الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
عندما اقتنى وحيد، وهو موظف بإحدى الشركات الخاصة في تونس، سيارته الأولى الشعبيّة (أربعة خيول) من إحدى العلامات الآسيوية، لم يتخيّل أنه بعد 6 سنوات من استعمالها وبمسافة تفوق الـ 100 ألف كلم يمكنه بيعها بسعر أعلى من سعرها الأصلي يوم شرائها.
يقول وحيد في حديثه مع موقع الكتيبة إنّه اضطرّ لتغيير سيارته بما يستجيب إلى متطلبات أسرته فقرّر اقتناء أخرى أكبر من حيث الحجم والقوّة، يقدّر سعرها في الوقت الحالي بـ 78 ألف دينار تونسي.
ويضيف أنّه غنم من بيع سيارته الشعبيّة ما قيمته 28 ألف دينار بالرغم أنّه اقتناها في عام 2017 بسعر يقدّر في تلك الفترة بـ 23 ألف دينار وقد قام بتحويل مبلغ البيع مباشرة إلى حسابه البنكي كتمويل ذاتي للانتفاع بقرض لاقتناء سيارة جديدة أخرى.
مُصطفى، المُقتني وهو موظف بإحدى الوزارات، يقول من جانبه إنّ السعر الذي اشترى به السيارة الشعبيّة المُستعملة لأكثر من 6 سنوات يعتبر سعرا جيّدا مقارنة بما هو متوفر في السوق.
ويُضيف قائلا: “منذ 4 سنوات أنتظر فرصتي لاقتناء سيارة شعبية، وهو أمر لم يعد بمقدوري تحمله خاصة وأنّ ظروف تنقلي وزوجتي إلى أماكن عملنا أصبحت مصدر قلق متكرر في ظلّ تردي خدمات النقل العمومي المنتظم منه والعرضي واستحالة توفره في أغلب الأوقات”.
وقد أضاف في نفس السياق: “غلاء أسعار السيارات الجديدة من مختلف العلامات المعروضة بالسوق التونسية من خارج منظومة السيارة الشعبية، يجعل التفكير فيها مجرّد حُلم صعب المنال”.
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
عندما اقتنى وحيد، وهو موظف بإحدى الشركات الخاصة في تونس، سيارته الأولى الشعبيّة (أربعة خيول) من إحدى العلامات الآسيوية، لم يتخيّل أنه بعد 6 سنوات من استعمالها وبمسافة تفوق الـ 100 ألف كلم يمكنه بيعها بسعر أعلى من سعرها الأصلي يوم شرائها.
يقول وحيد في حديثه مع موقع الكتيبة إنّه اضطرّ لتغيير سيارته بما يستجيب إلى متطلبات أسرته فقرّر اقتناء أخرى أكبر من حيث الحجم والقوّة، يقدّر سعرها في الوقت الحالي بـ 78 ألف دينار تونسي.
ويضيف أنّه غنم من بيع سيارته الشعبيّة ما قيمته 28 ألف دينار بالرغم أنّه اقتناها في عام 2017 بسعر يقدّر في تلك الفترة بـ 23 ألف دينار وقد قام بتحويل مبلغ البيع مباشرة إلى حسابه البنكي كتمويل ذاتي للانتفاع بقرض لاقتناء سيارة جديدة أخرى.
مُصطفى، المُقتني وهو موظف بإحدى الوزارات، يقول من جانبه إنّ السعر الذي اشترى به السيارة الشعبيّة المُستعملة لأكثر من 6 سنوات يعتبر سعرا جيّدا مقارنة بما هو متوفر في السوق.
ويُضيف قائلا: “منذ 4 سنوات أنتظر فرصتي لاقتناء سيارة شعبية، وهو أمر لم يعد بمقدوري تحمله خاصة وأنّ ظروف تنقلي وزوجتي إلى أماكن عملنا أصبحت مصدر قلق متكرر في ظلّ تردي خدمات النقل العمومي المنتظم منه والعرضي واستحالة توفره في أغلب الأوقات”.
وقد أضاف في نفس السياق: “غلاء أسعار السيارات الجديدة من مختلف العلامات المعروضة بالسوق التونسية من خارج منظومة السيارة الشعبية، يجعل التفكير فيها مجرّد حُلم صعب المنال”.
لا سيما بعد سنة 2011، قفزت أسعار السيارات المُستعملة في السوق التونسية بشكل غير مسبوق من حيث ارتفاع القيمة الماليّة. عربات تُباع بأسعار تفوق تلك التي تمّ تسديدها عند الشراء لأوّل مرّة وأخرى يتم عرضها بأسعار خيالية وهي أشبه بقطع خردة يتراوح عمر الكثير منها بين العشرين والثلاثين عاما. فما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت أسعار السيارات المُستعملة والجديدة إلى هذا الإرتفاع الصاروخي بالرغم من حالة الركود التي يعيشها القطاع؟ وهل هناك مخطط من الدولة يسعى لتجديد أسطول العربات في تونس بما يحفظ سلامة مواطنيها ويقلل من التلوث البيئي؟
في هذا المقال نسعى للإجابة عن هذه الأسئلة اعتمادا على جملة من البيانات الرسمية والدراسات العلمية وآراء خبراء.
42 % من سعر السيارة ضرائب تُحمل على نفقة المستهلكين
بعد إتمام إجراءات بيع سيارته الشعبية، وإثر استيفاء جميع مراحل ملفه المتعلّق بحصوله على قرض سيّارة من البنك الذي يتعامل معه، توجه وحيد إلى وكيل العلامة التجارية التي اختار منها سيارته الجديدة يابانية الصنع، للقيام بكل الإجراءات الإدارية من إمضاء عقود وتسجيل الملكية وغيرها. لكن لن يتسنّ له تسلّم مفاتيح السيارة إلا بعد مرور شهر كامل.
هذا التأخير يرجع حسب الوكيل الحصري للعلامة التجارية اليابانية إلى تأخر وصول السيّارات التي مازالت في طور الشحن التجاري.
يُقدّر سعر السيارة التي اختارها وحيد بـ 78 ألف دينار تونسي، وهي سيارة بقوّة خمسة خيول. ويشرح الأخير أنّ ما وفره من عملية بيع سيارته الأولى ( الشعبية ) لم يغطّ كامل التمويل الذاتي المفروض من البنك، حيث اضطر إلى زيادة نحو ألفي دينار لاستيفاء شروط الحصول على القرض المنشود.
بعملية حسابية بسيطة يقول محدّثنا إنّه سيقوم بدفع 1036 دينار شهريا على مدى 5 سنوات بما يرفع تكلفة السيارة من 78 ألف دينار ( سعرها الأصلي ) إلى 93 ألف دينار ( تتضمن فوائد القرض البنكي ). علما أنّ هذا الرقم قابل للارتفاع في ظلّ امكانية ارتفاع نسبة الفائدة المديريّة التي يحدّدها البنك المركزي دوريا والتي تكون لها انعكاسات مباشرة على القروض التي تكون فيها نسبة الفائدة متغيّرة.
رغم سعادته بانتهاء معاناته مع الوثائق الإدارية والبنكية إلاّ أنّه لم يستطع كبح فضوله لمعرفة سعر السيارة التي اقتناها حديثا في باقي الأسواق العالمية، وبعد عملية بحث وتمحيص في مختلف المواقع على الأنترنت تفطّن إلى أنّ هذا “الموديل” من السيارات توقف المُصنع نفسه عن طرحه بعدد من الأسواق بما أنه طراز قديم يعود تاريخ طرحه للمرة الأولى إلى عام 2021.
وكما هو معلوم تقوم العلامات التجارية الآسيوية خاصة بتجديد موديلاتها بشكل متواتر وسريع عبر إضفاء بعض اللمسات على الشكل مع الحفاظ على نفس المحرّك وإعادة طرحها بالأسواق.
المُصنع الياباني قام بتطوير ذات السيارة التي اقتناها وحيد وطرحها في مختلف الأسواق العالمية بأسعار أقل من تلك التي يتم عرضها في السوق التونسية بما في ذلك السوق الأوروبية التي تفرض رسوما على العلامات التجارية الآسيوية لتقليل خطر المنافسة على الشركات الأوربية.
يُقدّر السعر الأقصى للطراز الجديد من ذات النوع الذي اقتناه وحيد في السوق الأوروبية في حدود الـ 20 ألف يورو وهو يشمل جميع المعاليم والضرائب أي ما يعادل 66 ألف دينار تونسي باعتماد سعر الصرف الحالي، وهو سعر أقلّ بـ 12 ألف دينار عن ذلك الذي دفعه وحيد نظير شرائه للموديل القديم.
