الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

بدأ الأمر في العاشر من شهر فيفري من سنة 2023، عندما وردت على وزارة العدل التونسية مُراسلة من مدير الشرطة العدلية وقتها، تتضمّن سطرا واحدا جاء في متنه اعتزام مجموعة من الأشخاص التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي.

إثر ذلك، عاش الشارع التونسي على وقع موجة من الإيقافات لعدد من الشخصيات من مختلف المشارب السياسية والفكرية، إنطلقت يوم 11 فيفري -ساعات قليلة بعد ورود تلك المراسلة- في جهة سيدي بوسعيد بالعاصمة تونس بإيقاف كل من الناشط السياسي خيّام التركي ورجل الأعمال الذي لطالما أثار الجدل في الأوساط السياسية كمال اللطيّف، إضافة إلى قيادات من جبهة الخلاص المعارضة ومجموعة “مواطنون ضدّ الانقلاب” من بينهم عبد الحميد الجلاصي وعصام الشابي وجوهر بن مبارك وشيماء عيسى وشخصيات أخرى غير منتمية سياسيا لأيّ تنظيم على غرار نور الدين بوطار مدير إذاعة موزاييك أف أم والمحامي والوزير السابق لزهر العكرمي.

بلغ عدد الإيقافات إلى موفّى فيفري 2023، حوالي 17 شخصا موقوفا على ذمّة الملف. ومع تقدّم الأبحاث القضائية انطلقت موجة أخرى من التتبّعات والإيقافات وإصدار بطاقات الإيداع في السجن على ذمّة القضية لعدد آخر من الشخصيات السياسية أهمّهم من حركة النهضة الإسلاميّة وحتى أشخاص من خارج المشهد السياسي منهم من هو مودع بالسجن على ذمة ملفات قضائيّة أخرى ومنهم من هو موجود خارج أرض الوطن.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

بدأ الأمر في العاشر من شهر فيفري من سنة 2023، عندما وردت على وزارة العدل التونسية مُراسلة من مدير الشرطة العدلية وقتها، تتضمّن سطرا واحدا جاء في متنه اعتزام مجموعة من الأشخاص التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي.

إثر ذلك، عاش الشارع التونسي على وقع موجة من الإيقافات لعدد من الشخصيات من مختلف المشارب السياسية والفكرية، إنطلقت يوم 11 فيفري -ساعات قليلة بعد ورود تلك المراسلة- في جهة سيدي بوسعيد بالعاصمة تونس بإيقاف كل من الناشط السياسي خيّام التركي ورجل الأعمال الذي لطالما أثار الجدل في الأوساط السياسية كمال اللطيّف، إضافة إلى قيادات من جبهة الخلاص المعارضة ومجموعة “مواطنون ضدّ الانقلاب” من بينهم عبد الحميد الجلاصي وعصام الشابي وجوهر بن مبارك وشيماء عيسى وشخصيات أخرى غير منتمية سياسيا لأيّ تنظيم على غرار نور الدين بوطار مدير إذاعة موزاييك أف أم والمحامي والوزير السابق لزهر العكرمي.

بلغ عدد الإيقافات إلى موفّى فيفري 2023، حوالي 17 شخصا موقوفا على ذمّة الملف. ومع تقدّم الأبحاث القضائية انطلقت موجة أخرى من التتبّعات والإيقافات وإصدار بطاقات الإيداع في السجن على ذمّة القضية لعدد آخر من الشخصيات السياسية أهمّهم من حركة النهضة الإسلاميّة وحتى أشخاص من خارج المشهد السياسي منهم من هو مودع بالسجن على ذمة ملفات قضائيّة أخرى ومنهم من هو موجود خارج أرض الوطن.

منذ الأيّام الأولى لإثارة الملاحقات القضائية، كان صوت لسان الدفاع عن الأشخاص المشمولين.ـات بالأبحاث القضائية في هذه القضية عاليا، مندّدا بما يعتبرونه خرقا جسيما للإجراءات في ملفّ خال من أيّ أدلّة تتناسب وحجم التهم التي يواجهها موكّلوهم، وفق وصفهم.

ذلك الجدل واجهته السلطة القضائية ومن ورائها السلطة السياسية بالصمت المُطبق، وتعزّز بقرار قضائي يمنع التداول الإعلامي في ما عُرف اعلاميا بملف التآمر على أمن الدولة إلى حين إحالته على المحكمة المختصّة والتي عقدت أولى جلساتها في 04 مارس من سنة 2025 أي بعد قرابة سنتين ونيف.

بعد كل هذا الوقت، بقيت عدّة أسئلة عالقة لا يجد الرأي العام التونسي أي جواب رسمي عليها: من تآمر على من؟ وكيف تمّ التآمر؟ بأي وسائل تمّ تدبير التآمر؟ وإلى ماذا انتهت الأبحاث القضائية؟ ما هي التّهم وأركان الجريمة التّي يواجهها المُتهمّون بالتآمر؟ وهل هناك دليل قاطع على تآمرهم؟ كيف لقضية خطيرة كالتآمر على أمن الدولة أن يبقى فيها متّهمون.ـات بحالة سراح وآخرون أطلق سراحهم/هن بعد سجنهم/هن أشهرا على ذمة القضيّة؟

مُنطلقات قضيّة التآمر: خبط سياسي وقضائي عشوائي

أمام الصمت الذي انتهجته السلط السياسية والقضائية في تونس تجاه قضية التآمر على أمن الدولة وهو بالمناسبة أمر يحدث لأوّل مرة في التاريخ السياسي التونسي الحديث، كان لزاما، لتفكيك هذا الملف، الإطلاع على وثائقه على غرار قرار ختم البحث القضائي الذي شمل 52 شخصا وقرار دائرة الاتهام التّي وجّهت تُهما عديدة على معنى قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال والمجلة الجزائية، تصل بعض العقوبات فيها إلى أحكام بالإعدام والسجن المؤبد لـ40 متّهما من أصل 52 وحفظت التّهم في حقّ بقية المظنون فيهم/هنّ وعددهم 12 شخصا.

قبل الغوص في أوراق الملف وتفكيكه، يتضح من خلال المقارنة بين منطلقات سير الأبحاث القضائية ونهاياتها الواردة في قرار ختم الأبحاث من طرف قاضي التحقيق المباشر للملف اختفاء اسمين من الأشخاص الذين انطلقت معهم أطوار القضية في العاشر من شهر فيفري 2023، من قائمة الـ 52 ممن شملهم البحث، فيما تمّ إبقاء أربعة أشخاص آخرين بحالة سراح وحفظت في حقّهم كل التهم التي وُجّهت إليهم أوّليا.

يتعلّق الأمر وفق ما اطلعنا عليه من محاضر، بشخصين الأوّل شاب لا يتجاوز عمره الـ 23 عاما لحظة إيقافه بسبب معاينة سيارته أمام منزل خيام التركي ليتضح في ما بعد أنّه زميل دراسة لابن خيّام التركي ولا علاقة له بموضوع البحث أصلا، والثاني تمّت معاينة سيارته هو كذلك بجهة سيدي بوسعيد بالقرب من منزل خيام التركي ليتّضح في ما بعد أنّه كان في زيارة إلى صديقته الفرنسية والتي تقطن بنفس الجهة.

أدّت المعطيات المتعلّقة بتواجد سيارات لأشخاص في محيط منزل خيام التركي أو أشخاص كانوا محلّ متابعة أمنيّة للاشتباه في وجود صلة بينهم وبين التركي، إلى إيقاف أشخاص آخرين في بداية العملية، وهم محمد بن ضو (معلومات أمنية أفادت بركوبه سيارة أجرة رفقة خيام التركي) وأحمد دولة (سيارة على ملكه رابضة أمام منزل التركي) ومحمد عطية (ديبلوماسي سابق وردت في شأنه صورة تجمعه بخيام التركي) وجميعهم تمّ إطلاق سراحهم بعد سماعهم لعدم ثبوت أيّة أدلة ملموسة على تلك “المعلومات الأمنيّة”.

بحسب محامين من هيئة الدفاع عن المتهمين، تمثّل هذه المعطيات نقطة ضعف رئيسية في الملف وتكشف حسب رأيهم أنّ منطلق القضية كان بـ”قرار سياسي” لا على ضوء أعمال استخباراتية أمنيّة جديّة.

في حواره مع موقع الكتيبة، يعلّق أحمد صواب عضو هيئة الدفاع عن النشطاء السياسيين في ملف التآمر، على منطلقات القضية التي وصفها بـ “الاعتباطية” و “غير المؤسّسة على تقارير أمنية واستخباراتية تُفيدُ بالفعل بوجود مخطط للتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي وقلب نظام الحكم في تونس”.

ويُفسّر عضو هيئة الدفاع رأيه القانوني في فحوى الملفّ والذي يعتبره “حالة فريدة من نوعها في تاريخ تونس السياسي”، بالقول انّ “الإيقافات انبنت على سطر وحيد ورد من مدير الشرطة العدلية على وزارة العدل التّي أحالته بدورها على النيابة العمومية، ولم يبدأ الحديث عن وجود مؤامرة إلاّ بعد سماع روايات مُخبرين تقدّموا بإفادتهم بعد إيقاف بعض الأسماء في مرحلة أولى”، وفق قوله.

ويشرح صواب أنّ “جرائم التآمر على أمن الدولة لا يمكن أن تُبنَى على سطر يتيم إنّما تسبقها أعمال استعلاماتية ومخابراتية تسعى للتأكد فعلا من عزم مجموعة أشخاص الانقلاب على الحكم باستعمال القوة والسلاح وذلك بعد أن يتمّ اختراقهم واختراق اتصالاتهم ومسك أدلّة مادية كمخطّط تفصيلي للمؤامرة أو مخطّط بديل في صورة فشل المؤامرة أو أدلّة على تبييض للأموال بما يؤدي إلى تكوّن يقين لدى الجهات الأمنية لا يرقى إليه الشك بوجود المؤامرة، لتبدأ في ما بعد سلسلة الإيقافات وهي أشياء لم تحدث في قضية الحال”، وفق تعبير الأستاذ أحمد صواب (وهو أيضا قاض سابق).

الإيقافات انبنت على سطر وحيد ورد من مدير الشرطة العدلية على وزارة العدل التّي أحالته بدورها على النيابة العمومية، ولم يبدأ الحديث عن وجود مؤامرة إلاّ بعد سماع روايات مُخبرين تقدّموا بإفادتهم بعد إيقاف بعض الأسماء في مرحلة أولى.

أحمد صواب، عضو هيئة الدفاع

انطلقت الأبحاث كما هو معلوم في فجر 11 فيفري 2023، وذلك بإيقاف 8 أشخاص واستنطاقهم لمدّة 48 ساعة دون حضور المحامين، تطبيقا لأحكام القانون المتعلّق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال.

بعد ذلك، تسارعت الخطوات وتوسّعت دائرة الإيقافات لتطال مدير عام إذاعة موزاييك أف أم نور الدين بوطار الذي تمّ إيقافه في 13 فيفري 2023 وإخضاعه للإجراءات ذاتها باستنطاقه لمدّة 48 ساعة دون حضور محاميه حول الخط التحريري للإذاعة وفي خصوص تصريحات ضيوفها ومعلّقيها ولينتهي به المطاف بإصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقّه بشبهة تبييض أموال والانضمام إلى وفاق إجرامي قبل أن يُطلق سراحه بعد أشهر مع تحجير السفر عليه.

تلت تلك الإيقافات والاستنطاقات، مذكّرات قضائية بإضافة نشطاء سياسيين من “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة ومجموعة “مواطنون ضدّ الانقلاب” إلى ملفّ القضية، لتبدأ موجة من الإيقافات الجديدة أيّام 22 و23 فيفري شملت نشطاء سياسيين آخرين من نفس التشكيلات السياسيّة المعارضة لنظام حكم الرئيس قيس سعيّد، ليرتفع بذلك عدد المشمولين بالتحقيق الأوّلي إلى 17 شخصا.

المُخبران XXX و XX : تُهم خطيرة بعضها سُريالي

تُفيد المعطيات المُستقاة من الوثائق الرسميّة لقضيّة التآمر أنّ الاستماع الى الشهود في خصوص المعلومات التي تقدّموا بها من تلقاء أنفسهم، كان أيّام 16 و17 و18 فيفري 2023، أي بعد مُضيّ خمسة أيّام من تاريخ إيقاف كلّ من خيام التركي وكمال اللطيف وعبد الحميد الجلاصي وآخرين، وأيّاما قليلة قبل توسيع دائرة المتهمين في القضية من نشطاء سياسيين ممّن ألقي عليهم القبض في يومي 22 و23 فيفري من ذات العام.

تعليقا منها على هذا التحوّل في مسار القضية، تقول المحامية دليلة مصدّق خلال حوار أجراه معها الصحفي زياد الهاني سابقا:

الملف بدأ فارغا ومن ثمّ جِيءَ بشاهدين مخفييْ الهوية لنسج خيوط المؤامرة المزعومة، عبر إفادات ومعطيات لا يصدّقها العقل.

دليلة مصدّق، عضوة هيئة الدفاع

سلكت الأبحاث الأوّلية طريقين قبل أن يوجّه قاضي التحقيق تهما إلى 40 من أصل 52 شخصا شملهم البحث، أوّلهما كان على ضوء شهادتين لشاهدين تمّ حجب هويتيْهما وتعريفهما بـ XXX و XX، وشاهد آخر مودع بالسجن في قضايا ذات صبغة إرهابية. وأمّا الطريق الثانية فكانت بناء على الاختبارات الفنية المنجزة على هواتف وحواسيب الموقوفين.

تُشير الاستنطاقات المُضمّنة بقرار ختم البحث إلى أنّ دائرة المُتّهمين في قضية التآمر على أمن الدولة توسّعت بشكل كبير على ضوء شهادتيْ المخبرين XX وXXX الذين تقدّما من تلقاء نفسيهما للابلاغ عن عزم بعض الأشخاص بثّ الفوضى والتحريض على الفتنة والتخابر مع جهات أجنبية لقلب نظام الحكم في تونس.

ووفق ملخص شهادة المُخبر XXX، التي أدلى بها في مناسبتين، الأولى بتاريخ 18 فيفري 2023، والثانية أدلى بها بعد ثلاثة أشهر من الأولى أي بتاريخ 24 ماي من ذات العام، وهي للإشارة الشهادة التي تمّ اعتمادها بشكل رئيسي في بناء الملف القضائي في جريمة التآمر على أمن الدولة، فإنّ الأخبار التي تلقاّها وتقدّم من تلقاء نفسه لإعلام السلط الأمنية بها، وصلته عن طريق أحد أصدقائه، القاطنين بدولة بلجيكا الذي بدوره كان قد استقاها من قريبته سيّدةُ أعمال تونسية تزور كثيرا دولة بلجيكا ولوكسمبورغ وبلغ إلى علمها معطيات يتمّ تداولها من طرف الجالية التونسية. وتفيد هذه المعلومات بتقسيم عملية التآمر على أربع مستويات وفق السرديّة الرسميّة:

المستوى الأوّل: وقع التخطيط له بمقرّ سفارة تونس ببلجيكا، بتنسيق من نجلاء اللطيف (عرّفها المُخبر على أنّها ابنة شقيق كمال اللطيف والأخير نفى قطعيا أيّ صلة قرابة بينهما) مع بعض الدبلوماسيين التونسيين وجهات أجنبية (لم يتمّ ذكرها ولم يشملها البحث) تحت الإشراف المباشر لكمال اللطيف.

المستوى الثاني: كمال اللطيّف سينفّذ مخطط الانقلاب على الحكم بالاعتماد على قيادات أمنية وعسكرية (لم يتمّ ذكرهم ولم يشملهم البحث) وعصابات من المنحرفين ومن أصحاب السوابق العدلية الذين يأتمرون بإمرته وعن طريق السلاح بالاعتماد على تاجر أسلحة تونسي يعمل بالسوق السوداء يُدعى رفيق الشعبوني (لم يتعرّف المحامون عليه).

المستوى الثالث: كمال اللطيف يشرع في تنفيذ مخطط الانقلاب عن طريق مجموعات فرنسية ومرتزقة وبمعية نور الدين البحيري الذي تُعهَدُ إليه قيادة مجموعة من المتشددين والخلايا النائمة بمساعدة رؤساء البلديات التابعين لحركة النهضة.

المستوى الرابع: يعمل كمال اللطيّف على خلق الفوضى والتلاعب بالمواد الغذائية الأساسية بالتنسيق مع عبد المجيد الزار الرئيس السابق لاتحاد الفلاحين تحت إشراف تسنيم الغنوشي ابنة رئيس حركة النهضة (معلومات جديدة أضافها المُخبر بمناسبة سماعه ثانية في 24 ماي 2023) وخلق شحّ في الأدوية بالتنسيق مع رجل الأعمال والنائب السابق رضا شرف الدين صاحب مخابر لصناعة الأدوية، وفق ما زعمه الشاهد خفيّ الاسم الذي قال انّ المعلومة الأخيرة بلغته من طرف رجل الأعمال الأزهر سطا (مودع بالسجن منذ عام 2019 في قضية فساد).

وتجدر الإشارة الى أنّ هوية الشاهد الذي تمّ تعريفه بـ XXX كانت محلّ جدل كبير في صفوف عائلات المتّهمين وأعضاء هيئة الدفاع، على ضوء ما قدّمه من مزاعم، حيث راجت أخبار على أنّه عضو بمجلس نواب الشعب الحالي وأحد شركاء كمال اللطيف سابقا وقد انفصل عنه بعد حدوث خلافات بينهما بلغت حدّ الدخول في معركة كسر عظام وقودها تصفية حسابات شخصيّة، وفق ما صرّح به محامو الدفاع في القضية.

موقع الكتيبة كان قد اتّصل بهذا النائب، في وقت سابق، ونفى هذا الأخير نفيا قاطعا أن يكون هو الشاهد XXX، ودليله في ذلك بصمة الإصبع على محضر استنطاق الشاهد المذكور، وفق قوله.

في مواصلة مع مضمون شهادة المُخبر XXX، المطعون في مصداقيته من طرف المحامين وعائلات النشطاء السياسيين يُفسّر الأخير أنّ “كمال اللطيف سيقوم رفقةَ أحد معارفه وهو يعمل في تجارة الأسلحة ومطلوب للقضاء البلجيكي وصادرة في حقّه بطاقة جلب دولية ويُدعى رفيق الشعبوني (محامو الدفاع قالوا انّهم لم يجدوا أثرا لهذا الشخص في سجلات القضاء البلجيكي)، بإدخال السلاح عن طريق قنوات تهريب معتمدين في ذلك على أحد المهرّبين الكبار ينشط على الحدود التونسية ويُدعى علي الحليوي (سُجن في وقت سابق بسبب ملفات فساد ومحلّ مناشير تفتيش عديدة من بينها قضية تآمر ثانية) وهو، وفق الشاهد XXX، صديق شخصي لكمال اللطيف، وذلك من أجل تسليح تلك العصابات المنحرفة المؤتمرة بإمرة اللطيف والمتواجدة بجهة الكرم الغربي بالعاصمة تونس”.

ووفق رواية نفس المُخبر، بناء على المعلومات التي زعم أنّه استقاها من صديقه القاطن ببلجيكا الذي بدوره استقى ذات المعلومات من قريبته سيدة أعمال تقطن ببريطانيا قال إنّها على علاقة بكمال اللطيف ومن وصفها بابنة شقيقه نجلاء اللطيف، فإنّ حركة النهضة وعن طريق تسنيم الغنوشي ابنة راشد الغنوشي وبمعية عبد المجيد الزار الرئيس السابق لاتحاد الفلاحين، ستتولّى تحريك الشارع عن طريق خلايا تابعة لها في أحياء شعبية في العاصمة تونس، قائلا عند مواجهته من طرف قاضي التحقيق حول السبب وراء عدم تقديمه المعلومات الأخيرة خلال الاستماع له في المرّة الأولى، إنّ “هذه المعلومات تحصّل عليها مؤخرا”، وفق ما ورد في ملف القضية.

إلى حدود هذا الجزء من شهادة المُخبر الرئيسي محجوب الهوية، لم يتمّ التطرّق بتاتا إلى وجود علاقة صلة واضحة بين كلّ من الناشط السياسي خيّام التركي ورجل الأعمال كمال اللطيف، لكن في الجزء الثاني من الشهادة التي أفاد بها المُخبر XXX يوم 25 ماي 2023 أمام قاضي التحقيق، استدرك المُخبر بتأكيد وجود علاقة بين الطرفين تعود لسنوات ماضية عندما كانا يلتقيان سرّا في منزل امرأة تقطن بجهة المرسى تُدعى سلوى طاطا ( ذكرها لدى سماعه أوّل مرّة في 18 ماي 2023) التي جعلت من منزلها غرفة للاجتماعات السرية ولعقد الصفقات التجارية يحضرها نشطاء سياسيون على غرار نور الدين بن تيشة ورضا بلحاج ومحمد خيام التركي وقيادات نقابية على غرار المرحوم بوعلي المباركي (توفي عام 2020) ونور الدين الطبوبي بالإضافة إلى كمال اللطيف ومصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي السابق، وفق ما ورد على لسانه في ملف القضية.

ساهم الحديث عن منزل هذه السيّدة المُسماة “سلوى طاطا”، والاجتماعات السريّة التي تنعقد فيه وفق مزاعم المُخبر في إضافة أسماء جديدة لملف التآمر، كمُتّهمين.

تجدر الإشارة في سياق تفكيك هذا الملف وبناء على وثائق رسمية الى أنّ المرأة المُسماة سلوى طاطا والتي تُمثّل نقطة ربط رئيسية في علاقة خيّام التركي بكمال اللطيف وفق مزاعم المخُبر XXX، بقيت مجهولة الهوية ولم يُفتح أيّ بحث تحقيقي للتعرّف عليها وعلى هويّتها قصد الوقوف على مدى سلامة وجدّية مضمون الشهادة المقدّمة، وفق محامي المتهمين الأستاذ أحمد صواب.

في هذا الجزء الثاني من شهادة الشاهد XXX انبنت الأحداث والوقائع على فترة ما قبل 25 جويلية 2021، حاول من خلالها الشاهد تأكيد معلومات بوجود علاقة سابقة بين كل من كمال اللطيف ومحمد خيام التركي وفتحت نوافذ لربط العلاقة بين مجموعات سياسية مختلفة.

المُخبر الثاني والمعرّف بـ XX، والذي للإشارة تمّ سماعه كأوّل شاهد في الملف يوم 16 ماي 2023، (جلّ الإفادة تمحورت حول شبكة علاقات كمال اللطيف) جاءت أقواله لتقوم بعملية ربط استباقية لأسماء تمّ ذكرها في شهادة المُخبر XXX على غرار تأكيده وجود علاقة تنسيق مباشر بين الناشط السياسي خيام التركي وكمال اللطيف وبين الأخير والفرنسي اليهودي المثير للجدل برنار هنري ليفي الذي قال عنه المُخبر XXX إنّه “يتقاسم الفكر الماسوني مع كل من الناشط الحقوقي والوزير الأسبق كمال الجندوبي ورئيسي الحكومة السابقين المهدي جمعة ويوسف الشاهد، حيث شاهدهم في أكثر من مناسبة في محافل نواد ماسونية على غرار “روتاري” و”ليونس” الذين ينشطان بكثرة في تونس لنشر الفكر الماسوني، وفق مزاعمه.

جدير بالذكر أنّ شهادة الشاهد XX تتعلّق بأحداث ووقائع سابقة لمسار 25 جويلية 2021، منها ما يعود إلى عام 2011 وما بعده.

ويؤكد المُخبر الثاني محجوب الهوية XX خلال سماعه من طرف قاضي التحقيق، وجود “علاقة وثيقة بين كل من كمال اللطيف وخيام التركي” وذلك بناء على “معلومات استقاها في وقت سابق من حافظ قائد السبسي القيادي بحزب نداء تونس وابن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي أكّد له أنّ الشخصيتين دائما ما تجتمعان بمكتب كمال اللطيف بجهة سكرة بالعاصمة تونس أو بمنزل خيام التركي”، وفق ما ورد على لسانه في ملف القضية.

هذه المعطيات حول وجود علاقة مباشرة بين الرجلين تتضارب وتصريحات نفس الشاهد عند سماعه أوّلا في 16 فيفري 2023، عندما أشار إلى أنّ “كمال اللطيف تجمعه علاقة غير مباشرة بخيام التركي عن طريق الوزير الأسبق كمال الجندوبي ولا يستغرب استعمال الأوّل للثاني في مخطط للانقلاب على الحكم”، وفي معطيات أخرى بنفس المحضر أكّد أنّ “كمال اللطيف يُسدي تعليماته بخصوص مخطط الإطاحة بالرئيس قيس سعيّد عن طريق المحامي والوزير الأسبق محمد الأزهر العكرمي (أطلق سراحه بعد إيقافه ثلاثة أشهر على ذمة القضية) الذي يمثّل أحد أذرع كمال اللطيف”، وفق مزاعمه.

ويُضيف نفس الشاهد بناء على ما هو مضمّن بقرار ختم البحث في قضية التآمر، أنّ “لكمال اللطيف علاقة وثيقة ببرنار هنري ليفي وهو شخصية مثيرة للجدل وارتبط اسمها في كتابات صحفية عديدة بأعمال التخريب في مناطق عربية عدّة”، مؤكّدا أنّ الأخير “تآمر في وقت سابق على أمن الدولة التونسية عبر تعطيل انتاج الفسفاط عن طريق بعض الجمعيات الناشطة في الحوض المنجمي بقفصة وذلك خدمة لمصالح دول منافسة لتونس في مجال إنتاج وتصدير الفسفاط وبالتالي تأزيم الوضع لجرّ تونس نحو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني”، وفق تعبيره.

على غرار الشاهد XXX كانت هوية الشاهد الذي تمّ تعريفه بـ XX محلّ جدل كبير بلغ حدّ التندّر في صفوف أعضاء هيئة الدفاع عن النشطاء السياسيين وعائلاتهم، على ضوء ما قدّمه من مزاعم، حيث أشارت دليلة مصدق بن مبارك عضو هيئة الدفاع وشقيقة المتهم الموقوف على ذمة القضية جوهر بن مبارك الى أنّ :

هذا المُخبر(XX) مودع بالسجن منذ عام 2017 ومحلّ أحكام ثقيلة في جرائم ذات صبغة إرهابية وفساد مالي.

دليلة مصدّق، عضوة هيئة الدفاع

وكانت معطيات تمّ تداولها في بعض المواقع الإعلامية، قد أفادت أنّ الشاهد XX، هو رجل أعمال معروف تمّ إيداعه السجن عام 2017 في إطار ما سُمي وقتها بحملة مكافحة الفساد كان قد شنّها رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، ومحلّ أحكام ثقيلة في جرائم فساد مالي، منها أحكام صدرت في العامين الماضيين.

في حوار له مع إذاعة الديوان وتفاعلا منه مع ما راج من أخبار، صرّح فيصل الجدلاوي محامي رجل الأعمال المشار اليه، أنّ مضمون إفادة الشاهد XX تتطابق في أجزاء منها مع شكايات قدّمها موكّله منذ عام 2018، وتعلّقت بأسماء واردة بملف التآمر على أمن الدولة، وفق تصريحاته.

تمّ سماع موكّلي في خصوص شكايات تقدّم بها منذ عام 2018 في محاضر رسمية ممضاة باسمه وليس كـ XXX، وإذا ما ارتأت الجهات القضائية اعتماد شكاياته وإفاداته في ملفّ قضائي آخر، فتلك مسائل أمنية لا نتدخّل فيها ولا تعنينا.

تصريح للمحامي فيصل الجدلاوي بتاريخ 30 ماي 2023

من جانبها، اعتبرت المحامية دليلة مصدّق أنّ إجراء إخفاء هويّة الشاهد قانونا يتمّ اتخاذه لحماية الشاهد من أي اعتداء قد يطاله، وهو أمر لا يتوفّر في القضيّة لأنّ الشاهدين لم يصرّحا بمعلومات قد تجعلهما مهدّدين على اعتبار أنّ إفادتهما مجرّد هراء، وفق وصفها.

مواصلة مع شهادته، يزعم الشاهد XX أنّ “مصطفى كمال النابلي (تجمعه علاقة قرابة بكمال اللطيف) تمّ تعيينه في عام 2011 كمحافظ للبنك المركزي بتدخّل من صديقه كمال اللطيف رغبة من الأخير في التحكّم في السياسات النقدية والمالية للدولة التونسية، حيث قام النابلي بخلاص دين بقيمة 1,8 مليار دولار اقترضته تونس من إيطاليا قبل حلول آجال خلاصه، كما قام باقتراض مجموعة قروض أخرى من دول أوروبية بنسب فائدة عالية تتراوح بين 6 و8%، وذلك في إطار مخطط كامل يُشرف عليه كمال اللطيف وينسّقه مصطفى كمال النابلي لإقناع الدول والجهات المانحة بعدم إقراض الدولة التونسية وبالتالي تأزيم الوضع المالي في تونس”، وفق ما ورد على لسانه في ملف القضية.

انّ المتمعّن في هذه التّهم يستشفّ بوضوح بأنّها وجّهت للمعنيين بخصوص فترة سياسيّة لم يكن فيها الرئيس قيس سعيّد موجودا أصلا في الحكم حيث لا يزال وقتها يدرّس مادة القانون في الجامعة قبل تقاعده لاحقا وترشّحه لرئاسة الجمهوريّة.

وكان محامو هيئة الدفاع قد قاموا بجرد جميع الديون التي تولّت تونس خلاصها في عام 2011، ليأكّدوا لاحقا أنّهم “لم يجدوا أثرا لهذا الدين”، مُتسغربين من “نسب تُهم مبنية على أحداث مزعومة تعود إلى عام 2011، لتنفيذ مخطط مزعوم في عام 2023″، وفق وصفهم.

إنّ استحضار وقائع تعود إلى سنوات سابقة بكثير لحكم الرئيس سعيّد، في ملفّ التآمر على نظام الرئيس سعيّد نفسه، لم يقتصر فقط على المُتّهم مصطفى كمال النابلي إنّما طالت أسماء أخرى عديدة، حيث تُشير أوراق الملف إلى أنّ الشاهد XX روى أنّ صاحب جريدة آخر خبر (صحيفة ورقيّة اندثرت منذ سنوات) محمد رؤوف خلف الله “كان في تنسيق كامل مع كمال اللطيف في كل ما يصدر بجريدته من ذلك نشر محاضر أمنية تتعلّق بقضايا إرهابيّة”.

بناء على نفس الرواية “عمل رؤوف خلف الله بتعليمات من كمال اللطيف على استقطاب بعض إطارات و أعوان من الأمن الرئاسي من أجل موافاته بتقارير حول تحرّكات الرئيس سعيّد ليُحيلها في ما بعد إلى كمال اللطيف لتنفيذ مخطط يستهدف رئيس الدولة”. وتشير رواية الشاهد، كذلك، إلى أنّ “علاقة خلف الله بأعوان هذه المؤسسة مرتبطة بتكليفه سابقا من طرف كمال اللطيف بمرافقة رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد في كل زياراته الخارجية ومُوافاته بتقارير عن تلك التنقلات”، وفق تصريحاته.

يُشار في هذا السياق الى أنّ جريدة “آخر خبر”، وفق التحريات التي قام بها موقع الكتيبة، لم تُصدر أيّ عدد منذ عام 2019، إضافة إلى أنّ صاحبها رؤف خلف الله كان قد تعرّض، منذ ذلك التاريخ، إلى أزمة صحّية حادّة أجبرته على مغادرة البلاد نحو فرنسا لتلقّي العلاج وملازمة المستشفى لأشهر طويلة ما يجعله، منطقيا، بعيدا كل البعد عمّا وُصف بالمشاركة في التآمر على الدولة بعد 25 جويلية 2025 ويجعل المتابع للملف يشكّ أصلا في تماسك رواية الشاهد XX التي انبنت على معلومات تبيّن عدم صوابها أصلا.

شاهد ثالث في الملف مودع بالسجن على ذمة قضايا إرهابية

لم تنته سلسلة الشهادات التي اعتمدها قاضي التحقيق أثناء مباشرته للملف عند الشاهدين محجوبي الهوية، بل تمّ سماع شاهد ثالث مودع بالسجن أصلا على ذمة قضية إرهابية، يُعرّف نفسه على أنّه صحفي (مدوّن يدير عددا من الصفحات التي تحترف التشويه والتشهير بالناس على موقع فيسبوك ولا علاقة له بالصحافة) وأنّه اخترق جبهة الخلاص المعارضة عبر الإيهام بأنّه معارض للرئيس سعيّد وإجراءات 25 جويلية، كما ربط علاقة صداقة مع بعض من نشطاء الجبهة من الصف الثالث والرابع، وفق مزاعمه.

هذا الشاهد الذي لم يتمّ حجب هويته، هو المدوّن وليد بن عُثمان، اسم لطالما أثار الجدل في قضايا عدّة نُشرت أمام المحاكم التونسية وتم اعتماده أكثر من مرّة كشاهد في قضايا أخرى في وقت سابق.

في 07 مارس 2025، دوّن النقابي الأمني عصام الدردوري على صفحته بالفايسبوك، أنّ وليد بن عثمان تم استعماله سابقا كشاهد زور ضدّه في ملفات قال إنّها “مفبركة ومن صنيعة حركة النهضة وأذرعها على غرار النائب السابق الفار خارج أرض الوطن ماهز زيد، كما تمّ استعمال ذات الشخص لتضليل العدالة في ملف الشهيد محمد البراهمي بإيعاز من ذات الأطراف”، وفق نص التدوينة.

وباتّصالنا بنقابة الصحفيين للتثبت من الصفة التي عرّف بها وليد بن عثمان نفسه، فنّدت النقابة انتساب الأخير إلى قطاع الصحافة، فلا بطاقة انخراط له بها كما لا يمتلك بطاقة صحفي محترف مسلّمة له من اللجنة التي تعيّنها رئاسة الحكومة للغرض.

اللافت في تعريف بن عثمان لنفسه كصحفي، تعداد الصحف التي عمل بها في بداية مشواره على غرار جريدتي السور والمساء قبل اندثارهما من الساحة. وهما صحيفتان ارتبطتا باسم رجل الأعمال المودع بالسجن شفيق الجراية، احترفتا الابتزاز والتشويه وبث الأخبار الزائفة والاعتداء على أخلاقيات المهنة، وفق تقرير سابق صادر عن مرصد أخلاقيات المهنة بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.

ومن أهمّ ما جاء في شهادة بن عثمان، أنّ له “علاقة صداقة تجمعه بالناشط السياسي جوهر بن مبارك” (نفى الأخير صلته به جملة وتفصيلا)، مؤكدا أنّه وبحكم “عمله كمراسل صحفي كان يستبق أحيانا الأجهزة الأمنية للتحقق من معلومات تصله أو يستقيها من بعض الناشطين في جبهة الخلاص”، زاعما “حصول اجتماع بمنزل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي حضره كل من جوهر بن مبارك ورضا بلحاج، وكان قد عاين حضورهم وتعرّف عليهم من بعيد رغم ظلمة الليل”، وفق ما ورد على لسانه في ملف القضية.

تفاعلا مع هذه النقطة، كان قاضي التحقيق قد سأل الشاهد الثالث وليد بن عثمان حول دوافع تنقّله لمعاينة اجتماع أشخاص ينتمون لنفس التنظيم السياسي بمنزل أحدهم، فكان ردّه أنّ “معلومات أمنية حصريّة وردته تُفيد بمنع الاجتماعات بين قيادات جبهة الخلاص وحركة النهضة في المنازل والأماكن الخاصة”.

ويتوسّع الشاهد، وبناء على ما يُسمّيه عمليّة اختراق منه لجبهة الخلاص، بالتأكيد على أنّ “رجل الأعمال كمال اللطيف وبعد شعوره بوجود تهديد حقيقي لمصالحه بعد تفعيل الرئيس سعيّد لإجراءات 25 جويلية 2021، خاصّة في وزارة الداخلية التي كان يتحكّم فيها انضمّ إلى جبهة الخلاص الوطني المعارضة لالتقاء مصالحه معها”، وفق ما هو مسجّل عليه في المحاضر الرسمية.

ويُضيف المصدر ذاته أنّ “علاقة كمال اللطيف بجبهة الخلاص المعارضة وحركة النهضة تتشكّل عن طريق جوهر بن مبارك بالاستعانة بصديقته (لم يشملها البحث) والتي، وفق أقوال الشاهد، تواصلت أكثر من مرّة مع كمال اللطيف لدعم تحرّكات الجبهة، وكان اللطيّف يقوم بذلك عن طريق بعض الأذرع من رجال أعمال وسياسيين لدرء الشبهة عنه”، وفق مزاعمه.

مواصلة مع شهادة الشاهد الثالث، التي تعتبر، هي الأخرى، محرّكا رئيسيا في تشكيل ملف التآمر على أمن الدولة، أكّد الأخير أنّ “جبهة الخلاص المعارضة وحركة النهضة تمكّنتا من السيطرة على عدّة مؤسسات إعلامية لعلّ أبرزها إذاعة الزيتونة (تمّ الحاقها منذ عام 2021 بمؤسسة الإذاعة التونسية) وإذاعة موزاييك لصاحبها نور الدين بوطار والتي تمّ تمويلها من طرف حركة النهضة عبر عقود استشهار، إضافة إلى سيطرة الحركة على عدد من الصفحات الناشطة بمواقع التواصل الإجتماعي”، وفق مزاعمه.

كما أكّد المصدر نفسه، أنّه “بناء على ما استقاه من معلومات من بعض النشطاء بجبهة الخلاص الوطني المعارضة بعد أن نجح في اختراقها، أنّ أحد رجال الأعمال يقوم بتمويل أنشطة الجبهة عبر تمكينها من نزل أفريقيا بقلب العاصمة، الذي هو تحت تصرّفه لعقد تلك الأنشطة”.

رجل الأعمال الوارد اسمه بشهادة الشاهد الثالث، تمّ سماعه، هو الآخر، كشاهد رابع في خصوص ما نُسب إليه من أفعال والتي نفاها نفيا قاطعا، مؤكدا أنّه “أكاديمي وليس برجل أعمال ولا صلة له بالنزل موضوع الشهادة ولا بأصحابه ولا علاقة قرابة تجمعه بهم سوى أنّه يمتلك نفس اللقب العائلي فحسب”، مضيفا أنّه “لا أنشطة سياسية له ولا إمكانيات مادية تتيح له دعم أيّ نشاط سياسي لأيّ كان”.

تفنيد مزاعم رواية الشاهد وليد بن عثمان من طرف الشاهد الرابع في خصوص تمكين جبهة الخلاص المعارضة من نزل افريقيا ليست نقطة الضعف الوحيدة في روايات الشهود/ المخبرين وفق هيئة الدفاع، اذ كانت الهيئة قد طالبت قاضي التحقيق بإجراء المكافحات اللازمة بين كل المذكورين في القضية سواء كانوا شهودا أو متّهمين، وهو ما لم يحصل أبدا.

ومن خلال وثائق الملف، كان كمال اللطيف قد نفى أيّ “صلة قرابة تجمعه بنجلاء اللطيف الشخصية المحورية في قضية التآمر والتّي، وفق رواية الشاهد XXX، تقود عمليّات التنسيق بين أطراف خارجية وتُشرف على اجتماعات تضم دبلوماسيين تونسيين يخططون لقلب نظام الحكم في تونس بمقر السفارة التونسية ببلجيكا وتمثل عنصر ربط بمعية كريم القلاتي بين كمال اللطيف وبرنار هنري ليفي”.

من هم بقيّة “المتآمرين”؟

بمعاينة قرار ختم البحث من طرف قاضي التحقيق، بات واضحا أنّ شبهة جريمة التآمر على أمن الدولة وفقا لما أدلى به المُخبرون الثلاثة، تدور حول 3 شخصيات محورية : الأوّل هو رجل الأعمال كمال اللطيف والثاني هو الناشط السياسي خيّام التركي والثالث هو القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري.

وعلى الرغم من أنّه لم يثبت بشكل قطعي ومادّي وجود أيّ ارتباط بين الشخصيّات الثلاث، فضلا عن نفي الأخيرين (التركي والبحيري) لأي روابط تجمعهم ببعضهما البعض، إلا أنّ استقراءات قاضي التحقيق المباشر للملف ذهبت في اتجاه أنّ “رؤوس المؤامرة” يتواصلون مع بعضهم عبر أشخاص آخرين وفق مزاعم المُخبرين مجهولي الهوية XX وXXX.

وتوازيا مع توسّع رُقعة المشمُولين بالأبحاث بناء على شهادات المُخبرين، توسّعت قائمة “المتآمرين” بعد إخضاع الموقوفين الأوّلين في القضية لاختبارات فنيّة للوقوف على مدى ترابط الأشخاص ببعضهم البعض ومسك أدلّة مادية على جريمة التآمر.

وتجدر الإشارة إلى أنّ أعضاء هيئة الدفاع عن المُتّهمين في القضيّة كانوا قد تقدّموا بعديد الاحترازات في خصوص تقرير الخبير المُعيّن من طرف القضاء لإنجاز اختبارات فنيّة على حواسيب وهواتف الموقوفين، تعلّقت أساسا باختصاصات الخبير التي يُعرّف بها نفسه والتي في جزء منها لا أساس لها من الصحّة باعتبارها اختصاصات غير موجودة أصلا، وفق قولهم.

وكانت هيئة الدفاع قد طعنت في تقرير الخبير المذكور لما تضمنّه من “عبارات إنشائية واستنتاجات لا تدخل ضمن صميم أعماله التي كلّفته بها المحكمة”.

وكان الأستاذ سمير ديلو، عضو هيئة الدّفاع، قد صرّح في مداخلة له خلال تظاهرة انتظمت في 24 مارس 2024، “إنّ المحامين وبعد اطّلاعهم على جدول ترسيم الخبراء العدليين، لم يعثروا على اسم الخبير الذي تمّ تعيينه في القضية، بما يعني أنه خبير غير معتمد من طرف المحاكم أصلا”.

من جهة أخرى، كان خيّام التركي قد أنكر أيّة علاقة له برجل الأعمال كمال اللطيف، مؤكدا عدم معرفته به مُطلقا وعدم وجود أية علاقة مباشرة تجمعهما، فيما أكّد أنه على علاقة بقيادات من مواطنون ضدّ الانقلاب ومن جبهة الخلاص المعارضة، مشيرا إلى أنّه يعمل من أجل “توحيد المعارضة وطرح بديل سياسي في إطار العمل السياسي المدني ودون التحريض على العنف ودون استعمال القوة في ذلك”، وفق تصريحاته المسجّلة بمحاضر استنطاقه لدى باحث البداية وتمسك بها أمام قاضي التحقيق.

وللتذكير، فإنّ جميع المشمولين بالأبحاث في هذه القضية تمّ استنطاقُهم مرّتين فقط، الأولى مباشرة بعد إيقافهم والثانية كانت أمام قاضي التحقيق المباشر للملف.

مواصلة مع ما تمّ التوصل إليه قضائيا في خصوص الإختبارات الفنية المنجزة على ما تمّ حجزه من أجهزة الكترونية (هواتف حواسيب وغيرها ..) خاصة تلك التي على ملك خيام التركي، أشارت وثائق الملف إلى وجود محادثات سياسية بين نشطاء سياسيين معارضين منهم من هو في تونس ومنهم من يقطن خارج أرض الوطن، والتي شملت في قائمة المظنون فيهم بجريمة المشاركة في التآمر على أمن الدولة لتشمل زيادة عن النشطاء السياسيين في مبادرة “مواطنون ضدّ الانقلاب” وجبهة الخلاص، كلاّ من الباحث الأكاديمي حمزة المؤدب ورئيس جمعية Tunisian united network منجي الذوادي، والقيادي الأمني السابق كمال القيزاني والقيادي بحركة النهضة المقيم بفرنسا رضا إدريس وغيرهم، وفق ما هو مضمّن بوثائق الملف.

ومن بين المحادثات التي اهتمّ بها محامو الدفاع، تلك التي جمعت منجي الذوادي الذي قام بإرسال رابط إلى خيام التركي يحمل تقريرا مكتوبا بالانجليزية حول الوضع السياسي في تونس والأخير أجابه بإصبع إعجاب.

بالإطلاع على الأفعال المنسوبة إلى المتهم منجي الذوادي، يتّضح أنها انبنت على تلك المحادثة لتُوجّه ضدّه جريمة الانضمام إلى وفاق تآمري يقوده خيام التركي معزّزة بتقرير عن التحرّكات الحدودية للذوادي (يقطن خارج أرض الوطن) تفيد بتردّده على العاصمة الفرنسية والدولة التركية.

أقرّ التركي بجملة تلك المحادثات ولم ينكرها واعتبرها محادثات بين أشخاص ينشطون في الفضاء السياسي وينسّقون من أجل توحيد جبهة المعارضة، مستغربا من الاستنتاجات الواردة بتقرير الخبير الذي عيّنته المحكمة والتي اعتبرها “غير محايدة ولا صلة لها بالواقع”.

وكانت جملة المحادثات بين خيام التركي وكلّ من شمله البحث في القضيّة، تتمحور حول سبل توحيد صفوف المعارضة بالداخل وتناولت موقف الجيش التونسي من مسار 25 جويلية وسياسات الرئيس قيس سعيّد.

ولم تثبت المعاينات وجود اتصالات مادية بقيادات من الجيش الوطني ولا يتعدّى الأمر سوى محادثات بين نُشطاء سياسيين وسبل إجراء حوار وطني، استعملت فيها بعض المصطلحات الحادة في وصف الوضع السياسي القائم في تونس وعلاقة الرئيس سعيّد بالسلطة.

هذه المحادثات الخاصة غير العلنية التي تندرج ضمن حقوق التواصل وتداول المعطيات والرأي بشكل شخصي، استدعت من قاضي التحقيق إضافة تهم لعدد ممن شاركوا في تلك المحادثات بـ”إتيان أمر موحش ضدّ رئيس الجمهورية”، على غرار محادثة جمعت بين خيام التركي والأكاديمي حمزة المؤدب (يقطن خارج أرض الوطن)، ومحادثة أخرى بين التركي والمحامي والناشط السياسي غازي الشواشي تناولت الوضع القائم ومواقف الدول المجاورة من مجريات الأحداث في تونس وعلاقة الجيش بالرئيس سعيّد ومسار 25 جويلية، ومحادثة واتساب أخرى جمعت الأخير بالناشطة السياسية شيماء عيسى.

إضافة إلى ذلك، ووفق قرار ختم البحث “ثبت تواصل خيام التركي مع عدد من السفراء الأجانب المعتمدين بتونس أهمهم السفير الفرنسي بتونس سابقا آندري باران والسفيران الإيطاليان السابق والحالي بتونس والسفير الإسباني وسفير الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى موظفين بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية من بينهم رئيسة القسم السياسي بالسفارة”، والتي طلبت منه تنسيق لقاء بينها وبين معارضين وهو ما أكّده المعني بالأمر وكل من حضر ذلك الاجتماع (تمّ إحالتهم جميعا في نفس الملف)، مُعتبرين أنّه “لقاء عادي ولم يدم أكثر من 45 دقيقة تناول الأوضاع السياسية في تونس”، وفق أقوالهم.

ينفي خيام التركي انخراطه في أي فعل يجرّمه القانون، مشيرا إلى أنّه “شخص يعمل في الحقل السياسي منذ سنوات والجميع يعرفه بتلك الصفة سواء كانوا نشطاء سياسيين تونسسين أو دبلوماسيين أجانب”، مؤكدا على أنّه “نشأ في عائلة دبلوماسية على اعتبار أنّ والده شغل خطة سفير لتونس في أكثر من دولة وأنّ والدته تنحدر من أصول إسبانية ما جعله يصبح صديقا للسفير الإسباني الذي تجمعه به علاقة جوار على سبيل المثال، وأنّ ربط علاقات دولية هو من صميم النشاط السياسي”، وفق تصريحاته.

هل من أدلّة قطعيّة تُثبت جريمة التآمر على أمن الدولة؟

من خلال ما سبق ذكره أعلاه، نتبيّن أنّ فتح قنوات تواصل مع سفراء أجانب في تونس أو اللقاء بهم، كانا نقطة مفصلية في مجريات الأبحاث المنجزة منذ انطلاق الأبحاث، حيث تكرّر سؤال المتّهمين في القضية حول علاقتهم بعدد من السفراء الأجانب بتونس، وخاصة منهم السفير الإيطالي ورئيسة قسم الشؤون السياسية بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية والتي اتّجهت معها الأعمال الاستقرائية لقاضي التحقيق نحو توجيه تُهم التخابر مع جهات أجنبية لعدد من المُتّهمين من جهة في مرحلة أولى قبل أن يتم تكييف تلك الأفعال على أنّ المتّهمين “يسعون إلى الإيهام بمساندة دبلوماسيين أجانب لهم”.

هذه الاتهامات أثارت حفيظة أعضاء هيئة الدفاع الذين طالبوا الجهات القضائيّة باستدعاء السفراء لسماعهم حول هذه التُهم الخطيرة على اعتبار أنّه “في حالة ثبوت الجريمة فعلى الدولة التونسية والجهات القضائية اتّخاذ ما تراه مناسبا تجاه طرفي التخابر”، وذلك وفق ما صرّحت به سابقا عضوة هيئة الدفاع دليلة مصدّق.

بالإطلاع على قرار دائرة الإتهام، يتّضح أنّ جريمة التخابر مع جهات أجنبية غير مضمّنة أصلا بقائمة الجرائم المنسوبة للمتهمين في القضية، وهو ما أشارت إليه هيئة الدفاع في بيان نشرته في وقت سابق، تعقيبا على بيان صادر عن النيابة العمومية برّأت فيه جميع الدبلوماسيين الأجانب المعتمدين في تونس من كل تصرّف غير قانوني يمكن أن يشملهم.

محامو الدفاع كانوا قد استغربوا، أيضا، من حشر اسم الفرنسي برنار هنري ليفي، لانعدام أيّة أدلة مادية وقانونية تُفيد بارتباط الأخير بأيّ من الأشخاص المشمولين بالتحقيق في القضية، معتبرين أنّ “إضافة هذا الاسم لا يعدو أن يكون سوى بحثا عن الإثارة وتضخيما للملف وتسويق أوهام للرأي العام بوجود مؤامرة كبرى ضدّ الرئيس سعيّد ومساره الذي انطلق في 25 جويلية 2021، والحال أنّ الأفعال المنسوبة لهذا الشخص وإذا ما سلّموا أنّها حقيقية تعود إلى سنوات سابقة ولم يكن حينها الرئيس سعيّد نفسه يفكّر في الترشح إلى الانتخابات الرئاسية”، وفق تقديرهم.

من المُلاحظ في ما تمّت نسبته من أفعال للفرنسي ذي الأصول اليهودية، برنار هنري ليفي، أنّها متطابقة مع شهادة الشاهد مخفي الهوية XXX الذي روى أنّ ليفي على علاقة بكمال اللطيف ونجلاء اللطيف بوساطة من شخص ثالث اسمه كريم القلاتي (تونسي مقيم بفرنسا) وهذا الأخير هو “ضابط الاتّصال مع كل الأطراف بالخارج للتآمر على الدولة التونسية”، وفق مزاعم الشاهد.

على نفس المنوال تمّ توجيه تُهمة التخابر إلى الناشطة النسوية والحقوقية بشرى بلحاج حميدة، وذلك بعد أن زعم الشاهد XXX أنّها “تتخابر مع الجهات الفرنسية وتمّ توسيمها من طرف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون”، مشيرا إلى أنّها “تمثّل صلة ربط بين فرنسا وحركة النهضة عن طريق القيادي بها نور الدين البحيري”، بالرغم من أنّ بُشرى بلحاج حميدة معروف أنّها كانت في مرمى انتقادات حركة النهضة والإسلاميين عموما خاصّة بعد إشرافها على رئاسة لجنة الحرّيات الفردية التّي أحدثها الرئيس الراحل الباجي قائد السّبسي والتّي أعدّت تقريرا يُدافع عن فكرة المساواة في الإرث، كما أنّه معروف عنها أنّها تحمل أفكارا على مناهضة للاسلام السياسي ولحكم النهضة ما قد يشي بأنّ ملف المؤامرة ليس إلا روايات مزعومة من طرف شهود زور في إطار تصفية حسابات سياسيّة، وفق وجهة نظر عدد من أعضاء هيئة الدفاع.

في المقابل، كان قاضي التحقيق قد عزّز التهم الموجهة للناشطة بشرى بلحاج حميدة كما جاءت على لسان المُخبر إثر ورود نتيجة الاختبار الفني المنجز على هاتف الناشطة السياسية الأخرى شيماء عيسى (أطلق سراحها بعد إيقافها مدّة 5 أشهر)، والتي جاءت فيها محادثة بين الناشطتين في مسائل سياسيّة بحتة.

في المحصّلة، انبنى الملف القضائي في جريمة التآمر على أمن الدولة في غالبيّته على شهادة المُخبرين وتمّ إسناده بأعمال قضائية لمتابعة الحركة الحدودية للمتّهمين، حيث ذهب توجّه القاضي المباشر للتحقيق إلى أنّ التحرّكات الحدودية في اتجاه الفضاء الأوروبي والدولة التركية، التي أقام بها أكثر من شخص مشمول بالأبحاث في جريمة التآمر تُعزّز مضمون شهادة الشهود من ذلك سفر كل من غازي الشواشي ورضا بلحاج إلى فرنسا وعودتهما إلى تونس في نفس اليوم عبر رحلتين مختلفتين انطلقتا من مطارين فرنسيين مختلفين، اعتبرها قاضي التحقيق محاولة من الطرفين لدرء الشبهة عنهما.

هذا الاستنتاج كان قد أثار موجة كبيرة من الاستهجان والسخريّة صلب هيئة المحامين وعائلتي غازي الشواشي ورضا بلحاج على اعتبار أنّ هاذين الأخيرين تجمعهما علاقة مصاهرة (متزوجان من شقيقتين).

تعليقا منه على ما تضمّنه قرار ختم البحث في خصوص تنقّل والده مع زوج خالته إلى فرنسا، قال إلياس الشواشي ابن الموقوف على ذمة القضية غازي الشواشي:

الأمر بسيط، أبي غازي الشواشي وزوج خالتي رضا بلحاج تنقّلا إلى جنيف مع وفد تونسي يضمّ عديد النشطاء التونسيين لحضور أشغال الدورة 41 لمجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة بجنيف ومن هناك سافر أبي عبر القطار لزيارتي بمدينة ليون فيما تنقل زوج خالتي رضا بلحاج إلى باريس عبر الطائرة لزيارة ابنه المقيم هناك.

إلياس الشواشي

وبالاطلاع على قرار دائرة الاتّهام (الجهة التي تراقب أعمال قاضي التحقيق)، يتّضح من خلال معاينة الأفعال المنسوبة لكل شخص ومسؤولية كل طرف في جريمة التآمر، اعتماد حركة الحدود والسفر للمظنون فيهم واعتبارها حججا مادية لتآمرهم وتنسيقهم مع جهات أجنبية وعقد لقاءات خارج أرض الوطن للتخطيط وتأليب الرأي العام الدولي ضدّ الرئيس سعيّد ومساره الذي انطلق في 25 جويلية 2021.

إضافة إلى ذلك، تضمّنت الأبحاث القضائية مراقبة الحسابات البنكية لجميع المتهمين. وراسلت الجهات الأمنية في ذلك اللجنة التونسية للتحاليل المالية للوقوف على نوعية المعاملات المالية التي يتولّى المتّهمون القيام بها عن طريق تلك الحسابات.

ونُسبت لعدد من المتهمين على غرار مدير عام إذاعة موزاييك نور الدين بوطار (رغم ثبوت سلامة معاملاته المالية في تقارير اللجنة التونسية للتحاليل المالية وفق ما صرّح به محاموه)، وخيّام التركي عبر شركاته وجمعيته التي تحمل اسم “جسور” وغيرهما من المشمولين بالتحقيق، جرائمُ تبييض أموال بسبب تحويلات مالية “غير مبرّرة ومشبوهة” وفق قرار ختم البحث وقرار دائرة الاتهام دون تقديم تفاصيل أخرى أو أدلة قطعية تُثبت تلك الجرائم.

على صعيد آخر، خلُصت الأبحاث القضائيّة، المطعون فيها من طرف هيئة الدفاع عن المتّهمين، إلى أنّ التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي تم تدبيره من طرف ثلاثة أشخاص رئيسيين وعن طريق ثلاث مجموعات تنسّق مع بعضها البعض للتآمر على أمن الدولة.

لم تقتصر قائمة المُتّهمين على أشخاص في ارتباط مع المتهمين الرئيسيين كمال اللطيف وخيام التركي، حيث تُشير أوراق القضيّة إلى أنّه من بين المشمولين بالتحقيق أسماء تمّت إضافتها بناء على معاينة الجهات الأمنية لوجود سيارة كانت رابضة أمام منزل خيام التركي بالتزامن مع وجود سيارة أخرى تتبع السفارة الأمريكية رابضة بنفس المكان.

وبعد سماع صاحب السيارة أحمد دولة الذي حُفظت في حقّه جميع التُهم، تبّين أنّه كان قد قام ببيعها لامرأة عن طريق شخص يُدعى حطّاب سلامة يعمل في مجال تجارة السيارات المستعملة، غير أنّه لم يسلّم العقد بسبب خلافات ماليّة بينهما ما أبقى السيارة باسمه، لكنّها ليست تحت تصرّفه.

إثر التحقيق مع المرأة والوسيط حطاب سلامة، تمّ إبقاء هذا الأخير قيدَ الإيقاف وإيداعه السجن باعتباره فاعلا رئيسيا في ملف التآمر على أمن الدولة رغم نفيه لأي صلة تربطه بجملة الأشخاص المشمولين بالتحقيق الذين أنكروا بدورهم معرفتهم به جملة وتفصيلا.

الاتهامات المبنيّة على شهادة الشاهد XXX على سبيل المثال والتي تفيد بحصول اجتماعات بمقرّ السفارة التونسية ببلجيكا جمعت المُسماة نجلاء اللطيف بعدد من الدبلوماسيين، لم يقم قاضي التحقيق بالبحث والتحقّق فيها ولم يستدع أيّ موظف بالسفارة لسماعه في خصوص تلك المعلومات كما لم يطلب أشرطة تسجيل الكاميرات الموجودة بمقرّ السفارة للوقوف على جدّية المزاعم.

أحمد صواب عضو هيئة الدفاع

ويتساءل عضو هيئة الدفاع أحمد صواب قائلا: “كيف لعقل أن يقبل أو يصدّق وجود متآمرين على أمن تونس الداخلي والخارجي يعقدون اجتماعاتهم السرية لتنفيذ مؤامرتهم بمقرّ سفارة تونس نفسها؟”.

كما يُثير صواب نقطة مركزية في أطوار القضيّة تتعلّق بإطلاق سراح أشخاص من المشمولين في القضيّة نفسها وتركهم بحالة سراح، إضافة إلى وجود آخرين وُجّهت لهم تُهم خطيرة على معنى قانون مكافحة الإرهاب والمجلة الجزائية، وهم بحالة سراح ممّا يعزز فرضيّته في اعتبار الملف “يراوح بين الجنون والعبث”، وفق توصيفه الذي جاء بنبرة ساخرة.

هل يُعقل أن يتمّ توجيه تُهم خطيرة لشخص بالتآمر على أمن الدولة والمشاركة والانضمام إلى وفاق تآمري ويبقى بحالة سراح، وآخرون يتم إيقافهم ومن ثمّ يُطلق سراحهم.

أحمد صواب عضو هيئة الدفاع

ومن بين النقاط الغامضة في الملف والتي تطرح أسئلة عديدة حول جدّية شهادات الشهود، وفق صواب، وجود شخصيّات تمّ ذكرها لم يستطع محامو الدفاع التعرّف عليهم، بالرغم من أنهم عناصر أساسية في الملف على غرار “سلوى طاطا” التي قيل انّها وظّفت منزلها لعقد اجتماعات سرّية ورفيق الشعبوني الذي تفيد مزاعم الشهود أنه تاجر سلاح صادرة في حقّه مذكّرة جلب دولية من الأنتربول ونجلاء اللطيف التي تمّ تعريفها على أنّها ابنة شقيق كمال اللطيف ليتبيّن لاحقا أنّ الأمر لا أساس له من الصحة، ما يزيد من غموض هذه الشخصية المحورية في ملف التآمر.

ويُعرّج عضو هيئة الدفاع على نقطة يعتبرها مفصليّة في مسار الأبحاث القضائية وتتمثّل في “مغادرة قاضي التحقيق المباشر للملف أرض الوطن”، فضلا عن أنّ “مدير الشرطة العدلية الذي يمثّل نقطة انطلاق الأبحاث مودع بالسجن بمعيّة مدير ديوان وزيرة العدل سابقا ويواجه كلاهما تُهما خطيرة في جرائم فساد مالي وإداري والارتشاء”، وهو أمر وفق صواب يزيد من حجيّته في اعتبار ملف التآمر “ملفّا يراوح بين العبث والجنون”، وفق وصفه.

في الحادي عشر من أفريل، تنعقد ثاني جلسات محاكمة المتّهمين الـ 40 في قضية التآمر على أمن الدولة، والتي من المنتظر إجراؤها عن بُعد وفقا لقرار من الرئيس الأوّل للمحكمة الابتدائية بتونس بسبب وجود ما وُصف “بخطر حقيقي”.

هذه المحاكمة عن بُعد يرفضها المتّهمون في القضية ويعتبرونها ” هضما لحقوقهم الدنيا في مصارحة الرأي العام بالحقيقة من ذلك إجراء المكافحات ومواجهة من يتّهمهم بالتآمر لتبيان الحقيقة”.

رفضا منه لهذا الإجراء، اختار الناشط السياسي جوهر بن مبارك الموقوف على ذمة القضية، خوض معركة الأمعاء الخاوية حتّى تحقيق مطالبه بالوقوف أمام هيئة المحكمة بشكل مباشر وليس باعتماد تقنية المحاكمة عن بعد ومطالبته بإجراء المكافحات القانونية لدرء التّهم التي طالته والتي يعتبرها باطلة وقائمة على شهادة زور، وفق شقيقته المحامية دليلة مصدّق.

وكان كلّ من الموقوفين على ذمة القضيّة غازي الشواشي ورضا بلحاج وقبل التحاقهم بإضراب الجوع الذي انطلق فيه صديقهم جوهر بن مبارك، قد توجّها برسالة من داخل سجنهم لحثّ زملائهم المحامين للحضور بكثافة في الجلسة الثانية قائلين:

” بعد جلسة 2025/03/04، التي شكّلت نقطة فارقة في فضح مهزلة ما تسمّى بقضية “التآمر”، ستنعقد الجلسة الثانية يوم 2025/04/11. وبهذه المناسبة، ومع الشكر الجزيل لجميع الزميلات والزملاء الذين حضروا بكثافة وحماس لفضح هذه المحاكمة “الافتراضية”، التي تمّ فيها تغييبنا من قبل هيئة غير شرعية لإصدار أحكام جاهزة خارج أسوار المحكمة، فإنّنا ندعوكم مجددًا للحضور بأعداد أكبر في جلسة 11/04/2025.”

يقول أحمد صواب إنه بالنظر إلى الظروف التي ستُجرى فيها المحاكمة عن بُعد أنهم سيكونون “أمام فرضيّات ثلاث لا رابع لها: إما أن يقنعوا منوّبيهم بقبول المحاكمة عن بُعد أو مواصلة الترافع للطعن في الشكل ورفض الخوض في مضمون القضية أو الحضور دون الترافع في القضية من أصله مع رفع شعارات ضدّ هيئة المحكمة” التي وصفها بـ”غير الشرعية”.

هذا وتقدّم محامون عن المتهمين في قضية التآمر باعتراض وقضية للتجريح في هيئة المحكمة المنتصبة بعد حصول قناعة لديهم أنّها “هيئة غير محايدة”، وهو ما استدعى من المحامي وعضو هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين أحمد صواب توجيه رسالة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد يدعوه فيها إلى الاطلاع والتثبت من قضية اليخوت الواردة بباب التجاوزات القضائية بتقرير لجنة عبد الفتاح عُمر لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد حتى يتم النأي بالملف عن تدخل قضاة فاسدين شملهم ذلك التقرير، وفق قوله.

كلمة الكتيبة:

على الرغم من حرص هيئة تحرير الكتيبة على استطلاع وجهة نظر السلط القضائيّة والتنفيذيّة في الدولة التونسيّة في خصوص جملة النقاط المُثارة في هذا المقال لاسيما تلك الملتبسة أو المُتعلّقة باتهامات، إلاّ أنّنا لم نتمكّن من الحصول على الموافقة لإجراء أيّ حوار مع أيّ مسؤول رسمي.

كلمة الكتيبة:
على الرغم من حرص هيئة تحرير الكتيبة على استطلاع وجهة نظر السلط القضائيّة والتنفيذيّة في الدولة التونسيّة في خصوص جملة النقاط المُثارة في هذا المقال لاسيما تلك الملتبسة أو المُتعلّقة باتهامات، إلاّ أنّنا لم نتمكّن من الحصول على الموافقة لإجراء أيّ حوار مع أيّ مسؤول رسمي.

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

اشراف: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
مونتاج: محمد علي المنصالي
غرافيك وتطوير تقنيبلال الشارني
مونتاج: محمد علي المنصالي
غرافيك وتطوير تقني بلال الشارني
إشراف : محمد اليوسفي
تدقيق : وليد الماجري

الكاتب : وائل ونيفي

صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي

wael