الكاتب : مالك الزغدودي

صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية.

محمد عبد الحكيم إبراهيم الباحث والاستشاري التعاوني ورئيس مجلس إدارة شبكة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يعتبر من جيل الباحثين الشباب الذين ركزوا في أغلب بحوثهم على القضايا والحاجيات الفعلية والمطالب الراهنة لمجتمعاتهم المحلية، وكانوا بمثابة المثقفين المشتبكين مع واقعهم. دون الوقوع في فخ المحلية الضيقة بل على النقيض تماما انفتحوا على تشبيك العلاقات وتأسيس مشاريع بحثية إقليمية ودولية من أجل إنتاج وصياغة خطاب معرفي ملتحم مع الواقع ورؤى نظرية يمكن تطبيقها ميدانيا، ويمكن لها بالتالي تغيير واقع السكان الملموس والمَعِيش.

تحصل محمد عبد الحكيم على بكالوريوس التنمية الريفية من كلية الخدمة الاجتماعية جامعة القاهرة ودبلوم إدارة المنظمات غير الحكومية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بنفس الجامعة.

يعمل منذ عام 2002 كباحث واستشاري في مجال التنمية الريفية مع العديد من المؤسسات المصرية والدولية خاصة. شارك في تنفيذ جملة من الدراسات الميدانية والأوراق البحثية في العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية.

 

الكاتب : مالك الزغدودي

صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية.

محمد عبد الحكيم إبراهيم الباحث والاستشاري التعاوني ورئيس مجلس إدارة شبكة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يعتبر من جيل الباحثين الشباب الذين ركزوا في أغلب بحوثهم على القضايا والحاجيات الفعلية والمطالب الراهنة لمجتمعاتهم المحلية، وكانوا بمثابة المثقفين المشتبكين مع واقعهم. دون الوقوع في فخ المحلية الضيقة بل على النقيض تماما انفتحوا على تشبيك العلاقات وتأسيس مشاريع بحثية إقليمية ودولية من أجل إنتاج وصياغة خطاب معرفي ملتحم مع الواقع ورؤى نظرية يمكن تطبيقها ميدانيا، ويمكن لها بالتالي تغيير واقع السكان الملموس والمَعِيش.

تحصل محمد عبد الحكيم على بكالوريوس التنمية الريفية من كلية الخدمة الاجتماعية جامعة القاهرة ودبلوم إدارة المنظمات غير الحكومية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بنفس الجامعة.

يعمل منذ عام 2002 كباحث واستشاري في مجال التنمية الريفية مع العديد من المؤسسات المصرية والدولية خاصة. شارك في تنفيذ جملة من الدراسات الميدانية والأوراق البحثية في العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية.

 

ونظرا لأنّ الاهتمامات النظرية لمحمد عبد الحكيم راهنية ومتشابكة مع واقع ومطالب الشعوب العربية وشعوب جنوب العالم بشكل عام، وبحُكم تعدد تجاربه الميدانية ومساهمته في تأسيس عدد من الشبكات البحثية العربية أو المساهمة في تجارب أخرى بالكتابة والتكوين الميداني. وبحكم إهتمام موقع الكتيبة بهذه المواضيع الراهنية، حاورنا الكاتب محمد عبد الحكيم إبراهيم حول الاقتصاد الاجتماعي التضامني والخيارات الاقتصادية الأكثر ملاءمة لشعوبنا في المنطقة، وأيضا مشاركة تجربته حول التضامن والتعاون المعرفي بين الباحثين في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ومدى تلاؤم النظام المعرفي الرسمي (الأكاديمي) مع متطلبات السياق والواقع العربي، خاصة أنّ هناك حركة نقد بارزة في السنوات الأخيرة للأُطروحات النظرية الأورو مركزية غير المتناغمة في الأغلب مع متطلبات واقع الفلاحين وصغار المنتجين والفئات الأكثر فقرا في تونس ومصر وباقي دول جنوب العالم.

هل يمكن أن تتحدث عن مؤسسات بحثية في المنطقة العربية تشتغل حول مفاهيم مثل السيادة الغذائية والاقتصاد الاجتماعي التضامني والعدالة المناخية أو تحاول إنتاج معرفة علمية يمكنها مساعدة وتقديم حلول عملية للفَلاحين وصغار المنتجين…؟

أريد التأكيد في البداية على أنّني أنتمي الى نمُوذج معرفي يهدف إلى خلق جسور ربط بين المعارف النظرية وتطبيقاتها الميدانية. وهذا ما انعكس بشكل مباشر على طبيعة أنشطتي وتجاربي عبر السنوات في مختلف مراحلها وتطوراتها. أنا أحاول دائما أن أجترِع من الواقع والميدان، ومن أصحاب الحاجة والمعنيين بالأمر مباشرة، لأنّ الكتابة في تصوري مظهر من مظاهر المسؤولية المجتمعية والنضالية، أنا مؤمن جدا بفكرة المثقف العضوي والمثقف المشتبك الحامل لهموم مجتمعه.

من خلال هذه التوطئة، أردت أن أبيّن أنّ تأسيس مؤسسات ومشاريع تدافع عن خيارات منحازة إلى الفئات المفقرة، يحتاج في البداية إلى مثقفين منحازين ومُتجذرين في بيئتهم الاجتماعية.

لقد ساهمت طوال مسيرتي في عديد المبادرات، على سبيل الذكر لا الحصر، تأسيسُ المبادرة الوطنية لدعم التعاونيات-مصر “تعاون” سنة 2014، وقد تبنت المبادرة إحياء نمط الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني التشاركي بمصر، من أجل ترسيخ دعائم حركة تعاونية ديمقراطية حديثة تعمل على تمكين صغار الفلاحين والمنتجين من خلال بناء مؤسسات تعاونية ديمقراطية حديثة تعبّر عنهم و قادرة على الدفاع عن مصالحهم في تحقيق سيادة غذائية ومعيشة مناسبة.

و فى عام 2021 تمّ الإعلان عن المبادرة (تعاون) كشركة تعاونية، وهي أول مركز لدِراسات الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بمنطقة الشرق الاوسط لتدرِيب واستشارات الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني لتكون معبرة عن المبادرة.

أما في علاقة بالمؤسسات والمنظمات التي تدافع عن مفاهيم الاقتصاد الاجتماعي التضامني والعدالة المناخية أو السيادة الغذائية وغيرها من المفاهيم الراهنية، سوف أقدم لك جملة من التجارب في هذا السياق ومن بين ما يمكن أن أذكر من هذه المبادرات الملتزمة بالمفاهيم التي أسلفت ذكرها، والتي تطرح في سلم أولوياتها الدفاع عن الاقتصاد الاجتماعي التضامني/التعاوني، أذكر التجربة الأخيرة التي ساهمت فيها، في خطة رئيس وهي “شبكة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا” وهي مبادرة، يمكن اعتبارها من قبيل الاستجابة العملية (الهيكلية) لحاجيات موضوعية في عدد من بلدان المنطقة العربية. حيث أثمر نقاش مع زملاء من دول عربية مختلفة تأسيسَ شبكة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا (كان لها نشاط تدريبي في تونس في أواخر شهر فيفري) وهي تجربة حديثة العهد (سنة 2024)، تهدف إلى تبادل التجارب والمعارف حول الاقتصاد الاجتماعي التضامني بعدد من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وأيضا البحث عن أفضل الممارسات والتطبيقات لهذا النموذج الاقتصادي في كل دولة من دول الشبكة مع تشبيك العلاقات بين الباحثين وأصحاب المبادرات التضامنية (فلاحين، صغار منتجين…).

وطبعا نحاول الدفاع عن الاقتصاد الاجتماعي التضامني كخيار تنموي بديل عمّا هو سائد في البلدان العربية، ما قد يمكنّنا من تحقيق العدالة الاجتماعية ويساعد الفلاحين وصغار المنتجين والفئات الاجتماعية الأكثر تضررا من التغيرات المناخية في المنطقة العربية على الصمود، مع الانفتاح على مختلف التجارب العالمية ومحاولة الاستلهام منها مع احترام الخصوصيات المحلية في كل بلد، وإعطاء أهمية للمعرفة المحلية ومقاومة كل أشكال اللاعدالة في المنطقة من أجل الوصول لأفضل نموذج أو تطبيق لنمط الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني في بلداننا.

وأذكر أيضا شبكة السيادة الغذائية شمال إفريقيا وهي أحد أهم التجارب في المنطقة العربية المدافعة عن سيادة الشعوب على غذائها ومواردها وهو بالمناسبة شعار الشبكة. حيث يمكن تعريف نشاط الشبكة من خلال أرضيتها التأسيسية: إنّ السيادة الغذائية هي حق إنساني للشعوب أفرادا وجماعات، في تحديد نظامهم الغذائي. وهذا يعني العمل مع الطبيعة وحماية مواردها لإنتاج غذاء صحي كاف يتلاءم مع الموروث الثقافي مع إعطاء الأولوية للإنتاج المحلي والمواد الغذائية الأساسية والقيام بالإصلاحات الزراعية الشعبية وضمان حرية الحصول على البذور وحماية المنتجات الوطنية وإشراك الشعوب في بلورة سياستها الفلاحية.

وترتبط أيضا السيادة الغذائية في تصور الشبكة بحق تقرير الشعوب لمصيرها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. كما ترتبط بإحداث قطيعة مع الدوائر الإمبريالية والمؤسسات المالية والتجارية الدولية، والنضال ضد الأنظمة والحكومات التي تنفذ هذه السياسات لصالح الرأسمال العالمي والمحلي.

كيف يمكن أن نعرّف الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني مع ذكر أهم تجاربه في المنطقة؟

يمكن تعريف نمط الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني الحديث والذي بدأ في الانتشار بالمنطقة منذ مطلع الألفية على أنه : “نمط اقتصادي يقوم على الاعتماد على قدرات الشعوب في بناء وتطوير اقتصاد شعبي مستقل عبر التصميم والتطوير الجماعي للادوات والنماذج الاقتصادية متسقة مع البيئة الاجتماعية والطبيعية ومعتمدة على التراث الثقافي للشعوب”.

من الصعب الحديث عن تجارب محددة لنموذج الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالمنطقة في خلال 13 عاما من العمل تعاملت مع مئات التجارب الرائعة التي يقودها المزارعون وصغار المنتجين بالمنطقه، ولكن يمكن الحديث عن بعض النماذج الأكثر شهرة في هذا السياق على سبيل الذكر وليس الحصر. وبالرغم من الصعوبات التي تواجهها نماذج الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني الحديث بالمنطقة وتعثّر العديد منها نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية وتخلّف المنظومة التشريعية والقانونية بالمنطقة، إلا أنّه يمكن الاشارة الى العديد من التجارب كتجربة جمنة في تونس وتجربة نساء حرات بالمغرب وتجربة مطبخ نوايا بمصر وتجربة بذورنا جذورنا بلبنان والعديد من تجارب الاقتصاد الاجتماعي بالمنطقة.

هل حاولت تطبيق أفكارك حول الاقتصاد الاجتماعي التضامني على أرض الواقع وكيف تختلف عن باقي التجارب منهجيا وتطبيقيا ؟

من خلال رحلة طويلة خُضتها وعايشت فيها تجارب مختلفة في الاحتكاك والتجرِيب المشترك مع عدد من التجارب التعاونية في إفريقيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا، نجحنا في تصميم منهج الإدارة التعاونية الحديثة وهو منهج تشاركي ديمقراطي، متبنيًا مفاهيم التعليم الشعبي التشاركي ويقوم المنهج على عدد من المرتكزات التالية:

1- إستخدام رأس المال الاجتماعي
حيث يتم تمكين صغار المزارعين والمنتجين من استخدام رأس المال الاجتماعي كعامل داعم ومساهم فى تخفيض التكاليف وزيادة الأرباح عبر استخدامهم أدوات تحليل منظومات العلاقات الاجتماعية لديهم واكتشاف حجم وطبيعة رأس المال الإجتماعى والعمل على دمجه واستغلاله فى عملية إدارة الكيانات التعاونية بما يسمح بتحويلها إلى أرباح مالية.

2- توزيع الأجور بشكل ديمقراطي
يتم تمكين صغار المزارعين والمنتجين من استخدام أدوات تحليل جماعية من أجل تحليل قيم ومهارات العمل بشكل جماعي وصولا لتقييم المهام الانتاجية وعناصرها وحساب قيمة العمل والجهد من التكلفة بشكل جماعي وديمقراطي وتوزيعه بشكل ديمقراطي عادل .

3- استكشاف سلاسل القيمة الإنتاجية للمنتجات ودمجها في العملية الإدارية للكيانات التعاونية
حيث تعتمد هذه المنهجية على تطوير آليات تحليل مبسطة تمكن صغار المنتجين والمزارعين من اكتشاف وتحليل سلسلة القيمة الخاصة بمنتجاتهم عبر آليات جماعية تعاونية مما يمكنهم من إجراء تدخلات في منظومة سلاسل القيمة بهدف الوصول الافضل للأسواق وتوفير الجهد والمال وبناء علاقة مباشرة مع المستهلكين.

4- إنتاج اللوائح الإدارية المنظّمة بشكل ديمقراطي تعاوني
حيث يتم الإعتماد على تصميم وتطوير أدوات جماعية لتنفيذ ورش عمل تمكّن صغار المزارعين والمنتجين من تصميم لوائح عمل ديمقراطية ملائمة لطبيعتها الإنتاجية والاجتماعية ومتضمنة للمبادئ والقيم التعاونية الدولية. وقد عملت أيضا على بلورة هذا المنهج الإداري التعاوني الحديث في نموذجين للعمل هما:

النموذج الأول : نموذج الشركات التعاونية :
وهو نموذج يعتمد إعادة إنتاج نمط الملكية التعاوني عبر تمكين صغار المزارعين والمنتجين على تأسيس وإدارة شركات تعمل طبقا للقيم والمبادئ التعاونية تستخدم منهج الإدارة التعاونية الحديثة لتخفيض تكاليف العمل الإداري بالمؤسسات التعاونية الصغيرة وصولا إلى معدل تكلفة إدارية صفر.

النموذج الثاني : نموذج صندوق التمويل والإدخار التعاوني :
نموذج تم تصميمه ليلائم احتياجات النساء والمزارعين والمنتجين في المناطق الأكثر فقرا حيث لا تمكنهم إمكانياتهم المادية أو الفنية من تأسيس شركات أو مؤسسات تعاونية. طبعا تبقى هذه الأفكار والتصورات قابلة للتطوير والتحسين وفق احتياجات الواقع، وخصوصية البلدان أو طبيعة النشاط الاقتصادي ذاته.

هل يمكن اعتبار الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني الحلَّ والمنوَال التنموي الأفضل في المنطقة العربية؟

في ظل استمرار وتغَوُل السياسات النيوليبرالية بالمنطقة ونتائجها الكارثية في افقار شعوب المنطقة وتدمير المنظومة البيئية والايكولوجية وبعد فشل نماذج الاقتصاد الدُولاتي (هيمنة الدولة وتحكمها في أغلب مفاصل الاقتصاد) في مرحلة الاستقلال الوطني، يعد نهج الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني هو البديل المناسب لشعوب الجنوب العالمي في بناء اقتصاد مستقل يحقق التنمية والعدالة لهذه الشعوب ويوقف نزيف استغلال البيئة والموارد الطبيعية (الصناعات الاستخراجية) ويسمح لهذه الشعوب بتحقيق السيادة الغذائية وادارة مواردها الطبيعية بشكل مستدام.

أعتقد أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي اليوم في الدول العربية يؤكد أكثر من أي فترة سابقة على ضرورة تغيير التصورات الاقتصادية، وفتح الباب أمام تجارب الاقتصاد الاجتماعي التضامني وتطوير التشريعات وفتح مجال التعاون بين دول المنطقة من أجل الاستجابة للرهانات البيئية والمناخية العاجلة والملحة في أغلب هذه البلدان ومنها شح المياه وتأثير التغيرات المناخية على صغار الفلاحين والفئات الأكثر فقرا، والاقتصاد الاجتماعي التضامني من بين أهم خصائصه أنه يتوجه للفئات التي فشلت باقي المناويل والتجارب الاقتصادية في الدول العربية من تحسين وضعيتها على جميع الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية.

كيف تقيّم تطور تاريخ حركة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالمنطقة وهل ظهرت مشاريع تعاونية تحاول التشبيك والتعاون بين مختلف تجارب الاقتصاد الاجتماعي التضامني في الدول العربية ؟

لقد مر تاريخ حركة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالمنطقة بمراحل ثلاث :

المرحلة الأولى : هي مرحلة ما قبل الاستقلال الوطني حيث تشكلت بنية حركة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني في نماذج شعبية بسيطة اداريا وأكثر قربا للقيم والمبادئ التعاونية في محاولة لمواجهة هيمنة الاستعمار على اقتصاديات المنطقة.

المرحلة الثانية : هى مرحلة الاستقلال الوطني حيث اعتمدت دول المنطقة مقاربة مختلفة لدور الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني في تحقيق التنمية وكانت هذه المقاربة تقوم على السخاء في الدعم المادي للتعاونيات والسيطرة المركزية والقانونية الشديدة على مؤسساتها وهو ما أدّى إلى الانحراف بالحركة التعاونية بالمنطقة لتصبح نموذجا خدميا خاضعا للدولة مبتعدا عن القيم والمبادئ التعاونية وعن التأثير الشعبي وان حقق في بعض أشكاله معدلات نمو اقتصادي مرتفعة.

المرحلة الثالثة : وهي التي بدأت منذ مطلع الألفية كاستجابة شعبية واجتماعية للحاجة إلى مواجهة الآثار الكارثية للسياسات النيوليبرالية بالمنطقة عبر استعادة القيم والمبادئ التعاونية الأساسية في تشكيل نماذج وتجارب شعبية طوعية للاقتصاد الاجتماعي والتعاوني عبر المنطقة وفي هذا السياق تأتي شبكة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالشرق الاوسط وشمال افريقيا كتجربة تشبيك تعمل على خلق إطار جماعي لما يطلق عليه الجيل الثالث لحركة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني وكمَعبر عن هذا الجيل تعمل الشبكة على عدد من المحاور وهي :

  • تطوير أدوات الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني ونماذجه الإدارية.
  • العمل على تطوير المنظومة القانونية والتشريعية بالمنطقة لتكون متسقة مع القيم والمبادئ التعاونية العالمية.
  • العمل على بناء نماذج رائدة لتجارب الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالمنطقة.
  • العمل على تطوير منظومة التدريب والدعم وبناء الكوادر لمنظومة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالمنطقة.
  • العمل على تطوير البنية المعرفية العلمية لحركة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالمنطقة.

هل يمكن أن نصل إلى نموذج ناجح للاقتصاد الاجتماعي والتعاوني يضمن التنمية الاقتصادية وإمكانية التأقلم ومجابَهة التغيرات المناخية ؟

لا أخفيك سرا أنني في كل مرة خرجت فيها من تدريب أو لقاء مع المزارعين بالمنطقة العربية وأفريقيا خلال 13 عاما من العمل معهم أجد نفسي أردد مع مظفر النواب “دعوا الشعوب تعمل وفق أساليبهَا فأساليبكُم لا الديانات منها ولا الهرطقة “. إنّ إمكانية بناء اقتصاد شعبي ناجح ومستدام وأكثر قدرة على مواجهة التغيرات المناخية وتحقيق السيادة الغذائية والكفاية الانتاجية والعدالة بالتوزيع متاحة بالفعل، داخل الثقافات الشعبية بالمنطقة وبإمكانيات مزارعينا وصغار منتجينا على شرط إطلاق وتحرير قدراتهم بحرية كاملة في تصميم نماذجهم الاقتصادية الشعبية ودعمهم في تطورها دون العمل على فرض نماذج معدّة سابقا عليهم.

إنّ الصعوبة الحقيقية في نجاح وتطوير نهج الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالمنطقة لا تأتي من المزارعين أو صغار المنتجين بل تأتي بالأساس من نخب اقتصادية وثقافية يمينا ويسارا خاضعة لنماذج مقلوبة سابقة التجهيز ومستوردة. وهي في حقيقة الأمر وحسب محرار التجربة في أغلب البلدان العربية وغيرها لا تلبي في الحقيقة الاحتياجات الحقيقية لأصحاب الحاجة (تجربة التعاضد في تونس على سبيل المثال)، لذلك يجب تطوير البحث الميداني وإعطاء فرصة للتعلم من التجارب والمعارف المحلية لا فرص نماذج جاهزة مسبقا.

تعتبر شبكة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا أحدث تجاربك. حدثنا عن الشبكة وعن رأيك في مدى إمكانية نجاح الاقتصاد الاجتماعي التضامني في هذا البلد؟

ولدت شبكة الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سنة 2023 في إطار معسكر العدالة المناخية الذي نظمته مؤسسة “جرين بيس” في بيروت في نفس السنة. وبعد العديد من المداولات والاجتماعات تم الإعلان الرسمي عن الشبكة في اليوم العالمي للتعاونيات في مدينة القاهرة في مؤتمر كبير في سنة 2024.

تعتبر الشبكة إطارا تنسيقيا يضم في جنباته 13 مؤسسة من 9 بلدان، ويعمل هذا الإطار التنسيقي على تطوير أدوات الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالمِنطقه العربية والعالم.

كذلك نعمل على تنفيذ الدراسات والبحوث التجريبية الهادفة إلى استكشاف إمكانيات التطور الخاصة بأنماط الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني الموجودة في كل هذه البلدان.

وتركز الشَبكة في عملها على تدريب وإعداد الكوادر الخاصة بالاقتصاد الاجتماعي والتعاوني، وتطوير الأنماط والاشكال الادارية الخاصة بتجارب الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني. والمساهمة في خلق تجارب جديدة للاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالمنطقة وتطوير المؤسسات والتجارب الموجودة للاقتصاد الاجتماعي والتعاوني من خلال خلاصات البحوث والتجارب الميدانية المنجزة في سياق هذا التعاون.

أما في علاقة بالجزء الثاني من سؤالك، أعتقد حسب معرفتي بواقع التجارب في تونس بحكم أني اشتغلت مع أكثر من منظمة ومُبادرة في هذا البلد الشقيق، تجارب الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني في تونس تتميز بأنها متنوعة وغنية، ويمكن لتونس أن تكون هي الرافعة والمساحه الأهم لتطور الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالمنطقة العربية ككل في حال صدور لائحة تنفيذية (قوانين منظمة) لقانون الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني الذي أصدرته تونس وتطبيقه بشكل فعال.

يعتبر أيضا تنوع التجارب الموجودة للاقتصاد الاجتماعي والتعاوني في تونس ما بين تجارب شعبية وبدائية بسيطه، وما بين تجارب أكثر تطورا وديناميكية هي مساحة حقيقية لتطوير من أجل الاختبار وتطوير الأدوات المعتمدة في تحقيق أفضل نتائج في الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بالمنطقة. وأكاد أجزم أن خطوة إصدار اللائحة التنفيذية وتفعيل قانون الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني في تونس يمكن أن يضع تونس في مقدمة مشهد الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني بكامل المنطقة العربية، ويجعلها القاطرة لهذا النمط الاقتصادي.

كلمة الكتيبة:

نحاول في هذا الحوار رصد تجارب التعاون البحثية في المنطقة العربية وفي جنوب العالم بشكل عام، وأيضا مواكبة تطور الاهتمام بالمعرفة المحلية وتأسيس نظام معرفي مقاوم لنموذج المركزية الأوروبية والهادف إلى تحقيق بديل نظري يساهم في حوكمة الموارد وترشِيدها والحفاظ على البيئة والنظم الإيكولوجية المحلية ومساعدة الفئات الأكثر فقرا من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، إيمانا منا بدور الصحافة الجادة في تسليط الضوء على المحاولات النظرية في الجامعة وفي المراكز البحثية البديلة والمستقلة والمنفتحة على الباحثين من خارج أسوار الأكَاديميا الرسمية.

كلمة الكتيبة:

نحاول في هذا الحوار رصد تجارب التعاون البحثية في المنطقة العربية وفي جنوب العالم بشكل عام، وأيضا مواكبة تطور الاهتمام بالمعرفة المحلية وتأسيس نظام معرفي مقاوم لنموذج المركزية الأوروبية والهادف إلى تحقيق بديل نظري يساهم في حوكمة الموارد وترشِيدها والحفاظ على البيئة والنظم الإيكولوجية المحلية ومساعدة الفئات الأكثر فقرا من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، إيمانا منا بدور الصحافة الجادة في تسليط الضوء على المحاولات النظرية في الجامعة وفي المراكز البحثية البديلة والمستقلة والمنفتحة على الباحثين من خارج أسوار الأكَاديميا الرسمية.

الكاتب : مالك الزغدودي

صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية.

تدقيق: وليد الماجري
تطوير تقني: بلال الشارني
تطوير تقني: بلال الشارني
تدقيق: وليد الماجري

الكاتب : مالك الزغدودي

صحفي، باحث في العلوم الاجتماعية.

siMalek