يطرح هذا التناقض في أسعار السيّارات المعروضة في السوق التونسية مع تلك المعروضة في باقي الأسواق بما في ذلك السوق الجزائرية عديد الأسئلة حول الأسباب الحقيقية لهذا الإختلاف الواضح. هذا بالإضافة إلى ضرورة مراعاة الجانب المتعلّق بالقدرة الشرائية ومتوسط الدخل الشهري للمواطن التونسي مقارنة بالمواطن الأوروبي.
في الحقيقة، الإجابة عن هذا السؤال تحملها مجموعة القوانين التونسيّة ذات الصلّة بالضرائب والأداءات المحمولة على كل الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك توريد وتوزيع السيارات.
تفرض الدولة التونسية ما بين الـ 20 و84% من سعر السيارة الأصلي كضريبة ديوانية يطلق عليها ضريبة الاستهلاك وتفرض ضرائب أخرى من بينها الآداء على القيمة المُضافة يقدّر مجموعها بـ 23% من سعر السيارة الأصلي أي أنّ إجمالي الضرائب المفروضة على أنشطة توريد وتوزيع السيارات تتراوح بين الـ 43% و107% من سعر السيارة الأصلي، يتحمّل عبئها في النهاية المُستهلك التونسي.
ويُضاف إلى جملة هذه الضرائب، أداءات أخرى من أهمّها الأداء على التحكم في الطاقة وذلك بفرض معاليم تترواح بين الـ 250 دينارا و1000 دينار لكل سيّارة مورّدة وذلك حسب سعة اسطوانتها.
ولا تقتصر أسباب إرتفاع أسعار السيارات في تونس على حجم الضرائب المُثقلة عليها، إنما تتجاوز ذلك لترتبط بالتدهور الحاد للدينار التونسي مقابل العملات الصعبة، حيث ارتفعت تكلفة توريد السيارة الواحدة أكثر من مرتين ونصف عن التكلفة التي كانت عليها في عام 2010.
أما في خصوص هوامش ربح مختلف الوكلاء الحصريين للعلامات التجارية الموردة في تونس فتتراوح بين الـ 10% والـ 25% بالنسبة للسيارات متوسطة الحجم والقوّة وقد تصل إلى 50% في علاقة بالسيارات الفخمة.
السيارة الشعبية: فتات من الدولة لا يلبي حاجيات مواطنيها
في إطار سعيها لتمكين الفئات متوسطة الدخل من اقتناء سيارة عائلية، وضعت الدولة التونسية منذ أواخر تسعينات القرن الماضي نظاما خاصا بصغار موظفيها تحت مُسمّى “السيارة الشعبية”.
هذا النظام الخصوصي شمل فيما بعد كافة التونسيين ولم يعد مقتصرا على موظفي الدولة، حيث يُشترط على كل راغب في الحصول على سيارة وفق هذا النظام أن لا يتجاوز دخله الشهري 10 أضعاف الأجر الأدنى المضمون بالنسبة لغير المتزوجين و 15 أضعاف الأجر الأدنى المضمون بالنسبة للمتزوجين.
عرف نظام السيارة الشعبية تقطعات كثيرة في مسار تطبيقه خاصة في السنوات اللاحقة للثورة في 2011، وذلك تحت ضغط من الوكلاء الحصريين للسيارات الراغبين في تحرير السوق وإيقاف العمل بهذا النظام باعتباره غير مربح.
في الواقع، فإنّ هامش ربح الوكلاء المنخرطين في نظام السيارة الشعبية غير معلوم بشكل محدد، لكن الثابت وحسب مصادر من داخل وزارة التجارة أنّ هوامش الربح في هذا الصنف من السيارات أقل بكثير من هوامش الربح في باقي أنواع السيارات من خارج نظام الشعبية.
في تصريح إعلامي سابق له، يقول مهدي محجوب الناطق الرسمي باسم الغرفة الوطنية لوكلاء السيارات في تونس إنّ أسعار السيارات الشعبية أصبحت في غير متناول أيدي طالبيها حيث تأثرت بانهيار قيمة الدينار أمام الدولار واليورو.
بالرغم من ارتفاع أسعار السيارات الشعبية ( في حدود 34 ألف دينار)، تبقى تكلفتها أقلّ بكثير من باقي أنواع السيارات المطروحة للبيع من خارج هذا النظام وهو ما يُفسر تنامي عدد المطالب المرسّمة لدى مختلف الوكلاء المنخرطين في نظام السيارات الشعبية والتي تجاوزت الـ 300 ألف طلب في عام 2024.
يتمتع نظام السيارة الشعبية في تونس بالإعفاء الكلّي من معلوم الإستهلاك المفروض على باقي السيارات من خارج هذا النظام، كما تمّ تخفيض أكثر من مرّة في معلوم الأداء على القيمة المُضافة والنزول به من 13% إلى 7% في عام 2019 وذلك بهدف الضغط على التكلفة بما يفضي إلى سعر مقبول يستجيب في الحدّ الأدنى إلى القدرة الشرائية للتونسيين.ـات.
في بداية عام 2024، أقرّت وزارة التجارة برنامجا لتوريد 8 آلاف سيارة عبر مختلف الوكلاء المنخرطين في هذا النظام والبالغ عددهم ستة وكلاء لـ 6 علامات تجارية.
وبعد تحديد أسعار السيارات المبرمج توريدها، انهال آلاف التونسيون.ـات بالمطالب على مختلف الوكلاء، ما اضطرّ الوزارة إلى الترفيع في عدد السيارات المبرمج توريدها من 8 إلى 10 آلاف سيارة.
هذا البرنامج “الطموح” في توريد عشرة آلاف سيارة تحت نظام ” السيارة الشعبية ” قد يصطدم بعراقيل كبرى من أهمّها عدم تمكّن الوكلاء من توريد العدد المبرمج نظرا للخصوصية الفنيّة لهذا النوع من السيارات التي تستوجب منهم الدخول في مفاوضات مع المصنعين.
يتضح هذا من خلال معاينة عدد السيارات المورّدة تحت نظام السيارة الشعبية في الأشهر الستة الأولى من العام 2024، والتي لم تتجاوز الـ 3400 سيارة من أصل 10 آلاف، أي ثلث النسبة المقرّر توريدها، حسب الغرفة الوطنية لوكلاء السيارات.
هذا البطء في الإستجابة لطلبات 10 آلاف تونسي(ة) كانوا محظوظين بالحصول على موافقة وزارة التجارة، يعود في الأصل إلى الصعوبات التي تعترض الوكلاء في إقناع المصنّعين بصنع سيارات تستجيب للمواصفات التي تفرضها الدولة التونسية في خصوص هذا النظام من السيارات. وهي مواصفات يمكن أن نصفها بالحد الأدنى المطلوب في عالم السيارات.
تشترط الدولة التونسية على الوكلاء المنخرطين في النظام الخاص للسيارات الشعبية، توريد عربات بخصائص فنية تكون بسعة اسطوانة لا تتجاوز الـ 1200 سنتيمتر مكعب و4 خيول كقوّة جبائية قصوى، مع تحديد سقف البيع من طرف الوكلاء لفائدة المُستفيدين.
للاستجابة لهذه الشروط والمحافظة على هامش ربحهم في توريد هذه الفئة من السيارات يقوم الوكلاء الحصريين للعلامات التجارية بالتفاوض مع المصنعين لإلغاء جملة من الكماليات التي عادة ما تكون متوفرة في ذات السيارات بذات المواصفات المطروحة للبيع في باقي الأسواق العالمية، وذلك بغية الضغط على التكلفة وتقريبها من السعر المحدد من طرف وزارة التجارة.
هذه التغييرات المطلوبة من الوكلاء التونسيين عادة ما تأخذ بعض الوقت للاستجابة لها من طرف المصنعين نظرا وأنّ الكميات المطلوبة من السوق التونسية كما تحددها وزارة التجارة تعتبر قليلة بالنسبة لمصانع تقوم بتصدير كميات أكبر لأسواق أخرى أكبر وأهم من الناحية الاقتصادية وهو ما يضع السوق التونسية بالنسبة لهذه المصانع في أسفل الترتيب من حيث الاستجابة إلى الطلبات الواردة عليها من مختلف عملائها الدوليين.
وفي قراءة في الطلب المتنامي على السيارات الشعبية من طرف التونسيين.ـات يتضح أنّ العلامتين الأوروبيتين “بيجو” و “رينو” تستحوذان على 50 % من إجمالي الطلبات بالرغم من أنّ أسعارها تعتبر الأغلى مقارنة بباقي العلامات المنخرطة في نظام السيارة الشعبية وأغلبها آسيوية.
هذا الطلب الكبير على السوق الأوروبية من الطرف التونسيين.ـات كما تُشير إليه بيانات وزارة التجارة لا يمكن للحكومة التونسية الإستجابة له، نظرا وأنّ الأعداد التي يُبرمج توريدها سنويا لا تتعدّى الـ 8 آلاف سيارة يتم تقسيمها بالتساوي في إطار نظام الحصص على مختلف الوكلاء المنخرطين في نظام السيارة الشعبية، إن كانت أوروبية أو آسيوية.
في الحقيقة، يشمل نظام الحصص المُعتمد من طرف وزارة التجارة في خصوص توريد السيارات الشعبية باقي أنواع السيارات والعربات من خارج منظومة السيارة الشعبية، وذلك بغية التحكّم في احتياطيات الدولة من العملة الصعبة وعدم استنزافها، وهو ما أدّى إلى تراجع إجمالي توريد السيارات من 80 ألف في عام 2010 إلى حوالي 55 ألف في عام 2023.
في المحصّلة، وبناء على ما هو متوفر من معطيات إحصائية، فإنّ مبيعات السيارات الشعبية في تونس تعتبر الأكثر رواجا وتمثّل قاطرة لأي علامة تجارية جديدة ترغب في الدخول إلى السوق التونسية عبر طرح “موديلات” مناسبة من حيث السعر وهو ما نجحت فيه العلامة التجارية الصينية ” شيري ” التي تطرح سيارة شعبية بسعر تنافسي مغري.
سوق مبيعات السيارات الجديدة: مفارقات تونسيّة
تنشط في سوق السيارات التونسية حوالي 55 علامة تجارية يمثلها 33 وكيل حصري، ويبلغ حجم السوق من حيث المبيعات نحو 60 ألف سيارة سنويا على أقصى تقدير.
ووفق ما يوفره موقع Automobile.tn المتخصص في عالم السيارات والسوق التونسية على وجه الخصوص، فإنّ مبيعات السيارات الجديدة عرف تراجعا ملحوظا في السنتين الأخيرتين مقارنة بما كان عليه الوضع في عام 2021، السنة التي حقق فيها جميع الوكلاء الحصريين لمختلف العلامات التجارية مبيعات فاقت الـ 61 ألف عربة من مختلف الأنواع والأصناف.
وبالتدقيق أكثر في ذات البيانات المتصلة بحصص العلامات التجارية من سوق المبيعات في تونس يتضح أنّ العلامات التجارية الآسيوية استحوذت بنهاية العام 2023 على 60.7 % مسجلة انخفاضا بنسبة 2.2 % مقارنة بعام 2022.
وبالتمحيص في نصيب كل علامة آسيوية يتضح أنّ الكوريين الجنوبيين يستحوذون لوحدهم على 24% يليهم المصنعون اليابانيون بـ 23.6% و9% للعلامات التجارية الصينية.
أمّا العلامات التجارية الأوروبية التي كانت تستحوذ في وقت ليس ببعيد على 70 % من حصة السوق التونسية، فقد تراجعت مكانتها لتستقر في حدود 36.7%.
هذه المكانة التي باتت تحظى بها العلامات التجارية الآسيوية في السوق التونسية، جاءت نتيجة خيار استراتيجي تسويقي اعتمدته هذه العلامات عبر طرح “موديلات” منخفضة السعر مقارنة بنظيرتها المطروحة من المصنعين الأوروبيين، حيث يمكن أن يتجاوز هامش اختلاف السعر زهاء الـ 10 آلاف دينار.
يتضح هذا في مثال العلامة التجارية هيونداي الكورية الجنوبية التي تطرح موديلها I20 بسعر يقل عن سعر السيارة الألمانية “بولو POLO” بالرغم من أن السيارتين تتميزان تقريبا بذات الخصائص الفنية.
من الواضح أيضا أنّ خيار السعر المنخفض الذي اعتمدته العلامات التجارية الآسيوية، تمّ تدعيمه حسب عدد من المختصين، كان موقع الكتيبة قد استند إلى آرائهم، بخيار جديد يعتمد على طرح سيارات بأحجام كبيرة لكنها بذات الخصائص الفنية للسيارات ذات الأحجام الصغيرة من حيث قوّة المحرّك الذي لا يتجاوز الـ 5 أو 6 خيول مع سعة اسطوانة لا تتجاوز الـ 1.3 صم، الشيء الذي استقطب الكثير من التونسيين.ـات.
إنّ رواج السيارات الآسيوية خلق فيما بعد إشكالات كبيرة لدى من اقتناها حيث أصبحوا يعانون كثيرا من غلاء أسعار قطع الغيار وفقدانها في وقت ما.
يفسر خبير السيارات سليم حكيمة، في حواره مع الكتيبة، أنّ إشكال فقدان قطع الغيار وغلائها، يعزى للظروف التي يعرفها العالم بسبب أزمة الكوفيد ولاحقا الحرب الروسية الأوكرانية والأحداث التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط جرّاء الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزّة وما نتج عنها من اضطرابات في علاقة بالأنشطة الاقتصادية ونشاط الملاحة الدولية.
هذه الظروف حسب حكيمة، أدّت إلى ارتفاع تكلفة تصنيع وتوريد قطع الغيار، مشيرا إلى أنّ الأمر لا يقتصر فقط على العلامات الآسيوية إنما كذلك على العلامات الأوروبية التي أصبحت تقوم بتصنيع قطع غيارها في مصانع آسيوية، أي أنّ الإشكال اللوجستي وارتفاع التكلفة يمس تقريبا كافة العلامات التجارية.
فضلا عن ذلك، فإنّ غلاء أسعار قطع الغيار في السوق التونسية لا يرجع فقط إلى الظروف الصعبة التي يعيشها العالم بقدر ما هو يعزى إلى غلاء خدمات ما بعد البيع من طرف الوكلاء، أين أشارت مصادر مطلّعة أنّ أغلبهم يفرضون هوامش ربح تصل 100% في القطعة الواحدة، الأمر الذي غذّى سوق قطع الغيار المقلّدة بشكل كبير، والتي أصبحت هي كذلك تُمارس نوعا من الابتزاز بما أنّ أسعارها ارتفعت كذلك بشكل كبير وتعاني ذات المشاكل التي يعاني منها سوق القطع الأصلية من حيث تزويد السوق التونسية.
في حواره مع موقع الكتيبة، يفسر لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، أنّ أرباح الوكلاء الحصريين للعلامات التجارية لا يتأتى من النشاط الأصلي في توريد وبيع السيارة بقدر ما يعود من نشاطها الثانوي في خدمات ما بعد البيع المرتكز على تجديد قطع الغيار.
سوق السيّارات المستعملّة : مجال خصب للسماسرة
بعدّاد تجاوز الـ 400 ألف كيلومتر وبعمر يناهز الـ 33 عاما، هي سيارة من نوع Saxo أحد أقدم موديلات العلامة التجارية سيتروان، وعوض طحنها بإحدى مصانع الخردة، يقوم نجيب وهو تاجر سيارات مستعملة بعرضها بسوق السيارات المستعملة في ضواحي العاصمة تونس بسعر يجب أن لا يقل عن 13 ألف دينار،وفق تقديره.
جوابا منه على سؤالنا في خصوص هذا السعر غير المنطقي، يقول نجيب إنّ السوق هو من يفرض السعر ولا أحد آخر، مطنبا في مدح سيارته وقائلا: “إنها طراز فرنسي قديم وناجح وبمحرّك جديد كنت قد غيرته منذ فترة ( محرّك مُستعمل هو الآخر ). “
بجانبه كانت هناك سيارة أخرى من نوع “بيجو بارتنار” وهي من السيارات المطلوبة خاصة من أصحاب المهن التجارية، معروضة للبيع بسعر 19 ألف دينار، بالرغم أنّ بلغت من العمر 20 عاما.
على هذا النحو أصبحت أسعار السيارات المُستعملة في السوق التونسية غير المنظمة تلامس أرقاما خيالية وغير معقولة ولا تجد لها تفسيرا سوى أنّ التُجار العاملين بهذه الأسواق أصبحوا يُمارسون نوعا من الابتزاز للتونسيين.ـات الهاربين من غلاء أسعار السيارات الجديدة.
في إطار مواصلة معاينة أسعار السيارات المُستعلمة، لاحظ فريق موقع الكتيبة ظاهرة غريبة لسيارات تُباع بعد استعمالها بفترة لا بأس بها بأسعار أعلى من السعر الذي أُشتريت به لأوّل مرّة، خاصة السيارات من فئة 4 و5 خيول الأكثر طلبا من التونسيين.ـات.
على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك يعرض أحدهم للبيع بسعر 29,8 ألف دينار سيّارة من نوع “Kia Picanto” شعبيّة يعود أول تاريخ لجولانها إلى عام 2017، في عدّادها نحو 117 ألف كيلومتر. ذات السيارة كان سعرها من مورّدها الحصري في عام 2017 يقدّر بـ 23,4 ألف دينار.
يفسّر الخبير سليم حكيمة في حواره مع موقع الكتيبة هذا الشطط في أسعار السيارات المستعملة والتي يباع بعضها ويشترى بأسعار تفوق سعرها الأصلي، بوجود جشع غير عادي من طرف بعض السماسرة الذين أصبحوا يتحكّمون في السوق بشكل كبير.
ويُضيف حكيمة أنّ هذه الممارسة تتغذى من محدودية سوق السيارات الجديدة، وغلاء أسعارها حيث لم تعد في متناول الأسر التونسية وحتى أصحاب المهن التجارية الذين أصبحوا يبحثون عن ضالتهم في الأسواق الموازية وعلى مواقع الإنترنت.
تُشير بيانات الوكالة الفنية للنقل البرّي أنّ سوق السيارات الموازية تنامت بشكل كبير خاصة في السنوات اللاحقة لثورة 2011، حيث لا يقل عدد العربات التي يتم تسجيلها للمرّة الثانية -أي أنها انتقلت من رقم سلسلة إلى رقم سلسلة جديد- عن العشرين ألف سيارة، أغلبها متأتية من سيارات نظام الـ FCR الخاص بالتونسيين المقيمين بالخارج والذين يتمتعون بإعفاءات جبائية في خصوص توريد سيارات لا يتجاوز عمرها الخمس سنوات.
فضلا عن كلّ هذا، تظهر بيانات الجهة ذاتها أنّ عدد إحالات الملكية في خصوص العربات الخاصة ( نقل ملكية سيارة من شخص إلى آخر مع المحافظة على نفس سلسلة التسجيل ) يتجاوز سنويا ال 160 ألف إحالة وهو ما يؤشر بشكل واضح على تنامي سوق السيارات المُستعملة بشكل كبير.
أطنان من الخردة بكلفة بيئيّة وطاقيّة عاليّة
أدّت محدودية السوق التونسية في خصوص السيارات الجديدة بالنظر إلى غلاء أسعارها إلى تنامي سوق السيارات المستعملة، وهو ما يؤدّي بدوره إلى تقادم أسطول السيارات في تونس بشكل هام وملحوظ.
واعتمدت الدولة التونسية منذ عقود خيار عدم تحرير سوق السيارات الجديدة واعتماد نظام الحصص الخاصة بكل وكيل تجاري، وذلك بهدف الحفاظ على احتياطاتها من العملة الصعبة وضمان موارد جبائية سنوية من نشاط بيع نحو 60 ألف سيارة.
وفق بيانات الوكالة الفنية للنقل البري كان موقع الكتيبة قد تحصل عليها بشكل حصري، يبلغ أسطول العربات في تونس باستثناء الحافلات والشاحنات الثقيلة والمجرورات قرابة الـ 2,5 مليون سيارة موزعة بين مليون ونصف عربة خاصة ومليون عربة نفعية.
تُشير ذات البيانات أنّه من إجمالي هذا الأسطول يوجد فقط 685 ألف سيارة لا يتجاوز عمرها الـ 10 سنوات ونحو 600 ألف يتجاوز عمرها الثلاثين عاما.
يؤدّي هذا الاهتراء الواضح في أسطول السيارات ‘إلى تنامي الطلب على المواد الطاقية خاصة وأنّ 95% من الأسطول يعمل بمحرّكات حرارية.
يشير خبراء إلى أنّ عمر السيارة يُساهم بشكل كبير في استهلاك المواد الطاقية، حيث أنّ حجم استهلاك سيارة يتراوح عمرها بين عشرة وعشرين عاما أكبر بكثير من تلك التي لا يتجاوز عمرها عشر سنوات.
فضلا عن هذا يُشير نفس الخبراء إلى أنّ الإنبعاثات الغازية الناجمة عن السيارات المتقادمة تُساوي أضعاف الانبعاثات الناجمة عن السيارات الجديدة والتي لا يتجاوز عمرها الخمس سنوات.
إن تحوّل تونس إلى مكان لتجميع الخردة، أمر يشغل عديد النشطاء البيئيين خاصة مع تنامي ظاهرة توريد محرّكات السيارات المُستعملة بُغية تركيبها في هياكل سيارات قديمة وإعادة طرحها بالأسواق، أين تُشير بيانات الوكالة الفنية للنقل البري أنّ عدد السيارات التي خرجت عن الخدمة والتي يتم الإعلام بها من طرف أصحابها لا تتعدّى الـ 4 آلاف سيارة سنويا.
