الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
“تكشف معطيات التعداد السكّاني عن تحوّل تدريجي وملحوظ في التركيبة الديمغرافية للسكّان في تونس. فعلى الرغم من أنّ فئة الشباب لا تزال تمثّل الغالبية، تُشير المؤشّرات الديمغرافية بوضوح إلى اتّجاه متسارع نحو شيخوخة السكّان”.
هذا المقتطف من التقرير العام للمعهد الوطني للإحصاء، يُعتبر الأهم من جملة الأرقام والاستخلاصات الواردة به، والذي لقي اهتماما واسعا من طرف المتخصّصين في علوم الديمغرافيا والاجتماع ويتقاطع مع تنبؤات الأخيرين الواردة في جملة من الدراسات والمقالات العلمية التي حبروها على امتداد السنوات المنحصرة بين تعداد السكان عام 2014 والأخير في عام 2024.
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
“تكشف معطيات التعداد السكّاني عن تحوّل تدريجي وملحوظ في التركيبة الديمغرافية للسكّان في تونس. فعلى الرغم من أنّ فئة الشباب لا تزال تمثّل الغالبية، تُشير المؤشّرات الديمغرافية بوضوح إلى اتّجاه متسارع نحو شيخوخة السكّان”.
هذا المقتطف من التقرير العام للمعهد الوطني للإحصاء، يُعتبر الأهم من جملة الأرقام والاستخلاصات الواردة به، والذي لقي اهتماما واسعا من طرف المتخصّصين في علوم الديمغرافيا والاجتماع ويتقاطع مع تنبؤات الأخيرين الواردة في جملة من الدراسات والمقالات العلمية التي حبروها على امتداد السنوات المنحصرة بين تعداد السكان عام 2014 والأخير في عام 2024.
ورغم عموميّته، جاء تقرير المعهد الوطني مُحمّلا بعديد التغييرات التي كشفها المسح السُكّاني المُنجز في عام 2024، من ذلك تراجع لافت في معدّلات الخصوبة يُقابله تنام في أعداد الأسر التونسية، لكنّه وفي ذات الوقت، جاء مُغايرا عن باقي التقارير السابقة للمعهد والتي تخصّ التعدادات وذلك بفعل التقسيم الجديد للأقاليم والذي يحدُّ إلى حدّ ما من مقارنة الأرقام بين ما كانت عليه ديمغرافية السُكّان سابقا وما أصبحت عليه في عام 2024.


التعداد العامّ للسكّان في أرقام
بلغ عدد السكّان في تونس زهاء الـ 12 مليون نسمة (11972169)، ليتضاعف سكّان البلاد حوالي 3 مرّات مقارنة بما كان عليه الوضع لحظة نيل التونسيين استقلالهم التام والفعلي عام 1956 (آخر تعداد سكاني قامت به سلطات المستعمر الفرنسي).
خلف هذا التطوّر في عدد السكّان، ينطوي معطى آخر لافت للانتباه يتمثّل في تراجع حادّ في نسبة النمو الديمغرافي بالبلاد التونسية والذي أخذ منحى تنازليّا ملحوظا منذ عام 1994 من 2,35% ليستقرّ في حدود الـ 0,87 % في عام 2024.


تشرح أستاذة الديمغرافيا والباحثة في علم الاجتماع سناء نقيرة في حوارها مع موقع الكتيبة، هذه الثنائية بين تضاعف عدد السكان والتراجع الحادّ في نسبة النمو الديمغرافي، مشيرة إلى أنّ ذلك يعود “للتجاوب السريع من المجتمع التونسي مع سياسات الدولة في الأعوام الأولى بعد الاستقلال بما أنتج انفجارا سكّانيا دام ثلاثة عقود فقط وبنسبة نموّ ديمغرافي لم تتجاوز الـ 3% وهو ما يجعلها تجربة فريدة في العالم، باعتبار أنّ تونس تمكّنت من السيطرة على تضاعف عدد السكان مقارنة بدول عربية أفريقية أخرى تضاعف عدد سكّانها بين الـ 5 و 7 مرّات على غرار مصر”.
منذ استقلال تونس عام 1956، كان هناك إدراك واضح من طرف القيادة السياسية للبلاد بضرورة وضع أسس سياسة سكّانية تتماشى وإمكانيات الدولة بما يعود بالنفع على البعد التنموي اجتماعيا واقتصاديا وتحسين ظروف العيش للأسر التونسية والتقليص من الفقر والاستجابة إلى الحاجيات المتزايدة لمختلف الفئات، وقد كان واضحا أنّ بناة الدولة الحديثة كانوا مقتنعين بأنه يمرّ وجوبا عبر التخفيض من نسبة الخصوبة ومنع انفلاتها.
في الحقيقة، لم تكن هناك سياسات سكّانية متكاملة وواضحة، لكن تنامت مكّوناتها واتجاهاتها وتبلورت شيئا فشيئا، المواقف الرسمية والفكرية من المسألة السكانيّة وصيغ التعاطي معها بتدرّج في إطار مسار شكّلت ملامحه التحوّلات التي عرفتها البلاد على كل المستويات خلال العقود الثلاثة الأولى بعد الاستقلال.
أولى الخطوات كانت بإصدار مجلّة الأحوال الشخصية في أوت من سنة 1956 التي رفعت من مكانة المرأة التونسيّة داخل المجتمع وقنّنت الطلاق، إضافة إلى منعها تعدّد الزوجات وإقرارها الترفيع في سنّ الزواج وهي سياسات ساهمت بمعيّة إجراءات أخرى على غرار إجبارية التعليم للإناث والذكور على حدّ سواء في تغيير التركيبة الديمغرافية في تونس.
بالرغم من الإدراك المبكر لضرورة اعتماد إجراءات وقوانين سكانيّة بما يتماشى والأهداف التنموية المرجوّة، لم تكن النتائج في حجم الانتظارات في السنوات العشر الأولى بعد الاستقلال، ممّا اضطرّ السلطة السياسية إلى تنقيح تلك القوانين وتطويرها في تفاعل تامّ مع المؤشرات الديمغرافية.
كان الرابط جليّا بين الأرقام التي تخصّ عدد سكّان تونس ومستويات الخصوبة والوفيات وبين التوجهات والخيارات التنموية التي انتهجتها القيادة السياسية في ستينات القرن الماضي.
ورغم أنّ عدد السكان حينها لم يتجاوز الـ 4,5 مليون نسمة، كانت السلطة السياسية تنظر عن قرب إلى نسبة نموّهم السنوي التي قُدّرت بـ %3 مع تسجيل مؤشر إجمالي للخصوبة يتعدّى الـ 7 أطفال للمرأة الواحدة، مع معدّلات مرتفعة للوفيات العامة ووفيات الرضّع والأطفال على وجه الخصوص، وفق ما تُفسره عدّة دراسات ومن بينها دراسة لصندوق الأمم المتحدة للسكان.
وفقا للدكتورة نقيرة، لعبت المؤشرات حول عدد الوفيات والولادات ونسب الخصوبة وغيرها من المعطيات دورا كبيرا في التأثير على السياسات العامة، ويتّضح ذلك من خلال تحرير بيع وسائل منع الحمل عام 1961، والترفيع مجدّدا في سن الزواج للإناث والذكور مرّة ثانية عام 1964 (المرّة الأولى كانت في عام 1956) وإحداث الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري عام 1973 الذي اختصّ حينها بشكل مباشر في دراسة السياسات السكانية ونتائجها ورفع المقترحات للسلطة السياسية.
” في العشرية الأولى ما بين 1956 و1966، لم تكن هناك نتائج ملموسة للسياسات التي انتهجتها الدولة في اتجاه بلوغ الأهداف المنشودة خاصة في تخفيض نسبة الخصوبة، ما دفعها إلى إقرار جملة من الإجراءات الجديدة أبرزها الترفيع مجدّدا في سنّ الزواج وإقرار أوّل سياسة سكانية والتي تُعرف بالتنظيم العائلي”
سناء نقيرة أستاذة الديمغرافيا
خلال السنوات الأولى ما بعد الاستقلال، ورغم ما تمّ سنّه من تشريعات تهدف إلى التحكّم في نسق النمو الديمغرافي والتخفيض في نسب الخصوبة التي كانت في مستوى 7 أطفال لكل امرأة عام 1956، لم تكن النتائج في مستوى تطلّعات السلطة السياسيّة، حيث واصل المجتمع سلوكه في اتجاه إنجاب أكثر ما يمكن من الأطفال، فركّزت أوّل شبه سياسة سكانية 1961 – 1964 والمعروفة بـ “برنامج التنظيم العائلي” والذي تواصل العمل به إلى غاية العام 2000 بما ساهم بشكل واضح وفعّال وبفضل الاستجابة السريعة للمجتمع التونسي الذي غيّر سلوكه في اتجاه الاقتصار على إنجاب طفلين أو ثلاثة على أقصى تقدير، في إحداث نوع من التوازن الديمغرافي ومجتمع فتيّ والانتقال الديمغرافي السريع.


من ديمغرافيا بدائية إلى ديمغرافيا تلقائية
يمكن تقسيم التحوّلات الديمغرافية في تونس إلى ثلاثة مستويات وفقا لما تشرحه الأستاذة الجامعية سناء نقيرة، فترة أولى ما قبل الاستقلال وتواصلت في السنوات الأولى بعده، وتتّسم بتوازن ديمغرافي تقليدي أي نسبة الولادات قريبة جدّا من نسبة الوفيات مع معدّل نمو ديمغرافي في حدود الـ 2%.
وفترة ثانية (الانتقال الديمغرافي) انطلقت في السنوات الأولى بعد الاستقلال وتنقسم بدورها إلى مرحلتين، الأولى تتّسم بانفجار سكاني بين العامين 1956 و1966 أين حافظت نسبة الولادات على مستوياتها فيما تراجعت نسبة الوفيات. ومرحلة ثانية تتسم بانخفاض الخصوبة وارتفاع في مؤشر أمل الحياة وبداية تراجع معدّلات النمو الديمغرافي بين العامين 1966 و1994 لتدخل البلاد في فترة ما بعد الانتقال الديمغرافي الذي انتهى عام 2004، وفق ذات المتحدّثة.
” منذ عام 2004 بدأت البلاد تسجّل انخفاضا واضحا في مؤشر النمو الديمغرافي، وموجة الانخفاض اللافت في معدلات الخصوبة التي تمّت ملاحظتها منذ عام 2017 هي موجة تلقائية تعكس تجذّر سلوك يرنو إلى تأخير سن الزواج والاقتصار على إنجاب طفل أو اثنين”
سناء نقيرة أستاذة الديمغرافيا
بعد انتهاء سياسة التنظيم العائلي عام 2000، لم تتّخذ الدولة التونسية أي سياسات سكانيّة جديدة تواكب التحوّلات الديمغرافية التي تعيشها البلاد.
تقول الدكتورة نقيرة في حوارها مع الكتيبة، إنّ “الفترة اللاحقة لعام 2004، اتّسمت بالتلقائية الديمغرافية والتي يتميّز سلوك التونسيين.ـات فيها في علاقة بالزواج والإنجاب بالتلقائية المُطلقة في اتجاه التخفيض في مستويات الخصوبة تارة والترفيع فيها تارة أخرى، وذلك راجع لأسباب ثقافية واجتماعية وخاصة اقتصادية. ويتجلّى ذلك بدراسة معدّلات الخصوبة في فترتين، الأولى بين عامي 2009 و2014 التي اتسمت بارتفاع عدد الزيجات والولادات وفترة ثانية انطلقت منذ عام 2017 سُجّل فيها انخفاض واضح في عدد الزيجات وانخفاض حادّ في معدّلات الخصوبة وتعمّق بفعل التأثيرات السلبية لجائحة كوفيد-19”.


بمعاينة الفترة السابقة لعام 2017، ومنذ عام 2009، يتّضح وجود ارتفاع في عدد الزيجات والولادات بما أفضى إلى ارتفاع في معدّلات الخصوبة، هذه الفترة العرضية تفسّرها أستاذة علم الديمغرافيا سناء نقيرة “بوصول الأجيال المولودة في منتصف الثمانينات إلى سنّ الزواج، فضلا عن عوامل أخرى متّصلة بتأثيرات ثورة جانفي 2011 وما صاحبها من آمال حول تحسّن ظروف العيش وانفتاح المجتمع على بعضه البعض والتحرّر الفكري والسلوكي للأفراد”.
نسبة نمو ديمغرافي لا تُساعد على تجديد الأجيال
من بين أهمّ المؤشرات الصادمة في تقرير المعهد الوطني للإحصاء في خصوص التعداد العام للسكان، تسجيل نسبة نموّ ديمغرافي في حدود 0,87%، وهي نسبة يؤكد مختصّو علم الديمغرافيا أنّها أقلّ بكثير من الحدّ الأدنى المطلوب لتجديد الأجيال ممّا يقتضي دقّ ناقوس الخطر حول إمكانية ارتفاع وتيرة التهرّم السكاني بنسق أعلى ممّا هو عليه اليوم، وفق تقديرهم.
” النسبة الدنيا التي تسمح بتجديد الأجيال والحفاظ على توازن الهرم السكاني هي 1%، وما سجّلته تونس في آخر إحصاء بـ 0,87% يصعب معه تجديد الأجيال بالنسق المطلوب”
سناء نقيرة أستاذة الديمغرافيا
في حديثها مع الكتيبة، تُفسّر أستاذة علم الديمغرافيا بالجامعة التونسية سناء نقيرة، أنّ “هذه النسبة المُسجّلة وانخفاض معدّلات الخصوبة بدأت منذ عام 2004، وأصبحت مُلاحظة بشكل بارز منذ عام 2017، وتأثّرت أيّما تأثّر بعوامل جائحة كوفيد-19 والتي انخفضت معها أكثر معدّلات الزواج والولادات”.
وتُضيف نقيرة أنّ “المؤشرات اللاحقة لجائحة كوفيد تُشير إلى وجود ارتفاع نسبي عام 2022 في مستوى عدد الزيجات، سرعان ما تراجع بنسبة 10% في عام 2024 وفق ما أصدره المعهد الوطني للإحصاء من أرقام متّصلة حديثة”.
هذا وتُشير ذات الأرقام إلى أنّ نسق أعداد الولادات الجديدة واصل تراجعه بشكل لافت ليستقرّ عند ما يناهر الـ 133 ألفا عام 2024 بعد أن كان في حدود الـ 147 ألف ولادة جديدة عام 2023.
“نسبة النمو الديمغرافي في عام 2021 كانت في حدود الـ 0,45% وعام 2022 كانت في حدود الـ 0,56%، ممّا يوضح بشكل كبير تأثيرات جائحة كوفيد على ديمغرافية السكّان”
سناء نقيرة أستاذة الديمغرافيا
بصرف النظر عن الفترة الظرفية لجائحة كوفيد التي أثّرت في مستويات النمو الديمغرافي للسكان في تونس، يتّضح وجود أسباب أعمق جعلت من هذه النسبة تستقرّ في حدود دنيا لم تسجّلها البلاد منذ استقلالها (0,87%).
تقول الدكتورة نقيرة إنّ “هذه العوامل تعود إلى وجود سلوك متجذّر في المجتمع التونسي، يتشكّل من تأخير سنّ الزواج للذكور كما الإناث وسلوك في الخصوبة يتمثّل في الاقتصار على إنجاب طفل أو طفلين على أقصى تقدير لكلّ زوجين، وهي سلوكيّات على نقيض ما كان عليه المجتمع قبل إرساء سياسات التنظيم العائلي”، وفق تعبيرها.


بناء على الأرقام الجديدة وعلى تقارير سابقة، يتّضح وجود زيادة مستمرّة في متوسّط العمر عند الزواج الأوّل بالنسبة إلى الجنسين ويعزى ذلك إلى ميل الرجال والنساء إلى الزواج في سنّ متأخرة أكثر وإطالة فترة عزوبيتهم.
ومن الملاحظات المهمة الأخرى بناء على ذات الأرقام، وجود انخفاض في الفجوة بين متوسّط عمر الزواج الأوّل للرجال والنساء على مدى الخمسين عامًا الماضية. حيث أخذت هذه الفجوة نحو الانخفاض تدريجيًا من 6,2 سنة عام 1966 إلى 3,6 سنة عام 2004. وذلك نتيجة لتأخّر معدّل سن الزواج للمرأة الذي انطلق من 20 سنة عام 1966 ليستقر في حدود 29 عاما في سنة 2004.
يُشار إلى أنّ هذه المعدّلات الخاصّة بسنّ الزواج بالنسبة إلى الإناث عرفت تراجعا عام 2014، (من 29 إلى 28 عاما) يفسره المختصّون ومن بينهم الدكتورة نقيرة “بتأثيرات الثورة التونسية وما فتحته من آفاق وآمال”.
ومن الأسباب الأخرى ولعلّها الأهم، التي حتّمت على الشباب.ـات ممّن وصلوا إلى سنّ الخصوبة تأخير سنّ زواجهم وإطالة فترة عزوبيتهم، عامل الدراسة بالنسبة للفتيات، اللواتي اتجه سلوكهنّ نحو إيلاء الأهمية أكثر لإتمام سنوات الدراسة ودخول سوق الشغل قبل دخول غمار تكوين الأسرة.
ويتّضح هذا من خلال معاينة نسب التّمدرس للإناث والذكور الواردة بتقرير المعهد الوطني للإحصاء والذي يوضّح بشكل كبير تفوّق النساء على الرجال في مواصلة الدراسة في مستوى التعليم العالي ( 17,8 إناث مقابل 16,1 ذكور).


كما تلعب الظروف المعيشية والاقتصادية دورا مهمّا في تأخير سنّ الزواج بالنسبة للذكور كما الإناث، فبالرغم من أنّ النساء يتشبّثن أكثر من الرجال بمواصلة دراستهن، يختار الرجال مغادرة مقاعد الدراسة بحثا عن العمل أو الهجرة خارج أرض الوطن، فضلا عن الصعوبات والتحدّيات الكبيرة التي تواجه خرّيجي التعليم العالي أو التكوين المهني في الوصول إلى وظيفة توفّر نوعا من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لهم.
” وفق دراسة تحليليّة قمت بها في وقت سابق، يحتاج الشاب(ة) ممّن أنهى تعليمه العالي إلى ما لا يقلّ عن عشرة أشهر للحصول على أوّل وظيفة والتي عادة ما تكون وظيفة لا تساعد على الاستقرار الاجتماعي. ومع الصعوبات الاقتصادية وارتفاع مؤشرات البطالة، اتّجه السلوك المجتمعي نحو تأخير عمليّة الزواج ليستقر المعدّل عند 34 عاما للذكور و31 عاما للإناث.”
سناء نقيرة أستاذة الديمغرافيا
وفي انتظار صدور الملاحق التحليلية وبقية الأرقام عن حركة الهجرة الداخلية والخارجية وغيرها من المؤشرات من طرف المعهد الوطني للإحصاء، إلا أنّه يمكن القول إنّ هاجس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لدى الشباب والشابات يلعب دورا مهمّا وبارزا في ارتفاع وانخفاض معدّلات الخصوبة.
وفي ما يهمّ السلوك المجتمعي الرامي للاقتصار على إنجاب طفل أو طفلين على أقصى تقدير، تُفسر الأستاذة الجامعية سناء نقيرة بكونه خيارا حتّمته الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
وتُضيف نقيرة أنّ العامل الاقتصادي يلعب دورا مهمّا في تحديد خيارات الأسر التونسية الحديثة في اتجاه الاختيار بين الكمّ والكيف أي إمّا إنجاب أكثر ما يمكن من الأطفال أو الاقتصار على طفل أو اثنين وضمان جودة حياة لائقة لهما، مشيرة إلى أنّ النظريات الاقتصادية العقلانية تؤثث إلى الخيار الثاني، وفق قولها.
” بالنسبة إليّ أهم عامل أدّى إلى هذه التغيرات الواضحة في التركيبة الديمغرافية التونسية هو عامل الدراسة، وانتقل المجتمع التونسي من مجتمع في غالبيته أميّ إلى مجتمع في غالبيته متعلّم بل أكثر من ذلك إلى مجتمع متمدرس يحظى بحضور نسائي أكثر منه ذكوري”
سناء نقيرة أستاذة الديمغرافيا
هذه النتائج الإيجابية في مستوى تبوّؤ المرأة التونسية مكانة مرموقة في المجتمع التونسي بفعل السياسات العمومية المتمثلة في إجبارية التعليم للذكور والإناث منذ الأعوام الأولى للاستقلال، ووفق الدكتورة نقيرة، “يجب أن تتمّ مرافقتها بسياسات جديدة تراعي الوضعية الاجتماعية الجديدة للمرأة العاملة ومتطلّباتها، عبر توفير ظروف عمل لائقة منها على سبيل المثال توقيت عمل يراعي مهام المرأة المهنية ومهامها كأم وما يستوجبه ذلك من جهد مُضاعف ولما لا التفكير في نقل تجارب دول أخرى على غرار تشجيع مؤسسات العمل على إحداث محاضن داخل مقرّاتهم وتمتيع المرأة بعطلة أمومة مطوّلة بعد الولادة وغيرها من الإجراءات التي أثبتت نجاعتها، وفق قولها”.
وتُضيف الدكتورة نقيرة أنّها لا ترى ضرورة في الوقت الحالي لسنّ سياسات سكّانية جديدة لكن على المدى الطويل: “يجب التفكير من الآن في إرساء سياسات تحفيزية على المدى الطويل موجّهة نحو الشباب تستهدف ضرورة تقليص معدّلات البطالة في صفوفهم وضرورة إرساء سياسات تنموية تمييزية لفائدة مناطق وولايات محرومة لتجاوز الهوة الاقتصادية والاجتماعية وتقليص وتيرة الهجرة الداخلية للذكور خاصّة الباحثين عن العمل والتي ساهمت بشكل كبير في تفكيك الأسر التونسية اجتماعيا”، وفق قولها.
التهرّم السكاني: ظاهرة لا رجعة عنها
مقابل تراجع معدّلات الخصوبة وعدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 0 و14 عاما، سجّلت تونس زيادة لافتة في نسبة المسنّين (الأشخاص الذين تجاوز سنّهم الستين عاما)، حيث انتقلت من 11,7% عام 2014 إلى 16,8% عام 2024.


غيّرت هذه المؤشرات اللافتة من هرميّة السكان، في اتجاه تهرّم قاعدي منجر بفعل تقلّص عدد الولادات والشريحة العمرية المترواحة بين 0 وأربع سنوات وتهرّم فوقي بفعل ارتفاع مؤشر الأمل عند الحياة ليناهز الـ 73,9 عاما ممّا ساهم في ارتفاع كتلة الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم الـ 60 عاما نتيجة التطوّر الطبّي وتطوّر الخدمات الصحية.
“ظاهرة التهرّم السكاني هي ظاهرة لا رجعة فيها، بالنظر إلى أنّ الفئة العمرية التي تتراوح بين الـ 15 و59 وهي الفئة النشيطة والتي تمثل نحو الـ 60% من تركيبة السكان في عام 2024، ستخسر نقاط في قادم السنوات لفائدة الشريحة الأكثر من 60 عاما، أكثر ممّا قد تسترجعه من تجدّد الأجيال.”
سناء نقيرة أستاذة الديمغرافيا
يطرح هذا الواقع الجديد تحدّيات كبيرة في علاقة بالخدمات المُسداة إلى كبار السنّ وضرورة سنّ سياسات تتماشى والحاجيات المتزايدة لهذه الفئة العمرية التي تتهدّدها أمراض مزمنة ومستجدّة.
في حواره مع الكتيبة، يقول أستاذ علم الاجتماع لسعد العبيدي، والذي كان من بين المساهمين في إعداد الاستراتيجية الوطنية الموجهة لكبار السن عام 2022، “إنّ الزيادة اللافتة في عدد كبار السنّ مقارنة ببقية الفئات العمرية كما وردت بالإحصاء الأخير، تجاوزت التوقعات والتنبؤات السابقة، وهو ما جلب انتباه جميع المتخصّصين في علوم الاجتماع والديمغرافيا لما له من انعكاسات اقتصادية واجتماعية كبيرة وجب مقاربتها مقاربة سياسية واقتصادية تتماشى والواقع الجديد” وفق تعبيره.
ويستدرك أستاذ علم الاجتماع بطرح تناقض بين المعايير الدولية في تصنيف كبار السن والمعايير التونسية قائلا: “إذا ما اعتمدنا المعايير الدولية التي تُصنّف كبار السن ممن تجاوز سنهم الـ 65 عاما، يمكن أن نقول إنّنا في مأمن نسبي من شبح التهرّم السكاني السريع، لكن بالمعايير التونسية التي تُشير إلى أنّ كلّ من تجاوز الـ 60 عاما يدخل ضمن فئة الشيوخ فالأمر يختلف، وفي كل الأحوال وأخذًا بجميع المؤشرات فنحن نسير فعلا نحو تهرّم سكاني في الحالتين”.
ويُضيف العبيدي أنّ “التجارب المقارنة تُثبت أنه إذا ما اتّجه المجتمع نحو التهرّم السكاني فهي ظاهرة لا رجعة فيها، خاصّة في ظلّ تراجع نسبة الولادات ومعدّلات الخصوبة وارتفاع مؤشر أمل الحياة كما هو الحال في تونس” التي قال إنّها “تسير في هذا الاتجاه لكن بشكل تدريجي وعلى المدى الطويل”, وفق قوله.
” هناك دراسة قام بها صندوق الأمم المتحدة للسكان بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء تنبأت ببلوغ نسبة كبار السنّ بما يتجاوز الـ 21% من التركيبة السكانية وستتجاوز نسبة فئة الأطفال التي تتراوح أعمارهم بين الـ 0 و15 عاما في تونس بحلول سنة 2041 ”
أستاذ التعليم العالي في علم الاجتماع لسعد العبيدي
ويطرح الأستاذ العبيدي إشكالية أخرى في خصوص الزيادة اللافتة في نسبة كبار السن، متّصلة بوجود تهرّم داخل هذه الفئة المتهرّمة بطبعها، مشيرا إلى وجود ارتفاع في فئة كبار السنّ المعمّرين ممّن يتجاوز عمرهم الـ 75 عاما وهذه الفئة تحتاج أكثر من غيرها إلى الرعاية والحماية والتعهد النفسي والاجتماعي والصحّي ممّا يطرح تحدّيات اقتصادية واجتماعية جديدة على الدولة، وفق قوله.
هذه المؤشرات التي تفيد بزيادة لافتة في عدد الأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم الـ 75 عاما، يبدو أنّ وزارة الصحة تلقّفتها وأقرّت إحداث اختصاص طبي جديد بكلّيات الطب يُعنى بطب بالشيخوخة، وفق بلاغ صادر عنها في شهر أوت المنقضي.


تحدّيات إقتصاديّة وإجتماعيّة تنذر بخطر داهم
تعكس هذه التوازنات الديمغرافية الجديدة المسجّلة بآخر تعداد عامّ للسكّان، تحدّيات اقتصادية واجتماعية على حدّ سواء، كما تُشير إلى ذلك معدّلات الإعالة الديمغرافية التي ارتفعت من 18,1 % عام 2014 إلى 28% في عام 2024.
هذا الارتفاع يُظهر أنّ عدد السكان المُعالين من الأطفال وكبار السنّ يصبح أكبر من سنة إلى أخرى مقارنة بعدد السكان في سنّ العمل، ممّا يضع ضغوطًا متزايدة على الاقتصاد والمجتمع التونسي ويقلّل من مؤشر العائد الديمغرافي وبالتالي يحدّ إلى درجة ما في تطوّر نسبة النمو الاقتصادي.
فضلا عن ذلك، ورغم أنّ التركيبة الديمغرافية ما تزال تُسيطر عليها فئة الشباب كما تُشير إلى ذلك آخر الإحصائيات حول متوسط العمر المُقدّر بـ 35 عاما، إلا أنّ هذه الفئة تتهدّدها مخاطر الهجرة بصنفيها النظامي وغير النظامي والبطالة التي لم تتراجع عن مستوى الـ 15% في السنوات الأخيرة.
ورغم نجاح السياسة التعليمية والتكوينية في بعدها الكمّي والتي تتجلّى وتبرز من خلال تطوّر المؤشرات المتصلة بنسبة التمدرس للجنسين في الفئة العمرية 6 – 14 عاما والتي بلغت 97.4 % سنة 2024، وتجاوز نسبة الإناث المتمدرسات في مستوى التعليم الثانوي والعالي نسبة الذكور، إلا أنّ هذه النجاحات لم ترافقها سياسات تعليمية واقتصادية وتنموية متطوّرة.
وفق دراسة لصندوق الأمم المتحدة للسكان “لم تُساهم هذه المؤشرات الكمّية الإيجابية في تنشيط سوق الشغل بالدرجة المرجّوة نظرا إلى عدم تلاؤم محتوى التعليم وأساليبه مع ما يحتاجه السوق من كفاءات واختصاصات. فكانت النتيجة دون المأمول، وبقيت نسبة البطالة في مستويات مرتفعة وتتأرجح بين الـ 14% و17% حتى بعد ثورة جانفي 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي والتي رفعت شعار “التشغيل استحقاق” كمطلب مركزي”.


على مستوى آخر، تُشير معطيات المعهد الوطني للإحصاء، إلى تسجيل حوالي 42% كنسبة عامة للتغطية الاجتماعية للسكان في تونس، أي أنّ أكثر من نصف سكان البلاد لا تغطية اجتماعية لهم، في المقابل تٌشير ذات المعطيات إلى أنّ نسبة التغطية الصحية في مختلف المنظومات الصحية تقارب الـ 80% ممّا يوضّح بشكل جليّ حجم الضغوطات المُسلّطة على المالية العمومية وتزايد العبء الاجتماعي المُسلّط على الدولة بسبب تقلّص كتلة الفئة النشطة اقتصاديا وتقلّص العائد الديمغرافي.
تضع هذه المؤشرات تونس في وضعيّة ديمغرافية مشابهة للدول الأوروبية، لكنّها في ذات الوقت لا تمتلك ذات المقوّمات الاقتصادية لهذه الدول كما يُفسّر ذلك أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية عبد الرحمان اللاحقة في تصريحه لموقع الكتيبة.
ويقول اللاحقة “أنّه مع تزايد ظاهرة التهرّم السكاني، ستتقلّص القوّة العاملة المنتجة في تونس، ممّا يطرح تحدّيات جديدة في السياسات العمومية ذات الصلة بالمنظومات الصحية والدوائية ومنظومات الحماية الاجتماعية وغيرها من المسائل التي تقع على عاتق الدولة خاصّة وأنّ الأخيرة تعرف صعوبات وتقلّصا في حجم مواردها”, وفق قوله.
” التحدّي المطروح على الدولة على ضوء المؤشرات الجديدة، يكمن في كيفية ضمان حياة كريمة لمواطنيها وتوفير الاعتمادات المالية الضرورية لذلك”
أستاذ الإقتصاد عبد الرحمان اللاحقة
وعن تأثر النسق المتصاعد لتهرّم السكان في تونس وتأثيره على منظومات التغطية الاجتماعية، يُشير ذات المتحدّث إلى أنّه من الضروري اليوم التفكير في تنويع مصادر تمويل الصناديق الاجتماعية وإيجاد الحلول الكفيلة بذلك، مبيّنا أنّ الأجراء ضحّوا بالكثير عبر قبولهم بالترفيع في سن التقاعد إلى 62 عاما وعبر المساهمة الاجتماعية التضامنية التي تمّ إقرارها منذ عام 2018.
” هناك إجراءان أخّرا استفحال أزمة الصناديق الاجتماعية في تونس ومنع انهيارها، الترفيع في سنّ التقاعد إلى 62 عاما والاقتطاع التضامني من الرواتب الموجّه للصناديق”
أستاذ الإقتصاد عبد الرحمان اللاحقة
ويختم اللاحقة بالتأكيد على أنّ الصناديق الاجتماعية تعيش أزمة يمكن أن تستفحل حدّ الانهيار، إذا لم تتمّ إعادة النظر فيها بشكل جذري والنظر في مصادر تمويلها ومقاربتها مقاربة على نقيض ما هي عليه اليوم، خاصّة وأنّ القوّة العاملة في تونس تأخذ منحى تنازليا مقابل زيادة لافتة في عدد المتقاعدين وما يسلّطه ذلك من أعباء إضافية.
تكمن أهمية التعداد الدوري للسكان في كشف اختلال السياسات العمومية للدول وتسلط الضوء على مدى تأثير الوضع الاقتصادي على الاجتماعي، حيث تُشير أرقام المعهد الوطني للإحصاء الأخير إلى تزايد لافت في عدد الأسر التي يتركّز نصفها في كلّ من إقليم تونس الكبرى وإقليم الوسط الشرقي- أي الولايات الساحلية (بالتقسيم القديم للأقاليم)-، ممّا يوضّح بشكل جلي حدّية حركة الهجرة الداخلية المدفوعة بالبحث عن موطن شغل وحياة أفضل، وممّا يُسلّط ضغطا عمرانيا كبيرا على هذه المناطق.


تعلّق أستاذة علم الديمغرافيا سناء نقيرة في حوارها مع الكتيبة على حدّية هذه الحركة وانعكاساتها، وتشير إلى أنّ الحرمان الذي تعاني منه ولايات داخلية تزيد من حدّيتها والتي بدورها تؤثّر بشكل واضح على تماسك الأسر التي أصبحت تتّخذ شكلا نواتيا (أسر تتكوّن من شخص واحد) كما تُبرز ذلك الزيادة اللافتة في عددهم مقارنة بتطوّر عدد السكان.
فضلا عن ذلك ووفق الدكتورة نقيرة، تعكس هذه الأرقام الزيادة اللافتة المتعلّقة بعدد الأسر وتقلّص أفراد الأسرة الواحدة إلى مستوى 3,5 فرد لكل أسرة، إلى توجه المجتمع نحو التفكّك الأسري، حيث تُشير المعطيات وفق ذات المتحدّثة إلى زيادة واضحة في عدد الأسر التي تتكون من نفر واحد أو الأسر الشغلية (مجموعة أشخاص لا تربطهم صلة دموية يسكنون نفس المنزل).


ما تُشير إليه أستاذة الديمغرافيا يتجلّى في الأرقام التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء حول عدد المساكن المأهولة وتوزيعها حسب الشكل.
حيث يتّضح بشكل جليّ من خلال معاينة الزيادة لافتة في عدد المساكن المأهولة بشقق العمارات من 7,6% عام 2014، إلى 24,6% في 2024، خاصة في ولايات تونس الكبرى والساحلية، وتراجع نسبة المساكن العائلية التي تتخذ شكل “دار عربي – حوش عربي” من 25% إلى 15% خلال نفس الفترة.
كما تكشف ذات الأرقام المتصلة بالمساكن المأهولة تزايدا في نسبة الفقر مدفوعة بتطوّر عدد المساكن البدائية من 0,4% عام 2014 إلى 0,67% عام 2024.


ومن بين الأرقام التي تُثبت الانخرام الواضح بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وجود ما يناهز الـ 800 ألف مسكن غير مأهول، ممّا يجعل من إجمالي عدد المساكن في تونس يقارب الـ 4,2 مليون مسكن أي بنسبة تطوّر تُقارب الـ 30% مقارنة بما كان عليه الوضع عام 2014، وهي نسبة لا تتماشى وتطوّر عدد الأسر التونسية وفق مختصّين أكدوا أنّ هذه الأرقام تعكس فوضى عمرانية في البلاد في ظل غياب سياسات سكانية وعمرانية موجهة.
على مدى الأشهر القليلة الماضية، وبناء على يفرضه النظام السياسي الجديد في تونس الذي أحدث غرفة تشريعية ثانية تٌعنى بالمخططات التنموية، عكفت المجالس المحلّية على إعداد مخططات تنموية خاصة بمناطقها، تقدّموا بها إلى وزارة التخطيط والاقتصاد التي ستتولّى الأخذ بها في إطار الإعداد للمخطط التنموي الوطني 2026 – 2030 كما أعلنت عن ذلك الوزارة في بلاغ صادر عنها يوم 03 أوت من هذا العام.
يطرح هذا التمشّي في إعداد المخطط التنموي الخماسي القادم لتونس إشكاليات عميقة، ويفضح تواصل غياب التناسق بين مؤسسات الدولة الواحدة.
ففي الوقت الذي لم يكشف فيه بعد المعهد الوطني للإحصاء عن تقاريره التفصيلية المنبثقة عن آخر تعداد عام للسكان والسكنى في تونس، تسير الوزارة المكلّفة بالتخطيط والمجالس المحلية والغرفة التشريعية الثانية بخطى حثيثة لإصدار المخطط التنموي والاقتصادي الذي ستعتمده البلاد في السنوات الخمس المقبلة، ممّا يطرح السؤال حول نجاعة السياسات المقرّر إرساؤها في شتّى المجالات التنموية.
إضافة إلى ذلك، وباستثناء قرار وزارة الصحة المتعلّق بإحداث اختصاص جديد يُعنى بطب الشيخوخة ووجود استراتيجية وطنية موجهة لكبار السن تمّ إعدادها منذ أربع سنوات (أي قبل عملية التعداد الدوري)، لا يظهر تفاعل كبير من قبل أجهزة الدولة مع ما قدّمه المعهد الوطني للإحصاء في خصوص التغيرات الديمغرافية والسكانية للمجتمع التونسي، كما غاب النقاش حول هذه المؤشرات داخل الغرفتين التشريعيتين.
ومن خلال نظرة عامّة حول مواءمة السياسات الاقتصادية والتنموية مع ديمغرافية السكان والتغييرات التي تعرفها، يمكن أن نستخلص من خلال إعادة قراءة تاريخ تونس المعاصر أنّ تونس لم تعرف سياسات سكانية وعمرانية بالمفهوم المتعارف عليه إلا في العقود الثلاث الأولى بعد الاستقلال.
وبصرف النظر عن النتائج والإخفاقات لتلك السياسات كما يقيّمها المتخصّصون، إلا أن السلطة السياسية حينها نجحت في وضع تونس كتجربة رائدة بتحقيق أول انتقال ديمغرافي مقارنة بالدول الافريقية والعربية، كما كان جليّا أنّ الأرقام والمؤشرات الديمغرافية كانت تحظى باهتمام كبير يبرز من خلال إحداث عدّة مؤسسات تٌعنى بالإحصاء على غرار المعهد الوطني للإحصاء ومؤسسات تختصّ بالعمران البشري على غرار ديوان الأسرة والعمران البشري ومؤسسات بحثية على غرار مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية ومعهد الدراسات الاستراتيجية الملحق برئاسة الجمهورية والذين أصبحوا يعانون منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود من أزمات مالية وهيكلية خانقة شُل معها عمل هذه المؤسسات في القيام بالدراسات المتركزة على الأرقام وتحليلها ورفع المقترحات إلى السلطة السياسية.
لمواجهة نقص المعلومات وغياب الأرقام المحينة في عدّة محاور مهمّة، توجه فريق الكتيبة إلى المعهد الوطني للإحصاء مسترشدا عن أرقام تفصيلية في خصوص التعداد العام للسكان والسكنى، إلا أنّ المعهد ما يزال غير جاهز لنشر هذه التقارير وذلك للنقص الفادح في عدد أعوانه مما قد يؤجل نشر التقارير التفصيلية إلى وقت لاحق.
لمواجهة نقص المعلومات وغياب الأرقام المحينة في عدّة محاور مهمّة، توجه فريق الكتيبة إلى المعهد الوطني للإحصاء مسترشدا عن أرقام تفصيلية في خصوص التعداد العام للسكان والسكنى، إلا أنّ المعهد ما يزال غير جاهز لنشر هذه التقارير وذلك للنقص الفادح في عدد أعوانه مما قد يؤجل نشر التقارير التفصيلية إلى وقت لاحق.

الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي




