الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
بكثير من التفاؤل والثقة في النفس، أعطى الوزير السابق للشباب والرياضة كمال دقيش بتاريخ 10 جوان/ حزيران 2022 شارة إنطلاق أشغال تهيئة وترميم الملعب الأولمبي بالمنزه بعد توقّفه عن استقبال الجماهير منذ عام 2011 بسبب تهاوي بنية مدارجه وتقادم هيكله المعماري ما جعله يُشكّل خطرا على سلامة روّاده، فضلا عن عدم استجابة الملعب للمعايير الجديدة المنصوص عليها من طرف الإتحاد الإفريقي لكرة القدم بخصوص إمكانية استقباله للمباريات الدولية و المسابقات القارية.
منذ عودته للوزارة في أكتوبر/ تشرين الأوّل 2021، مثّل ملف الملعب الأولمبي بالمنزه أولوية مُطلقة للوزير كمال دقيش الراغب في نحت اسمه في تاريخ الرياضة التونسية عبر إعادة البريق للملعب التاريخي لتونس الذي ومنذ دخوله حيّز الخدمة في عام 1967 كان مسرحا لأهمّ النجاحات والإنجازات التي حقّقتها رياضة كرة القدم التونسية بداية بترشح المنتخب التونسي لأوّل مرّة في تاريخه إلى نهائيات كأس العالم عام 1978، مرورا بأوّل الألقاب الإفريقية والعربية التي حقّقتها الفرق التونسية وصولا لنهائيات بطولة إفريقيا لعام 2004.
السجل الحافل للملعب الأولمبي بالمنزه من حيث استقباله لأكبر المباريات الدوليّة والقاريّة وحتى المحليّة والذكريات الجميلة للمنتخب والفرق التونسية في رياضة كرة القدم كان قد استحضرها الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال زيارة أدّاها إلى الملعب أيّاما قليلة قبل بدء الأشغال، أين شدّد على ضرورة استكمالها في الآجال المحدّدة والتصدّي لما وصفها باللّوبيات التي تسعى لإفشال هذا المشروع خدمة لمصالحها الضيّقة، وفق قوله.
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
بكثير من التفاؤل والثقة في النفس، أعطى الوزير السابق للشباب والرياضة كمال دقيش بتاريخ 10 جوان/ حزيران 2022 شارة إنطلاق أشغال تهيئة وترميم الملعب الأولمبي بالمنزه بعد توقّفه عن استقبال الجماهير منذ عام 2011 بسبب تهاوي بنية مدارجه وتقادم هيكله المعماري ما جعله يُشكّل خطرا على سلامة روّاده، فضلا عن عدم استجابة الملعب للمعايير الجديدة المنصوص عليها من طرف الإتحاد الإفريقي لكرة القدم بخصوص إمكانية استقباله للمباريات الدولية و المسابقات القارية.
منذ عودته للوزارة في أكتوبر/ تشرين الأوّل 2021، مثّل ملف الملعب الأولمبي بالمنزه أولوية مُطلقة للوزير كمال دقيش الراغب في نحت اسمه في تاريخ الرياضة التونسية عبر إعادة البريق للملعب التاريخي لتونس الذي ومنذ دخوله حيّز الخدمة في عام 1967 كان مسرحا لأهمّ النجاحات والإنجازات التي حقّقتها رياضة كرة القدم التونسية بداية بترشح المنتخب التونسي لأوّل مرّة في تاريخه إلى نهائيات كأس العالم عام 1978، مرورا بأوّل الألقاب الإفريقية والعربية التي حقّقتها الفرق التونسية وصولا لنهائيات بطولة إفريقيا لعام 2004.
السجل الحافل للملعب الأولمبي بالمنزه من حيث استقباله لأكبر المباريات الدوليّة والقاريّة وحتى المحليّة والذكريات الجميلة للمنتخب والفرق التونسية في رياضة كرة القدم كان قد استحضرها الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال زيارة أدّاها إلى الملعب أيّاما قليلة قبل بدء الأشغال، أين شدّد على ضرورة استكمالها في الآجال المحدّدة والتصدّي لما وصفها باللّوبيات التي تسعى لإفشال هذا المشروع خدمة لمصالحها الضيّقة، وفق قوله.
بعد مرور كل هذا الوقت، كان من المفترض أن يتولّى الرئيس سعيّد تدشين الملعب في حلّته الجديدة بما أنّ الآجال التي أعلنها وزيره السابق كمال دقيش تنتهي في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2024، لكنّ الأمور لم تسر على ما يُرام وهو ما يشي بأنّ المشروع منذ بدايته كان يشكو من عديد الإخلالات.
.
لم تمض أشهر على بداية الأشغال حتى طفت على السطح مشاكل جمّة حالت دون مواصلة الأشغال ليتحوّل الخطاب السياسي في علاقة بإنجاز المشروع من خطاب متفائل بمشروع رصدت له اعتمادات ماليّة هامة وتم ضبط آجال إنجازه، إلى خطاب أزمة متخبّط يأمل في الحصول على فرصة تعاون دولي لاستكمال إنجاز المشروع الحُلم عبر هبة ومساعدة فنيّة.
ماذا حصل بين ما كان مبرمجا وما تمّ إنجازه على أرض الواقع؟ ما حقيقة التّهم الموجّهة لكل من شركة المقاولات والمهندس المعماري؟ إلى ماذا توصّل الخبراء الذين عيّنهم القضاء لإنجاز اختبارات فنيّة؟ وهل تلاحق صفقة المشروع شُبهات فساد إداري؟ وماذا عن مستقبل الملعب؟
في هذا التحقيق نسعى للإجابة عن جملة هذه الأسئلة انطلاقا من الوقائع دون غيرها وبناء على سيرورة الأحداث، مستندين في ذلك إلى تقارير اختبارات فنيّة رسميّة ومحاضر رسميّة لجلسات عمل وآراء خبراء ومصادر مطلّعة عن كثب على سير الأشغال وأسباب تعطلّها.
زيارة سعيّد الفُجئية تخلط الأوراق
بعد انقضاء حوالي سنة وأربعة أشهر وهي نصف المدّة المُفترضة قبل حلول آجال انتهاء أشغال ترميم الملعب الأولمبي بالمنزه المقدّرة بثلاثين شهرا، أدّى الرئيس سعيّد زيارة فُجئية لحظيرة الأشغال مُحمَّلا بتقارير قال إنّه تثبّت منها بمعيّة مختصّين، وتُشير إلى وجود شبهات فساد في مستوى استعمال الحديد والإسمنت المسلّح على خلاف ما هو منصوص عليه بكراسات الشروط، إضافة إلى استحداث أشغال غير متفق عليها.
وتتعلّق الإخلالات وفق ما استعرضه الرئيس التونسي أمام عدسات الكاميرات بـ:
- عدم مطابقة أشغال التهيئة للمعايير المنصوص عليها
- عدم احترام المثال الهندسي
- إحداث حفريات عشوائية
- تشققات بالإسمنت المسلح
- وجود فقاعات هوائية بالمواد المركبة المستعملة في مستوى المدارج والدعامات
- تغيير في مواصفات الحديد على خلاف ما هو منصوص عليه بكراس الشروط
- عدم إيلاء المهندس المراقب للإخلالات التي تمّت معاينتها أي اهتمام رغم إعلامه بها
في المقابل، كان ارتباك وزير الشباب والرياضة كمال دقيش، الذي كان حاضرا في استقبال الرئيس سعيّد، واضحا للعيان، اذ حمّل المسؤولية الكاملة لشركة المقاولات AMA Construction وبدرجة أقل إلى مصالح وزارة التجهيز لما آلت إليه الأوضاع من تعطّل واضح في سير أشغال ترميم الملعب التي لم تتجاوز، بعد انقضاء عام وبضعة أشهر، الـ 20% من إجمالي الأعمال المطلوب إنجازها.
لخّص وزير الشباب والرياضة عند تقديمه مبررات البطء الشديد في إنجاز المشروع في ما أسماه “غياب التنسيق بين المهندس المعماري والشركة المقاولة”، مشيرا إلى أنّه تكفّل بمعيّة وزيرة التجهيز والإسكان بـ”تذليل هذه الصعوبات عبر عقد اجتماعات متتالية بين كافة المتدخلين لتلافي هذه النقائص ودعم التنسيق”.
كما كشفت زيارة الرئيس سعيّد لحظيرة أشغال الملعب الأولمبي بالمنزه عديد الإخلالات التي رافقت إنجاز المشروع منذ مراحله الأولى والتي سعت كل الأطراف إلى طمسها وعدم كشفها للرأي العام التونسي والترويج إلى فكرة أنّ المشروع يعمل بصفة طبيعيّة حتّى أنّ وزارة الرياضة والبعض من مسؤولي شركة المقاولات سوّقوا إلى أنهم قلّصوا في آجال الإنجاز كما تُشير إلى ذلك تقارير صحفيّة تم نشرها أسابيع قليلة قبل زيارة سعيّد الفُجئية، بالرغم من أنّ المشروع كان شبه متوقف في ذلك الوقت.
بعد يوم من زيارة الرئيس سعيّد لحظيرة أشغال الملعب الأولمبي بالمنزه، أدّت وزيرة التجهيز سارة الزعفراني بدورها زيارة تفقديّة أخرى إلى الملعب المذكور حيث أعلنت فتحها لتحقيق إداري للوقوف عند الأسباب الحقيقيّة التي تقف وراء تعطّل إنجاز المشروع بالنسق المطلوب وتحميل المسؤوليات للمقصّرين في أداء واجبهم.
وتبدو الزيارة التفقدية التي أدّتها وزيرة التجهيز مثيرة للانتباه حيث أنّ الأخيرة كانت على علم بكل التفاصيل والأسباب التي أدّت إلى ذلك الوضع المعقد والمُهدد بعدم استكمال أشغال التهيئة، كما تُشير إلى ذلك محاضر جلسات عمل انعقدت تباعا لمتابعة إنجاز المشروع منذ الأسابيع الأولى من انطلاقته والتي تطرّق خلالها المتدخلون إلى جملة من العوائق الماليّة والإداريّة.
كما يتضح ذلك من خلال تصريح وزير الشباب والرياضة كمال دقيش في جوابه على سؤال متعلّق بدور مكتب المراقبة الذي تطرّق إليه الرئيس سعيّد خلال زيارته الفجئية، أين أشار إلى أنّ وزارته ووزارة التجهيز تولّتا نشر طلب عروض جديد لانتداب مكتب مراقبة جديد تُسند إليه مهمّة المراقبة والتنسيق.
في إطار التحقّق من هذه المعلومة، تولّى موقع الكتيبة مراجعة طلبات العروض التي قال الوزير إنّه تمّ نشرها لانتداب مكتب مراقبة ليتضح أنّ الوزارتين وبعد مرور 15 شهرا من بداية أشغال الترميم وبالتحديد في شهر أكتوبر/تشرين الأوّل من عام 2023 (أسابيع قليلة قبل زيارة سعيّد الفجئيّة) قرّرتا الاستعانة بمكتب خاصّ في المساعدة الفنيّة Assistance technique phase travaux.
وفق خبراء في الصفقات العمومية استند موقع الكتيبة إلى آرائهم يعتبر طلب العروض للمساعدة الفنيّة في مرحلة الإنجاز وبعد أشهر من بدء الأشغال الذي تمّ نشره، اعترافا واضحا وصريحا من طرف وزارة التجهيز بعدم قدرتها على مجاراة أشغال بهذا الحجم وهو ما كان يجب التفطن إليه قبل بداية المشروع.
بات واضحا من خلال إعادة قراءة الأحداث التي رافقت أشغال ترميم الملعب أنّ هناك إشكاليات أعمق من تلك التي تمّ التصريح بها حول عدم التنسيق بين المهندس المعماري صاحب تصاميم ترميم الملعب وشركة المقاولة المباشرة لأشغال تهيئة قسط الهندسة المدنية.
فوضى البدايات
منذ اتّخاذ قرار يقضي بغلق أبوابه أمام الجماهير في عام 2011 والتقليص في طاقة استيعابه إلى حدود 5 آلاف متفرّج، كان ملف تهيئة الملعب الأولمبي بالمنزه حاضرا على طاولة الحكومات المتعاقبة في ظل ما تعيشه كرة القدم التونسية من صعوبات جمّة متأتية أساسا من اهتراء البنية التحتية لملاعب كرة القدم في كافة ولايات البلاد.
تفاقم الوضع بشكل كبير خاصة مع تعطّل الأشغال في عدد من الملاعب الأخرى التي كان يجري تهيئتها لاحتضان مباريات محلّية على غرار ملعب 15 أكتوبر ببنزرت و ملعب الشاذلي زويتن بالعاصمة تونس.
ومع دخول الملعب الأولمبي بسوسة هو كذلك مرحلة التهيئة والترفيع في طاقة استيعابه وملاءمته مع شروط الإتحاد الإفريقي لكرة القدم، أصبح الملعب الأولمبي حمادي العقربي برادس هو الملجأ الوحيد لاستقبال المباريات الدوليّة للمنتخب التونسي وجميع المقابلات الخاصة بالمسابقات الإفريقية للفرق التونسية.
تواصل هذا الوضع المعقّد على مدى أكثر من 5 سنوات متتاليّة ما أدّى بملعب حمادي العقربي برادس إلى فقدان بريقه والذي من فرط استغلاله لم يعد يستجيب هو الآخر للشروط المنصوص عليها بلوائح الاتحاد الإفريقي لكرة القدم.
ومع كلّ موسم رياضي جديد ومنذ عام 2019، تضطرّ الجامعة التونسية لكرة القدم للقيام بمجهودات كبيرة لاستصدار ترخيص استثنائي من طرف الإتحاد الإفريقي لكرة القدم يسمح لملعب حمادي العقربي برادس باستقبال المباريات الدوليّة والمسابقات القاريّة، الشيء الذي زاد من الضغوطات على السلطة السياسيّة في اتجاه التسريع بإصلاح ملعب المنزه.
كانت أولى الخطوات الملموسة في اتجاه تهيئة ملعب المنزه في عام 2018، خلال زيارة ميدانية أدّاها وزير التجهيز والإسكان الأسبق نور الدين السالمي إلى الملعب المذكور معلنا موعد إنطلاق أشغال الترميم والتهيئة والتي قال إنها ستبدأ في منتصف العام 2019 باعتمادات مالية تُقدّر بـ 22 مليون دينار تونسي (حوالي 7 مليون دولار أمريكي).
تتالت الأسابيع والأشهر وتعاقب على كل من وزارة التجهيز ووزارة الرياضة أكثر من وزير(ة) ولم يتغيّر في وضع ملعب المنزه أي شيء.
في ديسمبر/كانون الأوّل من عام 2020، نشرت وزارة الرياضة لأوّل مرّة بلاغا متصلاّ بآخر المستجدات المتعلّقة بتهيئة الملعب وذلك عقب اجتماع حضره كبار المسؤولين بوزارة التجهيز تمّ خلاله عرض التصاميم والأمثلة الهندسيّة الأوّلية مع تحديد تاريخ 31 مارس/آذار 2021 لانطلاق طلبات العروض لتنفيذ الأشغال.
كان من المهم التذكير بجملة هذه التواريخ لما لها من ارتباط وثيق بما آلت إليه أوضاع الملعب بعد الإنطلاق الفعلي لأشغال تهيئته.
المُلاحظ خلال المراحل الأولى من إعداد ملف تهيئة الملعب، غياب أية معلومة عن طريقة انتداب المهندس المعماري الذي تولّى تصميم الأمثلة الهندسية لترميم الملعب.
وبالرغم من البحث المكثّف الذي قام به موقع الكتيبة في منصات الصفقات العمومية وعلى مواقع كل من وزارة التجهيز والشباب والرياضة لم يكن هناك أي أثر لطلب العروض وطريقة انتداب المهندس المعماري وهي النقطة التي تمّت إثارتها من خلال أبحاث إدارية وقضائية وفق ما توصّل إليه موقع الكتيبة من معلومات موثوقة.
إضافة إلى ذلك، يُلاحظ أنّ الإعتمادات المرصودة لإنجاز المشروع ارتفعت من 22 مليون دينار عام 2019 إلى 54 مليون دينار في عام 2021 لينتهي بها المطاف في حدود الـ 100 مليون دينار لحظة انطلاق المشروع في جوان/حزيران من سنة 2022.
في تدخل إعلامي سابق لها في ديسمبر/كانون الأوّل من سنة 2020، تطرّقت كاتبة الدولة السابقة للشباب والرياضة سهام العيادي إلى جملة من التفاصيل ذات الصلة بالترفيع في تكلفة المشروع، مفسّرة الأمر على أنّه ضرورة يحتّمها الواقع من أجل أن يكون ملعب المنزه متطابقا مع شروط الفيفا والاتحاد الافريقي لكرة القدم وحتى يقع استغلاله في المسابقات الدولية والإفريقية وتخفيف العبء على ملعب حمادي العقربي برادس والذي بدوره يحتاج إلى أشغال تهيئة.
“لدينا اعتمادات جملية تقدّر بـ 54 مليون دينار، المبلغ لا يكفي بالتأكيد، لكن علينا المضي قدما في الأشغال التي ستبدأ في 2021 وستنتهي خلال سنتين أو ثلاث”.
كاتبة الدولة للشباب والرياضة سابقا سهام العيادي
من خلال التدقيق في تفاصيل بداية العمل على تهيئة ملعب المنزه وخاصة في مرحلة إنجاز الدراسات الفنيّة والأمثلة الهندسية يتّضح وجود إشكاليات عميقة في ما يخص مدى ملائمة التكلفة للاعتمادات المالية المرصودة.
في موفى مارس/آذار 2021، نشرت وزارة التجهيز والإسكان طلبات عروض على منصة تونيبس Tuneps، وهي منصة إلكترونية خاصة بالصفقات العمومية التي تنجزها الدولة، للتعاقد مع شركات مقاولات في 3 أقساط من إنجاز المشروع موزّعة بين قسط الهندسة المدنيّة وشبكة الطرقات وقسط الهندسة الإلكترونيّة والكهربائيّة والسلامة من الحرائق وقسط التكييف والسوائل.
إلى هنا قد تبدو الأمور سارت -أخيرا- على ما يرام، لكنّ ما سيتلو طلب العروض من أحداث سيعزّز بكل تأكيد فرضية وجود إخلالات جسيمة من طرف الإدارة في مراقبة ما تمّ إنجازه في مستوى الدراسات والمصادقة عليها من طرفها.
كان يُفترض في مرحلة أولى غلق باب المشاركة في طلبات العروض أمام الشركات الراغبة في التقدّم بعروضها في 21 جوان/حزيران 2021، لكن وبطلب من عدد من الشركات التي تولت سحب كرّاس الشروط، تمّ التمديد في آجال قبول ملفات المشاركة مرتين متتاليتين انتهت يوم 29 جوان/حزيران 2021، تخلّلتها زيارة ميدانية من طرف ممثلي هذه الشركات لمعاينة ما يجب انجازه من أشغال قبل تقديم عروضهم الماليّة.
احتاجت الإدارة التونسية ممثلّة في الإدارة العامة للبنايات بوزارة التجهيز والإسكان سنة كاملة لتقييم العروض التي وردت عليها، وانتهى بها المطاف في شهر ماي من عام/أيار 2022، لاختيار العرض المالي الأقلّ ثمنا والذي تقدّمت به شركة AMA Construction والبالغ قدره نحو 64 مليون دينار في قسط الهندسة المدنيّة والشبكات المختلفة (الطرقات وغيرها …).
من خلال معاينة نتائج طلبات العروض التي نشرتها وزارة التجهيز للتعاقد مع شركات مقاولات نجد هوّة شاسعة بين العروض المالية الأعلى والأقل ثمنا في قسط الهندسة المدنية فقط، ناهزت الـ 50 مليون دينار وهو ما كان يستدعي، وفق آراء خبراء في الصفقات العمومية، إعادة دراسة كراس الشروط المصاحبة لطلبات العروض.
إضافة إلى ذلك لم تكن نتائج طلب العروض مثمرة في قسط الهندسة الكهربائية والسلامة من الحرائق والمقدّر تكلفتها في الحد الأدنى نحو الـ 50 مليون دينار وهو ما حتّم على وزارة التجهيز طلب عروض جديد لم يثمر إلا بعد مُضي سنة من الإنطلاق الفعلي للأشغال.
تقود جملة هذه المعطيات من حيث تكلفة كل من قسط الهندسة المدنية والهندسة الكهربائية ودون احتساب أقساط أخرى للمشروع إلى أنّ الأخير تتجاوز كلفته بكثير ما تمّ رصده من اعتمادات والمقدّرة بـ 100 مليون دينار.
كما أنّه وبعد الإنطلاق الفعلي للأشغال تبيّن أنّ الدراسات الفنيّة والتصاميم المعدّة لغرض التهيئة لم تتضمّن عددا من النقاط الضروريّة حتّى يكون الملعب في حلّة تستجيب للشروط المنصوص عليها من طرف الاتّحادين الدولي والإفريقي لكرة القدم.
هذا ما يتبيّن من خلال بلاغ مشترك بين وزارتي الرياضة والتجهيز، تمّ نشره في 15 أوت/آب 2023 أي بعد انقضاء نحو 60% من الآجال المضبوطة لانتهاء المشروع، والذي وردت به نقطة جديدة لم يقع التطرق إليها في بلاغات سابقة وتعلّقت بإنجاز الاختبارات اللازمة على الغطاء القديم للملعب.
يؤكد هذا البلاغ أنّ مرحلة الدراسات والإختبارات التي يُفترض أنّها مرحلة أوليّة في مشروع تهيئة الملعب لم تكن بالحرفية والمسؤولية اللازمتين وتُعزّز ما توصّل إليه موقع الكتيبة من معلومات تُشير إلى أنّ الوزارتين والشركات العاملة بالحظيرة والمهندس المعماري نفسه لم تكن لهم فكرة واضحة حول ما إذا كان الملعب في حلّته الجديدة سيكون مغطى بالكامل أو جزئيا وهل ستتم المحافظة على الغلاف القديم على حاله أم نقله للجهة المقابلة أين ستتواجد منصة الصحفيين.
بعد الوقوف على جملة من الإخلالات التي رافقت صفقات مشروع تهيئة الملعب الأولمبي بالمنزه، من ذلك الهوة الشاسعة بين العروض المالية الأكثر والأقل ثمنا التي تقدّمت بها شركات المقاولات، فضلا عن لجوء وزارة التجهيز بعد مرور 15 شهرا من انطلاق الأشغال إلى نشر طلب عروض جديد لانتداب مكتب في المساعدة الفنية أثناء الإنجاز، حاور موقع الكتيبة الخبير في الصفقات العمومية كريم الحاج عيسى لتوضيح الإطار القانوني المنظم لمثل هكذا مشاريع كبرى دون إعلامه بأنّ الأسئلة المطروحة على علاقة بصفقة تهيئة ملعب المنزه.
يُفسّر الخبير أنّ الحكومات التونسية ومنذ عقود وفي إطار الضغط على المصاريف كانت تلجأ دائما لانتقاء العروض المالية الأقل ثمنا في كل المشاريع التي تعتزم القيام بها إن كانت في مجال البناء والإعمار أو الشراءات، مشيرا إلى أنّ هذا الإجراء مقيّد هو الآخر بجملة من الشروط التي يجب أن تتوفر في العرض.
ويُضيف المتحدّث ذاته أنّ لجوء وزارة التجهيز للتعاقد مع مكتب خاص للدراسات الفنية بعد بداية أشغال تهيئة أي منشأة عمومية يُعتبر “إقرارا صريحا بفشل مصالحها في إدارة ذلك المشروع”، مرجعا الأمر لمشاكل تعيشها الوزارة في علاقة بانتداب الكفاءات اللازمة في مجالات الهندسة باعتبار أنّ العرض الذي توفره لهم لا يساعد على استقطابهم.
في دوّامة الاتهامات بين المهندس وشركة المقاولات
بعد مُضي 4 أشهر على انطلاق الأشغال، انعقدت جلسة عمل بوزارة الشباب والرياضة جمعت كل الأطراف المتدخلة في حظيرة الأشغال.
وفق مداولات الحاضرين في تلك الجلسة والمضمنّة بمحضر رسمي تحصّل موقع الكتيبة على نسخة منه، كان النقاش يدور حول نقاط يفترض أنّها محسومة قبل الإنطلاق الفعلي في أشغال التهيئة منها ما يتعلق بجوانب ماليّة وأخرى إداريّة.
أوضحت تلك الجلسة أنّ السير الطبيعي للأشغال تمثّل فقط في إزالة المدارج القديمة والتي بلغت إلى حدود شهر سبتمبر/أيلول من عام 2022 نحو الـ50%، فيما سارت بقية الأشغال بنسق عادي وفق ما صرّح به ممثل وزارة التجهيز في ذات الجلسة.
وبمزيد التمعّن في مداولات الجلسة يبدو أنّ اتخاذ قرار بداية الأشغال كان متسرّعا وغير مدروس نظرا إلى انعدام التنسيق بين مختلف المتدخلين.
يتبين هذا من خلال ما أفادت به ممثلة عن إدارة البنايات والتجهيز في خصوص وضعية الأنقاض المتأتية من المشروع والتي تحتوي على معدات ثمينة، مشيرة آنذاك إلى أنّه “يجري جردها وإعداد محاضر في الغرض وإحالتها إلى مؤسسة الحي الوطني الرياضي التي تعمل بدورها على إيجاد مكان آمن لحفظها”.
واللافت للانتباه أنّ الإشكال الذي حصل في خصوص تعطّل سير الأشغال، يكمن في وجود رأيين مختلفين في علاقة بمكوّنات الملعب، وهو ما جاء على لسان مدير الحي الوطني الرياضي كما هو مضمّن بمحضر الجلسة المذكور حين أكّد على “ضرورة المحافظة على مكوّنات الملعب والتقيّد بمضمون ما جاء في طلبات العروض”.
إذا كانت هناك تغييرات ضرورية وعميقة فسيتم رفعها إلى السادة والسيدات رئيسة الحكومة، وزير الشباب والرياضة، وزير الداخلية ووزيرة التجهيز والإسكان.
مقتطف من تدخل مدير الحي الوطني الرياضي في محضر جلسة عمل 23 سبتمبر 2022
إثر سجال امتدّ على عدّة أسابيع بين المهندس المعماري والشركة المقاولة، تلقت الأخيرة موافقات كتابية من ممثلي وزارة التجهيز لإنجاز ما يلزم من إصلاحات وأشغال جديدة غير مضمّنة بكرّاس شروط العقد الممضى بين الطرفين، وفق ما توصّل إليه موقع الكتيبة من معلومات موثوقة.
وفق مصادر مُطلّعة تحدّثنا إليها، كان يجب إيقاف المشروع منذ أسابيعه الأولى نظرا للاشكاليات الإداريّة التي كان عليها. وتشير المصادر ذاتها الى أنّ المهندس المراقب ممثّل وزارة التجهيز بحظيرة الأشغال كان يتعاطى مع الخلافات الموجودة بين المهندس المعماري وشركة المقاولات بنوع من اللامبالاة ما زاد في تفاقم الوضع وأدّى إلى تلك النتائج الكارثيّة في وقت كان يجب عليه إعلام الجهات الإداريّة بضرورة توقيف الأشغال حفاظا على المال العام.
بقي الأمر على ما هو عليه من خلافات عميقة وغياب للتنسيق إلى أن تداعت الأمور إلى وضع وصل فيه كل المتدخلين في حظيرة الأشغال إلى طريق مسدودة لا يمكن معها مواصلة الأشغال بأي حال من الأحوال.
في ذلك الوقت، تولّى المهندس المعماري صاحب التصاميم والأمثلة الهندسية محمد الواعر مراسلة رئاسة الجمهورية بتقرير مفصل عن سير الأشغال متهما الشركة المقاولة بالقيام بأشغال غير مضمنّة في كراس الشروط تهدف من خلالها إلى الترفيع ماديا في عقد الصفقة المقدّر بـ64 مليون دينار، فضلا عن اتّهامها بالغش في مكوّنات عديدة من المشروع وهي ذات الإخلالات التي تطرّق إليها الرئيس سعيد خلال زيارته الفُجئية إلى الملعب.
بعد زيارة كلّ من الرئيس سعيّد ووزيرة التجهيز إلى حضيرة أشغال الملعب، سلكت الخلافات التي كان مسكوتا عنها طريقها نحو المحاكم وتوقفت معها الأشغال بالكامل رغم الخطابات التطمينيّة لوزير الشباب والرياضة بقوله إنّ الأمور في طريقها نحو الانفراج.
يتضح هذا من خلال ما اتخذته شركة المقاولات من إجراءات قانونيّة كما هو مبيّن بنصوص الدعاوى القضائيّة التي توجه بها محاموها في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأوّل من سنة 2023 أي بعد انقضاء 65% من الآجال التعاقدية، مطالبا القضاء بتعيين 3 خبراء لمعاينة ما تمّ إنجازه من أشغال وتقدير قيمتها ومدى تطابقها مع كرّاس شروط الصفقة ومعاينة الأشغال الإضافية التي وقع إنجازها والخارجة عن نطاق التعاقد ورفض الإدارة إبرام ملحق بخصوصها، فضلا عن مطالبتها بتبيان المسؤول وراء تعطّل سير الأشغال والمدّة الكافية التي يجب منحها إليها بعد الآجال التعاقدية لإتمام المشروع.
مشروع عبثي
في موفى ديسمبر/كانون الأوّل عام 2023، عيّنت المحكمة الإبتدائية بتونس واستجابة لطلب الشركة المقاولة 3 خبراء يتولّون إجراء اختبارات فنية ومعاينة مدى توفّر الرخص الإدارية الضرورية لإنجاز المشروع ومدى وجود نقائص للأمثلة الفنية والهندسية لانجاز ملعب كرة قدم والوقوف على مدى تأثير تلك النقائص على حسن سير إنجاز المشروع.
جاءت خلاصة الخبراء الثلاثة صادمة وتفضح ما حفّ بإنجاز مشروع تهيئة الملعب الأولمبي بالمنزه من نقائص ترتقي حدّ العبثيّة وإهدار للمال العام.
وجب عدم مواصلة إنجاز هذا المشروع في جميع مكوّناته بدون استثناء لما احتواه من إخلالات وعدم تطابق صارخ يرتقي إلى عدم الجدّية في أغلب الحالات.
مقتطف من تقرير الاختبار الفني المنجز على أشغال ملعب المنزه
وفق نص الإختبار الفني المنجز -تحصّل موقع الكتيبة على نسخة منه- تتعلّق الإخلالات الجسيمة التي يستحيل معها مواصلة إنجاز المشروع بوجود “نقائص فنية معيقة لتقدّم الأشغال ولكامل المشروع على مستوى التصور والابتكار توصف بالعبث وعدم الإكتراث بالمسؤولية في جميع الأمثلة المتصلة بقسط الهندسة المعمارية والهيكل العام والشبكات وبقية الأقساط للهندسة الكهربائية والسلامة والحماية من الحرائق وقسط هندسة السوائل والتكييف”. وفق ما جاء بنص الإختبار.
إضافة إلى ذلك عاين الخبراء المكلّفون من المحكمة غياب أغلب التراخيص الإدارية المفترض إعدادها قبل بداية المشروع من ذلك عدم توفر رخص بناء وهدم وغياب المصادقة الفنية والسلامتية من طرف مكتب المراقبة والديوان الوطني للحماية المدنية، والأهمّ من ذلك غياب مقوّمات مصادقة الكنفدرالية الإفريقية لكرة القدم من حيث المعايير الواجب احترامها لتصنيف الملعب في الصنف 4 كملعب يمكن استغلاله في المقابلات الدولية و المسابقات الإفريقية.
حمّل الخبراء الوضع الكارثي الذي آلت إليه أشغال تهيئة الملعب إلى كل من المهندس المعماري ووزارة التجهيز ممثلّة في الإدارة العامة للبنايات المدنية.
وطالت الإخلالات كل أجزاء المشروع ذات الصلة بحجرات ملابس اللاعبين والحكام و ملتقطي الكرة، إضافة إلى وجود إخلالات جسيمة في الأمثلة والدراسات الفنيّة والتصاميم الهندسيّة في جميع أجزاء المشروع من المقصورات ومقصورة الشخصيّات الكبرى ومنصّة الصحفيين وشبكة الطرقات والمدارج والدعامات وغيرها من الإخلالات التي تضمّنها التقرير.
جميع الأمثلة التي قمنا بالإطلاع عليها ليست أمثلة انجاز بل هي أمثلة مبدئية غير مُصادق عليها من طرف مكتب المراقبة علاوة على أنّها تحتوي على إخلالات ونقائص كثيرة لا تتطابق مع الأمثلة المعماريّة وسبب ذلك يرجع إلى عدم القيام بمهمة التنسيق بين جميع المصمّمين.
مقتطف من تقرير الاختبار الفني المنجز على أشغال ملعب المنزه
ومن بين أهم النقاط التي تطرّق إليها التقرير أو لعلّ أخطرها على الاطلاق انعدامُ المصادقة الفنية والسلامتيّة الضروريّة من لدن الديوان الوطني للحماية المدنية لإنجاز المشروع.
بالرغم من أنّ هذه النقطة بالذات تمّت إثارتها منذ الإجتماعات الأولى كما تُشير إلى ذلك محاضر الجلسات التي تحصّل موقع الكتيبة على نسخة منها، بقي ملف مصادقة الديوان الوطني للحماية المدنية على ملف المشروع من حيث السلامة مُعلّقا بالرغم من أنُه شرط أساسي ولا يمكن تجاوزه أو بدء أي مشروع كان دون توفره كما تنص على ذلك القوانين التونسية وحتى لوائح الإتحاد الإفريقي لكرة القدم التي تؤكد على إجبارية أن يتحصّل الملعب على شهادة السلامة من السلطات المحليّة.
إلى حين توقف أشغال المشروع لم تستطع وزارة التجهيز بصفتها المفوّضة قانونا لإنجاز المشروع من عرض الملف على الديوان الوطني للحماية المدنية نظرا للنقائص الكبيرة في الأمثلة والدراسات كما تبيّنه مراسلة تمّ توجيهها إلى المهندس المعماري بتاريخ 9 فيفري/شباط 2024 -تحصّل موقع الكتيبة على نسخة منها- تذكّره وتستعجله لموافاتها بالأمثلة الهندسية المحيّنة حتى تتسنّى المصادقة على الملف الخاص بالسلامة من الحرائق.
تصميم لا يتطابق ومعايير الاتحاد الدولي لكرة القدم
من الصدف أن انطلقت أشغال تهيئة الملعب الأولمبي بالمنزه أشهرا قليلة بعد انتهاء أشغال الملعب الأولمبي بسوسة والذي رفض الإتحاد الإفريقي لكرة القدم قبوله لعدم ملائمة أجزاء كثيرة منه للمعايير المنصوص عليها من طرفه حتى يتم تصنيفه كملعب من الصنف الرابع يمكنه استقبال مقابلات دولية وقاريّة.
وبالرغم من التحذيرات التي ساقها العديد من المختصين لضرورة تجنّب ما حصل في ملعب سوسة حفاظا على المال العام، كان الملعب الأولمبي بالمنزه يسير هو الآخر صوب نفس الوضعية أو ربّما أكثر كارثيّة ممّا هي عليه بملعب سوسة.
وفق تقرير الخبراء المشار إليه سابقا، تمّ تسجيل أكثر من 14 إخلالا جسيما لا يخوّل لملعب المنزه، في صورة مواصلة أشغال تهيئته بالتصاميم والأمثلة الموجودة، أن يكون ملعبا قادرا على احتضان مسابقات دوليّة وقاريّة.
ومن بين النقاط التي كانت ملفتة للانتباه تلك المتصلة بمنصة الصحفيين، حيث تنص معايير كل من الاتحادين الإفريقي والدولي لكرة القدم على أن تكون منصة الصحفيين فوق حجرات ملابس اللاعبين والطواقم الفنية والتحكيمية مع تخصيص مسلك خاص يقودها نحو المنطقة المختلطة بهدف تسهيل مهام الصحفيين والإعلاميين.
إضافة إلى ذلك وحتى يتمّ قبول الملعب دوليّا وفقا للمعايير المنصوص عليها يجب أن تكون منصة الصحفيين مجهزة بالانترنت والكهرباء وغيرها من التجهيزات الفنيّة والأهم أن تكون مغطاة و في مكان لا تحجب فيه الرؤية.
في الوضع الحالي توجد منصة الصحفيين في الجهة المقابلة لحجرات الملابس، وهو ما يتعارض مع المعايير المذكورة.
وفقا للتصميم والأمثلة الهندسيّة الجديدة تمّ تحديد أماكن جلوس الصحفيين في المدارج التي هي فوق حجرات ملابس اللاعبين كما تنص على ذلك لوائح الفيفا، لكن المفاجئ أنّ التصميم وكراس شروط الصفقة تغافلا عن إفرادها بممر خاص، فضلا عن أنها قريبة من أماكن جلوس الجماهير وتوجد عكس اتجاه الشمس ولا يُعلم بعدُ إن كانت ستكون مغطاة أم لا.
من التعويل على الذات إلى البحث عن هبة ومساعدات
خلال جلسة حوار عقدها معه مجلس نواب الشعب في 07 فيفري/شباط من عام 2024، صرّح وزير الشباب والرياضة لأوّل مرّة عن وجود مفاوضات مع الجانب الصيني لاستكمال الأشغال بعد معاينة البطء الشديد في سيرها.
أقرّت الجهات المُشرفة بوجود إخلالات كبيرة عند تنزيل المشروع على أرض الواقع منها ما هو متصلّ بوجود نقائص في مستوى التصاميم والأمثلة الهندسية ومنها ما هو متصلّ بضعف قدرة الشركة المقاولة على مجاراة نسق الأشغال وفق ما صرّح به مدير البناءات والتجهيز بالإدارة العامة للمصالح المشتركة بوزارة الشباب والرياضة نوفل بلحاج رحومة في وقت سابق والذي أكّد أنّه تمّ فسخ العقد مع شركة المقاولات التونسية التي كُلّفت بتجديد الملعب الأولمبي بالمنزه.
وفي تصريح سابق له قال زياد صنديد، المهندس المستشار بالشركة المقاولة AMA Construction، تعليقا منه على إمكانية فسخ العقد، انّ المشكل لا يكمن بالمرّة في الشركة بقدر ما هناك إشكاليات متصلة بالأمثلة الهندسية والتي لن تقدر أي شركة أخرى على تنفيذها لعدم جديتها والنقائص العديد التي تضمنتها، وفق قوله.
في الأثناء وبعد أن تمت إحالة ملف المشروع من طرف وزارة التجهيز على أنظار القضاء، أذنت النيابة العمومية في مارس/آذار من هذا العام، بإيقاف الأشغال وإخلاء الحظيرة وغلقها.
ومنذ أن تطرّق الوزير السابق للشباب الرياضة كمال دقيش إلى وجود محاولات للتعاقد مع شركة صينية لمواصلة الأشغال، خاضت الدولة التونسية مشاورات مكثفة مع جمهورية الصين الشعبية عبر سفارتها بتونس بهدف إيجاد صيغ تعاون فني ومالي لإحياء المشروع الذي ولد ميتا في صيغته الأولى.
من الواضح أنّ التوجه الحكومي لتهيئة ملعب المنزه يتركز في جانب مهم منه على إبرام الاتّفاقيات اللازمة مع جمهورية الصين الشعبية لدعم إنجاز المشروع عبر هبة مالية ومساعدة فنية على أن تتولّى إحدى الشركات الخاصة الصينية القيام بالأشغال كاملة.
في 14 أفريل/نيسان من هذا العام حلّ بتونس وفد صيني يتكوّن من ممثلي شركات خاصة صينية ومهندسين قصد معاينة الملعب وعقد الاجتماعات اللازمة مع الجهات التونسية المُشرفة على المشروع.
وعلى عكس ما تمّ ترويجه في عدد من المنابر الإعلاميّة، لم يُقدّم الوفد الصيني أيّ اقتراح بخصوص مستقبل الملعب وحول ما إذا كان سيُحافظ على شكله المعماري القديم أو سيتم هدمه وبناء ملعب آخر محلّه، حيث أشارت مصادر مطلّعة من وزارة التجهيز إلى أنّ الوفد طلب مهلة للاطلاع على الدراسات الفنيّة والتصاميم الهندسيّة ودراستها جيّدا قبل تقديم أي مقترح.
بعد مُضي 4 أشهر من تاريخ زيارته، قدّم الوفد الصيني مقترحات بلاده بخصوص الأشغال المزمع استكمالها بالملعب وذلك خلال استقباله من طرف وزيرة التجهيز والإسكان في 12 سبتمبر/أيلول من العام الجاري.
ولئن لم تتوضّح الصورة بعدُ حول مقترحات الصينيين لإنجاز المشروع، إلاّ أنه من الممكن القول إنّ الأشغال لن تُستأنف في الأشهر القليلة القادمة وهي رهينة المفاوضات بين الطرفين.
يتبين هذا من خلال التصريحات التي أدلى بها السفير الصيني بتونس وون لي Wan Li لدى استضافته في الإذاعة الوطنيّة التونسية للحديث عن مجالات التعاون بين البلدين، قائلا: “هذه المشاريع الضخمة لا يمكن أن تُنجز فقط عن طريق هبة صينية”.
خلال ذلك الحوار توضّح أنّ التوجه الصيني في تونس يتركّز على دعم مشاريع الصحّة والنقل والبنية التحتية أكثر من أي شيء آخر.
من خلال إعادة قراءة الأحداث حول كل ما حف بأشغال تهيئة الملعب الأولمبي بالمنزه من تعطُّل، يتّضح دون أدنى شكّ أنّ الإدارة التونسيّة لم تلعب دورها على الوجه الكامل في خصوص تنسيق الأعمال والمصادقة على الأمثلة والتصاميم الهندسية المُعدّة من طرف المهندس المعماري واللجان الفنية التي رافقت أعماله.
كان من الواضح أنّ التسرّع في اتخاذ قرار إنجاز مشروع تهيئة الملعب لدوافع سياسيّة بحتة، بعد أن تمّ إقناع الرئيس سعيّد بأنّ فترة الأشغال ستدوم نحو 30 شهرا ما يعني أنّ تدشين الملعب سيكون في الأسابيع الأولى من ولايته الرئاسية الثانية والتي حملت شعار “البناء والتشييد”.
إضافة إلى ذلك، تعكف الأجهزة القضائية على التحقيق مع كافة المتدخلين في إنجاز هذا المشروع خاصة وأنّ هناك مبالغ ماليّة هامة تمّ صرفها منذ بداية العمل عليه من مرحلة الدراسات الفنية وإعداد التصاميم الهندسية والتي وصفها الخبراء في اختبارهم الفني على كامل أطوار المشروع بالعبثية، مستغربين من كيفية قبول الإدارة لمثل تلك التصاميم وخلاص معدّيها فضلا عمّا تمّ استنزافه من اعتمادات ماليّة في تنفيذ الأشغال والتي لم تتجاوز إزالة المدارج القديمة وتقوية بعض من دعامات الملعب.
ما حدث مع الملعب الأولمبي بالمنزه يتناغم وكل خواتيم المشاريع التي أعلنها الوزير السابق للشباب والرياضة كمال دقيش، من ذلك تهيئة ملعب الشاذلي زويتن وملاءمة الملعب الأولمبي بسوسة مع المعايير الدولية وقانون جديد للهياكل الرياضية والتي لم تر جميعها تقريبا النور.
في الأثناء يبدو أنّ فكرة إعادة تهيئة ملعب المنزه في حدّ ذاتها خاصة مع سوء التصرف والحوكمة والتنفيذ الذي شاب التجربة الحاليّة، مفتوحة على سيناريوهات ثلاث : إمّا مواصلة الأشغال بعد تلافي النقائص في مستوى الدراسات الفنية والأمثلة الهندسية أو الهدم الكامل للملعب وتشييد آخر محله أو بناء ملعب جديد في مكان آخر بعيدا عن الحي الأولمبي بالمنزه، وهذه السيناريوهات تبقى هي الأخرى رهينة قدرة الحكومة على توفير الاعتمادات المالية اللازمة إن كان ذلك على حساب خزينة الدولة أو عن طريق تعاون دولي كما تُشير إلى ذلك المشاورات مع الجانب الصيني.
رغم كل الجهود التي قام بها موقع الكتيبة للتواصل مع كل من وزارتي التجهيز والرياضة وفسح المجال أمامها للتعليق على ما ورد بالإختبار الفني من خروقات جسيمة، لم نتوصّل بأي ردّ من طرفهما. إضافة إلى ذلك رفض كل من المهندس المعماري محمد الواعر التصريح بشكل رسمي لموقع الكتيبة وعلى منواله نسجت شركة المقاولات AMA Construction
رغم كل الجهود التي قام بها موقع الكتيبة للتواصل مع كل من وزارتي التجهيز والرياضة وفسح المجال أمامها للتعليق على ما ورد بالإختبار الفني من خروقات جسيمة، لم نتوصّل بأي ردّ من طرفهما. إضافة إلى ذلك رفض كل من المهندس المعماري محمد الواعر التصريح بشكل رسمي لموقع الكتيبة وعلى منواله نسجت شركة المقاولات AMA Construction
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي