هوياتهم الجندرية أو الثقافية أو العرقية. كانت واعية تماما بمدى أهمية الانتصار لجميع القضايا والدفاع عن جميع الحقوق دون تحيّز أو انتقاء.”
الجيل الآخر الذي أثّرت في تكوينه شقير، هو جيل المحاميّة والحقوقية الأستاذة هالة بن سالم التي التحقت بالجامعة النسوية إلهام المرزوقي وجمعية النساء الديمقراطيات فور دخولها الجامعة سنة 2009، فكانت حفيظة شقير بالنسبة لها “الحقوقية الصريحة والمؤمنة بكونية حقوق الإنسان والحاملة لقبّعة النسوية الحقيقية التي تعترف بكلّ الحقوق سواء كانت عامّة أو فردية.”
وما يُضيف “أهميّة بالغة لمسيرة شقير هو اشتغالها على مشاريع القوانين والاتفاقيات وأبرزها اتفاقية سيداو CEDAW (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة)”، وفقا لما جاء على لسان هالة بن سالم.
حالف جيل “ما بعد الثورة” أيضا الحظّ في الالتقاء بشقير ومواكبة نشاطاتها، وكان الناشط السياسي والنسوي الكويري سيف الغرايري من بين المتابعين.ات للحركة التقدميّة و مواكبا لأحداث الثورة، مصرّا على أن يكون له الدور الهام في الجدال السياسي.
تعرّف الغرايري على الحقوقية حفيظة شقير في الجامعة النسوية إلهام المرزوقي أين كانت من بين المدرّبات اللواتي تُشرك المتدرّبين والمتدرّبات في الدورات وتُشجّعهم.ن على العمل والتعلّم.
كانت من نقاط قوّة شخصيّتها بالنسبة إلى محدّثنا تكمن “في انسجامها مع ما تُدافع عنه وبتقاطعيّة نضالاتها في الدفاع عن حقوق النساء والإنسان والمثليين والمثليات وحاملي.ات الإعاقة وأصحاب البشرة السوداء. هي ببساطة لا تترك مجموعة مهمشّة دون الدفاع عن حقوقها”، وفق تعبير الغرايري.
بين الأكاديمي والحقوقي والإنساني، يجمع جميع من تحدثنا معهم.ن حول الخصال الاستثنائيّة في شخصيّة ومسيرة حفيظة شقيرة، فهي الباحثة الجامعية التي أثرت المكتبة التونسيّة بالعديد من البحوث والدراسات التي رفعت شعار دولة القانون والحقوق والمواطنة، وهي أيضا الناشطة الحقوقيّة والنسويّة التي جعلت من مبادئها بوصلة للنضال في الفضاء العام بحثا عن التغيير الإيجابي وتكريس المساواة وتمكين النساء من حقوقهنّ كاملة دون قيد أو شرط.
لا تهتمّ شقير بالسياسة في معناها الضيّق، فعلى الرغم من مرور قرابة 6 عقود من الزمن على بداية نشاطها في الحياة العامّة والفضاء المدني فهي تحافظ على استقلاليتها عن الأحزاب والسلطات الحاكمة المتعاقبة في تونس، مؤكدة التزامها الدائم بقضايا الحقوق والحريّات مهما تغيّرت مسارات رياح التوجهات السياسيّة في البلاد، مؤمنة بأنّ التغيير الكبير المنشود قادم لا محالة وأنّ طريق الانعتاق والحريّة والديمقراطية والمساواة بين المواطنات والمواطنين وعلويّة القانون تُبنى بالمراكمة والنضال المستمرّ جيلا بعد جيل، فالبذرة الصالحة تؤتي ثمارا جيّدة ولو بعد حين.
أنجز هذا المقال بالشراكة مع منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان
أنجز هذا المقال بالشراكة مع منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان
الكاتبة : يسرى بلالي
صحفية وباحثة في العلوم الاجتماعية
الكاتبة : يسرى بلالي
صحفية وباحثة في العلوم الاجتماعية