الكاتب : سماح غرسلي
صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستار صحافة استقصائية بجامعة منوبة
“لقد تعرّضنا كمواطنين إلى عملية تحيّل، فقرارات وزارة البيئة بخصوص الأكياس البلاستيكيّة كانت مجرد بروباغندا، حيث كان يفترض أن يتمّ منع استعمال هذه الأكياس وتداولها بشكل نهائي بالنظر إلى مخاطرها البيئية والصحيّة. ولكن ما حصل على أرض الواقع هو أنّ المواطن كان يتحصّل على الأكياس في المساحات التجارية الكبرى مجانا، والآن أصبح يدفع المال من جيبه مقابل الحصول عليها.”
منذ سنوات، تُناضل الناشطة البيئة ماجدة اليعقوبي من أجل حثّ السلطات في تونس على منع الأكياس البلاستيكيّة. وهي لا تتردّد في وصف ما جرى في السنوات الماضية من قرارات معلنة بأنّه لا يعدو أن يكون سوى عمليّة تحيّل، وفق تعبيرها، مضيفة بالقول:
“الأكياس البلاستيكيّة كارثة حقيقيّة. كان من المفترض أن يقع تحجير بيعها، لكنّ وزارة البيئة اختارت عدم ازعاج الشركات المصنّعة لهذه الأكياس التي أصبحت المساحات التجارية تبيعها بمقابل مادي، زيادة عن كونها تُقحم المواطنين في عمليّة إشهار مجاني لها من خلال طباعة العلامة التجاريّة عليها. لقد أصبحت تجارة مربحة وحتّى من يقول إنّ هذه الأكياس هي صديقة للبيئة هو يغالط عموم الناس لأنّها في النهاية ستلقى في الشوارع وسوف تلوّث الطبيعة والمحيط”.
وتشدّد اليعقوبي وهي رئيسة جمعيّة الطريق الأخضر، على أنّه لو تمّ منع تداول الأكياس البلاستيكيّة بشكل جذري لأُجبر المواطن على تغيير عاداته والبحث عن حلول بديلة مثل استعمال “القفّة”، مضيفة: “حتى المخابز التي لم تعد تستعمل هذه الأكياس أصبحت تسمح لأشخاص آخرين ببيعها أمام أبوابها، زيادة على أن الأكياس السوداء والبيضاء والزرقاء باتت تسوّق بشكل عادي في محلاّت بيع المواد الغذائية وفي عموم الأسواق”.
الكاتب : سماح غرسلي
صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستار صحافة استقصائية بجامعة منوبة
“لقد تعرّضنا كمواطنين إلى عملية تحيّل، فقرارات وزارة البيئة بخصوص الأكياس البلاستيكيّة كانت مجرد بروباغندا، حيث كان يفترض أن يتمّ منع استعمال هذه الأكياس وتداولها بشكل نهائي بالنظر إلى مخاطرها البيئية والصحيّة. ولكن ما حصل على أرض الواقع هو أنّ المواطن كان يتحصّل على الأكياس في المساحات التجارية الكبرى مجانا، والآن أصبح يدفع المال من جيبه مقابل الحصول عليها.”
منذ سنوات، تُناضل الناشطة البيئة ماجدة اليعقوبي من أجل حثّ السلطات في تونس على منع الأكياس البلاستيكيّة. وهي لا تتردّد في وصف ما جرى في السنوات الماضية من قرارات معلنة بأنّه لا يعدو أن يكون سوى عمليّة تحيّل، وفق تعبيرها، مضيفة بالقول:
“الأكياس البلاستيكيّة كارثة حقيقيّة. كان من المفترض أن يقع تحجير بيعها، لكنّ وزارة البيئة اختارت عدم ازعاج الشركات المصنّعة لهذه الأكياس التي أصبحت المساحات التجارية تبيعها بمقابل مادي، زيادة عن كونها تُقحم المواطنين في عمليّة إشهار مجاني لها من خلال طباعة العلامة التجاريّة عليها. لقد أصبحت تجارة مربحة وحتّى من يقول إنّ هذه الأكياس هي صديقة للبيئة هو يغالط عموم الناس لأنّها في النهاية ستلقى في الشوارع وسوف تلوّث الطبيعة والمحيط”.
وتشدّد اليعقوبي وهي رئيسة جمعيّة الطريق الأخضر، على أنّه لو تمّ منع تداول الأكياس البلاستيكيّة بشكل جذري لأُجبر المواطن على تغيير عاداته والبحث عن حلول بديلة مثل استعمال “القفّة”، مضيفة: “حتى المخابز التي لم تعد تستعمل هذه الأكياس أصبحت تسمح لأشخاص آخرين ببيعها أمام أبوابها، زيادة على أن الأكياس السوداء والبيضاء والزرقاء باتت تسوّق بشكل عادي في محلاّت بيع المواد الغذائية وفي عموم الأسواق”.
4.2 مليار كيس بلاستيكي يستهلكها التونسي.ـة كل سنة. يعكس هذا الرقم المفزع فشل الاستراتيجيات والقوانين التي سنّتها الدولة التونسية للحدّ من استعمال هذا المنتج الذي لم تعد مساهمته في تفاقم ظاهرة التلوث والإضرار بالمحيط خافية على أحد. ويلعب تمادي المصانع والشركات والمساحات التجارية الكبرى في بيع الأكياس البلاستيكية وترويجها رغم وجود قرار يمنع ذلك دورا رئيسا في وقف نزيف الاستهلاك المفرط لها.
فما هي الاستراتيجيات التي وضعتها الدّولة لحلّ أزمة الأكياس البلاستيكية الآخذة في التفاقم؟ وما مدى نجاعتها؟ وكيف يمكن تفسير تقاعس الدولة في تنفيذ القرار عدد 32 الصادر بتاريخ 16 جانفي/كانون الثاني 2020 المتعلّق بضبط أنواع الأكياس البلاستيكية التي يمنع إنتاجها وتوريدها وتوزيعها ومسكها بالسوق الداخلية؟ وهل هو تقصير من الدولة أم تضارب لمصالح مختلفة تحاول تقويض القرارات القانونية للتحيّل على المواطن؟
أرقام مفزعة ومخاطر متفاقمة
يستخدم البشر حوالي تريليون كيس بلاستيك مفرد الاستعمال كلّ عام في أنحاء العالم. وتُلقى في المحيطات سنويّا حوالي 13 مليون طن من النفايات البلاستيكية، الأمر الذي يجعل التلوّث البلاستيكي قضيّة عاجلة وطارئة يجب عدم تجاهلها، وفق منظمة الأمم المتّحدة.
وتونس ليست بمنأى عن هذه الظاهرة، إذ تُصنّف من ضمن أكثر الدول تلوثا بالبلاستيك، حيث ينتج التونسي يوميّا 0.11 كلغ من النفايات البلاستيكية، بحسب دراسة أنجزتها الوكالة الوطنية لحماية البيئة سنة 2018 وخلصت فيها إلى أنّ الاستهلاك السنوي للبلاستيك في تونس يُقدّر بـ4.2 مليار.
وتضع هذه المعطيات الإحصائية مسألة استعمال الأكياس البلاستيكية بسائر أنواعها وما تشكّله من مخاطر بيئية وصحّية في دائرة جدل متواصل تثيره العديد من المنظمات والخبراء الذين دقّوا ناقوس الخطر ونبّهوا من الآثار الوخيمة التي تخلّفها هذه الأكياس على كافة المستويات.
ويتفق الخبراء في تونس والعالم على أنّ استعمال الأكياس البلاستيكية في حمل الخضراوات والفواكه والأغذية بصفة عامّة، خصوصًا الساخنة منها، له تأثيرات خطيرة على صحة الإنسان؛ حيث يحدث نوعا من التفاعلات الضارّة جدّا مع أنسجة الغذاء مصدرها الرئيس هو التركيبة الكيميائية للبلاستيك التي تحتوي على مواد مثل الكربون والهيدروجين والكلور.
ولا ينتهي مستوى الضرر عند نقطة الاستعمال، فالتخلّص من الأكياس البلاستيكية يشّكل في حد ذاته كارثة من نوع آخر. فإتلافها عن طريق الحرق يؤثّر على الغلاف الجوي وعلى رئة الإنسان. أمّا التخلّص منها بإلقائها في البحر فهو يؤدي إلى تلوّث المحيط وبالتالي يهدّد الحياة البحريّة بأكملها. علاوة على أنّ انتشار هذه الأكياس يوفّر بيئة خصبة لنقل الأمراض المعدية وانتشار الحشرات والقوارض، وما ينجم عن ذلك من مخاطر على صحّة الإنسان.
على عكس ما كان ساريا في الماضي، دخلت الأكياس البلاستيكية في العادات اليومية للمواطنين.ـات، فهي ترافق جلّ العائلات التونسية بدءا من عمليّة التسوّق وصولا إلى مطابخ المنازل. ويبرّر المواطن استعماله لهذه الأكياس بأنّها تساعده على وضع حاجياته ومشترياته كلّ على حدى وتتحمّل حتّى الأوزان الثقيلة، وهي المتوفّرة حاليّا في المحلاّت والأسواق. والمفارقة هو أن هذه التصريحات تصدر من المواطن ذاته الذي يتذمّر من تلوّث المساحات الخضراء والشوارع والشواطئ بسبب هذه الأكياس.
فالأكياس عند التخلّص منها بعد استعمالها، ونظرا إلى خفّة وزنها، تعلُق بكلّ ما تصادفه في طريقها وتشوّه جمالية كلّ المساحات وتعيق نمو النباتات عن طريق منع أشعة الشمس والهواء من الوصول إليها. كما أنّ وجودها بين الأعشاب وفوق أغصان الأشجار يضعها في طريق الحيوانات التي تبحث عمّا تأكل.
إضافة إلى أن تطاير هذه الأكياس في المراعي والمناطق الريفية والبرّية يؤدّي إلى نفوق الكثير من الحيوانات، كالأبقار والأغنام والماعز والحيوانات البرّية أو التأثير على إنتاجيتها، حيث أنّ هذه الأكياس أو أجزاء منها تؤدي إلى انسداد القناة الهضمية أو الجهاز التنفسي وخاصة الرئتين والقصبات الهوائية للحيوانات التي تبتلعها، وتكون النتيجة نفوقها أو مرضها أو فقدانها للشهية وبالتالي انخفاض إنتاجها سواء على مستوى اللحوم أو الحليب.
كذلك، يلحق وصول هذه الأكياس إلى البحر الضرر بالحيوانات البحريّة، إذ تبتلع الحيوانات هذه الأكياس وتصعّب حركتها في الماء وتعرقلها فتنفق. وتمّ تقدير عدد الحيوانات البحريّة التي تنفق سنويّا بسبب هذه النفايات بحوالي مليون طائر بحري و100 ألف من الحيتان والفقمة.
أمضت وزارة البيئة بتاريخ 17 مارس/ آذار 2023 اتفاقيات شراكة مع الغرفة الوطنيّة لأصحاب المخابز والمجمع المهني للمخابز العصريّة تمنع توزيع الأكياس البلاستيكيّة بكافة المخابز انطلاقا من شهر رمضان 2023، عملا بالأمر الحكومي عدد 32 بتاريخ 16 جانفي/ كانون الثاني 2020، وتنفيذا للاستراتيجية الوطنيّة للانتقال الإيكولوجي لسنة 2050 والقائمة على تحقيق الرّفاه المادّي واللاّمادي للأجيال الحاضرة والقادمة، وفي إطار منوال تنموي منصف اجتماعيا، واستكمال استراتيجية التنمية المحايدة للكربون والمتأقلمة مع التغيّرات المناخيّة قصد تعزيز المساهمة الوطنيّة حول رؤية مندمجة للتنمية، حسب ما جاء في موقع الوزارة.
وتهدف هذه الاتفاقيات، وفق المصدر ذاته، إلى حماية الصحة والمنظومات الحضارية والطبيعية والبحرية من ملوثات البلاستيك والمحافظة على جودة الخبز لفترة أطول وحمايته من تسرّب الملوّثات الموجودة بمادّة البلاستيك، إلى جانب التوعية والتحسيس للحدّ من تبذير الخبز.
وذكّرت وزارة البيئة من خلال هذه الاتفاقيات أنّه يقع، بموجب القانون عدد 117 بتاريخ 7 ديسمبر 1992 المتعلّق بحماية المستهلك، والقانون عدد 41 لسنة 1996 بتاريخ 10 جوان 1996 المتعلّق بالنفايات ومراقبة التصرف فيها وإزالتها، والأمر الحكومي عدد 433 لسنة 2017 المؤرخ في 10 أفريل 2017 المتعلق بضبط الخطايا والمخالفات المتعلقة بتراتيب حفظ الصحة والنظافة العامة بالمناطق الراجعة للجماعات المحلية، تسليط غرامات تتراوح بين 100 دينار و50 ألف دينار، إلى جانب عقوبات سالبة للحرّية على أصحاب المحلات المخالفة. كما يعاقب بخطيّة قدرها 40 دينارا كلّ من يرتكب مخالفة إلقاء أو وضع أو ترك أو صبّ فضلات الأطعمة أو بقايا السجائر أو القوارير أو العلب أو الأوراق أو الأكياس أو أي أشياء أخرى مهما كانت طبيعتها بالأماكن العمومية أو الخاصة.
ودعت الوزارة بموجب هذه الاتفاقيات الأطراف المعنيّة من أصحاب المخابز وكافّة المحلاّت دون استثناء والمواطنين إلى الإلتزام بهذا القرار.
يقول الناشط البيئي حسام حمدي في حديثه مع موقع الكتيبة إنّ “القرار الذي اتخذته الحكومة في علاقة بضبط أنواع الأكياس البلاستيكية والذي يمنع إنتاجها وتوريدها وتوزيعها ومسكها بالسوق الداخلية جاء بعد تلكؤ كبير من قبل الدولة”، مبيّنا أنّ “الدولة غير مطالبة فقط بالقطع مع الأكياس البلاستيكية بل يجب أن تهيّئ المواطنين وتوفّر الظروف الملائمة لتطبيق هذا القرار”.
يضيف حسام حمدي قائلا:
“إنّ غياب آليات الرقابة أدّى إلى عدم أخذ هذا القرار على محمل الجدّ من قبل المصنّعين والمواطنين على حد السواء. وهذا ما جعلنا نحن كنشطاء بيئة نفقد الثقة في هذا القرار وما جاء فيه، فما نراه على أرض الواقع هو أن المصانع لا تزال تعمل رغم وجود القرار. إضافة إلى وجود سوق موازية أخرى أمام المخابز وفي كلّ نقاط البيع بالتفصيل والجملة، لذلك أراه قرارا منقوصا يحمل بعض المغالطات خصوصا أنّ الأكياس التي يروّجون لها ويصفونها بأنّها قابلة للتحلّل البيولوجي غير موجودة بتاتا.”
في هذا السياق، تردّ مديرة جودة الحياة بوزارة البيئة عواطف المسعي بالقول إنّ “رحلة إيقاف استعمال الأكياس البلاستيكية انطلقت على مراحل من خلال دراسات أُجريت حول إمكانية تأهيل الشركات والمصانع لاستبدال الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد بأخرى ذات استعمالات متعدّدة. وفي سنة 2017 قامت الوزارة بإمضاء اتفاقيات مع المساحات التجارية الكبرى والصيدليات نظرا إلى رغبتها في دعم هذه المبادرة، وانطلق العمل الفعلي بهذا الأمر سنة 2020 بعد إصدار الأمر الحكومي المتعلق بإيقاف استعمال الأكياس البلاستيكية”.
وتضيف المسعي في حديثها مع موقع الكتيبة قائلة:
“اكتشفنا من خلال الدراسات أن التونسي يستعمل 400 كيس بلاستيكي في السنة أي 4 أضعاف ما يستهلكه المواطن الأوروبي في السنة وهو رقم مفزع. فضلا عن أنّ 75% من تلوّث سواحل البحر الأبيض المتوسط وخاصة سواحلنا سببه البلاستيك. الدراسات ذاتها بيّنت أن جسم الإنسان بات يفرز 5 غرامات من البلاستيك أسبوعيّا، ناهيك عن التلوّث الذي يسبّبه للمحيط وللمياه”.
وتردف المسعي بالقول إنّ” السوق الموازية تحتلّ 80% من كامل السوق. وينتهي بها المطاف في البحر أين تلتهمها الأسماك التي تذهب إلى بطون العائلات. لذلك حاولنا الإسراع في تطبيق هذه المبادرة رغم أنّ فيروس كورونا عطّل سير هذا المشروع مدّة سنة كاملة ثمّ أعدنا العمل عليه سنتيْ 2021 و2022 وركّزنا على جانب الاستيراد. وقد حققنا تراجعا في نسبة استيراد الأكياس البلاستيكية من الخارج”.
وتفيد المسؤولة بوزارة البيئة أنّه” في سنة 2023 تمّ إلزام أصحاب المخابز بإيقاف استعمال الأكياس البلاستيكية نظرا إلى خطورة المواد المكوّنة لهذه الأكياس وتأثيرها على الخبز. ووقع اقتراح استعمال الأكياس ذات الاستعمال المتعدّد وما يُطلق عليه تسمية “توت باغ” (Tote Bag)، لكن إلى اليوم تستمر العديد من المخابز في استعمال الأكياس البلاستيكية أو توظّف أشخاصا آخرين لبيعها أمام واجهتها.”
مازلنا إلى حدود هذه السنة (2024) نرسم خارطة الطريق لمكافحة استعمال الأكياس البلاستيكية وبيعها مع مراعاة الجانب المتعلّق بالمحافظة على موارد رزق أصحاب المصانع والشركات. بل نسعى للبحث عن البديل.
عواطف المسعي مسؤولة بوزارة البيئة
وتبيّن المسعي في متن حديثها “أنّه يتمّ اليوم العمل على وضع استراتيجية كبرى من أجل تقليص آثار البلاستيك على البيئة والمحيط والإنسان”، موضحة “أنّ أوّل الإجراءات التي سيقع تفعيلها تتمثّل في تركيز شباك على ضفاف الأودية بغاية الحدّ من تسرّب الأكياس والبلاستيك للأودية وبالتالي حماية السواحل من التلوث.”
فضلا عن ذلك، تشير المسعي إلى أنّه “يتمّ العمل بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي من أجل تنفيذ هذه الاستراتيجية التي تعمل عليها دول العالم قاطبة، مبرزة “أنّه قريبا ستكون هناك معاهدة دولية تتعلّق بالقضاء على البلاستيك (بما فيه الأكياس البلاستيكية) وستكون تونس من داعميها. “
إعادة تأهيل القطاع: شمّاعة أم أمر واقع؟
بخصوص أصحاب مصانع الأكياس البلاستيكية، توضّح مديرة جودة الحياة بوزارة البيئة عواطف المسعي “أنّه يتمّ العمل على تقديم رؤية جديدة للمشروع تأخذ بعين الاعتبار احتياجات أصحاب المهنة دون إلحاق الضرر بعملهم.”
وحول تشكّيات المواطنين من بيع المساحات التجارية لنوع جديد من الأكياس البلاستيكية بمقابل مادّي يتراوح بين 200 و 450 ملّيم، تعتبر عواطف المسعي أنّ “هذه الأكياس ذات استعمال متعدّد وأنّ الوزارة لم تجبر المواطنين.ـات على اقتناء هذه الأكياس بل تشجّع على استعمال القفّة التونسية”.
وتضيف محدثتنا قائلة:
“لا تستطيع الوزارة منع المساحات التجارية من توفير بديل للأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد. وقد قبلنا بهذا الأمر فقط لأن الأكياس المستخدمة حاليا قابلة للرسكلة وهو ما يندرج ضمن استراتيجيتنا في دعم الاقتصاد الدائري. كما أننا فكرنا جيّدا في أصحاب المصانع والشركات المصنّعة للأكياس البلاستيكية ولا يجوز إيقاف نشاطهم دون سابق إنذار ودون إيجاد حلول بديلة ترضي كل الأطراف. نحن نأخذ على عاتقنا مصلحة المواطن ونحرص على حماية البيئة وليست من أهدافنا تنفيع المساحات التجارية أو غيرها، بل نحن نتعاون من أجل مصلحة الجميع”.
المواطن التونسي الذي يردّد اليوم عبارة أنه كان يتحصّل على كيس بلاستيكي مجانا وبات يشتريه اليوم بـ 400 ملّيم، هو غير مجبر على شراء الأكياس البلاستيكية من المساحات التجارية، بل من الأفضل أن يمتنع عن اقتنائها نظرا للضرر الكبير الذي تلحقه بصحّته.
مديرة جودة الحياة عواطف المسعي
تفيد عواطف المسعي “أنّ هذا القطاع – حسب آخر دراسة أجرتها الوزارة في 2018 – يضم 46 مؤسسة توفّر مجتمعة قرابة 920 موطن شغل. وبعد مرور 6 سنوات على صدور هذه الدراسة، ارتفع عدد المؤسسات وعدد العاملين بها. وبالتالي من الصعب التخلّص من هذه المؤسسات دون مراعاة تبعات أي قرار”.
وأكّدت أنّ “الوزارة قامت بزيارات ميدانية لعدّة مصانع وشركات تعمل بالمجال لمعاينة مدى قدرتها على الانتقال من صناعة الأكياس ذات الاستعمال الواحد إلى صناعة الأكياس متعدّدة الاستعمال وأكياس القماش إلا أنها اكتشفت وجود صعوبات تُعيق تنفيذ هذا المسار لعدم توفّر المعدات والامكانيات.”
وأبرزت المسعي أنّ “الوزارة اقترحت توفير المعدات اللازمة لإعادة تأهيل المصانع والشركات والتخلّص تماما من صناعة الأكياس البلاستيكية، إلا أن الوضعية الاقتصادية للبلاد لا تسمح بتوفير الميزانية التي تفي بالغرض”.
وتتابع محدثتنا قائلة “إنّ كل الوزارات المتداخلة لها دور مهم في مراقبة التجاوزات التي تحصل صلب القطاع حيث سيقع تشديد الحملات الرقابية من أجل ضمان تطبيق القانون”.
توزّع المساحات التجارية 325 مليون كيس بلاستيكي سنويّا أي ما يعادل 30% من مجموع الأكياس البلاستيكية التي تُستهلك في السنة الواحدة.
تفيد معطيات تحصّل عليها موقع الكتيبة أنّ 4 مصانع تعمل في صناعة الأكياس البلاستيكية تسيطر على قسط كبير من السوق النظاميّة، أهمّها مصنع “بلاستيكا” (Plasteka)، والذي حقّق سنة 2023 رقم معاملات يقدّر بـ11.7 مليون دينار.
نجد أيضا مصنع “ياسين بلاست” (Yassine Plast) الذي حقّق رقم معاملات يقدّر بـ5.6 مليون دينار سنة 2023، يليه مصنع “ساكوبلاست” (Sacocplast) والذي قُدّر رقم معاملاته بـ4.8 مليون دينار في 2023، ومصنع “غيبلاست” (Guiplast) الذي بلغ رقم معاملاته حوالي 3.7 مليون دينار في نفس السنة.
رغم إطلاق وزارة البيئة بداية سنة 2023 تظاهرة بعنوان “سنة النظافة 2023” (CLEAN UP YEAR)، والتي تهدف إلى ترسيخ الوعي البيئي لدى المواطن، وتأتي تجسيدا لتوصيات تظاهرة شهر النظافة وتثمينا للنتائج الإيجابية التي تمّ تحقيقها حسب ما جاء على لسان مديرة جودة الحياة بالوزارة عواطف المسعي، إلا أنّ التطبيق الفعلي للأمر الحكومي المتعلّق بمنع استعمال الأكياس البلاستيكية بات أمرا مستحيلا في ظلّ نقص الرقابة من الجهات المسؤولية وعدم اتخاذ إجراءات صارمة أمام كلّ من يخالف القانون، إضافة إلى توسّع نشاط السوق الموازية في مجال بيع الأكياس البلاستيكية بصفة ملحوظة، حيث أصبح المواطن يحصل على كيس بلاستيكي بالمجّان من التجّار والمحلات الصغرى وباعة الخضروات فيما يشتريه آخرون من المساحات التجارية الكبرى.
وكانت السلطات التونسية قد وضعت خارطة طريق وأطلقت برنامج عمل عاجل لضمان حقوق واستدامة الشركات الصناعية بعد التشاور مع المهنيين. وصبّت تركيزها على ضرورة التوصّل إلى حلول واقعية من خلال جمع المواد البلاستيكية وفرزها وإعادة تدويرها.
وقد أقرّت حظر الأكياس البلاستيكية في كافة المخابز التونسية بموجب اتفاقيات شراكة موقّعة في 17 مارس/ آذار 2023 مع الغرفة النقابية للمخابز والمجموعة المهنية للمخابر والحديثة. واقترحت وزارة البيئة بديلا يتمثّل في أكياس قماشية تحتوي على رسائل توعوية لتجنّب الهدر والتلوّث بالبلاستيك.
تتطلّب مكافحة التلوّث “جهدا جماعيّا من جميع الفاعلين في المجتمع وتنفيذ إجراءات على أرض الواقع من خلال دعم التشريعات المعمول بها وحظر بعض المنتجات ذات الاستخدام الواحد، وإشراك الشركات والمواطنين بشكل أكثر فعاليّة في تقليل وإعادة استخدام وإعادة تدوير البلاستيك، وخاصّة تحمّل كلّ الوزارات – على غرار وزارة الصناعة ووزارة الصحة وعدّة مؤسسات عمومية- مسؤوليتها في مكافحة هذا التلوّث الكارثي الناجم عن الانتشار المفرط للأكياس البلاستيكية”، وفق تصريح مديرة الجودة بوزارة البيئة عواطف المسعي.
يقول الناشط البيئي وسام حمدي إنّ “الأرقام المتداولة حول أعداد الأكياس البلاستيكية غير دقيقة، خصوصا أنّ هذه الأكياس منتشرة بكثرة في السوق الموازية، وبالتالي يجب أن تتعامل الجهات الرسميّة بجدّية مع تطبيق القانون وإيجاد البدائل لأنّ عدم تقبّل المواطن فكرة منع الأكياس وعدم وعيه بخطورتها سيكون عائقا أمام السلطات وتعقّد عملية القضاء على هذه الكارثة”.
ويضيف حمدي أنّ “عدم جدّية الدولة في تطبيق القانون واضحة وضوح الشمس من خلال غياب المداهمات والحملات الرقابية. فمنذ إقرار القانون لم نسمع عن حالة إيقاف صاحب محلّ أو صاحب متجر أو مخبزة أو جهة مخالفة للقانون ويتواصل بيع الأكياس البلاستيكية على مرأى ومسمع من الجميع وكأنّ هذا القرار هو مجرّد ذرّ رماد على العيون ولا يطبّق فعليّا”، وفقا لما جاء على لسانه.
“وزارة البيئة لم تكن فاعلة في موضوع الأكياس البلاستيكية ولا يمكن أن نحمّل وزارة البيئة فقط المسؤولية بل تتحمّلها الحكومة كاملة بمختلف وزاراتها وهياكلها ”
الناشط البيئي حسام حمدي
وفيما يتعلّق بالحلول، يقول حسام حمدي في حديثه مع الكتيبة إنّ “الأكياس الورقية هي من أهم البدائل التي يمكن اعتمادها وقد نجحت هذه التجربة لدى الصيدليات. كما يمكن العودة إلى استعمال القفة التقليدية والتشجيع على بيعها”.
ويعتبر حمدي “أنّه يجب أن تتوفّر الإرادة السياسيّة مع خلق الآليات المناسبة لتطبيق هذا القرار، إضافة إلى إعداد برنامج واضح تتبعه الدولة، فضلا عن إمكانية الاستئناس بتجارب دول أخرى كرواندا وكينيا من أجل تجنب العبث”، حسب تقديره.
تمثّل مسألة التخلّص من الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد تحدّيا تواجهه سلطة الإشراف في تونس بهدف الحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية المحيط والحفاظ على البيئة. وتبقى محاولات الحدّ من استعمال هذه الأكياس محدودة الفاعلية والنتائج في ظلّ تواصل انتشار هذا المنتج في السوق الموازية وغياب الوعي المُواطني بأهمية هذه المسألة، فضلا عن غياب الرقابة ومحاسبة المخالفين في ظلّ غياب استراتيجية وطنية شاملة تهدف لا فقط إلى مواجهة معضلة الأكياس البلاستيكية بل التلوّث في كامل البلاد وانعكاساته على مختلف جوانب الحياة فيها.
أنجز هذا المقال في إطار تربص مهني للطالبتين بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بجامعة منوبة أميمة بلخير ورحمة البجاوي.
أنجز هذا المقال في إطار تربص مهني للطالبتين بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بجامعة منوبة أميمة بلخير ورحمة البجاوي.
الكاتب : سماح غرسلي
صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستار صحافة استقصائية بجامعة منوبة
الكاتب : سماح غرسلي
صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستار صحافة استقصائية بجامعة منوبة