الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

“كنت عائدا إلى المنزل عندما اتّصلت بي زوجتي لتعلمني بوجود أعوان أمن ينتظرونني فقلت لها إنّي قادم.. فور وصولي قدّموا لي استدعاء للحضور فورا، طلبت منهم أن أذهب في موعد لاحق لكنّهم أصرّوا على حضوري الفوري، وهو ما يعني إيقافي فعليّا”، بنبرة واثقة، يستذكر الصحفي زياد الهاني تفاصيل يوم إيقافه في صائفة 2023 بتهمة “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة”.

صبيحة يوم 20 جوان/ حزيران 2023، تطرّق زياد الهاني في مداخلته في إذاعة “إي أف ام” الخاصّة إلى استهداف حرّية الصحافة في تونس من خلال ما وصفه بنصوص زجريّة وخارج إطار المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلّق بحرّية الصحافة والطباعة والنشر، ومن بينها الفصل 67 من المجلّة الجزائيّة المتعلّق بتهمة ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة.

على الرّغم من أنّ الهاني لم يذكر في مداخلته رئيس الجمهورية قيس سعيّد، إلّا أنّه وجد نفسه موقوفا في اليوم ذاته بموجب الفصل 67 من المجلّة الجزائية، ليدخل بذلك قائمة تونسييّن.ـات وقعت إحالتهم و/أو إدانتهم بارتكاب “أمر موحش ضدّ رئيس الدولة” بسبب رأي عبّروا عنه أو موقف قاموا بكتابته في صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، وأحيانا بسبب رسم “غرافيتي” على حائط.

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

“كنت عائدا إلى المنزل عندما اتّصلت بي زوجتي لتعلمني بوجود أعوان أمن ينتظرونني فقلت لها إنّي قادم.. فور وصولي قدّموا لي استدعاء للحضور فورا، طلبت منهم أن أذهب في موعد لاحق لكنّهم أصرّوا على حضوري الفوري، وهو ما يعني إيقافي فعليّا”، بنبرة واثقة، يستذكر الصحفي زياد الهاني تفاصيل يوم إيقافه في صائفة 2023 بتهمة “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة”.

صبيحة يوم 20 جوان/ حزيران 2023، تطرّق زياد الهاني في مداخلته في إذاعة “إي أف ام” الخاصّة إلى استهداف حرّية الصحافة في تونس من خلال ما وصفه بنصوص زجريّة وخارج إطار المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلّق بحرّية الصحافة والطباعة والنشر، ومن بينها الفصل 67 من المجلّة الجزائيّة المتعلّق بتهمة ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة.

على الرّغم من أنّ الهاني لم يذكر في مداخلته رئيس الجمهورية قيس سعيّد، إلّا أنّه وجد نفسه موقوفا في اليوم ذاته بموجب الفصل 67 من المجلّة الجزائية، ليدخل بذلك قائمة تونسييّن.ـات وقعت إحالتهم و/أو إدانتهم بارتكاب “أمر موحش ضدّ رئيس الدولة” بسبب رأي عبّروا عنه أو موقف قاموا بكتابته في صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، وأحيانا بسبب رسم “غرافيتي” على حائط.

يعتبر جلّ الناشطين.ـات أنّ الفصل 67 يندرج في إطار الترسانة التشريعية التي تهدف إلى الحدّ من حرّية التعبير وحرّية الصحافة وأنّه فصل تجاوزه الزمن وتخلّت عنه الأنظمة الديمقراطية. وعلى الرغم من اندلاع الثورة التونسية، لم يقع تنقيح هذا الفصل أو إلغاؤه، الأمر الذي أدّى إلى إيقاف عدد هامّ من المواطنين.ـات خصوصا خلال السنوات الأخيرة.

“ارتكاب أمر موحش”.. تهمة من عهد البايات

يعود العديد من النصوص القانونية في تونس إلى عقود رغم مناخ الحرّية الذي عرفته البلاد إبّان اندلاع الثورة ووضع دستور جديد تضمّن فصولا ضامنة للحقوق والحرّيات.

ولا تعدّ تهمة “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة” التي نصّ عليها الفصل 67 من المجلّة الجزائية استثناء. يقول أستاذ القانون العامّ والناشط الحقوقي وحيد الفرشيشي إنّ هذا الفصل يندرج في إطار الجرائم المتعلّقة بالاعتداء على أمن الدولة الداخلي، وهو موجود منذ إحداث المجلّة (القانون الجزائي) في 1913 ولم يقع تنقيحه سوى مرّة واحدة في ماي/ أيّار 1956 أي بعد الاستقلال مباشرة.

وقد وُضع النصّ أساسا لحماية الباي والعائلة الحاكمة في تلك الفترة، وهذه التهمة عادة ما تكون موجودة في الملكيّات باعتبار أنّ الملك آنذاك كان يُعتبر “رمز الدولة ورمز وحدتها”، وهو نوع من أنواع التجريم القديم والتقليدي الذي يعود إلى فترة كان فيها الحاكم مؤلّها ويُرفض فيها الاعتداء على الحكّام نظرا إلى أنّهم كانوا تقريبا آلهة أو شبه آلهة، على حدّ تعبير الفرشيشي.

ويوضّح أنّ المجلّة الجزائيّة التونسية لم تخرج عن هذا السياق عند وضعها في 1913، مضيفا أنّه بعد الاستقلال أصبح هناك الباي من جهة، ورئيس الحكومة من جهة أخرى. وفي 31 ماي/ أيّار 1956، كان الحبيب بورقيبة رئيسا للحكومة، وقام بتنقيح الفصل 67 معوّضا عبارة “الباي” بـ”رئيس الدولة” لتبقى التهمة والعقوبة نفسها وتشمل الباي ورئيس الحكومة في الآن ذاته.

ويؤكّد أنّ الفصل 67 بقي متواصلا إلى اليوم رغم تعاقب الحكومات ورغم اندلاع الثورة وتغيير الدستور، وهو ما يمثّل خطرا على مستوى مضمون الفصل واستمراريّته.

يروي الصّحفي زياد الهاني تفاصيل إضافيّة حول صياغة الفصل 67. عند كتابة المجلّة الجزائية – والتي كانت تسمّى المجلّة الجنائيّة حينها – اجتمع أساتذة القانون الفرنسيين مع مشايخ الزيتونة التونسييّن وقرّروا تقسيم الاعتداءات في الجنايات، بين اعتداءات على الدولة أو النظام العامّ، واعتداءات على الأشخاص. وخصّصوا للإعتداء على الباي وأمراء العائلة الحاكمة والوزراء والعسّة الملكيّة فصلا خاصّا في المجلّة تصل عقوبته إلى الإعدام في حال ارتكاب جريمة قتل.

وفي ما يتعلّق بجرائم الثّلب والشتم بواسطة الصحافة تركوا العقوبة في الأمر العليّ لسنة 1884 الذي كان بمثابة أوّل قانون صحافة يقع اعتماده في تونس.

ويفيد الهاني أنّ أحد العلماء الزيتونيّين طرح مسألة كانت دارجة في ذلك الوقت وتتمثّل في المزاح بواسطة لمس مؤخّرة الشخص، وهو مسألة لا يمكن القبول بها مع من يصبح الباي، فتمّت تسميتها بالأمر الموحش وإضافتها للمجلّة الجزائية. وبهدف التخفيف من حدّتها، أضيفت إليها اعتداءات من قبيل التعرّض للضرب بالطماطم وغيرها.

ولئن بدت تهمة “إرتكاب أمر موحش” تخصّ الدول العربيّة للوهلة الأولى، فهي في الحقيقة ليس غريبة عن العالم الغربي الذي لم يعد يستعملها اليوم، وقد كانت موجودة في السابق عندما كان الملوك يتمتّعون بصفة القداسة.

ويشير أستاذ القانون العامّ وحيد الفرشيشي إلى أنّ الناس دائما ما ينسون أنّ المجلّة الجزائيّة كُتبت باللغة الفرنسيّة ثمّ تُرجمت إلى العربيّة وهو ما حدث في تونس والجزائر والمغرب ولبنان إلخ. في النصّ الفرنسي، يتمّ استعمال عبارة “crime de lèse de majesté” والتي تعني “الإساءة” ولكن وقعت ترجمتها إلى العربيّة بارتكاب أمر موحش.

ويؤكّد الفرشيشي أنّ العديد من العبارات الموجودة في المجلّة الجزائيّة التونسيّة لا تستقيم في المعنى العربي لأنّها في أغلبها ترجمة للنصّ الفرنسي، مضيفا أنّ عبارة أمر موحش حمّالة أوجه كثيرة عندما تتمّ ترجمتها من الفرنسية “offense” والتي هي من أصل قديم تهمّ الاعتداء على الملك ومازالت تهمة موجودة في الأنظمة الملكية ولكنّ الدول الديمقراطية تجاوزتها ولكنّها ما تزال موجودة في الدول المتخلّفة على المستوى السياسي، وفق قول محدثنا.

يوضّح وحيد الفرشيشي أنّه في علاقة بالفصل 67 نحن إزاء حقّين متضاربين، الحقّ في حرّية التعبير من جهة وحماية الأشخاص من جهة أخرى، مبيّنا أنّ هناك ضوابط بالنسبة إلى الأشخاص العاديّين، إذ أنّ رئيس الجمهورية ليس شخصا عاديّا والوزراء ليسوا أشخاصا عاديّين والنواب والشخصيات العامة التي تمارس الحكم لا تخضع إلى نفس الضوابط التي يخضع لها الأشخاص العاديون.

كلّما أصبحنا شخصيّات عامّة كلّما تقلّ حمايتنا من حرّية التعبير.

ويبيّن محدّثنا أنّ الأشخاص الذين يضعون أنفسهم في الساحة العامّة أكثر عرضة للانتقاد من غيرهم لأنّهم في مهمّة عامّة بينما الشخص الذي يحافظ على حميميّته دون عرض نفسه على الشأن العامّ هو من يجب حمايته، معتبرا أنّ ممارسة السياسة ورفض النقد لا يستقيم حتّى على مستوى التفكير السليم.

ويؤكّد أنّه لا يقع شتم شخص يمارس سلطة عامّة وعند القول إنّه مثلا “مريض أو مختلّ” لا يعني ذلك أنّه سيتمّ نقله إلى المستشفى بل ما يقوم به من أفعال هو ما يجعله عرضة لهذه الانتقادات، مضيفا “نحن لا نتحدّث عن فلان بن فلان بل عن الشخص الذي أصبح يتولّى مسؤولية”.

ويشدّد على أنّه لا يجب ألّا يغتاظ الأشخاص الذين يتولّون وظائف عامّة لأنّهم معروضين على الشأن العامّ ويقومون بالسياسة، مذكرّا بالسخريّة التي تطال رئيس الجمهورية الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته دون أن يقع الزجّ بأحد في السجن، وكذلك رئيس الجمهورية الأسبق المنصف المرزوقي ورئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذين كانوا يتعرّضون إلى السخريّة بشكل يومي دون أن يقدّموا أي شكاية، على حدّ قوله.

يضيف وحيد الفرشيشي:

في التوجّه الديمقراطي، الشخص العمومي هو وظيفة عموميّة. نحن لا نتهكّم على فلان بن فلان بل وظيفته تجعله عرضة للسخريّة.

الفصل 67: عبارات مطّاطة قابلة للتأويل

تكمن خطورة الفصل 67 من المجلّة الجزائيّة في مفهوم الأمر الموحش الذي يعدّ من العبارات المطّاطة جدّا في القانون مثل عبارة “الأخلاق الحميدة” وعبارة “الفحش”، وهي مصطلحات موجودة في المجلّة الجزائية. هذه العبارات المطّاطة يمكن أن تشمل أيّ شيء، فالأمر الموحش قد يكون بالقول أو الإشارة أو الرسم أو بأي نوع آخر من أنواع التعبير، بحسب الفرشيشي.

بدورها، ترى الناشطة الحقوقية والنسوية ورئيسة جمعيّة تقاطع من أجل الحقوق والحرّيات أسرار بن جويرة أنّ خطورة هذا الفصل تتأتّى من كونه فضفاضا ويمكن تأويله على أيّ فعل أو نقد لأداء رئيس الجمهوريّة ما يحُول دون الحديث عن أداء رئيس الدولة وانتقاده سواء كان ذلك من قبل الصحفيين.ـات والناشطين.ـات وحتّى المواطنين.ـات.

تفيد المعطيات التي تحصّل عليها موقع الكتيبة من عدّة تقارير أنّ النظام في عهد بن علي لم يستعمل تهمة “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة”، فيما وقعت 4 محاكمات في عهد الباجي قائد السبسي بموجب هذا الفصل انتهت بعدم سماع الدعوى. في حين تجاوز عدد القضايا التي تمّ النظر فيها على معنى الفصل 67 خلال السنوات الأخيرة الـ20 قضيّة.

يعتبر الصحفي زياد الهاني أنّ خطورة الفصل 67 تتعلّق بالعقوبة السجنيّة الواردة فيه والتي تصل إلى 3 سنوات سجنا و/أو خطيّة ماليّة قيمتها 240 دينارا. وهو ما وقع معه، إذ وقع الاحتفاظ به لمدّة يومين عشيّة اليوم الذي تحدّث فيه عن هذا الفصل في برنامج إذاعي. وما تزال قضيّته اليوم مفتوحة إلى جانب عدد من القضايا الأخرى.

ويضيف الهاني:

إحالة أشخاص على القضاء باعتبار أنّهم أساؤوا إلى رئيس الدولة من خلال تدوينة أو تدخّل إذاعي أو تلفزي على معنى الفصل 67 باطلة من الناحية القانونية.

ويبيّن الهاني أنّ الشتم أو الثلب أو الاعتداء بوسيلة تعبير تخضع عقوبته إلى المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلّق بحرّية الصحافة والطباعة والنشر لا حسب قوانين أخرى، والدليل على ذلك هو أنّ الفصل 67 استثنى حالتين وهما الفصلان 42 و48 من مجلّة الصحافة والتي تمّ إلغاؤها بالمرسوم 115 إبّان الثورة.

تعتبر الأوساط الحقوقية أنّ الفصل 67 من المجلّة الجزائية بات اليوم سيفا مسلّطا على كلّ مواطن/ة ينتقد رئيس الدولة ويعبّر عن موقفه سواء كان ذلك عبر تدوينة في مواقع التواصل الاجتماعي أو في تصريح أو مداخلة إعلاميّة أو حتّى رسم غرافيتي.

ولا تشمل الإحالات على معنى الفصل 67 الناشطين.ـات أو الصحفيين.ـات فقط، بل تطال المواطنين.ـات والشباب الذين يعبّرون عن مواقفهم/ن بطرق مختلفة.

وجد الفنّان والطالب بجامعة الخطّ العربي في تونس رشاد طمبورة، البالغ من العمر 28 عاما، نفسه ضحيّة لتهمة “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة” بعد أن رسم صورة لرئيس الجمهورية انتقد فيها خطابه تجاه المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.

انطلقت الإجراءات ضدّ طمبورة بإعلام معتمد المنستير الشرطة العدلية، يوم 18 جويلية/ بوجود صورة تشبه رئيس الدولة بحائط مقرّ المعتمديّة. وتمّ إيقاف رشاد طمبورة بعد التحرّي في الموضوع، بحسب مصدر مطّلع على الملف.

ولدى سماعه بمنطقة الأمن الوطني بالمنستير المدينة، لم ينكر الشابّ التونسي أنّه قام برسم الجداريّة ونشر صور لها على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وانستغرام. وبيّن أن الدوافع التي دفعته إلى ذلك تتلخّص في اختلافه مع القرارات السياسية الصادرة عن السلطة التنفيذية والخطاب السياسي الرسمي المتعلّق بالمهاجرين أفارقة جنوب الصحراء.

بالنسبة إلى العبارة باللغة الانكليزية التي أرفقت صورة رئيس الدولة، قال رشاد طمبورة خلال التحقيق معه إنّ هذه التوصيفات ليست ضدّ شخص رئيس الجمهوريّة ولكنّها موجّهة ضدّ ممارسات وقرارات الدولة التونسية في ملف المهاجرين، وإنه اعتمد صورة رئيس الدولة باعتباره المعبّر الأمثل عن السلطة التنفيذية أي أنّها رمز، مؤكدا أنّه اعتمد الترميز في وسيلة التعبير التي اختارها، وفق ذات المصدر.

عند استنطاقه أمام قاضي التحقيق، جدّد طمبورة التأكيد أنّه لا يقصد رئيس الجمهورية في شخصه وذاته وإنما السلط العمومية التي تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي في ملفّ الهجرة وأنّه لم يقصد التحريض أو الشتم ولكنّه قام بالتعبير عن رأيه وموقفه من الشأن السياسي بطريقة فنّية، بحسب المصدر نفسه.

اعترف رشاد طمبورة أمام الدائرة الجنائية في الطور الابتدائي أنه قام بذلك الرسم ونشره في مواقع التواصل الاجتماعي وكرّر ما أدلى به أمام حاكم التحقيق وباحث البداية، وفق ما أفادنا به المصدر الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته.

وقد صدر الحكم الابتدائي ضدّ طمبورة في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2023 وأدين من أجل “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة” ومن أجل الجريمة الواردة في الفصل 24 من المرسوم عدد 55 لسنة 2022. وحُكم عليه بالسجن مدّة سنتين. وفي 31 جانفي/ كانون الثاني 2024، أيّدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي.

تكشف وثائق تحصّل عليها موقع الكتيبة أنّ فريق الدفاع عن رشاد طمبورة تطرّق إلى عدم قيام جريمة الفصل 67 من المجلّة الجزائيّة في هذه القضيّة، باعتبار أنّ المشرّع لم يعرّف ماهيّة الأمر الموحش ولا فقه القضاء. ولم يمكن إيجاد تعريف يحيط بكلمة “الموحش” لكونها كلمة إنشائية، وأنّه في غياب تعريف موضوعي، يمكن القول إنّ تقدير الأمر يعود إلى من أُرتكب الفعل ضدّه أي رئيس الدولة، ولا يمكن معرفة هذا إلّا متى قام رئيس الدولة بالتشكّي أو بتكليف من يتشكّى نيابة عنه، وهو ما لم يحصل في قضيّة الحال.

ويجادل لسان الدفاع أنّه “حيث لم تبيّن محكمة البداية كيفيّة قيام هذه الجريمة من خلال إضفاء الوصف القانوني على الأفعال التي قام بها المنوّب وانطباقها على تعريف “الأمر الموحش”، وحيث يتّجه التأكيد على أنّ القوانين التي تمنح حماية خاصّة ضدّ نقد رئيس الدولة والمسؤولين تعدّ مخالفة للحقّ في حرّية التعبير… فإنّ جريمة الفصل 67 من المجلّة الجزائية منتفية الأركان”.

وذكّر لسان الدفاع بالتعليق العامّ رقم 34 للجنة المعنية بحقوق الإنسان الذي يعتبر أنّ “جميع الشخصيّات العامّة، بمن فيها التي تمارس أعلى السلطات السياسيّة مثل رؤساء الدول والحكومات، تخضع بشكل مشروع للنقد والمعارضة السياسية. وبناء على ذلك، تعرب اللجنة عن قلقها إزاء القوانين التي تتعلّق بمسائل، مثل العيب في الذات الملكيّة وإهانة الموظف العمومي وعدم احترام السلطات وعدم احترام العلم والرموز، والتشهير برئيس الدولة وحماية شرف الموظفين العموميين. وينبغي ألّا تنصّ القوانين على فرض عقوبات أشدّ صرامة على أساس هويّة الشخص المطعون فيه ليس إلّا. وينبغي للدول الأطراف ألّا تحظر انتقاد مؤسسات مثل الجيش أو الجهاز الإداري”.

ضرورة “تفوير” الفصل 67

وقعت خلال السنوات الأخيرة إحالة العشرات من المواطنين.ـات أو إدانتهم/ن بتهمة “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة”، ولكن أيضا بموجب قوانين أخرى لعلّ أبرزها المرسوم عدد 54 الصادر في 2022، والذي كان محلّ انتقادات عديدة، فضلا عن مجلّة الاتصالات وفصول أخرى من المجلّة الجزائية على غرار الفصل 125 المتعلّق بـ”هضم جانب موظف عمومي”.

في هذا الصدد، أصدرت جمعيّة تقاطع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، تقريرا بعنوان “عائلة القمع: ورقة موقف حول ترسانة القوانين التي تستخدمها السلطة التونسية في مصادرة حرّية الرأي والتعبير”.

تطرّق التقرير إلى مختلف هذه النصوص القانونية ومن بينها الفصل 67 من المجلّة الجزائية معتبرة أنّها “أضحت مجرّد أدوات بيد السلطة لملاحقة ومضايقة وسجن المعارضين والنشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان”.

هي منظومة أخلاقوية مبنيّة على حماية الصورة والشرف وليس الكرامة.. المجلّة الجزائية لا تتطرّق إلى الكرامة بل إلى الشرف.

فضلا عن الأصوات المنادية بإلغاء الفصل 67 وغيره من القوانين الزجرية، يعتبر البعض أنّه من الضروري إرساء قضاء متخصّص في قضايا حرّية الرأي والتعبير والصحافة.

في هذا السياق، يقول زياد الهاني “مع انتشار وتوسّع فضاءات التعبير وأيضا مع انتشار حملات الافتراء والكذب الشتم والتنكيل، لا يمكن للمحكمة أن تنظر فيها. أحيانا في هيئة المحكمة تجد عددا كبيرا من الملفّات إلى جانب الموقوفين وغيرها.. أنا مع أن يكون هناك دوائر قضائيّة متخصّصة في قضايا الصحافة والإعلام والتعبير”.

تحتاج المنظومة القانونية في تونس، ومن بينها المجلّة الجزائية، إلى مراجعة شاملة، باعتبار أنّها لم تعد تتماشى مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس. ويشير بعض الناشطين.ـات كذلك إلى ضرورة تغيير الممارسات وإلغاء القوانين الزجريّة التي تحدّ من حرّية الرأي والتعبير والصحافة.

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

تدقيق: محمد اليوسفي
غرافيك: منال بن رجب
تصوير: سامي شويّخ
مونتاج: محمد علي منصالي
ادماج تقني: بلال الشارني
تصوير: سامي الشويخ
مونتاج: محمد علي المنصالي
تطوير تقني: بلال الشارني
تدقيق : محمد اليوسفي
غرافيك: منال بالرجب

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

rahma