فبالإضافة إلى الضرر البيئي الذي يمكن أن تحدثه هذه التجارة المُقننة، فهي وحسب تأكيد خبراء في سلامة العربات تزيد من نسب حوادث المرور القاتلة، على اعتبار أنّ ظن الكثيرين بأنّ تغيير المحرّك كفيل بإرجاع سيارة إلى وضعها السليم، هو ظنّ خاطئ بما أنّ العمر الإستهلاكي لتلك السيارة انتهى ولا يمكن تجديده حتى بمحرّك جديد فما بالك بآخر مستعمل مورّد في ظروف لا يعلمها أحد وفق تفسيرهم.
هذا وتُعتبر السياسة المعتمدة من طرف الدولة التونسية في التحكم في احتياطاتها من العملة الصعبة عبر تحديث سقف السيارات الممكن توريدها سنويا من مختلف الوكلاء، سياسة عرجاء، وفق تأكيد عديد الخبراء المستقلين الذين تسنى إلى موقع الكتيبة التواصل معهم.
تُشير دراسات عديدة إلى أنّ استهلاك أسطول السيارات في تونس للمحروقات تنامى بحوالي مرتين ونصف في الفترة الممتدة بين 1990 و 2023، وهو ما يزيد من حجم العجز الطاقي الذي تعاني منه تونس منذ عقد من الزمن.
ويقترح وكلاء السيارات ضرورة أن تقوم الدولة التونسية بمراجعة سياساتها تجاه تجديد أسطول العربات عبر التخفيض في الرسوم والضرائب المفروضة على السيارات من طراز أربعة وخمسة خيول القريبة من السيارة الشعبية مع إمكانية المحافظة على نسب الضرائب في خصوص بقية الأنواع.
في قانون موازنتها المالية لعام 2024، أقرّت الحكومة التونسية جملة من الإجراءات ذات الصلة بتوريد سيارات كهربائية، عبر إعفائها كلّيا من ضريبة الاستهلاك والتخفيض من ضريبة الأداء على القيمة المضافة من 19 إلى 7% وهي ذات الإعفاءات التي يقرّها نظام السيارة الشعبية في تونس.
هذه الإجراءات الجديدة في خصوص السيارات الكهربائية تصطدم بغلاء سعر السيارة الكهربائية نفسها، التي لا يقل سعر الواحدة منها في الأسواق عن 95 ألف دينار تونسي.
فضلا عن ذلك، مازالت تونس متأخرة في تهيئة بنيتها التحتية لاستقبال أسطول سيارات يعمل بمحرّكات كهربائية حيث لا يتوفر عدد كاف من محطات التزود بالطاقة الكهربائية في البلاد. كما أنّ شبكة الطرقات في تونس ما انفكت تشهد مزيدا من الاهتراء على الرغم من المحاولات القليلة للصيانة و معلوم الجولان الذي يدفع سنويا من قبل أصحاب السيارات لخزينة الدولة.
كما يشدّد خبراء على أنّ تنامي سوق السيارات المستعملة من شأنه أن يدفع نحو بروز أكبر لمظاهر الفساد في علاقة بوكالات الفحص الفنّي حيث تتحصّل العديد من العربات “الخردة” على شهادة غير مستحقّة تسمح بالجولان وهو مبحث آخر جدير بالتمعنّ والتقصي.
يحاول هذا المقال التفسيري المدعوم بالبيانات التي تحصلنا عليها عبر مطالب نفاذ إلى المعلومة تفكيك منظومة سوق السيارات في تونس سواء كانت قديمة أو جديدة وشرح مواطن القصور في علاقة بسياسات الدولة في هذا المجال المرتبط مباشرة بالحياة اليوميّة لعموم المواطنين.ات و بالدورة الاقتصاديّة للبلاد بحثا عن حلول ممكنة تراعي المسائل البيئيّة والطاقيّة والماليّة/ الاجتماعيّة ذات العلاقة بالقدرة الشرائيّة.
يحاول هذا المقال التفسيري المدعوم بالبيانات التي تحصلنا عليها عبر مطالب نفاذ إلى المعلومة تفكيك منظومة سوق السيارات في تونس سواء كانت قديمة أو جديدة وشرح مواطن القصور في علاقة بسياسات الدولة في هذا المجال المرتبط مباشرة بالحياة اليوميّة لعموم المواطنين.ات و بالدورة الاقتصاديّة للبلاد بحثا عن حلول ممكنة تراعي المسائل البيئيّة والطاقيّة والماليّة/ الاجتماعيّة ذات العلاقة بالقدرة الشرائيّة.
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي