جبل الرصاص بمرناق: ثروة وطنية تختنق بين براثن “اسمنت قرطاج”

تكشف المعطيات التي تحصّل عليها موقع الكتيبة أنّه مع إحداث المصنع في تلك المنطقة، تضاعف استغلال المقطع وبدأت المساحات المستغلّة فيه تقترب من قمّة جبل الرصاص، لتغيّر شكل الجبل بطريقة جذرية خاصّة من الجهة الخلفية. وأدّى استغلال مساحات جديدة من المقطع إلى خلق تأثيرات لم يكن يشعر بها المتساكنون في السابق. علاوة على ذلك، تسبّب مصنع الإسمنت في أضرار بيئية طالت المائدة المائية وأضرّت بالأشجار الموجودة في الجبل وببعض الزراعات في منطقة مرناق.

جبل الرصاص.. تراث وطني يواجه خطر الاندثار

يقع جبل الرصاص في شمال شرقي الجمهورية التونسية جنوب مدينة مرناق، ويبلغ ارتفاعه 795 مترا. تعود تسمية جبل الرصاص إلى احتواء الجبل على مادتي الرصاص والزنك. وقد تمّ الشروع في استغلال الجبل منذ القدم باعتبار أنّ الحجارة الجوراسية التي يتضمّنها تعود إلى 170 أو 200 مليون سنة، بحسب ما أكده لموقع الكتيبة أستاذ التعليم العالي في الجيولوجيا والجيوفيزياء حكيم قبطني.

يفسّر قبطني أنّ جبل الرصاص موجود في الظهرية التونسية التي يبلغ عمرها تقريبا 200 مليون سنة وهذا النوع من الحجارة موجود كذلك في زغوان. وهي حجارة طباشيرية جودتها عالية ويمكن استغلالها في نشاط المقاطع على سبيل المثال والتي تكون لها مردودية كبيرة من الركام (Granualats).

ولئن كان جبل الرصاص مصدرا لتوفير مادتي الزنك والرصاص منذ القدم، فهو أيضا امتاز بموقع استراتيجي جعل له دورا تاريخيا في بعض معارك التاريخ القديم.

ساهم موقع جبل الرصاص الاستراتيجي في تمكين ملك صقلية أغاتوكلاس من الفوز على خصومه من القرطاجيين والإبقاء على المعسكر الذي أقامه في تونس والاستيلاء على مدينة سوسة وذلك في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، وفق ما ما أفادنا به أستاذ التاريخ القديم والتراث الحبيب البقلوطي.

يواجه جبل الرصاص، الذي يصنّفه البعض ضمن “التراث الوطني”، خطر التآكل والاندثار نظرا إلى استغلاله لاستعمالات عديدة منذ ألفية كاملة.

خلال فترة الاستعمار الفرنسي وعلى مدى 70 عاما، قامت الشركة الفرنسية “بنارويا” (Penarroya Ltd) باستغلال الجبل لتخلّف لدى مغادرتها حوالي 2 مليون طن من بقايا الغبار الناعم المخصب بمادتي الكادميوم والرصاص، وهما مادتان سامتان، على مسافة قريبة من قرية جبل الرصاص، بحسب دراسة بعنوان “غير مرئي غير مسموع: رسم خرائط التصورات المحلية للمخاطر البيئية في سهل مرناق وجبل الرصاص”، نُشرت في ماي/ أيار 2020.

دراسة “غير مرئي غير مسموع: رسم خرائط التصورات المحلية للمخاطر البيئية في سهل مرناق وجبل الرصاص”

في السياق نفسه، تبرز دراسة بعنوان “تقييم المخاطر الصحية للتعرّض البشري عن طريق الابتلاع المباشر للغبار الحامل للرصاص والكادميوم والزنك في قرية عمال المناجم السابقة بجبل الرصاص”، الصادرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2010، أن تعرّض سكان قرية جبل الرصاص لمادة الرصاص عن طريق الابتلاع المباشر للغبار الملوّث يمثّل مخاطر صحية لكلّ من البالغين والأطفال وإن كانت بنسبة أعلى للأطفال.

دراسة تقييم المخاطر الصحية للتعرّض البشري عن طريق الابتلاع المباشر للغبار الحامل للرصاص والكادميوم والزنك في قرية عمال المناجم السابقة بجبل الرصاص

لم تنته معاناة متساكني قرية جبل الرصاص مع مغادرة الشركة الفرنسية، إذ تواصل استغلال المقطع لسنوات قبل أن يتمّ إحداث مصنع الإسمنت الذي تسبّب في أضرار إضافية للمنطقة، علما أنّ إنشاء المصنع في منطقة جبل الرصاص مثّل مخالفة تخفي وراءها قصّة عقود طويلة من فساد الدولة.

في 13 جوان/ حزيران 2006، توجّه رجل الأعمال لزهر سطا بمراسلة إلى وزير الصناعة آنذاك يعلمه فيها برغبته في تأسيس شركة إسمنت بالشراكة مع شركة ألمانية بطاقة إنتاج تبلغ مليون طن.

يبيّن كلّ من تقرير اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد لسنة 2011 والتقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة الصادر في 2018، الإخلالات التي صاحبت إحداث شركة إسمنت قرطاج وكيفية تراجع لزهر سطا عن مشروع شراكته مع الشركة الألمانية نتيجة خوفه من شقيق زوجة بن علي، بلحسن الطرابلسي، الذي أملى عليه التخلي عن الشريك الألماني على أن يُنجزا المشروع مناصفة بينهما وفق ما ورد في التقرير المذكور.

وخلصت هيئة الحقيقة والكرامة في تقريرها الختامي إلى أنّ مسار إحداث شركة إسمنت قرطاج شابته خروقات لأحكام فصول من مجلّة الشركات التجارية، بالإضافة إلى مخالفة أحكام من قانون 2003 المتعلّق بمكافحة الإرهاب وجريمة غسل الأموال، إلى جانب خرق أحكام الفصل 74 من القانون عدد 65 لسنة 2009 المتعلّق بسلامة الأسس المالية للشركات.

مسؤولية مجتمعية غائبة

إبان الثورة التونسية، تمّت مصادرة الأسهم التي كانت تابعة لبلحسن الطرابلسي في شركة إسمنت قرطاج. وتأخر إنجاز المصنع إذ لم يتمّ الانتهاء من بنائه إلاّ في سنة 2013 من قبل شركة تركية، لينطلق في الإنتاج بشكل رسمي عام 2014، وهو اليوم ينتج، بحسب الموقع الإلكتروني الرسمي لشركة إسمنت قرطاج، 2.2 مليون طن من الإسمنت سنويا.

الموقع الالكتروني لشركة إسمت قرطاج

تتمتّع شركة إسمنت قرطاج بمكانة رائدة في السوق التونسية إذ ارتفع رقم معاملاتها الجملي سنة 2021 بـ29% ليمرّ من 253 مليون دينار في 2020 إلى 326 مليون دينار في 2021، وفق ما صرّح به المدير العام للشركة إبراهيم الصانع خلال جلسة إفصاح مالي للكشف عن القائمات المالية وتقرير نتائج التصرّف الخاصة بنشاطها في 2021.

وحقّقت الشركة أرباحا صافية إيجابية في 2021 بلغت 31,5 مليون دينار مقابل 19,3 مليون دينار في 2020.

يعدّ مصنع الإسمنت التابع لشركة إسمنت قرطاج أكبر وحدة إنتاج في شمال إفريقيا، علاوة على أنه المصدّر الأول للإسمنت مقارنة بمصانع الإسمنت الـ8 الناشطة في تونس، وفق ما أكده إبراهيم الصانع لموقع الكتيبة.

تزعم إسمنت قرطاج في موقعها الإلكتروني أنّها “تساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكامل منطقة مرناق والضواحي الجنوبية لتونس العاصمة”.

مزاعم فنّد صحّتها رئيس بلدية مرناق (قبل قرار حلّ المجالس البلدية) عمر الحرباوي الذي أكّد لموقع الكتيبة أنّ الشركة لا تدفع الأداء على المعلوم على المؤسسات ذات الصبغة الصناعية أو التجارية أو المهنية لفائدة البلدية والذي لا تتجاوز قيمته 0.2% من رقم المعاملات الذي تحقّقه، مبيّنا أنّ الشركة كانت في البداية تقول إنّها خاسرة ومن ثمّ قدّمت له وثائق كي تدفع 50% من قيمة الأداءات.

بعد عدّة مراسلات وجّهها عمر الحرباوي إلى شركة إسمنت قرطاج أصبحت تدفع 80% من قيمة المعلوم المذكور إلا أنها مؤخرا لم تدفع أي ملّيم للبلدية. ويضيف الحرباوي قائلا:

مصنع الإسمنت الذي ينتج 140 ألف كيس إسمنت في اليوم الواحد لا يدفع مليما واحدا لفائدة بلدية مرناق في حين أنه يدفعها في أماكن أخرى.

ويشير محدثنا إلى أنّه كان قد طلب منذ 2021 من شركة إسمنت قرطاج المساهمة في تزفيت (تبليط) نصف منتزه في منطقة مرناق إلا أنه لم يتلق أي ردّ، مبرزا أنّ الأمر الوحيد الذي تقوم به الشركة هو تقديم بعض مواد التنظيف والدهن لفائدة عدد من المدارس بالمنطقة، رغم أنّ القانون يجبر المصانع على الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية.

وتابع قائلا إنّ الجميع يحسد مرناق على وجود مصنع الإسمنت في أراضيها في حين أنّ هذا الأخير لم يقدّم أي إفادة للجهة بل إنّ آثاره السلبية أكبر من الإيجابيات التي يقدّمها، وقد تسبّب في أمراض صدرية للمتساكنين فضلا عن تأثيراته السلبية على البيئة في جبل الرصاص والقرى المحيطة به بشكل خاص ومنطقة مرناق بشكل عام، حسب تعبيره.

في المقابل، يقول مدير عام شركة إسمنت قرطاج إبراهيم الصانع في تصريح لموقع الكتيبة، إنّ شركة إسمنت قرطاج تقوم بصيانة مدارس وتوفير مستلزماتها، إضافة إلى تولّيها إحداث ملاعب في قرى محيطة بمصنع الإسمنت.

وأضاف الصانع أنّ ما يزعج الناس هو أنّ الشركة لا تقدّم أموالا كما يريدون، بل تقدّم مساعدات عينية، قائلا “نحن لسنا سلطة، نحن نقدّم مساعدات في حدود ما هو ممكن بينما السلطة هي من تقدّم إعانات”.

وزعم أنّ رئيس بلدية مرناق المنتهية ولايته عمر الحرباوي لم يطلب منه المساعدة في تزفيت (تبليط) نصف منتزه، بل أحضر له ملفا لإحداث مستودع بلدي قيمته 2.5 مليون دينار، مجددا القول إنّ شركة إسمنت قرطاج لا تقدّم أموالا بل مساعدات عينية وإنها لا تعوّض السلط.

تجدر الإشارة إلى أنّ المراسلة التي اطّلع عليها موقع الكتيبة تضمّنت طلب مساعدة في تزفيت (تبليط) منتزه بمنطقة مرناق.

وفيما يتعلّق بعدم دفع شركة إسمنت قرطاج الأداء على المؤسسات الصناعية لفائدة بلدية مرناق، قال إبراهيم الصانع إنّ هناك نزاعا في الموضوع بين القابض البلدي وإدارة المؤسسات الكبرى في البحيرة أين يوجد مقرّ إسمنت شركة قرطاج.

وتنصّ مجلّة الجباية المحلّية، في فصلها 38، على أنّه في حالة المؤسسات ذات الصبغة الصناعية أو التجارية أو المهنية التي يمتدّ نشاطها إلى عدّة جماعات محلّية يتمّ توزيع المعلوم بين الجماعات المحلّية المعنية على أساس المساحة المغطاة لكلّ مركز أو فرع كائن بمنطقة كلّ جماعة محلّية.

مجلّة الجباية المحلّية

وفي صورة تعذّر توزيع المعلوم على المؤسسات ذات الصبغة الصناعية أو التجارية أو المهنية طبقا لأحكام الفقرة الفرعية أعلاه يتم التوزيع باعتماد مقاييس تضبط بمقتضى أمر.

تصريحات مدير عام شركة إسمنت قرطاج إبراهيم الصانع بخصوص المساعدات التي تقدّمها الشركة لفائدة القرى المحيطة بمصنع الإسمنت والمقطع، نفى صحّتها عدد من متساكني قرى جبل الرصاص الذين أكدوا أنّ الشركة قامت بتعبيد طريق في منطقة “حي الطيران” بعد شكاوى عديدة لمواطنين هناك. أمّا عن الملاعب، يقول السكان الذين التقاهم موقع الكتيبة إنّ المسألة تتعلّق بوضع حجارة في بطحاء لا يمكن وصفها بالملاعب.

ويقول أحد متساكني قرية الرصاص إنّ شركة إسمنت قرطاج لم تقدّم أي شيء للجهة باستثناء الغبار والتفجيرات.

تطبيع مع التلوّث

يفيد تقرير أعدّته مجموعة من الخبراء ضمن الوكالة الوطنية لحماية المحيط سنة 2015، تحصّل موقع الكتيبة على نسخة منه، أنّ نسبة بيروكسيد الهيدروجين وكذلك من الغبار المنبعث من المصنع تتجاوز الحدود القصوى التي نصّ عليها الأمر عدد 2519 لسنة 2010 المتعلّق بضبط الحدود القصوى عند المصدر لملوثات الهواء من المصادر الثابتة.

الأمر عدد 2519 لسنة 2010

في هذا الصدد، يوضّح المهندس البيئي والناشط المهتم بقضايا المناخ والطاقات المتجدّدة، حمدي حشاد، أنّ نسبة بيروكسيد الهيدروجين المنبعثة من مصنع الإسمنت بجبل الرصاص تتجاوز النسب المعمول بها بحوالي 30 أو 40%.

ويضيف حشاد أنّ نسبة الغبار الجملي التي يصدرها المصنع تتجاوز الأمر الصادر في 2010 الذي ينصّ على أنه يجب ألا تتجاوز نسبة الغبار الجملي الذي يُطلق يوميّا 20 مغ/ متر مكعّب في حين سجّلت نسبة الغبار المنبعث من مصنع الإسمنت التابع لإسمنت قرطاج 27 مغ/ متر مكعّب.

تجدر الإشارة إلى أنه تمّ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إصدار الأمر الحكومي عدد 928 لسنة 2018 وهو يتعلّق بتنقيح وإتمام الأمر عدد 2519 لسنة 2010، والذي وقع بموجبه تغيير الحدود القصوى عند المصدر لملوثات الهواء من المصادر الثابتة.

الأمر عدد 928 لسنة 2018

يستغرب حمدي حشاد صدور هذا الأمر في 2018 والذي نصّ على الترفيع في نسبة الغبار المنبعث من مصانع الإسمنت من 20 إلى 30 مغ/ متر مكعّب، معتبرا أنّ هذا الأمر ليس بريئا وكأنه وقع التطبيع مع التلوث ومنحه صبغة قانونية وهو ما يمثّل احتواء قانونيا للتلوث.

هناك تطبيع مع آليات الغسيل الأخضر لتبييض صورة المؤسسات المنتجة للأسمنت.

ويبيّن حشّاد أنّه من المفترض أن يقع التوجه نحو التخفيض في هذه الأرقام للحفاظ على البيئة لا الترفيع فيها، مشيرا إلى أنّ “الاستثمار في مصانع الإسمنت في العالم بات يُوصف بالاستثمارات الشيطانية” وأنّ العديد من الدول أصبحت تمنع مثل هذا النشاط على غرار لوكسمبورغ التي باتت بيئة طاردة لهذه الشركات. وأصبحت المؤسسات الناشطة في هذا المجال تصدّر مشاكلها إلى خارج حدود بلدانها وتلجأ إلى الاستثمار في دول تضعف فيها الرقابة.

ويضيف أنّ هناك مسألة بدأ التطبيع معها للأسف وهي آليات الغسيل الأخضر للمؤسسات الناشطة في مجال إنتاج الإسمنت والمتمثلة في تبييض صورة هذه الشركات من خلال منح أو هبات أو ما يسمّى بـ”المسؤولية المجتمعية” التي تقدّمها هذه الأخيرة مقابل التلوّث الذي تتسبّب فيه للمناطق التي تنتصب فيها مصانع الإسمنت.

يبرز تقرير الوكالة الوطنية لحماية المحيط كذلك ارتفاعا في تركيبة الغبار من الانبعاثات في حدود 79%، وهو رقم يرى حمدي حشّاد أنّه مرتفع وهو أعلى قليلا من نسب أخرى مسجّلة في مصانع أخرى على الأقل في المستوى المقبول لمعايير الهواء الأوروبية أو حتى الوطنية.

“سكان الجهة لا ينتفعون بأي شيء من المصنع والمقطع باستثناء الغبار والمنازل المهدّدة بالسقوط”.

يوضّح حشاد أنّ الهواء يكون محمّلا بجزيئات غبار صغيرة جدّا يمكن أن يصل مدى انتشارها بفعل الريح ونظرا إلى خفة وزنها إلى مسافات بعيدة جدّا، الأمر الذي ستكون له تأثيرات سلبية على الأشجار المحيطة بالمصنع وأيضا على الضيعات الفلاحية الموجودة في المنطقة ويمكن أن يقضي عليها.

في كلّ مرّة تكون فيها الرياح عالية، تقوم بنقل جسيمات الغبار صغيرة الحجم التي ينتهي بها المطاف داخل مسام الأشجار والنباتات، ما يؤدي إلى اختناقها، والمسألة الوحيدة التي قد تنقذ الموقف هو هطول متكرّر للأمطار، إلا أنه بسبب التغيّرات المناخية خلال السنوات الأخيرة أو حتى في المستقبل لن تكون هناك كميات هائلة من الأمطار، الأمر الذي يمثّل “حكم إعدام” على الأراضي الفلاحية المحيطة بموقع المصنع، على حدّ قول حشاد.

ولئن يمثّل هذا الغبار خطرا على آلة الإنتاج الفلاحي أي الأشجار والنباتات الفلاحية والزراعات في منطقة مرناق على المدى القصير، إلا أنه يتسبّب على المدى الطويل في تلوّث التربة ويكون ذلك تدريجيا بجرعات خفيفة جدّا قد لا يكون لها تأثير على الأمد القصير لكنها بعد مرور مدّة طويلة يؤدّي تَكثّف كميات من ذلك الغبار الى اختناق التربة، ما يجعلها بعيدة عن جودة الإنتاج التي كانت تتمتّع بها والتي كانت ميزة تاريخية لتلك الأراضي.

جبل الرصاص يحتضر بين الغبار والتفجيرات

أثبتت جولة لموقع الكتيبة في جبل الرصاص ولقائه عددا من متساكني القرى المحيطة بالجبل أنّ متساكني الجهة بدأوا منذ سنوات يعانون ويلات المخلّفات السلبية لكلّ من مصنع الإسمنت والمقطع التابعين لشركة إسمنت قرطاج.

يتحدّث سمير (اسم مستعار)، وهو فلاح وصاحب أرض فلاحية قريبة من جبل الرصاص، بلهجة جمعت بين الأسى والشعور بالعجز، عن الخسائر التي تعرّض لها في السنوات الأخيرة.

خسر سمير كل أشجار العنب التي تمتدّ على مسافة 4 هكتارات رغم محاولاته مداواتها واستعمال أسمدة لإنقاذها. حتى أشجار الزيتون التي قام بغرسها بصدد الموت وأصبحت أوراقها صفراء وتراجع منتوجها من الزياتين بشكل كبير.

يؤكد محدثنا أنّ النباتات والزّرع والأشجار تضرّرت من المصنع من الأغبرة التي يطلقها المصنع خصوصا أثناء الليل.

يُجمع العديد من المواطنين القاطنين في قرية جبل الرصاص التي تبعد عن مصنع الإسمنت مسافة لا تتجاوز الكيلومتر الواحد، والذين تحدّث معهم موقع الكتيبة، على تضرّرهم من الغبار المنبعث من المصنع.

يفيد كلّ من تحدثنا إليهم بأنّ مصنع الإسمنت يقوم كلّ ليلة ببثّ كميات كبيرة من الغبار ليستيقظوا صباحا على كميات من الغبار تغزو أسطح سياراتهم ومنازلهم وتنتشر فوق أوراق الأشجار والنباتات.

يروي أمين (اسم مستعار)، وهو شاب يقطن في قرية جبل الرصاص، أنّه في إحدى المرّات صدر من المصنع غبار كثيف جدّا لدرجة أنّ المتساكنين اعتقدوا في الوهلة الأولى أنّه ضباب، مشيرا إلى أنّ من يقوم بنشر غسيله ليلا يستيقظ في اليوم الموالي ليجده مغطى بالغبار.

من جهته، يقول كمال المرغني، أحد متساكني قرية جبل الرصاص، إنّ سكان الجهة لا ينتفعون بأي شيء من المصنع والمقطع باستثناء الغبار والمنازل المهدّدة بالسقوط وجمال الجبل الذي لم يعد موجودا، مبرزا أنّ لون الجبل لم يعد أخضرا بل بات أحمرا جرّاء الغبار.

ويفيد أنّ السبب في إطلاق الغبار من المصنع ليلا هو عدم قيام شركة إسمنت قرطاج بصيانة المرشحات (الفلاتر) التي يجب أن تتغيّر بشكل دوري.

يُجمع عديد سكّان الجهة، كذلك، على أنه تمّ خلال السنوات الأخيرة تسجيل عدة حالات ولادات لأجنّة مشوّهين أو حاملين لإعاقة ذهنية، فضلا عن إصابة عدد هام من الأطفال بحساسية في عيونهم. ويربط السكّان بين تلك الوضعّيات وبين ما سبق الاشارة اليه من تلوّث.

في هذا الإطار، يقول المهندس البيئي حمدي حشاد إنه بالاعتماد على شهادات السكان حول كثافة الدخان الذي يتمّ إطلاقه ليلا، يتبيّن أنّ شركة إسمنت قرطاج لا تستثمر في آليات تنقية الهواء قبل إطلاقه في الوسط الطبيعي.

ويوضّح أنّه في دراسة الأثر أو الجدوى البيئية التي تعدّها مصانع الإسمنت يتمّ التطرّق إلى اتجاه الريح ويكون عادة حيث لا توجد تجمّعات سكانية قريبة من تلك المنطقة. ويتمّ في العادة إطلاق الأدخنة المحمّلة بالغبار يكون في أوقات الذروة، والتي تكون ليلا باعتبار أن شدّة الرياح تنخفض في الليل مع انخفاض منسوب درجة الحرارة.

لكن في بعض الأحيان، تتغيّر اتجاهات الرياح ممّا يجعل اتجاه الغبار يتحوّل نحو مناطق سكانية أو مناطق إنتاج وبالتالي من الطبيعي أن يلاحظ المتساكنون تلك التراكمات من الغبار، بحسب المتحدث ذاته.

بالاعتماد على شهادات السكان حول كثافة الدخان الذي يتمّ إطلاقه ليلا، يتبيّن أنّ شركة إسمنت قرطاج لا تستثمر في آليات تنقية الهواء قبل إطلاقه في الوسط الطبيعي.

يشير حشاد كذلك إلى أنّ مواطنين في الفلبين كانوا قد رفعوا قضايا ضدّ مصنع إسمنت وأثبتوا بتقارير طبية مسؤولية مصانع الإسمنت على حالات اختناق مواطنين والتسبّب في حالات أمراض تنفسية وتشوّه الأجنة وحالات ولادة مبكرة، وهو ما يثبت شهادات متساكني قرية جبل الرصاص.

من جهته، قال مدير عام شركة إسمنت قرطاج إبراهيم الصانع إنّ مصنع الإسمنت في جبل الرصاص حديث ونسبة الغبار من الانبعاثات لا تمثل إلا 0.020 Nm3 أي ما يعادل 1/7 من الانبعاثات الجملية في تونس والبالغة 150 مليار/ متر مكعب.

واعتبر أنّ الحديث عن إطلاق انبعاثات فيها غبار من مصنع الإسمنت كلّ ليلة “حديث غير مهني وغير صحيح”، مبيّنا أنّ المرشحات (الفلاتر) تمثل منشأة في حدّ ذاتها وتحتلّ مساحة تبلغ 4500 متر مربّع. وفي حال توقفت المرشحات نتيجة انقطاع للكهرباء فيتوقف مصنع الإسمنت عن العمل آليا، وفق قوله.

وأضاف الصانع أنّ:

يتوقّف مصنع الإسمنت عن العمل مرّتين سنويا للقيام بالتفقد والصيانة، فضلا عن رقابة وزارتي البيئة والتجهيز والإسكان .. وهو يمتلك شهادة مطابقة للمواصفات الأوروبية، الأمر الذي يجعله محلّ عمليات تفقد فجئية.

وكانت إدارة شركة إسمنت قرطاج قد أرسلت إلى الكتيبة نسخة من شهادة المطابقة للمواصفات الأوربية. بالتثبت في موقع منظمة “أينور” (Aenor) الإسبانية التي منحتهم الشهادة المذكورة، تبيّن أنّ هذه الأخيرة تهمّ مواصفات الإسمنت الذي ينتجه مصنع إسمنت قرطاج، لا المعايير التي ينبغي احترامها خلال عملية الإنتاج.

بالنسبة إلى المعيار المذكور في شهادة مطابقة المواصفات الأوروبية، “EN 197 -1:2011″، فهو معيار أوروبي يحدّد مواصفات 27 نوعا من أنواع الإسمنت الشائعة المتميّزة، و7 أنواع من الإسمنت العادي المقاوم للكبريتات، إلى جانب 3 أنواع من الإسمنت ذات القوة المنخفضة في الفرن عالي القوة ونوعين من الإسمنت المقاوم للكبريتات منخفضة القوة للأفران ومكوناتها.

كرّر إبراهيم الصانع في حديثه مع موقع الكتيبة أنّ “مصنع الإسمنت حديث ومطابق للمعايير الدولية إلا أن بعض الإشكاليات تحدث أحيانا كانقطاع الكهرباء أو هبوب رياح”.

لا تمثّل الانعكاسات السلبية لمصنع الإسمنت الإشكال الوحيد الذي يعاني منه متساكنو جبل الرصاص ومرناق، إذ عاين فريق الكتيبة الذي تنقّل إلى جبل الرصاص أضرارا في منازل قرية جبل الرصاص وفي الجبل ذاته نتيجة أشغال المقطع التابع لشركة إسمنت قرطاج.

يخضع استغلال المقاطع للقانون عدد 89 لسنة 1989 إلى جانب قرار صادر في 31 ماي/ أيار 1990 يتعلّق بتنظيم استغلال المقاطع. ويتمّ تجديد رخصة استغلال المقاطع كلّ 5 سنوات.

يؤكد متساكنو جبل الرصاص أنّه في السابق كانت التفجيرات في المقطع تقع مرّتين في الأسبوع، إلا أنّها اليوم تقع 3 مرّات أسبوعيا، أيام الاثنين والأربعاء والجمعة، بين الساعة الثانية والنصف والثالثة بعد الظهر. فضلا عن ذلك، فقد أصبح استغلال المقطع بالتفجيرات يتمّ في قمة الجبل بعد أن كان يتمّ سابقا في سفح الجبل.

يقول يوسف، وهو قاطن في أحد سفوح جبل الرصاص، إنّ الجبل تشقّق من الأعلى إلى الأسفل من قوّة التفجيرات، مؤكدا أنّ المتساكنين لم يعودوا قادرين على التجوّل في الجبل أو على تربية الماشية فيه.

وتؤدي التفجيرات وفق شهادات متطابقة إلى تساقط الحجارة من الجهة التي تقع فيها المنازل في قرية جبل الرصاص وباتت تقترب من الأحياء.

يشير متساكنون بالجهة كذلك إلى اتّساع شقّ موجود في الجبل إلى درجة أنّه بات يمرّر سيارة. كما لاحظ كلّ من المتساكنين، علاوة عن عدد من متسلّقي الجبال المعتادين على التنزه في جبل الرصاص، أنّ هناك مسلكا كان مخصّصا لتسلّق الجبل قد اختفى تماما نتيجة الاستغلال المفرط للمقطع والتفجيرات التي تقع على مقربة من قمة جبل الرصاص.

يصف كمال المرغني ما يحدث عندما يقع تفجير الديناميت في المقطع قائلا:

من شدّة قوة التفجير نشعر أن رجّة أرضية وقعت في المنزل إذ يرتعش كامل البيت والأبواب والنوافذ.. إنّها رجّة أرضية بما للكلمة من معنى”.

بدوره، يستذكر عبد القادر المرغني، وهو أيضا من متساكني قرية جبل الرصاص، حادثة وقعت منذ ما يزيد عن السنة عندما تمّ تفجير كميات كبيرة من الديناميت إلى درجة جعلت كامل أفراد الحي يشعرون بالفزع ويغادرون منازلهم خوفا من أن تسقط فوق رؤوسهم.

وأضاف المرغني، الذي كان قد عمل في مصنع الإسمنت لمدة 6 سنوات، أنّه خلال التفجير يقع تجاوز الكميات المرخّص بها من المتفجرات وأنهم في كلّ مرّة يفجرون 3 طن ونصف من الديناميت، قائلا “في أحد الأيام سيسقط الجبل من هذه الناحية”.

“ليس من المستبعد أن يختفي سفح جبل الرصاص”

يبيّن محمد، ابن قرية جبل الرصاص والناشط في مجال السياحة البديلة، أنه عندما أصبحت شركة إسمنت قرطاج من أكبر مصدّري الإسمنت في تونس، بات استغلال موارد المقطع فاحشا وأصبح الاعتماد أكثر فأكثر على كميات أكبر من المتفجرات.

ويبرز محمّد أنه عندما بدأ الشروع في استغلال قمة الجبل من خلال التفجير أصبحت الحجارة تسقط بشكل دائم وتحول الأشجار دون وصولها إلى منازل السكان، مبديا تخوّفه من أن يؤدي هذا الاستغلال الفاحش لموارد المقطع إلى انهيار جبل الرصاص خاصة أنه فارغ من الداخل ويحتوي على عدّة أنفاق.

ويؤكد محدّثتنا أنّ ممارسة التنزه والتسلّق وغيرها من الرياضات الجبلية لم تعد ممكنة في إحدى جهات الجبل نتيجة اختفاء المسلك الذي كان يقع اعتماده، ولم يعد التنزه في الجبل ممكنا إلا من جهة واحدة وهي الجهة الأمامية التي مازال من الممكن استغلالها لمثل هذه الأنشطة.

يخشى محمد كذلك من أن تختفي أشجار غابات جبل الرصاص نتيجة قوة التفجيرات والصخور التي تتساقط بشكل متكرّر، مشددا على أنّ الخطر الداهم اليوم لم يعد الغبار المنتشر من المصنع أو من المقطع بل بات الغبار هو الخطر الحاصل، أما الخطر الداهم فهو سقوط جبل الرصاص.

من جانبه، يؤكد أمين (اسم مستعار)، وهو شاب يقطن في قرية جبل الرصاص ويعمل بإحدى المؤسسات المنضوية تحت شركة إسمنت قرطاج، أنّ التفجير بات يحصل على مستوى قمة الجبل وهو ما يجعل الحجارة تتساقط من الناحية التي توجد فيها الأحياء السكنية.

يوضّح أستاذ الجيولوجيا والجيوفيزياء حكيم القبطني أنّ المقاطع لديها مساحة معيّنة يتمّ استغلالها وسمك معيّن، وأنّه من الطبيعي أن يكون الاستغلال من الأسفل نحو الأعلى لأنّ النزول إلى أسفل يعني الوصول إلى المائدة المائية.

ويستدرك بالقول إنّ تغيير مستوى الاستغلال خاصة عند استعمال المتفجرات يستوجب أن تكون هناك متابعة للدراسات، مبينا أنّه من الطبيعي أن تتغيّر تأثيرات التفجيرات لأنّ المستوى المُستغلّ ليس نفسه وقد تختلف فيه التصدعات.

تمثّل التفجيرات موجات زلزالية صغيرة تقع بعد التفجير ويختلف تأثيرها من منطقة مستغلّة إلى أخرى، الأمر الذي يستدعي دراسة متابعة باعتبار أنّ الدراسة الأولية تتعلّق بمنطقة الاستغلال الأولى (في سفح الجبل)، إلا أنّ الاستغلال في منطقة أكثر علوّا تنتج عنه تأثيرات مختلفة، لذلك يشعر المتساكنون بارتجاجات لم يشعروا بها في السابق وفق ما أفادنا به مصدرنا العلمي.

لم يستبعد أستاذ الجيولوجيا أن يختفي سفح جبل كامل مذكرا أنّ هناك مناطق كاملة كانت موجودة في الخريطة الجيولوجية لم تعد موجودة حتى أنّ جبل “قلب سعدمون” في جهة سجنان من ولاية بنزرت، والذي كان عبارة عن منطقة جيولوجية نادرة تتمثل في بركان قديم، وقع استغلاله بشكل كامل ولم يعد هذا الجبل موجودا.

يشير القبطني إلى أنه يكون عادة للمقاطع والمصانع انبعاثات يتمّ توجيهها نحو وادي “حمى” القريب من جبل الرصاص، الأمر الذي يؤثر على ملوحة المائدة المائية خاصة السطحية، علما أنّ جهة وادي “الحمى” هي منطقة زراعية وبها عدّة آبار تستغلّ المائدة المائية هناك.

تكشف دراسة صدرت في جانفي/ كانون الثاني 2022 بعنوان “تأثير إعادة تغذية الخزان الجوفي البشري المنشأ على موارد المياه الجوفية في السهول الزراعية في شمال شرق تونس: مقاربات من المتتبعات الجيوكيميائية والطرق الجيوفيزيائية”، أنّ مصنع الإسمنت الذي يستغلّ مقطع جبل الرصاص يفرغ مياه مستعملة بملوحة تبلغ 16.5 غ/ اللتر الواحد في وادي الحمى من خلال أنبوب للصرف الصحي. هذه النفايات قد تؤثر بشكل كبير على جودة المياه الجوفية في هذه السهول وفق الدراسة ذاتها.

علاوة على ذلك، تتسبّب التفجيرات في انبعاث كميات كبيرة من الغبار التي تنتشر على مسافات طويلة وتغطي أشجار غابات جبل الرصاص. يقول المهندس البيئي حمدي حشاد، في إطار تعليقه على بعض الصور التي تحصّلنا عليها خلال التفجيرات التي تقع في المقطع، إنّ كمية الغبار والمسافة التي يقطعها في السماء تتجاوز 100 متر.

يلفت حشاد النظر أيضا إلى منطقة تخزين الحجارة في تلك المنطقة والتي تتمّ في الهواء الطلق، إلا أنّ ما ينقص هو تبريدها بالمياه مرّتين على الأقل كي لا ينتشر الغبار إلى الغابات والأراضي الفلاحية المحيطة بالمصنع والمقطع.

موقع الكتيبة اطّلع كذلك على مقطع فيديو تظهر فيه قطع ديناميت تركها عمال المقطع دون حماية، وهو ما يمثّل خطرا على حياة كلّ من يمرّ من هناك، سواء كان من المتساكنين أو من رعاة الماشية أو من الزائرين الذين يتجوّلون في الجبل.

في المقابل، تقول مديرة المقاطع بوزارة التجهيز والإسكان، نهال قرميط، إنّ مساحة المقطع الذي تمتلك شركة إسمنت قرطاج رخصة استغلاله تبلغ 218 هكتار، مبينة أنّ الشركة لها الحق في استغلال المقطع في الأعلى لأنها تحتاج إلى مادة الحجارة الكلسية والحجارة المارنية وهما يوجدان في الأعلى.

وتردف بالقول إنه رغم ذلك لا يمكن للشركة أن تصل إلى خط القمة وإنها لا تعلم ما إذا كانت المساحة المستغلّة في القمة تندرج ضمن المساحة المرخّص لها أم لا، مضيفة أنه لا بد أن تقع معاينة المكان للتأكد مما إذا كان هناك مخالفة من عدمها.

وتبرز مديرة المقاطع بوزارة التجهيز والإسكان أنّ إدارة المقاطع لم تتلقّ أي شكايات من المتساكنين المتضرّرين من المقطع والتفجيرات، مؤكدة أنه في حال ورود أي شكاية ستتحرّك مصالح الوزارة للتثبت منها واتخاذ الإجراءات الضرورية إذا ثبت وجود مخالفة.

لدى عرض فيديو لجبل الرصاص عبر تطبيق “غوغل أيرث” عليه أكّد أستاذ الجيولوجيا حكيم القبطني أنه بناء على الفيديو والصيرورة التاريخية لصور غوغل إيرث، فإنّ الاستغلال أو منطقة التدخّل المؤثرة على تضاريس جبل الرصاص قد بلغت ذروتها.

وأضاف أنّ جبل الرصاص جيولوجيًّا هو طيّة متداخلة ومنحنية على طول محورها ومن الواضح أن النقطة الأعلى طوبوغرافيا، أو ما يُعرف بذروة الطيّة، قد اهترأت بشكل جليّ على مستوى الحافة.

ردّا على سؤال حول اختفاء مسلك من جبل الرصاص نتيجة استعمال المتفجرات، قال إبراهيم الصانع مدير عام شركة إسمنت قرطاج، إنّ المسلك المذكور موجود داخل المقطع الذي تملكه شركة إسمنت قرطاج، مبديا استنكاره لاختيار مسلك موجود داخل المقطع المستغلّ الذي تقع فيه عمليات تفجير للتنزه في حين أنّ الجبل به مساحات واسعة آمنة يمكن التجوّل فيها دون التعرّض إلى إمكانية الإصابة نتيجة التفجيرات.

ويذكّر أنّ مساحة المقطع الخاص بالشركة والتي تبلغ 218 هكتار لم يقع استغلالها كاملة بعدُ وأنّ المقطع مازال قادرا على توفير الحجارة لمدة الـ50 سنة القادمة، مشيرا إلى أنّ عمليات التفجير لا تقع بطريقة اعتباطية وإنما هي مدروسة وتخضع لقوانين وتراتيب وتراخيص وتقوم وحدات أمنية بمرافقة هذه العمليات.

وأضاف أنّ الشركة حاليا بصدد تركيب منشأة للسقي الآلي في المقطع الخاص بها في جبل الرصاص كي تحدّ من انتشار الغبار عندما تكون هناك رياح وأنّ هناك إجراءات وجوبية للحد من الغبار، قائلا “لا يمكننا القول إنّ الرياح لا تهبّ أو أنه لا يوجد غبار وإن الكهرباء لا تنقطع ولكن هناك مبالغة والغبار ليس منتشرا كما يُشاع.. هناك مبالغة”.

بالنسبة إلى مسألة تلويث المياه، قال الصانع إنه “كان من المفترض أن يقع تزويد المقطع بالماء الصالح للشراب إلا أن ذلك لم يقع، وإنه تمّ إحداث بئر عميقة واستخراج المياه منها، وكانت ملوحة هذه المياه مرتفعة قليلا، الأمر الذي دفع الشركة إلى إحداث محطة لتحلية المياه التي كانت تقوم بتحلية النسبة الكبرى من المياه فيما ترتفع نسبة الملوحة في كمية المياه المتبقية والتي يقع التخلّص منها في الوادي”، وفق تصريحاته.

وقد أدت هذه المسألة إلى احتجاج فلاحين بالجهة حيث نددوا بنسبة الملوحة المرتفعة في مياه الوادي، وفق المتحدث ذاته الذي أضاف أنه تم بعد ذلك تجاوز المشكلة بعد أن سمحت السلطات للشركة باستغلال مياه السد وبالتالي التوقف عن تحلية المياه.

“لا يمكننا القول إن الرياح لا تهبّ أو أنه لا يوجد غبار وإن الكهرباء لا تنقطع ولكن هناك مبالغة والغبار ليس منتشرا كما يُشاع”

وزعم الصّانع أنّ “ما ورد في الدراسة العملية التي صدرت في جانفي/ كانون الثاني 2022-المذكورة آنفا والمتعلّقة بمساهمة المقطع في زيادة ملوحة المياه في وادي حمى- غير صحيح”.

وأردف مدير عام شركة إسمنت قرطاج بالقول إنّ هناك شكايات قُدّمت ضدّ الشركة من قبل أشخاص ادّعوا أنّ منازلهم تضرّرت جرّاء التفجيرات ويطالبون بتعويضات في حين أنّهم لم يحصلوا على شهادة تصرّف في هذه المساكن (شهادة حوز) إلا سنة 2018، مضيفا أن هناك قضايا منشورة أمام القضاء اليوم وهناك اختبارات ستقع وإذا اتضح أنّ هناك أضرارا ستتحمّل الشركة مسؤوليتها.

الجدير بالذكر أنّ المتساكنين الذين كان قد التقاهم موقع الكتيبة وعاين الأضرار في منازلهم، والتي يقولون إنها نتيجة للتفجيرات، لم يتقدّموا بأي شكايات لدى القضاء ضدّ شركة إسمنت قرطاج، وذلك لأن جلّهم لا يتمتعون بشهادة ملكية لمنازلهم رغم أنهم يقطنون فيها منذ الاستعمار الفرنسي.